حياك الله اخي الكريم ..
صدقني أنا أجد انه لا يوجد هناك تعارض بين الإسلام والعروبة ، بل على العكس من ينادي بتعارض ما بين الإسلام والعروبة هم متطرفي البعث وأشباههم من بعض القوميين الذين وجدوا أن الإسلام يتعارض مع فكرتهم للقومية ، أو بعض العلماء الذين تأثروا بما جرى في بداية قرن العشرين من الخلاف بين القومية العربية والدعوة إلى الجامعة الإسلامية وما تبعه من الخلاف بين الدعوة للقومية والدعوة للجماعة العربية في زمن عبد الناصر والملك فيصل ..
فالإسلام لا يرفض تنوع الأمم واختلافها بل يؤمن باختلاف الأمم وتعدها وإن كان يرجع التفاضل بين الناس عند الله عز وجل إلى التقوى وإتباع الإسلام ففي القرآن الكريم يقول عز وجل ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات/13]
والعرب شعب من شعوب الأرض وأمة من الأمم وهي وإن كانت لا تفضل على أحد من الأمم في شيء ، إلا أن العرب كغيرهم من الأمم يفخرون بأنسابهم وتاريخهم وقيمهم وانتصاراتهم بل ومما ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم أنه وعندما بلغه وقعة ذي قار أنه قال : ((هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا )) فإن ثبت صحة هذا الحديث فيدل على هذا المعنى ..
و التاريخ يثبت أن لا تعارض ما بين الإسلام والعروبة ،فالعروبة هي هوية هذه الأمة وفخرها بينما الإسلام هو قيم هذه الأمة ومصدر عزتها لذلك دوما ما نقرن مسمى حضارتنا وامتنا بالحضارة العربية الإسلامية ، وكثير من العلماء والمفكرين وجدوا أن الإسلام والعروبة عنصر من عناصر تكون هذه الأمة وتشكل حضارتها ، بالإضافة لعناصر أخرى كالتاريخ المشترك والجغرافيا الواحدة واللغة الجامعة ..
وعمر بن الخطاب رضي الله الذي يقول ((نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله )) هو الذي وضع ديوان العطاء وكتب الناس على قدر أنسابهم فبدأ بأقربهم نسباً إلى الرسول ، بل أنه صاحب المقول المعروفة في قصة الردة وسبيا العرب حين قال : ((إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً )) كما يذكر ابن الأثير في تاريخه ، وأنظر إلى تعامله مع بني تغلب عندما أنفوا من الجزية يقول البلاذري في فتحو البلدان :
(( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بني تغلب فانطلقوا هاربين ولحقت طائفة منهم ببعدٍ من الأرض .
فقال النعمان بن زرعة أو زرعة بن النعمان : أنشدك الله في بني تغلب ! فإنهم قوم من العرب يأنفون من الجزية وهم قومٌ شديدة نكايتهم فلا تعن عدوك عليك بهم .
فأرسل عمر في طلبهم فردهم وأضعف عليهم الصدقة ))
وقد وصف عمر بن الخطاب أهل القادسية بأنهم أعيان العرب و ((وذكر الكوفة فقال : هم رمح الله وكنز الإيمان وجمجمة العرب يحرسون ثغورهم ويمدون أهل الأمصار )) كما يذكر البلاذري في فتوحات البلدان ، ولو كان الفخر بالعرب والعروبة مما يحرم لكان عمر بن الخطاب أولى الناس بهذا ..
وعندما ظهرت الشعوبية وأخذت تنقض فضل العرب وتذكر مثالهم انبرى لها الكثير من الكتاب ومنهم الجاحظ و أبو قتيبة الدينوري الذي ألف في فضل العرب على الرغم أنه لم يكن من العرب وإنما كان من الفرس !
بل على الرغم أن مقصود العروبة كما يرى بعض المفكرين أن مرجعه في هذه الأمة العربية هو اللسان وليس الجنس كما يدلل البعض من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ((يا أيها الناس إن الرب واحد , والأب واحد ، والدين واحد ، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم ، وإنما هي اللسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي )) إلا أن ابن تيمية وهو من علمت في علمه وفضله يذكر في كتابه ((اقتضاء الصراط المستقيم )) من الأدلة ما يثبت أن مذهب أهل السنة تفضيل جنس العرب على غيرهم ، وأورد في ذلك أحاديث تدل على ذلك يقول :
(( والدليل على فضل جنس العرب ، ثم جنس قريش ، ثم جنس بني هاشم : ما رواه الترمذي ، من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن العباس بن عبد المطلب ، رضي الله عنه قال ، قلت « يا رسول الله ، إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم ، فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم ، ثم خير القبائل ، فجعلني في خير قبيلة ، ثم خير البيوت ، فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفسا ، وخيرهم بيتا » ، قال الترمذي : هذا حديث حسن ، وعبد الله بن الحارث هو ابن نوفل " .
