yazeed6
20-05-2004, 10:28 AM
حمود بن عقلاء الشعيبي
حمود بن عقلاء الشعيبي
رحمه الله
رمز عزة ، وشاهد كرامة لن تنساه قلوب الموحدين ، وأفئدة المجاهدين ...
كان هذا العالم مثالا حيا للعالم الرباني الذي طالما سمعنا عنه في التأريخ ، وقرأنا عنه في بطون الكتب ، ثم هو يتجسد أمامنا في حياة ذلك العلم الشامخ .
ولد الشيخ أبو عبد الله في ( الشقة ) من قرى القصيم في نجد سنة 1346هـ
وعاش في بيت دين وكرم ، ويرجع نسبه إلى بني خالد القبيلة العربية المعروفة ..
وبدأ حياته بالعلم فدخل الكتّاب حين بلغ السادسة من عمره فتعلم القراءة والكتابة والحساب ، ثم انتقل إلى قراءة القرآن وحفظه على يد الشيخ عبد الله بن مبارك العمري ، وابتلاه الله بمرض الجدري ففقد بصره حين بلغ السابعة فلم يثنه ذلك عن مواصلة طلب العلم حتى استطاع حفظ القرآن كاملا عند بلوغه الثالثة عشرة من عمره .
كان لأبيه دور كبير في تربيته حيث كان يدفعه إلى العلم ويحثه عليه ، كما كان يعلمه من أمر الدنيا ما يحتاج إليه فاستفاد شيخنا من أبيه في مجال الزراعة والسقي والفلاحة .
ولما بلغ شيخنا العشرين من عمره أرسله أبوه إلى الرياض ليواصل طلب العلم ، وكانت الرياض محطته التي استفاد منها كثيرا وتخرج منها عالما يشار إليه بالبنان ليهيأه الله ليومٍ عظيم كان فيه شيخنا الإمام القدوة الذي رفع الله به منار الدين .
في الرياض لازم الشيخ حلق العلم ودروس المساجد على يد أكبر علماء نجد في ذاك الزمن فكان من مشايخه : الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله و الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله وقد لازم الأخيرين ملازمة طويلة واستفاد منهما كثيرا ، وعلى أيديهم حفظ كثيرا من المتون وفهمها وأتقنها كالآجرومية والأصول الثلاثة والرحبية في الفرائض والقواعد الأربعة ، وألفية ابن مالك في النحو وزاد المستقنع في الفقه الحنبلي كما درس عليهم زاد المستقنع وكتاب التوحيد وكشف الشبهات والواسطية لشيخ الإسلام والأربعين النووية وألفية ابن مالك وبلوغ المرام والطحاوية والدرة المضيئة للسفاريني والحموية لابن تيمية وسلم الأخضري في المنطق وروضة الناظر في الأصول ، هذا كله غير القراءة في المطولات التي كان يحضرها الشيخ واستفاد منها ، وقد أخذ من هؤلاء العلماء في فنون كثيرة كالعقيدة والتفسير والفقه والحديث وأصول الفقه واللغة .
ولما فتح المعهد العلمي سنة 1371هـ دَرَس فيه الشيخ ثم التحق بكلية الشريعة وكان من مشايخه فيهما الشيخ عبدالعزيز بن باز درسه في التوحيد والحديث, والشيخ عبدالرحمن الإفريقي في الحديث أيضا , والشيخ عبدالعزيز الرشيد في الفقه , والشيخ سعود بن رشود , والشيخ إبراهيم بن سليمان , والشيخ عبدالله الخليفي , والأستاذ حمد الجاسر في الإنشاء والإملاء , ومن أهل مصر
في النحو والبلاغة منهم الشيخ يوسف عمر حسنين والشيخ عبداللطيف سرحان والشيخ يوسف الضبع وغيرهم رحمهم الله جميعا.
كان الشيخ يتميز بالذكاء وقوة الذاكرة وحسن الفهم ، نقل عنه تلميذه : عبد الرحمن الجفن قوله : كنت أجلس أحيانا بعد العشاء في عريش رباط الشيخ محمد بن إبراهيم فلا أقوم من مكاني حتى أنهي هذين المتنين [ يعني ألفية ابن مالك في النحو وزاد المستقنع في الفقه ].
