قال الراوي:
لم أكن في يوم ما شجاعاً أو جسوراً، أخاف كثيراً ومن كل شيء تقريباً، هذا الخوف كبلني، جعلني من القاعدين، الذين لا يفعلون شيئاً ولا يحسنون فعل شيء إلا الكلام، والكلام صنعة لكل من ليس لديه صنعة، كلما خطرت في بالي فكرة ما، تقاعست عنها بحجة الخوف من سبب ما، من كلام الناس مثلاً، أو أخاف من الفشل، أو حتى من النجاح! لأن النجاح يثقل كاهلي بمسؤولية كبيرة.
ذات يوم، زارني صديق لي، يتصف بالنشاط والحركة، في كل يوم لديه شيء جديد، وفي كل يوم ينجز أمراً جديداً، الكل يعرفون بأنه إنسان ناجح، لديه إنجازات كثيرة، وعلاقته مع الناس طيبة، وسيرته حسنة على كل لسان، أراد أن يشاركني في أحد مشاريعه، وكنت في نفسي أريد أن أشارك معه، إلا أنني اعتذرت وقلت له: لو كنت أستطيع مشاركتك لشاركتك، لكنني مشغول وليس لدي وقت.
خرج صديقي، وبقيت أنا في مكاني، نادماً على ترك هذه الفرصة تهرب مني، لا لم تهرب هي مني، بل أنا الذي فررت منها خائفاً، مما أخاف؟! أيموت الإنسان أكثر من مرة؟ لماذا لا أريد أن أخطأ؟ لماذا أخاف الفشل؟ لماذا أخاف النجاح والمسؤولية؟ تساؤلات كثيرة دارت في ذهني، لم أجد لها جواباً ولا حلاً إلا أن أوجهها.
أخذت صندوقاً للأحذية غير مستعمل، وقمت بعمل فتحة صغيرة أعلاه، تكفي لإدخال ورقة صغيرة، وجئت بورق كثير، وبدأت أكتب في كل ورقة جملة واحدة فقط:
- أنا أخاف من الفشل.
- أنا أخاف من النجاح.
- أنا أخشى كثيراً التحدث أمام جمع من الناس.
- لا أستطيع أن أبدي رأي في أي قضية.
- أنا أخاف من طلب المساعدة من الآخرين.
- أنا أخاف أن أبدو جاهلاً أمام الآخرين.
- لا أريد أن أبدو أحمقاً أمام الآخرين.
- أنا أخاف التغيير.
- أنا أخاف من الأماكن المرتفعة.
- أخشى الظلام والوحدة.
- أخاف الموت.
- أخاف أن يستهزء بي الناس.
- لا أستطيع ممارسة الرياضة بانتظام.
- لا أستطيع التحكم بنفسي عند الغضب.
كتبت كل جملة في ورقة ووضعتها في الصندوق، كتبت الكثير من الجمل، كتبت كل مخاوفي وكل ما لا أستطيعه، ثم وضعت الصندوق في خزانتي، ووضعت ملصقاً على الصندوق كتبت عليه:
الأخوين لا أستطيع وأخاف!، تركت الصندوق لمدة شهر، ثم عدت له، فتحت الصندوق وبدأت في قراءة ما دونت على الأوراق، أخذت أضحك بشدة، ما هذه السخافات التي كتبت؟ هل أنا فعلاً خائف إلى هذا الحد؟ إنني أخاف من كل شيء! فلماذا ولمن إذاً أعيش؟ ما أتعسها من حياة، سجنت نفسي فيها في سجن جدرانه مبنية من حجارة الوهم.
أرجعت كل الأوراق في الصندوق، وأحكمت إغلاقه جيداً، ثم ذهبت إلى حديقة المنزل، وأخذت أحفر حفرة عميقة، رميت الصندوق فيها ودفنته، ثم صرخت عالياً:
لقد ماتت مخاوفي! أنا لا أخاف شيئاً الآن! ثم كتب بيده على ورقة صغيرة:
هنا يرقد لا أستطيع وأخاف أتمنى أن يبقي ميتان إلى الأبد.
والبيت مفتوح الآن للتهاني بالميتين!
ملاحظة: القصة استوحيتها من مجموعة قصص
