السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شاعر المليون لم يوقظ القبيلة... لأنها لم تنم
ذعار الرشيدي
لعل السؤال الملح الذي ظهر مع برنامج شاعر المليون هو: «هل أسس هذا البرنامج والبرامج الشبيهة له للعصبية القبلية؟ «سؤال تناوله الكثيرون وطال بهم الأخذ والرد، حتى ان البعض منهم ذهب الى ان هذا البرنامج الشعري اعاد للقبلية العصبية وهجها وايقظها بعد ان كانت نائمة، وطال الاخذ والرد حول هذا الموضوع، وكل ادلى بدلوه بل ان البعض ادلى بدلاء غيره وبدأ المنظرون يتهمون هذا البرنامج والقائمين عليه بايقاظ الفتنة القبلية والعصبية.
والحقيقة ان هذا البرنامج لم يخلق ايا من هذه الاشياء ولم يأت بالقبلية ولم يوقظها لانها لم تنم يوما واحدا منذ مئات السنين.
القبلية ومعها الطائفية والى جانبها الفئوية وشيئ من المناطقية لم تمت في الخليج العربي منذ ظهورها الاول، والحقيقة انه ومنذ خلقها الاول لا احد يعلم كيف او لماذا أو من اين جاءت، الفلاح فلاح والبدوي بدوي والقروي قروي والسني سني والشيعي شيعي والشمالي شمالي والجنوبي جنوبي، وجميعها سبقت ولادة الانظمة الخليجية التي عندما جاءت وتأسس حكمها - سياسيا - قبل نحو 50 عاما لم يفعل اي منها ما شأنه ازالة الفوارق بين هذه الجماعات المتباينة في التفكير.
ففي الكويت مثلا ظلت القبلية كما هي لم يحركها شيء، وكذلك الفئوية التي تعمقت كثيرا خلال السنوات لا لشيء الا ان ايا من الحكومات المتعاقبة لم تفعل شيئا لتقريب التباينات بين افراد الشعب الواحد، وعلى مدى 50 عاما والوطنية تأتي متأخرة دوما بدرجة أو درجتين عما كان يسبقها اصلا وهي الفئوية والطائفية والقبلية وربما المناطقية.
نعم جميعنا كويتيون ولكن الجملة تأتي هكذا «أنا قبلي كويتي» أو لعلها «أنا شيعي من الكويت» أم هي «أنا كويتي حضري»، وصحيح ان الجمل المنمقة التي يطلقها الساسة حول الوحدة الوطنية والتكاتف الواحد وغيرها هي صحيحة الى حد ما ولكنها، جمل هشة لا تمت الى الواقع بصلة بدليل انها تتكسر على صخرة اي انتخابات برلمانية او بلدية والزيارة وراء الزيارة والعائلة وراء العائلة، مع رائحة للوطنية تلف هذه الاجواء المفرقة في حالات ضيقة كما حدث في الانتخابات الاخيرة.
نعم الاحتلال العراقي لم يفرق بين كويتي واخر، ورصاصتهم الغادرة لم تفرق بين حضري وبدوي، ولكننا نحن بانفسنا فرقنا، او لنكن اكثر صراحة الحكومات فرقت أو سمحت لهذا الفرق بأن يستمر أو اقلها أنها لم تفعل أي شيء لردم الهوة في هذا الشرخ المتنامي، حسنا، لن نقول إنه يتنامى ولكنه موجود والحكومات تنكره عبر حديثها المنمق سياسيا الذي يخرج كتصريحات صحافية صالحة ليوم واحد فقط لينساه الجميع في اليوم التالي مع شيء من السخرية.
بلد المهاجرين الجدد الولايات المتحدة الاميركية عملت خلال الحربين الاولى والثانية وما بعدها حتى الستينيات على تأسيس مفهوم المواطنة الاميركية الحقيقية عبر التلفزيون ومحطات الراديو ببرامج موجهة ومدروسة، طبعا هي لم تحل المعضلة الانسانية العرقية أو الدينية أو المذهبية، ولكنها على الاقل سعت جاهدة الى تأسيس مفهوم المواطنة، على عكس ما حدث ويحدث لدينا في الكويت، وهو أمر ميكافيللي كان الهدف منه بقاء هذه المسافات من الفرقة بين افراد شعب لم يتعد تعداده المليون بعد من اجل سهولة التحكم انتخابيا وسياسيا في المشهد السياسي العام، وهو أمر لا يمكن لأحد ان ينكره بدليل أن الحكومة سعت جاهدة الى رفض الدوائر الخمس التي كان يرى مؤيدوها انها الطريق نحو الاندماج الوطني الكامل في الطريق نحو دائرة واحدة تؤسس لاقرب مفهوم للمواطنة، طبعا لن تقضي على القبلية ولكنها ستحد منها كما ستحد من المذهبية والفئوية.
لذا عندما ظهر برنامج شاعر المليون لم يأت بجديد ولم يكشف امرا لم نكن نعرفه ولم يوقظ القبلية، كما يذهب البعض، ولكن كل ما فعله هو انه عرض الموجود، لم يكن اكثر من فاترينة عرضت ما هو متوافر لدينا اصلا سواء في الكويت او في دول الخليج الاخرى والقبلية واحدة مما عرض وهو موجود اصلا قبل البرنامج بمئات السنين.
http://www.aljarida.com/aljarida/Article.aspx?id=13276
عرض نسخة للطّباعة |
ارسل هذه الصفحة لصديق]
