PDA

View Full Version : بابلو نيرودا شاعر الكرامة الانسانية المنتهكة


أبو يحى
12-08-2005, 03:54 AM
عندما منح هذا الشاعر جائزة نوبل
جاء في بيان الاكاديمة أنه شاعر الكرامة الانسانية المنتهكة ..............
يوقظ الحياة فيها ويزرعها بالبرق، ليضيء به قلب الانسان ويصافح حيوات الناس الطامحين الى الحب والحياة والحرية ولذلك يتوحد شعره مع مواقفه وتتوحد حياته مع مصير الانسان ، وتكمن اهمية انيرودا في ا في الظاهرة التي جسدها الى جانب عدد من شعراء اسبانيا البارزين، وشعراء العالم الذين وحدوا بين الحياة والكفاح من اجل العدالة والحرية فيها وبين الرؤية الجمالية التي انطلقت من البحث عن الخلاص الجماعي، الانساني بدلاً من الاستغراق في عالم الذات، والبحث عن الخلاص الفردي، فكان بذلك شاهداً حياً على عصره، ومشاركا في النضال من اجل جعله اكثر انسانية وجمالا، الامر الذي جعل منه جزءاًَ من أشهر نجوم الشعر الممتد من لوركا الى انطونيو ماتشادوا وخيمنييث وبول ايلوار والبرتي هذا النهر الذي ظل يحفر مجراه بعمق بين صخور الحياة لتغطي خضرة الشعر عري الحياة الفاضح.
بدأ نيرودا بإصدار باكورة دواوينه منذ 1923 وهي مجموعته الشعرية الأولى كتاب (الشفق).آنذاك كان طالباً يدرس الأدب الفرنسي في جامعة تشيلي في سانتياغو. بعدها أصدر مجموعة (عشرون قصيدة حب، وأغنية يأس واحدة) 1923-1924، التي جلبت له الشهرة خارج تشيلي.
توالت أعماله الشعرية على مدة حياة طبعها توالي الأسفار التي أثرت دون شك قدراته الخيالية، وأغنت إبداعاته الشعرية. فلم تخل إنتاجاته من آثار التجوال والمنفى. يقول نيرودا: (خلال حياتي كلها رحت وجئت، وغيرت ملابس وكواكب).
كان نيرودا قد أصبح شاعراً معروفاً أعوام بين 1921/ 1924 وكان عمره ستة عشر عاماً. واقتحم الحياة الطالبية من أوسع أبوابها، فقد بدأ آنذاك يعمل في هيئة تحرير مجلة الطلبة (كلاريداد).
وصار يكتب افتتاحياتها ذات الطابع الكفاحي الثوري. وفي الثاني والعشرين من كانون ثاني 1921 ظهر في المجلة للمرة الأولى الاسم المستعار بابلو نيرودا وكان اسمه الحقيقي نيفتالي ركادو ريس باسوالتو). وفي عام 1920 انتخب رئيساً للرابطة الأدبية. وكان قد نشر في مجلة (كلاريداد) وحدها 108 مقالات، بإسمه المستعار الذي اكتسب شهرة عالمية، وبعد أن صارت كلمته الجميلة تصدح تقريباً في كل مكان.
كانت كلاريداد أول مجلة دورية تشيلية، ساندت الحركة التقدمية من أجل الإصلاح الجامعي. ظهرت عام 1918 في مدينة قرطبة الأرجنتينية. فضحت عيوب المجتمع الإقطاعي المتخلف وآثامه، ووقفت المجلة علناً ضد الهستيريا السوفيتية التي هددت بتوريط المنطقة في مذبحة دموية مع البيرو.
صادف نيرودا الشاب في هيئة تحرير (كلاريداد) تيارين في الفكر السياسي والاجتماعي: الأول كان يندفع نحو المبادئ الفوضوية السنديكالية، والثاني نحو المبادئ الماركسية. وكان يكاربارين بالنسبة لنيرودا نموذجاً لأولئك مانريك، يأخذون الحياة بأيديهم ويجذبون سائر النفوس إليهم.
ترأس تحرير مجلة كابالو دو باستوس، الأدبية عام 1925.وصدر له في نفس الفترة (محاولة الرجل اللانهائي.
نشر (إقامة على الأرض)في عام 1933، وكان قد كتب قصائده ما بين 1925 و 1931، كتب (إسبانيا في القلب)، من وحي الحرب الأهلية في إسبانيا في آب1936، وبعد أن أعدم لوركا بالقرب من غرناطة ترك عمله قنصلاً وغادر إلى باريس، حيث أسس مجلة (شعراء العالم) ودافع فيها عن الشعب الإسباني.
أصدر في باريس (إسبانيا في القلب) عام 1938. وقدم له الشاعر أراغون، أسس في بلده مجلة (فجر تشيلي).

