حكم مناظرة الرافضة في القنوات
الشيخ / احمد بن محمد العتيق
الحمد لله رب العالمين . مّن على المؤمنين ببعثة النبي الآمين فقال (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لأشريك له مخلصاً له الدين . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا . أما بعد :
فإن مما لاشك فيه أن التمسك بالكتاب والسنة والسير على منهج السلف الصالح علماً وعملاً فيه نجاةٌ من الوقوع في البدع والضلال، قال تعالى (( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) .
وروى الحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما . كتاب الله وسنتي .. ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " . ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفرق الهالكة وذكر الفرقة الناجية قال: " هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي .." .
فمن أعرض عن الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة تنازعته الطرق المضللة والبدع المحدثة وهلك والعياذ بالله .
وإن لظهور البدع وانتشارها أسباباً كثيرة أهمها مايلي :
أولاً : البعد عن الكتاب والسنة كما سبق ذكره والجهل بأحكام الدين . فكلما بعد الناس عن آثار الرسالة قلَّ العلم وفشا الجهل ، كما أخبر بذالك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا " وقوله " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب العباد ، ولكن يقبضه بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً إتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " .
فلا يُقاوِمُ البدع إلا العلم والعلماء . فإذا فقد العلم والعلماء اتيحت الفرصة للبدع أن تظهر وتنتشر ، ولأهلها أن ينشطوا .
ثانياً : إتباع الهوى . فإن من أعرض عن الكتاب والسنة ، اتبع هواه ، كما قال تعالى: (( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله )) .
وقال تعالى: (( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ، وأضله الله على علم ، وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، فمن يهديه من بعد الله )) .
ثالثاً : التعصب لآراء الرجال . فإنه يحول بين المرء وإتباع الدليل ومعرفة الحق ، قال تعالى: (( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ..)) . وهذا هو الشأن في المتعصبين اليوم من بعض أتباع المذاهب أو الأحزاب والفرق والجماعات وكذالك أتباع المذاهب الصوفية والقبوريين إذ دُعوا إلى إتباع الكتاب والسنة ونبذ ما هم عليه مما يخالفهم ، احتجوا بمذهبهم ومشائخهم وآبائهم وأجدادهم .
رابعاً : التشبه بالكفار : وهو أشد ما يوقع في البدع ، كما في حديث أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، ونحن حدثاء عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم ، يقال لها ذات أنواط ، فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله : إجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله اكبر إنها السنن ! قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى (( إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون )) لتركبن سسن من كان قبلكم ".
ففي هذا الحديث : أن التشبه بالكفار هو الذي حمل بني إسرائيل أن يطلبوا هذا الطلب القبيح ، وهو أن يجعل آلهة يعبدونها . وهو الذي جعل بعض من كان حديث عهد بكفر من الصحابة أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها . وهذا نفس الواقع اليوم . فإن غالب الناس من المسلمين قلدوا الكفار في عمل البدع والشركيات ، كأعياد الموالد وإقامة الأيام والأسابيع لأعمال مخصصة ، والإحتفالات بالمناسبات الدينية والذكريات ، وإقامة التماثيل والنصب التذكارية وإقامة الماتم ، وبدع الجنائز والبناء على القبور وغير ذالك .
خامساً : من أسباب ظهور البدع : مناظرة أهل البدع أمام العامة . فإن في ذالك من المفاسد مالا يخفى على من عنده أدنى علم فضلاً عن العلماء . ولذالك كان السلف يحذرون من مناظرة أهل البدع خصوصاً أمام العوام بل كانوا لا يناظرونهم إلا في حالات نادرة . لان العالم أيضاً قد تؤثر فيه مناظرة المبتدع .
نعم : يجب على أهل العلم التحذير من أهل البدع والرد عليهم وفضحهم .
بل استفاض عن السلف أن مخالطة أهل البدع هلاك بيّن وسم قاتل . قال ابن قدامة رحمه الله : "وكان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم" . وقال الإمام أبو عثمان الصابوني رحمه الله : "ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالأذان وقرت في القلوب ضَّرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت ."
وعن ابن سيرين أنه كان إذا سمع كلمة صاحب بدعة وضع أصبعيه في أذنيه ثم قال : "لا يحل لي أن اكلمه حتى يقوم من مجلسي" . ومثل هذا كثير عند السلف .
فإذا كان هذا حال العلماء مع أهل البدع ألا وهو خوفهم من التأثر بهم فكيف بالعوام .
وقد شاع في الأيام الماضية مناظرة الرافضة عبر إحدى القنوات . ولاقى هذا العمل استحساناً من الكثير بل بسببه أصبح كثير من الجهال يطعنون في علماء أهل السنة والراسخين . ويقولون لماذا لا يشارك علماؤنا في هذه المناظرات . ثم يجعلون ذالك ذريعة للقدح في علمائنا .
ما علموا أن علماء أهل السنة يترفعون عن مثل هذا العمل فإنهم لم يسكتوا جهلاً ولا جبناً فلله درهم . وإنما سكتوا عن ذالك لمنهج يسلكونه ، ألا وهو أن مناظرة أهل البدع أمام العامة ممنوع شرعاً . قال تعالى (( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره .. )) .
ومناظرة أهل البدع المعلنة لا تجوز لأسباب :
أولها : أن في ذالك تشميتاً لأعداء الله من الكفار بالمسلمين حيث إنهم إذا رأوا من ينتسب إلى الإسلام يخطي بعضهم بعضاً ويضلل بعضهم بعضاً علناً صار ذالك ذريعة إلى اتهام دين المسلمين .
ثانياً : فتح باب المناظرات المعلن . فاليوم السنة والرافضة . وغداً مع المتصوفة . وبعده مع غيرهم ثم بعد ذالك ينفتح الباب على مصراعيه فيصعب إغلاقه .
ثالثاً : إتاحة الفرصة لأهل البدع أن ينشروا بدعهم في أوساط أهل السنة عن طريق المناظرات .
رابعاً : التأثير على عوام أهل السنة . فإن العامة إذا سمعوا المناظر من أهل البدع وحجته وكلامه ، قد يعلق في قلوبهم شيء من كلامهم لا يستطيعون التخلص منه . كما شاهدنا ذالك في بعض عوامنا . حيث إنهم تأثروا بأفكار الرافضة واستحسنوها . ولأن المناظر من أهل البدع قد يكون ابلغ في الكلام وأقوى في التأثير من صاحب الحق من أهل السنة فيغلبه . فينعكس الأمر على السامع ويظن أن الحق مع أهل الباطل فيتبعهم . وقد اغتر بعض الناس برجوع بعض من ينتسب إلى مذهب الرافضة إلى مذهب أهل السنة ونسوا أن كثيراً من عوام أهل السنة تأثروا بشبة الرافضة .
ولا يعني ذالك ترك مناظرة أهل البدع ومجادلتهم والرد عليهم . بل هذا من الجهاد . ولكن بغير هذه الطريقة . فإن قال قائل : موسى عليه السلام ناظر فرعون أمام الملأ ؟ قيل إن موسى عليه السلام ناظر فرعون أمام أتباع فرعون . وهذا عمل طيب أن يفضح الكافر أو المبتدع أمام أتباعه . ولكن أمام المسلمين لا يجوز حماية لقلوبهم من الزيغ .
من كلام الشيخ / احمد بن محمد العتيق
http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=287431
__________________