|
مبدع متميز
|
|
المشاركات: 5,287
|
#1
|
( رقابــةٌ محكمـةٌ ... بركاااتها كثيرةٌ .. )
من إيحاءاتِ رحلةِ النور .. ولذا أرجو ممن يقرأُ هذا الموضوعَ
أن يتشربَ هذه القضيةَ تشرباً ، يجعلها تسري في عروقهِ ، وتجري في دمهِ ،
لأني على تمامِ الثقةِ ، إنْ هو نجحَ في ذلك ، سيجدُ بركاتِ ذلك واضحةً في حياته
ولنبدأ الرحلةَ باسم الله ..
**
لو أن إنساناً أُخبرَ من جهةٍ لا يملكُ إلا تصديقَها ، لعظيمِ ثقتهُ بها ، أنّ هناكَ آلةَ تصويرٍ لجهازِ " فيديو "
تتابعهُ حيثما كان ، وأينما حلّ وارتحلْ ، تلتقطُ عليهِ أنفاسهُ ، وتحصي عليه كلماتهِ ، وتسجلُ حركاته كلها ..
وكلما اكتملَ الشريطُ عُرضَ على الجهاتِ التي تملكُ محاسبتَه ومعاقبتهُ على ما يعجبها وما لا يعجبها
مما ترى من خلال أفعالهِ ، وتسمع من أقوالهِ ..!!
تُرى كيفَ سيكونُ حالُ هذا الإنسانِ المسكين حينَ يتأكدُ من ذلكَ فعلاً ..!؟
يقيناً لا يخالطهُ أدنى شك.. أن انقلاباً هائلاً سيحدث من داخله ..!
بؤرةُ شعورهِ ستكونُ مشغولةً حتى الذروةِ بهذهِ الآلةِ العجيبةِ التي تتابعهُ كظلهِ ولا تغفلُ عنه وترصدُ عليهِ كلَ أنفاسهِ لا تدعُ منها شيئاً ..!
ومن ثمّ سيصبح هذا الإنسانُ ويمسي وهو أشد الناسِ مراقبةً لنفسهِ ، ومراعاةً لكل ما يصدرُ عنهُ
هذهِ الكلمةُ التي يريدُ أنْ يتلفظَ بها :
سيدرسها جيداً قبلَ أن يسمحَ لها بالمرورِ من بين شفتيهِ !!
سيسألُ نفسهُ مشدداً عليها : هل هذهِ الكلمةُ مما ترضى تلك الجهةُ عنهُ ،
أمْ أنها من النوعُ الذي يستجلبُ عليهِ السخطَ والعقوبةَ والسجن!!
وعلى ضوءِ ما تكشفُ له الإجابة يقدمُ أو يحجمُ ..!
وهكذا في كلِ حركةٍ ينوي القيامَ بها مهما صغرتْ ودقتْ
بل كل التفاتةٍ سيحسبُ لها حسابها..
بل كل همسةٍ ستكونُ تحتَ المجهرِ الدقيق..!!
سيصبحُ عقلهُ مشحوناً بهمٍ لازمٍ لا ينفكُ عنهُ :
أنّ هناكَ جهةً تتابعني ..إنّ هناكَ جهازاً يراقبني .. أنّ هناكَ من يحصي عليّ حركاتي وأقوالي وأنفاسي كلها ..!
ولذا ستجدهُ مسدداً كالسهمِ ، يسيرُ بلا عوج ،
وأي انحرافٍ يعترضهُ في الطريقِ _ مهما دقّ _ فإنه ينتبهُ إليهِ فإذا به يبادرُ ليعدلُ مسارهُ سريعاً ،
بل الظن أنهُ لن يقربَ من منطقةِ الحظرُ على الإطلاقِ ..!
لاشكّ أنهُ ستصاحبهُ حساسيةٌ عجيبةٌ تكونُ معه بمثابةِ الحاسةِ السادسةِ التي لا تنفكُ عنهُ أبداً ..
إنّ خوفَ العقوبةِ المنتظرةِ سيغدو كالسوطِ فوقَ رأسهِ لا يجعلهُ يغفلُ أبداً ، لأن غفلةً ما قد تؤدي بهِ إلى التهلكة..!
ولذا فإنّ أعمالهُ ستغدو متقنةً على تمامها..!
وأقوالهُ ستكونُ مختارةً بعناية ، على أحلى ما يكونُ
وستأتي تصرفاتهُ في أروعِ صورةٍ .. وستتجلى تعاملاتهِ كلها رائعةً مبهجةً تتضوعُ طيباً ومسكا..!!
فإذا أضيفَ إلى ذلكَ أنْ يقالَ لهُ :
إن الشريطَ إذا اكتملَ تصويرهُ على ما تحبُ تلكّ الجهاتِ المسؤولة فإنه سيكونُ محلَ رضاها وتقديرها وإعجابها ..