كتب1940 (نشيد تشيلي العام)، الذي أصبح فيما بعد (النشيد الوطني. وعُين قنصلاً في مكسيكو، وكتب هناك نشيد من أجل بوليار).

كتب في كوبا (أغنية حب في تسالينغراد). عام 1942. وعلقت هذه القصيدة على لافتات كبيرة فوق جدران مكسيكو، حاز على جائزة الأدب الوطنية في تشيلي. في 8 تموز 1945
و حاز على جائزة السلام الكبرى في باريس عام1950، مناصفة مع بيكاسو عن قصيدته (فليستفق الحطاب) نشر (كل الحب)، و(شعر سياسي) أنطولوجيا في الشعر العالمي في جزأين.
وصدر له أيضاً (الأناشيد التمهيدية) و(الكرمة والريح). وذلك سنة 1954، وفي عام 1958صدر كتابه (مئة قصيدة حب). وفي 1964صدرت مجموعة (مذكرات الجزيرة السوداء).
في خمسة أجزاء. وعام 1968صدرت النسخة الثالثة من مجموعة أعماله الكاملة. و نشر سنة1969 (نهاية ألم) أيضاً.
حاز على جائزة نوبل للآداب1971في 21 تشرين الأول.
وفي 1972بدأ كتابة مذكراته. ولكي يتفرغ لكتابتها تنحى عن منصبه في باريس. في تشرين الثاني عاد إلى تشيلي حيث استقبله الشعب استقبالاً لا مثيل له.
صدر عام 1973 كتابه الشعري (مدح الثورة التشيلية).
كان نيرودا شاعراً ذا أساليب عديدة وأصوات عديدة، شاعراً ظل عمله مركز كل شعر إسباني أو إسباني أمريكي طيلة القرن العشرين تقريباً. لقد قيل ذات يوم أنه بيكاسو الشعر، في تلميح إلى قدرته المتلونة على أن يكون دائماً في طليعة التغيير.
كان يمكن لعدة سبل أن تدفع بالشاعر إلى حياة مترفة مرفهة، لكنه اختار سبيل النزاهة الإنسانية والالتزام الثقافي اللذين جعلا منه بامتياز تروبا دوراً شعرياً عالمياً.
وليس غريباً هذا الأمر على شاعر وإنسان كبير مثل بابلو، الذي كان يعيش الحياة التي تنطبق فيها أفكاره على أفعاله، دون أن ينفصل كإنسان عن كونه كاتباً أيضاً.
لقد حفلت قصائده بخيول شيلي وحجارتها وسهولها وجبالها وعشاقها وثوارها وطيورها. فقد كان شاعر الحياة حقاً،يكتب كما تورق الأشجار، ويأتي النغم من أشعاره كالنسيم من الوردة، أو كصوت سريان الماء فوق صخور جبال شيلي التي أحبها بشغف وفرح طفولي.
كانت حياته مليئة بالمجد وبخيبات الأمل أيضاً، على غرار حياة ناظم حكمت بتركيا وفردريكو غارسيا لوركا بإسبانيا، ولوي أراغون بفرنسا. فلم يكن بمقدوره سوى أن يكون باحثاً عن أحلام مستحيلة في الغالب. ولكنها كانت أحلاماً تستحق أن يعتنقها الإنسان. وكان يعرف أن طائر السنونو أكثر بقاءً من التمثال الصلب. لكنه لا يعرف الحقد والسخرية. وحين يريد أن يعاقب ويرفع السيف، يجد نفسه أمام حمامة جريحة بين أصابعه.
أن شعر نيرودا يرتفع بنغم لا مثيل له في أمريكا، إنه شعر مليء بالحب، وكله عذوبة وصدق.
وشاءت الأقدار أن يقتل لوركا على يد وحوش الفاشست الضارية، فكتب:
سقط قمر غرناطة في بركة دم.
وصرخ في ليلة الانقلاب الفاشي حين رأى الدم التشيلي في الشوارع:
تعالوا انظروا الدم في الشوارع.
تعالوا انظروا الدم في..!