الكبى بالكسر والقصر ، والكبة : الكناسة . وفي الحديث : " الكبوة " وهي مثل : الكبة .
والمعنى : أن النخلة طيبة في نفسها ، وإن كان أصلها ليس بذاك فأخبر صلى الله عليه وسلم : أنه خير الناس نفسا ونسبا .
وروى الترمذي أيضا من حديث الثوري عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن المطلب بن أبي وداعة قال : « جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنه سمع شيئا ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : " من أنا ؟ " قالوا : أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : " أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب " ، ثم قال : " إن الله خلق الخلق ، فجعلني في خيرهم ، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتا ، فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفسا » قال الترمذي : " هذا حديث حسن " كذا وجدته في الكتاب ، وصوابه : « فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نفسا »
))
ويقول ابن تيمية : (( واعلم أن الأحاديث في فضل قريش ، ثم في فضل بني هاشم فيها كثرة ، وليس هذا موضعها ، وهي تدل أيضا على ذلك ، إذ نسبة قريش إلى العرب كنسبة العرب إلى الناس ، وهكذا جاءت الشريعة كما سنومئ إلى بعضه.
فإن الله تعالى خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها ، ثم خص قريشا على سائر العرب ، بما جعل فيهم من خلافة النبوة ، وغير ذلك من الخصائص .
ثم خص بني هاشم بتحريم الصدقة ، واستحقاق قسط من الفيء ، إلى غير ذلك من الخصائص ، فأعطى الله سبحانه كل درجة من الفضل بحسبها ، ))
ورغم ما يذكر ابن تيمية رحمه الله فليس المقصود هنا تفضيل العرب على غيرهم من الأمم لا والله ولكن المقصد هنا أنه لا تعارض ما بين قيم الإسلام والعروبة فالإسلام قيم حياة والأمة العربية واقع تاريخي وهما متممان للبعض ورافدين من روافد تكون هذه الأمة العظيمة فكما كان للعرب دور في نشر الإسلام في البدء وكما كانت جزيرتهم مهبط الوحي ويقع فيها المقدسات الإسلامية ، كذلك كان للإسلام دور في هداية وعزة العرب وحفظ لغتهم العربية وبقاء أمتهم حتى زماننا هذا ..
أما حال الأمتين الإسلامية والعربية وما حدث فيها فللأسف أن هذا الاعتقاد وأقصد هنا تعارض العروبة مع الإسلام كان أحد أسبب الضعف في هذه الأمة فقد ولد هذا الاعتقاد الكثير من الصراع بين هذين الرافدين والعنصرين في تكون هذه الأمة وخير مثال ما حدث في عهد الملك فيصل وجمال عبد الناصر – وللأسف فقد استفادت إسرائيل من هذا كثيراً ، ويستفيد منه الغرب كثيراً في هذا الزمن - وما حدث أيضاً ما بين السلطات العربية والجماعات الإسلامية بل زاده للأسف الشديد هذا التشرذم الحاصل في عالمنا العربي والإسلامي والقطرية المقيتة التي سيطرت على عالمنا العربي ، ولو كانت هناك دولة عربية واحدة دستورها الإسلام لكان هذا عنصر من عناصر التوحد والتجمع بدلاً من هذا الفوضى الحاصلة في عالمنا وهكذا اعتقد ولا أرى أن هناك خلاف ما بين الإسلام والعروبة فهما جزء من تكون هذه الأمة ..
و لا يعني ما ذكرته التعصب للأمة العربية ومعادة الدول الإسلامية بل على العكس يجب أن تكون الأمة الإسلامية امتداد لهذه الأمة وعون وساعد لها في تحقيق طموحات هاتين الأمتين فهما جزء من بعض كما تكون العائلة جزء من العشيرة والقبيلة ..
وأخيراً اخي الكريم هذا رابط لحوار جرى من قبل مع بعض الأخوان حول هذا الموضوع ولعله يوضح الفكرة التي أريد إيصالها :
http://www.swalif.com/forum/showthread.php?t=151299
تحياتي أخي الكريم ..