(الجزء الثالث)
مقتطفات من حياة الفاروق في خلافته :
كان عمر عفيفا عن مال المسلمين فقد اخذ نفسه وأهله في حالة تقشف وخشونة في
العيش حيث ساوى الفقر لم تشره نفسه الى العيش الرغيد والمال الوفير وقد بلغ
من شدة احترازه عن مال المسلمين انه كان يقترض من أمين بيت مال المسلمين
فإذا حان ميعاد الوفاء ولم يجد عنده ما يسد منه يطلب من التأجيل حتى اذا أخذ عطاءه وسدد منه
ولما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعانيه ابن الخطاب من جهد
العيش اجتمع نفر منهم فيهم عثمان وعلي وطلحة والزبير - رضي الله عنهم- وقالوا
لو قلنا لعمر في زيادة نزيده اياها في رزقه فقال عثمان : هلم فلنعلم ما عنده من وراء وراء
( أي من دون علمه ) فذهبوا الى أم المؤمنين حفصة بنت عمر وأخبروها بما هم عازمون
عليه وأوصوها بألا تخبر عمر . فلقيته حفصة واخبرته فغضب عمر وقال : من هؤلاء لأسوءنهم.
قالت لا سبيل الى علمهم . قال : انت بيني وبينهم . ما أفضل ما اقتنى رسول الله من الملبس؟
قالت ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد والجمع . قال عمر : فأي الطعام ناله عندك أرفع؟
قالت حرفا من شعير فصببنا عليه وهو حار أسفل عكة لنا فجعلتها دسمة حلوة فأكل منها.
قال : فأي مبسط بسط عندك كان أوضأ؟ قالت : كساء ثخين نربعه في الصيف فإذا جاء الشتاء
نصفه وتدثرنا بنصفه الاخر. قال : فأبلغيهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدر فوضع
الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية وإنما مثلي مثل صاحبي ( الرسول وابو بكر) كثلاثة سلكوا
طريقا فمضى الاول لسبيله وقد تزود فبلغ المنزل ثم أتبعه الاخر فسلك سبيله فأفضى إليه
ثم أتبعهما الثالث فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما إن سلك طريقا غير طريقهما
لم يلقهما.
ميل عمر للستشارة والنصح :
كان عمر يطلب من الناس أن يفضوا بنصائحهم إليه ويبينوا له وجه الحق إذا رأوا منه انحرفا عن
القصد.
وقد ورد أنه قال مرة في خطبة له : ( ( أيها الناس إن أحسنت فأعينوني و إن صدفت فقوموني) - بتشديد الواو الاولى-
فقال له رجل من آخر المسجد : لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا .
حاله مع رعيته :
كان عمر يحب رعيته حبا جما ويحب ما يصلحها ويكره ما يفسدها ساسها بسياسة تقربه
الى القلوب فكان عفيفا عن أموالهم عادلا بينهم مسوياً بين الناس لم يكن قوي يطمع أن
يأخذ أكثر مما له ولا ضعيفاً يخاف أن يضيع ماله منه كان حكيما يضع الشئ في موضعه يشتد
حينا ويلين حينا حسبما توحي له الاحوال التي هو فيها.
وفاته رضي الله عنه :
بينما عمر يطوف يوما بالسوق جاءه أبو لؤلؤة المجوسي وكان نصرنيا فقال : يا أمير المؤمنين
أعدني على المغيرة بن شعبة فإن علي خراجا كثيرا . فقال عمر : كم خراجك؟ . قال : درهمان
كل يوم . قال عمر : ما عملك؟ . قال المجوسي : نقاش وحداد ونجار . فقال عمر : فما أرى
بخراجك بكثير عما تصنع من الاعمال وقد بلغني أنك تقول : لو أردت أن أعمل رحى تطحن بالريح
لفعلت . قال : نعم . فقال عمر : فاصنع لى رحى. فقال المجوسي : لأن سلمت لأصنعن لك
رحى يتحدث الناس بها من المشرق إلى المغرب. ثم انصرف عمر وقال : لقد توعدني العبد آنفا.
فمضى عمر الى منزله ولما كان الغد جاءه كعب الاحبار فقال : يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت
في ثلاثة أيام ؟ قال: وما يدريك؟ . قال : أجده في كتاب الله في التوراة. فقال عمر : الله إنك لتجد
عمر ابن الخطاب في التوارة ؟ فقال: اللهم لا ولكن أجد صفتك وحيلتك وإنه قد فني أجلك .
وعمر لا يجس وجعا ولا ألما .
فلما كان الغد ذهب كعب إلى عمر فقال : يا أمير المومنين ذهب يوم وبقي يومان؟
ثم جاءه من غد الغد وقال: ذهب يومان وبقي يوم وليلة وهي لك إلى صبيحتها .
قال الطبري : فلما كان الصبح خرج عمر الى الصلاة وكان يسوي الصفوف فلما استوت جاء
فكبر ودخل أبو لؤلؤة في الناس وفي يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته. فلما وجد عمر حر السلاح سقط وقال أفي الناس
عبدالرحمن بن عوف . قالوا نعم . قال : تقدم فصل. فصلى عبدالرحمن بن عوف بالناس.
ثم نادى عمر ابنه عبدالله فقال : انظر من قتلني. فقال: أبو لؤلؤة غلام المغيرة ابن شعبة .
فحدالله أني الذي قتله لم يكن سجدلله سجدة .
فدعي له الطبيب فقال: أي الشراب احب إليه؟ فجئ له بنقيع التمر فسقاه فخرج له على
حاله من الجرح ثم سقاه اثنين فخرج على حاله فأيقن أنه ميت ولم يجد للقضاء حيلة.
وهكذا توفي عمر ليلة الاربعاء شهر ذي الحجة عام 23 هـ ودفن يوم الاربعاء في حجرة عائشة
مع صاحبيه بعد أن استأذن أم المؤمين عائشة - رضي الله عنها - .
أما أبو لؤلؤة فقد جهد الناس أن يقبضوا عليه فأصاب منهم ثلاثة عشر رجلا بجراحات
وأعياهم أمره فجاء رجل من بني تميم ألقى عليه رداء فلما علم أنه مأخوذ قتل نفسه.
تم بحمد الله.