تعالوا انظروا...
لقد جمع بابلو نيرودا في مجمل أعاله ما بين المشهدين، الأدبي والاجتماعي، لعصره ولم يضح بواحد على حساب الآخر، جاعلاً منهما عمادين للمعنى الشعري.
ترك وراءه ما يقارب أربعة آلاف صفحة من الشعر. وقال ذات مرة: إنه أراد شعراً غير طاهر كالبزة أو كالجسد، شعراً ملطخاً بالطعام والعار، شعراً إذا غضون ومشاهدات وأحلام واستيقاظ ونبوءات، وإعلانات حب وكراهية، ووحوش، ولطمات، وأناشيد رعاة، ومظاهرات، وإنكارات، وشكوك، وتأكيدات، وضرائب.
إن ذكرى نيرودا في وطنه تشيلي وفي العالم كله، عام شاعر كبير، ومناضل كبير، وتراجيدي كبير، استخلص في شعره عصارة قارة كاملة، بكل تواريخها، وأساطيرها، وأحلامها، وأفكارها، ونضالاتها، ودكتاتبوريها، وسجونها، ومنافيها.
و1973 في 11 أيلول. أطاحت حكومة عسكرية بالسلطة وأعدم سلفادور أليندي. و في 23 أيلول، إثر حزنه العميق لما جرى في البلاد، توفي الشاعر بابلو نيرودا في مستشفى سنتياغو في تشيلي.
بعد فترة وجيزة من وفاته، قامت مجموعة عسكرية بحرق وهدم منزله في سنتياغو، وأيضاً منزله في الباريزو الذي يحتوي على أوراقه الشخصية. وبعد وفاته صدر في 28 تشرين الثاني، آخر كتابين من كتبه: (الوردة المفصولة) و(البحر والأجراس).

أبو يحى
12-08-2005, 03:59 AM
أنا أكتب للشعب‏
برغم كونه لا يستطيع بأعينه الهلكى‏
أن يقرأ أشعاري‏
ولكن ستأتي اللحظة التي يبلغ‏
فيها أسماعه‏
سطر هو الريح التي تزلزل حياتي‏
وعندئذ، سيرفع الفلاح الطيب‏
عينيه‏
وسيبسم العامل وهو يحطم‏
الأحجار‏
وسيغسل حامل المجرفة جبينه‏
وسيتملى الصياد ألقاً نابضاً من‏
السمكة التي ستحرق يديه‏
والميكانيكي المستحم بعطر الصابون‏
سيرنو إلى قصائدي،‏

وربما قالوا جميعاً:‏

لقد كان رفيقاً لنا‏

هذا يكفيني‏

إنه التاج الذي أشتهي‏

أريد أن يتحد شعري بالأرض‏
وأن ينصهر بالهواء، بانتصار‏
الإنسان المهان".‏ بهذا جعل نيرودا الشعر فعلاً، جماعياً، يتخذ مكانه في النضال، وفي تبديل العالم. وإذا كان قد توغل في كثير من قصائده، ومقاطعه، في عالم الفن المتصل بالسوريالية، فإنه إلى هذا، أخذ بمبدأ التبسيط الذي يضارع النثر حيناً. وذلك بمثابة استراحة يفزع إليها كلما أنس في قارئيه تعباً، أوشك أن يقتعد بهم مقعد العزوف عن الصعوبة المتصدية لفهمهم البسيط.‏
ومن هذا الواقع الذي حمل الشاعر على الاقتناع بأن الشعر جزء من الواقع وجزء من المصير، راح نيرودا ينشر كنوزه، منتقلاً من منفى إلى منفى، ومن بلد إلى آخر، حتى عرفته عواصم الدنيا: باريس، ولندن، وموسكو، وبيكين، وبراغ، وبرلين وسواهما. وقد أقام الشاعر معها جميعاً جسراً من الصداقة وهو يقول ممعناً في السفر والتجوال:‏

