العودة سوالف للجميع > سـوالـف الجمـيــــــــع > ســـوالف الأصــدقـاء العامـــة > قلـــــب سعيد ( قصة قصيرة )
المشاركة في الموضوع
زهرة الكركديه زهرة الكركديه غير متصل    
مشرفة سوالف الاصدقاء `•.¸¸.•¯`••._.• أفتــــــــــــــخر بالإمارات`•.¸¸.•¯`••._.•  
المشاركات: 4,761
#1  
قلـــــب سعيد ( قصة قصيرة )




قلب سعيد






ولدت وسط أجواء معقمة قبل موعد ولادتي بشهرين... تحتاط بي الممرضات والأدوات الطبية من مقصات ومباضع ومشارط ,وعلب لا حصر لها من الأدوية والمسكنات .

قال لي أبي أني ملأت الأجواء صراخا حالما تم إخراجي بالقوة من بطنها وكأنني أعلن اعتراضي لأنهم قدموني لهذه الدنيا سريعا قبل أواني.... بينما ترقد تلك التي احتوتني في بطنها سبعة أشهر , جثة هامدة!

مصابة بصدمة جراء الحادث الذي أعلن مجيئي الإضراري ...

وشيع روح أمي إلى مثواها الأخير.


هذه بدايتي في الحياة ...

تطفو نظرة غريبة مجهولة الوصف في عيني والدي , والذي كلما سألته في المرات القليلة التي أراه فيها عن أمي, يحاول تحاشي والإبتعاد عني ..!

أيهرب من أسئلتي أم يهرب من دموعه..!


ربما لهذا لم يعد يأتي لزيارتنا وقل مجيئه واكتفى بالضغط على أزرار الهاتف ليسمع صوتي هنيهات ثم يغلق معلنا انتهاء الزيارة , وهكذا أدى واجبه الأبوي نحوي , وأخي ,

الذي وقتها كنت أتعجب سبب رفضه الحديث معه..!

ظللت رغم جفائه متعلقا بلقائه , أنتظر إطلالته علينا , وحين يتأخر أنظر لأخي الكبير الذي يجلس تحتاط به أطواق من الحزن الغريب , يقلب دفاتره غير مبال وكأنه يعلم مالا أعلمه , ويرمقني بنظرة غريبة تحمل الكثير من الذهول والأسى.. وربما قليلا من الإشفاق !

يا ترى في ذلك الوقت مالذي كان يجول في خاطره ..!؟

وهكذا جرت العادة.. حتى تمكن التبلد من مشاعري فأصبت بعدم المبالاة , خلاصة طبيعية لما أفرزته أيام الإنتظار والترقب , الذي لم يثمر عن شي , سوى الإستياء والبرود.

حتى ما عدت أستسيغ أن يذكر اسمه أمامي وما عدت أستطيع الرد على اتصالاته ولا على رسائله التي يتركها معلقة في رقبة عمتي .

كي لا أغرق في الأحزان كل مرة أسمع فيها صوته !

كي لا أنزوي في فراشي ليلا بعيدا عن الأنظار ,,, تنتابني حالات البكاء وأنا رجل في العشرين من عمري !


كي لا أزداد حقدا عليه, ابتعدت عنه .. رأفة بحاله قبل حالي...! إشفاقا عليه لاعلى نفسي ...!

ومازلت حتى هذه اللحظة.. أجهل موقفي الحقيقي منه..!

أأواصل مسيرة شفقتي عليه ,,, أم أظل ألومه لأنه هو من تسبب بموت أمي,, وحرمني من حنانها ومن عبق أنفاسها..

وألقى بتربيتي وأخي على عاتق أخته العقيم , وتزوج مباشرة ودم والدتي المسكينة بعد لم يبرد في قبرها..!

أخته الحانقة على الدنيا وما تحتويه, أخته التي لا تعرف كيف تمارسُ الإبتسامة على مساحة الوجه ولا على زواياه الكئيبة....

أيقبل قلبي المشحون بالألم ,, أن يسامحه ..؟

وأعود إليه وبين كل نبضة وأخرى أتجرع مرارة الرفض , أأتغاضى وأنسى ,, ماذا يمكنني أن أنسى..!

قالت لي عمتي .. ولأول مرة في حياتي.. في ذلك اليوم المشؤوم.. أرى الدمعة في عينيها وهي التي لم أرها يوما باكية .. منتحبة القلب قبل الفم:

_ سامحه يا بني.. هو ومهما حصل يبقى والدك..!

وتظل صدى كلماتها تتردد متحشرجة في متاهات صدري ..( مهما حصل.. مهما حصل......! )

ألا تدركين يا عمتي.. أن الذي حصل أمر لا طاقة لي على احتماله !

