صفحة 2 من 3 < 1 2 3 >

سوالف للجميع (http://www.swalif.com/forum/index.php)
-   سـوالـف الـسـيـاسـيـة (http://www.swalif.com/forum/forumdisplay.php?f=65)
-   -   ¤؛°`°؛¤ أشهر الجواسيس¤؛°`°؛¤ (http://www.swalif.com/forum/showthread.php?t=231104)

الضبع 01-06-2008 12:14 PM

:)



"صورة رمزية لأحد الجواسيس المصريين"

قصة هروب الصحفي المصري "نبيه سرحان" من مصر لإسرائيل


سمح له بالسفر إلى ليبيا بشرط عدم مهاجمة مصر


زوجته المصرية ليلى موسى:
v في أثينا قال زوجي للسفارة الإسرائيلية أريد منكم "ميكروفونا" فقط فأعطوه برنامج "ابن الريف"

صحفي مصري لجا لإسرائيل عام 1968، فغير اسمه من "يوسف سمير" إلى "نبيه سرحان" وأسماء أخرى، وتابع الملايين من الشعوب العربية برنامجا إذاعيا كانت تبثه إسرائيل وموجه ضد مصر والدول العربية الأخرى بعنوان" ابن الريف"، والجميع يذكر حتما أول الكلمات التي كانت تبث في ذلك البرنامج الموجه:"إخواني يا ولد مصر الطيبين……" ابنة الصحفي المصري مطربة إسرائيلية "حياة سمير" ومعه زوجتان، الأولى مصرية "ليلى إبراهيم موسى" عايشت معه رحلة الهروب من مصر إلى إسرائيل والزوجة الثانية فلسطينية من مدينة " حلحول" " عناد رباح" عايشت معه رحلة أخرى في إسرائيل .

وقصة " ابن الريف" غريبة، مثيرة، يصعب توقعها إلا في أفلام " الحرب السرية" الغامضة، ولكنها حقيقة عاشها صحفي مصري ، اختفى 10 سنوات في إسرائيل تحت أسماء مختلفة وقال عن نفسه بأنه يهودي من اصل ليبي، حتى زيارة السادات للقدس، عندما وقف أمام الرئيس المصري الراحل السادات في مطار "بن غوريون" وقال له : أنا هنا في إسرائيل خلف الميكروفون".


ويقول في مقدمة كتابه الأخير" نبيه سرحان معهم في الغربة" أيضا:" وتجدني "أنا المصري" القاطن بين طرفي النزاع وعلى حدود مستوطنة "جيلو".."بيت جالا "، أشاهد بأم عيني، ليل نهار، نيران المدافع الثقيلة والدبابات والصواريخ والمروحيات العسكرية، ترمي بحممها سكان المدينة، بسبب بعض الطلقات من بنادق خفيفة لا تؤثر على الجانب الآخر، وتقابل هذه الطلقات بأقسى الوسائل من إغلاق وحصار للمدن الفلسطينية، والتي تساعد على خنق البقية الباقية حتى من أنفاس السماء، وجثامين تشيع من الجانبين، في كل لحظة، لحظات الألم و المعاناة، من شعبين قدر عليهما أن يعيشا معا، وأنا وزوجتي داخل بيتنا في منطقة "بيرعونا"، في هذه الظروف، وجدتني ابحث عن لقاءاتي مع اخوتي من المغتربين في آخر زياراتي للولايات المتحدة الأمريكية لاضعها في كتاب آخر".

الزوجة المصرية لابن الريف ليلى إبراهيم موسى:
عندما وقعت حرب حزيران 1967 كنت متزوجة من "يوسف سمير " منذ أسبوعين، وشارك في الحرب كمتطوع من الجيش الشعبي، وكنا نسكن في حي "روض الفرج" في منزل خاله، واذكر تلك المرحلة المؤلمة، بعد النكسة فقد تحولت القاهرة لمدينة أشباح، الجميع صامت والسواد في كل مكان، و استشهد في الحرب أعداد كبيرة من المصريين، وانتظرت عودته ولم يرجع، ومرت الشهور، واعتقدت بأنه استشهد في الحرب، وبعد تسعة اشهر وعند الساعة الخامسة صباحا، جاء المنزل والدي، حيث عدت لمنزل الأسرة طبعا في تلك الظروف، وكان عمري 14 عاما، وسمعته يقول لوالدي بأنه كان في سجن " أبو زعبل " بمصر، واخذ يتحدث عن اعتقاله، وكان آنذاك يكتب قصائد شعر ومقالات لإذاعة الشرق الأوسط المصرية، وعندما اندلعت الحرب كان في منطقة القنطرة، وزارهم في الموقع مذيع من الإذاعة، فتحدث "يوسف سمير" وقال:"قل لأحمد سعيد إننا مهزومين، و أن يكف عما يذيعه في الإذاعة من بيانات غير صحيحة، أن ما نسمعه في الإذاعة هو فضيحة".

وعندما سمع قائد الموقع كلامه، أمر الجنود بان يغمضوا عينيه، واقتادوه للسجن، وبقى في السجن تسعة اشهر دون أن يتمكن من إبلاغ ذويه، وبعد عودته، توجهت معه للقاهرة لمنزل خاله حيث كنا نسكن، وكان " يوسف" يائسا جدا، فوجد خاله قد باع أثاث منزلنا، واستولى على البيت وقال له :" لا بيت هنا".

فاضطررنا أن نتوجه للسكن في فندق متواضع جدا، ولم يكن معنا نقود، واخذ يبحث عن عمل، دون جدوى، حتى وافقت مطيعة على طباعة ديوان شعر له ، وطبع له، ولكن الأمن المصري صادر الديوان، فأصبحت الحياة مستحيلة والأبواب مغلقة ، فقرر أن يخرج من مصر، فسارع باستخراج جواز سفر مشترك له و لي، وقررنا السفر إلى ليبيا، في أوائل العام 1968، وكنت حاملا بابنتي "حياة "، وأسرعنا بالسفر برا إلى ليبيا، خوفا من أن يوضع اسمه في الحدود على القائمة السوداء، وكان يفترض عند نقطة الحدود في السلوم أن يتم التدقيق، فنزلنا من السيارة عند منتصف الليل، ونحمل حقائبنا، ومشينا في طرق بعيدة، حتى الساعة الثامنة صباحا، لتجاوز التدقيق الأمني المصري، فوصلنا لاخر نقطة مصرية حدودية، فرفضوا مرورنا، وطلبوا منا العودة لنقطة الأمن السابقة لختم الجواز، وتوسلنا إليهم، وعندئذ أرسلوا معنا سيارة لإيصالنا لختم الجواز، وهناك وجد اسمه ضمن القائمة السوداء، ممنوع من السفر، فعدنا إلى القاهرة، بعد رحلة العذاب تلك بدون جدوى.
وبعد عودتنا للقاهرة، كان " يوسف " محبطا للغاية، وبعنا كل ما نملكه وهي أشياء بسيطة وباع ساعة يده، واصطحبني معه إلى مكتب مسؤول مصري كبير وهو " شعراوي جمعة "، ودفعنا مكتبه وسمعت حوارا بينهما غريب جدا، فقد كان " يوسف " أو " نبيه سرحان " غاضبا جدا، وقال لشعراوي جمعة: "لقد حاولت أن اترك مصر لكم، ولكنكم رفضتم السماح لي بالخروج، لماذا؟ أنا اترك لكم مصر، افعلوا كما تريدون، واتركوني لشأني".
فتدخل سكرتير شعراوي جمعة لإسكات " نبيه سرحان " زوجي، فاسكته " نبيه " ووجه الحديث لشعراوي جمعة: " أنني لا املك أي شيء، تستطيع أن تفعل بي ما تشاء، اعتقلني، اقتلني، ولكن أريد أن أخبرك ، يوجد في جيبي 20 جنيها فقط، سأنزل واشتري مائة متر قماش واكتب عليها " يسقط شعراوي جمعة " واقف بجانبها اسفل مكتبك في الشارع".
ورد جمعة:" انك تتهجم علي، وانك تريد السفر للخارج لتهاجم مصر ولن نسمح لك بذلك".

وبعد حوار ونقاش ساخن، غير شعراوي جمعة من موقفه وقال اسمح لك بالسفر بشرط أن تتعهد بعدم مهاجمة مصر ووافق " نبيه سرحان" على ذلك ووقع على تعهد.
واخذ جواز السفر من جمعة، وقاله إنني سأذهب إلى لبنان كي اطبع كتبي لدى نزار قباني فأنا اعرفه و سيساعدني في ذلك".
وأضافت " ليلى موسى " : " و عدنا وسافرنا مجددا إلى ليبيا، ورفع الحظر الذي كان موجودا على سفر زوجي، ودخلنا ليبيا بشكل طبيعي، فتوجه زوجي وطلب مقابلة الملك السنوسي، وحمل معه كتبه و مقالاته، واصطحبني معه وكنت حاملا، وحالتي الصحية متعبة، وأخذني حتى يتأثر الملك السنوسي لوضعنا البائس، ودخلنا على الملك، ورحب بنا، وقال زوجي للملك السنوسي : لا مكان لي إلا هنا ، وزوجتي حالتها الصحية سيئة، ولا نقود معي. فقال الملك السنوسي : " أنت كاتب جيد، وكتاباتك تقوا انك سياسي اكثر من اللازم، وعلشان خاطر الست المريضة زوجتك، أوافق أن تكتب في جريدة " العلم "الليبية، في كل شيء تريده إلا السياسة لا، أنا على علاقة طيبة مع جمال عبد الناصر ومصر ولا أريد مشاكل مع أحد". وفعلا عمل زوجي في صحيفة " العلم" الليبية، واستأجرنا منزلا، وتحسن الحال، ولكنه لا يستطيع أن يبقى هادئا، فكتب مقالا في جريدة " العلم " الليبية أوصلنا لإسرائيل وهاجم في مقاله مصر، وكانت المخابرات المصرية آنذاك تتابع صحيفة " العلم "، فاحتجت مصر لدي الملك السنوسي، وخلال 24 ساعة أمر الملك السنوسي بطردنا من ليبيا، وتم إبلاغنا بقرار الإبعاد، وقالوا لنا : " لن نسلمكم لمصر، واختاروا أي دولة أخرى تريدون الذهاب لها". وسافرنا بالطائرة من مطار ليبيا ولم تقبلنا أي دولة أوروبية وننام في المطار ثم نعود لمطار طرابلس، وهكذا، حتى نفذت نقودنا، وقاموا في مطار ليبيا بجمع ثمن تذكرة سفر لنا من المسافرين، وآخر رحلة توجهنا بها إلى اليونان، وسمحت اليونان لنا بالدخول، ونحن في حالة يرثى لها، وأنا ما زلت حامل، وصحتي في تدهور بسبب الظروف التي واجهتها، وتطلب الأمر نقلي للمستشفى في أثينا، ثم خرجت من المستشفى، ومشيت مع " نبيه " مساء في ميدان بأثينا، وفجاءة تقابل زوجي مع دبلوماسي كوبي يعمل في السفارة الكوبية في مصر، ويعرفه " نبيه " فسلم عليه، وأعطاه الدبلوماسي عنوان الفندق الذي ينزل به، وذهبنا إليه، وتحدث زوجي عن مشكلته، فقال الدبلوماسي الكوبي : " لن تقبلك أي دولة كلاجئ، لا دولة عربية ولا أفريقية إلا دولة عدو مصر".

ويبدو أن زوجي اصبح يفكر بنفس الاتجاه، وبدون علمي، توجه لسفارة إسرائيل في أثينا، وطلب مقابلة القنصل، ولحسن حظه، قابل القنصل الإسرائيلي "ايلي دويك"، وهو يهودي من اصل مصري، وعاش فترة طويلة في مصر، ودرس في الجامعات المصرية ، أي انه وجد من يفهمه، ورحب به القنصل الإسرائيلي، وطلب زوجي اللجوء لإسرائيل، وقال للقنصل لا أريد منكم سوى " ميكروفون" ويقصد العمل الإذاعي".

وقالت زوجة الصحفي المصري : "طلب القنصل الإسرائيلي من زوجي، الانتظار حتى يأتي رد تل أبيب، فالمسالة ليست سهلة، وتأخذ وقتا، وجاءت موافقة مبدئية، ووضعه الإسرائيليون في أثينا على جهاز "كشف الكذب"!، وتمت الموافقة لعدة شهور، وخلال تلك الفترة كان يرسل لإذاعة إسرائيل، أشعارا ومسلسلات درامية إذاعية، وفي بداية العلاقة مع القنصل الإسرائيلي أعطاه الدبلوماسي الإسرائيلي 300 دولار لنفقاتنا".

وحول موقفها اتجاه اللجوء إلى إسرائيل قالت ليلى:" بعد أن ذهب للسفارة الإسرائيلية في أثينا، جاءني وابلغني بما حصل فصعقت وثارت ثائرتي، كيف تأخذني لإسرائيل، لمن قتلوا أبناءنا، هؤلاء الصهاينة القتلة، أنا أريد أن أعود إلى مصر مهما كان الأمر" فقال لي : " أنا لا أستطيع العودة لمصر، قرري ماذا تريدين، أما السفر معي لإسرائيل أو تعودي بمفردك إلى مصر".
وجدت نفسي أمام خيار صعب جدا، وفي النهاية وافقت على الذهاب معه لإسرائيل، ولكن بقينا شهورا في أثينا وهنالك موافقة إسرائيلية لدخولنا إسرائيل، فماذا ننتظر؟ وبدأت ألح على زوجي، خاصة أنني على وشك الولادة، واخذ من جانبه يضغط على السفارة الإسرائيلية، حتى تقرر سفرنا لإسرائيل وكنت في الأيام الأولى من الحمل بالشهر التاسع بابنتي" حياة "، ودخلنا إسرائيل، وأدخلوني المستشفى، وتمت الولادة، وعرضوا علينا الإقامة في " تل أبيب" فرفضت ذلك، وقلت للإسرائيليين إما أن نسكن في القدس أو نعود من حيث أتينا، فوافقوا، ومنذ ذلك الوقت ونحن نسكن في هذه البقعة الطاهرة قرب المسجد الأقصى".

وردا على السؤال لماذا اختفى زوجها خلف أسماء مزيفة قالت ليلى : " لقد اشترط علينا الإسرائيليون الصمت التام، وأن لا نقول أبدا بأننا مصريون خوفا على حياتنا والتزمنا الصمت 10 سنوات، وطلبوا منا أن نعرف على أنفسنا في المجتمع الإسرائيلي بأننا يهود من اصل ليبي، مهاجرون لإسرائيل، وبقينا بهذه الصورة حتى زيارة السادات للقدس. لقد صمت عشر سنوات كاملة، لم أتحدث و أنا منذ ثلاثين عاما وأنا أعيش على أمل العودة لمصر، أصبحت أعيش مثل الشعب الفلسطيني والذي يحلم بالعودة لبلده.."

وحول لقاء زوجها مع الرئيس السادات قالت:" عندما جاء الرئيس الراحل السادات في زيارته التاريخية للقدس، ذهب زوجي" نبيه سرحان " إلى مطار بن غوريون، كمذيع في الإذاعة الإسرائيلية، وهناك وجد زملاءه المذيعين والصحفيين وغيرهم ممن يعرفهم، وقد اصبحوا في مراكز كبيرة مسؤولين أو إعلاميين ضمن الوفد المرافق للرئيس السادات، وكان اللقاء بينهم حارا و حميما، فلم يكن أي منهم يعرف انه في إسرائيل ، كانوا يعتقدون انه في ليبيا، وصافح الرئيس السادات، فقال له الرئيس الراحل السادات : "أين اختفيت ،كنا نعتقد انك في ليبيا ، أنت سبقتني لإسرائيل".
وعندها سمعت الصحافة الإسرائيلية بالموضوع فكتبت خبرا صغيرا " مصري يكتشف عندنا في إسرائيل".
وردا على السؤال أن كان الرئيس السادات وافق على عودتها وزوجها لمصر فقالت : " لقد استغل زوجي زيارة الرئيس السادات لإسرائيل، وطلب منه الإذن بعودتنا أو زيارتنا لمصر، فوافق الرئيس السادات، ورحب برجوعنا، فذهبت للسفارة المصرية وطلبت تأشيرة دخول، وبعد كفاح طويل لعام ونصف، حصلت على الموافقة، وسافرت مع أولادي لمصر وبقي زوجي ولم يذهب معنا ، وقضينا أسبوعين في مصر ، وتجولنا في الأماكن السياحية وزرنا أقاربنا، ولكن الأولاد رفضوا العيش في مصر رغم إلحاحي عليهم، واثروا العيش في إسرائيل، وجميعهم اصبحوا فنانين، فابنتي" حياة " مطربة، وابني " سامي " ممثل، والبنات موسيقيا تدرسن جميعهن في الأكاديمية الموسيقية الإسرائيلية".
تحياتي/الضبع