"لنستمر في رحلتنا لأن الحياة‏
مستمرة‏
وعندئذ‏
عبر البارحة واليوم وغداً‏
سيحضر النبيذ والزعفران المأدبة‏
فتلتمع الأسماك في جهاز عرسها‏
وفي الجو الأفريقي ترقص الأغطية".‏

لقد أكدت مادة العالم، فوق ذلك، حضور الشاعر العاطفي في دور الحياة والموت، وكان الحب ديدنه في صبوته وفي نشدانه اللحظة الماتعة على أنها لبانة العمر:‏

"المسام، والعروق، وأطواق‏

الحنان‏

الأثقال، والحرارة الصموت والسهام اللصيقة بروحك الساقطة كائنات هاجعة في فمك الغليظ غبار

شحمة ناعمة محترقة‏
رماد مليء بنفوس منطفئة.‏
تعالي إلي، إلى حلمي اللامحدود‏
وانزلي في غرفتي حيث يهبط‏
الليل‏
ويهبط دونما هوادة مثل مياه‏
محطمة‏
وشديني بحياتك، وبموتك‏
وبموادك اللينة‏
بحماماتك الميتة والمحايدة‏
ولنصبح ناراً، وصمتاً، وضجيجاً‏
ولنحترق، ولنصمت، مع‏
الأجراس"


اكتشف نيرودا الملح الذي بدونه لم يكن ثمة خبز شعري يؤكل في هذا الزمان. ومع ذلك لم ينته عنده أي شيء. فهو يردد:‏