ألم يكن السبب في موت أخي الكبير أيضا..!!

أليس هو سبب كل مأساة في حياتي , لم يمت أخي إلا بعد أن خرج من عنده ثائرا غاضبا , ليلقى حتفه في أبشع حادث سير رأته عيناي على الإطلاق..!

وأظل من بعده أتساءل وحرقة في جوفي تكويني بنيرانها, تحيلني رمادا بعد نار .. ونارا بعد رماد..!

( ,, لماذا مات ماذا حدث.. ماذا قال له..! )

كي يثور أخي الهادئ بتلك الطريقة ,, ليتوزع جسده أشلاءً , ويسفك دمه هدرا هكذا على الطريق..!

جرّ ( سعيد ) نفسا طويلا ثم أطلقه... راحت عيناه تجولان في الأجواء البعيدة الممتدة الإتساع أمامه , من شباك غرفته الوحيد ... كحاله.

يتأمل الأضواء بعدائية كبيرة, وكأن بينه وبينها يقبع ثأر قديم , ابتسم ساخرا من اسمه.. الذي لم يعرف معنى له في حياته..!


مرت أكثر من عشرون عاما على هذه الحادثة , ومازال قلبه ينزف ألما .. ومازالت روحه تستشيط استياءً ..

ومازالت العبرات لحافه الذي يتدثره مختنقا بأنفاسه كل ليلة...!

وصوره والده لا تفارق ذهنه ..

وتصرفه ذلك العهد يزيده حنقا عليه , ويشعره بالضياع وبالخذلان...

الآن بعد تلك الأعوام من اللامبالاه .. وبعد وفاة زوجته الثانية , التي أنجبت له عددا من البنات.. هن في حقيقة الأمر أخواتي اللائي لم ألتقيهن سوى مرة واحدة...

مرة عقيمة..

مرة كئيبة...

لم تتجاوز العشر دقائق وغابت بعد ذلك أطياف هيئاتهن عن عيني وعن مخيلتي للأبد ,, لا أدري كيف صارت أشكالهن الآن ..!

ولااأعرف كم هي أعمارهن , وماذا فعلن أو يفعلن في حياتهن....؟!

تدحرجت دمعة كبيرة من عيني سعيد.. والذي استقبلها كُم دشداشته بسرعة لتتشبع بها , غائبة في ثنايا خيوطها....

الآن بعد كل تلك السنين وبعد ذلك الإنقطاع المرير, وبعد أكوام من الصمت والأنين , يعود هكذا وبكل بساطة.. ليطلبني للعيش معه...متحججا بلهفاتٍ وشهقاتٍ من الحنين !!

أين كان طوال تلك السنين..؟

وبعد أن تعلقت بي عمتي ..!

رغم إجحادها لـــمشاعرها وتكبرها على إظهارها , يأتي الأن بعد أن نسيني أعواما , وبعد أن اعتاد قلبي على وجودي برفقة تلك المرأة التي لا تجيد فن الإبتسام... والتي علمتي أبجدياته فمارسته كأنجب تلميذ .. أفرزته مدرسة الحياة....!

يأتي بكل ثقة.. بكل استعلاء.. بكل برود..!

بعد أن قطف أجمل زهرتين كانتا يانعتين في تربة قلبي ورمى برمادهما تحت قدمي دون أدنى شعور بالذنب!

ليترك فضاءه يعتنقه القحل ..!

ليبعدني عنها وينتزعني من بين يديها كما انتزع روح أخي من جسده , بعدم إنسانيته وبقسوة قلبه.. كما تم انتزاعي من أحشاء أمي قبل أكثر من عشرين عاما...

دخلت عمتي ... ووقفت تنظر إلي ,, وفي نظراتها رجاء غريب ...قالت:

_ والدك وصل...!!

وقفت بعد أن كنت جالسا... وظلت نظرات عمتي الخاوية من الحياة والمتعلقة بالأمل تنظر إلي منتظرة جوابا

عنوانه الصمت..!

خرجت معها.. وأنا أتطلع لهذا الموقف بفارغ الصبر.. أتمنى لو يكون كابوسا يتلاشى حالما أفرغ منه بالنهوض ولو صارخا , منقطع الأنفاس..!

لكن الحقيقة تفرض وجودها الأناني بكل كبرياء.. رغما عن أنف التخيلات والتأملات..

رأيته يقف .. مازال صلبا شامخا..