وكان الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله إذا انتهى من الدرس قام الطلاب إلى الشيخ حمود - وكان منهم بعض العلماء الموجودين حاليا - وطلبوا منه أن يعيد لهم درس الشيخ ابن إبراهيم فكان الشيخ حمود - يمازحهم – يرفض ذلك أول الأمر ثم يقوم إلى ركن المسجد فيعيد عليهم درس الشيخ كاملا.
بعد تخرج الشيخ من كلية الشريعة عين قاضيا في وادي الدواسر ثم ألغي ذلك التعيين بشفاعة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله لما رأى من نفعه في باب التدريس , فعين مدرسا في المعهد العلمي لمدة سنة واحدة وذلك عام 1376 هـ ثم انتقل إلى الكلية بعدها عام 1377هـ وبقي فيها أربعين عاما يدرس فيها حتى سنة 1407هـ وترقى خلالها حتى وصل إلى درجة أستاذ , وقد درّس فيها جميع المواد التي كانت تدرس في المعهد والكلية كالتوحيد والفقه والفرائض والحديث والأصول والبلاغة والنحو كلها درسها وتخرج على يديه عدد كبير من الطلاب، وأشرف على عدد كبير من الرسائل الجامعية .
لم يكن هذا الجانب هو الجانب الأبرز في حياة الشيخ فقد جمع إلى ذلك خصالا حميدة ، ومآثر عديدة فقد كان سخيا منفقا للمال ، حسن الأخلاق ، متواضعا ، زاهدا في هذه الدنيا إلا أن أبرز جانب تميز به الشيخ هو الجانب الذي جبن عنه وتقاعس أغلب علماء هذا الزمان ، فقد سد الله به ثغرة لم يسدها غيره ، وأظهر به للعالمين كيف تكون صورة العلماء الصادقين ، وكيف هو حال أهل السنة والاتباع من المصلحين ؛ فإننا في هذه الأزمان المتأخرة بلينا بسفهاء سقطاء يلبسون جلود الضأن على قلوب السباع قد اتخذوا العلم مطية لتحصيل الملذات ، والتنافس في المناصب ، والتقرب إلى السلاطين المرتدين ، والحكام الخائنين ، ولقد كانوا في الزمان الأول كثيرا وهم في هذا الزمان أكثر من الكثير وزادوا على ذلك سوءا إلى سوء فانتسبوا زورا وبهتانا إلى السنة ومنهاج السلف فشوهوا بذلك صورة الإسلام والسنة ، ونفّروا منهما العالمين ، وجعلوهما في أعين الناس قرينة استبداد الحكام الظالمين وجشعهم وطمعهم ، ومستند عمالتهم للكافرين وخيانتهم ، حتى غابت عن أعين الناس صورة ذلك العالم الرباني المهتدي بهدي السلف العامل بعلمه الذي يقول بالحق ويصدع به حتى بعث الله الشيخ حمود الشعيبي رحمه الله ، رحمة من الله بالمسلمين ليعلموا أن وعد الله حق وأن الخير لن يزال في هذه الأمة حتى يأتي أمر الله ، ورغم قصر المدة التي انتشر فيها ذكر الشيخ على مستوى العالم فإنها جاءت في مرحلة حرجة وحساسة من تأريخ العالم الإسلامي حيث بدأت جحافل الصليبيين في غزو بلاد الإسلام تحت اسم حرب الإرهاب في حرب صليبية جديدة ، وقد كانت كافية لرسم منهج ، وتأسيس مدرسة ، تحيي في الأمة كلمة الحق وترفعها عاليا في سماء العالم .
لقد ظل الشيخ طول حياته العلمية مهتما بأمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، مناصرا للجهاد في سبيل الله ، متتبعا لأحوالهم معينا لهم بما ييسر الله له ، وسندا للمصلحين من العلماء وفي المقابل كان جسورا شجاعا صامدا في وجه الطغاة والظالمين ، مقلقا لهم ، ومفسدا لجهودهم وخططهم بصدعه بالحق وجهره به على قدر استطاعته .