"لا وقت لدي فيما يتعلق‏
بآلامي الخاصة"‏

وهو يضيف:‏

"الحقيقة أعلى من القمر".‏

ويصور أيضاً:‏

"العالم بلون التفاحة"‏

وينشد قائلاً:‏

"إني أحب نشيد الناس الأعمى‏
وضجة الملح التي تصدم‏
جدران الفجر المحتضر".‏

ويبوح بسره هامساً:‏

"إني أسمع، وأرى‏
نصف روحي على البحر‏
والنصف الآخر على الأرض‏
والنصفان ينظران إلى العالم".‏ ولكي نعيش في أجواء الشاعر الكبير، ونلمس شغفه بالحياة الذي يضارع العبادة، فلنقرأ له هذه الباقة المعطار من قصائده:‏
1ـ إني أطلب الصمت‏
أما الآن فدعوني وشأني‏
وافعلوا ما شئتم في غيابي‏
أود أن أغمض عيني.‏
لا أبغي سوى أشياء خمسة‏
خمسة جذور أثيرة‏
أولها، حب بلا نهاية.‏
ثانيها رؤية الخريف.‏
لا أستطيع أن أعيش دون أن أرى‏
الأوراق تدور وتتساقط على الأرض.‏
ثالثها، رؤية الشتاء الباهظ‏
المطر الذي أحببت‏
ومداعبة النار في برد الغابة‏
رابعها، رؤية الصيف‏
مستديراً كما رأس البطيخ‏
خامساً رؤية عينيك‏
ماتيلد، حبيبتي‏
لا أريد النوم بدون عينيك‏
لا أود أن أكون بدون نظرتك‏
لأكيفنَّ الربيع‏
كيما تقتفي أثري بنظراتك.‏
أيها الأصدقاء، هذا كل ما أبتغي‏
يكاد يكون لا شيء‏
ويكاد يكون كل شيء‏
أما الآن، تفضلوا ودعوني لوحدي.‏
لقد بلغت من العمر بحيث ينبغي‏
أن تنسوني ذات يوم‏
أن تمحوا اسمي عن اللوح:‏
كان قلبي بلا حدود‏
ولكنني إذا ما طلبت الصمت‏
فلا يخامرنكم ظن أنني سأموت‏
العكس تماماً هو ما يحصل لي‏
يتفق أنني سأعيش.‏
ويتفق أنني موجود ومستمر الوجود.‏
ألا تبصرون فيَّ، ومني‏
تنمو الغلال‏
الحبوب في بادئ الأمر‏
تفتق الأرض لتبصر النور‏
لكنها مظلمة هذه الأرض الأم:‏
ومظلمة هي أحشاؤها:‏
إني أشبه ببئر‏
تقطف نجوم الليل‏
التي وحدها عبر الحقول‏
تتابع طريقها‏
وبقدر ما عشت أريد أن أعيش‏
هذه بغيتي.‏
لم أشعر بعمق رنيني شعوري اليوم‏
ولم أشعر في كوني مغموراً بهذا القدر‏
من القبل.‏
الوقت ما زال مبكراً.‏
شأنه في ذلك دائماً‏
الضوء يطير مع نحلاته.‏
دعوني وحيداً مع النهار‏
أرجوكم دعوني أولد.‏
...‏
2ـ أمام رجل الطفل‏
رجل الطفل لا تعلم بعد أنها رجل‏
تريد أن تكون فراشة،‏
فراشة أو تفاحة.‏
ولكن منذ ما تبدأ في الخطو‏
تعلم الشوارع والأدراج‏
الزجاج والحجر‏
الأزقة الصلفة‏
تعلم الرجل أنها عاجزة عن أن تطير‏
إنها لا تقدر أن تتدور ثمرة في الغصن‏
وعندئذ انهزمت رجل الطفل‏
سقطت في المعركة‏
أضحت أسيرة‏
مقضياً عليها أن تعيش طريدة.‏
ورويداً رويدا‏
بدون ضوء‏
عرفت العالم على طريقها‏
جاهلة الرجل الأخرى، المغلقة‏
المكتشفة العمياء للحياة.‏
تلك الأظافر الطرية‏
عناقيد الصوان‏
تدركها القساوة‏
تصبح مادة كثيفة، صلبة،‏
زاوية حادة‏
وتويجات الطفل الصغيرة‏
المسحوقة، المختلَّة‏
تتخذ شكل أفاع بلا عيون‏
وديدان برؤوس مثلثة الزوايا.‏
ثم تتصلب من جديد.‏
وترتدي‏
براكين موت دقيقة‏
وخشونة مفرطة‏
لكن أعمانا هذا مشى‏
دونما هوادة، ودونما كلل‏
ساعة عقب ساعة‏
مشت هذه الرجل وتلك‏
تارة رجل رجل‏
تارة رجل امرأة‏
مشت من فوق ومن تحت‏
خلال حقول ومناجم‏
ومتاجر ووزارات‏
مشت إلى الوراء‏
وفي الخارج‏
وفي الداخل‏
وإلى الأمام‏
دائماً منتعلة‏
عملت هذه الرجل‏
وكادت أن لا تكون‏
في وقت ما عارية‏
في الحب أو في الحلم‏
لقد مشت وحدها‏
ومشت جميعاً‏
إلى أن توقف الإنسان كتلة واحدة.‏
وعندئذ نزلت‏
إلى الأرض ولم تعلم شيئاً‏
ذلك لأن كل شيء كان مظلماً‏
ولم تعلم أنها كفت عن أن تكون‏
رجلاً.‏
لا تطير إذا دفنت‏
ولا تستطيع أن تصبح تفاحة.‏
3ـ الفارس وحيداً‏
الشبان والفتيات العاشقات‏
والأرامل اللواتي وقعن فريسة الأرق‏
الهاذي‏
والسيدات الشابات الحوامل منذ‏
ثلاثين ساعة خلت‏
والقطط المبحوحة التي تعبر بستاني‏
المظلم‏
صنو عقد انتظمته أصداف،‏
جميعها تدور حول مسكني المستوحد‏
مثل أعداء تحصنوا حول نفسي‏
وكمثل متآمرين بلباس الليل‏
يتبادلون القبل الطويلة العميقة على‏
إنها شارة المرور.‏
...‏
الصيف المتألق يقود العشاق‏
المرتدين أزياء جيوش حزينة‏
مكونة من أزواج هزيلة وسمينة‏
فرحة، وحزينة‏
تحت أشجار جوز الهند الأنيقة‏
قرب الأوقيانوس والقمر‏

أبو يحى
12-08-2005, 04:00 AM
"أنا شعوب كثيرة وفي صوتي قوة نقية تعبر صمتكم"

