عرض مشاركة مفردة
أبو يحى أبو يحى غير متصل    
عضو نشيط جداً  
المشاركات: 361
#2  

همزة وصل
ماذا تفعلين بالشاعر ؟



سعدية مفرح
يتجاوز الشاعر والاعلامي زاهي وهبي واقعا مليئا بالحيرة والحزن باحثا عن إجابات على أسئلته التي ينجح كثيرا في صياغتها شعرا مصفى والاضفاء الكثير من أجواء الشجن الانيق عليها وكأنها يرسمها لوحات بالاسود على ورق ابيض في مفارقة شعرية جميلة وذكية .
في مجموعته الشعرية الاخيرة «ماذا تفعلين بي؟» نجد زاهي وهبي يعود إلى مهنته الاولى، حطابا للحيرة، والقلق في إطار جديد من الشعر بعد ان اكتسب شعورا بالثقة وتراكم الخبرة على مدى قرب من العقد ونصف العقد من الاعوام (حيث صدرت مجموعته الشعرية الأولى حطاب الحيرة عام 1990)، ولكنه، رغم تلك السنوات، لم يفقد دهشته الاولى، ربما لأنه لم يجد ما كان يبحث عنه من إجابات حيث ظلت تساؤلاته تتنامى على هامش الشعر الذي ظل وفيا له رغم بريق الحياة الاعلامية التي مارسها باقتدار وتميز مشهودين، فنجده في كل قصائد المجموعة منطلقا من ذاته الحائرة نحو العالم المتسع بتجلياته المختلفة وحيدا، مدمى برقة الكلمات، مثل لوركا، الذي يعيد صياغة ليلة مقتله :

وحيدا كنت أصارع الثور

ولم تكن أمي قد ولدتني بعد

وجه القمر لطخته الدماء

والوردة الموحشة تفتحت في قلبي

لم يدمني الشوك

أدمتني رقة الكلمات .

ورقة الكلمات التي ادمت الشاعر هي نفسها التي أعدت صياغته كائنا بشريا يحتفي بالحياة عبر المزيد من الاصرار عليها في قصائد يمكن أن تكون إيقونات فرح جميل معلقة على جدران الروح في تعريفات جديدة لمفردات مثقلة بالكثير من المعاني . فدمعته تغسل عينيه من قذارة العالم لأنها حبر القصيدة، وملاذه قلب الحبيبة حين الارض موحشة والعالم رازح بثقله على الفقراء، وجمالها النعمة التي يصلي من أجل ان يستحقها، وحضورها يمنح حواسه الخمس جدواها، وغيابها حاسته السادسة وهديته اليها قصائد كل الشعراء لتنتقي منها ما تشاء رغم انه يحذرها أن تصدق احدا منهم سواه !!...يقول في احتمال شعري زاه :

يتماوج طيفك

كمياه تتدفق على مرآة

بين غيمتين

إحداهما ماطرة والاخرى عابرة

وأنا وحدي

أنتظرك بين فكي الاحتمال .

وزاهي وهبي يستحق ان يكون صادقا إلى هذا الحد الذي يتناقض مع الصورة التقليدية للشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، فهو في كل مجموعاته الشعرية السابقة، «حطاب الحيرة 1990»، و«صادقوا قمرا 1992»، و«في مهب النساء 1998» بدا قادرا على الاحتفاظ بدهشته الاولى، حيث الشعر محض دهشة، والاضافة إلى دهشات إضافية ميزت قصيدته عن قصائد الكثيرين من أبناء جيله من الشعراء بالكثير من العفوية، والشفافية، والصدق، والحزن الملتبس بفرح خفي، والاحتفاء بالتفاصيل الحميمة للبشر والاشياء، والرومانسية، والحضور الآسر الذي ميز شخصيته دائما .

أبو يحى غير متصل قديم 30-03-2006 , 03:16 PM    الرد مع إقتباس