سجن الشيخ رحمه الله عام 1417هـ أربعين يوما وأوقف مرات كثيرة عن الإفتاء ومع ذلك لم يمتنع عن الفتوى فقد كان كثيرا ما يردد إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وقد أفتى شيخنا رحمه الله بفتاوى وألف رسائل كلها مما يمس واقع المسلمين ويحتاجون إليه فمنها : فتوى في تحكيم القوانين الوضعية ، وكتاب : القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار ، وفتوى في نصرة المجاهدين في الفلبين ، وفتوى في تكفير تركي الحمد ، ومناصحة محسن العواجي ، وبيان ضلالات حسن المالكي وغير ذلك ،وكان له مراسلات مع أمراء الجهاد الأفغاني كحكمتيار للإصلاح بينهم وبين الطالبان .
ولما أكرم الله المجاهدين بنصره في غزوة منهاتن كان ذلك منعطفا تأريخيا في تأريخ المسلمين حيث فتن الناس فتنة عظيمة بسبب الحلف الكفري العالمي ضد المجاهدين في سبيل الله والذي كان الكفار يطالبون المسلمين حكاما ومحكومين بالدخول فيه ، فأما الحكومات وجيوشها فلم تتوان لحظة عن التأييد الحسي والمعنوي المباشر وغير المباشر وليس ذلك بمستغرب عليهم فليس بعد الردة والكفر ذنب ، وأما عامة المسلمين فثبتهم الله بأصوات قليلة كان أنداها وأسرعها إلى الحق صوت شيخنا الإمام حمود رحمه الله فكان أول من خط سوداء في بيضاء لبيان الحق في هذه المحنة العظيمة التي لحقت بالمسلمين فأبرز معاني الولاء والبراء ، وناصر المجاهدين ، وحث على جهاد الكافرين ، ونصح المسلمين أن يحتاطوا لدينهم ويحذروا من إعانة الصليبيين والدخول في حلفهم في فتوى مشهورة حول غزوة منهاتن سارت بها الركبان وترجمت إلى ألسن كثيرة فعلم المسلمون الحق واهتدوا إليه بعد أن كدرت عليهم فطرتهم فتاوى المخذولين من المنتسبين إلى العلم الذين لم يستنيروا بنور الوحي وكانت فتواه تلك مستند ألفين من علماء أفغانستان وباكستان في عدم جواز تسليم المجاهدين العرب وعلى رأسهم الشيخ أسامة إلى أمريكا ، شجع الشيخ شباب الموحدين على نصرة المجاهدين في أفغانستان وراسل أمير المؤمنين الملا عمر في رسالة تثبيت وتأييد ، وكان له صولات وجولات مع المبتدعة والزنادقة من أهل العصر يرد باطلهم ، ويغلظ عليهم ويجاهدهم في الله جهادا كبيرا ، ولم يكن غافلا عما يعيشه واقعه وما يحتاجه الناس في حاضرهم فكتب رسالة في بيان معنى الإرهاب وحقيقته ، ولما كتب الله القبول لرسائله وفتاواه غص بها الطواغيت وأذنابهم من علماء السوء فأخذوا يشغبون ويلبسون على الناس بذم الفتاوى الفردية ، والاجتهادات الخاصة رغبة منهم في صرف وجوه الناس إلى اللجان والهيئات الرسمية المسموح لها بالإفتاء فكتب الشيخ في ذلك رسالته ، وبعد عمر طويل في العلم والتعليم ومناصرة المسلمين والمجاهدين والصدع بالحق في وجوه الظالمين وفي الأجواء الحامية التي قامت الحرب فيها بين الموحدين والمشركين قبض الله روح ذلك العبد الصالح لتفجع به الأمة خاصة أولياء الله من المجاهدين الذين وجدوا فيه العالم الصادق ، والأب الحاني ، والمناصر الثابت ..
مات الشيخ رحمه الله ، ولم تمت آثاره فهذا علمه يستضيء به أهل الإيمان ، وهذا نهجه وسمته يدفع الشباب إلى الثبات على الطريق حتى يلقوا ربهم غير مبدلين ولا مغيرين ..
توفي رحمه الله في يوم الجمعة 4 / 11 / 1422 هـ وصلي عليه عصر يوم السبت وحضر جنازته الآلاف من الناس الذين وفدوا من بلاد مختلفة وبعيدة ، نسأل الله سبحانه أن يلحقنا به في جنات النعيم ، وأن يعوض الأمة عنه خيرا ، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه
حمود بن عقلاء الشعيبي
رحمه الله
رمز عزة ، وشاهد كرامة لن تنساه قلوب الموحدين ، وأفئدة المجاهدين ...