لطالما كان الشاعر التشيلي بابلو نيرودا يردد: "خير الا يحدث ابدا من ان يحدث متأخراً"، معاكساً الحكمة المشهورة، ولكم صدق في اعلانه هذا. اما حين يكون الامر متعلقا باجراء حوار معه، فلا بد من الاقرار بان تحقيق حلم مماثل، وان بعد فوات الاوان، خير من عدم تحقيقه على الاطلاق. ولكن ما سبيلنا اليه والشاعر رحل عن هاويتنا هذه لثلاثين سنة خلت؟ كيف اللقاء وقد عجّل مرض السرطان في اختطاف هذا الكاتب العظيم والخطيب البليغ والعاشق الكبير والسياسي الملتزم، بعد اثني عشر يوما من انتحار صديقه سلفادور الليندي اثر الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال بينوشيه في الحادي عشر من ايلول 1973؟ اين نحاور ذاك الذي ولد تحت اسم نفتالي ريّس باسوالتو، وهو راقد رقاد الفرسان الى جانب زوجته الثالثة والاخيرة ماتيلد، في ايسلا نيغرا غرب سانتياغو؟ لا حل امامنا، على الارجح، سوى ان "نقيمه من الموت" بكلماته وقصائده. ومن تلك الكلمات والقصائد تحديداً ولد هذا الحوار المتخيل معه، وهو احتفال على طريقتنا بمرور مئة عام على ولادته، مناسبة تنتهزها اليوم معظم بلدان العالم لتكريم ذكراه. ودليل ايضا، ان كان ثمة من حاجة الى دليل، على ان غياب الشاعر عودة لا تنتهي.

"الرفيق" والشاعر بابلو نيرودا، التقيناه اذاً على مفترق طرق بين حلم وحلم، بين قصيدة ويد. مشينا اليه في خطى من لا يوقف مسيرهم شيء، وطرقنا شجر ابوابه وزرناه في كل بيوته، في "عشرون قصيدة حب واغنية يائسة" و"الاقامة في الارض" و"النشيد العالمي" و"اناشيد اولية" و"مئة سوناتة حب" و"اعترف باني عشت" وسواها الكثير من المنازل التي شيّدتها مخيلته ونبوغه الشعريان. وهناك، تحت سقف من غيم ونار، ساءلنا نصوصه وحاورناها، ومن امطارها وجمراتها قطفنا هذه الاجوبة.

قل ايها الشاعر، كيف يولد الشعر؟

- هو يجيء من مرتفعات غير مرئية. اصوله غامضة ومعتمة، وينابيعه مستوحدة ومعطرة. كمثل نهر يأتي ويجرف كل ما يقع في درب تياره. كمثل نهر ايضا يشق طريقه بين القمم ويذيع نشيده البلوري في المروج. يسقي الحقول ويعطي خبزه للجائعين. يمشي بين سنابل القمح ويروي عطش الرحالة. وعندما يناضل الرجال او يرتاحون، وحده يغني لهم، يجمعهم ويصهرهم ويعجنهم ويسري فيهم مؤسسا الشعوب. هكذا يولد، وهكذا يعبر سهول الارض حاملا الى الجذور وعدا باستمرار الحياة.

وهل تستطيع هذه الحياة التي يحملها في رحمه ان "تقتل" الموت المتفشي في عالمنا؟

- ما نفع الابيات ان لم تكن ضد ذاك الليل الذي يخترقنا كخنجر مرّ؟ ما نفعها ان لم تجعل النهار اقل سخفا والغروب اشد غروبا؟ ما جاتنا اليها ان لم تكن ذاك الركن الحزين والجميل حيث يطيب لاجسادنا المطعونة ان تتهيأ للموت؟ نحن الشعراء نكره الكراهية ونحارب الحرب بالكلمة.

وما الكلمة؟

- جنح من اجنحة الصمت. قطعة ارض اعشقها، انا الذي لا املك نجمة سواها بين كل مروج السماء. هي التي تكرر الكون وتكثّره. هي بيتي ايضا. شيّدتها فسيحة رحبة لكي العب فيها من الصباح الى الصباح.

لم تكتب؟

- انها طريقتي لكي اكون وحيداً. لا اكتب لتسجنني الكتب بين طياتها. اكتب من اجل العصافير. ومن اجل ايلول. اكتب ايضا من اجل الناس البسطاء، رغم انهم لن يستطيعوا قراءة شعري بعيونهم الريفية. لكن ستجيء لحظة يصل فيها سطر من سطوري، او بعض الهواء الذي يهزّ كياني الى آذانهم، وربما يقولون آنذاك: كان رفيقا حقيقيا. وهكذا يكفي. إنه التاج الذي اريد.