بل وسينالُ مكافأتها المغريةَ وشكرها له على الملأ ..!
بل وقد يحظى بتقريبها له منها ، واهتمامها الخاص به .! ثمرة لانضباطهِ واستقامتهِ والتزامه بتعاليمها ..
إنّ شيئاً من هذا .. سيجعلهُ يجلسُ في خلوتهِ طويلاً يُفتشُ ويبحثُ وينقبُ عن الدوائرِ التي تُرضي هؤلاء عنه !
وفي المقابل سيصنفُ الدوائر التي تغضبهم عليه ..
سيحصي هذه وهذه بدقةٍ ، ويقيدها في مذكرةٍ خاصةٍ تصحبهُ أينما كان يذاكرها ويراجعها باستمرار ،
ويكرر النظرَ إليها كل يومٍ مرات حتى لا تغيبُ عن ذهنه طرفةَ عينٍ من ليلٍ ونهار
بل قد نراهُ يحملُ لواءَ الدعوةِ لهذه الأمورِ يحببُ فيها الآخرينَ ، ويرغبهم ، ويزينها في قلوبهم
ويذكرهم بما ينتظرهم من خيراتٍ وبركااات ، إن هم التزموا بما يطلب منهم ..!!
ثم إذا به لا يكتفي بمجردِ الكلامِ المعسولِ مع الآخرين
بل سيحرصُ كل الحرصِ أن يندفعَ إلى الدوائرِ الأولى ، مهما كرهتْ نفسهُ ، وشقّ عليها ذلك !!
وسينفرُ ويتباعدُ من الدوائرِ الأخرى مهما كانت نفسُهُ مشدودةً إليها
متعلقةً بها ، محبةً لها ، راغبةً فيها ، حريصةً عليها ..!!
وسرُ المسألةِ واضحٌ :
إنّ مكافأةً رائعةً تنتظرهُ إن هو استقامَ على الوجهِ الذي طُلبَ منه !
وفي المقابلِ :
هناكَ عقوبةٌ شديدةِ المرارةِ تنتظره إنْ هو تهاونَ ولم يكترثْ..!
فلمَ لا يحرصُ على المكافأةِ ، ويتجنبَ العقوبة المخزية ، ولو أدى بهِ ذلكَ إلى أنْ يقهرَ نفسهُ على ما يُخالفُ هواها
إما رغبةً وإما رهبة..
كما قيلَ : الباب الذي تأتيكَ منهُ الريح، سدهُ تستريح..!!
لن يختلفَ في هذه القضيةِ اثنان ، ولن ينتطح عليها عنزان.!
بل سنجدُ الجميعَ من حولِ هذا الإنسانِ _ حين يعرفون مشكلته _ يشجعونهُ ويباركون له ويدفعونهُ في هذا الاتجاه
وسنسمعهم يقولون له : هذا هو عين العقل إذا أردتَ أن تعيش مكرماً !!!
ولكنّ الحقيقةَ تغدو مرةً شديدة المرارةِ حينَ يتكشفُ غطاءُ المسألةِ عن أمرٍ يروعُ العقلَ ،
ويُحيرُ الذهن ويجعلُ المرءَ يضربُ كفاً بكفٍ ..!
إذ تكتشفُ أنّ أكثرَ الخلقِ _ ولعلي ولعلك منهم _ لا يتصرفونَ على هذا النحو ، ولا يسلكونَ هذا المسلكَ
بل تجدهمْ يتواثبونّ إلى الدوائرِ التي تستجلبُ عليهم السخط
ويبتعدونّ عن الدوائرِ التي تفتحُ لهم أبوابَ السماء على مصراعيها..!
بل الأدهى من هذا ..
أن تجدّ فريقاً من الناسِ لا يكونُ لهمْ همٌ إلا أنْ ينفروا الناسَ من دوائرِ المكافأةِ والعطاء والتكريم
ليسوقوهم بالترغيبِ والإغراءِ والخداعِ إلى دوائر السخط والعقوبة !!
فإذا بك تجدُ جماهيرَ من الناسِ يتساقطونَ في دوائر الغضب ، كما تتساقطُ الفراشاتُ في النارِ ، يحسبون النارَ نوراً ..!!
وتوضيحُ هذه المعضلةِ ليسَ بعسيرٍ لأنها مشاهدةً في كل مكان :
ألا يعتقدُ كلُ مسلمٍ تحتَ كلِ سماءٍ أنّ عليهِ رقابةً مكثفةً من اللهِ لا تتركهُ ليلاً ولا نهاراً ..؟!
وأنّ معهُ ملائكةً كراماً كاتبينَ يصحبونهُ أكثرَ مما يصحبهُ أصدقاؤه وأقرب الناسِ إليه ..
وفوق هذا هم يسجلونَ عليه كلَ نفسٍ من أنفاسهِ ويقيدونَ كلَ همسةٍ ولمزةٍ وغمزةٍ ونظرةٍ تبدر منه .!