كان هذا العالم مثالا حيا للعالم الرباني الذي طالما سمعنا عنه في التأريخ ، وقرأنا عنه في بطون الكتب ، ثم هو يتجسد أمامنا في حياة ذلك العلم الشامخ .
ولد الشيخ أبو عبد الله في ( الشقة ) من قرى القصيم في نجد سنة 1346هـ
وعاش في بيت دين وكرم ، ويرجع نسبه إلى بني خالد القبيلة العربية المعروفة ..
وبدأ حياته بالعلم فدخل الكتّاب حين بلغ السادسة من عمره فتعلم القراءة والكتابة والحساب ، ثم انتقل إلى قراءة القرآن وحفظه على يد الشيخ عبد الله بن مبارك العمري ، وابتلاه الله بمرض الجدري ففقد بصره حين بلغ السابعة فلم يثنه ذلك عن مواصلة طلب العلم حتى استطاع حفظ القرآن كاملا عند بلوغه الثالثة عشرة من عمره .
كان لأبيه دور كبير في تربيته حيث كان يدفعه إلى العلم ويحثه عليه ، كما كان يعلمه من أمر الدنيا ما يحتاج إليه فاستفاد شيخنا من أبيه في مجال الزراعة والسقي والفلاحة .
ولما بلغ شيخنا العشرين من عمره أرسله أبوه إلى الرياض ليواصل طلب العلم ، وكانت الرياض محطته التي استفاد منها كثيرا وتخرج منها عالما يشار إليه بالبنان ليهيأه الله ليومٍ عظيم كان فيه شيخنا الإمام القدوة الذي رفع الله به منار الدين .
في الرياض لازم الشيخ حلق العلم ودروس المساجد على يد أكبر علماء نجد في ذاك الزمن فكان من مشايخه : الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله و الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله وقد لازم الأخيرين ملازمة طويلة واستفاد منهما كثيرا ، وعلى أيديهم حفظ كثيرا من المتون وفهمها وأتقنها كالآجرومية والأصول الثلاثة والرحبية في الفرائض والقواعد الأربعة ، وألفية ابن مالك في النحو وزاد المستقنع في الفقه الحنبلي كما درس عليهم زاد المستقنع وكتاب التوحيد وكشف الشبهات والواسطية لشيخ الإسلام والأربعين النووية وألفية ابن مالك وبلوغ المرام والطحاوية والدرة المضيئة للسفاريني والحموية لابن تيمية وسلم الأخضري في المنطق وروضة الناظر في الأصول ، هذا كله غير القراءة في المطولات التي كان يحضرها الشيخ واستفاد منها ، وقد أخذ من هؤلاء العلماء في فنون كثيرة كالعقيدة والتفسير والفقه والحديث وأصول الفقه واللغة .
ولما فتح المعهد العلمي سنة 1371هـ دَرَس فيه الشيخ ثم التحق بكلية الشريعة وكان من مشايخه فيهما الشيخ عبدالعزيز بن باز درسه في التوحيد والحديث, والشيخ عبدالرحمن الإفريقي في الحديث أيضا , والشيخ عبدالعزيز الرشيد في الفقه , والشيخ سعود بن رشود , والشيخ إبراهيم بن سليمان , والشيخ عبدالله الخليفي , والأستاذ حمد الجاسر في الإنشاء والإملاء , ومن أهل مصر
في النحو والبلاغة منهم الشيخ يوسف عمر حسنين والشيخ عبداللطيف سرحان والشيخ يوسف الضبع وغيرهم رحمهم الله جميعا.
كان الشيخ يتميز بالذكاء وقوة الذاكرة وحسن الفهم ، نقل عنه تلميذه : عبد الرحمن الجفن قوله : كنت أجلس أحيانا بعد العشاء في عريش رباط الشيخ محمد بن إبراهيم فلا أقوم من مكاني حتى أنهي هذين المتنين [ يعني ألفية ابن مالك في النحو وزاد المستقنع في الفقه ].