كيف تصف نفسك بابلو؟

- ولدت من صدر وطني الغباري، ومن جذع الشعر. لي قلب نجار، وكل ما المسه يصبح غابة. احب عالم الريح وغالباً ما تختلط عيناي بأوراق الاغصان. لا اميز بين النساء والربيع، بين الرجل والشجرة، بين الشفاه والجذور.

ولم جئت الى هنا؟

- اتيت لاغني ولتغنوا معي. فأنا شعوب، شعوب كثيرة، واملك في صوتي القوة النقية لكي اعبر صمتكم وانزرع في العتمات. ايامي مصنوعة من كل الحيوات، فالشاعر اوسع من البحر وجزره، ويجب ان تنزلوا فيه مثل بئر لكي تخرجوا من الهاوية بغصن مياه سرية وحقائق مغمورة.

كل هذه الحيوات. الا تتعب احياناً من انك..؟

- يحدث احيانا ان ادخل معمل خياطة او صالة سينما، ذابلا بائساً كبجعة ورقية تبحر في مياه من رماد. يحدث ان تدفعني رائحة صالونات التزيين او دخان المحرّكات الى الانفجار بكاء. فأنا اريد فقط مسندا من حجر او من صوف، اريد فقط الا ارى المؤسسات ولا المصانع ولا الاسواق ولا النظارات الطبية ولا المصاعد الكهربائية. يحدث ايضا ان اتعب من قدميّ ومن اظافري ومن شعري ومن ظلي. بلى، يحدث في الحقيقة ان اتعب من كوني رجلا...

ذكرت الحقيقة. هل هي موجودة حقا؟

- الحقيقة هي ان ليس ثمة حقيقة. لقد متّ، وهذا امر يعرفه الجميع رغم ان الجميع يخفيه. ماتت الحقيقة ولم تتلق ازهارا. ماتت ولم يبكها احد.

وانت، هل انت ميت حقا؟

- ميت هو ذاك الذي يصبح عبدا لعاداته، مكررا نفسه كل يوم. ذاك الذي لا يغيّر ماركة ملابسه ولا طريق ذهابه الى العمل ولا لون نظراته عند المغيب. ميت هو ذاك الذي يفضّل الاسود والابيض والنقاط على الحروف بدلا من سرب غامض من الانفعالات الجارفة، تلك التي تجعل العينين تبرقان، وتحوّل التثاؤب ابتسامة، وتعلّم القلب الخفقان امام جنون المشاعر. ميت هو ذاك الذي لا يقلب الطاولة ولا يسمح لنفسه ولو لمرة واحدة في حياته بالهرب من النصائح المنطقية. ذاك الذي لا يسافر ولا يقرأ ولا يصغي الى الموسيقى، ذاك الذي لا يقبل مساعدة احد ويمضي نهاراته متذمرا من سوء حظه او من استمرار هطول المطر. ميت هو من يتخلى عن مشروع قبل ان يهم به، ميت من يخشى ان يطرح الاسئلة حول المواضيع التي يجهلها، ومن لا يجيب عندما يُسأل عن امر يعرفه. ميت ٌ من يجتنب الشغف ولا يجازف باليقين في سبيل اللايقين من اجل ان يطارد احد احلامه.

ميتٌ؟ انا؟ كلا، لست كذلك. لنقل اني صامت فحسب.

وما هي الاسئلة التي رافقتك الى صمتك ولا تخشى طرحها؟

- كثيرة هي.

لِمَ تخبىء الاشجار روعة جذورها؟ لِمَ تنتحر الاوراق عندما تشعر بأنها صفراء؟ لِمَ تبكي الغيوم الى هذا الحد، ولِمَ كلما بكت ازدادت مرحا وخفة؟ والدموع التي لا تُبكى، هل تنتظر دورها في بحيرات صغيرة، ام انها تصبح انهارا غير مرئية تتدفق نحو الحزن؟ وهل ثمة ما هو اكثر بعثا على الكآبة من قطار متوقف تحت المطر؟

من يتألم اشد، ذاك الذي لا ينفك ينتظر او ذاك الذي لم ينتظر احدا قط؟ كم من الاسئلة لدى الهرّ وكم يبلغ عمر تشرين؟ كم اسبوعاً في اليوم الواحد وكم عاماً في شهر؟ وما اسمه ذاك الشهر الذي يحل بين كانون الاول وكانون الثاني؟