الضبع 01-06-2008 12:27 PM

العملية رقم سبعة
الكاتب المصري فريد الفالوجي
[العملية رقم سبعة]
المقدمه :
حكايات غريبة .. وقصص واقعية في ذاكرة الأمة لن تُمحى . . لأنها جزء كبير من التراث السياسي . . والنضال ضد هؤلاء الذين يحاولون دائماً أن يتسللوا الينا عبر المنافذ السرية داخل الكيان الإنساني.
تلك قصة هذا الجاسوس الذي أُسر فكرياً ووجدانياً.. وإنساق في إثر الموساد الإسرائيلي.
وهنا يكشف الكاتب فريد الفالوجي عن شخصية هذا الجاسوس العربي . .الذي هرب بطائرته الحربية الى إسرائيل تدفعه الطموحات المادية.. والإغراء بحياة جديدة حافلة بالمتع والدهشة.
ويبدو الهدف الحقيقي من فتح هذه الملفات أن الكاتب يُعرّي المواقف بكل جرأة . .ويكشف عن أعمق مواطن الخلل في الذهنية العربية . . التي كانت تقود الأمة خلال تلك الفكرة .. بغية التوصل الى أهداف جديدة. . وتحديد نظريات فكرية مبتكرة.. تتلاءم مع الواقع المعاصر الذي يعاني الاضطهاد .. والقهر.. ويستباح من قبل أعداء أمتنا.
وكذلك . . إنه تراثنا السياسي بكل ما ينوء به من ظلال الفساد أو الجريمة. . علينا أن نتفحصه. . وننقب في أوراقه الصفراء لدراسة الشخوص . . وأفكارها. . وأحلامها. . ومدى انتماءها الى الوطن والعقيدة والذات. .
إن القضية هنا هي إعادة بناء الذات من الداخل. . فقد تحطمت معاني في داخلنا. . وتهدمت أحلام جميلة . . وأصبحنا الآن نصافح الأيدي المخضبة بدماء شهداء الحروب. . ونتحاور معهم. . ولكن هناك خلف الحوار ما زالت كلمات تنزف. . وفي العيون ما زالت تبرق نوايا خفية تحلم أن تلتهم الشطآن والضفاف وتبيد في أعماقنا وردة النضال والتمرد والثورة. .ولذلك . .
نحتاج الى إعادة بناء الذات العربية. .وأن نُعمق هذي العلاقات الإنسانية بين العرب وأخيه العربي. .حتى يصبحا معاً قوة روحية ومادية في مواجهة الآخر المتحفز للانقضاض دوماً.
إن الكاتب يسرد الوقائع. . أموال . . دماء . . اغتيالات . . مطامع عدو يحيا في حياتنا. . ويحاول أن يزحف الينا ويغزو الفكر. . ويخلخل البنى الاقتصادية ويدمر الكيان الاجتماعي ويسلبنا هويتنا.
وقد يلجأ في ذلك الى تحويل الإنسان كشيء يُباع ويُشترى ويتاجر في أحلام الآخرين . . حتى يتلصص على إنجازاتنا الحضارية وقدراتنا العلمية ويخرب حتى النهاية.
ربما سقط البعض في براثن تلك الشباك الجاسوسية للموساد الإسرائيلي . . ولكن هناك من يقف يفكر . . ويتأمل . . ويتدبر . . ويناضل ضد القمع الإسرائيلي والفكر المخرب.
إن الكاتب قد تخصص حقاً في تسجيل قصص الجاسوسية . . وتميز ببراعة أسلوبه الشيق والتحليل الدرامي للأحداث. . وكذلك الصدق في التوثيق وطرح الرأي المستنير والفكرة العلمية الجديرة بالدراسة والبحث.
وهنا في هذه القصة الدرامية الخطيرة . . يشهر الكاتب سيف الإدانة ليس الى الموساد الإسرائيلي وحده . . وإنما أيضاً الى بعض الأنظمة العربية. . التي تمارس سيطرة القمع على أبناءهها فتشق بذلك جسور الولاء . . وتحطم في الروح قوى الانتماء العريق. . فيصبح الفرد مشوه الروح.. مجهول المستقبل . . يمشي في أرض من ظلام وظلم. . ويصبح من السهل أن يبيع ذاته ليس لإسرائيل. . وإنما أيضاً لشيطان الإرهاب والدمار.
الكاتب فريد الفالوجي لا يسرد حكايات الجاسوسية لتشعر باللذة الذهنية . . أو تُسجى وقت فراغك. . وإنما لتصحو . . وتدرك .. وتبحث . .وتعرف . .وتكون على حذر دائماً أن تقاوم في الداخل شياطين الظلم والإرهاب.. لتصبح أكثر قدرة على النضال من أجل وطنك ضد الأعداء في الخارج. ولو حولوا الثرى تحت أقدامك الى ثراء. . فأنت عظيماً في رفضك. . وقوياً في مواجهتك. . وانتماءك الى تراثك. . وأرضك. . وبلادك.
هذا ما يبحث عنه الكاتب أن يعيد الينا صدر الماضي . . وصفحات التاريخ لنتألم. . ونفكر ونتعلم الكثير والكثير.
أتمنى أن أكون قد استطعت تفسير ملامح هذه الكتابات . . التي تعد بحق سلسلة من الكتب السياسية الباحثة في أعماق الإنسان بصورة عامة.
وتحية حب صادقة لهذا المجهود الرائع الذي يثري المكتبة العربية .
علي عبدالفتاح صحافي . . وناقد
مدخـــــــــل
في الستينيات من القرن العشرين، كان الصراع على أشده بين القوتين العظميين، الاتحاد السوفييتي وأمريكا، ولم تكن هناك فرصة، ولو ضئيلة، لالتقاط الأنفاس داخل أجهزة مخابرات البلدين.
كان هناك أيضاً سباق محموم في تكنولوجيا التسلح، لأجل السيطرة، والتفوق، والتميز، والهيمنة.
فالسوفييت يلعبون بأوتار أحلام دول العالم الثالث، وتطلعاتهم نحو الاستقلال الاقتصادي والرخاء. والأمريكان، والغرب من خلفهم، يسعون للحد من المد الشيوعي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، ويعملون على التغلغل داخل رؤوس قاطني الكرملين، هؤلاء الكهول ذوي الوجوه الجامدة الغامضة.
وكان من المنطقي، تبعاً للعبة المصالح، أن يتحول التنافس بينهما الى حرب خفية، يديرها رجال أذكياء مهرة، لاستكشاف نقاط الضعف والقوة، وصنع المستحيل للوصول الى أسرار الخصم.
فمنذ أن ضرب الأمريكان اليابان بالقنبلة الذرية، والروس لا ينامون أو يستقر لهم بال، وسعوا بشتى السبل للحصول على أسرار تلك القنبلة، وتصنيعها، الى أن تمكن روز نبرج، الشيوعي الأمريكي، مقابل ألف دولار، وبمعاونة زوجته، من سرقة ملف كامل عن المعادلات الكيميائية المعقدة، وتصاميم القنبلة، وسلمه للروس عام 1953 إبان حكم ستالين، ووفر عليهم بذلك سنوات طويلة شاقة من العمل والبحث والتجريب.
ولكي نتخيل ماهية أجهزة المخابرات في الاتحاد السوفييتي وأمريكا، ومدى ضراوة الحرب السرية بينهما، وأخطبوطية القوة فيهما، يجب أن نتعرض أولاً لإمكاناتهما البشرية والتقنية، وقدرة كل منهما على اختراق الآخر، وبالمقارنة بينهما ستتضح لنا الرؤية الحقيقية في النهاية.
فجذور المخابرات السوفييتية ترجع لأيام القياصرة، الذين أنشأوا ما يسمى بـ"البوليس السري" القيصري – شيبيكا – لحماية العائلة والنظام ضد الأعداء، وهم الشيوعيون، ثم انقلب الأمر بعد الثورة الشيوعية عام 1917، إذ انحصرت مهمة "شيبيكا" في مطاردة بقايا الأسرة القيصرية، وأعداء الشيوعية في الداخل، ومعارضيها الذين تمكنوا من الهرب الى الخارج.
ففي الداخل، تحولت البلاد الى ما يشبه معتقل كبير، وفُرضت حياة ونُظُم ومبادئ وجب على الجميع احترامها، وغص سجن "لوبيانكا" بالمغضون عليهم، وفي أقبييته وسراديبه كان المسجونون يغرّزون بالإبر تحت الأظافر، وفي الأماكن الحساسة، وكذا تخلع الأسنان بالكماشات، ويحبسون داخل أقفاص حديدية تتحرك قضبانها بواسطة تروس، فتضغط الأجساد وتطحنها عصراً، وتُقذف أوصالهم للكلاب. . وكان الجلادون يفخرون بقدرتهم على انتزاع اعترافات السجين بسهولة، حتى ولو طلب منه أن يعترف بأنه "ملك السويد"، أو رئيس الولايات المتحدة.
وفي عام 1954 جرى تطوير جهاز البوليس السري وتطهيره، وتصنيف إدارته وأقسامه، وأطلق عليه جهاز المخابرات السوفيتية K.G.B.، وتضاعفت أعداد مخبريه وأفراده، للدرجة التي قيل أنه من بين خمسة أفراد كان يوجد "مخبراً"، وبلغ عدد الموظفين به الى نصف مليون موظفاً، وأكثر من مليون عميل وجاسوس. أما الميزانية السرية للجهاز فقد تجاوزن وقتها العشرة مليارات دولار، للإنفاق على العملاء والعمليات والتطور التقني المذهل.
لقد سبقت الـ K.G.B. سائر أجهزة المخابرات العالمية، وتفوقت عليها في تقنية التجسس، وأساليب التخابر، وفن الجاسوسية الذي يدرس في أكاديميات متخصصة، وكانت المخابرات الأمريكية C.I.A. دئماً تسعى للحاق بها، وتستنزف في مواجهة نشاطها المضاد، واختراقاتها الأسطورية، إذ كانت الـ C.I.A. تحظى دائماً بالاهتمام الأعظم، وبالأولوية في عمل ونشاط الـ K.G.B. التي زرعت بأمريكا نفسها آلاف الجواسيس والعملاء، الذين امتزجوا بالنسيج الأمريكي في مهارة، جعلتهم ينقلون لبلادهم ابتكارات وتقنيات وأسرار استراتيجية غاية في الخطورة.
ولسنوات طويلة، اشتعلت حرب المخابرات والجاسوسية بين القوتين العظميين، وكان لا يكاد يمر شهر دون أن تقوم واشنطن بطرد دبلوماسيين سوفييت، تبين تورطهم في عمليات تجسسية، فترد موسكو بذات الأسلوب. بل إن عواصم الدول الغربية، تحولت هي الأخرى الى ميادين حرب سرية بين الجهازين العملاقين، وبرع رجال الـ K. G.B في اختراق نظم السرية والأمن، للسفارات الأمريكية في العديد من الدول، بواسطة نساء جميلات بارعات ماهرات، أقمن علاقات مع الحرس الأمريكان، فتحولوا الى جواسيس على سفاراتهم.
وعملية اختيار الجواسيس في الـK.G.B. تعتمد على تفريخ عدة معاهدة متخصصة، تقوم بتأهيلهم نفسياً وبدنياً وتقنياً ولغوياً على أعلى مستوى، ويكون اختيارهم للعمل داخل الدولة، أو خارج حدودها، طبقاً للمؤهلات الثقافية والعصبية لكل عميل.
أما المخابرات المركزية الأمريكية C.I.A.، فلم يكن لها وجود قبل الحرب العالمية الثانية، إذ كان هناك ما يعرف بمكتب الخدمات الاستراتيجية، وكان دوره محدوداً وقاصراً، ويفتقد الى الرجال الأكفاء والخبرة والتقنية، للدرجة التي أدت باليابان الى ضرب الأسطول الأمريكي في "بيرل هاربور" عام 1941، فمرغت كرامة أمريكا، التي لجأت لاستخدام القنبلة الذرية انتقاماً لكرامتها.
حينذاك .. لم تكن هناك تقارير تحليلية، أو تنبؤات محتملة، أو حتى أجهزة إنذار مبكر، ولذلك، أصيبت أمريكا بشلل تام في العقول، والتفكير، على غرار ما حدث في 11 سبتمبر 2001، وجاء الرئيس الجديد هاري ترومان (1945 – 1953)، فأسس جهاز الـ C.I.A. ، في سبتمبر 1947، وولى "آلان دالاس" رئاسته، فقفز به في غضون سنوات معدودة، الى قائمة أشرس أجهزة الاستخبارات على سطح الأرض، وأقواها.
فماذا فعل دالاس (2) .. ؟
لقد تم اعتماد ميزانية ضخمة ، سمحت للجهاز بتوسل التكنولوجيا المتطورة العالية، واستيعاب 250 ألف موظف وعميل، انتشروا في سائر المعمورة فحسّنوا من فاعلية الجهاز وقوة تأثيره، ليُسقِطَ حكومات في جواتيمالا والكونغو وقبرص وإندونيسيا وإيران، وتندرج تحت أعماله "القذرة" تصفيات جسدية لرؤساء الدول، الذين "انحرفوا" عن الركب الأمريكي، فقد تم إعدام الرئيس الدومينيكاني "رافائيل تروجيللو" أمام قصر الرئاسة، بواسطة متفجرات حوتها الحقائب الدبلوماسية المغلقة، ومشى "هنري ديروبورن" القنصل الأمريكي – مخطط العملية – وراء نعش القتيل نيابة عن الرئيس جون كيندي، الذي في عهده أيضاً، اغتيل الرئيس الفيتنامي "نجودين دييم" بذات الوسيلة، بعد محاصرته في قصره، لأنه عارض تدخلات أمريكا في شؤون بلده.
الرئيس جون كيندي نفسه، لم يسلم أيضاً من جبروت جهاز مخابراته، إذ اغتيل جهاراً نهاراً وبتخطيط شيطاني، مازالت أسراره مكتومة الى اليوم. حتى الزعماء الذين نادوا بالاستقلال وبالحرية، طاردتهم المخابرات المركزية وتعقبتهم، وحدث ذلك في بوليفيا للزعيم الأشهر "تشي جيفارا" ، بينما نجا "فيدل كاسترو" من عشرات المحاولات لاغتياله، كذلك العقيد معمر القذافي الذي تحدى غطرسة الأمريكان والحصار الطويل.
ومن أبرز أعمال الـ C. I.A. القذرة، تعقب "العقول" وتصفيتها، كما جرى مع عالمة الذرة المصرية "سميرة موسى" عام 1952، والكاتب المكسيكي المشهور "إلما بويل بوينديا" الذي هاجم الدور الأمريكي المشبوه في أمريكا الوسطى، واشتراكها مع الموساد في اغتيال الطيار العراقي نقيب شاكر يوسف، وزميله حامد ضاحي، اللذين رفضا خيانة وطنهما برغم شتى الإغراءات. "سيجيء تفصيل ذلك بعد قليل".
وبامتلاك الاتحاد السوفييتي القنبلة الذرية، والرؤوس النووية للصواريخ عابرة القارات، وأسرار حربية يجهلها الأمريكان، سعت الـ C.I.A. لإماطة اللثام عن الابتكارات العسكرية السوفييتية، والوقوف على مراحل ومدى القدرة العسكرية والاقتصادية لروسيا، واشتدت حروب العقول السرية بين الدولتين لتصل الى الذروة في أول مايو عام 1960، عندما وقع حادث غريب هو الأول من نوعه.
ففي ذلك العام أسقط السوفييت طائرة تجسس أمريكية طراز U-2 (1)، التي تضم أحدث ما وصل اليه العلم من ابتكارات، أهمها كاميرات غاية في التعقيد، تلتقط الصور على ارتفاع آلاف الأميال بدقة متناهية وبوضوح مذهل، بينما تطير بسرعة ألف كيلو متر في الساعة.
كان قائد الطائرة – النقيب فرانسيس جاري بورز – مطمئن للغاية وهو يحلق في أجواء الاتحاد السوفييتي، فقد طمأنه رؤسائه أن لا الصواريخ ولا المدفعية المضادة تستطيع أن تلحق بطائرته الأذى. وبالرغم من ذلك، شملت أدواته الى جانب المسدس، كبسولة صغيرة معبأة بالسم، طلب منه أن يتناولها عند اللزوم. لكن بورز لم يفكر بالانتحار، وهو يقفز بالباراشوت ويمسك به الأهالي، ويعترف للسوفييت بأنه طار فوق أجوائهم مرات عديدة من قبل، وكانت مهامه الأساسية هي الحصول على صور لمواقع الصواريخ، والمطارات التي ترابض بها طائرات "ميج 21". . بالذات. (!!)
وكان السؤال:
لماذا الطائرات ميج 21.. ؟
ولماذا لا تكون طائرات السوخوي الاعتراضية Su-11 .. ؟
أو طائرات سوخوي المقاتلة STOL . . ؟
أو قاذفات توبولوف TU-16، التي طار تشكيل منها مكون من 54 طائرة فوق موسكو يوم الطيران السوفييتي عام 1959. . ؟
وفي الولايات المتحدة كان حادث إسقاط الطائرة U-2 (1) محيراً، فالطائرة بارتفاعها الشاهق كانت بعيدة عن صواريخ السوفييت الأرضية، وعن مجال صواريخ طائراتهم الاعتراضية أو القاذفة، ذات المدى المحدود في ذلك الوقت.
وبرغم تشكيك الأمريكان في قدرة السوفييت العسكرية، ظنوا بأن الطائرة ميج 21 – المجهولة بالنسبة لهم – أدخل عليها السوفييت تقنيات جديدة معقدة، فتفوقت بذلك على طائراتهم سكاي هوك SKY HAWK والفانتوم PHANTOM، بل وعلى الطائرات الفرنسية ميراج 3 MIRAGE – III – C الجبارة.
وفي الوقت الذي تأزمت فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، خاصة بعدما قرر الرئيس الأمريكي "دوايت أيزنهارو" – (1953 – 1961) – أن الطيران فوق الاتحاد السوفييت هو من صميم السياسة الأمريكية، كانت المخابرات المركزية تسعى للتوصل الى أسرار تلك الطائرة الخرافة – ميج 21 – مهما كلفها ذلك. وكان من صميم عمل الـ C.I.A. أن تظل الولايات المتحدة في الصدارة عكسرياً، وسياسياً، واقتصادياً، وعلمياً. لكن التفوق السوفييتي في مجال الطائرات الحربية، كان يشكل كابوساً مزعجاً، ليس لأمريكا فحسب، بل لدول حلف الأطلسي، ولإسرائيل أيضاً.
فبينما تمد أمريكا إسرائيل بأحدث مبتكراتها التسليحية، لتكون لها اليد الطولى في الشرق الأوسط، زوّد السوفييت كل من مصر وسوريا والعراق بالطائرة – ميج 21 – فقلبت بذلك ميزان القوى عن آخره في المنطقة، ولوّح العرب بقوتهم وسيطرتهم على الأجواء، وبأن يدهم ستطول إسرائيل، وتقذف بها الى البحر.
هكذا تحولت منطقة الشرق الأوسط الى حلبة صراع بين القوتين العظميين، واستعراض للقوة التسليحية بين الشرق والغرب. . حيث كانت هناك رغبة ملحة، وجامحة، للحصول على إحدى طائرات الـ "ميج 21"، تهديها إسرائيل لأمريكا، من خلال تجنيد طيار عربي مغامر، يقبل الهرب بطائرته الى إسرائيل مقابل مليون دولار.
لكن . . قبلما نخوض في الخطط المخابراتية المشتركة بين الموساد والـ C.I.A. لاختطاف الميج 21، أرى أنه من الأصوب أن نستعرض أولاً تلك الطائرة اللغز، وقدراتها القتالية والمهارية الخارقة، التي حيرت العقول في أمريكا وإسرائيل، ودول حلف الأطلسي.
فالطائرة المقاتلة – MIG – 21 – حقق بها السوفييت أرقاماً قياسي لم تكن مألوفة من قبل، واعترفت بها المنظمة العالمية للطيران، إذ طار الكولونيل جورجي مرسولوف بطائرة من طراز – E-66 – وحقق بها معجزة عالمية للسرعة في أكتوبر 1959 ، مقدارها 2388 كيلو متراً في الساعة، طوال مسافة 15 الى 25 كيلو متر. وكانت الطائرة مزودة بمحرك توربيني نفاث، من نوع TDR MKR 37F.
وفي 28 أبريل عام 1961 تمكن موسولوف أيضاً أن يصل الى ارتفاع خارق، حطم به الأرقام العالمية، وبلغ 113.892 قدم، أي 34.714 كيلومتر – وهو رقم تعجيزي لم يتحطم أبداً لسنوات طويلة – عندما زُوّدت الطائرة بمحرك صاروخي إضافي مساعد. وخلال عرض جوي بمطار "دوموديدوفو"، قامت الطائرة ببيان عملي للإقلاع، وتفجرت مفاجأة صاعقة للعقول العسكرية في الغرب، عندما أقلعت الطائرة بعد مسافة جرى على الممر 150 متراً فقط، في حين أن الطائرتان الأمريكيتان سكاي هوك وفانتوم، تلزمها على التوالي مسافة 1445، 1525 متراً للإقلاع، أما المقاتلة الفرنسية – ميراج 3 – التي كانت تتباهى إسرائيل بامتلاكها، فكانت تحتاج لمسافة 1600 متراً لكي تقلع.
ليست هذه فقط كل ميزات الطائرة السوفييتية، فقد حققت أرقاماً قياسية أخرى مثيرة، اعتمدتها المنظمة العالمية للطيران، كالرقم القياسي للطيران بسرعة 2062 كم / ساعة في دائرة مغلقة طولها 500 كم، بقيادة الآنسة "مارينا سو لو كيافا"، ورقم قياسي آخر للطيران بسرعة 1298 كم/ساعة، في دائرة مغلقة طولها 100 كم حققته الطيارة "لدازا يتسيفا". وبلغت أقصى سرعة مستوية للطائرة 2 ماخ ، وكانت مقدار النصف، في ذلك الوقت، عند السكاي هوك، و 1.4 للفانتوم، و1.5 للميراج.
أما قياسات الطائرة الميج 21، فكانت أبعادها بالإضافة لإمكاناتها المذهلة – نقطة أخرى تضاف الى ميزاتها، ولغز تصنيعها العبقري المحير. إذ كان عرض أجنحتها 7.60 متر، وطول جسمها 16.75، وهو ما لم يتوافر لطائرات الولايات المتحدة العاملة أو طائرات فرنسا.
لكل ذلك. . تحولت الميج 21 السوفييتية الى لغز الألغاز، وتقف طائرات حلف الأطلسي أمام جبروتها عاجزة، مريضة، لا تقو على مجابهتها، أو الالتحام معها في معركة جوية. فالطائرة صممت كطائرة قتال قاذفة واعتراضية، يتمكن طيارها المتمرن من التحليق بها خلال ثلاثون ثانية فقط، واعتراض طائرات العدو والاشتباك معها بعد ارتفاعها مباشرة عن الأرض، وتمتلك قدرة عجيبة على الدوران في سرعة خارقة، وفي أي اتجاه، مما لا يتوفر لأية طائرة أخرى، بالإضافة الى سرعة انقضاضها المذهلة مع دقة الإصابة.
لكل هذه الميزات التي كانت موضوعة بين أيدي الطيارين العرب، وتفتقد اليها إسرائيل، كانت هناك رغبة عارمة، وتصميم أكيد، على تكشّف أسرار الميج 21 عن قرب، فقد رجحت كفة العرب بامتلاكها، واختل ميزان القوى في المنطقة، وتصور حكام إسرائيل أن نهاية دولتهم أصبحت وشيكة، إذا ما أقدم جيرانها على ضربها.
فهل رضيت أمريكا بعجزها أمام التفوق السوفييتي في تكنولوجيا الطيران..؟ وهيمنة العرب بالتالي على الأجواء في الشرق الأوسط. . ؟
بالطبع لا . فالصراع ما بين الشرق والغرب على الغلبة والتميز والسيطرة، صراع شرس لا يهدأ، وانتصار العرب على إسرائيل بالسلاح السوفييتي، معناه دحر السلاح الأمريكي والغربي، وهذا ما لم تقبله أمريكا.. أبداً.
لذلك.. كان هناك تنسيق مستمر بين الـ C.I.A. والمخابرات الإسرائيلية، لاختطاف إحدى طائرات الميج 21 العربية، للوقوف على خفايا قوتها، ونقاط الضعف فيها، بما يضمن تلافي خطرها، والعمل على تحديث تكنولوجيا الطيران لزيادة الكفاءة، والارتفاع بمستوى الفعالية القتالية الى مراحل متقدمة، تفوق النجاح السوفييتي وأدمغة خبرائه. وأخذت الحرب السرية تشتعل ضراوة وقسوة، خاصة بعد حادث إسقاط طائرة التجسس الأمريكية U.2 فوق روسيا، وتزامن كل هذا مع واقعة غريبة حدثت في القاهرة.
كان ذلك في نهاية عام 1961، عندما أعد الجاسوس المصري جان ليون توماس – وهو أرمني الأصل – وأعلن حينها على تجسسه لصالح الموساد، واعترافه أثناء محاكمته أن الإسرائيليون أغروه بمكافأة ضخمة، في حالة تمكنه من تجنيد طيار مصري، يقبل الهرب لإسرائيل بطائرته الميج 21، مقابل مليون دولار. وأن قائد سلاح الجو الإسرائيلي – عيزرا وايزمان – يلح في الحصول على هذه الطائرة التي يرعب بها العرب إسرائيل، وإهدائها سليمة للأمريكان لفحصها. لكنه – أي توماس – فشل في العثور على طيار مصري خائن، برغم الإغراءات الإسرائيلية التي كانوا يلاحقونه بها باستمرار.
لقد وضعت في إسرائيل تصورات لعدة طرق مختلفة، اشترك فيها رؤساء أجهزة الاستخبارات والخبراء المعنيون، وبعض ضباط الـ C.I.A، للحصول على الميج 21 المتقدمة، طرحت من بينها فكرة اعتراض طائرة مصرية أو سورية، وإجبارها على الهبوط في إسرائيل، لكن رُفضت الفكرة، لأن إسرائيل لم تمتلك طائرات تماثل الميج 21 قوة، وعرضت آراء توضح أن الطيارين العرب تمرنوا على قيادة الميج بمهارة، تضمن لهم التفوق والغلبة في حالة اعتراض تشكيل جوي إسرائيلي، وبالتالي ستكون الخسارة في الطائرات الإسرائيلية وطياريها، هزيمة ساحقة سيتغنى لها العرب.
وكانت الفكرة الثانية، فكرة غبية، يستحيل تنفيذها على أرض الواقع، وهي السعي لزرع عميل طيار في أحد أسلحة الجو العربية، وبعد مناقشات حامية، رفض الاقتراح أيضاً، فقد كانت نسبة نجاحه لا تتعدى 1%، بالإضافة الى أن الأمر قد يستغرق سنوات طويلة، وهذا ليس من صالحهم.
لم يكن أمامهم إذن إلا اقتراح واحد، أجمعوا عليه بلا استثناء، وهو تجنيد طيار عربي وإغراؤه بمبلغ كبير، للهرب بطائرته الى إسرائيل. كان الأمر يحتمل النجاح بنسبة 25%، لكن المشكلة كانت في عامل الوقت، فالمنطقة العربية كانت في حالة غليان، والحرب قد تقع في أية لحظة فجائية، إذا ما أنهى عبد الناصر حرب اليمن منتصراً، وعادت قواته الى الجبهة أكثر تمرساً، وعطشاً الى الحرب، تساعدها السيطرة الجوية، والتفوق العددي، والروح المعنوية العالية والإحساس بنشوة الجهاد.
من هنا. . اتفق الجميع في إسرائيل من رجال المخابرات العسكرية، والموساد، وخبراء العمليات الحرجة، وضباط الـ C.I.A.، على ضرورة التنسيق المعلوماتي والاستخباراتي، من أجل تحقيق الهدف الحلم.
ولم يكن الأمر سهلاً البتة، إذ واجهت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مشكلة إغراء طيار عربي، نظراً لأن الحكومات العربية توفر لطياريها حياة هادئة، وتمنحهم وأسرهم تسهيلات عديدة في التعليم والعلاج، وتضمن لهم راتباً عالياً يفوق أقرانهم الضباط في الأسلحة الأخرى، فأبعدتهم بذلك عن أية توترات، تتصل بالمعيشة أو بالمستقبل، وأغدقت عليهم رعاية خاصة، ووضعية تحيطها هالة من وقار، سدّت بها كل الحيل أو الثغرات التي يمكن الوصول اليهم من خلالها.
وبالرغم من الصعوبة القصوى التي واجهت أجهزة مخابرات إسرائيل، إلا أن رجالها لم ييأسوا في السعي الى مبتغاهم، لإنجاح التصور الأخير الذي كانت نسبة نجاحه الكبيرة مغرية، إذا ما توافرت عدة أشياء حيوية للغاية، أهمها جمع أكبر قدر من المعلومات، الاجتماعية والسلوكية، عن الطيارين العرب في مصر وسوريا والعراق، واللعب على وتر الأقليات والعقائد.
هكذا نشطت لديهم الفكرة، وشرعوا في البحث عن كل معلومة – ولو كانت تافهة – عن طياري الدول الثلاث، من خلال عملائهم في العواصم العربية، ومن خلال ما تنشره الصحف العربية في صفحات النعي والاجتماعات.
ولأجل هذا ..استحدثت المخابرات الإسرائيلية بشتى أجزتها، وإمكاناتها، أجهزة كمبيوتر جبارة، حوت ملفات عن مئات من الطيارين العرب، حتى أن المسؤولين عن هذه الملفات، أجادوا تصنيفها، بالشكل الذي يتمكنون بواسطته من تحليل هؤلاء الطيارين نفسياً، وأيديولوجياً، واجتماعياً، والتغلغل الى أعماقهم في سهولة، من خلال فريق عمل يضم أبرز أساتذة علم النفس.
وحمى وطيس المعركة.. فتعالوا نقلب معاً ملف الحرب السرية، ونتعرض على غرائب ذلك العالم الغامض، عالم المخابرات والجاسوسية. . !!
يتبع....


الضبع 04-06-2008 10:21 AM

العملية رقم سبعة ـ الفصل الأول

تلك الخرافة الملعونة . . نريدها . .

نريدها سليمة في أزهى ثيابها وحُلّيها. .

لنزيل بها حاجز الخوف القابع بصدور طيارينا ..

ونتحسس ملكاتها الأسطورية التي يخيفنا العرب بها.

فبامتلاكها . .

سوف نضمن الغلبة لإسرائيل . .

ونُؤمّن بذلك مستقبل دولتنا . .

وأولادنا . .

الى الأبد . . !!

"ديفيد بن جوريون"




بين هاريل وعاميت
في بداية الستينيات من القرن الماضي، كانت أجهزة المخابرات الإسرائيلية تعاني خللاً متصاعداً منشؤه تعارض المهام والاختصاصات، ذلك أن رئيس الموساد – ايسير هاريل – والمقرب جداً لرئيس الوزراء، كان يفرض هيمنته أيضاً على جهاز المخابرات العسكرية – أمان - ، في الوقت الذي كانت فيه "أمان" تعاني من مشكلات أخرى عديدة، تعوق نشاطاتها وتحد من انطلاقها.

فحتى ذلك الوقت، كان قد تولى رئاستها أربعة جنرالات، استبعد ثلاثة منهم وأجبروا على التخلي عن المنصب، أيسير بيري كان أولهم عام 1949 لانتهاكات حقوق مدنية، وجاء من بعده بنجامين جيبلي عام 1955، الذي أبعد إثر فضيحة لافون في مصر، ومن بعده ياهو شافات هاركابي عام 1958، لسوء إدارته في عملية تعبئة لاحتياطي الجيش.

أما رئيس أمان الرابع، الجنرال حاييم هيرتزوج ، فقد فضل أن ينسحب بعدما فشل في إبعاد هاريل عن جهازه، محتجاً على سكوت رئيس الوزراء – بن جوريون – إزاء تدخلات هاريل.

وباستقالة هيرتزوج في فبراير 1962، فكر بن جوريون في مائير عاميت، الذي كان وقتها جنرالاً في جيش الدفاع، ورأى أنه الأنسب لرئاسة المخابرات العسكرية، بيد أن أيسير هاريل اعترض بشدة، ربما لمعرفته بمكانة عاميت ونفوذه داخل الجيش، وربام أيضاً لتخوفه من نوايا بن جوريون، حيث اتجهت ظنونه الى أنه يعده خلفاً له، خاصة وأن علاقته برئيس الوزراء آنذاك كانت قد تضاءلت، وأحاطها الفتور.

وباستماتة حاول هاريل إقناع رئيس الوزراء بخطورة اختيار عاميت، كجنرال عسكري يفتقر خبرة رجل المخابرات، لكن بلا فائدة.

من جهته، انتاب عاميت القلق المصحوب بالتوتر، ذلك لأن جهاز أمان كان في حالة من عدم الاتزان، وتسوده العلاقات الخاصة والمصالح، مما أثر على مهامه في خدمة الدولة، ونأت به الى مهام أقل أثراً بسبب نفوذ هاريل، فضلاً عن أنه – أي عاميت – كان يفضل الحياة العسكرية، والزي العسكري، ولم يتعود بعد على الحياة بالزي المدني، قابعاً خلف المكاتب والأوراق.

لكن ما إن تولى عاميت منصبه، حتى سعى للالتقاء بهاريل في محاولة جادة لتوطيد علاقته به، لتخفيف حدة الكراهية والتنافس بين الجهازين.

وفي اجتماع مطول ضمهما، أكد عاميت على ضرورة نبذ الخلافات، والتنسيق المشترك بينهما فيما يتعلق بأمور الدفاع عن الدولة، موضحاً أن عمل الجهازين يصب في النهاية في بوتقة واحدة، تخدم أمن إسرائيل ومصالحها، وتوجا الاجتماع بالاتفاق معاً على ضرورة التعاون الوثيق، لتحقيق حلم امتلاك طائرة ميج 21 عربية.

لكن الخلافات ما لبثت أن اشتدت بين رئيسي الجهازين، وهي خلافات بعيدة عن الهدف المرسوم، سببها التعارض في أسلوب التطبيق الفعلي للعمليات.

فهاريل رئيس الموساد كان منسقاً بارعاً، ومحللاً فذاً، بينما كان عاميت عبقرياً في الاستراتيجية العسكرية. لذلك اصطدمت رؤيتيهما الخاصة لمعالجة الحدث، وبدا كلاهما مختلفاً في معايير الدراسة والتخطيط.

ففي حين انشغال عاميت بفهرسة قوائم الطيارين العرب، وتحليل البيانات والمعلومات التي يتوصل اليها أولاً بأول، آثر هاريل أن يجوب عواصم أوروبا بحثاً عن طفل يهودي مختطف ، وينام داخل سيارته يرتجف من البرد، معرضاً أمنه الشخصي للخطر، وهو يقود فريقاً من أكفأ رجاله دون أدنى أمل، مهملاً أموراً أعظم أهمية تتطلب وجوده في إسرائيل، الى أن تفجرت قضية العلماء الألمان في مصر، عندما ألقى القبض في سويسرا على عميلين للموساد هددا ابنة عالم ألماني يعمل في القاهرة، وكانت فضيحة مدوية، بسببها تهددت العلاقة الدبلوماسية بين بون وتل أبيب، ووقعت الكارثة على رأس هاريل كالصاعقة.

وفي 26 مارس 1963، كان عاميت في مهمة خاصة، عندما طُلب منه أن يتصل على وجه السرعة برئيس الوزراء، وبعد ثلاث ساعات وصل عاميت لمكتب بن جوريون في كيريا بتل أبيب، فصافحه ببشاشة وأطلعه على استقالة هاريل وبموافقته عليها، ودون أن يسأله عن رأيه فاجأه بقوله:

"أنت رئيس الموساد المقبل، وسوف تكون مسؤولاً فقط عن التجسس في الخارج. أما مكافحة التجسس في الداخل فمن مسؤولية الشين بيت .

لم يكن مائير عاميت يصدق ما يسمعه، إذ ألجمته الدهشة ولم يعلق سوى بهمهمة غير مفهومة، ثم تمالك زمام نفسه أخيراً، وتعهد لرئيس الوزراء بأنه سيقوم على مهام بأمانة وإخلاص، وسيولي موضوع الطائرة الميج 21 أهمية خاصة وزائدة من أجل اقتنائها في أسرع وقت.

كان عاميت أول رئيس للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، يتولى رئاسة جهاز الموساد، لذلك فقد استبشر به بن جوريون خيراً، وتوقع أن يتحسن آداء الموساد على يديه، تعززه القدرة على التنسيق نتيجة خبرته، ودوره المزدوج في الموساد وأمان.

هذا أيضاً ما توقعه كبار رجال المخابرات والجيش. بيد أن الأمر لم يكن سهلاً تماماً أمام آميت، فهو أول رجل من خارج الموساد يتولى رئاستها، خاصة، وقد جاء بعد أيسير هاريل، الذي مكث أكثر من ربع قرن يجمع الموساد والشين بيت بين أصابعه، حتى أطلق عليه "بطريك المجتمع السري".

وفي مقر الموساد، لم يكن استقبال عاميت مطمئناً، فقد كان ما يزال يرتدي زيه العسكري الذي يعتز به، وفوجئ بهاريل بالمكتب يجمع أوراقه، فتصافحا في فتور، ثم خرج هاريل مكتئباً، بينما انهمرت دموع سكرتيراته الثلاثة. وواجه عاميت مأزرق الاستقالات الجماعية لأنصار هاريل، مستهلاً عمله في جو مشحون بالتوتر، والمرارة، ولكنه نشط في حماس في فتح ملف الميج 21، يملؤه إصرار عميق على إنجاز مهمته. . !!



خائن بالصدفة
كان مائير عاميت مؤمناً بتسلسل القيادة العسكرية، فإذا ما سقط قائد في معركة أو رحل فإنه يستبدل على الفور. ومن هذا المفهوم، وجه ضربة عنيفة لأنصار هاريل الذين أظهروا سخطهم، ودفع بدماء حديدية داخل شرايين الجهاز السري، وطار الى أوروبا للتنسيق مع رجاله هناك.

وبينما كان بباريس، استقال فجأة رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون، وتولى ليفي أشكول الذي كان وزيراً للمالية مكانه. وأبدى عاميت تخوفه للتغيرات التي حدثت، لكنه رأى في رئيس الوزراء الجديد رجلاً محباً لأعمال المخابرات، ولأنه يفهم الأمور المالية فقد خصص ميزانية أكبر للموساد، ومكّن عاميت بذلك من استحداث الكثير من معداته وأدواته، ومن الإنفاق باطمئنان على معامل البحوث الفنية، للارتفاع بمستوى التقنية في الجهاز، مستعيناً بالكفاءات من رجاله في "أمان" وضمهم الى الموساد، وبالوحدة "131" – ذراع العمليات المثلى لأمان – فضمن تنظيم هيكل الموساد بأسلوب مثالي جديد، استعداداً للمرحلة الحاسمة المقبلة، التي يتأهب لها في دهاء.

كان أيضاً بحاجة الى مكان أوسع.. لذلك نقل عاميت مقر الموساد الى مبنى حديث في وسط تل أبيب، واستعان بأجهزة كمبيوتر حديثة لتخزين المعلومات وتسهيل استدعائها، وعني بجمع المعلومات العسكرية والسياسية والاقتصادية عن الدول العربية، مستفيداً من طابور طويل من الخبراء في تحليلها، وبذل جهوداً غير طبيعية في البحث عن المتميزين من ذوي الكفاءات والمهارات، ليس في الجيش الإسرائيلي فحسب، بل في الأكاديميات، والجامعات، والمؤسسات، وفي عالم الفن والتجارة والصحافة، فأرسى بذلك الكثير من المبادئ، التي أسبغت على الموساد صفة الأداء الدقيق المنظم، وساعدت على أن تعمل شتى الأقسام بتخطيط علمي متقن.

وأمام رغبة القيادة السياسية، وإلحاح قائد سلاح الطيران، عيزرا وايزمان، في الحصول على الميج 21، وكانت وهي أيضاً رغبة القيادة السياسية في أمريكا، لم يدخر عاميت جهداً في إطلاع عملاء الموساد في كل من مصر والعراق وسوريا، وحثهم على ضرورة البحث عن طيار عربي لتجنيده.

وبعد مرور أقل من عام على تولي عاميت أمر الموساد، وفي انتظار تحقيق المعجزة، حدثت مفاجأة غريبة لم تخطر ببال.

ففي عام 1964، هرب الطيار المصري المختل عباس محمود حلمي الى إسرائيل، بواسطة طائرة تدريب سوفييتية قديمة من طراز (ياك 15) ذات مقعدين.

وبرغم خيبة الأمل التي أصابت الإسرائيليين بسبب نوع الطائرة، إلا أن الطيار المشوش العقل استقبل بحفاوة بالغة في إسرائيل، واستغل حادث هروبه (2) أسوأ استغلال في التشهير بالنظام في مصر، فقد ادعوا أن عباس حلمي هرب احتجاجاً على تدخل مصر في اليمن، وضرب القوات الملكية هناك بالغازات السامة، وبالأسلحة الغير مشروعة دولياً، مما أثر على أعصابه وعلى إيمانه بالقومية العربية، وبالعروبة.

أخضع عباس حلمي لاستجواب دقيق، وسئل مئات الأسئلة، ولم يكن بمقدوره ادعاء الجهل بأشياء كثيرة تتعلق بأدق التفاصيل عن الميج 21، فقد كان أحد طياريها، وأدرك بعد فوات الأوان، أنه ارتكب جريمة الخيانة العظمى في حق وطنه، لذا، فقد كان عليه أن يستغل معلومات العسكرية للحصول على الأمن والحماية أولاً، ولتحقيق أكبر عائد مادي ثانياً، بما يكفل له حياة مستقرة في وطنه الجديد.

لقد كانت لدى رجال الموساد شكوك حول العملية برمتها، وكبر لديهم هاجس تحسبوا له كثيراً، وهو أن المخابرات العسكرية المصرية ربما تقوم بخدعة كبرى، وأن إرسال عباس حلمي بطائرة عتيقة لا تساوي شيئاً، لعبة مهارية خارقة من المصريين، لتسريب معلومات مغلوطة عن الميج 21، تربك بها حساباتهم ومعلوماتهم "الغير يقينية" عن بعض أسرار الطائرة، ونقاط تميزها.

لذلك . . أعيد سؤال عباس حلمي ذات الأسئلة مرات ومرات، وحيرتهم كثيراً إجاباته الدقيقة التي لم تكن تتغير، ومع إصراره العنيد على أنه لا يقول إلا الصدق، عرضوه على جهاز الكشف عن الكذب.

وبينما الأسلاك الملتصقة برأسه وصدره تتصل بأجهزة رسم المخ، وقياس الذبذبات والنبض، كان ستة من الخبراء الفنيين دفعة واحدة يعكفون على استجوابه، فلا يكاد الواحد منهم يلقى بسؤاله حتى ينطلق آخر بسؤال جديد، وهكذا دواليك لمدة ساعتين ونصف الساعة، حتى تفككت قواه، وبكى بحرقة في يأس طالباً منهم أن يعيدوه الى مصر، فإعدامه هناك أرحم من العذاب الذي يلاقيه عندهم.

وما كان لهم أن يعيدوه ثانية الى مصر، وما كان لهم أيضاً أن يتيقنوا من صدقه مائة بالمائة، فبرغم الرسوم الكهرومغناطيسية للجهاز الأمريكي الصنع، والتي أثبتت أنه لا يكذب، قال بعضهم إن الطيار المصري ربما أعد إعداداً محكماً لتلك المهمة، وأنه قد دُرب عليها عشرات المرات قبل أن يبعثوا به اليهم.

لقد كانت دائرة الشكوك داخل الموساد تضيق وتتسع، ومع ذلك، فقد اعتبر عاميت فرار الطيار المصري ثروة هائلة، ستدفع ربما بأحدهم من طياري الميج 21 الى تقليده، والهرب بطائرته الأسطورية لإسرائيل وعلى هذا ترك مصير الطيار المذعور الى أن يقول الأمريكيين رأيهم النهائي.

وحينما تلقت الـ C.I.A. تقريراً وافياً بما تم التوصل اليه، حتى اتصل رئيس المخابرات المركزية (1) بعاميت، يطلب منه مساعدة فريق من الفنيين، سيبعث به الى تل أبيب لاستجواب الطيار المصري، واستبيان صدقه من عدمه.

كانت الـ C.I.A. هي الأخرى، تحمل قدراً كبيراً من الشكوك تجاه الحدث، وتعلقت بأذهان رجالها صور الخداع التي مورست بأساليب تمويهية خارقة أيام الحرب العالمية الثانية، وأيضاً التطور الشاسع لجهاز الاستخبارات السوفييتي، والذي قد يكون وراء العملية كلها، لأسباب استراتيجية بحتة، لإحكام إحدى العمليات المخابراتية مع نشوب الحرب الباردة بين الدولتين العظميين.

ومن مطار اللد في تل أبيب، اتجه فريق الفنيين الأمريكي الى مقر الموساد الجديد، حيث العشرات من خبرائها انعزلوا عن العالم المحيط بهم، وعكفوا على دراسة وتحليل كل كلمة تفوه بها عباس حلمي، ومراجعة قياسات جهاز كشف الكذب من جديد.

هكذا جيء بالطيار المصري فصافحه الأمريكان بود، وأوصلوا رأسه وصدره مرة ثانية بجهاز حديث استقدموه معهم، كان بحجم حقيبة السفر، وذو قياسات تحليلية أفضل. وسألوه مباشرة:

أي نوع آخر من الطائرات طرت بها بخلاف الميج 21 . . ؟

أجاب دون تردد:
السوخوي . . السوخوي الاعتراضية SU-9، والسوخوي SU-7B ذات المقعدين.

سُئل:
ما الفرق بينهما طولاً وعرضاً. . ؟

أجاب:
لا فرق في الطول بينهما فطول كلاهما 17 متراً، وأقصى عرض للأولى 8 متر، والثانية 9 متر، والجناح مسحوب للخلف.

سُئل:
ما تسليح السوخوي SU-9 من الصواريخ. . ؟

أجاب:
عادة صواريخ ANAB جو / جو، التي توجه رادرياً وبالأشعة دون الحمراء . . !!

سُئل:
بما تحلل تساوي مساحة الدرع الواقي من انفجار الطلقات على جانبي جسم الطائرتين. . ؟

أجاب:
السؤال به خطأ، ففي السوخوي SU-7B التي أنتجت مؤخراً زيادة في مساحة الدرع الواقي بجوار المدفع "وهذا يدل على أن المدفع المركب بها، إما أن تكون سرعة الطلقة عند فوهة الماسورة عالية، أو أن معدل كثافة النيران مرتفع جداً".

