|
|
عضو نشيط جداً
|
|
المشاركات: 307
|
#1
|
هاشم الرفاعي...
شاعرٌ من مصر مفعم بالمشاعر الجياشة والأحاسيس المتدفقة بقوةِ الطوفان....
له مع سيد قطب ديوان ((أناشيد كفاح))
بقلمه أقضَّ مضاجع الطغيان، زلزل عروشهم، فضح ألاعيبهم، فكان قلمه أقوى من الصولجان وأمضى من السِّنان وهاجِساً لذوي الجبروت والسلطان...
ولمالم يجد الطواغيت وسيلة لتكميم فمه قرَّروا إغلاقه إلى الأبد فصدر بحقه قرار بسجنه ومن ثمَّ تنفيذ حكم الإعدام فيه...
وفي اليلةِ الأخيرة له في الحياة قام هاشم الرفاعي بكتابةِ قصيدة خالدة إلى أبيه هي بحق واحدة من عيون الشعر العربي المعاصر شارحاًفيها جريمته الكبرى وخيانته العظمى طالباً منه الصبر على هذا المصاب بنفسٍ أبيةٍ محتسبة راجياً من أمه الصفح والغفران
قبل أن يعلق في الصباح على أعواد المشنقة...
وتفيض روحه الطاهرة إلى بارئها..
يقول هاشم الرفاعي رحمه الله في ليلة تنفيذ حكم الإعدام:
أبَتاهُ مــــــاذا قـــــــدْ يـــــــخُطُّ بناني
...والــــــحَبْلُ والــــــــجَلاَّدُ ينْتَظِرانـــــــي
هــــــذا الكـــــِتابُ إليـــــــكَ مـــــــنْ
...زِنزانةٍ مــــقرورةٍ صخريةِ الــــجُدرانِ
لْـــــمْ تَبْـــــقَ إلاَّ لــيلـــــةٌ أَحـــيا بِها
...وأَحُـــــــسُّ أنْ ظلامـــَها أكْــــــــفانــي
ستمُـــــرُّ يا أبتاه لســـــتُ أشُــــــــكُّ
...في هذا وتحمِلُ بــــــعدها جُــــــــثماني
الليلُ مــــنْ حـــولي هــــدوءٌ قاتِــــلٌ
...والــذكرياتُ تــمورُ فــــي وِجـــــــداني
ويــــهُدُّني ألــــمي فأَنـــــْشُدُ راحَــتي
...فـــي بـــضْعِ آياتٍ مـــــــنَ الـــــــقُرآنِ
والــــنَّفْسُ بينَ جــــوانِحي شفَّافـــــَةٌ
...دَبَّ الـــــــــخُشُوعُ بها فــــــهزَّ كَيانــي
قـــــدْ عــِشْتُ أُؤْمِــنُ بالإلــــهِ ولــــمْ
...أذُقْ إلاَّ أخــــيراً لـــــــذَّةَ الإيـــــــــمانِ
والــصَّمْتُ يــقْطَعُه رنِينُ سلاســــــلٍ
...عـــبثَتْ بِــــــهنَّ أنَامِــــلُ الـــــــسَّجَّانِ
ما بــينَ آوِنَـــــةٍ تمُـــــــرُّ وأُخــــــْتُها
...يرنــــو إلــــــيَّ بِــــمُقلتَيّ شــــــــيطانِ
مــــنْ كُـــوَّةٍ بالبابِ يــــرْقُبُ صــــيدَهُ
...ويعودُ فـــي أمنٍ إلـــــــى الـــــــدَّورانِ
أنا لا أُحِــــسُّ بأَيِّ حـــــــــقْدٍ نــــحوهُ
...ماذا جــــــــنى فــــتَمَـــسُّهُ أَضـــــْغاني
هوَ طَيِّبُ الأَخــــلاقِ مــــثْلُكَ يا أبــي
...لــــمْ يبْدُ فـــي ظمَأِ إلـــى الـــــــعُدوانِ
لــــــكِنَّهُ إنْ نامَ عـــــــنِّي لـــــــحْظَةً
...ذاقَ الـــــــعِيالُ مـــرارةَ الـــــــحِرمانِ
فَلَــــرُبَّما وهـــوَ الــــمُرَوِّعُ سِـــحْنَةً
...لـــو كانَ مــــثلي شاعِـــــرٌ لـــــرَثَاني
أو عادَ مــــنْ يـــدري إلـــــى أولادِه
...يوماً تـــــذَكَّرَ صُـــــورتي فـــــــــبَكَاني
وعلى الجِدارِ الصَلــــْبِ نافِـــذَةٌ بـها
...معنى الـــحياةِ غــــليظةَ الـــــــقُضْبانِ
قــــدْ طَالـــــما شارَفْــــتُها مـــــُتأَمِّلاً
...في السَّائِرينَ عـــلى الأسى الـــيقْظَانِ
فأَرى وُجُـــوماً كالضَّبابِ مُـــــصَوِراً