من هم اولئك الذين صرخوا فرحاً عندما ولد اللون الازرق؟ وما اسمها الزهرة التي تطير من عصفور الى عصفور؟ اين منتصف البحر، ولم لا تركض الامواج اليه؟ كم المسافة بالامتار المستديرة بين الشمس والبرتقالة؟ لم اجمل الانهار ذهبت لتجري في فرنسا؟

الم يكن صحيحا اذاً ان الله يعيش في القمر؟ اليست الحياة سمكةُ تهيأ لتكون عصفورا؟ اين انزرعت عينا الرفيق بول ايلوار؟ وعندما كان يبكي بودلير هل كانت تنهمر دموعه سوداء؟ هل استطيع ان اسأل كتابي اذا كنت انا من كتبه حقا؟ من يسعه ان يجيبني ما الذي جئت افعله في هذا العالم؟ ما الذي سيقوله عن شعري اولئك الذين لم يلمسوا دمي؟ وهل ثمة اغبى من ان يحمل المرء اسم بابلو نيرودا؟

هل تراكِ تعرفين من اين يجيء الحب؟ امن فوق او من اسفل؟

- آه، الحب... لو اوتي لك اليوم ان تعود لتهمس بضع كلمات في اذن المرأة التي تحب، ما الذي كنت لتقوله لها يا ابلغ العشاق؟

- انني جائع الى فمكِ، الى صوتكِ، واهيم في الشوارع دون غذاء، صامتاً جريحاً، باحثاً عن حفيف قدميكِ السائل في اوردة النهار. قبّليني واحرقيني يا امرأة، فأنا ما عشت وما مت الا من اجل ان تغرق عيناي في مياه عينيكِ اللامتناهية.

أبو يحى
12-08-2005, 04:02 AM
بابلو نيرودا


1- لو لم يكن لعينيكِ لون القمر،


لون النهار بطينه وكده وناره

لو لم تُخضعي خفة الهواء،

ولم تشبهي اسبوعا من العنبر،

لو لم تكوني اللحظة الصفراء

التي ينبثق فيها الخريف من الدوالي

والخبز الذي يعجنه القمر العطِر

حين ينزّه طحينه في السماء.

آه، يا حبيبتي، لما احببتكِ!

في عناقكِ اعانق كل الوجود:

الرمل والوقت وشجرة المطر.

وكل ما هو حي يعيش كي احيا انا

لا احتاج مسافة كي ارى الاشياء،

فيكِ انتِ ارى الحياة كلها.

* * *

2- يا امرأة تامة، يا تفاحة شهوانية، يا قمرا حارا.

يا عطر الطحالب الكثيف، ووحلا معجوناً بالضوء

اي نور غامض يتفتح بين اعمدتكِ؟

واي ليل قديم يثير حواس الرجل؟

آه، الحب رحلة مع المياه والنجوم،

مع الهواء الضيق وعواصف الطحين النزقة:

الحب قتال بين البروق

وجسدان ضلّلهما عسل واحد

قبلة فقبلة اجتاز جبلك الصغير.

وضفتيكِ. وانهاركِ وقراكِ،

فتركض نار الحب وقد صارت لذة

على طرق الدم الضيقة،

لترتمي كمثل قرنفلة ليلية

وتصبح محض شعاع بين الظلال.

* * *

3- لا احبكِ كما لو انكِ وردة من ملح.

او حجر ياقوت، او سهم من قرنفلات تشيع النار:

احبكِ مثلما تحَبّ بعض الامور الغامضة،

سرا، بين الظل والروح.

احبكِ مثل النبتة التي لا تزهر

وتخبىء في داخلها ضوء تلك الزهور

وبفضل حبكِ يعيش معتماً في جسدي

العطر المكثّف الطالع من الارض.

احبكِ دون ان اعرف كيف، او متى او اين،

احبكِ بلا مواربة، بلا عُقد وبلا غرور:

هكذا احبكِ لأني لا اعرف طريقة اخرى

غير هذه، دون ان اكون او تكوني،

قريبة حتى ان يدكِ على صدري يدي،

قريبة حتى اغفو حين تغمضين عينيكِ.

* * *