|
|
عضو نشيط جداً
|
|
المشاركات: 491
|
#60
|
<p><font size="4" face="Comic Sans MS" color="#000080">
_____________________________________________________
.................جــدي و وجــــودي...................
_____________________________________________________
(1)
هذا جنون ليس إلا ....!!؟
و يظل العجوز صامتا، فقط يفتح عينيه نصف فتحة و ينظر إلي بطريقة تجعل شعر جسدي يقف و نبض قلبي يضطرب .. و لا يقول أي شيء .. يكتفي بالنظر ..
لا تنظر إلي هكذا يا جدي !! .. ستعود معي إلي المدينة لقد وعدتهم بأن أحضرك معي..؟؟!!
و كأن حديثي لم يلامس سوى جدار ارتد عنه بلا صدى ..
جدي إلام تنوي البقاء .. لا أحد هنا سوى أنت، كفاك ذكريات و آمالا في مكان ميت .. تعال معي لتحيا من جديد في عيون أحفادك و أبناء أحفادك ..
لم يتحرك، بقي صامتا بعينين لم يعد لونهما مميزا كما في السابق، و لكنهما في هذه المرة حوتا شيئا جديدا .. شيئا قاسيا .. و سقطت منه دمعتان سارتا في أخاديد الزمن على وجهه الحنطي ..
لم أستطع جمع الكلام و في النهاية ..
سأبقى هنا حتى يوم بعد غد .. و حين أغادر ستكون أمامي يا جدي .. جنون أن تبقى هنا وحدك ...
(2)
يا لها من ليلة .. البعوض يملأ الجو و لا أظنه فوت بقعة في جسدي إلا و ترك فيها أثرا يقول:
مرت بعوضة من هنا ..
صوت صياح الديك عند الفجر يشعر المرء باستمرارية الحياة في مكان كل ما فيه ينطق بالموت، ذهبت إلى المطبخ بحثا عن فطور ..
بيض يسلق على نار الحطب و حليب في آنية من الألومنيوم و طبقان فخاريان في أحدهما زيتون و في الآخر تين .. و لكن أين جدي ؟؟!!
أخذت أتمشى قليلا حول البيت .. الشمس تشرق على استحياء و تسترق خطوات إلى كبد السماء، حنانها الذهبي يغمر كل شيء، و التينة العجوز تهز أوراقها طربا لمعزوفة الطبيعة و هناك في الغرب شواهد المقبرة الرحامية تومض تحت الشمس تماما كموج البحر .. و رغما عني وجدتني أسير نحو المقبرة يقودني سحر المكان .. يرقد هنا كل أهل القرية الذين ماتوا في الحرب ....
نحن أبناء النازحون لا ندري أحالفنا الحظ أم حكم علبنا القدر بالسجن وراء قضبان الألم إذ ولدنا في مكان آخر و على تراب آخر غير الوطن .. !!
حقا أنني لم آت هنا في حياتي .. و لكن هناك شيء داخلي يألف كل بقعة في المكان و يسكن إلى أنين الأرواح التي تحلق هنا .. عرفت ماذا يعنون بالوطن ..
جلست مستندا بظهري إلى جذع الشجرة العجوز محاولا أن أحفظ من المكان و الزمان في داخلي ما يملأني .. و ما يدفعني بقوة نحو غدي.
ها هــو، ماذا يفعل في المقبرة ؟؟!!
جدي .. جدي ..
و لكنه كعادته منذ أتيت إلى هنا لم يجبني و لم يحدثني .. تابع طريقه يسير نحو القبور و يقف لدا كل منها هنيهة يمعن النظر بعينيه الغريبتين – غربتنا في زمن ليس لنا – و يبدو أن ما قالوه لي صحيح إلى الجنون.
الوحدة و القبور تركيبة غير سليمة أبدا لأي كان ..
بقيت أنتظره و بعد حين سار نحوي بعكازه المصنوع من خشب الزيتون و حين وقف قبالتي نظر إلي .. استدار و جلس إلى جانبي و رفع رأسه ناظرا إلى التينة حيث يلتمع النور بين أغصانها و أوراقها التي ما فتئت تهتز طربا و أسند رأسه إلى جذع الشجرة و سكن للحظات، أفاق منها على حبة تين سقطت على أم رأسي
آه .. ما هذا ؟؟؟؟
صرخت و امسكتها بيدي و إذا بنصفها قد أكلته العصافير، نظرت إلى وجه جدي مستغربا و لم يكن منه إلا ان ابتسم .. حقا لقد ابتسم و التمعت عيناه ببريق بديع و افترت شفتاه عن فم خال من الأسنان تماما، و لكنه لم يقل كلمة واحدة .. لا بأس فقد كفتني الابتسامة إلى حين ..
(3)
صحوت من القيلولة و الشمس تدنو إلى المغيب، فخرجت إلى الساحة و يبدو أنني اعتدت التينة العجوز فسرت إليها و وقفت مستندا إليها أرقب و قد تلون بأرواحنا و صفا بصفائها، نسمة عليلة تدغدغ المكان .. يمكن للمرء أن يعيش هذه اللحظة طوال عمره دون أن يمل .. هنا يجد الإنسان إنسانيته و تحيا فيه رقته و عفويته التي يخنقها صخب الحياة خارج هذا المكان.
القبور التي تزرع الأفق تفرض الموت، تعزفه و تبثه في الجو و تنشر في المكان عبقا غريبا يشعر المرء بأن داخله فارغ من شيء ما .. تشعره بفقدان شيء لم بفطن إليه من قبل .. و تدفعني الرغبة في استكمال النشوة إلى السير نحو المقبرة و التجول بين شواهد قبورها الرخامية ..
جدي ماذا تفعل هنا ؟؟!!.
رفع رأسه إلي لحظة و تابع السير حاملا دلو ماء، لا أدري إلى أين، سرت معه و إذا به بعد قليل يقف قبالة أحد القبور و يصب عليه الماء و على الذي يليه و هكذا دلوا تلو دلو .. قبرا و الذي يليه، لم أعرف ماذا أفكر ؟! ماذا أقول ؟! ماذا أحس ؟!!!
هناك يحمل الدلو بيد و العكاز بالأخرى، و بين القبور يصب الماء على هذا القبر و ذاك، و مع انطلاق عزف صراصير الليل يجلس عند التينة العجوز .. يتنشق الهواء بعمق سعيدا بما أنجز و بنظر إلى المقبرة و في عينيه دموع لا تبلل سوى روحه، جلست إلى جواره و أنا لا أعرف أي شيء عن أي شيء في أي شيء !!
بعثرني ماء دلو جدي في فضاءات جديدة، أسندت رأسي على كتفه و غرقت في ضياعي ..لسي مجنونا، لا ليس مجنونا و لكن .. آه يا رأسي آه.
(4)
أين جدي، لماذا لم تحضره معك ؟!
لم أجبهم، نظرت إليهم و كأن كلامهم لم يصل إلي.
ما الذي حدث، أهو بخير ؟!
لم أستطع الكلام، فقط تدحرجت دمعة ساخنة حارقة على و جنتي.
يا إلهي، ما الذي حدث لجدنا و كبف تركته هناك ؟!
لم أتحمل الجلوس أو البقاء مع أحد في ذات الغرفة، قمت و سرت إلى حجرتي، و قلت لهم حين أصبحوا خلفي و كأني أحدث نفسي:
إنه يسقي القبور بالمــــــــــــــــــــــــــــــاء.
11/9/1998
إيمان حماد
</font></p>
|
|
25-08-2001 , 05:09 PM
|
|