|
عضو جديد
|
|
المشاركات: 12
|
#1
|
الليبرالية عندما تنتج القمع والتخلف!
أكن أتصور أن الليبراليين الجدد في العالم العربي يجهلون الطفرة الرائعة التي تحققت في تركيا اليوم ، ولم أكن أتصور أنهم ما زالوا ينظرون إلى التجربة التركية بالنظارة السوداء ، خاصة بعد أن نجح حزب العدالة ذو الجذور الإسلامية في الانتقال بالدولة الكبيرة نقلة هائلة على المستوى الاقتصادي ومعدلات التنمية الهائلة ، أو على مستوى توازن مؤسسات الدولة والحريات العامة ، وقد لاحظت أن كتاباتهم الصحفية كانت مترعة بالتشفي والسعادة باتجاه المحكمة الدستورية لإلغاء الحزب وتدمير المستقبل السياسي لقياداته بالكامل ، قبل أن يخيب أملهم بالحكم الأخير ، وأذكر أني قرأت قبل سنوات لكاتب خليجي وهو يقيم التجربة التركية ، في بدايات حكم العدالة عندما كان الانهيار الاقتصادي واضحا والليرة في أسوأ حالاتها ، حيث رأى ـ بأمانة مدهشة ـ أن سبب تأخر تركيا أنها لم تنطلق مع مسيرة مصطفى كمال أتاتورك إلى النهاية ، وأنها لم تأخذ بالعلمانية إلى شوطها الأخير ، وأن الشعب التركي المتدين هو سبب انتكاسة تركيا الحديثة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ، بسبب تدينه ورفضه للعلمانية ، ولم ير ـ كما رأى العالم كله ـ أن السبب هو فشل المنظومة العلمانية الحاكمة وتراث الفساد الذي اعترف به علمانيو تركيا قبل إسلامييها ، وليس بسبب الهيمنة العسكرية والقمع المؤسسي ومافيا السلاح وخراب البلاد والعباد في حرب فارغة وسفيهة على ملايين المواطنين الأتراك في جنوبي البلاد بدعوى تمسكهم بلغتهم الكردية وحقوقهم الإنسانية في ظل استعلاء نزعة طورانية تركية متطرفة تعلي العرق التركي ، أيضا الدين الإسلامي ـ حسب الكاتب الجهبذ ـ هو الذي حرم تركيا من دخول الاتحاد الأوربي وليس الغطرسة الأوربية والنظرات العنصرية تجاه " المسلمين " والدعاوى الصريحة ، مثل التي أطلقها رئيس فرنسي سابق ، بأن أوربا ينبغي أن تكون ناديا مسيحيا ، وأنه لن تقبل أوربا دخول أكثر من سبعين مليون مسلم تركي في اتحاد أوربا المسيحي ، والحقيقة أن مثل هذه التحليلات الليبرالية "الرائعة" تعطينا دليلا على مدى عقلانية الليبراليين العرب ومدى فهمهم لقيمة الحرية والشفافية واحترام حقوق الإنسان وهويته واختياراته الثقافية والسياسية ، وقد ذكرني هذا الموقف الليبرالي الحداثي البديع بموقف آخر مشابه ، ولكن على الطرف الآخر المنتمي إلى اليسار المستنير والحداثي أيضا ، حيث وضع الأخ القائد معمر القذافي دستورا جديدا للحكم في ليبيا ، أسماه الكتاب الأخضر ، وفيه من النظريات والأفكار في السياسة والاقتصاد والدين والثقافة وغيرها ما تشيب له الولدان ، ورأى أنه هو الذي سوف ينقل ليبيا إلى مصاف الدول العظمى ، وبعد أن خرب الكتاب الأخضر ورجاله البلاد والعباد وأصبح الشعب الليبي النفطي الثري يقف في طوابير الخبز والدجاج المجمد بالساعات يوميا حتى يحصل على قوت يومه ، بعد هذا الخراب المبين خرج فلاسفة الكتاب الأخضر ومنظروه يعلنون أن التخلف الذي أصاب ليبيا إنما سببه أن الشعب الليبي لم يستطع أن يهضم نظريات الكتاب الأخضر ، وأنه عجز عن استيعاب الأفكار الثورية التقدمية المستقبلية التي وضعها الأخ القائد في كتابه المقدس ، وبالتالي فالذي فشل هو الشعب الليبي وليست النظرية العالمية الثالثة التي أتى بها الأخ القائد ، وبناء عليه فإن نظرية الكتاب الأخضر ستظل باقية صافية نقية مقدسة حتى يأتي جيل ليبي آخر في المستقبل أكثر وعيا وتطورا بحيث يستوعب النظريات الرائعة للأخ القائد ! ، وإذا عدنا من اليسار إلى اليمين ، وإلى نظرية الأخ القائد الليبرالي الخليجي الذي رأي أن خراب تركيا لم يكن بسبب تطرف علمانية مصطفى كمال , وليس بسبب فشل خطط تدمير هوية الشعب التركي ومعاداته في هويته وحضارته وتاريخه ، وليس في استيراد أفكار ومشاريع اقتصادية فاشلة ، وليس بسبب استبداد العسكر ، وليس بسبب الانقلابات العسكرية الدموية المتتالية ، وليس بسبب الصراع الطاحن واتهامات الفساد بين جناحي الليبرالية التركية : الطريق القويم والوطن الأم ، وليس بسبب إهدار ثروات البلاد في حرب فاشلة وفاسدة على ثلث الشعب في جنوب البلاد تمرد على تطرف العلمانية التركية ، أبدا ، لم يكن تخلف تركيا وعثرتها بسبب ذلك ، وإنما كان السبب هو الإسلاميون والشعب التركي كله بسبب أنه ـ حسب نظرية الأخ القائد الليبرالي الخليجي ـ شعب متدين ، ولو أنه لو تخلى عن دينه وعن هويته ، فربما كان الآن في مصاف الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا ، أرأيتم كيف يكون التحليل العلمي الليبرالي ، وإلى أي مدى ورثوا الأمة الهلاك والتخلف والتخبط ، بإصرار وعناد يفتقر إلى أدنى إحساس بالمسؤولية .
كتبها جمال سلطان
|
|
09-08-2008 , 05:49 AM
|
الرد مع إقتباس
|