سُئل:
كم فرملة هوائية في كل طائرة. . ؟

أجاب:
فرملتان في SU-7B وأربعة فرامل في الطائرة SU-9 في أزواج على جانبي مؤخرة الجسم.

سُئل:
ارسم شكلاً لعدادات الطائرة السوخوي SU-9 مبيناً عدادا سرعة الانهيار بدون قلابات، وعداد معدل التسلق على مستوى سطح البحر.

وبعدما رسم أشكالاً مختلفة لعدادات الطائرة، وأذرع التشغيل، طلب منه أن يرسم الأشكال نفسها الخاصة بالميج 21، وتوضيح عدادات التحميل، وأذرع القنابل والصواريخ والمدافع، ومبيّنات الأجزاء الهيدروليكية، والرادار وخواصه التكتيكية والفنية، وهوائي الرادار وكيفية تلاشي الإعاقة، وزاوية تشغيله يدوياً وهيدروليكياً، وعمله في التفتيش والمسح الواسع، والمسح الضيق في نطاق 45 درجة، وكذا شاشة المرسل النبضي ومبينات الاستعداد للهجوم، ومقدمات القذف الصاروخي والتشغيل. وبتفصيل فني شديد طلب منه أيضاً رسومات توضيحية لمفاتيح المناورة الحادة، والاشتباكات الجوية والقصف جو / جو، وجو / أرض، ووضع الاقتراب الدقيق والتتبع، وتقنيات الشاشات الملاحية الرادارية والتليفزيونية، ورادار قياس الارتفاعات ووصف المبين، ولوحة البيان بأقسامها العشرة العلوية والسفلية، وشاشة الخطر.



وجاءوا به في صندوق
هكذا عُصر الطيار المصري عصراً بواسطة خبراء الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد ستة ساعات تقريباً أنهوا استجوابهم، وأكدوا للإسرائيليين أنه من المستحيل أن يكون مدسوساً عليهم، فهو طيار ماهر جداً، وحاصل على دورات تدريبية عديدة في موسكو، ولا يمكن أن يضحي المصريون بطيار في خبرته، من أجل عملية مخابراتية خداعية.

وبإخضاع عباس محمود حلمي للتحليل النفسي بواسطة متخصصون، وجد أنه أصيب بصدمة عصبية حادة ، انهارت لها أعصابه وبلغت مرحلة الخور Asthenia، نتيجة انحدار Decline مقاومته وإرادته، أوصلت به الى حالة مرضية عقلية – يمكن علاجها – تسمى علمياً "تبدلات الطبع" Alterations in charator، وهي حالة تدفع المريض الى الاكتئاب والإهمال في العمل، وعدم الاهتمام بأسرته أو مظهره، وقد يرتكب سرقات خفيفة أو يستعرض نفسه.

. . بيد أن قصة هروب الطيار المصري الى إسرائيل، أشارت اليها في حينها بعض وسائل الإعلام العربية، المنحازة لإسرائيل، على أنها عملية مخابراتية بارعة، خططت لها الموساد في واحدة من أروع عملياتها، التي دفعت بها الى نهايتها. ورُوِّجت أقاويل شتى عن كفاءة المخابرات الإسرائيلية، التي تطول عملياتها عمق النسيج العربي، وتخترق إجراءاته الأمنية الصارمة.

ورد مسؤول مخابراتي إسرائيلي على تلك الأقاويل بالنفي القاطع، مؤكداً أن هروب عباس حلمي كان لسبب أيديولوجي بحت لا دخل فيه لإسرائيل، وأضاف معلقاً بأن الحكومات العربية تروج لشعارات قومية كاذبة، لا يصدقها عقلاء، لأن لا وجود لها على أرض الواقع، وأن إسرائيل هي واحة الديموقراطية في المنطقة، وأبوابها مفتوحة لكل إنسان حر شريف، يسعى الى حياة مطمئنة تفيض بالأمن والرخاء.

وقال المسؤول الإسرائيلي أيضاً، أن الطيار المصري والمئات غيره من المواطنين العرب، الذين اختاروا اللجوء لإسرائيل، يعيشون بين أهليهم في وطنهم الجديد في دعة واطمئنان، وبرغم كون إسرائيل دولة صغيرة المساحة، إلا أن سكانها، وهم ينتمون الى خلفيات عرقية ودينية وثقافية واجتماعية متباينة، ذوي التزام خلاق في إعطاء زخم ديناميكي لاستمرار تطور المجتمع، وفقاً لمبادئ الصهيونية وهي الحركة القومية للشعب اليهودي.

وعلق مسؤول بوزارة الخارجية قائلاً:
إنه منذ حققت إسرائيل الاستقلال السياسي، توافدت على البلاد جماعات كبيرة من البشر، مما أدى الى تغيير التركيبة الاجتماعية الإسرائيلية ونسيجها، وكانت النتيجة أن تبلورت تركيبة جديدة، هي بمثابة مزيج من القيم، والأسس الاجتماعية لتكون الدولة التي واجهت مشاكل أمنية معقدة، نجمت عن إصرار الجانب العربي على رفض الاعتراف بإسرائيل.

ومع ذلك . . فنحن نرحب بكل من يلجأ الينا من إخواننا العرب، للانضمام الى نسيج المجتمع الإسرائيلي، الذي يحترم الأديان ويساوي بينها.

أما في القاهرة، فلم يعلق الجهاز الإعلامي المصري على الحدث علنياً، بينما التزم رئيس المخابرات العامة – صلاح نصر – الصمت.

هذا الصمت كان يحمل كل دلالات الترقب للانقضاض والانتقام، ويخفي وراءه أشرس معركة سرية، تعد بحق من أروع أعمال البطولات الخارقة لمخابراتنا، عندما خطط صلاح نصر ورجاله لاستعادة الطيار الهارب، وكانت الأوامر واضحة وحاسمة: لا بد من اختطاف عباس حلمي ومحاكمته في القاهرة، مهما تكلف الأمر . . (!!) إنها رغبة عليا وواجب وطني، ومعركة.

وهذا ما حدث بالفعل بعد ذلك بقليل، إذ جيء به في صندوق من الأرجنتين ، حيث تم تعقبه من إسرائيل حتى هناك، بالرغم من العمليات التجميلية التي أجراها له الإسرائيليون لتبديل ملامحه، والدروس الأمنية في الإخفاء والتمويه لتحصينه ضد الوقوع في خطأ يؤدي الى كشفه، بالإضافة الى الهوية الجديدة التي تخفى وراءها. .وكانت عملية اختطافه من القارة البعيدة لطمة صاعقة لأجهزة مخابرات إسرائيل.

كيف تم ذلك. . ؟ هذه هي المعجزة العبقرية لرجال مخابراتنا العربية الذين يعملون صامتين في مبناهم المنيف، تحطيهم السرية، ولا تفرحهم الضجة الإعلامية لبطولاتهم، فهم لا يفكرون سوى بأمن مصر، وعزتها. . !!
يتبع..

الضبع 04-06-2008 10:24 AM

سحب حزام بنطلونه وأخذ يضربها بعنف . .

وكان يتعجب لأن ضرباته كانت تزداد قوة . .


في حين أن صراخها يكاد ألا يُسمع . .

وفي غمرة ثورته انفتح باب الغرفة فجأة . .

وأطلق زملاؤها رصاصات مسدساتهم الكاتمة للصوت . .

فسقط الطيار العراقي . .

وعيناه ترمقان في حسرة وألم . .

أبناء وطنه الثلاثة . . ! !



الأعصاب المرتجفة
كان الجو مشحوناً بالغضب، ينبؤ بعاصفة عاتية قد تحيل الاجتماع الى معركة، فمائير عاميت ببذته العسكرية يتفرس وجه مساعده ياكوف كاروز [1]بنظرات نارية، بينما كاروز تنطلق منه الكلمات كالمدافع، معارضاً فكرة رئيسه في اللجوء الى عملائهم في موسكو، لرصد الطيارين العرب المتواجدين هناك، في دورات تدريبية.


عزز كاروز معارضته بسرد طويل لأعمال المخابرات السوفييتية ضد إسرائيل، والتي بدأت حتى قبل إعلان الدولة عام 1948، مستشهداً بآخر الفضائح المأساوية التي هزت إسرائيل وزلزلتها، بانكشاف خيانة إسرائيل بير. [2]

انطلق كاروز يفند أسباب معارضته، بينما لم يبعد عاميت عن عقله كون كاروز من أقرب المتعاطفين مع عدوه إيسير هاريل، وأكثرهم حنقاً لاحتلاله منصبه. فبرغم اختياره مساعداً له لامتصاص غضب أشياع هاريل، إلا أنه كان كثير الولاء لسلفه، وكان يجاهر بذلك في وقاحة.

قال كاروز:
كانت المخابرات السوفييتية دائماً تتجسس علينا، وتعتبر أن إسرائيل ذات أفضلية في عمل الاستخابارات، معتمدة في اختراقها لأمننا على العدد الكبير من المهاجرين السوفييت، والكتلة الشرقية، الذين وصلوا الى البلاد منذ الاستقلال. وفي نهاية عام 1947 شكلت مجموعة خاصة من الـ K.G.B. لتدريب هؤلاء المهاجرين اليهود للعمل في "فلسطين" – أقصد – قبل إعلان دولة إسرائيل – وترأس إحدى هذه المجموعات المقدم فلاديمير فيرتيبركوف، وكذلك العقيد ألكسندر كوروتكوف، ونظراً لتميزهما رقياً الى رتبة جنرال، وأصبح فيرتيبركوف رئيساً للمخابرات السوفييتية في تل أبيب، مستخدماً اسم "العم فولوديا" بين أصحابه.


وقال الرئيس الأسطورة – إيسير هاريل – (يقصد مضايقة عاميت) بعد ذلك: (كان المهاجرون يخبروننا حال وصولهم، ونقول لهم إهدأوا، والآن بعدما أخبرتمونا، ما هي مماسكهم عليكم. . ؟ إذا ضغطوا عليكم الآن قولوا لهم فلتذهبوا الى الجحيم).

وأضاف كاروز في انفعال:
نشر في كتاب (الدم والنفط والرمال) [3]: (على رغم الغربلة الشديدة، فقد تضمنت موجات المهاجرين السوفييت الى إسرائيل، رجالاً ونساءً كرسوا أنفسهم للإطاحة بالحكومة الإسرائيلية، وإنشاء دولة شيوعية في قلب الشرق الأوسط). لقد تخلى الكرملين عن دعمه لنا، ولجأ الى إقامة علاقات صداقة مع العرب، مخططاً لعزل الأقلية اليهودية في الاتحاد السوفييتي.


وكأنه ممثل يؤدي دوراً على المسرح:
ألا تذكر يا سيدي الرئيس حالة القلق التي انتابت الروس، إزاء الاستقبال الحاشد الذي نظمه يهود موسكو لجولدا مائير، أول ممثل لإسرائيل في الاتحاد السوفييتي.. ؟ لقد أخذتهم المفاجأة يومها وأدهشتهم .. ألا تذكر أيضاً "زئيف أفني" [4] موظفنا في السفارة الإسرائيلية ببلغراد، وماذا فعل معه الروس. .؟ أليس هذا دليلاً على نوايا السوفييت تجاه دولتنا. .؟


وهل نسينا قضية "أهارون كوهين" [5] ايضاً، لكي نجيء اليوم ونناقش عملية كهذه في بلد يعمل كل شعبه جواسيس ومخبرين لصالح جهاز مخابراتهم. . ؟

صرخ عاميت محتداً:
كفى . . كفى . . أتعطي تلامذتك محاضرة يا كاروز . . ؟ ألم تتعب من الكلام . . ؟


علق كاروز غاضباً:
إنني أحاول أن أبرهن بالأدلة، أننا لن ننجح قط في موسكو، وبدلاً من إضاعة الوقت هباء، علينا أ، نعتمد على رجالنا في فرنسا، ونطلب منهم تسخير جهودهم في البحث عن طيارين عرب، يتلقون دورات في أكاديميات أوروبا، أو يقومون بزيارات سياحية هناك.


انفجر عاميت في مساعده:
أنت تضايقني بغبائك أيها الأبله، أوتظن أنني أجهل نواياك الخبيثة، لا تنتظر مني أن أبعث بك الى باريس، وقد أكل قلبك الحنين الى مواخيرها. إن رجالنا في كل أوروبا يجوبون كل شبر، يتشممون كالكلاب البوليسية رائحة كل عربي، وينقبون الفنادق والمتاجر والمطارات عن ضالتنا، التي لم تظهر بعد. ترى هل وجودك هناك سيؤدي الى نتيجة أفضل. . ؟ لا أعتقد. . لكنني على ثقة من أن صمتك خير علاج لغرورك. .


وبينما الاجتماع العاصف منعقد، دخل أحد الموظفين وناول عاميت ورقة، ما إن قرأ كلماتها القليلة حتى تهلل وجهه، وضرب بيده المكتب بقوة وهو يصيح:
مدهش . . عظيم جداً.


هتف أحد الضباط:
ما الخبر سيدي الجنرال. . ؟


انتصب عاميت واقفاً ثم اتكأ على الطاولة وهو يحدق في الوجوه المترقبة، وبصوت خفيض وصلت حروفه واضحة لكل أركان قاعة الاجتماعات، وقال:
أيها السادة . . أبشركم بوصول إحدى طائرات الميج 21 قريباً.


ألجمت عبارته كبار ضباطه . . ومرت لحظات صمت كانوا أثناءها يستوعبون الخبر الذي انتظروه طويلاً قبلما يستفسر أحدهم:
بالله عليك يا سيدي إن أعصابنا تغلي . . هلا أطلعتنا على التفاصيل . . ؟


أمسك عاميت بالورقة وراح يقرأها بإمعان من جديد، وكأنما هيئ إليه هو الأخر أنه لا يصدق ما تحويه الرسالة. . وسأل:
ليقل لي أحدكم ما اسم الشفرى لجيمس بوند [6]. . ؟


أجاب أحدهم في دهشة:
007 . .


فأزاح الورقة ناحية كاروز وهو يردد:
يجب أن نخطط الآن للعملية 007 . . لأنها ستكون فخر إسرائيل لعقود قادمة. .


كانت الأنظار قد تعلقت بشفتي كاروز، فقرأ جملة صغيرة لا تعني للبعض منا شيئاً، لكنها رجرجت عقول كبار رجال الموساد، فقاموا يتعانقون فرحين مستبشرين، وانعقد في التو اجتماع طارئ لوضع الخطوط الرئيسية للعملية، ودراسة جوانبها المختلفة.

أما البرقية المثيرة فقد بعثها "جون ميكون" مدير جهاز المخابرات المركزية، وزيلها بإمضاء "بوب"، فقد جاء فيها:

"افتتحنا مدرسة لتعليم اللغة المنغولية [7]. . ونريد تعاونكم".

لم يقو عاميت على الانتظار ليحصل على قسط من الراحة بعد الاجتماعات التي اهلكته طوال النهار، وفضل أن يطير الى نيويورك على وجه السرعة للقاء ميكون، وما أن أرتمي على مقعده بالطائرة، حتى أغمض عينيه وأرخى مسند كرسيه عن آخره، واستسلم لسلطان الكرى.

لقد أضفت الدعاية الإعلامية الصهيونية المركزة على العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية الأخيرة، أشكالاً أسطورية خارقة رفعت من اسم الموساد، ووضعته على قائمة أجهزة المخابرات في العالم. وكان معنى طلب الـ C.I.A. التعاون والتنسيق، هو الثقة العالية التي يوليها جهاز المخابرات المركزية في الموساد، وفي قدرة رجالها على ابتداع أعجب الحيل، وأشدها غرابة لإنجاز مهام صعبة معقدة.

فعملية اختطاف النازي الأسبق – أدولف إيخمان – من الأرجنتين، وبالطريقة المثيرة التي رسمتها الدعاية، تحير أمامها كبار رجال المخابرات في شتى الأمم، واعتبرت العملية لغرابتها ولدقة الرصد والتنفيذ والتمويه، عملاً مخابراتياً عبقرياً لا ترقى أجهزة الاستخبارات الكبرى لمستواه.

لكل هذه الاعتبارات، كان مائير عاميت يدرك مدى ثقة رجال المخابرات الأمريكية بالموساد، وحاجتهم اليها في الوصول لأسرار الميج 21، ونظراً للتعاون الوثيق بينهما وتشابك المصالح والاهتمامات، فقد كانت الرغبة مشتركة يحدها هدف واحد، وإيمان عميق بالأمن والتفوق.

وفي مكتبه بضاحية لانجلي [8]، استقبل جون ميكون ضيفه – عاميت – بحفاوة، وأطلعه على تقرير السفير الأمريكي في بغداد، عن رغبة الحكومة العراقية في إرسال ستة عشر طياراً حربياً لأمريكا، لنيل دورات تدريبية في زيادة الكفاءة وقيادة التشكيل، وقال لعاميت بأن الطيارين العراقيين سيتدربون لأربعة أشهر في قاعدة تكساس الجوية، وأن وصولهم للبلاد سيكون في مستهل العام الجديد، 1965.

وأوضح ميكون، أنه اقترح لتدريبهم قاعدة تكساس [9] بالذات لدواع أمنية تساعد كثيراً على استقطاب أحدهم وتوريطه. ولما أطلع عاميت على قائمة أسماء الطيارين، قرر العودة على الفور لإسرائيل لجمع المعلومات عنهم، من خلال ما يتوافر لديهم من معلومات، ومن خلال عملائهم ببغداد.

وبرغم برودة الطقس في ديسمبر 1964، كانت الحرارة مرتفعة بشرايين الموساد، فتذيب جليد الجمود في أجهزة الكمبيوتر الحديثة التي طورها "بنمان" [10] وخصصت حجرة خاصة لبعضها، حوت ملفات دقيقة عن الطيارين العرب في مصر وسوريا والعراق.



الزلزال
منه تولى عاميت قيادة الموساد، وكان يضع آمالاً كبيرة في جاسوسين لإسرائيل في كل من مصر وسوريا، وقد كانا وقتذاك في أوج نشاطيهما التجسسي في خدمة الصهيونية، داخل أهم بلدين عربيين يهددان أمن إسرائيل ويطوقانها.


ففي مصر . . زرع وولفجانجد لوتز ، وبواسطة الساتر الذي اتخذه لنفسه – تربية الخيول وتعليم الفروسية – تغلغل داخل طبقات المجتمع الراقي، ووطد علاقاته ببعض ضباط الجيش ورجالات السياسة والدبلوماسيين، وبمعاونة زوجته "وولترود" في التجسس، استطاع أن يمد الموساد بمعلومات حيوية خطيرة، وأن يسهم بشكل ملحوظ، في عملية إرهاب العلماء الألمان في مصر، وكان بحثه دءوباً لتصيد طيار مصري، وعلى مدى خمس سنوات في القاهرة، فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، وكانت إجاباته دائماً: "إن الطيارين المصريين من الصعب اقتحامهم واللعب بعقولهم، فهم يحيون حياة معيشية رغدة، ويعاملوا باحترام زائد يفوق الوصف".

أما في سوريا . . فكان هناك إيلي كوهين الجاسوس الداهية الذي أطلق عليه في إسرائيل "سيد جواسيس الموساد". كان إيلي كوهين أيضاً على اتصال بالضباط السوريين وبقيادات عليا في قصر الرئاسة، على رأسهم الرئيس السوري اللواء أمين الحافظ.

وطوال ثلاثة أعوام وثمانية أيام في دمشق، صادفه أيضاً الفشل في الإيقاع بطيار سوري، يقبل الهرب بطائرته الميج 21 لإسرائيل. . وساق لرؤسائه في الموساد الأسباب نفسها التي ساقها لوتز. . وكان ذلك الأمر يؤرقه كثيراً. .فقد وصلت ثقته بنفسه في سوريا الى درجة الهوس.. تلك الثقة التي هي دائماً مكمن الخطر. .وعلاممة لقرب لحظة السقوط.

أما في العراق. . فبرغم ازدياد النشاط التجسسي الإسرائيلي، واجه عملاء الموساد في بغداد صعوبات كبيرة في تجنيد طيار عراقي . .وكثف "عزرا ناجي زلخا" ) – أكثر جواسيس الموساد دموية – جهده لذات الغرض بلا فائدة. . لكنه أمد إسرائيل بما لم تحلم به أبداً أو تصدقه، فقد استطاع الحصول على معلومات وصور وخرائط لشبكات الصواريخ العراقية، ومرابض الطائرات الحربية وعنابرها، وعبأ كيساً بالخلطة الأسفلتية للمرات، بخلاف الوثائق واللوحات الهندسية للقواعد الأرضية والجوية، وهجّر أكثر من مائة وأربعون يهودياً الى إسرائيل عبر إيران.

وحين عاد مائير عاميت الى تل أبيب، يفيض بهجة ونشوة، صفعته الفاجعة ومادت به الأرض، وتقوض منبع الأسرار الذي كان يتدفق من دمشق.

ففي الثامن عشر من يناير 1965، سقط إيلي كوهين في قبضة أحمد السويداني مدير فرع المخابرات السورية، وارتطمت آمال الموساد بالخوف. فها هو سيد الجواسيس في الأغلال، وها هي ناديا كوهين – زوجته – تصم صراخاتها الآذان، فيهرع إليها بن جوريون وكبار رجال الدولة، وهزت المأساة إسرائيل هزاً من الأعماق، فأمين الحافظ الذي خدعه كوهين كان على قمة السلطة في سوريا، وحتماً سينتقم لكرامته.

لذلك نسى عاميت – مؤقتاً – أمر الميج 21 وانشغل بإيلي كوهين، وبجواسيس الموساد الآخرين الذين بثوا رسائلهم المليئة بالخوف والهلع، وكان على عاميت ورجاله مسؤولية تهدئتهم، وتسكين روعهم. فسقوط جاسوس يصيب زملاءه الآخرين في ذات البلد بالرعب، وهذا مدعاة لأن يعرضهم للسقوط السهل السريع.

ومع المحاولات الدولية العديدة لإنقاذ كوهين، رفض السوريون مجرد مناقشة الأمر، وطرد وزير الداخلية السوري من مكتبه أحد المسؤولين الدوليين، عندما تقدم بعروض مغرية مقابل إنقاذ رقبة كوهين.

كانت سحابات القلق تخيم على الموساد، وتتوالى الرسائل الى سائر العملاء تأمرهم بالتوقف عن العمل، وتوخي الحذر واتباع وسائل الأمن لحماية أنفسهم، لكن يبدو أن بعضهم فقد أعصابه، وأصبح عرضة للسقوط المدوي، السريع.

وبدلاً من أن يزف رئيس الـ C.I.A.، جون ميكون، لنظيره عاميت، قرب وصول الطيارين العراقيين في 18 فبراير، أخبره عن كارثة سقوط جاسوسين سوريين ، يعدان من أمهر رجالهم في دمشق، وكانت الضربات المتتالية تزيد عاميت تآكلاً، وهو الذي يبحث عن ضربة هائلة، تصنع له تاريخاً في الموساد، كما فعل إيسير هاريل من قبله.

لكن عاميت لم يكن يدري ما تخبئه له الأقدار، وكانت تنتظره "ضربة" بالفعل، سحقت بقية ما لديه من جلد، وجرفته الى جُب مظلم عميق يأخذ بمجامعه.

فبعد خمسة وثلاثون يوماً فقط من سقوط إيلي كوهين، وفي 22 فبراير 1965، سقط وولفجانج لوتز في القاهرة ومعه زوجته، وسبقطوهما تسقط أيضاً عزيممة جواسيس بنو صهيون في كل مكان، وتغوص إرادتهم الى الحضيض، ويستدعي رئيس الوزراء عاميت ويوبّخه بشدة، ويتهمه بالكسل والغباء، واصفاً إياه بأنه شتينكزم جدير بالازدراء، ويبدي ليفي أشكول ندمه الشديد لأنه وثق به، مهدداً صراحة بطرده كالكلب الأبرص والمجيء بإيسير هاريل ثانية مكانه.

لم يكن عاميت يكره أحداً أكثر من هاريل، إنه الخصم اللدود الذي يتربص به، ويتحين الفرصة للانقضاض عليه في أية لحظة، وها هي الضربات المؤثرة تتلاحق، وتكاد تعصف بمستقبله، وتعجل بالاستغناء عن خدماته، ليضيف هاريل مجداً جديداً الى أمجاده، ويسطع نجمه من جديد في الآفاق، فيثوب عاميت غيظاً وغضباً، وهو يكاد يفقد عقله، واتزانه.

لذلك .. أسرع يائساً مهموماً الى صديقه ميكون، المهموم أيضاً، يتلمس عنده بعض الأمل، ويتدارس مع مساعده، رأى كلاين، خطوات العملية 007، خاصة وقد وصل الطيارين العراقيين لأمريكا بالفعل، يحيط بهم سياج من الأمن العراقي، المستتر في هيئة طباخين وإداريين.

هذه المرة. . عاميت الى تل أبيب، يحمل صورة فوتوغرافية لكل طيار عراقي من أعضاء البعثة، وملف متكامل عن كل واحد منهم، فيختصر بذلك مساحة واسعة من الوقت في البحث والدراسة والتحليل.

وفي واحدة من أشرس المعارك السرية التي خاضها عاميت، عزم على اللعب بكل الأوتار، والسبل، وما كان يملك من هذا ولا ذاك سوى لعبة واحدة.. أجادت الموساد استخدامها وكانت نتائجها مدهشة.

إنها لعبة الجنس، فلا شيء سواها يلين لها الحديد وينصهر، فنساء الموساد الفاتنات في انتظار إشارة البدء، بعدها يطبقن نظريات الإثارة التي أجدنها، واحترفنها بمهارة تفوق الوصف، وكان المطلوب أولاً مراقبة الطيارين العراقيين في أمريكا، وملاحظة سلوكهم، واختيار اثنين منهم فقط يتم التركيز عليهما، والدفع بصواريخ بشرية تفجر فيهما المقاومة، والإرادة، وتنزع منهما جذور خلايا العقل والرشاد.

وبعد دراسات تحليلية ساعد على بنائها خبراء متخصصون، نتيجة مراقبات دقيقة للطيارين العراقيين، استقر الرأي حول ثلاثة منهم، هم:

النقيب طيار شاكر محمود يوسف . .

وكان مغامراً، ينتهز أجازاته لتصيد الفتيات في أماكن اللهو، ويعشق الجنس الى حد الإدمان، بالرغم من زواجه في بغداد. لهذا السبب وقع الاختيار عليه، لكونه صيد سهل امتلاكه.

الملازم أول طيار حامد ضاحي. .

وكان متديناً خجولاً لا يصاحب الفتيات. .ولا يقيم علاقات جنسية . .لكنه لم يكن انطوائياً منعزلاً.. بل كان يرتاد البارات ونوادي الليل وإن كان لا يشرب الخمر.

وقع الاختيار عليه أيضاً لأنه يفتقد الى الخبرة في العلاقات الخاصة، ويسهل تطويعه بواسطة فتاة رومانسية حالمة.

النقيب طيار منير روفا. .

وهو الطيار الوحيد المسيحي بين الطيارين العراقيين، وكان على رأس القائمة في بداية الفرز الأولى، بسبب سهولة استغلال لعبة العقائد والأقليات في عالم الجاسوسية. . لكن لوحظ انكماشه الملفت وملازمته للقاعدة الجوية حتى أنه لا يغادرها في أجازاته الأسبوعية، والتصاقه الدائم بقائد البعثة لكي يحظى بتقرير ممتاز في السلوك، مما يمنحه فرصاً أكبر مستقبلاً في الميزات والترقي.

وظل منير روفا المطلوب رقم واحد لوقت طويل، لكن لما فشلت تقريباً كل الفرص المتاحة كي يتحرر روفا بعض الشيء، أو يبتعد عن الرقابة المفرطة التي تحاصره، استبعد من القائمة، وانحصر الاختيار في النهاية على زميليه شاكر وحامد.. وكان أيضاً – كروفا – من طياري الميج 21، حيث يسعى شاكر للحصول على دورة قائد تشكيل، ويتدرب حامد لزيادة كفاءته كقائد طائرة حربية نفاثة.


ولد يوهان وولفجانج سيجموند لوتز عام 1921 في مانهايم بألمانيا، أمه يهودية وأبوه ألماني مسيحي، هربت به أمه الى إسرائيل وبدلت اسمه الى زيف جور أرييه، وكلمة زيف بالعبرية تعني وولف . . أي: ذئب. درس في مدرسة الزراعة بتل أبيب ولحبه للخيول أطلق عليه لقب: سوس . وهي تعني بالعبرية: حصان. أرسل الى مصر للتجسس عام 1960 كألماني يهوى الخيول.. وكان يبث رسائله بواسطة جهاز إرسال يخبئه بكعب حذاء الفروسية. .وفي يونيو 1961 تزوج من ألمانية شقراء أحبته وعاونته في التجسس واعتقلا في 22/2/1965 وحكم عليها بالمؤبد، ثم تمت مبادلتهما عام 1968 ببعض الأسرى المصريين. الغريب أن لوتز لم يعترف بأنه يتجسس لصالح إسرائيل. وظل على اعترافه بأنه يتجسس لصالح ألمانيا، ولكي يؤكد ذلك، خلع ملابسه الداخلية وكشف عورته، وكشف عورته، وتبين أنه لم يختتن، وبهذه الحيلة أنقذ نفسه من الإعدام، ذلك لأن الاختتان أمر مقدس شرعي في الديانة اليهودية، ويلتزم به اليهود التزاماً لا يقبل المناقشة.

ولد إيلي كوهين بالإسكندرية عام 1924، وهاجر عام 1956 الى إسرائيل، وانضم هناك الى الوحدة 131 في المخابرات العسكرية والتي ضمها عاميت الى الموساد عندما تولى رئاستها.

وفي 3 مارس 1961 أرسل بكوهين الى الأرجنتين يحمل اسم: كامل أمين ثابت بغية التجسس على سوريا، حيث تعرف بالسوريين هناك وكان من بينهم أمين الحافظ الذي تولى الرئاسة في سوريا بعد ذلك. وفي 10 يناير 1962 وصل الى دمشق ومارس عمله في التجسس على أوسع نطاق وسافر الى إسرائيل للمرة الأخيرة في نوفمبر 1964 ينتظر مولوده الثالث من زوجته ناديا وهي يهودية عراقية، واعتقل في 18 يناير 1965 وفشلت جهود دولية وأكثر من مائة وساطة لإنقاذه، لكن أمين الحافظ أصر على إعدامه.. وأعدم شنقاً في 18 مايو 1965 بساحة المرّجة في دمشق ومكث أربعة أيام معلقاً في المشنقة للتشفي، حتى انتفخ بطنه وفاحت رائحته النتنة.

عزرا ناجي زلخا – يهودي عراقي ولد عام 1927 وحصل على عمل بوزارة التجارة، وتزوج عام 1953 من "روان" اليهودية الساحرة، التي دفع مهرها وثيقة خيانته للعراق، وتدرب على يد عميل للموساد "إيراني الجنسية" وكانت مهامه في البداية العمل على تهجير اليهود، ثم انخرط هو وزوجته في البحث عن الأسرار العسكرية والعسكريين، وبواسطة زوجته مارس نشاطاً تجسسياً واسعاً حيث تمكنت وحدها من تجنيد 13 عراقياً سيطرت عليهم بفتنتها، وسقطت شبكة عزرا عام 1966 حيث أعدمت معه زوجته بالشنق إضافة الى تسعة آخرين، وبالرصاص لخمسة ضباط عسكريين.