وكان الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله إذا انتهى من الدرس قام الطلاب إلى الشيخ حمود - وكان منهم بعض العلماء الموجودين حاليا - وطلبوا منه أن يعيد لهم درس الشيخ ابن إبراهيم فكان الشيخ حمود - يمازحهم – يرفض ذلك أول الأمر ثم يقوم إلى ركن المسجد فيعيد عليهم درس الشيخ كاملا.
بعد تخرج الشيخ من كلية الشريعة عين قاضيا في وادي الدواسر ثم ألغي ذلك التعيين بشفاعة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله لما رأى من نفعه في باب التدريس , فعين مدرسا في المعهد العلمي لمدة سنة واحدة وذلك عام 1376 هـ ثم انتقل إلى الكلية بعدها عام 1377هـ وبقي فيها أربعين عاما يدرس فيها حتى سنة 1407هـ وترقى خلالها حتى وصل إلى درجة أستاذ , وقد درّس فيها جميع المواد التي كانت تدرس في المعهد والكلية كالتوحيد والفقه والفرائض والحديث والأصول والبلاغة والنحو كلها درسها وتخرج على يديه عدد كبير من الطلاب، وأشرف على عدد كبير من الرسائل الجامعية .
لم يكن هذا الجانب هو الجانب الأبرز في حياة الشيخ فقد جمع إلى ذلك خصالا حميدة ، ومآثر عديدة فقد كان سخيا منفقا للمال ، حسن الأخلاق ، متواضعا ، زاهدا في هذه الدنيا إلا أن أبرز جانب تميز به الشيخ هو الجانب الذي جبن عنه وتقاعس أغلب علماء هذا الزمان ، فقد سد الله به ثغرة لم يسدها غيره ، وأظهر به للعالمين كيف تكون صورة العلماء الصادقين ، وكيف هو حال أهل السنة والاتباع من المصلحين ؛ فإننا في هذه الأزمان المتأخرة بلينا بسفهاء سقطاء يلبسون جلود الضأن على قلوب السباع قد اتخذوا العلم مطية لتحصيل الملذات ، والتنافس في المناصب ، والتقرب إلى السلاطين المرتدين ، والحكام الخائنين ، ولقد كانوا في الزمان الأول كثيرا وهم في هذا الزمان أكثر من الكثير وزادوا على ذلك سوءا إلى سوء فانتسبوا زورا وبهتانا إلى السنة ومنهاج السلف فشوهوا بذلك صورة الإسلام والسنة ، ونفّروا منهما العالمين ، وجعلوهما في أعين الناس قرينة استبداد الحكام الظالمين وجشعهم وطمعهم ، ومستند عمالتهم للكافرين وخيانتهم ، حتى غابت عن أعين الناس صورة ذلك العالم الرباني المهتدي بهدي السلف العامل بعلمه الذي يقول بالحق ويصدع به حتى بعث الله الشيخ حمود الشعيبي رحمه الله ، رحمة من الله بالمسلمين ليعلموا أن وعد الله حق وأن الخير لن يزال في هذه الأمة حتى يأتي أمر الله ، ورغم قصر المدة التي انتشر فيها ذكر الشيخ على مستوى العالم فإنها جاءت في مرحلة حرجة وحساسة من تأريخ العالم الإسلامي حيث بدأت جحافل الصليبيين في غزو بلاد الإسلام تحت اسم حرب الإرهاب في حرب صليبية جديدة ، وقد كانت كافية لرسم منهج ، وتأسيس مدرسة ، تحيي في الأمة كلمة الحق وترفعها عاليا في سماء العالم .
لقد ظل الشيخ طول حياته العلمية مهتما بأمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، مناصرا للجهاد في سبيل الله ، متتبعا لأحوالهم معينا لهم بما ييسر الله له ، وسندا للمصلحين من العلماء وفي المقابل كان جسورا شجاعا صامدا في وجه الطغاة والظالمين ، مقلقا لهم ، ومفسدا لجهودهم وخططهم بصدعه بالحق وجهره به على قدر استطاعته .
