|
عضو فائق النشاط
|
|
المشاركات: 869
|
#1
|
هل فهمتم لماذا نحب العراق؟
برهان بسيسہ
مهما تكن نتائج المواجهة فان دروسا مهمة يمكن البدء في استخلاصها رغم التوقيت المبكر.
الصمود العراقي بصدد اعادة الوعي الي المعادلة الانسانية التي اصابتها الغيبوبة بفعل زخم التصوير الهلامي المقدس لعبقرية التكنولوجيا وقدرتها الخارقة علي اخضاع الانسان. نحن بصدد معاينة عودة الاعتبار للقيمة كسلاح نافذ قادر علي صياغة مشهد الصمود رغم كل التشكيك.
الآن، وبكل قوة يوقظنا العراق من غيبوبتنا ليتلو علينا ما هو اعمق من تلويح التكنولوجيا وماردها الاهوج، فيعيدنا الي البدء، الي الاصل، الي درس الأنسنة والانتربولوجيا ذاك الذي يقول ان الحق والعزيمة والارادة ليست تهويمة من تهويمات الشعراء بل آلية حقيقية من الآليات التي صنعت تاريخ البشر.
من الممكن ان يتحقق الهدف الامريكي باسقاط حكم الرئيس العراقي صدام حسين في خاتمة مجزرة مؤذية للضمير الانساني لكن اخضاع العراق ووضعه علي مدار الخارطة الامريكية الجديدة للخليج والشرق الاوسط يتطلب مجهودا اضافيا علاوة علي استيراد قيادة سياسية جديدة للبلد، يتمثل في استيراد شعب جديد للعراق حتي تتمكن الولايات المتحدة والكويت من الاطمئنان الي ان عهدا جديدا من الامن والاسترخاء سيحل علي المنطقة، فشعب العراق الذي اسقط بوضوح سيناريو الدخول المظفر لجنود اليانكي ارض العراق انضبط لتربيته الاصيلة التي تداولها جيلا بعد جيل منذ مقارعة المستعمر البريطاني وعمقها مع موجة التحرر الوطني العربية بكره اسرائيل والحقد علي السياسات الامريكية. في انتظار ذلك يمكن الجزم ان المشروع الامريكي في العراق مصيره الفشل.
مقتل الادارة الامريكية ان عقولها التي تفكر تتميز بعمق في حساب معادلات الارقام والتكلفة لكنها تنفرد بسطحية موحشة في فهم معادلات الحضارة والثقافة تلك الابقي علي المدي الاستراتيجي.
هم لم يفهموا بعد عمق التركيبة النفسية لشعوبنا العربية رغم عبقريتهم الاستعلاماتية لأن الامر يتعلق باستحضار التاريخ لا مجرد الانصات الي تقارير المخابرات ونصائح بعض صغار الاعراب.
ان شعوبنا العربية لم تنتبه في اي لحظة الي ان القائد التاريخي صلاح الدين الايوبي كان ديكتاتورا مستبدا او انه اعدم مفكرا وفيلسوفا عظيما في حجم السهروردي، ابدا لم يعنينا ذلك نحن الذين تربينا علي اجلال شخص صلاح الدين نروي سيرته لاجيالنا المتعاقبة كبطل رد الغزو الصليبي ودخل القدس فاتحا ومحررا.
هذه الأمة لها خصائصها، هي امة متعودة علي اللحظات الحارقة رغم حاجتها للحظات هدوء تنجز بها تنميتها وحداثتها، لكن ذلك لا يمكن ان يبني الا علي قاعدة فهم متكامل لمجمل اشكال تحققنا الحضاري الذي لا يزال مشغولا بهم مركزي هو هم الكرامة الوطنية في طليعة كل انواع التطلعات.
ان بؤس الحملة الامريكية وهي التي تتخذ لنفسها من بين العناوين عنوان نشر الديمقراطية المستعصية علي العالم العربي انها تغرس فأسها في قلب المشروع الديمقراطي العربي حين تورطه في صورة المتعامل مع الاجنبي والمتراخي في الدفاع عن قضايا السيادة والتحرر الوطني.
انها تشوه صورة الديمقراطية في نظر الانسان العربي ولا تفعل غير اخصاب خطاب التطرف والرجعية المعادية للديمقراطية والحرية وتعطي المستندات الشرعية لنوازع الاستبداد وامتداداتها في سياسة الديكتاتوريات العربية.
هي تضع نظام العراق الحاجز الرئيسي امام مهام دمقرطة العالم العربي وتلخص الارث المعاصر للدكتاتورية العربية في تجربة هذا النظام متغافلة بذات الاسلوب التسطيحي المصلحي عن العينات الصارخة المنتصبة غير بعيد عن العراق، تلك الكيانات التي لم ترتق بعد لاستكمال مفهوم الدولة والوطن داخلها حتي نستطيع تصنيفها ان كانت ديمقراطية ام ديكتاتورية؟!
يحلو لبعض المثقفين العرب المندفع هذه الأيام بحرارة الاحداث السارية عبر المنظار الامريكي ان يقف من خلال بعض المنابر مستعرضا دروس العقلانية مدفوعة الاجر، محذرا من لغة الشعارات والأوهام، مذكرا بمزايا الواقعية والنضج في التعامل مع الاحداث لكن من هؤلاء من تجاوز حدود اللياقة وذهب به السعار الي الترديد علنا من علي شاشات تلفزيون الكويت ان جنود التحالف الامريكي البريطاني علي درجة كبيرة من الاخلاق الانسانية الرفيعة مقارنة بمقاتلي العراق؟
هذا رأي قدمه بكل وقاحة مدير ما يسمي بالمركز الكويتي للدراسات الاستراتيجية ليحيلنا تحت مفعول الصعقة الي حقائق رابضة بثبات علي الاقل في ذاكرتنا نحن كتونسيين التقينا مع نموذجين للتعاون العربي:
واحد لن ينساه جيلي قدمه لنا العراق كتبا مدرسية للتاريخ ومركبا جامعيا تنورت فيه عقول اجيال من ابناء تونس.
وآخر سلسلة نزل سياحية بتمويل كويتي، نمر امامها لنرمق مراقصها المهيئة لاستقبال اصحاب المال ثم نمضي الي سبيلنا.
هل فهمتم لماذا نحب العراق؟
ہ كاتب وباحث من تونس
|
|
05-04-2003 , 08:56 AM
|
الرد مع إقتباس
|