...ما فــــي قُلُوبِ النَّاسِ مــــــــنْ غلَيانِ
نفسُ الشُّعورِ لــدَى الــــــجميعِ وإنْ
...هموا كتَمُوا وكانَ المَّوتُ في إعلانـي
ويدُورُ هـــمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي
...بالثَّورَةِ الـــحَمْقاءِ قــــــــــدْ أَغْرانـــي
أوَ لـــمْ يكُــنْ خـــيرٌ لنَفسي أنْ أُرى
...مثلَ الـــجُمُوعِ أَسِيرُ فــــــــــي إذْعانِ
ما ضَرَّني لــو قــدْ سَكَّــــتُ وكُلــــَّما
...غلبَ الأَسى بالَغْتُ فـــــــي الــــكِتْمانِ
هذا دَمـــي سيسِيلُ يــجْري مُــــطْفِئاً
...مــا ثارَ فـــــــي جَنْبَيَّ مـــــــــن نيرانِ
وفُــؤَاديَ الــــمَوَّارُ فــــي نَبَضاتِــــهِ
...سيَكُفُّ مـــنْ غَدِهِ عــــنْ الـــــــخَفقَانِ
والظُّلْــمُ باقٍ لــــنْ يُــــحَطِّمَ قيْــــــدُهُ
...مـــوتي ولـــــنْ يُودي بـــــهِ قُــــرْباني
ويسِيرُ رَكْـــبُ البَغْيِ لــــيسَ يضِيرهُ
...شاةٌ إذا اجْتُثَّتْ مـــــــنَ الـــــــــقِطْعانِ
هذا حديثُ الـــنَّفْسِ حينَ تَـشُفُّ عنْ
...بشَرِيَتي وتَــــــــمُورُ بـــــــــــعدَ ثواني
وتقولُ لـــــي إنَّ الــــــحياةَ لــــغَايةٌ
...أسمى مـــنَ الــتَّصْفِيقِ للـــــــــطُّغيانِ
أنْفَاسُكَ الـــحَرَّى وإنْ هــيَ أُخْمِدَتْ
...ســـــتَظَلُّ تَـــــعْمُرَ أُفْقَهُــــــــــمْ بِدُخانِ
وقُرُوحُ جِسْمِكَ وهيَ تحتَ سِياطِهِمْ
...قَسَماتُ صُـــــــبْحٍ يَتَّقِيهِ الــــــــــجَاني
دمْعُ السَّجينِ هناكَ فـــي أَغْـــــلالهِ
...ودَمُ الــــــــشَّهيدِ هـــــنا ســــــَيلْتَقِيانِ
حتَّى إذا مــا أُفْــعِمَت بهِما الــــرُّبى
...لــمْ يبْـــقَ إلاَّ تَـــــــمَرُّدُ الــــــــفَيضَانِ
ومنَ الــعَواصِفِ ما يكــونُ هُبُوبُها
...بــــعدَ الـــــهُدُوءِ ورَاحَــــةِ الـــــرُّبَّانِ
إنَّ احْتِدَامَ النَّارِ في جَـــــوْفِ الثَّرى
...أَمْـــرٌ يُـــثِيرُ حَــــــفِيظَةَ الـــــــــبُرْكانِ
وتَتَابُــــعِ الــقَطَراتِ يأْتــــي بــــــعدَهُ
...سيــلٌ يليـــــــهِ تَــــدَفُّقُ الــــــــطُّوفَانِ
فـيمُوجُ يقْتَلِعُ الــــطُّغَاةَ مُزَمْــــــجِراً
...أقوى مـــنَ الجَبَرُوتِ والـــــــسُّلْطَانِ
أنا لسْتُ أَدري هــلْ سَـتُذْكَرُ قِــصَّتي
...أمْ ســوفَ يَعْدُوها وَحَــــى الـــنِّسيانِ
أو أنَّني سأَكُــــونُ فـــــي تَارِيـــــخِنا
...مُتَآمِـــــــــراً أم هــــــــادِمَ الأَوثَـــــانِ
كُـــلُّ الَّـــذي أدْريــــهِ أنْ تَـــــجَرُّعي
...كأْسَ المَذَّلةِ ليسَ فــي إمْـــــــــــكاني
لو لمْ أكُـــنْ فـــي ثَورَتي مُـــــــتَطَلِّباً
...غــــــيرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لــــــــكَفَانـــي
أهـــوى الـــحياةَ كــــريمةً لا قــــــيدَ
...لا إرْهابَ لا اسْـــــــتِخْفافَ بالإنــسانِ
فــإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْـــمِلُ عِــزَّتي
...يسْري دَمُ الأَحـــرارِ فــــي شَــــرَياني
أبَتاهُ إنْ طلعَ الــــصَّباحُ على الــدُّنى
...وأَضاءَ نــــورُ الـــشَّمْسِ كُلَّ مـــــكانِ
