|
|
مبدع متميز
|
|
المشاركات: 5,287
|
#2
|
جزاك الله خير الجزاء على هذا النقل الطيب
ألا رحمَ اللهُ سيد قطب رحمة واسعة ، ورفع منزلته في الجنان
لقد كان مبدعا حقا وهو يعرض ما يفتح الله به على قلبه
حتى ليكاد يجعلك تعيش فعلا في جو الآيات ، وتحس وتسمع وتتفاعل !
لنصغِ إليه بقلوبنا وهو يتحدث عن أية أخرى بعد الاية المعروضة هنا :
( ....وأما من أوتي كتابه بشماله .. وعرف أنه مؤاخذ بسيئاته , وأن إلى العذاب مصيره ..
فيقف في هذا المعرض الحافل الحاشد , وقفة المتحسر الكسير الكئيب . .
(فيقول:يا ليتني لم أوت كتابيه ! ولم أدر ما حسابيه ! يا ليتها كانت القاضية ! ما أغنى عني ماليه ! هلك عني سلطانيه !). .
وهي وقفة طويلة , وحسرة مديدة , ونغمة يائسة , ولهجة بائسة .
والسياق يطيل عرض هذه الوقفة حتى ليخيل إلى السامع أنها لاتنتهي إلى نهاية , وأن هذا التفجع والتحسر سيمضي بلا غاية !
وذلك من عجائب العرض في إطالة بعض المواقف , وتقصير بعضها , وفق الإيحاء النفسي الذي يريد أن يتركه في النفوس . و
هنا يراد طبع موقف الحسرة وإيحاء الفجيعة من وراء هذا المشهد الحسير . ومن ثم يطول ويطول , في تنغيم وتفصيل .
ويتمنى ذلك البائس أنه لم يأت هذا الموقف , ولم يؤت كتابه , ولم يدر ما حسابه ; كما يتمنى أن لو كانت هذه القارعة هي القاضية , التي تنهي وجوده أصلا فلا يعود بعدها شيئا . .
ثم يتحسر أن لا شيء نافعه مما كان يعتز به أو يجمعه:
(ما أغنى عني ماليه). .(هلك عني سلطانيه). .
فلا المال أغنى أو نفع . ولا السلطان بقي أو دفع . .
والرنة الحزينة الحسيرة المديدة في طرف الفاصلة الساكنة وفي ياء العلة قبلها بعد المد بالألف , في تحزن وتحسر . .
هي جزء من ظلال الموقف الموحية بالحسرة والأسى إيحاء عميقا بليغا . .
ولا يقطع هذه الرنة الحزينة المديدة إلا الأمر العلوي الجازم , بجلاله وهوله وروعته:
(خذوه . فغلوه . ثم الجحيم صلوه . ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه). .
يا للهول الهائل ! ويا للرعب القاتل ! ويا للجلال الماثل !
(خذوه). .
كلمة تصدر من العلي الأعلى . فيتحرك الوجود كله على هذا المسكين الصغير الهزيل .
ويبتدره المكلفون بالأمر من كل جانب , كما يقول ابن أبي حاتم بإسناده عن المنهال بن عمرو:
"إذا قال الله تعالى:خذوه ابتدره سبعون ألف ملك . إن الملك منهم ليقول هكذا فيلقي سبعين ألفا في النار" . .
كلهم يبتدر هذه الحشرة الصغيرة المكروبة المذهولة !
(فغلوه). .
فأي السبعين ألفا بلغه جعل الغل في عنقه . . !
(ثم الجحيم صلوه). .
ونكاد نسمع كيف تشويه النار وتصليه . .
(ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه). .
وذراع واحدة من سلاسل النار تكفيه ! ولكن إيحاء التطويل والتهويل ينضح من وراء لفظ السبعين وصورتها
..... الى آخر ما قال ... رحمه الله ورفع قدره في العليين
مرة ثانية .. جزاك الله خير الجزاء ، وبارك فيك حيثما كنتِ
|
|
02-12-2003 , 01:01 PM
|
الرد مع إقتباس
|