عرض مشاركة مفردة
الأميرة شهرزاد الأميرة شهرزاد غير متصل    
عضو نشيط جداً  
المشاركات: 158
#1  
مشاهد من ورع عمر بن الخطاب
إن الورع بمعناه الحقيقي يعني اتقاء الشبهات، والتنازل عن بعض من الحلال؛ مخافة الوقوع في الحرام، وقد بلغ سيدنا عمر درجة عالية من الورع تعلمها من رسول الله الذي يقول: "الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ، وبينهما مشبَّهاتٌ لا يعلمها كثيرٌ من النَّاس فمن اتَّقى المشبَّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشُّبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمًى ألا إنَّ حمى اللَّه في أرضه محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كلُّه وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"



فقد ضرب الفاروق المثل في الورع، والتقوى، والترفع عن الدنيا، ومما يدل على ورعه ما أخرجه أبو زيد عمر بن شبة من خبر معدان بن أبى طلحة اليعمرى أنه قدم على عمر بقطائف وطعام، فأمر به فقسم، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أرزقهم ولن أستأثر عليهم إلا أن أضع يدى في طعامهم، وقد خفت أن تجعله نارا في بطن عمر، قال معدان: ثم لم أبرح حتى رأيته اتخذ صفحة من خالص ماله فجعلها بينه وبين جفان العامة. فأمير المؤمنين عمر يرغب في أن يأكل مع عامة المسلمين لما في ذلك من المصالح الاجتماعية، ولكنه يتحرج من أن يأكل من طعام منع من مال المسلمين العام، فيأمر بإحضار طعام خاص له من خالص ماله، وهذا مثال رفيع في العفة والورع إذ إن الأكل من مال المسلمين العام معهم ليس فيه شبهة تحريم؛ لأنه منهم، ولكنه قد أعف نفسه من ذلك ابتغاء مما عند الله تعالى، ولشدة خوفه من الله تعالى خشي أن يكون ذلك من الشبهات فحمى نفسه منه.



مشاهد من ورع عمر بن الخطاب :
وعن عبد الرحمن بن نجيح قال: نزلت على عمر ، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنا أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال: ويحك تسقينى نارًا، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس، فقيل: هو لك حلال يا أمير المؤمنين ولحمها. فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر ، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة الذين يمثلون المسلمين في ذلك الأمر.



ذكر الآخرة بما فيها من حساب ونعيم أو شقاء أخذ بمجامع عمر وملأ عليه تفكيره، حتى أصبح ذلك موجهًا لسلوكه في هذه الحياة، ولقد كان عمر شديد الورع، وقد بلغ به الورع درجة عالية



لقد مرض يومًا، فوصفوا له العسل كدواء، وكان بيت المال به عسلًا، جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحه الأطباء، حتى جمع الناس وصعد المنبر واستاذن الناس:



إن أذنتم لي، وإلا فهو علي حرم. فبكى الناس إشفاقًا عليه، وأذنوا له جميعًا، ومضى بعضهم يقول لبعض: لله درك يا عمر، لقد أتعبت الخلفاء بعدك.



عمر بن الخطاب مع أسرته :
قال عمر : إن الناس ليؤدون إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، وإن الإمام إذا رتع رتعت الرعية. ولذلك كان شديدا في محاسبة نفسه وأهله، فقد كان يعلم أن الأبصار مشرئبة نحوه وطامحة إليه، وأنه لا جدوى إن قسا على نفسه، ورتع أهله فحوسب عنهم في الآخرة، ولم ترحمه ألسنة الخلائق في الدنيا، فكان عمر إذا نهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإنى والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم أن يتقدم، ومن شاء منكم أن يتأخر. وكان شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده وأزواجه وأقاربه وهذه بعض المواقف:



المرافق العامة :
منع عمر أهله من الاستفادة من المرافق العامة التي رصدتها الدولة لفئة من الناس، خوفا من أن يحابى أهله به، قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلاً أنجعتها الحمى فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر السوق فرأى إبلا سمانا فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال، فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ... بخ... ابن أمير المؤمنين، ما هذه الإبل؟ قال: قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى، أبتغي ما يبتغي المسلمون. قال: فقال: فيقولون: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. يا عبد الله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.



محاسبة عمر بن الخطاب لابنه عبد الله لما اشترى فيء جلولاء :
قال عبد الله بن عمر: شهدت جلولاء- إحدى المعارك ببلاد فارس- فابتعت من المغنم بأربعين ألفا، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتديا به؟ قلت: والله ما من شيء يؤذي بك إلا كنت مفتديا بك منه. قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله، وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه- وأنت كذلك- فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإنى قاسم مسئول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم، قال: ثم دعا التجار فابتاعوا منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إليّ ثمانين ألفا، وبعث بالباقى إلى سعد بن أبى وقاص ليقسمه.



خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال :
قال معيقيب: أرسل إليّ عمر مع الظهيرة، فإذا هو في بيت يطالب ابنه عاصما... فقال لى: أتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق أخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم (سألهم النفقة) فأعطوه آنية وفضة ومتاعا، وسيفا محلى، فقال عاصم: ما فعلت، إنما قدمت على أناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه يا معيقيب، فاجعله في بيت المال.



فهذا مثل من التحري في المال يكتسبه الإنسان عن طريق جاهه، ومنصبه، فحيث شعر أمير المؤمنين عمر بأن ابنه عاصما قد اكتسب هذا المال لكونه ابن أمير المؤمنين تحرج في إبقاء ذلك المال عنده لكونه اكتسبه بغير جهده الخاص فدخل ذلك في مجال الشبهات.



عاتكة زوجة عمر والمسك :
قدم على عمر مسك وعنبر من البحرين فقال عمر: والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تزن لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن فهلم أزن لك. قال: لا. قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا -وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحي به عنقك فأصيب فضلاً على المسلمين.



فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر واحتياطه البالغ لأمر دينه، فقد أبى على امرأته أن تتولى قسمة ذلك الطيب حتى لا تمسح عنقها منه فيكون قد أصاب شيئًا من مال المسلمين، وهذه الدقة المتناهية في ملاحظة الاحتمالات أعطاها الله لأوليائه السابقين إلى الخيرات، وجعلها لهم فرقانا يفرقون به بين الحلال والحرام والحق والباطل، بينما تفوت هذه الملاحظات على الذين لم يشغلوا تفكيرهم بحماية أنفسهم من المخالفات.

الأميرة شهرزاد غير متصل قديم 25-06-2011 , 09:15 PM    الرد مع إقتباس