العقيد أحمد السويداني، رئيس مكتب الشعبة الثانية في دمشق "المخابرات" وكان حاد الذكاء فطن ومهووس بالعمل الاستخباراتي، ذهب بنفسه الى موسكو ليجيء بسيارة ذات تقنية عالية، مزودة بأجهزة التتبع لترددات اللاسلكي، وصدقت شكوكه في كامل أمين ثابت "إيلي كوهين"، الذي رصدت السيارة رسائله اللاسلكية الى إسرائيل، وعندما اقتحم شقته مع رجاله، تمكن من ضبط جهازي إرسال، وسائر أدوات التجسس الأخرى.

في اليوم التالي لاعتقال إيلي كوهين، اعتقل السوريون الجاسوسين: فرحان الأتاسي وعبدالمعين حاكمي، وكانا يعملان لصالح المخابرات الأمريكية، ونشطا في التحري عن أسرار سلاح الصواريخ في الجيش السوري، وفي محاكمة سريعة حكم عليهما بالإعدام شنقاً، وخلال المحاكمة وبعدها، حاولت الدبلوماسية الأمريكية إنقاذ الأتاسي، الذي كان يحمل الجنسية الأمريكية بالزواج، ورفض وزير الخارجية الدكتور حسان مريود مقابلة السفير الأمريكي، رغم إلحاحه الدائم، ورغم تدخلات سفراء آخرين، وقال حسان مريود أنه من حق كل دولة أن تدافع عن أمنها، وأن تحكم على الخونة والجواسيس بالعقوبات التي تراها مناسبة. وكان هذا الرد أكثر مما تتحمله الغطرسة الأمريكية، وفي 24/2/1965، أعدم الأتاسي والحاكمي شنقاً بميدان المرجّة في دمشق على مرأى من الجماهير ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، وطرد دبلوماسي أمريكي اسمه ستيدون من سوريا، كان أحد رجال الـ C.I.A. المتورطين في عملية التجسس.

شتينكزم – كلمة عبرية مستعارة من الكلمة الإنجليزية Stinking وتعني: النتن، أو الشخص الحقير ذو الرائحة القذرة.

[1] ياكوف كاروز (يعقوب): كان رئيس دائرة الارتباط والعمل السياسي للموساد في باريس أيام إيسير هاريل، ومن أخص خلصائه ومؤيديه، وكان يعمل في الموساد (كدبلوماسي بديل) منذ 1953، وشارك في عملية اختطاف إيخمان عام 1960. اختاره عاميت مساعداً له وفي 1965 فرض عليه عاميت قيوداً في الاطلاع على الوثائق السرية، لأنه كان ما يزال (خادماً مطيعاً) لهاريل.

[2] إسرائيل بير: ولد في فيينا عام 1912 وهاجر في 1938 الى إسرائيل، وترقى في المناصب العسكرية سريعاً ووصل الى منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش، ثم عمل بالدراسات العسكرية وعنى بالنشر في الصحف، واختاره بن جوريون مساعداً له وكلفه بكتابة التاريخ الرسمي لحرب 1948، وتمتع بير بالاطلاع على الأرشيف السري للدولة، وكان مكتبه في مبنى وزارة الدفاع. ألقي القبض عليه في يناير 1961 بتهمة التجسس لصالح السوفييت وتوفي بالسجن في مايو 1966، وكان قد سرق مذكرات بن جوريون وسرب وثائق غاية في الأهمية، وعام 1975 أعلنت القاهرة أن بير كان يعمل لصالح مصر، وأن المخابرات العامة المصرية كانت تمده بالمال عن طريق عشيقته ديانا ذهابي.

[3] الدم والنفط والرمال: كتاب للمؤلف الأمريكي "راي بروك" نشر في نيويورك عام 1952.

[4] زئيف أفني: يهودي ولد في سويسرا واشتهر باسم جولد شتاين، وهاجر في 1948 لإسرائيل وعمل كخبير اقتصادي ثم كملحق تجاري في أوروبا، وجنده السوفييت عام 1956 لصالحهم الى أن كشف المخابرات الإسرائيلية أمره، وحكم عليه بالسجن 15 عاماً.

[5] أهارون كوهين: كان أحد قادة حزب مابام وخبيراً في الشون العربية، اتهم عام 1961 بالتجسس لصالح الروس وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، وأثيرت ضجة إعلامية وسياسية بسببه، خففت بعدها العقوبة الى نصف المدة

[6] جيمس بوند: أو العميل السري 007 . . شخصية وهمية تحمل صفات رجل المخابرات البريطاني الذي يحمل تصريحاً بالقتل License to kill، ويعتمد على التقنية العملية العالية في تنفيذ العمليات السرية، مبتكر الشخصية هو إيان فليمنج (1908 – 1964) وهو ابن أحد ضباط الجيش البريطاني، درس فليمنج في الأكاديمية العسكرية وعمل مراسلاً صحفياً في موسكو ثم في المخابرات البحرية البريطانية 1945 – 1959، ثم مديراً لصحيفة Times وكان أول فيلم عن إحدى رواياته قد نجح نجاحاً مبهراً وهو "كازينو رويال" عام 1954 ثم "مع حبي من روسيا"، و "دكتور نو"، وآخر أفلام جيمس بوند التي كتبها فليمنج هو "سوف تعيش مرتين" في 1964، وبعد وفاته استمرت سلسلة أفلام جيمس بوند باشتراك مجموعة من المؤلفين في صياغة الروايات على غرار أسلوب مبتكرها وطريقته.

[7] المنغولية: Mongol اسم من أسماء الطائرة السوفييتية ميج 21، أطلقه عليها حلف الأطلسي، بالإضافة الى اسم: Fish bed . والبرقية تعني وجود طيارين عرب من قائدي الميج 21 بالولايات المتحدة الأمريكية، في دورة تدريبية، ومطلوب التنسيق المشترك من أجل إنجاز المهمة، وتحقيق الرغبة المشتركة.

[8] يقع مبنى المخابرات المركزية الأمريكية في ولاية فرجينيا، على مساحة شاسعة بضاحية لانجلي، التي تبعد عن واشنطن العاصمة حوالي 15 كيلو متراً فقط.

[9] تكساس أكبر ولاية أمريكية وتقع أقصى جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، واغتيل بها الرئيس الأمريكي جون كنيدي في 22/11/1963 بمدينة دالاس.

[10] البروفيسور يوفال بنمان تقني متخصص في الإلكترونيات، وهو برتبة كولونيل، وكان قد تلقى تعليمه الهندسي في أمبريال كوليدج في لندن، وله دور فعال في ابتكار أنظمة الحاسب الآلي وتطويره، وكذا أجهزة التنصت الإلكترونية التي ذرعتها إسرائيل على طول حدودها، ولاعتراض الاتصالات العربية.
يتبع....

الضبع 04-06-2008 10:26 AM

العملية رقم سبعة ـ الفصل الثالث



كتبت تقريراً ضمّنته فشلها،
وطلبت من رؤسائها سرعة نقلها . .
لأن عقلها يكاد يُجن . .
فهي المرة الأولى التي تفشل فيها في السيطرة على رجل . .
رجل استباح جسدها لأكثر من شهرين بلا ثمن . .
وبلا فائدة . . ! !


في وكر الحية

ولد شاكر محمود يوسف سنة 1936، لأسرة ثرية بقرية محلة حسن جديد باشا بضواحي بغداد، وبعد حصوله على الثانوية العامة اتجهت رغبته الى العسكرية، فالتحق بأحد المعاهدة العسكرية، وسافر الى موسكو للدراسة بالكلية الجوية عام 1954. . وفي إحدى القواعد الجوية بكييف تعلم شاكر قيادة الطائرة السوخوي ، وتفوق في استخدام الارتفاعات المنخفضة في تنفيذ الهجمات الجوية، وطرق اعتراض الأهداف والتعامل معها، وتكتيكات المعركة الجوية.

تفوق أيضاً، وهو الذي أجاد التحدث باللغة الروسية، ملاطفة الفتيات ومصادقة عدد كبير منهن، وانجذبن كلهن اليه لوسامته كشاب شرقي، يجيد التحدث بلغتهن، وإضفاء جو المرح بكل مكان يرتاده معهن، أما رجولته فكانت إحدى أهم ميزاته في رأيهن. لذلك تسابقن اليه وتنافسن في حبه، واستخدمن دلال الأنثى ونعومتها في الاستئثار به، لكنه كان يشبه النحلة الى حد كبير، إذ كان يقطف من كل زهرة منهن الرحيق، ويبحث عن ثانية واثقاً أنه سيجدها بلا مشقة.
وهكذا كانت سنوات دراسته في روسيا، تفوق لا يقبل الشك، سواء في علوم الطيران والملاحة الجوية، أو فنون جذب الإناث والإيقاع بهن.
وبعدما تخرج شاكر يوسف بدرجة ملازم طيار، رجع الى العراق وانخرط في العمل بإحدى القواعد الجوية جنوبي بغداد . ورقي الى رتبة ملازم أول بعد أقل من عامين ونظراً لكفاءته العالية في التعامل مع السوخوي.
وبحلول فبراير عام 1959، خطبت له الأسرة فتاة رائعة الجمال من الموصل تقيم أسرتها ببغداد، وكانت فتاة وديعة حنونة مهذبة، وجد فيها صفات مغايرة، جعلته يشعر براحة نفسية تجاهها منذ اللقاء العائلي الأول، ويتعجل اليوم الذي يجمعهما معاً بيت واحد، وحياة أسرية جديدة.
ومع الربيع زفت اليه، وعاش مع عروسه بشقته بحي الكاظمية الراقي، لكنه كان بالرغم من ذلك صياد ماهر يهوى القنص، ولا يكل من مطاردة الحسان في شوارع بغداد ومنتدياتها، والإيقاع بهن بسهولة، وقد انبهرن ببزته العسكرية الأنيقة، وشارة الطيران ذات البريق الملفت على صدره.
وللمرة الثانية أوفد الى موسكو في أكتوبر 1960، في بعثة مدتها أربعة أشهر لنيل دورة تدريبية متخصصة، في العمليات القتالية على ارتفاعات عالية جداً ، وفي موسكو هذه المرة أيضاً مارس شاكر هوايته، وأقام علاقات نسائية متعددة، معتمداً على راتبه الضخم ومكافآته المجزية التي كان يتحصل عليها كطيار متفوق.
لقد أخطأت كثيراً الحكومة العراقية عندما أوفدت طياريها الى أمريكا، وهي تعلم بأنها المؤيدة لسياسات إسرائيل في المنطقة العربية، لكن العملية برمتها كانت من تخطيط المخابرات المركزية الأمريكية، عندما عكف الملحق العسكري الأمريكي في بغداد، على إقناع العسكريين العراقيين بمدى التطور الكبير، والأساليب الحديثة في تدريب الطيارين ورفع مستوى مهاراتهم القتالية.
ففي الوقت الذي استقر فيه التركيز على شاكر يوسف وحامد ضاحي، وضعت الموساد أمام الـ C.I.A. كافة التقارير التي وصلتها عن النقيب شاكر، من خلال عميلها في العراق عزرا ناجي زلخا وزوجته روان، تلك التقارير الهامة التي تُشرّح أعماق الطيار العراقي ونُزُقه، حيث أفاد عزرا بأن روان التقت وشاكر، وحاولت خلال حفل ضمهما أن توقع به، لكنه – برغم جمالها الذي لا يقاوم – تجاهلها في البداية، ثم عاود الالتقاء بها وانقطع عنها فجأة بسبب سفره الى الدورة التدريبية بأمريكا.
ولما كان من السهل إحكام السيطرة عليه بأمريكا، بسبب نقطة ضعفه، جيء له خصيصاً بفاتنة أمريكية يهودية طاغية الأنوثة، يعجز الرجال عن مقاومة فتنتها الخيالية.
إنها كروثر هلكر، التي استدعيت على وجه السرعة من فيينا، حيث تعمل لصالح المخابرات الأمريكية كممرضة بالمستشفى الأمريكي.
كانت هلكر في منتصف العقد الثالث من عمرها، ملفوفة القوام متوسطة الطول، ذات وجه مستدير ناصع البياض يزيده شعرها الحريري الفاحم جمالاً، وفم أملود دقيق الشفاه، تعلوه عينان نجلاوان بريقهما يخلب العقول، ورثتهما عن أمها الإيطالية، وورثت معهما أيضاً حرارة الجنوب الإيطالي المشهور بدفء نسائه.
انخرطت هلكر في عملها المخابراتي في أوروبا وسنغافورة، وأثبتت كفاءة نادرة في المهام التي كلفت بها، فهي عميلة مدربة على أمور السيطرة بواسطة الجنس، وتجيد بمهارة استخدام "مصيدة العسل" في تطويع الخونة وسحق مقاومتهم. وكانت برغم صغر سنها، تدير دفة العمليات السرية دائماً الى النجاح الأكيد.
أطلعت العميلة الذكية على مهمتها الجديدة، ودققت كثيراً في صورة النقيب شاكر الفوتوغرافية، وتبسمت في خبث وهي تقول:
"لن يستغرق وقتاً طويلاً معي . . فنظراته – بحكم خبرتي – تؤكد ذلك".
وأرسلت الى تكساس كمشرفة على نادي الضباط بالقاعدة الجوية، وهناك التقت به، وبهرته منذ النظرة الأولى، واتبعت معه أسلوب التجاهل، فأكثر من محاولاته للفت انتباهها، فما كانت تهتم به سوى بالقدر الطبيعي في التعامل، حيث الابتسامة الرقيقة ولا شيء غير ذلك.
لكن الصياد المشاغب لم يكن ليرضى بالهزيمة، فقد شغلته "الأنثى" الدفيئة، وأرهقته لهفة ورغبة. ولكي ترضي غروره أكدت له هلكر مدى نجاحه، بأن خصّته بابتسامة ندية كإطلالة الربيع، يجول بها طعم النشوة اللذيذ.
من بعدها أخذت العلاقة تنمو بينهما يوماً بعد يوم، حتى استفحلت ووصلت الى قمتها في مدى زمني قصير.
كانت الفرصة للإسرائيليين أكثر من رائعة، فوجود الطيارين العرب في بيت الذئب – أمريكا – كان مدعاة لأن يطمئنوا، ويخططوا بهدوء للفوز باستقطاب أحدهم، اعتماداً على دراسة دقيقة تشتمل على تحليل نفسي لشخصية كل منهم "وبالأخص شاكر وضاحي" وعاداته، وتصرفاته السلوكية اليومية، وميوله، ومعتقداته، وتكوينه النفسي، وتدينه، ودرجة امتزاجه الاجتماعي بالآخرين، وعلاقاته بالزملاء، وهواياته، وقراءاته، وتدينه، ودرجة امتزاجه الاجتماعي بالآخرين، وعلاقاته بالزملاء، وهواياته، وقراءاته، وهواياته المفضلة. فكل تلك الأمور أخضعت بواسطة خبراء التحليل النفسي والسلوكي، وما كان ليتسنى لهم التغلغل داخل أعماقهم، إلا بمراقبات مستمرة على مدار الـ 24 ساعة.
ولأن المخابرات العربية تعلم بكل تلك الألاعيب، فهي لا تتوانى عن "تحصين" Fortifying أبناءها الطيارين الموفدون في بعثات الى الخارج، حيث تقوم بفرزهم وانتقائهم بعناية تبعاً للتقارير السرية في ملفاتهم، كي لا يقع أحدهم أمام أية خدعة، أو يضعف لابتزازات قد تؤثر على قدراته. فأجهزة الاستخبارات الأجنبية، عادة، تنظر الى أعضاء البعثات العربية، على أنهم أناس قدموا من بلاد تعاني الجوع الجنسي، وتحكمها، عادة، ظروف الدين والتقاليد والأعراف.


لعبة المصير

وفي الوقت الذي كان فيه النقيب شاكر تحت سيطرة كروثر هلكر، كانت اللعبة تدور أيضاً حول الملازم أول حامد ضاحي، إذ قذفوا اليه بفتاة جذابة، رومانسية الملامح، عذبة التقاطيع.

كان ضاحي شاباً طموحاً في مستهل السادسة والعشرين من عمره، وسيم، هادئ، ملتزم، من أسرة ثرية معروفة في بغداد، أتم خطبته على ابنة عمه قبل سفره لأمريكا بأيام، وتعد الأسرة عش الزوجية انتظاراً لعودته.
بدأت محاولات تجنيده كالعادة، وكما هو معروف، بفتاة رقيقة التقت به كما لو أن الأمر صدفة. .وكان يومها مع بعض رفاقه يستمتعون بعطلتهم الأسبوعية، فتعارفا وهما يرقصان بشكل سريع، وأفهمته بأن والدها لبناني طلق أمها واختفت أخباره.
تعاطف معها الشاب الشرقي، وأفهمها بأنه عراقي ويستطيع مساعدتها من خلال صديق له ببيروت، في الوصول لوالدها إذا ما كان بلبنان. وبشهامة العربي طلب منها آخر عنوان لوالدها، فاعتذرب قائلة أن أمها تعرفه، وكان من الطبيعي أمام هذا الموقف، ألا ينتابه الشك عندما دعته الفتاة لزيارة بيتها خلال أجازته القادمة، حيث ستقدمه لأمها ويتعرف منها على عنوان الأب المختفي. .ووافق ضاحي على زيارتها.
كان كل شيء قد تم ترتيبه على وجه الدقة، الأم المزيفة، والفيلا الرائعة البديعة، والأجهزة الفنية المتقدمة التي ملأت الصالون، وحمام السباحة في الخلف. يومها .. حاول زملاء ضاحي أن يثنوه عن تلك الزيارة، لكنه ثار عليهم وقال لهم أنه وعدها ولا يحب أن يخلف بوعده، وعلى ذلك تركوه يذهب وحده الى "فتاته"، يسبقه حياء شاب شرقي يزور أناس لأول مرة.
استقبلته "زينب" باهتمام وترحاب، وقادته الى الصالون فمشى وراءها في أدب، وسرح بفكره قليلاً في خطيبته "فدوى" وأجرى بلا قصد مقارنة بينها وبين مضيفته، فقد دفعه الى ذلك ما لاحظه من احتشام الفتاة، ووداعة ملاحتها الحالمة المريحة، ونظرة الحزن الخفي التي تتخلل شعاعاته الوادعة، حسرة على الأب الذي تجهل مصيره. لحظتئذ، أحس في قرارة نفسه بالشفقة على الفتاة البائسة، حتى تمنى لو أنه يستطيع إسعادها، وإدخال البهجة الى قلبها الصغير المعذب.
لم تنس الموساد أو الـ C.I.A. أية ثغرة تافهة إلا وأغلقتها، وأوجدت لها حلاً مقنعاً لا يقبل الظن. إذ اختارت للفتاة اسماً يحبه المسلمون في الشرق، واختلقت قصة إنسانية وهمية تثير الشجن والعطف، وتخيرت للمهمة فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، تزحف أنوثتها البضّة المبكرة تحت الثياب، وتترجرج معلنة عن نفسها على استحياء، يزيدها جمالاً وجهاً يقتحم القلب بلا صعوبة، وينخر في أغواره.
هكذا امتزجت الأنوثة بالبراءة، وارتسمت صورة مثالية لفتاة كاملة النضوج، حيّرت عقل الشاب الأغر وهزت مشاعره، وعظم تعلقه بها بعدما جلس الى الأم، فقد كانت بحق سيدة وقور تخلط إنجليزيتها بعربية ركيكة لذيذة.
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تقص عليه حكايتها، منذ البداية، فأدمعت عينا الطيار الأغر، وما كان يتصور أن يتصرف هكذا بتلقائية شديدة، عندما قام الى السيدة واحتضنها، وكان نشيجها المؤلم إفراز لمأساة تعتصرها. .فيتشقق لها قلب الفتاة الرقيقة، وتنزلق حبات لؤلؤ من أروع عينين صادفهما. .فيمسحها بمنديله في حنان، وبداخله رغبة في احتوائها بين أحضانه، عطفاً وشفقة، بعيداً عن الأمر "الخبيث".
انفردت به السيدة "مارجريت" في الصالون الأمريكي الفخيم، وأسرت له بأنها قلقة بشأن ابنتها، فهي مسلمة وسط مجتمع غير مسلم، وتخشى عليها أن تقترن بشاب أجنبي، لذا فقط ألحت عليه أن يسعى لمساعدتها في التوصل الى أبيها في بيروت، لكي يتحمل مسؤوليتها قبلما تموت، وتتركها وحيدة مع أموال طائلة (لاحظ الإغراءات المنمقة) ستتركها لها.
ثم عرجت الحية الشوهاء البارعة التقمص الى ناحية ثانية، وطلبت من الطيار الشاب أن يهتم، خلال وجوده بأمريكا، بابنتها، لأنها فتاة رومانسية جداً، تؤرق حياتها حكاية أبوها الذي تفتقده، ورجته ألا يصدم مشاعرها بقسوة (لاحظ أيضاً) إذا اعترفت بحبها له، ذلك لأنها تخشى على ابنتها من تجربة الفشل في الحب، خاصة إذا وقعت في حب شاب مثله ينوي العودة الى وطنه، تاركاً المسكينة تتمزق وجعاً.
وقالت أيضاً أنها – أي زينب – تحدثت عنه كثيراً منذ التقت به، وكانت تنتظر لحظة زيارته بلهفة، بما ينم عن مدى اهتمامها وتعلقها به.
أقبلت زينب فجأة وكانت ترتدي البُرْنُس، وهتفت في ضاحي وأمها:
ألم يحن الوقت بعد للسباحة. . ؟ هيا لنستحم ونسبح.

دهش ضاحي وقال لها متعجباً:
تسبحين . . ؟ أنسيت أننا في نهاية مارس . . ؟

أجابته زينب وهي تبتسم في وداعة:
أوه . . إن قاعة السباحة مُكيّفة يا عزيزي والمياه دافئة.. ألا تحب السباحة معي قبل الغداء. . ؟

أحس ببعض الخجل وقال:
نعم . . نعم . . ولكن . .

وبذكاء أكملت وهي تشير باتجاه ما:
اشتريت لك مايوهاً بالأمس . . ستجده في حجرة الملابس (!!)

وعندما خرج المايوه، تجمد مكانه وثقلت عليه خطاه، فتلك المرة الأولى في حياته، التي يرى فيها جسد أنثى عارياً، جسد ينوء بأنوثة بضة غضة، تفوح منها رائحة الرغبة، ومذاقات اللذاذات الشهية المسكرة الممزوجة بالشبق.
تركتهما السيدة مارجريت لتعد الطعام، وانغمس الشاب الخجول في لهوه، وهو يعترف بينه وبين نفسه أن نواياه كانت سيئة، وغير شريفة. ففي لعبة التسابق في الماء كان ينتهز فرصة التصاق جسديهما، ويتحسس اللحم الناعم، ويكاد يعتصره، ويضغطه بقوة، بشكل بدا عفوياً، لكن الأفعى الصغيرة المدربة، لم تكن إحساساتها تخيب في ترجمة نظراته الولهى، ولمساته "البريئة" .. وبعد الغداء استقبلت الأم مكالمة هاتفية، غادرت على إثرها البيت تاركة الذئب والحمل .. والحمل دائماً في عالم المخابرات معروف، ذلك أنه الرجل.
ففي ذلك اليوم، الذي ما مر مثله بحياة ضاحي من قبل، انزلق لآخره في بوتقة النشوة، وتذوق صنوفاً منها أسكرته، وأغرقته الفتاة المدربة في محيط شاسع فوّار، لم يستطع أمام ضربات أمواجه الضارية المسعورة أن يتوقف، فأخذ يجدف في الأعماق وقد أنهكت مقاومته، وخارت قواه، تماماً.
ولما أفاق من نوبة الغرق اللذيذ، هجمت على عقله مشاعر الندم التي آلمته ألماً شديداً، إذ أحس بمدى قذارته عندما خان دينه وحبيبته فدوى، وتملكته نوبة من بكاء مجنون، غادر على إثرها الفيلا محزوناً كئيباً، وقد أقسم ألا يعاود الخطأ ثانية أبداً، مهما كانت الظروف.


سأموت هدراً

كان شاكر يوسف قد استمرئ علاقته بالحية الأمريكية كروثر هلكر، وقلما جاء يوم أجازته الأسبوعي وهو بعيد عنها، فهو يوم ملكها وحدها، سرعان ما يمر نهاره في لحظات لا يحس بها.

وبرغم اعتياده التنوع والتعدد، إلا أنه أمام هلكر بدا جائعاً أبداً، فالفتاة الخبيرة كانت تمنحه ما لم يألفه، وتذيقه ما لم يرشفه، فبات دائماً في حالة جوع مستمر، وعطش لا ينقطع. وتركها تقذف اليه بمشاعرها فياضة جارية، دون أن يجاريها لهفة الأحاسيس التي تصبها صباً في أذنيه.
ولما تجرأت ذات مرة وعرضت عليه الزواج، ثار في وجهها:
زواج . . ؟ أجننت هلكر. . ؟
ولما لا . . ؟ أنا أحبك ولست بقادرة على الابتعاد عنك.
تعرفين أن لي زوجة بالعراق . . وابن.
أعرف .. لكن ما ذنبي أنا.
وما ذنبي أنا أيضاً. . ؟ وما ذنب زوجتي التي تنتظرني..؟
أتحبها أكثر مني يا شاكر. . ؟
هي زوجتي أم ابني . . وأنت عشيقتي.
شاكر. .
هلكر .. أتذكرين أول لقاء بيننا. . ؟ أتذكرين ماذا قلت لك. . ؟
أرجوك . .لقد كنت بشعاً. . لا أريد أن أتذكر.
لا . . يجب أن تعترفي. . لقد قلت لك يومها أنني زوج وأب. . وأحب زوجتي وابني وبيتي. .وما بيني وبينك مجرد صداقة غير ملزمة. .أنسيتِ. . ؟
لم أكن أعرف أنني سأحبك بجنون.. لم أكن أعرف.
لكن علاقتنا استمرت على ما اتفقنا عليه.
أكنت تستمتع بي طوال هذه المدة وكأنك تعاشر مومساً لا مشاعر لها. .؟
أنت كنت تستمتعين أيضاً. . وإلا ما كنا معاً الآن.
شاكر لا تعاملني كامرأة ساقطة . . أرجوك.
إذاً لا تطالبينني بحق ليس لك.
شاكر . . سأموت بدونك. . أقسم لك على ذلك. .
ستنسين كل شيء عندما أغادر الى العراق.
لن تغادر أمريكا إلا بعدما تحضر جنازتي.
هلكر يا عزيزتي . . إن ما بيننا ليس حباً. . بل هو نزوة. . رغبة. . احتياج رجل لامرأة هي الأخرى تريده.
هذا ما تدعيه أنت . .أما أنا فلا . . فحبي لك أكبر من أن أصفه لك. .
الأيام الرائعة التي جمعتنا يجب أن تكون ذكرياتها أيضاً رائعة. كفى بكاء لأنني لا أحب بكاء المرأة.
حبيبي . .لدي رصيد بالبنك من ميراث والدي . . وشقة جميلة كنت دائماً تحسدني عليها. .فلنتزوج . . وسأضمن لك عملاً ممتازاً هنا وراتباً خيالياً.
عزيزتي ليس هذا ما يغريني أو يشغلني، فأنا راتبي ضخم أيضاً. .وأسرتي ثرية جداً ولا أعاني مادياً في بلدي.
شاكر أنت تضيّع فرصة كبيرة تنتظرك ومستقبل و . .
كفى . .كفى . . لقد ضقت ذرعاً بكلامك المكرر. . وأخشى أن أكرهك فكفى أرجوك.
أهكذا تعامل امرأة تحبك. . ؟
لقد وطّنت نفسي على ألا أحب سوى زوجتي. . وقلت لك هذا مراراً . . فلا داعي لمضايقتي. .
لماذا إذن خنتها وعاشرتني. . ؟ إن مبادئك كاذبة.
إنك تضيعين الوقت هباء . . سأنصرف.
شاكر .. أيها الحبيب انتظر. .
…………………….
…………………….
…………………….

وفي القاعدة الجوية تعمد شاكر تجاهلها بعد ذلك. . وتحول حديثه العابر معها الى حديث فاتر. . أشعرها بخيبة الأمل . .وأقلق رجال المخابرات الذين ينتظرون سقوطه بفارغ الصبر.. وكتبت هلكر تقريراً ضمنته فشلها، وفيه طلبت من رؤسائها سرعة نقلها لمكان آخر لأن عقلها يكاد يجن. . فهي المرة الأولى التي تفشل فيها في السيطرة على رجل، رجل استباح جسدها لأكثر من شهرين بلا ثمن. . وبلا فائدة.
لكن رؤسائها رفضوا سحبها من القاعدة الجوية، على أمل أن تستدرجه من جديد. .وطالبوها ببذل الكثير من الجهد لاحتوائه، وأن تكون أكثر لطفاً معه قدر الإمكان، لعل وعسى.
ومع الإخفاق المبدئي مع النقيب شاكر، تكثفت الجهود لكي لا يفلت حامد ضاحي هو الأخر. .وبدلت زينب أسلوبها هي الأخرى، بما يتفق ورغبة الطيار النادم في ألا يعاود الخطأ معها، لذلك أحاطته بمشاعر حب كاذبة .. مجتهدة قدر استطاعتها في تقريبه اليها عاطفياً، مستغلة أحاسيس الندم التي تملكته للعب عليها.
وفي لقاء لهما بحديقة الفيلا، ارتبك ضاحي عندما سمعها تقول فجأة:
ضاحي . . لقد قررت ارتداء الحجاب (!!). .
حجاب . . ؟ هنا في أمريكا. . ؟ ولم . .؟
أريد أن أشعر بأنني مسلمة. . أصلي .. وأصوم. . وأستغفر. .
بإمكانك أن تفعلي كل ذلك بدون الحجاب.
ألا تشعر بالندم مثلي.. ؟
إنني أبكي في كل صلاة وأدعو الله أن يغفر لي. .
لقد كرهت جمالي واشمئززت من نفسي بعدها. .وتمنيت أن أكون دميمة على أن أكون حقيرة مذنبة.
زينب . . الحمد لله الذي هدانا.
أنت إنسان صادق حقاً. . أتمنى من الله أن أكون دوماً الى جوارك.
..…………….
ستترك لي أمي هذه الفيلا لأتزوج بها. . وستمنحني خمسمائة ألف دولار لأبدأ مشروعاً خاصاً بي أنا وزوجي . . وهذا الأمر يقلقني كثيراً. .
فيما القلق إذن. .؟
أنا لا أضمن من سأتزوجه. . فالبشر عادة لا يتساوون في العدل أو الطموح. . أو الأمانة. .هذه أمور شائكة ومتباينة.
اختيار الزوج لا بد وأن يكون مدروساً. .
وكيف لي أن أضمن. . ؟ وبأية وسيلة أقنعك.. ؟
أقتنع بماذا.. ؟
. . . . . . . . .
لم سكوتك. . ؟ أقتنع بماذا يا زينب. .؟
بأن نتزوج.
نتزوج. . ؟ هذا مستحيل. . ألف سبب يمنع ذلك. .
ألف سبب. . ؟
نعم . . فأولاً أنا طيار حربي عراقي. .ثانياً أهلي في العراق. . ثالثاً. . خطيبتي فدوى . .رابعاً. . .
وما المشكلة في كونك طيار عراقي؟ بالعكس . . فهذه ميزة كبيرة جداً . .لأنك ستعمل هنا كطيار أيضاً. .وبراتب لا تتوقعه..
ولو أن ذلك حقيقي وواقع .. فما ذنب أهلي وخطيبتي .. ووطني .. ؟!!
سنعيش هنا معاً حياة محترمة. . وسأكون سعيدة لأنني أحبك وأثق بك. .
زينب . . هذا لن يروق إلا لعاطل يبحث عن المال. .
ومن منا يكره أن يكون ثرياً. .إن أمي ستمنحني. .
دعك من كل هذا . . أنت فتاة طيبة جداً. .ولو أنني كنت قد قابلتك قبل التحاقي بالكلية الجوية لتغير الأمر. . لكن لا فائدة.
الأمر سهل جداً يا ضاحي. .فأنت ستعمل هنا طيار أيضاً. . أعدك بذلك . . بل وأضمن لك ما هو أكثر من ذلك بكثير. .
أتعرفين . .إن أنا وافقت – وهذا بالطبع مستحيل – ماذا سيحدث لي. . ؟ ستتعقبني شعبة الاستخبارات العراقية . . وسأموت هدراً. .
مستحيل أن يحدث لك ذلك. . فرجال مخابراتنا سيُؤمنّون حياتك هنا .. بل وسيدفعون لك بسخاء إن وافقت . . (هنا أخطأت العميلة).

(بارتياب):
سيدفعون لي . . ؟ كم مثلاً. . ؟
أنا لا أعرف بالضبط. . لكنه مبلغ كبير على ما أتصور (تأكيدها كان خطئاً ثانياً).

(كان ما يزال مرتاباً):
مقابل ماذا . . ؟ أن أهرب من العراق الى أمريكا.. ؟ أم أختبئ هنا ولا أعاود الرجوع ثانية الى بغداد.. ؟

أنا لا أعرف .. لكني أستطيع أن أخمن أنك ستصير مليونيراً.
(مرتبكاً):
أتعرفين يا زينب.. ؟ لو لم تكوني عربية مسلمة لظننت بك الظنون. . ؟!!
ضاحي أنا لا أفهم في السياسة. .فقط أنا أعرف أنني أحبك. . أحبك أكثر من نفسي فلم لا نتزوج.. ؟
...........
...……
...…...
ضاحي .. ؟ الى أين أنت ذاهب. . ؟ أنت لم تجيبني. .
إنس ما دار بيننا الآن. .لقد تأخر بي الوقت. .

----------------------------------------------------
1- زينب ليس اسمها الحقيقي بالطبع، فاسمها الحقيقي "جين بولان"، وهي متدرةب حديثة بإحدى مدارس فنون المخابرات، وكانت هذه أولى المهام التي كلفت بها.
صمم الطائرة المهندس ميخائيلوف سوخوي، وهو عبقري سوفييتي معروف، ساعد في تصميم الطائرة ANT-25 وكان له نصيب في بناء الطائرة RODINA قبل الحرب العالمية الثانية، كما أن طائرته الهجومية سوخوي
2 – استخدمت إبان الحرب، وفي 24 يونيو 1956 ظهرت طائرات سوخوي ذات أجنحة مائلة للخلف، وأخرى مثلثة الجناح وكان ذلك فوق مطار توشينو، وهي من تصميم المهندس سوخوي الذي كرمته الدولة، وأطلقت اسمه على شوارعها بسائر أنحاء المدن الروسية.
يتبع.....

الضبع 04-06-2008 10:29 AM

العملية رقم سبعة ـ الفصل الرابع



كان رئيس الموساد ، عاميت،
رومانسياً . .
هادئ الطباع . .
يقرأ في الأدب الفرنسي ويحب الموسيقى الهادئة . .
وأكثر ما كان يحزنه فشله في الإنجاب . .
وهكذا انعقد مصيره على أن يبقى طوال حياته بلا أولاد . .
كشجرة بلا جذور . . سرعان ما يعطب جذعها . .
ويتهاوى . . ! !



حرباء تكساس

كان ثلثي مدة الدورة التدريبية قد مرا، وكتبت زينب / جين في تقريرها المفصل، أنها حاولت كثيراً مع حامد ضاحي، مستعينة بكل ما تملك من أدوات وإغراءات، لكنه بعد ممارسة جنسية واحدة، صارحها بأنه نادم، وبأنه أخذ عهداً على نفسه بألا يلمس امرأة قط. وتضمن التقرير أيضاً، أنها حاولت إغراؤه بالزواج فرفض، واشتدت مقاومته لشتى الحيل، وأنه "بارد محصن" لا يستجيب للجنس معها، أو العواطف. . واتجه الى الصلاة والصوم. . ويحب وطنه الى درجة الهوس وتصعب محاولات استقطابه.

لقد آثر حامد ضاحي الابتعاد عن الفتاة تدريجياً لينأى عن الخطأ، لكن مطارداتها له زادت عن الحد، فلم يستطع أمام ذلك إلا أن يخبر رئيسه بالأمر.
سيدي القائد . . أريد أن أعرض أمراً . .
ما الأمر . . ؟
يبدو أنني في مأزق كبير . . ولا أعرف كيف أبدأ.
قل كل ما عندك يا حامد.
لقد تعرفت بفتاة أمريكية . . والدها لبناني .. والتقيت بوالدتها التي طلبت مني أمرين . . أن أساعدها في التوصل الى عنوان والد ابنتها في بيروت، وهذا أمر بسيط . . أما الأمر الآخر . . وهو الذي أثار مخاوفي . . أنها كانت لحوحة في ربط علاقة عاطفية بيني وبين ابنتها . .
أكمل يا بني . .
الابنة عرضت عليّ عروضاً مغرية للبقاء في أمريكا. . والزواج منها .. وأنها على استعداد . . بل وتضمن لي حياة رغدة في أمريكا . . لأن جهاز المخابرات سيؤمن لي ذلك . . وسيدفع بسخاء في حال موافقتي.
أي مخابرات تقصد أيها الملازم أول . . ؟
المخابرات المركزية سيدي القائد.
المخابرات المركزية .. ؟
انتابتني الشكوك سيدي القائد . . وابتعدت عنها لكنها الآن تطاردني باستماتة وتزيد من عروضها.

وعلى الفور، تحدد سفره الى العراق بعد ثلاثة أيام . . وجن جنون رجال المخابرات في الموساد والـ C.I.A.، فقد أوقعهم حظهم العاثر مع شاب وطني مخلص، وكان لا بد من تصفيته قبل عودته الى وطنه، حتى لا يتشكك رجال المخابرات هناك في نواياهم، ويكون الرد المتوقع هو حرمان الطيارين الذين كانوا بأمريكا من الطيران مرة أخرى، تحسباً لأي خطر أو خيانة، فضلاً عن التحقيقات التي سيخضع لها جميع زملائه.
وفي مساء اليوم التالي – 15 مايو 1965 – خرج ضاحي ليمضي آخر سهراته بأمريكا، وعرج الى أحد النوادي الليلية برفقة زميلين له، وبينما الموسيقى الصاخبة ترج المكان، فتتراقص الأجساد في جنون، أطفئت الأنوار فجأة، ودوت طلقة رصاص واحدة تبعها سقوط جسد ضاحي . . فتدافع الجميع هاربين في ذعر، ووسط الظلام .. والزحام . .اندس القاتل بينهم، وأظهرت التحقيقات الأمنية غموض الحادث، إذ لم يكن هناك تفسير منطقي لوقوعه.
السفير العراقي في واشنطن أدلى ببيان قال فيه بأن الحادث غير متعمد، وأنه كان قضاء وقدراً.
أما الملحق العسكري العراقي، بناء على التقرير الأمني لقائد البعثة، فقد اشتم رائحة ما وراء حادث القتل.
وفي قرار فجائي حاسم، تقرر عودة بعثة الطيارين العراقيين الى بغداد، وكان ذلك قبل انقضاء المدة المقررة بشهر تقريباً.
وطار نسور الجو العرب في 18 مايو الى العراق، وطارت في إثرهم عقول رجال الموساد والـ C.I.A.، وبات واضحاً أن الفرصة الذهبية، الوحيدة، التي كانت أمامهم، ذابت في محيط عميق، وبدت كما لو أنها كانت مجرد حلم لذيذ، سرعان ما انتهى.
لكن مائير عاميت، المصدوم، أنصت باهتمام لمساعده المزعج – كاروز – وهو يقول:
إن الأمل لم يضيع بعد يا سيدي، ولا زالت هناك فرصة أمامنا .
"في دهشة": كيف . . ؟ لقد غادروا أمريكا منذ خمسة أيام.
بإمكان كروثر هلكر أن تؤثر على النقيب شاكر يوسف. .في بغداد.
بغداد. . ؟ أجننت يا رجل. .؟
لا حل أمامنا سوى ذلك سيدي الرئيس، فالأفلام والشرائط التي بحوزتنا ستجعله يركع، خاصة وقد حوّرنا العديد من الشرائط، ووضح فيها سبابه لقيادته ولحكومته، وعند سماعها سينهار بلا قوى.
وإذا فشلت معه هلكر . .؟
تبعث معه رسالة الى السماء.

وبعد دراسة مستفيضة للفكرة، اقتنع عاميت، وأقنع ميكون ونائبه رأى كلاين بها، وجيء بعميلة المخابرات لإفهامها خطوات العملية، وبأن زملاء لها بالعراق سوف يساعدونها، فأحست ببعض الخوف، ذلك لأن النقيب شاكر كان قد تخلص من تأثيرها عليه، وفقدت بالتالي خيوطها التي كانت تجذبه اليها، لكنها لم تشأ أن ترفض، ففي عالم الجاسوسية تسحق المشاعر، وتخفي رجفاتها الناعمة الجميلة، ولا يبقى سوى الهدف المنشود، الذي في سبيله يتخطى العملاء حاجز الإنسانية والرأفة، ويتحولون الى مجرد أشكال صماء كالدُّمَى، لا روح فيها أو دماء.
ومن فندق بغداد الدولي اتصلت هلكر تليفونياً بالنقيب شاكر الذي فوجئ، وضايقه كثيراً مجيئها وراءه، ولكي يأمن المشاكل التي قد تثيرها، استأجر لها شقة مفروشة ترى دجلة، بمنطقة الكرادة الشرقية الراقية، وأخذ يتردد عليها خفية، لا لأجل الجنس، وإنما لإثنائها عن فكرة الزواج، التي من أجلها جاءت الى بغداد، في تبجح أثار قلقه منذ البداية.
كان من الواضح أن العميلة التي كانت تحمل تصريحاً بالقتل، لم تيأس منه بعد، ولم تتزعزع عزيمتها، فإلحاحه عليها لتتركه وشأنه كان يريحها نفسياً، ويشفي بداخلها الإحساس المقيت بالفشل معه، وهي التي ما تعودت أن يقف أحد أمام جبروت جمالها، فتمادت في الضغط على أعصابه بكل قواها، وادعت له كذباً بأنها حملت منه، فارتبك الطيار المذعور، وعرض عليها أن يخلصها من الجنين، فبكت، ومثلت دور العاشقة التي لن تغادر بغداد، إلا ومعها طفلها، وأنها تفكر كثيراً في التصرف بحماقة وأن تبلغ أسرته وزوجته بعلاقتهما، وبالجنين الذي ببطنها، لكي تضعه أمام الأمر الواقع ويتزوجها.
شاكر . . إنه ابننا الذي لا ذنب له. .أريد أن يجيء الى الدنيا . .وأن يعرف أبوه . .
قلت لكِ إن صديقي الطبيب سينهي هذا الأمر.
لكنني أريده . .وأحلم كثيراً باليوم الذي أكون فيه أماً.
هذا أمر يخصك وحدك. . أما أنا فلا أريد منك أطفالاً.
ألهذا الحد تكرهني يا شاكر ..؟
أنا لا أكرهك بقدر ما أكره تفكيرك الغبي .. أتظنين بأن تصرفك سيحل المشكلة. .أو يقربني منك. . ؟
أنت تعرف منذ البداية بأنني رومانسية. .وساذجة بلا تجارب. .
عرفت قبلك مئات النساء.. أنت تفوقِت عليهن جميعاً خبرة في الفراش فكيف تكونين ساذجة. . ؟ وبلا تجارب. .؟
كُنّ مومسات أما أنا فلا . .
كروثر أمامك خيارين لا ثالث لهما مهما حاولتِ أو لوحتِ بتهديداتك التي لن تفيد. فإما أن يراكِ الطبيب. .أو تغادري بغداد على الفور.. وإلا سأكون عنيفاً معكِ وأضطر لإبلاغ الأمن بمطارداتك لي . .
وماذا أيضاً. .؟
هذا آخر ما عندي.
ألا تخشي أن أخبر عائلتك. . ؟
تهديدك لن يخيفني. .وأعرف جيداً كيف أسوي الأمر مع عائلتي.

ولما رأت منه تصميماً على المقاومة، وأنه سيضطر لإبلاغ السلطات ضدها، ضحكت وقالت له فلتأت السلطات، فعلى الأقل ستكون الفضيحة رسمية، وستتدخل سفارة بلدي، وستفقد وظيفتك ورتبتك في الحال.
كانت لهجتها معه قد تحولت من لهجة عاشقة الى تهديد سافر، وسألها شاكر عما تمسكه ضده لكي تكون بمثل هذه الجرأة، أخبرته أنها تملك تسجيلا بصوته يعترف فيه بأنه يكره العراق، ويحتقر قيادته في سلاح الطيران، ودفعت اليه بجهاز تسجيل صغير، فاستمع الى صوته وهو يسب ويشتم، فامتقع لونه، واضطربت عضلات وجهه، وصفعها بقوة أوقعتها على الأرض وصرخ فيها بأن هذا الشريط مزيف، وبأنه لم يقل ما جاء به، وصفعها ثانية بشدة، فتأوهت وقامت متحفزة تكشر عن أسنانها كأنها لبؤة تدفع الخطر عن أشبالها، وبصوت هو أقرب الى فحيح الأفعى قالت:
اشتر حياتك ولا تكن أحمقاً. . إنها الفرصة الأخيرة التي أمنحها لك. .فلنتزوج وتأتي معي الى أمريكا، وسيدفعون لك مليون دولار. .
من هؤلاء الذين تتحدثين عنهم..؟
منظمة السلام الدولية، إنها منظمة تسعى للسلام بين العرب وإسرائيل.

صفعها للمرة الثانية وقد تملكه الغضب:
أيتها العاهرة اللئيمة. . ألهذا إذن جئتِ ورائي . . ؟
مليون دولار يا شاكر. .ستعيش مليونيراً طوال حياتك. .

انهال عليها ضرباً فكانت لا تكترث وتردد:
لا تكن مجنوناً . . سأزيد الثمن الى مليوناً ونصف . . شاكر . .
مع من تعملين يا أقذر عاهرة . . ؟
سيقتلون إبنك وعائلتك. . سيدمرونك. . فأعوانهم يملأون بغداد. .
ماذا تريدين بالضبط. . ؟
اريدك أن تنضم الى المنظمة. . إن المال لا يهمهم. . عشرات الأفلام وأنت تعاشرني سجلوها لنا. .وشرائط الكاسيت بصوتك وأنت تسب قيادتك بين أيديهم. .سيقتلونك بالطبيء إن رفضت.
أرفض ماذا يا حرباء تكساس اللعينة. .؟
الانضمام الينا. .
سأبلغ عنك السلطات. . فهذه محاولة لابتزازي وتهديدي. . بل خطة لتجنيدي لصالح جهات أجنبية، والأفلام العارية التي بحوزتكم أريد منها عدة نسخ لأوزعها على أصدقائي ليروا مدى فحولتي . .!!
أهذا قرارك الأخير . .؟
نعم. . وقبلما أسلمك للأمن . . خذي مني هذا . .

وسحب حزام بنطلونه وأخذ يضربها بعنف . . وكان يتعجب، فضرباته كانت قوية مؤلمة، في حين أن صراخها يكاد ألا يُسمع . . وفي غمرة ثورته انفتح باب الغرفة فجأة، وأطلق عيزرا ناجي زلخا وزميلاه رصاص مسدساتهم الكاتمة للصوت، فسقط جسد شاكر يوسف، وعيناه ترمقان أبناء وطنه الثلاثة في حسرة وألم. .
وبينما كانت كروثر هلكر تعد حقيبة ملابسها على عجل، انشغل الآخرين بإزالة آثار البصمات، ثم جرُّوا جثة ضحيتهم لأسفل السرير، ملفوفة ببطانية، "شرشف"، وغادروا الشقة فرادى.
انتهت بذلك العملية المأساوية، وبهدوء شديد طارت هلكر الى لندن مساء اليوم نفسه، لا تصدق ما حدث، وكانت خطوط ضربات الحزام على جسدها المتورم تؤلمها، وحرمتها النوم تلك الليلة في الفندق. حيث طُلب منها الانتظار بلندن، التي لم تغادرها بعد ذلك أبداً.
وبفشل عاميت المزري، وخيبة الأمل التي منيت بها الموساد والـ C.I.A.، خيم اليأس على الجميع، وساد طقس مشحون بقتامة حالكة، تنذر بالتشاؤم، وتبعت رجفة قلوقة تهز العقول المرتبكة، التي آلمتها الضربات الفجائية المؤثرة.


حديث المنجمون
لم تكن لعبة حظ أو صدفة غير متوقعة، تلك الأحداث التي أزهقت مخططات الموساد، وأفشلتها. فالمخابرات العربية لم تكن بمنأى عن تطورات عالم الجاسوسية، وحرفية الحروب السرية، ذلك أن الظروف قد تهيأت لها، من خلال أدمغة رجال مهرة، واصلوا العمل متوسلين العلم، وفنون عالم المخابرات، واستراتيجيات التكتيك والتحدي، يحفهم إيمان راسخ بصدق قضيتهم في مواجهة عدو غاصب، لم يدخر أية وسيلة إلا واتبعها، لاصطياد الخونة من ضعاف النفوس، والدفع بعملائه ذوي الخبرة والتدريب المتمرس، لاختراق أمن الدول العربية.

وبسقوط إيلي كوهين ولوتز، والعشرات غيرهما، خلال فترة محدودة جداً، كانت النتيجة المرجوة قد أثمرت، عندما اهتزت أعصاب جوسيس الموساد، المبثوثون في العواصم العربية، وضباط حالاتهم تماماً كما حدث مع مائير عاميت، الذي كان يفوقهم ارتباكاً، وتخبطاً.
ففي الوقت الذي توّج فيه اليأس عاميت، جاءته ضربة جديدة من الداخل، من إسرائيل نفسها، عندما رجع إيسير هاريل الى السلطة في سبتمبر 1965، مستشاراً لرئيس الوزراء في شؤون الاستخبارات، وقصد ليفي أشكول من وراء ذلك، أن يحقق تفوقاً على منافسه بن جوريون، بعودة هاريل الى الأجهزة السرية، بعدما ألقى في كومة النفايات، ليعيد التوازن الطبيعي بين نشاطات الأجهزة واختصاصاتها، وليضبط إيقاع النشاذ في الموساد، للحد من اندفاعات عاميت الغير مأمونة.
وبشكل صريح، تجاهل رئيس الوزراء احتجاجات عاميت، بشأن هاريل، عندما أعلن رفضه التعامل مع مستشاره الاستخباراتي، الذي انتقد إدارة الموساد بشدة بسبب عملياتها في الخارج، ملقياً اللوم على عاميت فهو – على حد زعمه – يفتقر الى خبرة رجل المخابرات المحنك، ولا يستقرئ الأحداث من قبل وقوعها.
وأمام رفض عاميت التعامل معه، لجأ هاريل الى علاقاته الشخصية داخل الموساد، مستعيراً ملفاتها السرية، متصيداً أخطاء عاميت، وعرضها على رئيس الوزراء مباشرة، بعدما يستكتب رؤساء الأقسام تحليلات تقييمية لها، مركزين على عيوبه فقط.
كان هاريل قد ندم كثيراً على استقالته، في أعقاب عملية دامو كليس الفاشلة عام 1963، وهي قضية العلماء الألمان في مصر، واستناداً الى مصادر عديدة، فقد آلمه اختيار عاميت ليخلفه، ورأى أنه من الصعب عليه أن يقبل ذلك، فسعى باستماتة لإزاحة عاميت، وكان الصراع بينهما – كما قال إسرائيل ليور المستشار العسكري لأشكول – يشبه الى حد كبير صراع يأجوج ومأجوج.
لقد كان على عاميت أيضاً أن يناضل، فهو يريد أن يصنع له تاريخاً، وأن يتبنى عمليات مخابراتية تردد اسمه على مدى التاريخ، لكن مساعده ياكوف كاروز – خادم هاريل الأمين – كان يقف له بالمرصاد، ويسرب أسراره الى هاريل أولاً بأول، ليستخدمها ضده فيما بعد. ووصلت المواجهة الى قمتها في نوفمبر 1965، عندما انكشفت قضية بن بركة وهي من أخطر القضايا التي واجهت المخابرات الإسرائيلية، منذ فضيحة لافون في مصر عام 1954. إذ ظهر تورط الموساد في خطف بن بركة وقتله.
اثارت فضيحة بن بركة تحقيقات داخلية في الحكومتين الإسرائيلية والفرنسية، وطالب إيسير هاريل بإقالة عاميت أو استقالة أشكول، لكن محاولاته باءت بالفشل، وأدت الى تزايد هوّة الخلاف مع عاميت وأشكول على حد سواء.
خلال تلك الفترة، كانت المخابرات المصرية قد اقتفت أثر النقيب طيار عباس حلمي، وتوصلت لمخبأه في العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس، ثم اعتقلته بأحد "البيوت الآمنة" الى أن تمكنت من تهريبه سراً، وإعادته في صندوق الى القاهرة لمحاكمته وإعدامه.
كان الطيار الهارب دائماً تحت أعين رجال الموساد هناك، ولما اختفى لفترة طويلة حاولوا عبثاً أن يعثروا عليه، وجاء ذلك متأخراً، فقد كان وقتها بالقاهرة يخضع لتحقيقات أمنية لا أول لها من آخر، وتسرب الخبر لتنشره بعض الصحف الغربية، وتلزم القاهرة الصمت دون أن تنفي أو تؤكد، حفاظاً على العلاقات الدبلوماسية بين مصر والأرجنتين.
وكان وقوع النبأ على عاميت كالصاعقة، وأسرع باستدعاء المنجمة العجوز "يَشّا"، فنظرت اليه في إشفاق وقالت:
ضخ ما بفكرك لـ "فاردي" وانسى ما مضى.
دهش عاميت لما تقول المرأة، فما كان بالفعل يفكر به لهو الجنون بعينه، ولم يشأ أن يطلع عليه إنسان قط.
فمع النحس الذي لازمه طويلاً ويرفض أن يغادره، فكر عاميت في عملية يتفوق بها على سلفه هاريل، وترفعه الى مصاف عباقرة رؤساء الموساد، وطرأت بفكره تفاصيل العملية الخارقة، فأخذ يرسم خطواتها ويحسب نتائجها، حتى تحولت الى هدف ذو قوة دفع هائلة، تحثه لأن يتخذ خطوات نحو تنفيذها، مهما كلفه ذلك. وكانت فكرة عاميت الجريئة السفر الى القاهرة، للقاء الرئيس جمال عبد الناصر، والمشير عبد الحكيم عامر، والتباحث معهما في سرية للوصول الى حل سلمي، ينهي الصراع العربي الإسرائيلي، فتحقن الدماء، ويخف ضغط التسابق التسليحي والحربي، من أجل النهوض الاقتصادي وأمن الشعوب ورفاهيتها.
لقد أدهشته حقاً ما قالته تلك العجوز المنجمة "يَشّا"، التي كثيراً ما لجأ اليها كبار رجال الدولة في إسرائيل لكشف طالعهم، وما أدهشه أكثر أنه لم يجلس اليها مع "فاردي" سوى مرة واحدة، وكان ذلك في نهاية عام 1962، عندما كان يترأس جهاز المخابرات العسكرية "أمان". وما إن انصرفت المرأة، وإلا استدعى فاردي الى مكتبه، وحدثه بما قالته وسأله عن مرات لقاءه بها، فأوضح له أنها تلك المرة الوحيدة التي كانت بمكتبه في أمان. فتعجب عاميت للأمر، وأفضى لمعاونه بما يفكر فيه، وبرغم غرابة الاقتراح المثير فقد اقتنع به فاردي، وكان أن يشجعه ذلك على المضي قدماً لعرضه على رئيس الوزراء.
كان مائير عاميت في واقع الأمر رومانسياً هادئ الطباع، يقرأ في الأدب الفرنسي ويحب الموسيقى الهادئة، وأكثر ما كان يؤرقه فشله في الإنجاب. فقد مرت على زواجه إثنتي عشرة سنة، ولم تتقدم حالته الصحية، برغم العلاج المكثف والجراحات، وكأن مصيره أن يبقى هكذا طوال حياته بلا أولاد كشجرة بلا جذور سرعان ما يعطب جذعها ويتهاوى.
هذا الهاجس كان مؤلماً ومثيراً لشجنه، وتؤلمه أكثر نظرات زوجته الحزينة، عندما تلاطف أطفال الأقارب والأصحاب.
حتى فكرة السفر الى القاهرة كان مبعثها الخوف على أطفال الشعب اليهودي في إسرائيل، الذين سيعيشون حياة اليتم حتماً، والتشرد، طالما الحروب مع العرب ستظل مستمرة ولن تنقطع.
لقد كان عاميت يشعر بحساسية عالية تجاه اليتامى، ضحية الحروب والدمار، ويملؤه وجع يتعاظم مع التهديد الدائم بالحرب من قبل العرب، فها هو عبد الناصر يمرن رجاله في اليمن على إبادة إسرائيل، واكتظت مخازن أسلحته بأحدث ما أنتجه السوفييت من طائرات ودبابات وصواريخ. وكان من الواضح، إنه يكثف السلاح ليستدير ناحية إسرائيل، ويدكها بمساعدة سوريا والأردن، ويقذف بشعب إسرائيل الى البحر.
ويعترف عاميت بأن الرعب من الحرب تملكه لفترة طويلة، لذلك سعى الى عرض فكرته على رئيس الوزراء، ومستشاره الاستخباراتي إيسير هاريل.
وصرخ ليفي أشكول في وجهه مستنكراً، بينما كان هاريل المتحفز دائماً، هادئاً لأول مرة، وقال "إنه الجنون بعينه، أن يسعى رئيس الموساد الى الوقوع بين يدي العدو"، وأشار موضحاً أنه في حالة إلقاء القبض عليه واستجوابه في مصر، فقد يضطر الى الكشف عن أسرار لا يحلم بها المصريون.
وحاول عاميت جاهداً إقناعهما، لكن تأثير هاريل على أشكول كان ذا فعالية، وقالا إن إجراء مفاوضات مفتوحة مع مصر مسألة مغلفة بالشك، وعائقة، ومستحيلة، وانتصرا عليه في النهاية. .فسكت على مضض، وهو يعتقد بحسرة ومرارة، أنه لو طار الى القاهرة بصورة سرية، لأمكن التوصل الى تفاهم مشترك، يجنب الشعب الإسرائيلي مغبّة الدمار والاستئصال.
إلا أنه لم يكن هنالك مؤيدين لاقتراحه، في ظل ازدياد التوتر على طول الحدود مع كل من مصر وسوريا بصورة حادة، الى أن ظهرت حقائق جديدة، جاءت مصادرها من إسرائيل نفسها، ونشرتها صحيفة "معاريف" بتفاصيل نسردها كما هي. وكان ذلك في 21 أبريل 1997.
يتبع...

الضبع 09-06-2008 12:44 PM

العملية رقم سبعة ـ الفصل الخامس



إن هذا الضابط المصري . .
ربما كان مفتوناً بناصر . .
ومن ثم فقد أراد أن يغرر بكبار الدببة الإسرائيليين . .
حتى يقدمهم حليقي الرؤوس . .
مكتوفي الأيدي . .
منكسري الأنفس . .
كهدية متواضعة . .
يكفي ناصر أن يحس بزهو أجهزته . .
وهو يرى نظرات الذل تطفر من عيونهم . . ! !

رئيس الموساد الأسير

"لا . . لا بد أن القاهرة نصبت لنا مصيدة . . فمصر لا تحب إسرائيل الى هذا الحد". . من شريكنا في المحادثات؟ .. أليس من حاول أن يعبئ أشخاصاً داخل صناديق ويرسلهم الى مصر". . "إنها قصة خيالية ومن المستحيل ألا نندهش". . "إذ قبلت مصر أن يتدخل ديجول ويضمن سلامة الوفد. . ساعتها سنصدق".

هذه العبارات التي تم ترديدها في اجتماع على أعلى مستوى برئاسة ليفي أشكول، كانت سبباً في إحباط خطة مصرية لاستدراج مائير عاميت رئيس جهاز الموساد، وتسفي دينيشتاين نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، الى مصيدة في القاهرة خلال فبراير عام 1966. وفي آخر لحظة كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية النقاب عن هذه المصيدة، لكنها حاولت من خلالها تكريس وهم مفاده أن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وافق على إجراء محادثات سرية مع مسؤولين إسرائيليين كبار، وأن مخاوف تل أبيب من تدبير "مصيدة" أعدها جهاز المخابرات المصري أفشل هذا التوجه . . اليكم القصة من البداية وكما روتها معاريف. في 21/4/1997. (1)

هذه القصة غريبة . . حيث يقوم جهاز تجسس بعمل ظاهره ليس التدبير لحرب أو عمليات عدائية سرية أو علنية، وإنما الظاهر أنه جهد للتوصل الى سلام.

بداية الخيط قام به رجل أعمال أوروبي ثري، على علاقة وطيدة بجهاز الموساد الإسرائيلي، وذلك لتجنيد مهندس ماكينات غامض وواسع الخيال، يقوم في إحدى العواصم الأوروبية، وشارك في برامج مصرية لتطوير الأسلحة.

في صيف عام 1964 اجتمع رجل الأعمال الأوروبي، بالمهندس الذي كان على علاقة بمصر، وفاجأه بالقول:
لماذا لا تدير الدفة. . وبدلاً من أن تعمل ضد إسرائيل . . تنضم اليها؟ .
ذهل المهندس المشارك في تطوير الأسلحة المصرية، وهنا انزعج العميل الإسرائيلي وسارع بتعديل اقتراحه قائلاً:
إنني لا أقصد أن تعمل من أجل إسرائيل .. ولكن أن تعرض خدماتك كوسيط بينها وبين مصر.

بانتهاء هذه العبارة أفاق المهندس (الذي رمزت اليه الصحيفة باسم ستيف). ورد قائلاً:
إن المصريين سيقصفون رقبتي لمجرد أن أطرح مثل هذا الاقتراح. .كما أن القاهرة وتل أبيب تخوضان صداماً عنيفاً حول موضوع اللاجئين.

وبعد جلسات سرية متكررة استمرت شهراً، اتفق ستيف مع العميل الإسرائيلي على أنهما سيحاولان عرض الفكرة على الطرفين.

وفور الاتفاق سافر عميل الموساد الى تل أبيب، وعرض الأمر على قادة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي. . فقرر الجهاز محاولة "إيجاد علاقة" مع ستيف، وتم اختيار اثنين من كبار الضباط، أحدهما يتصل برجل الأعمال الأوروبي "العميل الإسرائيلي" والآخر يحاول الاتصال بالمهندس المرتبط بمصر.

لكن ستيف رفض الاجتماع مع الضابط الإسرائيلي، واقترح ألا تتناول الاجتماعات موضوع اللاجئين الذي كان مثاراً في تلك الآونة، وإنما تكون ذريعتها تدخل إسرائيل لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، حتى تقدم مساعدات اقتصادية لمصر.

وفي زيارة خاطفة قام بها المهندس ستيف الى مصر، عرض الأمر برمته على الجنرال عصام الدين محمود خليل، وهو طيار تولى رئاسة شعبة المخابرات الخاصة بسلاح الجو المصري، ثم عمل بعد ذلك مديراً للمشروعات الخاصة بتطوير الأسلحة المصرية، وتقول الصحيفة الإسرائيلية:
"إن خليل تسلم هذا المنصب الحساس بعد أن قام عام 1957 بإحباط مؤامرة وقف وراءها البريطانيون لاغتيال الرئيس عبدالناصر. وتظاهر بالتعاون مع رؤوس المؤامرة وهما وزير الداخلية المصري ونائب رئيس المخابرات العسكرية المصرية . . (!!)، وفي الوقت الحاسم نقل كل المعلومات الخاصة بتدبير محاولة الاغتيال الى الرئيس عبدالناصر، وسلمه المسؤولين المتآمرين، بعدها أصبح مقرباً من الرئيس.

بعد ثلاثة أسابيع تلقى المهندس ستيف من الجنرال عصام خليل رداً بعد أن عرض الأمر على المسؤولين، قال الرد:
"لا أستطيع أن أقول لك نعم أو لا".
لكن ستيف عرض على العميل الإسرائيلي استعداده للمشروع في محادثات مع ممثل إسرائيل بشرط أن يكون رسمياً، وأن يتم اللقاء في منزل رجل الأعمال "العميل الإسرائيلي".
في بداية يناير عام 1965، عقد المهندس (ستيف) أول لقاء مع ضابط من الموساد، بغرض التعارف، وقال المهندس أنه بعد تحديد موعد اللقاء تلقى تعليمات من القاهرة بأن يحاول الانسحاب أو التهرب، وأن الجنرال عصام الدين خليل أكد له أن محدثه سيكون ضابط مخابرات.

وأكمل قائلاً:
سيحاول تجنيدك لصالح إسرائيل. . ولذا ينبغي عليك أن تكون حذراً وأن تنتهز أي فرصة لكي "تحلبه"، بدلاً من أن يحلبك هو.
وتناول هذا اللقاء الضغوط التي تمارسها إسرائيل على دول الغرب، حتى تمنع تدفق القروض الى مصر.

وفي شهر فبراير 1965، تم عقد لقاء آخر مع الضابط الإسرائيلي، بين اللقاءين توجه المهندس (ستيف) مرة أخرى الى مصر، وقال للإسرائيليين: إن لقاءاته تتم بعلم الرئيس عبدالناصر والمشير عبد الحكيم عامر، كما عرض عليهم أن تتدخل إسرائيل لدى كندا، حتى توافق على إمداد مصر بالقمح، في مقابل شراء 100 ألف بالة من القطن المصري. .
وتقول الصحيفة: إن عائد ذلك كان سيبلغ حوالي 25 مليون دولار ولم توافق عليها إسرائيل، لأن هذا العائد سيتم توجيهه الى تطوير الأسلحة المصرية التي يشرف على مشروعاتها الجنرال عصام خليل.

ومرة أخرى اتصل ستيف بالإسرائيليين، وطلب منهم أن يساعدوه في الحصول على قرض شخصي قيمته 1.5 مليون دولار لمشروعات ومصانع الجنرال عصام الدين خليل. . وبعد تقدير للموقف، وافق الموساد على الطلبين، لكنه وضع شرطاً مهماً وهو ألا تذهب هذه الأموال لأغراض عسكرية، وأن يحصل الجهاز على ضمانات جدية لاسترداد هذه المبالغ.
كان هناك سؤال يزعج الموساد . . وهو: هل لإسرائيل مصلحة في أن تجري اتصالات مع مصر بواسطة المهندس ستيف . . فعلاقاته قوية جداً بالجنرال عصام الدين خليل، كما أن أحداً لا يعرف أين ينتهي الجزء الرسمي من المهمة ويبدأ الجزء الخاص، وربما يخدع المهندس والجنرال المصري جهاز الموساد، ويخصصان الأموال التي يحصلان عليها لتطوير برامج تحديث السلاح المصري التي يشرف عليها عصام الدين خليل، وتقرر في النهاية استمرار الاتصال بستيف على شرط اعتباره مجرد وسيلة للاتصال بشخصية مصرية كبيرة.
وبدأت مطالب إسرائيل:
إطلاق سرح الجواسيس المتهمين في قضية لافون.
إطلاق سراح زئيف جور إريا، ضابط الموساد الكبير الذي دخل مصر على أنه ألماني يدعى وولفجانج لوتز، واعتقلته السلطات المصرية.
بحث عبور السفن الإسرائيلية لمضيق تيران ..
وسحب المعارضة المصرية لمشروع اقتسام مياه نهر الأردن، والذي طرحه المبعوث الأمريكي جونسون.


ولعرض هذه المطالب قرر رئيس الموساد، مائر عاميت، أن يطلب من القاهرة، ضرورة التفاوض مع ممثل مصري له صلاحيات، وليس مع وسيط، لكن مصر رفضت هذا الاقتراح.
وبعد جمود استمر عدة أشهر، عقد المهندس ستيف لقاء مع ضابط إسرائيلي في 21 من سبتمبر 1965، وروى ستيف أن الجنرال عصام الدين خليل يخشى الحضور الى أوروبا، لأنه واثق بأن العالم كله "وبخاصة إسرائيل" يبحث عنه، رغم تطمينات الموساد بأن أحداً لن يقدم على المساس به.

لكن المهندس ستيف أكد أن الجنرال عصام الدين خليل سيظهر نهاية الأمر في أوروبا بشكل مفاجئ، ونصح الضابط الإسرائيلي بأن تعطي له إسرائيل شيئاً دون مقابل، مثل قرض ببضعة ملايين من الدولارات، أو علاقة مع هيئة تمويلية، حتى يمكن للجنرال المصري دعم موقفه من الرئيس ناصر.

لكن ضابط الموساد رد عليه بالقول: "إن إسرائيل لن تعد بشيء حتى يقعد ضباط الموساد مع عصام الدين خليل نفسه".
عندئذ: وصل عصام الدين خليل فجأة الى أوروبا، وأبدى استعداده للاجتماع بضابط إسرائيلي، لكنه طلب تدبير 30 مليون دولار كقرض تطلبه مصر قبل أن يتم اللقاء. وقال إن مثل هذا الاجتماع يحتاج الى إعداد دقيق وضوء أخضر، ويمكن أن يعقد بعد هذا التاريخ بعدة أسابيع.

رجال الموساد في أوروبا قرروا أن يقوموا بعمل مفاجئ، وببساطة اتصل أحدهم بحجرة الجنرال المصري في الفندق، وعرف نفسه بأنه صديق ستيف، وأنه يريد التحدث مع خليل بخصوص القرض الذي تريده مصر.

أدرك الجنرال خليل شخصية المتحدث، وقال إن مصر تريد القرض خلال أسبوعين، فوعده رجل الموساد بأن تل أبيب ستسعى للمساعدة، لكن هناك حاجة للقاء حتى يستوضح من المسؤول المصري بعض التفاصيل.

في النهاية وافق الجنرال عصام الدين خليل، على إجراء مقابلة غير رسمية في لوبي الفندق الذي كان يقيم فيه بباريس. .

جلس الاثنان وأحاط بهما أربعة من جهاز الأمن المصري في دائرة محكمة . . وكان هذا أول لقاء، وسأل الضابط الإسرائيلي سؤالين: هل يعلم ناصر بهذه الاتصالات. . ؟ . .وماذا ينبغي على تل أبيب أن تفعله حتى تتغلب على جو عدم الثقة؟ .
قال الجنرال خليل: إنه لا يمكن أن يؤكد أو ينفي علم ناصر والمشير عامر بهذه الاتصالات، أما ما بنبغي على تل أبيب أن تفعله، فهو أن تعمل على استئناف المساعدات الأمريكية لمصر، وتساعد على حصولها على قرض قيمته 30 مليون دولار.

وطلب الجنرال عصام الدين خليل أن يحصل من إسرائيل على رسالة خطية، كما اتفق الضابطان على الاجتماع مرة أخرى بعد بضعة أيام في عاصمة أخرى بأوروبا لتسليم الرسالة المطلوبة.

أعدت إسرائيل الخطاب فعلاً بعد موافقة رئيس وزرائها ليفي أشكول، لكن خليل لم يحضر الاجتماع الذي كان مقرراً، واجتمع مع رجال الموساد في مكان آخر بعد عشرة أيام من التاريخ المحدد.

بعد فترة ظهر المهندس ستيف في الصورة مرة أخرى، وقدم خطاباً تلقاه من الجنرال خليل يعينه فيه ممثلاً لشركته، ويفوضه بتوقيع عقود بدلاً منه.

في هذه المرحلة أوصى رجال الموساد في أوروبا، بأن يدخل رئيس الموساد بشحمه ولحمه الصورة. . ووصلت برقيتهم الى إسرائيل الساعة الواحدة والنصف صباح الأول من فبراير عام 1966، وبعد بضع ساعات أقلت مائير عاميت طائرة خاصة الى أوروبا، وبعد الظهر كان يجلس أمام الجنرال محمود خليل في فيلا يملكها المهندس ستيف.

وتقول الصحيفة الإسرائيلية، إن خليل عندما سمع أن شريكه في المحادثات هو الجنرال عاميت، اجتاحته شكوك ومخاوف من احتمال أن يحدث استفزاز له، أو أن يتعرض لعملية اختطاف، لذا كانت هناك حاجة الى تدابير أمنية منها تقديم موعد الاجتماع بشكل مفاجئ لمدة ساعتين.

ويروي أحد من حضروا هذا اللقاء، أن خليل كان يبدو خلال الاجتماع في كامل وجاهته مفعماً بالنوايا الحسنة. . ظل (لعدم علمه بما ينبغي أن يفعله) يمطر الحاضرين بالابتسامات والنكات والربت على الأكتاف.

قال عاميت أنه ينبغي إزالة الشكوك المتبادلة قبل الخوض في أية مواضيع، وأن ما سيتم التوصل اليه سينفذ نصاً وروحاً.

وعلق خليل قائلاً: إذا ما علم أمر هذه الاتصالات فسوف يكون ذلك كارثة حقيقية.
وعرض رئيس الموساد مقترحات إسرائيل. . ومنها أنها مستعدة لمنح مصر قرضاً قيمته 30 مليون دولار عن طريق بنك أوروبي بضمان مجلس القطن المصري . . ومستعدة لوقف الـ "سبوتاج" الذي تقوم به ضد مصر في الولايات المتحدة ودول أخرى.
في مقابل ذلك تطالب مصر بإعادة النظر في مشروع جونسون، وإقامة خط ساخن للاتصالات، وخفض الدعاية المضادة لإسرائيل.



نظرات الذل

استغرق الاجتماع ثلاث ساعات، عاد بعده خليل الى مصر، وأرسل ردوداً إيجابية عن طريق المهندس ستيف، بعد أن أجرى مناقشات طويلة مع المشير عبد الحكيم عامر، الذي نقل موجز هذه المناقشات الى الرئيس ناصر (كما تزعم الصحيفة).

وأعلن المصريون استعدادهم للإفراج عن جواسيس فضيحة لافون، كما ردوا إيجابياً على نقاط أخرى، لكن أهم ما في الموضوع، هو وجوب أن يعقد اللقاء الختامي ما بين مائير عاميت رئيس الموساد، والجنرال عصام الدين خليل، فقي القاهرة بدلاً من أثينا. وكانت الحجة أن عبد الحكيم عامر يخشى على حياة عصام خليل، ومن هنا نبت اقتراح أن يأتي عاميت ومرافقوه الى القاهرة بجوازات سفر مزورة، وأن ينزلوا في فيلا خاصة كي يلتقوا فيها بخليل والمهندس ستيف!!

بدأت المناقشات بين قادة إسرائيل حول هذا الموضوع حتى قبل عودة عاميت الى تل أبيب. أولى هذه المناقشات تمت يوم 3 من فبراير بعد اجتماع رئيس الموساد مع الجنرال المصري بيومين، اشترك في المناقشة ليفي أشكول رئيس الوزراء، سابير وزير الخزانة، جولدا مائير (سكرتيرة الماباي في ذلك الوقت)، تسفي دينيشتاين نائب وزير الدفاع. . أجمع الكل على أن الأمر "أجمل" من أن يكون حقيقاً، لكن هذا الاجتماع لم يصل لشيء فرئيس الموساد الذي عاش الأحداث لم يكن موجوداً!

وفي الثامن من فبراير هبط عاميت من طائرته في تل أبيب واتجه مباشرة الى مكتب رئيس الوزراء . . وأعد أثناء وجوده في الطائرة ورقة موقف، كما اقترح تشكيل الوفد الذي يتجه الى القاهرة بعد أسبوع "15 فبراير" من رئيس الموساد، ورجل الاتصال العميل للموساد ودينشتاين نائب وزير الدفاع.

عندما وصل عاميت الى مكتب أشكول وجد هناك إيسير هاريل، المستشار الخاص للمخابرات والأمن وسلفه في رئاسة الموساد، وعاد يافيه المستشار السياسي، ودينشتاين نائب وزير الدفاع، ثم انضم الى النقاش بعدها الوزراء: بنحاس سابير، ويسرائيل جاليلي، وزالمان آران، إضافة الى آرييه لفافي مدير عام وزارة الخارجية.

وجد رئيس الموساد جواً معادياً ومتحفظاً من المشاركين في الاجتماع.. قاد المعارضة إيسير هاريل الذي قال إن لمحمود خليل حساباً دموياً مع إسرائيل (بسبب إضرارها واعتدائها على العلماء الألمان) وأن الضمانات ليست كافية، ومن يدري إذا لم يكن خليل قد جاء الى ناصر قائلاً له: سأتي لك برئيس الاستخبارات الإسرائيلية، وأن الستار سوف يكون الحديث في قرض.

وبما أنه ليست هناك ضمانات كافية تكفل أمن وسلامة الوفد الإسرائيلي، فإنه لا ينبغي السفر مطلقاً الى القاهرة، وبخاصة أن الذين سيسافرون يحتفظون بأدق وأهم أسرار الدولة. إنه سيتلقى شخصية غامضة للغاية ومشكوكاً فيها، علاوة على أنه نصاب دولي (يقصد ستيف).
وكان اعتراض إيسير هاريل على السفر الى القاهرة، ينبع بصفة خاصة من احتمال أن تكون هناك مصيدة، وتساءل سابير عن سبب عدم الالتقاء في دولة أخرى. . وقال زالمان آران: "لو كان هذا الأمر جاداً لما اقترح المصريون عقد هذا الاجتماع بالقاهرة، الى هذا الحد تحب مصر إسرائيل، وتريد حضور وفد لها للقاهرة. . ؟ وإن كان لا بد هل يسافر الى القاهرة أناس من نوع مائير عاميت أو تسفي . . ؟ إن العالم لم ينجب بعد الشخص الذي لا يمكنه أن يعترف بكل شيء إذا تعرض لعمليات ضغط وتعذيب. . (!!) ومن هذا الشريك في المحادثات . . ؟ إنه ذلك الذي عبأ أشخاصاً داخل صناديق ليرسلهم الى مصر فعلى أي أساس نصدقهم؟؟
وكان الوحيد الذي أبدى حماساً للفكرة، هو الوزير جاليلي، إلا أنه كان يخشى هو الآخر فكرة السفر حيث قال: "إنها قصة خيالية ومن المستحيل ألا نندهش، إن فكرتهم في حد ذاتها لدليل تقدير لقوتنا، إنني أقدر جداً السفر الى القاهرة ولكن من المستحيل السفر الى هناك بدون اتخاذ تدابير أمنية ودون أدلة تثير الثقة، من ذلك على سبيل المثال الإفراج عن السجناء قبل الزيارة".

وحاول عاميت إقناع المشتركين بأنه أطلع على نوايا المصريين من خلال اتصالاته مع خليل. فقد قال لهم: إنه لا يعتقد أن المسألة مجرد لعبة.

وقال رئيس الموساد: "إنه من الممكن قتل هذا الموضوع وهو في بدايته ولن يحدث شيء، ولكن أرى أن علينا أن نتخلص من الخوف من حدوث مخاطرة، وأن نزيح جانباً موضوع النقود وأن نمسك الثور من قرنيه".
وعقب جاليلي على قوله ساخراً: "لكن القضية تكمن فيما إذا كان هذا ثوراً أم تيساً؟" فأجابه عاميت: "أعتقد أنه ثور".
وقال رئيس الحكومة، أنه شخصياً لا يخطر بباله، أن ثمة خطر على حياة الأشخاص الذين سيسافرون، لكنه خلص الى استنتاج على ضوء ما قاله المشتركون، وما أعربوا عنه من إحساس مؤداه أنه ينبغي أن يعقد لقاء آخر خارج مصر.

واستمرت المناقشات الى اليوم التالي بتشكيل مختلف بعض الشيء، وهناك ورد تبرير آخر خيالي يكشف الى أي حد وصل اليه المعترضون من تفكير وهو: "ماذا سيحدث إذا ما أفرج المصريون عن أناس آخرين غير السجناء اليهود؟"

وأخيراً تمت بلورة الرد والاقتراح التالي الذي سيعرض على مصر وهو: إن إسرائيل سوف تودع 30 مليون دولار في حساب خاص في سويسرا كدليل على نواياها الإيجابية، وأن يبلغ ستيف، بأنه قد تقرر عدم الحضور الى مصر، وإن إسرائيل تقترح عقد لقاء آخر بدلاً منه في أوروبا، وأن إسرائيل تطلب مجيء الجنرال خليل في 15 من فبراير لعقد اجتماع معهم في أوروبا، على أن يبلغ بأننا مستعدون للمجيء مستقبلاً الى مصر، إلا أن هناك مشكلة الضمانات، وتقترح إسرائيل أن تقدم الضمانات بواسطة الرئيس الفرنسي ديجول، وأن يبلغه ناصر بأن وفداً إسرائيلياً سوف يصل الى القاهرة، لإجراء مباحثات حول موضوع العبور في قناة السويس، وأن يكون ناصر، شخصياً، مسؤولاً عن سلامة الوفد، وعندما تتلقى إسرائيل تأكيداً من ديجول على أن مثل هذه الرسالة قد وصلته من ناصر، يمكن للوفد الإسرائيلي أن يذهب الى القاهرة.

وتوجه عاميت بالرد الإسرائيلي الى أوروبا، ونقل هذا الرد الى ستيف، وطلب اليه أيضاً نقل رسالة الى الجنرال خليل بأن الجنرال عاميت يريد مقابلته مرة أخرى الى أوروبا.
أعرب ستيف عن خيبة أمل كبيرة إزاء القرار الإسرائيلي بعدم السفر الى القاهرة، وقال إن هذا القرار يعد تراجعاً كبيراً من جانب إسرائيل.

ومن هنا أخذت القضية تموت شيئاً فشيئاً، ولم يفد في إنقاذها من الموت حتى الرسالة الخطية التي سلمها عاميت لستيف، والتي تتضمن بالإضافة الى بنود الاقتراح الإسرائيلي بشأن القرض، إطلاق سراح السجناء اليهود وغيرها، والتي ذهب ستيف شخصياً الى القاهرة ليسلمها للجنرال خليل، وعاد ستيف من هناك مكتئباً قائلاً أن الرسالة أغضبت جداً خليل الذي قال له، إن إسرائيل قد جعلته موضع سخرية القائمين، الذين ظلوا يقولون له طول الوقت أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى خدعة إسرائيلية قذرة.

وأضاف ستيف أن المصريين أصبحوا الآن يتشككون بأنه يتعاون مع الإسرائيليين، بل إن الجنرال خليل قال إنه غير مصدق أن الرسالة التي نقلها ستيف اليه كتبها عاميت بخط يده.
ولأن اصطياد الذئاب الكبيرة تم إفشال خطته في آخر لحظة، لم يكن أي شيء آخر مهماً لدى مصر، لذلك تم وقف كل شيء وألغيت دعوات زيارة القاهرة.

وخلال الأشهر التالية، حاول عاميت أكثر من مرة أن يجرب قناة ستيف مرة أخرى، ولكن دون جدوى.

وآخر مرة حاول فيها رئيس الموساد ذلك كان يوم 19 من مايو 1967 قبيل حرب يونيو . . فقد بعث برسالة عاجلة الى خليل، وطلب منه أن ينقل لعبد الناصر رسالة تهدف الى إزالة التوتر ومنع نشوب حرب، لكن كل ذلك لم تكن له جدوى، فقد أفلتت الرؤوس من المشانق، وبعد ثلاثة أيام من الرسالة أعلن ناصر إغلاق مضايق تيران، ثم بدأت حرب يونيو 1967 بعد هذا الإعلان بأسبوعين.

إن هذا الضابط المصري ربما كان مفتوناً بناصر، ومن ثم فإنه أراد أن يغرر بكبار الدببة الإسرائيليين حتى يقدمهم حليقي الرؤوس، مكتوفي الأيدي، منكسري الأنفس، كهدية متواضعة، يكفي ناصر أن يحس بزهو أجهزته وهو يرى نظرات الذل تطفر من عيونهم.
"انتهى ما جاء بالصحيفة الإسرائيلية".

----------------------------
1- يقصد الجاسوس مردخاي لوك الذي حاول المصريون تهريبه من روما الى القاهرة داخل صندوق.

يتبع...

الضبع 09-06-2008 12:47 PM

العملية رقم سبعة ـ الفصل السادس





كان الأمر أكبر كثيراً من حدود تفكيره . .

وطموحاته . .

لكنه استعذب اللعبة . .

وما كان يعلم أن إسرائيل كلها . .

حكومة ومخابرات . .

تنتظر وتترقب . .

وساقته سذاجته الى نهاية مأساوية لم يكن يتوقعها . .

ولم تنته بها أبداً حياة أي طيار عربي آخر . .

من قبل . .

أو بعد . . !!

حارسات الهيكل

الإخفاقات المتتالية لعملية تجنيد طيار عربي، أذهبت بروعة الحلم الذي راود الإسرائيليون والأمريكان كثيراً، وجعلت منه صورة باهتة المعنى مهتزة الملامح. بالرغم من ورود معلومات جديدة من بغداد، تفيد بأن العراقيين لم يكتشفوا بعد سر اغتيال الطيار شاكر، ولم تراودهم شكوك مؤكدة حول مقتل ضاحي في تكساس، بدليل أن طياري الميج 21 الذين كانوا بأمريكا، لم يحرموا من قيادة طائراتهم، أو يستبعدوا كاحتياطات أمنية الى قواعد أخرى بعيدة.

وفي غمرة صراعات مائير عاميت مع نفسه وافتقاده لصديقه العزيز جون ميكون ، وتصاعد حدة الخلافات مع إيسير هاريل، وصلت برقية مشفرة من أوروبا، تفيد بوجود طيار عراقي، يقضي أجازة ترفيهية بمفرده في فرانكفورت. فلم يجتاحه ذلك الإحساس الذي غمره من قبل، عندما أخبره جون ميكون بأمر الدورة التدريبية للطيارين العراقيين. وكل ما فعله عاميت، أنه كتب لمفرزة الموساد في أوروبا لعمل اللازم، وعدم إثارة مشكلات مع السلطات الأمنية في ألمانيا. ففضيحة اشتراك الموساد في قتل بن بركة، كانت ما تزال أصداؤها تتردد، وساءت بسببها العلاقات الفرنسية الإسرائيلية، بشكل حاد.

إلا أن ياكوف كاروز اعترض بشدة، وقال لعاميت إن ذلك يعرض رجالهم في أوروبا للخطر، إذا ما فشلوا في إنجاز المهمة، أو تخوّف الطيار العراقي وأبلغ الشرطة.

وفي اجتماع مصغر، اتفقت الآراء مجتمعة، على أن يغادر إسرائيل فريق عمل، يضم أمهر رجال الموساد، يستطيعون من هناك وضع خطة لتصيد الطيار السائح وإغراؤه بالمال، بناء على الظروف المتاحة، على أن يراعي تلاشي أية أخطاء، قد تنجم عنها أزمات هم في غنى عنها.

وغادرت تل أبيب فرقة العمليات الخاصة، لإنجاز المهمة السرية الدقيقة، ولأنها رغبة عليا، أحيط أعضاء الفريق علماً بأن نجاح العملية، سيحقق أقصى درجات الأمن والحماية لإسرائيل، وأنهم يأملون في ذلك مهما تكلفوا من أموال، وتولى كاروز مسؤولية عمل الفريق ومتابعته في تل أبيب.

أفادت التقارير التي وردت من فرانكفورت، أن الطيار العراقي يستمتع بأجازته الى حد الهوس، ويقضي غالبية وقته ما بين البارات، وبين الشوارع المشهورة ببيوت الدعارة، كما لوحظ إهماله للمحاذير المتعارفة لحماية أمنه الشخصي، ففي حالات سُكْره لا يتورع عن المباهاة بوضعه كطيار حربي، وسرد أسرار عسكرية هامة تمس سلاح الطيران العراقي، وقادته، مما أثار انتباه رجال السافاك في ألمانيا، الذين بدأوا يحومون حوله.

ملحوظة أخرى هامة تضمنها التقرير، تشير الى ولع الطيار العراقي بالنساء، وسلوكه الغريب نحوهن، إذ لا يصادق فتاة يوماً بأكمله، لأنه يهوى التنوع، ويفضل الفتيات النحيلات ذوات الصدور النافرة.

معلومة كهذه لا يمكن لرجل استخبارات ملاحظتها، إلا إذا كان واسع الخبرة فائق الذكاء. فرجل عادي لو أتيح له أن يكتب تقريراً كهذا، لأوضح أن فلاناً متعدد العلاقات، أو دائم البحث عن فتيات جديدات، أو لا يفضل الاحتفاظ بعلاقات نسائية طويلة.

وفي عالم المخابرات والجاسوسية، يهتم الخبراء بأبسط التفاصيل وأقلها، ففيها مفاتيح تحليل الشخصية، وإجابة عن السؤال الهام: كيف سيتم التعامل مع شخص كهذا. . ؟وما هي رخصة اقتحام ذاته من الأغوار . . ؟ لقد كان الطيار العراقي إذن من مدمني الخمر والنساء، وهذا النوع من الرجال يسهل احتوائه، والسيطرة عليه، بواسطة فتاة رائعة الأنوثة والإثارة، تفوق جملة ما عرفهن من قبل.

إن تاريخ اليهود القديم مليء بقصص الجاسوسية التي حفلت بالجنس، ودور المرأة في العمليات السرية التي خدمت أهدافهم ومصالحهم، ومنذ قامت الموساد عام 1937 اعتمدت عمل المرأة بجسدها، وأقامت لذلك مدرسة خاصة لتدريب فتياتها على فنون التجسس والسيطرة بالجنس، وأساليب تفكيك الإرادة لدى المطلوب تجنيدهم، وبرعت في ذلك نساء عديدات، كن العامل الأساسي لإنجاح عمليات الموساد في تصيد الجواسيس، وصنفن على أنهن دُرر "فدائيات نجمة داود"، و "حارسات الهيكل" .

وكان إيسير هاريل أول رئيس للموساد، يتوسع في استخدام النساء المدربات، للقيام بمهام تجنيد الخونة، معتمداً على نسوة جميلات ماهرات، آمنّ بأهمية العمل "المقدس" في سبيل إسرائيل.

ومن بعده جاء عاميت، الذي قال في ذلك: "نحن نستخدم النساء، ذوات الصفات الخاصة جداً، في المهام التي تستدعي ذلك، فالمرأة ذات فوائد عظيمة في عمل المخابرات، فهي لا تثير الشكوك حولها، ويوحي تواجدها مع زميل بأنهما زوجان أو عشيقان، فلا يجذبان انتباهاً في عمليات المراقبة".

ويضيف: "وتقوم الموساد باستخدام المرأة في نصب المصائد الجنسية، ولمرة واحدة فقط، أحياناً، حيث توظف الموساد الجنس كأهم الأسلحة في عملياتها السرية، وإنه لتصرف شائع، أن يتم استخلاص المعلومات من الجواسيس والمخبرين العرب، الذين تديرهم الموساد أو أمان، بأخذهم الى مكان هادئ، فيكافأون على عملهم بتوفير الفتيات لهم، ويتم تصوير ممارساتهم لاستخدام الصور للضغط الابتزازي، لضمان ولائهم لإسرائيل". !!!

ولا عجب أن تصل شهرة بعض نساء الموساد الى الآفاق، لإجادتهن فنون السيطرة، ونزف أجسادهن تضحية وحباً في أرض الميعاد. ومن أشهر هؤلاء النسوة المدربات المحترفات، يولاند هارمور التي ولدت في مصر، وسيلفيا رافائيل التي اشتركت في تعقب الفدائي الفلسطيني علي حسن سلامة، وكانت من بين المعتقلين من رجال الموساد في النرويج، إثر فضيحة ليليهامر في يوليو 1973.

أما شولا كوهين ، فكانت أسطورة الجنس بحق، إذ تمكنت بفضل جسدها المثير من تأسيس شبكة جاسوسية خطيرة في لبنان، وتستحق بلا مبالغة لقب "ماتاهاري" إسرائيل ، الى جانب هؤلاء كانت هناك أيضاً سارة أرونسون وليلي كاستيل ومئات الأسماء التي تزدحم بها ملفات جهاز المخابرات الإسرائيلي، لنساء يهوديات عملن بإخلاص لنصرة الصهيونية، وانتصرن في حروبهن على أسرِّة الخونة.

ترى من منهن أرسلت الى فرانكفورت، لإذابة الطيار العراقي محمد رغلوب . . ؟

صائد الغزلان

غادر صالة مطار فرانكفورت، وخرج من الباب الدوار المطل على الساحة، لتلفحه نتف الجليد المتساقطة، وبرودة الطقس التي سجلت ثلاث درجات تحت الصفر. وبإشارة سريعة توقف التاكسي، فترك السائق يعبئ حقائبه ودلف الى السيارة تصطك أسنانه، برغم البالطو الثقيل المبطن بالفرو، الذي يرتديه فوق ملابسه.

كان الطيار العراقي قد بذل محاولات مضنية، ليحظى كالعادة بأجازة يقضيها في فرانكفورت بمناسبة الكريسماس، لكن المسألة لم تكن سهلة أبداً، ولأول مرة منذ سنوات، يحرم من بهجة الاحتفالات في المدينة العريقة الرائعة، ويحصل بما يشبه المعجزة على أجازة، تبدأ في 12 يناير 1966، فيغادر بغداد حانقاً وقد عقد العزم على استغلال كل لحظة في التمتع، تعويضاً لحرمانه من مغادرة العراق طوال عام كامل.

لقد عشق تلك المدينة الساحرة، عروس نهر الراين، منذ رآها لأول مرة أثناء عمله كطيار مدني، بشركة الخطوط الجوية العراقية، وتردد عليها كثيراً وكأنما ربطته بها علاقة حب آثرة، تذكي بداخله عاطفة اللهفة كلما غاب عنها.

لذا . . فقد حفظ الشوارع والمتاجر والحدائق، ورسم بعقله أزقتها ومقاهيها، ونوادي الليل والدعارة التي تجتذب روادها من سائر القارات، للاستمتاع بالرقص، وبفتياتها الجميلات الساحرات اللائي جئن من أوروبا وروسيا، يعرضن فنون الإثارة والجاذبية.

هكذا جمعت المدينة الكبيرة كل ثقافات العالم، تتلخص في زوار متباينو الميول والأيديولوجيات، فكان ذلك مدعاة لانتشار عملاء أجهزة الاستخبارات المختلفة، شرقاً وغرباً، يتربصون بأولئك الذين تصنعوا الوقار في بلادهم، وجاءوا الى فرانكفورت بثياب المجون. ومع هذا الازدواج في الشخصية تطفو نقاط الضعف، فيستغلها صائدو الجواسيس بمهارة، ويجرجرون ضحاياهم من حيث لم يدروا، الى مستنقع الخيانة، وعالم الأسرار والغموض والعجائب.

كانت الساعة تقترب من الخامسة صباحاً، عندما توقف التاكسي أمام فندق بريمرهافن، وترجل محمد رغلوب في دعة، ومن خلف زجاج نافذته بالطابق التاسع ألقى نظرة على المدينة الساهرة، حيث كانت الأضواء تتلألأ على ضفتي الراين، والجليد يغطي الأشجار والأسطح والشوارع، لكن مواخير الفسق لا تعرف الجليد، فحرارة الأجساد والرغبات حارقة. . لاسعة . . مؤججة.

ارتمى رغلوب يسعى لنيل قسط من الراحة، حتى يتهيأ للاستمتاع بأجازته، ينغص عليه بهجته ضآلة المبلغ الذي تمكن من تحويله بواسطة البنك، نتيجة القرارات الاقتصادية التي أُقرت أخيراً في العراق، وقيدت الى حد كبير استبدال العملة خارج البنوك، ففتحت مجالاً أوسع للسوق السوداء، الذي لم يتمكن رغلوب من اللجوء اليه لضيق الوقت. ونام مرهقاً ينتظر اليوم الجديد، مستعرضاً في خياله لياليه الأسطورية في ألمانيا الغربية، وفتيات عرفهن من كل لون، مائسات، حمر الخدود، براكين صهدهن في الشفاه، إذا تأودن رقص النعيم منجرفاً، وضج لرنات همسهن الجمود.

كان يمني نفسه بمغامرات جديدة، ووجوه لم يألفها من قبل، فلذة الاستمتاع عنده تتعاظم إذا ما تصيد وجهاً جديداً، وما أكثر ما كان يبحث عنه وأسهله. فبعد أيام قلائل في فرانكفورت، غرق الطيار العراقي لآخره في بحور الخمر والنساء، الى أن أوقعه حظه في شرك شاب إيراني، سرق معظم ما معه ولم يترك له سوى بضع ماركات، فأبرق الى أسرته لإنقاذه بتحويل بنكي من العراق.

ولد محمد رغلوب في بغداد عام 1930، وعاش بحي المنصور – أرقى أحياء المدينة – حيث تتجمع السفارات والفيلات والقصور، وتكثر البساتين والميادين والحدائق. إذ نشأ في أسرة ثرية متنقلاً منذ صغره بين عواصم أوروبا في رحلات عائلية، بدلت الكثير من أفكاره، لذلك شبّ محبّاً للسفر، مدركاً الفوارق بين تقاليد الشرق وانطلاقة الغرب وتحرره، متمنياً أن يعيش بقية حياته في أوروبا.

وبعدما أنهى دراسته سنة بعد أخرى، تخرج طياراً مدنياً في أمريكا، وبضغوط شديدة من أسرته، ترك شركة بان أمريكان وعاد الى بغداد، ليلتحق بالخطوط الجوية العراقية، يجوب مطارات العالم شرقاً وغرباً، مستغلاً رحلاته في البحث عن الملذات بين أحضان الحسان، متذوقاً مغامراً، يقذف بنفسه أمام كل فاتنة تصادفه، يساعده شبابه الغض ووسامته، وثراؤه.

وذات رحلة تجارية للشركة الى بانكوك، تجول بين أسواق المدينة ومواخيرها، فلم ترق له فتيات آسيا النحيلات القصيرات، وعرج الى البار بالفندق فشرب حتى الثمالة، وصعد الى حجرته مترنحاً وقد عز عليه أن يبيت ليلته بلا مغامرة، فهرب منه النوم، وأرقته الرغبة، ولم يجد حلاً سوى أن يطرق باب حجرة زميلته المضيفة الرومانية، ليليانا، التي تبينت سكره الشديد، ونيته، فحاولت صرفه بلطف، لكنه وهو الفاقد العقل اندفع كالثور الهائج، واغتصبها عنوة. بعدها طرد من الشركة مفصولاً، تسيِّجه الخيبة والفضيحة، ولو لم تنظر زوجته بعين الاعتبار لأولادهما الثلاثة، لطلقت منه غير نادمة. لكنها آثرت البقاء بالبيت لرعايتهم، حيث لن ينفعهم أب مستهتر ماجن، تسبقه فضائحه الى حيث يمشي.

وبمحاولات مستميتة للأسرة والأصدقاء، حصل محمد رغلوب على وظيفة جديدة بقوات الطيران، وارتدى البزة العسكرية، يتبختر بها في منتديات بغداد، ويتصيد فرائسه من الفتيات المولعات بالضباط والطيارين، ثم أُرسل في دورات تدريبية الى موسكو وبلجراد، لتكون المحصلة في النهاية اعتماده طياراً حربياً، أختير بعد ذلك ضمن الطيارين الذين سيطيرون بالميج 21.

وفي دورة تخصصية بموسكو عام 1962، مارس هناك كالعادة هوايته، وتعرف على ساناشا الأوركرانية الحسناء، التي تعمل كسكرتيرة في سفارة دولة الدومينيكان، فغرر بها، ولما حملت منه وتحرك الجنين ببطنها، وعدها بالزواج إن هي تخلصت من الجنين، متحججاً بأن أهله في العراق سيرفضون، ولن يتمكن من إقناعهم إلا بعدما يرجع الى وطنه، حيث يستطيع استدعائها من هناك. لكن الفتاة النحيلة الرقيقة لم تحتمل آلام الإجهاض، وماتت على سريرها بالمستشفى.

عرف رؤساؤه بالأمر فأعادوه الى العراق، وضمّنوا تقريرهم توصية بمنعه من السفر خارج بغداد في دورات تدريبية، لأنه "برغم كفاءته كطيار للميج 21 فهو لا يقيم للشرف وزناً، ودائم البحث عن نزواته".

هذه التوصية حرمته من السفر الى لندن، وأيضاً حالت دون سفره الى تكساس لدورة قيادة سرب، مع زميله شاكر يوسف، وكان معنى ذلك حرمانه لفترة طويلة من الترقي، وهو الطيار الوحيد الأكبر سناً في مجموعة طياري الميج 21.

لذلك انتابته حالة إحباط تدهور نفسياً بسببها، وتقدم بطلبات للجهات الأمنية، للسماح له بالسفر الى ألمانيا الغربية "لظروف مرضية"، ومع الإلحاح المستمر لعدة أشهر، ودور الوساطات، حصل أخيراً على إذن بالسفر مدته خمسة اسابيع. فغادر الى فرانكفورت يحلم برحلة رائعة، تمسح عنه معاناته النفسية المرهقة، بعيداً عن مطار كركوك الحربي، والمشاكل الأسرية التي ضاق بها.

في ذلك الوقت كانت العلاقات العراقية الإيرانية تبدو طبيعية، لكن الواقع كان بخلاف ذلك، فأكراد كردستان المناوئين يسببون صداعاً مزمناً لشاه إيران، محمد رضا بهلوي، ويمدهم العراقيون سراً بالسلاح، انتقاماً من الإمبراطور الذي فرض هيمنته على شط العرب، وغل أيدآ العراقيين في منطقة يعتبرونها قطعة من أراضيهم.

وبالرغم من علاقات التعاون الوثيقة بين الموساد والسافاك ، إلا أن رغبة الإيرانيين في استقطاب طيار عراقي، بطائرته الميج 21، كانت أمنية غالية لمجاملة أمريكا، التي تحمي عرش الشاه، لإطلاعها على أسرارها، ثم يعيدونها ثانية الى العراق، بعد إثارة أزمة دبلوماسية تستغرق فترة معقولة، يكون الأمريكيون خلالها قد فحصوا الطائرة وتكشّفوا أجهزتها.

ويبدو أن رجال السافاك في أوروبا، تعمدوا سرقة نقود الطيار العراقي للإيقاع به، وهو أسير حالته المادية المتردية، لكن رجال الموساد كانوا هم الأسرع في الانقضاض على رغلوب، قبلما تتخذ السافاك خطوتها التالية.

(1) السافاكSAVACجهاز الاستخبارات الإيراني، قريب الشبه من SAVAGE أي التوحش والبربرية، أنشئ عام 1953 لمساندة حكم الشاه وتعضيده، بعد ثورة مارس التي قادها الدكتور محمد مصدق رئيس مجلس الوزراء، واعتصامه بمبنى البرلمان "بالبيجاما" هرباً من اغتياله. وحكم الشاه إيران بالحديد والنار، حيث اتبع السافاك كل أساليب الوحشية مع الشعب الثائر من أجل تثبيت حكم الشاه بالقوة. .وطارد السافاك المعارضين بالخارج والداخل، وتحت هذه المزاعم أباد عشرات الآلاف من الإيرانيين لقوا حتفهم في سراديب السجون تحت وطأة التعذيب. . وكان رئيس السافاك الثالث والأخير، نعمت الله نصيري، يلقب بالمكروه الأول، ووصف بالسادي المتوحش، وكانت ميزانية الجهاز تتعدى المليار دولار، وبلغ عدد موظفيه أكثر من مليونين موظف وعميل، أما عدد المعتقلون خلال عام 1975 فبلغ مائة ألف داخل السجون. وبعد ثورة الخوميني ظهرت حقائق بشعة عن السافاك، واعتقل رئيسه (نصيري) وحكم عليه بعد محاكمة سريعة، بالإعدام رمياً بالرصاص، ونفذ فيه الحكم فوق سطح المبنى الذي كان يشغله الإمام الخوميني في مدينة "قم".

مصيدة العسل

استعانت الموساد بواحدة من أجمل نسائها، وهيأتها لاقتناص الصياد الماهر الباحث عن الجمال. ففي غمرة انزعاجه لضياع نقوده لم يشأ أن يغادر الفندق، وبقي معكر المزاج ينتظر الإمداد القادم من بغداد.

وفي بار الفندق عاوده الحنين الى المغامرة، فالفتاة الجالسة قبالته بمفردها ذات وجه ساحر، قلما صادف جماله في أوروبا، فالعينان ناعستان تسكران، وبفمها انفراجة مجنونة تلهب الأعصاب، وبجسدها الممشوق أنوثة فتاكة، متوثبة، تعلن عن نفسها في صراحة. ودهش رغلوب عندما رآها توقع فاتورة الحساب، وهتف "ياللحظ السعيد. . إنها إذن نزيلة الفندق".

استحضر مواهبه سريعاً وبعد دقائق قليلة كانت تراقصه، فأذهب عطرها بعقله، وتحفزت كل مجامعه في لهفة للارتواء، وفقد الطيار الذائب اتزانه، وأعصابه. وغادرا البار ثملين الى الطابق التاسع، حيث تقيم الفتاة أيضاً، وأمام حجرتها انخلع ما بقي فيه من عقل، ولم يعد بقادر على الصبر، فدخل معها الحجرة. وبينما يتقلب في حمم اللذة، فينصهر صهراً، وينجرف، يعترف لها بأنه تائه، ثمل، يكره الإفاقة على فراشها، ويكشف لها عن شخصيته الحقيقية، وما حدث له من سرقة نقوده.

ولأنها عميلة منتقاة بعناية لهذه المهمة، ومدربة على كيفية تفكيك إرادته، أذاقته أعاجيب الجنس، وطمأنته عندما قالت له إن بمقدورها مساعدته للتغلب على مشكلة المال، وفي اليوم التالي عرفته على رجل الأعمال "هرفراتز" الذي يقوم بمضاربات في البورصة، وبالحقيقة هو من أمهر رجال فريق الموساد، الذي طار خصيصاً الى فرانكفورت لاصطياده.

اصطحبه فراتز الى سوق البورصة ليضارب مستبشراً بوجهه، على وعد بمنحه عشرة آلاف "فرنك" في حالة تحقيق كسب له. وفي عملية تمثيلية لم ينتبه لها رغلوب، منحه ضابط الموساد المبلغ "بسهولة"، واتفقا على معاودة الكرة ثانية فيما بعد.

على هذا . . استهسل رغلوب الثروة التي هلت عليه، واشترى للحية الناعسة هدايا ثمينة، وأخذ ينفق عليها بسخاء، وعندما جاءته الحوالة النقدية على البنك الاتحادي، أنفق غالبية المبلغ أيضاً عليها وعلى مقامراته، وأحاطته الموساد بحفنة من الحسناوات تكفلن به، وعاش بينهن أياماً كأنها الحلم، واستطاع فراتز انتزاعه من الفندق، وأخذه الى إحدى الشقق الآمنة، حتى يكون تحت السيطرة الكاملة، وبعيداً عن رجال السافاك، وعن رقابة المخابرات العراقية.

بيد أن محمد رغلوب داوم على سلوكه المعتاد، في الإنفاق ببذخ، حتى خلت جيوبه من آخر مارك، وجلس ينتظر في بلاهة لعبة المضاربة التي يجيدها فراتز، لينقده مبلغاً آخر.

لكن فراتز يخيب آماله ويدعي تعرضه للخسارة، بل ويطلب من رغلوب أن يفكر معه بصوت عال، في كيفية اجتياز هذه العقبة. وتركه يلهث بين أحضان إحدى عاهراته، في "مصيدة العسل" الملغمة بالكاميرات وميكروفونات التسجيل، بينما كان بقية أعضاء الفريق منهمكون في التصوير، وقد أخذتهم الدهشة أمام فلتان اللسان الذي أصاب الطيار التائه، وهو يسب قيادته وسلاح الطيران العراقي كله.

وعلى حين بغتة، ظهر فراتز فجأة وبرفقته ثلاثة آخرين، وحاول الطيار العاري سحب ملابسه، وبخطوات محسوبة بدقة ناوله مظروفاً ثقيلاً، يحوي عشرات الصور العارية لرغلوب، وضغط على مفتاح التشغيل فانطلق صوت الكاسيت بالسباب الذي تفوه به، فألجمت الصاعقة لسانه، وارتعدت عضلات وجهه، واهتزت لا إرادياً أطرافه، عندئذ لم يمهله ضابط الموساد لحظظة واحدة ليسترد وعيه، إذ سأله بلهجة فيها الخباثة والوعيد:

صديقي العزيز . . ماذا ستفعل لو أنك تملك الآن مليون دولار . .

أجابه رغلوب وهو يرتجف متظاهراً بالهدوء:
أنا لا أملك الآن مائة مارك . . وتجيئني بمليون دولار.. ؟ لو أن ذلك حدث بالفعل فسأموت من المفاجأة . . سأموت في الحال دون أن أستفيد بنصف دولار فقط.
لدينا عشرات الأفلام وشرائط التسجيل، واحد منها فقط يقودك الى الإعدام. .ونحن لا نرغب في إيذائك طالما سنتفق.
أنتم من . . ؟ وعلام سنتفق. . ؟
نحن أولاد عمومتك. . كلفتنا الموساد برعايتك وإكرامك، و ..
موساد. . ؟
وبين يديك الآن مليون دولار. .ستعيش به هانئاً طوال حياتك أنت وأسرتك، مقابل أن تتعاون معنا. . وهناك ما هو ألذ وأمتع. .فتياتنا. .أجمل نساء الأرض. . كلهن طوع أمرك.
أنا لا أفهم شيئاً هرفراتز.
نريدك أن تهرب بطائرتك الميج 21 الى إسرائيل، وسوف نرتب لك حياة خيالية لا تحلم بها، سنمنحك فيلا رائعة، ورتبة عسكرية في جيش الدفاع، ومعاشاً سخياً مدى الحياة لك ولأسرتك، وستكون ابن إسرائيل المدلل الذي تجاب رغباته بلا نقاش. .


وأما هذا المأزق الصعب لم يشأ أن يرد، وبعد فترة صمت طويلة أدرك خلالها الحقيقة، لم يوافق على العرض ولم يرفض، إنما طلب من فراتز مهلة للتفكير ودراسة الأمر من شتى جوانبه.

كانت الفتاة الأفعوانية العارية، قد غادرت الغرفة حال دخول فراتز ورفاقه، فعادت الى الطيار المذعور ثانية لتهدئته، وفي الوقت نفسه تشوش عليه أفكاره، وتدفعه لأن يوافق بتخويفه من المخابرات العراقية، التي لن ترحمه إذا ما وصلتها نسخة من الأفلام والشرائط.

وبعد ساعتين تقريباً، جلس اليه فراتز يشرح له سهولة المهمة، موضحاً كيفية الهرب بالطائرة عبر الأجواء الأردنية، التي لا تملك الميج 21، وسأله عن رده، فأعلن رغلوب موافقته، واشترط أن يوضع المليون دولار باسمه في بنك سويسري أولاً.

لم يصدق ضابط الموساد أذنيه، وكادت الدهشة أن تصعقه، فالصيد الثمين ها هو يتمايل أمامه مرهقاً مترنحاً، وحتماً ستخور مقاومته وإرادته، وكان عليه محاصرته أكثر وأكثر، وسد ثغرات الهرب دونه. فالحلم الصهيوني أوشك أن يتحقق، ليفرح شعب إسرائيل، ولتفخر الموساد برجالها المخلصين، وبفتياتها الرائعات.

امتدت المفاوضات بينهما وقتاً طويلاً، فراتز يعده بالمبلغ كاملاً بعد وصوله الى إسرائيل بطائرته، ورغلوب أكثر إصراراً على تنفيذ شرطه أولاً.

فراتز يقول له إنه يفاوضه باسم دولة، وما يتوصلان اليه هو ميثاق للتعامل، فيجيب الطيار العراقي بأنه لا يثق في مواثيق اليهود، وهو يريد النقود أولاً. .

فيسأله فراتز عن الضمانات في حالة تسلمه المبلغ باسمه، فيرد رغلوب متسائلاً عن ضماناته هو الآخر.

يعود فراتز ويعرض عليه اصطحابه الى إسرائيل، فيودع المبلغ باسمه هناك، ثم يعيده ثانية الى فرانكفورت، فيقول رغلوب بأنها خدعة جديدة، فكما صوره في فرانكفورت ألن يصوره داخل إسرائيل، ليضطر بعدها الى الهرب بطائرته بدون مقابل. .

استحكم الأمر بينهما الى أبعد المدى، وأغلقت منافذ التفاوض للوصول الى حل يرضي الطرفين، وأخيراً اقترح فراتز أن يرافقه الى باريس للتفاوض مع رئيسه هناك، فربما يوافق على شروطه.

نهاية مقامر بحياته

وفي الطائرة الى باريس، أغمض عينيه وطار مع أحلامه الوردية، وهو يسلم المليون دولار للمخابرات العراقية، ويتسلم قلادة البطولة وشهادات التقدير، ويحصل على ترقية فورية كمكافأة، فيرتفع اسمه الى الآفاق، وتنزاح التقارير السيئة في ملفاته الى غير رجعة.

استغرقه التفكير أيضاً في زوجته التي ستسر كثيراً، وستتقرب اليه بالود القديم الذي راح، حتى أولاده، سيحسدهم زملاؤهم في المدرسة، والشارع، والنادي، ويتحول محمد رغلوب الى بطل من أبطال العرب الذين يفخر بهم التاريخ.

أخذ عهداً على نفسه ألا يتراجع عن مطلبه، فهم يريدون الطائرة وبأي ثمن، والمليون دولار مبلغاً يعد تافهاً قياساً بالطائرة الجبارة، التي ترهق عقولهم وتخيف مغاويرهم. إنه طيار حربي يعرف سر التهافت على الميج 21 عند الإسرائيليين، هذا ما سمعه أيضاً من أحد القادة الكبار في العراق، يومها أكد القائد بأن إيران تتودد الى العراق، منذ وصلت الطائرة السوفييتية الخرافة التي لا يملكون مثلها.

وفي باريس نزل بفندق ضخم بميدان البيراميد، وفي جناحه الذي هيأوه له بأموال الموساد بقي ينتظر فراتز ورئيسه.

كان مائير عاميت لا يصدق ما يقوله كاروز، من وجود طيار عراقي تحت سيطرتهم، يتم التفاوض معه في باريس، وانتابته من جديد مشاعر الفرح التي ولت، بفشل العملية 007 في المحاولتين السابقتين، وأوصى كاروز بضرورة انتهاز الفرصة هذه المرة، واستغلالها على أحسن ما يكون، وفكر بالاتصال بعيزرا وايزمن قائد سلاح الجو السابق، الذي حل محله مردخاي هود، ليهنتئه بقرب تحقيق رغبته، لكنه غادر مكتبه على عجل لمقابلة رئيس الوزراء، ليفي أشكول، وقال له:

سيدي الرئيس . . أستطيع أن أؤكد نجاح العملية 007، وأن الميج 21 ستصلنا عما قريب. فرجالنا يتفاوضون في باريس الآن مع طيار عراقي فضلاً عن. .

فصرخ رئيس الوزراء غاضباً:

منذ متى وأنا أتصور المستقبل كواقع.. ؟ كان هاريل يقول لـ بن جوريون "فعلت". . وأنت تقول لي "سأفعل". .؟

وخرج عاميت معروقاً خجلاً، يفكر في أن يطير بنفسه الى باريس، ليتفاوض بنفسه مع الطيار العربي الذي سيخلد اسمه، ويضعه على قائمة رؤساء الموساد العظماء.

وما إن وصل الى مكتبه حتى وجد خبراً عاجلاً نقله اليه كاروز:

"ريتشارد هولمز (1) تولى منصبه اليوم".

وفي باريس كان محمد رغلوب يحاول بعناد أن يغامر الى النهاية، فقد زاره فراتز ومعه ضابط آخر، بذلا جهداً شاقاً لإثناءه عن شرط الدفع مقدماً، لكنه لم يتزحزح قيد أنملة، بل إنه ثار عليهما:

تريدون مني أن أهرب بطائرة قيمتها 25 مليون دولار دون ضمانات. . إنكم في إسرائيل تريدونها وبأي ثمن لأنكم تجهلون أسرارها. .ضعوا المليون دولار باسمي وسأهديها لكم، وعندكم لي شرائط وأفلام تستدعي إعدامي رمياً بالرصاص، تستطيعوا إيذائي بها في أية لحظة. . ولا تضيعوا وقتكم معي لأن المليون دولار مبلغ زهيد، فمخابراتنا تدفع الكثير لكل من يخبرها عما تخططه الموساد وتسعى اليه.

وضحت إذن الرؤيا لرجال الموساد، فالضابط العراقي يحاول ابتزازهم إذا لم يرضخوا لشرطه، وهذا مستحيل بالطبع، وكان خطأ رغلوب جسيماً عندما لوح بتهديدهم بإطلاع مخابرات بلده على نواياهم. وعندما هدده ضابط الموساد بشرائط الكاسيت المليئة بالسباب، وأفلام الجنس العارية، ضحك رغلوب ساخراً وقال إن الرجل وامرأته على الفراش يسبان أهليهما في فجاجة.

عندئذ أيقن الإسرائيليان أنهما وقعا في فخ الطيار المفلس العنيد، فبدلاً من أن يسيطرا عليه انعكس الأمر، وبات واضحاً أن فشل التفاوض معه وعودته الى العراق، فيه كل الخطر على إنجاح تجنيد طيار عراقي آخر، لذلك حمل رغلوب حقيبته الى محطة القطارات قاصداً ألمانيا، وعنده يقين أنهم سيوافقون، وسيسعون وراءه في إلحاح، عندها، سيزيد المبلغ الى الضعف، وربما أكثر.

لم تكن حساباته بالقطع صائبة، فقد كان الأمر أكبر كثيراً من حدود تفكيره، وطموحاته، لكنه استعذب لعبة المساومة، يملؤه اعتقاد راسخ بأن مغامرته سوف تنجح لأنهم بحاجة اليه، وما كان يعلم بأن إسرائيل كلها، حكومة ومخابرات، تنتظر وتترقب. فالأمر جد خطير، خطير، الى أقصى درجة لا تتصورها مداركه المحدودة.

إذ انصب تفكيره في متعة المغامرة، ونتائجها المبهرة فيما بعد، وساقته سذاجته باللعب مع الكبار الى نهاية مأساوية لم يكن يتوقعها، ولم تنته بها أبداً حياة أي طيار عربي آخر، من قبل، أو بعد.

فأثناء سير القطار بسرعته القصوى في الأراضي الألمانية، لم يلحظ رغلوب أن هناك من يلاحقه، ويتبعه كظله، فما إن غادر دورة المياه، خارج عربة النوم، اصطدم به ثلاثةى رجال أشداء، خلطوه خلطاً بين باب الحمام والباب الخارجي، وقبلما يتمكن من الدفاع عن نفسه قذفوا به من القطار الدولي السريع.

وفي صباح 11 فبراير 1966 عثرت الشرطة الألمانية على جثته، متناثرة الأوصال على امتداد كيلو مترين. وجاء التقرير النهائي للحادث: "أن الطيار العراقي كان ثملاً عن وقوع الحادث، وأخطأ عند خروجه من دورة المياه، فبدلاً من الاتجاه الى باب العربة الداخلي، فتح بطريق الخطأ باب العربة الخارجي، الذي وجد به خلل، وسقط من القطار".

هكذا قامر محمد رغلوب بحياته، ودفع عمره ثمناً لمغامرة قصد بها خدمة وطنه، وتحسين وضعه الوظيفي والاجتماعي، وطويت بذلك صفحة حزينة، من ملف الصراع الإسرائيلي الشرس، لامتلاك طائرة ميج 21 عربية.



ترى . .هل توقفت الموساد في سعيها. .؟

وهل انتهت، بنهاية رغلوب، العملية 007 . . ؟
يتبع.....

الضبع 09-06-2008 12:49 PM

العملية رقم سبعة ـ الفصل السابع




فعلها عاميت هذه المرة بذكاء . .

عندما اختار فتاة الموساد الرقيقة الناعمة ..

ذات الوجه الطفولي البريء. .

الذي جمع الوداعة والأنوثة معاً. .

فامتزجا بالدلال والإثارة والذكاء الخارق. .

ولعبت الحية الإسرائيلية بعقل الشاب المتيم. .

وأذابته تماماً. .

تماماً. .

بلا أدنى مقاومة. . !!

فينوس التي جاءت

. . "أيها الزملاء. . برغم الجهود التي بذلت، علينا جميعاً أن نواجه الحقيقة، ونعترف بأننا فشلنا. .ليس نتيجة خطأ تكتيكي في خططنا. .وإنما لكون هؤلاء الطيارون العرب. .أشد إخلاصاً ووطنية".

بهذه العبارة استهل مائير عاميت كلمته في اجتماعه بضباطه، وقد علت الوجوه علامات اقتضاب ووجوم، وأكمل عاميت:

"إن أمن إسرائيل لن يكتمل. .طالما امتلك العرب هذه الطائرة التي يتفوقون بها علينا. .ويتهددون أجوائنا. . وسنبقى هكذا، مهددون بالموت والتشتت. . لو لم نحصل على واحدة منها. .وعندما يتحقق لنا ذلك. . أستطيع أن أؤكد أن إسرائيل قد ولدت من جديد لتبقى. . وأن أذرعها الطويلة ستخنق رقاب العرب. . وتدفن أمنهم الى الأبد في الرمال.

أيها السادة. .على عاتقنا تقع المهام الكبرى التي تخدم وجود الدولة. .ومصالحها. .وأهدافها. .وبدون تخطيط ذكي سليم ستكون العواقب وخيمة. .وسنتلقى الفواجع واحدة تلو الأخرى. .ونحن نبكي كالنساء. .ونولول في حسرة.

وها هي . . عملية تجنيد طيار عربي تفشل للمرة الثالثة. .بعدما كنا قاب قوسين أو أدنى من النجاح. لكننا اعتدنا ألا نيأس. . أو يتسرب إحساس اليأس الى قلوبنا. .فليس مع اليأس نجاح. .أو عمل مثمر.

وأمامنا اليوم تقرير هام من بغداد. .عن طيار عراقي جديد. .يجب إخضاعه للتحليل الدقيق. .لنتمكن من خلاله من وضع خططنا. . والعمل بإصرار على إنجاح عملية تجنيده. . مقابل أي رقم يطلبه من المال".

كان عاميت يتكلم وقد غلف صوته رنين الثقة. .فالأنباء السارة التي جاءته من بغدد، زرعت بداخله مجدداً الأمل في النجاح. وزاد من تفاؤله أن رقم (4) يمثل في حياته رموزاً هامة، فقد ولد في شهر "4) وكان ترتيبه "الرابع" بين أخوته، وقاد عام 1948 المجموعة "الرابعة" في منظمة الهاجاناة الإرهابية، وكان "الرابع" على دفعته أثناء دراسته للاقتصاد في نيويورك عام "1954"، وكانت زوجته هي الأخرى من مواليد شهر "4"، وهي الفتاة رقم "4" التي أحبها، ويبدأ رقمه العسكري برقم "4"، ونجا من الموت "أربعة" مرات خلال خدمته العسكرية.

ولما سأله أحد معاونيه عن الاسم الكودي للعملية، وضرورة تغييره من "007" الى اسم جديد، رفض عاميت مردداً أن ملفات الموساد في عهده لن تتضمن اسماً لعملية فاشلة، وأنه على ثقة من أن "007" فأل حسن، ولن يغيره.

المعلومات السرية الأخيرة التي بثها عملاء الموساد في بغداد، أوضحت بأن الطيار العراقي منير روفا – الذي سبق رصده في تكساس – على علاقة بفتاة أرثوذكسية عراقية، وأنه دائم الالتقاء بها بمنزل صديقه يوسف منشو، وهو تاجر يهودي مفلس، يطالبه الدائنون بمبالغ كبيرة. وقد ارتبط هو الآخر بعلاقة قوية بالشقيقة الكبرى لصديقة روفا.

ووضعت – على أساس المعلومات المعطاة – خطة أولية لاصطياد منير روفا، بواسطة صديقه المفلس، عن طريق إغراؤه بالمال. وفي محاولة "جس النبض" أظهر يوسف منشو يهوديته التقليدية، عندما وافق على التعاون مع الموساد مقابل تسديد ديونه، ومساعدته في الهجرة الى إسرائيل.

لم يكن هناك أدنى مشكلة إذن، فالتاجر اليهودي الذي حصل على المال، كتب تقريراً وافياً عن صديقه روفا، كشف عن جوانب شخصيته، ونشأته، وظروفه، وهذه كلها معلومات قيمة، ساعدت على تحليل الطيار الشاب نفسياً، ودراسة أفضل الطرق للتسلل اليه، لاجتذابه أولاً، ثم الانقضاض عليه.

وطُلب من يوسف منشو الظهور بمظهر التاجر الثري، الذي تمكن من عقد صفقة تجارية مربحة، وأن يتولى الإنفاق بسخاء على صديقه، وإقراضه للإنفاق على صديقته ومغامراته النسائية المتعددة.

كان للمال فعل السحر عند التاجر اليهودي، لذلك فقد انصاع لأوامر الموساد بصدق وإخلاص، وعمل جاهداً على إثبات ولائه، عندما ساعد على الدفع بفتاة يهودية حسناء، في طريق الشاب الباحث عن المتعة، فسعى للفوز بها بلا فائدة. ومن أجل التغلغل الى عقلها أغدق عليها بالهدايا، وكانت هداياه الثمينة قد أرهقته مادياً، لكن يوسف – بأموال الموساد – كان لا يبخل عليه بشيء، ويمده بين حين وآخر باحتياجاته منها، فضمن بذلك ولاء الطيار المغيب الوعي، والاستحواذ عليه. وسرعان ما تحول التاجر المفلس الى صياد ماهر، أجاد اقتناص الفرصة للإيقاع بفريسته، طمعاً في المزيد من المال.

إن صناعة الخونة والجواسيس عملية معقدة جداً، تتداخل فيها عوامل كثيرة وأحداث عجيبة، يقوم عليها خبراء مدربون، عندهم الصبر والحنكة وأعلى درجات المهارة والذكاء، بحيث يجدُّون في إثر ضعاف النفوس، أولئك الذين يسعون وراء أوهام المجد والثراء، أو ممن اعتقدوا بضآلتهم في أوطانهم. وعندما يقع هؤلاء في براثن صائدو الخونة، فهم يُحَاصَرون من كل صوب، وتغلق دونهم أبواب النجاة.

ففي الوقت الذي كان فيه الطيار الشاب، غارقاً في مطاردة الفتاة اليهودية الحسناء – الطُّعم – وفي ديونه ليوسف، كان الأخير قد استعاد نشاطه التجاري بتوسع، وقام بمعاونة الموساد، بتصدير صفقة تمور الى إيران، في باطنها عملية تمويهية لإظهار الثراء، والالتقاء بأحد خبراء الموساد هناك. حيث أطلعه يوسف على تطورات أحوال روفا، ونقاط ضعفه، ولتدارس خطة محبكة وضعت خطوطها العريضة في إسرائيل، تقضي بأن يسافر روفا الى باريس، وهناك سيتولى آخرون أمره.