واسْتَقْــبلَ الـــعُصفورُ بينَ غُـــصُونهِ
...يــوماً جديداً مُــــــشْرِقَ الأَلـــــــــوانِ
وســمِعْتَ أَنْــــغامَ الـــتَّفاؤُلِ ثَــــــــرَّةً
...تجري عــــلى فَــــــــمِ بائِعِ الأَلـــــبانِ
وأَتـــى يَـــدُقُّ كـــما تَـــــــعَوَّدَ بابَــــنا
...ســــــيَدُقُّ بابَ الـــــسِّجْنِ جَـــــــلاَّدَانِ
وأَكــــونُ بــــعدَ هُنَيْــــهَةٍ مُـــتَأَرْجِحاً
...فــي الحبلِ مَـــشدُوداً إلــى الــــعِيدانِ
لِــــيكُنْ عَــــزَائُكَ أنْ هــــذا الـــــحبلَ
...ما صَنَعَتْهُ فــي هــذي الـــرُّبُوعِ يـدانِ
نَــــسَجُوهُ فـــي بلـــدٍ يَــشُعُّ حَـــضَارةً
...وتُــــضَاءُ مــنهُ مَـــــشَاعِلُ الـــعِرفانِ
أو هكــذا زَعَـــمُوا وجـــئَ بهِ إلـــــى
...بلَدي الـــجَريحِ عــلى يّـــدِ الأَعــــوانِ
أنا لا أُرِيـــدُكَ أنْ تَـــعِيشَ مُــــــحَطَّماً
...فــــــي زَحْـــــمةِ الأَلآمِ والأَشْــــــجانِ
إنَّ ابْنَكَ الــــــمَصْفُودَ فـــي أَغْــــلالهِ
...قــــدْ ســـِيقَ نـــحوَ الـمَّوتِ غيرَ مـُدَانِ
فاذْكُـــــرْ حـــــــكَاياتٍ بِأَيَّـــامِ الـــصِّبا
...قـــدْ قـــُلتها لي عــنْ هــــوى الأَوطانِ
وإذا سمِعْتَ نَشِيجَ أُمِّي في الـــــدُّجى
...تـــبكي شــباباً ضاعَ فــــي الـــــرَّيَعَانِ
وتُكَــــتِّمَ الــــحَسَراتِ فــي أعْـــماقِها
...أَلـــــماً تُـواريـــــهِ عــــنِ الـــــجِيرانِ
فاطْلُــــــبْ إليها الـــــصَّفْحَ عنِّي إنَّني
...لا أَبـــتغي مــــنها ســــوى الــــغُفرانِ
مــا زالَ فـــي سَـــمْعي رنينُ حــدِيثِها
...ومـــــــَقَالِها فـــــي رِقّــــَةٍ وحَـــــــنانِ
أَبُنَيَّ إنِّــــــي قـــــدْ غَــــدَوتُ عــــلِيلةً
...لــــــمْ يبـــقَ لـي جــَلَدٌ عــلى الأَحـزانِ
فَأَذِقْ فُــــؤَادي فـــرحةً بالبَحْثِ عـــنْ
...بـــــنتِ الـــحَلالِ ودَعْكَ مــنْ عِصياني
كــــانتْ لــــها أُمْـــــــــنِيَّةً رَيَّانـــــــــةً
...يا حُـــــــسْنَ آمــــــالٍ لها وأَمــــانـــي
والآنَ لا أَدري بـــــــأَيِّ جَــــــوَانِــــحٍ
...سَــــــــتَبِيتُ بــــعدي أمْ بأَيِّ جــــــَنَانِ
هذا الَّذي سَـــــطَّرْتُهُ لـــكَ يا أَبــــــــي
...بَــــــعْضُ الَّــــذي يـجري بـفِكْرٍ عـاني
لـــكنْ إذا انتَصَرَ الــــضِّياءُ ومُـــزِّقَتْ
...بـــــيَدِ الــــجُمُوعِ شَــرِيعةُ الــقُرصَانِ
فَلَــــسَوفَ يذْكُـــرُني ويُكْبِرُ هِــــــمَّتي
...مــــــنْ كانَ فـــي بـــَلَدي حَلِيفَ هَوانِ
وإلــــى لِــــقَاءٍ تـــحتَ ظِلِّ عَـــــــدَالَةٍ
قُـــــــــدْسِــيَّةِ الأَحْـــــــكَامِ والـــــــمِيزَانِ
"
"
"
"
"
"
"
همسات عابرة:
لكِّنَّني أَسْأَلُ الرَّحمنَ مَــــغْفِرةً
...وضَـــرْبةٌ ذاتُ قَرْعٍ تَقْذِفُ الزَّبدَا
أو طَـــعْنَةٍ بيَدَيْ حَـرَّانَ مُجْهِزَةً
...بـــحَرْبَةٍ تَنْفِذُ الأَحشاءَ والـــكَبِدا
حتَّى يُقالَ إذا مَرُّوا على جَدَثي
...أَرْشَدَهُ اللهُ مـــنْ غازٍ وقـدْ رَشَدا
.....((عبدالله بن رواحة))(رضي الله عنه).
|
|
27-03-2001 , 08:03 AM
|
الرد مع إقتباس
|