سجن الشيخ رحمه الله عام 1417هـ أربعين يوما وأوقف مرات كثيرة عن الإفتاء ومع ذلك لم يمتنع عن الفتوى فقد كان كثيرا ما يردد إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وقد أفتى شيخنا رحمه الله بفتاوى وألف رسائل كلها مما يمس واقع المسلمين ويحتاجون إليه فمنها : فتوى في تحكيم القوانين الوضعية ، وكتاب : القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار ، وفتوى في نصرة المجاهدين في الفلبين ، وفتوى في تكفير تركي الحمد ، ومناصحة محسن العواجي ، وبيان ضلالات حسن المالكي وغير ذلك ،وكان له مراسلات مع أمراء الجهاد الأفغاني كحكمتيار للإصلاح بينهم وبين الطالبان .
ولما أكرم الله المجاهدين بنصره في غزوة منهاتن كان ذلك منعطفا تأريخيا في تأريخ المسلمين حيث فتن الناس فتنة عظيمة بسبب الحلف الكفري العالمي ضد المجاهدين في سبيل الله والذي كان الكفار يطالبون المسلمين حكاما ومحكومين بالدخول فيه ، فأما الحكومات وجيوشها فلم تتوان لحظة عن التأييد الحسي والمعنوي المباشر وغير المباشر وليس ذلك بمستغرب عليهم فليس بعد الردة والكفر ذنب ، وأما عامة المسلمين فثبتهم الله بأصوات قليلة كان أنداها وأسرعها إلى الحق صوت شيخنا الإمام حمود رحمه الله فكان أول من خط سوداء في بيضاء لبيان الحق في هذه المحنة العظيمة التي لحقت بالمسلمين فأبرز معاني الولاء والبراء ، وناصر المجاهدين ، وحث على جهاد الكافرين ، ونصح المسلمين أن يحتاطوا لدينهم ويحذروا من إعانة الصليبيين والدخول في حلفهم في فتوى مشهورة حول غزوة منهاتن سارت بها الركبان وترجمت إلى ألسن كثيرة فعلم المسلمون الحق واهتدوا إليه بعد أن كدرت عليهم فطرتهم فتاوى المخذولين من المنتسبين إلى العلم الذين لم يستنيروا بنور الوحي وكانت فتواه تلك مستند ألفين من علماء أفغانستان وباكستان في عدم جواز تسليم المجاهدين العرب وعلى رأسهم الشيخ أسامة إلى أمريكا ، شجع الشيخ شباب الموحدين على نصرة المجاهدين في أفغانستان وراسل أمير المؤمنين الملا عمر في رسالة تثبيت وتأييد ، وكان له صولات وجولات مع المبتدعة والزنادقة من أهل العصر يرد باطلهم ، ويغلظ عليهم ويجاهدهم في الله جهادا كبيرا ، ولم يكن غافلا عما يعيشه واقعه وما يحتاجه الناس في حاضرهم فكتب رسالة في بيان معنى الإرهاب وحقيقته ، ولما كتب الله القبول لرسائله وفتاواه غص بها الطواغيت وأذنابهم من علماء السوء فأخذوا يشغبون ويلبسون على الناس بذم الفتاوى الفردية ، والاجتهادات الخاصة رغبة منهم في صرف وجوه الناس إلى اللجان والهيئات الرسمية المسموح لها بالإفتاء فكتب الشيخ في ذلك رسالته ، وبعد عمر طويل في العلم والتعليم ومناصرة المسلمين والمجاهدين والصدع بالحق في وجوه الظالمين وفي الأجواء الحامية التي قامت الحرب فيها بين الموحدين والمشركين قبض الله روح ذلك العبد الصالح لتفجع به الأمة خاصة أولياء الله من المجاهدين الذين وجدوا فيه العالم الصادق ، والأب الحاني ، والمناصر الثابت ..
مات الشيخ رحمه الله ، ولم تمت آثاره فهذا علمه يستضيء به أهل الإيمان ، وهذا نهجه وسمته يدفع الشباب إلى الثبات على الطريق حتى يلقوا ربهم غير مبدلين ولا مغيرين ..
توفي رحمه الله في يوم الجمعة 4 / 11 / 1422 هـ وصلي عليه عصر يوم السبت وحضر جنازته الآلاف من الناس الذين وفدوا من بلاد مختلفة وبعيدة ، نسأل الله سبحانه أن يلحقنا به في جنات النعيم ، وأن يعوض الأمة عنه خيرا ، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه