في الحلقة الماضية أخبرتكم بأني تذكرت أحد الأصدقاء القدامى الذي سيؤنسني في وحدتي، وسيفرج عن كربتي، اتجهت لشنطتي، وفتحتها وأخرجت منها ما هو ضروري لهذه الزيارة، ثم فجأة وصلت الهند!!!!
لا تستغربوا مني ولا تقولوا بأني مجنون أو أتفلسف! أتذكرون أني قلت لكم بأني حملت بعض الكتيبات في شنطتي؟ فهذه الكتيبات هي الصديق الوفي، وهي الجليس الذي لا يمل، واخترت من مكتبتي ثلاث عناوين كلهن لمؤلف واحد، الكتاب الأول هو المسلمون في الهند، والثاني الطريق إلى المدينة والثالث هو روائع من أدب الدعوة، وكلهن للشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله، العالم والداعية الهندي، عربي الأصل فصيح اللسان، خطيب مفوه، أراد الله أن يكرمه باختياره كشخصية العالم الإسلامية للعام الماضي.
في كتاب المسلمون في الهند، عشت مع المؤلف في رحلة من القرون الأولى وحتى هذا القرن، وعشت معه في اللقاء بعلماء ومجاهدين وعباد زاهدين، ورأيت تاريخ مجيد، وزرت مدناً وعاينت حضارة عريقة، وعلمت بعد هذه الرحلة الممتعة المشوقة بأن تاريخ الهند يساوي أو هو يزيد عن تاريخ الأندلس.
في هذه الرحلة عرفت ما لم أعرفه من قبل، عرفت أن الهند هي مصدر لعلماء كثر زينوا المكتبة الإسلامية بأمهات الكتب التي نعتمد عليها في وقتنا، منهم أحمد بن عبد الرحيم ولي الله الدهلوي صاحب كتاب "حجة الله البالغة" الكتاب الذي أشاد به العلماء على اختلاف بلدانهم. ومنهم الشاعر والفيلسوف محمد إقبال صاحب الشعر الرقيق، الشاعر الذي خاطب أمة الإسلام في أشعاره، محمد إقبال شاعر يحتاج إلى مباحث طويلة تبحث في حياته. ومنهم عبد الحي الحسني صاحب كتاب "نزهة الخواطر" الذي يسجل فيه تراجم لأعلام الهند في ثمانية مجلدات ضخمة، وبهذا الكتاب استحق لقب إبن خلكان الهند.
في الكتاب الثاني عشت لحظات روحية في القرن الأول، قرن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعشت لحظات مع شعر محمد إقبال وهو يخاطب المدينة المنورة ويرسم لوحة خيالية لرحلة سافر فيها بروحه إلى المدينة ومكة، فسطر أجمل المعاني وأرقها.
وفي الكتاب الثالث تعلمت فيها قواعد وأسس الدعوة إلى الله، ثم عشت في نماذج للدعوة في زمن خليل الله إبراهيم عليه السلام، ثم يوسف عليه السلام، ثم موسى عليه السلام، ثم بعض النماذج المختلفة لأفراد آمنوا بدعوة الأنبياء، ثم دعوة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وبعدها أصاحبه الكرام.
في رحلتي هذه قضيت ساعات طوال أبعدت عني الهم والملل، حتى جاء وقت العشاء فذهبت للمسجد أتزود من زاد الصلاة، ثم رجعت لأكمل رحلتي الممتعة في ربوع الهند والمدينة المنورة والأزمنة القديمة، هذا هو الكتاب، لا يمل من مجالستك، ويعطيك الفوائد، ويمتعك بالأمور الملاح، هذا هو الكتاب عرفته خير صديق، لا يخون ولا يضرك.
أحسست بالنعاس الشديد في ساعة متأخرة من الليل، أرجعت الكتب للحقيبة، وأغلقت الإضاءة ورحت أتوضئ وأتطهر، وألقيت بجسدي المنهك من الوحدة على السرير وسرعان ما غرقت في نوم عميق، وطال نومي لساعات قليلة، لكن في آخر الليل أيقظني صوت أجبرني على القيام من فراشي، وجعل النوم يطير من عيني بلا رجعة في تلك الليلة، هذا الصوت كان...
غدأ أخبركم بما سمعت
عرض نسخة للطّباعة |
ارسل هذه الصفحة لصديق]