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ..
والله سبحانه محيطٌ بهِ عالمٌ بسرهِ وعلانيته..؟!
ألا يعتقدُ كل مسلمٍ ومسلمةٍ أن تلك السجلاتِ سوف تعرضُ أمام عينهِ يوم القيامةِ وفيها سوادُ وجههِ مما سيرى..!
من سوء أعماله وأقوالهِ التي أحصاها الله وملائكته ونساها هو ..!!!
ويومها سيكونُ الحسابُ هو الحساب ...! حساب على مثاقيلِ الذر ..!! فيا ويلاه ..!
أليستْ هذهِ القضية من صلبِ عقيدةِ المسلمِ وإنكارها يعدُ كفراً بواحاً ؟!
لأنهُ إنكارٌ لحشدٍ من آياتِ القرآن الكريم ؟
ألم يحدثنا اللهُ سبحانهُ أن هناكَ رقباءَ يحصونَ علينا أنفاسنا ..
( كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) ..
وحدثنا أيضاً أن شواهدَ الأرضِ تسجلُ علينا أو لنا ما نقول وما نفعل
( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) ..
وحدثنا أيضا كيفَ أن أعضاءَ الإنسانِ ستنطقُ بما فعلت:
( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ؟ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ )
وسيكونُ التسجيلُ لأدقِ التفاصيلِ
( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) ..
وفوقَ هؤلاءِ جميعاً ومعهم وقبلهم وبعدهم :
رقابةُ اللهِ جل جلالهُ وقربهُ منكَ ، وعلمهُ بك ،
لا يغيبُ عنهُ منكَ شيءٌ حتى الخواطر المستورة..!
فأينَ حقيقةُ هذا الاعتقادِ في دنيا الواقعِ ..؟
ما لها لم تثمرْ واقعاً عملياً في دنيا الناسِ ، من خلال :
سلوكياتٍ رفيعةٍ ، وتصرفاتٍ منضبطةٍ ، وأعمالٍ متقنة ، وكلماتٍ مختارة ؟
ونعودُ للمثالِ المتقدم في أول هذا الموضوع :
أيكونُ اعتقادُ ذلك الإنسانِ أعمقَ وأصدقَ وأقوى من اعتقادِ المسلمِ لهذهِ الحقائق الضخمةِ كلها..؟ سبحان الله !!
راجعْ نفسكَ أيها الحبيبُ
واعلم وثقْ أنكَ لن تفلتَ من هذه الرقابةِ المحكمةِ لحظة واحدة .. بل ولا طرفة عينٍ ..
ذكّرْ نفسكَ بهذهِ الحقيقةِ دائماً .. وذكّر في طريقكَ الآخرينَ
إذا ما خلوتَ الدهرَ يوماً فلا تقلْ ** خلوتُ ولكن قلْ عليّ رقيبُ
ولا تحسبنّ اللهَ يغفلُ ساعةٍ ** ولا أنّ ما يخفى عليهِ يغيبُ
واعملْ على أن تظلَ هذه القضية هاجساً في عقلك وهماً في قلبكَ قضية ملازمة لكَ أينما كنتَ ..
أبقها حيةً في حسكَ ، متيقظةٍ في مشاعركَ ، منتصبةً بين عينيكَ
وثقْ تماماً أنّ انقلاباً هائلاً سيقعُ في كيانكَ يثمرُ لكَ خيراتٍ كثيرةٍ في ذات نفسكَ ، وفي من حولكَ أيضاً
أكادُ أجزمُ أن إنساناً يتحلى بهذه الروح يصحُ أن نقولُ عنه :
بأنه أصبح إنسانَ السماءِ مع أهلِ الأرض ..!
وعلى هذه الطريقة وبهذا المنهجِ يصنعُ الإسلامُ الإنسانَ المتميز ، بل يولدُ بهذا المنهجِ : الإنسانُ المبارك حيثما كان ..
ومن ثمّ نقولُ ونعيدُ ونكررُ :
ألا ما أروع ما يصنعُ الإيمانُ بالإنسانِ ، إذ يجعلهُ يحيا في جنةٍ قبل دخولِ الجنةِ .!
والذينَ يبحثونَ عن حلولٍ لمشاكلِ الحياةِ بعيداً عن أنوارِ الإيمانِ ومنهجه
إنما هم واهمونَ ، وسيتعبونَ كثيراً دونَ أنْ يتحصلوا على شيءٍ في النهاية ..
وتجاربُ الأممِ قديمها وحديثها شاهدةٌ على ما نقول ..
إنّ السماءَ وإنّ الريحَ شاهدةٌ ** والأرضُ تشهدُ والأيامُ والدولُ
***
في الحلقة القادمة إن شاء الله
سنقدم نماذج عملية على هذه القضية ..
|
|
19-09-2003 , 08:16 AM
|
الرد مع إقتباس
|