نظرة عينيه لا تمدان لي بصله

( من هذا الإنسان الغريب الذي يستبيح وجوده كل أوقاتي ..! أنا لا أعرفك.. من أنت..!؟ )

قاتل أمي.. قاتل أخي.. قاتل كل شئ جميل في حياتي..!!

قال وهو يمد إلي يديه متلهفا لاعتناقي:

_ لقد كبرت وأصبحت شابا وسيما يا سعيد.. تعال إلي.. تعال يا بني ..!


يظنني حقا طبيعيا أودعه عند أخته ويريد استعادته متناسيا كل الجروح والضربات التي وجهها إلى قلبي ودمر بها كينونتي وكامل وجداني.... وتظن عمتي أنني الأمانة التي يجب أن ترد لأصحابها حال طلبها..رغم تعلقها , ورغبتها بالإحتفاظ بها ...!!

رغم أنها لا تقوى على تركها.. فصلابة قلبها لم تعتد على اللين , مكابرة هي دائما.. لكنني أفهم رغم كل شيء ..أنها أروع مخلوق رغم جفائه على هذه الأرض...!

نظرت إلى والدي الذي يشرع لي عينيه قبل ذراعيه... ونظرتُ إلى عمتي التي تفتح لي آفاقا شاسعة خضراء في عينيها , تطلبني للركض والإختباء بين أغصان ورودها وأزهارها.

أغمضت عيني هنيهات محاولا التقاط أنفاسي المحتدة , محاولا تمالك زمام نفسي كي لا أنهار .. كي لا أفتعل مصيبة .. كي لا أقترف ذنبا في حق والدي...!

إمتلأ هذا الكون بالسكون.. وطال الصمت .. وتحجرت النظرات..

عندها..

أدرت رأسي متوجها إلى غرفتي تاركا خلفي , يديْ والدي المعلقتان في الهواء.. ونظرة الذهول تكتنفه ,

وشبه ابتسامة خفية .. أخيرا ظننت أني لمحتها مع مروري السريع من أمامها على شفتي عمتي..



( زهرة )

آخر تعديل بواسطة زهرة الكركديه ، 24-02-2009 الساعة 10:16 PM. السبب: الخط صغير..................

زهرة الكركديه غير متصل قديم 23-02-2009 , 11:11 PM    الرد مع إقتباس
FOUZIA FOUZIA غير متصل    
مبدع فائق التميز الجزائر يا حكاية حبى  
المشاركات: 7,692
#2  

اختي زهرة انت مبدعة والله قصة جميلة جدا ربي يوفقك يارب
والله كأني عايشت سعيدا
رائعة انت اختي زهرة
اجمل تحية مني /لا اقلد ابداع /

FOUZIA غير متصل قديم 24-02-2009 , 01:27 PM    الرد مع إقتباس
زهرة الكركديه زهرة الكركديه غير متصل    
مشرفة سوالف الاصدقاء `•.¸¸.•¯`••._.• أفتــــــــــــــخر بالإمارات`•.¸¸.•¯`••._.•  
المشاركات: 4,761
#3  

وجودك الأروع عزيزتي فوزية .. أشكرك على المتابعة .....

دمتِ بود....

زهرة الكركديه غير متصل قديم 24-02-2009 , 10:21 PM    الرد مع إقتباس
احمد كيوت احمد كيوت غير متصل    
كاتب فعال السعوديه //  
المشاركات: 1,434
#4  

زهرررررررررره الله عليكي يا مبدعه هذا مو غريب عليكي
تقبلي مروري

احمد كيوت غير متصل قديم 25-02-2009 , 01:08 AM    الرد مع إقتباس
زهرة الكركديه زهرة الكركديه غير متصل    
مشرفة سوالف الاصدقاء `•.¸¸.•¯`••._.• أفتــــــــــــــخر بالإمارات`•.¸¸.•¯`••._.•  
المشاركات: 4,761
#5  

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة احمد كيوت
زهرررررررررره الله عليكي يا مبدعه هذا مو غريب عليكي
تقبلي مروري




أحرجتني ........


تسلم يا أحمد..... ويسلملي مرورك....

زهرة الكركديه غير متصل قديم 25-02-2009 , 02:36 AM    الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


[عرض نسخة للطّباعة عرض نسخة للطّباعة | ارسل هذه الصفحة لصديق ارسل هذه الصفحة لصديق]

الانتقال السريع
   قوانين المشاركة :
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة لا بإمكانك إضافة مرفقات لا بإمكانك تعديل مشاركاتك
كود في بي vB متاح الإبتسامات متاح كود [IMG] متاح كود HTML متاح



لمراسلتنا - شبكة سوالف - الأرشيف

Powered by: vBulletin
Copyright © Jelsoft Enterprises Limited 2000.