رجع يوسف منشو الى بغداد، وأخبر روفا – حسب الخطة – بأنه بصدد عقد صفقة تمور ضخمة مع شركة إنجليزية، سيصل مندوبها قريباً الى بغداد للتفاوض معه وتوقيع العقد، طالباً منه أن يقوم بعملية الترجمة بينهما عند وصوله.

كانت الموساد تبذل كل ما في وسعها لإنجاح العملية هذه المرة، واستعدت لها بكامل إمكانياتها البشرية والمادية، وفي سبيل تحقيق ذلك أعدت دراسة مستفيضة شملت كل جوانب حياة منير روفا، اعتقاداته، وأحلامه، ومبادئه، ونقاط ضعفه، وأحواله المادية والأسرية والمهنية، وخلصت الى نتيجة مفادها أن خير سبل الإيقاع به، يكمن في فتاة أسطورية الجمال والأنوثة، يقف عاجزاً أمام مقاومتها. فلأنه عاشق مغرم بالنساء، ومتعدد العلاقات، لن تصلح للمهمة سوى فتاة طاغية الفتنة والإثارة، لم يصادف مثلها من قبل.

وجرى البحث بين فتيات الموساد عن تلك الفتاة، الأمل، التي اشترط عاميت أن تكون ملمة باللغة العربية، على ألا تستعملها، وأن تكون ذات خبرة سابقة في عمليات مصائد العسل، وتم بالفعل اختيار احداهن، حيث جرىتلقينها خطوات العملية التي ستتم في بغداد، لاستدراج الطيار العراقي الى باريس، بتقمص دور مندوب شركة إنجليزية، تعمل في مجال التجارة الدولية، ثم ربطه بعلاقة خاصة لا يستطيع الفكاك منها.

وفي الثالث والعشرين من مارس عام 1966، وصلت "ليزا برات" الى مطار بغداد الدولي، تحمل جواز سفر بريطاني، وتفويضاً من الشركة الوهمية، بالتوقيع على عقد تصدير شحنة من التمر العراقي الى لندن.

أنهى ضباط الجوازات والجمارك إجراءات الفاتنة الإنجليزية، وهم في دهشة أمام جمالها الطاغي، وكان بانتظارها يوسف منشو، الذي كان ممسكاً بيافطة تحمل اسمها، ومن بعيد وقف منير روفا، يتأمل فينوس الساحرة التي جاءت، وقد جفت عروقه عطشاً لرواء أنوثة أشلت عقله، وسلبت إرادته منذ النظرة الأولى . . !!

الطيار التائه

في عام 1934 ولد منير حبيب روفا ببغداد، لأسرة مسيحية أرثوذوكسية فقيرة، أقامت بحي المستنصرية الشعبي الفقير، وكان ترتيبه الثاني ضمن تسعة أبناء لموظف بسيط، يعمل بأرشيف وزارة الزراعة، عانى كثيراً بسبب كثرة الأولاد وقلة الدخل، ودفعته مشاكل المعيشة الى إدمان الخمر العراقي "العَرَقْ" ومطاردة النساء، لذلك استغل عمله في الحصول على الرشوة من جمهور المترددين، وكانت نهايته الفصل من الوظيفة، والحبس لعدة أشهر.

وبعدما انتهت مدة حبسه واجهته المحن كالطوفان، فتعاظمت معاناته الى حد اليأس، وذاقت أسرته الكبيرة صنوف الجوع والفقر والحاجة، ولجأ الى الهرب من دائنيه الى أقصى الخليج العربي، حيث إمارة دبي، التي كانت واقعة آنذاك – عام 1953 – تحت السيادة البريطانية، حيث عمل بالتدريس لأبناء البدو، وكانت الى القرب منه هناك موظفة هندوسية، سرعان ما غرق في حبها، فأنسته زوجته وأبناءه التسعة، ولم يتصور للحظة مدى معاناتهم وحاجتهم اليه، والى الجنيهات الاسترلينية الغير منتظمة التي كان يحولها لهم.

إلا أن الزوجة، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام سلبية الأب الغافل، فخرجت الى سوق العمل، وكافحت في استماتة، وذاقت من الذل ما لا يتحمله بشر، كي تنجو بأبنائها من براثن التشرد، وتنأى بهم عن مصير مظلم يتربص بهم، ودفعت بابنها الثاني – منير – للالتحاق بكلية الطيران.

وبرغم حجم الكراهية التي كان منير يكنها لوالده، كانت أمه تحاول دائماً تنقية صورة الأب الملوثة المهترئة، معللة أسباب اغترابه الطويل بعيداً عنهم، مكذبة ما يأتي به العائدون من عنده من أخبار علاقته بالهندوسية وإنفاق مدخراته عليها في بذخ، ومداومته على شرب الخمور.

يقول منير روفا في مذكراته الشخصية:

"كان أبي كالمحيط في تقلباته وثوراته المدمرة، فرسائله تجيئنا صاخبة، يسمم أبداننا في الاستهلال، ويلعننا في كل سطر، ويختم متوعداً بحرماننا من المال الذي لا يكفي معيشتنا لخمسة أيام، فكُنّا نبيت جرحى مع وصول رسائله، نلعق الدموع ونجرع الأسى.

كم كنت أشعر بآلام عقلي وكبدي، وأنا أرى أمي تتألم، وتعمل في مثابرة لإطعامنا، وأحلم باليوم الذي أستطيع فيه تخفيف معاناتها، لكن مشاكلنا وحاجاتنا كانت تزداد يوماً بعد يوم، وذلك القابع بين أحضان الهندوسية، لا يرسل لنا إلا اثنتي عشر جنيهاً كل شهرين. لذلك فقد حاصرتني أحلام اليقظة، أحلام مليئة بالثراء والشبع، اتخذتها مهرباً لي من سموم أبي ومنغصاته".

وفي كفاح مرير من أجل أن يحيا آمناً، تفوق منير تفوقاً ملموساً في الكلية الجوية، وتخرج منها طياراً ليخدم في سلاح الجو العراقي. ومن الراتب الضخم الذي تمنحه الدولة لطياريها، استطاع أن يساعد أخوته، ويدخر بعضه ليتزوج من حبيبته "مريم" ابنة الأسرة الثرية، التي تعلق قلبه بها.

كانت مريم فتاة خمرية مليحة، درست الأدب الإنجليزي بجامعة بغداد، وأثناء دراستها تعرفت بشقيقة منير – رفيدة – زميلة الدراسة، ومن خلالها ارتبطت عاطفياً بمنير روفا، وعلى استحياء، اتفاق على الزواج. وبعد عودته من الدورة التدريبية الأولى في موسكو عام 1957 تزوجا في حفل عرس جميل، وأقاما بإحدى شقق حي الديوانية، وأنجبا يوسف وناجي عامي 1959، 1961 على التوالي.

بيد أن منير روفا أوفد في بعثة طويلة الى الاتحاد السوفييتي، للحصول على دورة تدريبية لقيادة الطائرة ميج 21، الانقضاضية الشرسة، واعتقد روفا أنه سينتقل أخيراً من القاعدة الجوية بالقرب من كركوك، لكنه أبقى مكاننة على مسافة ثلاثمائة وخمسة عشر كيلو متراً من بغداد، برغم الطلبات العديدة التي تقدم بها لقيادته، لنقله الى قاعدة الرشيد الجوية القريبة من العاصمة. وظل بمكانه حتى بعد عودته من الدورة الأخيرة في تكساس.

لم تكن رغبة روفا في الانتقال الى بغداد، نابعة من حبه لبيته ولأولاده، بقدر ما كان مطلباً حيوياً له، حيث يستطيع ممارسة هوايته المفضلة في العاصمة المزدحمة، ألا وهي مطاردة الحسناوات الفاتنات، اللائي يبهرهن زيه العسكري كطيار، فيداعب أحلامهن بوسامته وشبابه، وينتقي من بينهن من تروق له، متخذاً من شقة صديقه اليهودي يوسف منشو، مسرحاً ومرتعاً لنزواته، ووكراً أكثر أمناً للقاءاته النسائيه.

وعندما حلل خبراء الموساد شخصية الطيار الشاب، اكتشفوا أن هوايته في مصاحبة النساء، كانت نوعاً من الهرب من معاناته النفسية، اتخذت منذ بدايتها – وكان وقتها طالباً بكلية الطيران – طابع التعدد والتباين، ويبدو أن مسلكه هذا يعود في الأساس الى نشأته بحي المستنصرية، حيث تكثر به الكوليات الى جانب حي الديوانية أيضاً، الذي أقام به عش الزوجية.

ومن خلال تحليل شخصيته وتشريحها بدقة، فالمسمى العلمي لهوايته هو إصابته بانحراف جنسي، يطلق عليه في علم الطب العقلي والنفسي PSYCHIATRY هوس الجنس.

لذلك . . ما إن تقابل مع ليزا برات في المطار، حتى أوشك على الانهيار أمام جبروت جمالها، الذي لم يصادفه من قبل في موسكو أو تكساس. ووقف حائراً يتأمل تلك المخلوقة الرائعة المثيرة، ممنياً نفسه باغتراف فورانها البركاني المدهش.

(1) العرق: نوع من الخمور المحلية يصنع من التمر المخمّر، وهو مشهور بالعراق.

(1) الكولية: بيت تمارس فيه الدعارة بأجر.

(2) هوس الجنس عند الذكور SATYRIASTIC – أو شره الجماع SATYRIASIS فهو ما نعرفه في دون جوان وكازانوفا وغيرهما، وسيكولوجيا هو نوع من الهرب من مشاكل أو متاعب حياتية، فتغيير شريك الحب شبيه بمواعيد المراهق الغرامية الكثيرة، والمريض بهذا المرض يجد لذة ممتعة في تنوع علاقاته وتعددها، لإثبات قيمته الإغرائية SEDUCTIVE والبرهنة على ذكورته.

رحلة الجنون

لم يكن يوسف منشو يعرف جملة إنجليزية واحدة، وكان على منير روفا مهمة ملازمته بمكتبه، للاتفاق مع المندوبة الإنجليزية الحسناء وتوقيع العقد. ووجدها روفا فرصة رائعة للتقرب اليها، خاصة وقد كانت تتعامل معه بدلال أنثوي محبب، أضفى الثقة الزائدة بشبابه وبوسامته. . ومواهبه.

لقد كان من الصعب، بل من المخاطرة، أن يصطحب طيار حربي عراقي، فتاة أجنبية في نزهة خلوية ببغداد. لذلك. . فقد حرص روفا على إفهامها حقيقة وظيفته، والسبب في عدم قدرته على الخروج معها. فأبدت تفهمها للأمر، وأهدته ساعة يد ثمينة وهي تشكره على اهتمامه بها، ومساعدتها في إنجاز عملها خلال زمن قياسي. ففي اليوم التالي لوصولها كان قد تم الاتفاق، المبدئي، ووقع على العقد بعد ثلاثة أيام، وعندما أراد يوسف الاحتفال بالمناسبة بأحد الفنادق الكبرى، كانت عميلة الموساد هي الأسبق في الرد. إذ رفضت أن يتم ذلك خارج المكتب، لكي لا يتعرض روفا لأية مشاكل.

وفي المساء . . أقيم بالمكتب حفل عشاء، وتأخر روفا بمنزله قليلاً بسبب مرض صغيره ناجي، ولما طرق باب المكتب، صاحت ليزا برات من الداخل وهي تهرول:

إنه روفا . . لا شيء هنا رائع بدونه.

كان روفا يقف بالباب مبهوتاً، وكأنه يراها لأول مرة، فقد ارتدت ثوباً عارياً ذو لون أزرق، فضح أنوثتها المتوثبة، ولفحه عطرها الناعم المثير الشذي.

جذبته الى الداخل بأصابع حانية رقيقة، وأرسلت لعينيه شعاعات عينيها الناعستين، فسرت ببدنه رجفة يعرف كنهها، ودون أن يشعر سحب يده من يديها، وضمها في لهفة مجنونة مشبعة بالرغبة، وانقض كالظامئ بشفتيه يحسو عبير رضابها، ويمتص وهج حريق شفتيها نهماً، ويداه تجوبان ذراعيها وكتفيها، تحرثان اللحم الدافق بالرغبة، الموشى بالأنوثة الفتاكة المجنونة.

في دهشة مصطنعة، استسلمت ليزا لأحضانه وقبلاته الملتهبة المتسارعة، وعندما أفاق قليلاً، حاول أن يعتذر بكلمات منتقاة، لكنها بدلال آسر اقتربت منه، وأذاقته الجحيم السرمدي في قبلة لهفى، فأججت لسعة جوعه وفجرت براكينه، وندت عنها آهة متحسرة وهي ترتجف ملتاعة وتردد:

مونير .. أنت . . أنا . . لا أعرف ماذا أقول.
لكنني أعرف أيتها الفاتنة الساحرة الدفيئة..
تعرف ماذا. .؟
كل خلاياي وحواسي تحبك..
مونير..
لم تهزني قبلك امرأة بمثل هذه السرعة. . ولم تهزمني مشاعري قبلما أراك أبداً.
أنت عاطفي أكثر من اللازم. .
أنا عابد أكثر من اللازم..
أنا عابد في محرابك. . لأنني من عبدة الجمال والحب. .
أنت تفتت إرادتي. .
وأنتِ أجمل نساء الكون . .أحبك..
أخشى ألا تكون صادقاً فيما تقول. .
لم أكن صادقاً إلا معك..
أتحبني كل هذا الحب. . ؟
أحببتك منذ رأيتك بالمطار. .وتمنيت أن تجيء اللحظة التي أكاشفك فيها بحبي. .
أحبك. . (!!)


"وهي تجهش بالبكاء وتحتضنه بقوة":
لكني سأغادر بغداد ظهر الغد..
سأطير ورائك الى أقصى بلاد الأرض. .
مونير . . أنت . . تكاد تكسر ضلوعي. .
ليز حبيبتي. . إبق معي أربعة أيام حتى تنتهي أجازتي.. سأجن إن رحلت غداً. .
أنا التي سأجن لو لم تجيئني بباريس.. أتشوق لأن نخرج معاً الى الشانزليزيه تطوق يداك خصري.
فقط. .؟
وأن أنام على صدرك وتتخلل أصابعك شعري.
أوه أيتها الفاتنة..
سأظل أحلم وأحلم حتى أراك بباريس. .
سأتقدم بطلب ليسمحوا لي بأجازة. .
وهل هناك صعوبة في ذلك . . ؟
الأمر يستغرق بعض الوقت لا أكثر ..
سأنتظرك. .


كان يوسف منشو قد غادر المكتب قبل مجيء روفا، لتهيئة المناخ المناسب للصياد والفريسة، فأثمر اللقاء المنفرد بينهما خطوة هامة، ولأول مرة يهجر منير روفا بيته في أحد أيام أجازاته، ليبيت بالمكتب مع ليزا برات، بدعوى أنه في مأمورية عمل.

في تلك الليلة العاطفية الساخنة، أظهرت عميلة الموساد براعة تفوق التخيل، في إظهار عواطفها تجاه الطيار العاشق، ونستطيع أن نقول أن منير استشعر يومها، بأنه تحول الى مخلوق آخر، يفكر بعقل عشيقته، ويرى بعينيها، ويمشي حسبما تسحبه أو تقوده.

فعلها عاميت هذه المرة بذكاء، عندما اختار فتاة الموساد الرقيقة الناعمة، ذات الوجه الطفولي البريء، الذي جمع الوداعة والأنوثة معاً، فامتزجا بالدلال والإثارة والذكاء الخارق. كل هذه الصفات نادراً ما تجتمع في امرأة واحدة، لكنها اجتمعت بدقة في الحية الإسرائيلية، التي أجادت استخدامها بحرفية خارقة، لإذابة مقاومة الطيار المهووس، دون أن تمنحه سوى قطرات ضئيلة من قطف القبل، لتتركه يلهث محموماً ثائر الرغبة، على وعد بإغراقه في محيطها، وإذاقته لذائذ جسدها اللاسع، بهضابه، وسهوله، وأغواره، وهذا لن يكون أبداً، ولن يتحقق إلا خارج العراق.. بباريس.

وظهر اليوم التالي، عندما غادرت عميلة الموساد مطار بغداد، أجزمت بأن روفا لن يهنأ له بال، حتى يلحق بها. فمذاقات النشوة التي أذاقته بعض قطراتها، كفيلة بأن تغيّب عقله وتشتته، وتقذف به الى عوالم أكثر متعة، لم يألفها طوال حياته، ولا وجود لها سوى بين أحضان ابنة الموساد المدربة.

وما إن عاد منير روفا الى عمله، حتى تقدم بطلب صحي لعرضه على الأطباء، بدعوى أن الصداع النصفي يفتك برأسه، ويكاد يصرخ منه ألماً. . وفشل الفحص الطبي في علاج الصداع المزعوم أو تحديد أسبابه، مما عجل بالموافقة على التصريح لروفا، حسب رغبته، بالسفر الى باريس في أجازة لمدة أسبوعين للراحة والعلاج.



وفي 19 أبريل 1966 طار منير روفا الى باريس، في رحلة مثيرة كانت بدايلة لرحلة أخرى أكثر إثارة .. وجنوناً. . !!

يتبع.....


الضبع 09-06-2008 12:50 PM

العملية رقم سبعة ـ الفصل الثامن



لم يكن عاميت قد صادف شيئاً كهذا من قبل . .

فمشاعره بلا شك انصبت في اتجاهات أخرى . .

غير تلك التي حيرت رجاله . .

وبهذا فقد ضمّت الحجرة أحاسيس متباينة . .

تولدت أمام المشهد العجيب . . !!

الحنان الزائف

لم يصدق مائير عاميت ذلك الخبر الصادر عن بغداد، عن حجز منير روفا تذكرة سفر الى باريس على الخطوط الجوية العراقية. قال في دهشة:

هؤلاء الأغبياء يفركون أعصابي . . سحقاً لهم.

ولما خُبِّر بميعاد مغادرته، ورقم الرحلة، توسم خيراً ونطق وجهه بالبهجة، وعقد اجتماعاً طارئاً ضم كبار رجال الموساد، لتداول الخطة التي وضعها ثلاثة من الخبراء، لمكاشفة روفا ومحاصرته، وإغراؤه بالهرب الى إسرائيل بطائرته الميج 21.

قال مساعد عاميت ياكوف كاروز:
سيدي . . نحن بحاجة الى خبراء في الطيران والممرات الجوية للتعامل مع روفا.


أجاب عاميت:
بالفعل نحن بحاجة اليهم . .لكن ليس قبل إتمام الاتفاق مع الطيار العراقي.


كاروز:
وماذا لو أن روفا طلب مبلغاً كبيراً ليس بخطتنا. .؟


عاميت:
علينا أن نتمسك بشدة بمبلغ المليون دولار فقط، ولا مانع إذا زيد الى النصف، أو الضعف، فصديقنا هولمز سيكون الى جانبنا على أية حال.


أحد الخبراء:
كحل افتراضي .. ماذا سنفعل إزاء رفض الطيار العراقي الاتفاق معنا. . ؟


عاميت:
برغم ثقتي في نجاح العملية 007 هذه المرة. .فإن الطيران الى السحاب في صمت (1) متعة مريحة..


غادرت عميلة الموساد – ليزا برات – تل أبيب الى باريس، بانتظار العاشق الذائب، يحدوها الأمل في السيطرة عليه، وتطويعه للقيام بتنفيذ عملية الهرب الى إسرائيل، بدون إثارة أية مشكلات في فرنسا.

لم تكن ليزا وحدها في تلك الرحلة المثيرة، فقد صحبها ستة ضباط من الموساد، بينهم أحد خبراء الاستخبارات الجوية الإسرائيلية.

وعند تقاطع شارعي جيرمان وميشيل، في منتصف المسافة ما بين حديقة لوكسمبورج ونهر السين، يقع فندق ديكلوني الشهير، المواجه لجامعة السوربون، حيث أعد جناح بالطابق السابع لاستقبال الضيف العزيز، تم زرعه بكافة أجهزة التنصت والتصوير، وجُهِّزت الغرفة الملاصقة لتكون مركزاً للمراقبة والتسجيل، بإشراف فريق من ثلاثة فنيي، بينما نزل ضباط الموساد بعدة بيوت آمنة، لا تبعد كثيراً عن الفندق.

كان اللقاء بالمطار حاراً مدهشاً، إذ تناثرت صرخات ليزا الصاخبة عندما فوجئت بروفا أمامها. هو أيضاً كان يحتضنها في شوق مجنون، وكان الأكثر لهفة للقاء الذي تحايل لأجله، يغشاه حنين ممتزج بالعشق لفتاته الحسناء المثيرة، وروعة المغامرة معها في باريس، بعيداً عن أعين المخابرات العراقية، وضجيج العمل التريب في القاعدة الجوية.

أخذته ليز – كما كان يناديها – الى الفندق، ومكث معها عدة أيام يلعق فورة حمم الرغبات، ويصل معها الى آفاق اللذاذات منتشياً.

ولأنها العميلة الماهرة المختارة بعناية، استدرجته للديث عن حياته، ونشأته، وأسرته، وعمله، وقادته، وحكومته، فأفاض في سرد تفاصيل قصته منذ الصغر، والفقر الذي لازم أهله طويلاً، وكيف عاد أبوه من دبي مريضاً لا يقو على العمل، حتى إذا ما تطرق الى أمه بكى منير روفا بحرقة، وهو يصف معاناتها في تربيتهم وتعليمهم، فبكت ليزا لأجله، وأحاطته بحنان زائف خادع. وسألته عن الحكومة العراقية، وكيف لا توفر حياة كريمة للمواطنين، فانطلق الطيار المُعَنّى في سُباب لاذع لحكومته، ولعن حظه التعس لكونه عراقياً.

انتهزت عميلة الموساد الفرصة، وعرضت عليه أن يظل الى جانبها، فهي لا تطيق فراقه مرة ثانية، مع وعد بتوفير عمل مجز له، وحياة معيشية واجتماعية أفضل له ولأسرته.

أبدى منير روفا استحسانه لرأيها، وبعد تفكير عاد فسألها عن ظروف العمل الحر في فرنسا، والدخل الشهري التقريبي الذي يكفل له حياة كريمة.

دهشت الفتاة، وسألته عما إذا كان يفكر بالهرب من العراق، إذا ما أتيحت له فرصة مناسبة. . ؟

أجابها بنعم، وأردف بأنه يفكر جدياً في تحسين وضع أسرته المعيشي، لكن الظروف دائماً ضده، وفي حالة تواجه فرصة مغرية له بالخارج، فلن يتوانى لحظة في استغلالها ومغادرة العراق بأهله الى الأبد.

عند ذلك سألته:
لماذا لا تفكر إذن بالعيش في إسرائيل. . ؟


فوجئ روفا، وأجاب في دهشة:
إسرائيل. . ؟(!!)


قالت في نبرة يشوبها الهدوء:
لقد سمعت أنهم في إسرائيل يعرضون مليون دولار، على أي طيار عربي يلجأ اليهم. .


وكأنه بهت:
مليون دولار. . ؟ يالها من ثروة . . أهذا خبر أكيد. .؟


أردفت:
أكيد جداً. . فلي أصدقاء إسرائيليون هنا في باريس، تطرقوا الى الحديث أمامي منذ أيام عن هذا الأمر.


قال وكأنه لا يصدق:
وهل ستكونين معي في إسرائيل إن وافقت. .؟


ارتمت بين أحضانه تقبله بحرارة وهي تهمس:
سأكون معك في إسرائيل وفي أي مكان تحب .. هل تريد مني استدعاء أحدهم ليتكلم معك. . ؟!


ضمها بقوة وتاه في قبلة طويلة منحتها له، وكانت أحمى من قرص الشمس. .ثم نظرت بحنان الى عينيه وهي تقول:
مونير تعلم إنني يتيمة الأبوين، وأختي الوحيدة تعيش بعيداً في أستراليا، وليس لي الآن إلاك، فأنت الحبيب والأهل. . وأريد أن أكون معك. . في أي مكان. . ولو كان في إسرائيل .


ضغط فكيه في تحد وقطب حاجبيه وهو يقول:
لكن . . لماذا يدفعون في إسرائيل مليون دولار من أجل طيار عربي.. ؟


قالت متغابية:
أنا لا أعرف بالضبط. . وإن كنت أعتقد بأنهم يبحثون عن طيارين أكفاء . . هل تفكر بالأمر يا حبيبي. . ؟


(1) ريتشارد هولمز: المدير الجديد للمخابرات المركزية الأمريكية C.I.A.

(1) إشارة تعني أنه من الضرورة تصفيته في صمت. .أي قتله.



لسعة الخوف

كاد أن يصرخ فرحاً، أن يخترق الجدار الفاصل بينهما ليعانق ليز، ويسجد ضارعاً متوسلاً أمام روفا، هاتفاً:

"هلم . .هلم أيها الطيار البائس الى إسرائيل، ولك مليونان دولار لا مليون. .قل فقط . . نعم. . أوافق . . (!!)"

إنه مائير عاميت، رئيس الموساد بشحمه ولحمه، نهشه غول الخوف من الفشل فطار الى باريس، ليسمع بنفسه ما يقوله منير روفا، وما تصنعه به العميلة البارعة الذكية، ابنة الموساد المخلصة.

كان بالحجرة المجاورة معروقاً يرتجف، واضعاً السماعات على أذنيه، ويشاهد روفا وعميلته بدون ملابسهما الداخلية، يتعاطيان الحنان، بعد جرعة الجنس العنيفة التي أسكرت الصيد الثمين.

لحظتها. . طلب من فريق الفنيين تغطية الشاشة، وتثبيت زووم الكاميرات، قائلاً:

"إن فتاتنا تؤدي عملاً مقدساً واجب علينا احترامه، والنظر اليها بكل تقدير ممكن. فهي تهب الوطن – إسرائيل – الأمن، وتبذل جسدها رخيصاً في سبيله. هكذا تفعل فتياتنا بلا خجل لكي نحيا، وتبقى أرض الميعاد زاخرة بالرخاء".

لقد تحول رئيس الموساد أمام مشهد "التضحية"، الى رجل دين ينثر وصاياه ويلقي مواعظه، وطاف الغرفة يستطلع وجوه رجاله، وقد تسمروا كالأصنام أمام تحوله الفجائي الى حاخام، فقد كانت تلك هي المرة الأولى، التي يشاهد فيها عاميت مصيدة العسل، وهي تطبق أذرعها الناعمة "الفولاذية"، فتعتصر الفريسة بلا رحمة، أو شفقة، وتمتص فيها قوتها ومقاومتها، حتى تحيلها في النهاية الى قطعة عجين، يستطيع طفل وليد أن يُشكلها، ويصنع بها ما يشاء.

كان روفا بين أحضان ليز لا حول له ولا قوة، إذ أجهزت عليه تماماً وأسبغت حوله جواً صافياً من المتعة، وهيأت له بخبرتها – دون أن يدرك – فكرة الهرب من العراق. فكان تارة ينصت اليها راضياً، وسرعان ما يتراجع تارة أخرى. هكذا دواليك لخمسة أيام متعاقبة، لم يغب منها عاميت يوماً واحداً، فكان ينتشي مع رضاء روفا وموافقته، ويكبو عقله متحسراً عند تراجعه.

وأعطيت الأوامر لابنة الموساد، أن تنتهز أول فرصة لمواجهته، والضغط عليه بقوة في اللحظة المناسبة. فالطيار العراقي تعلق بها تعلق الطفل بأمه، ولم يعد بإمكانه الإفلات من قبضتها المطبقة.

وعندما كان عارياً يمارس هوسه الجنسي في شراهة الجائع سألته:
ألم تفكر بعد في مستقبلنا معاً. . ؟ ألا تريد المليون دولار. . ؟


هتف الغارق الثمل:
لن أدعك تبتعدين عني بعد اليوم. .


وهي تدفن وجهها بصدره:
أتعدني .. ؟ حتى وإن كنت بإسرائيل. . ؟


ضمها في لهفة وهو يقول:
سأهرب إليكِ وإن كنتُ بإسرائيل..


كانت ما زالت بحضنه:
أخاف أن تنسى ليز وأنت تملك المليون دولار..


في نبرة مشحونة بالصدق:
سأثبت لك أنني أحبك .. ولو كانت أموال العالم ملكي.


وهي تقصد استثارته:
إذن هل أدعوهم الآن لمقابلتك. . ؟ أم أنك ما زلت تشعر بالخوف. .؟


أجاب دون تردد:
أنا أخاف. . ؟ ممن . .؟


غمزت بعينها في رقة وهي تقول:
من مواجهتهم.


في غيظ:
من . . ؟


وهي تنظر في عينيه في جدية وقد فلفت صوتها بالحنان:
أصدقائي الإسرائيليين. . الذين سيؤكدون لك ما قلت.


اعتصرها بشدة وهو يقول:
سأحبك وإن كنت إسرائيلية. . وسأحب أصدقائك أيضاً.


هتفت:
أوه . . مونير. .إنهم يطرقون الباب . . لقد جاءوا.


كان عاميت يستمع الى الحوار الدائر بينهما، وأعطى إشارته بالدخول عليهما. فتأخرت ليز قليلاً ريثما يرتديان ملابسهما، وفتحت الباب.

بدا منير يرتجف فرقاً عندما أطل رجلان، أنس قليلاً الى ابتسامتيهما، وقام مصافحاً، فحياه كل منهما بالعربية السليمة.

أنا أبو داود . . رجل أعمال ومولود في بغداد.
وأنا أبو موسى . . صديق أبو داود. . وولدت في تل أبيب.


تلعثم روفا ولم يدر بما يتكلم، فبادرت ليز:
وهذا النقيب طيار منير روفا من بغداد.


في دهشة تكلم منير سائلاً أبو داود:
قلت أنك من بغداد. .؟


ملأت وجهه ابتسامة عريضة وأجاب:
نعم. . أنا عراقي ولدت في بيت جدي بجوار مسجد الكاظمية، عند دكانة جابو.


بدهشة صاح منير:
دكانة جابو . . !! أنا أعرفها فمازالت قائمة خلف المسجد.


وكأنهم أصدقاء قدامى يتذكرون ما فاتهم، قال أبو داود:
ألا تعرف شارع نعوم في المستنصرية.. ؟


صاح منير متعجباً؟:
أوتعرفه .. ؟ إنني من سكانه.. أهلي ما زالوا هناك. . قال الضيف وهو يبتسم بشوشاً:
كانت عمتي روزينا الحائكة تقيم به حتى ماتت.


ارتفع حاجباه دهشة وهو يقول:
يا إلهي . . العمة روزينا. .؟ لقد تربيت في حجرها وكنت أزورها لتعطيني الحلوى.. إن والدتي بكت خلف جنازتها، أما أنا فقد كنت مازلت طفلاً.


كان عاميت خلف الجدار يصفق بيديه منشرحاً، وينصت باهتمام عبر السماعات الى حديث روفا وأبو داود. لقد امتص أبو داود لسعة الخوف الأولى التي انتابت الطيار المذعور، واستطاع بهدوئه الذكي المعهود أن يكسبه الى صفه، وأن يعيد اليه توازنه النفسي المهتز، خلال لحظات قليلة من اللقاء.

كان أبو داود دبلوماسياً في الحوار، تغلف صوته نبرة محببة تأسر قلوب مستمعيه. أما أبو موسى فقد أصيب بالدهشة وسكت عن الكلام، حيث لم يترك له زميله الفرصة ليستعرض مواهبه، خاصة والحوار يدور حول ذكريات وأماكن لا يعرفها في بغداد.

وبعد مرور ساعتين تقريباً، كان طقس اللقاء المثير مريحاً حقاً، وأضفى تواجد ليزا بينهم أُلفة أحاطت روفا بالطمأنينة، وأخرجته بسهولة من دائرة الارتباك، حتى أن ضحكاته الرنانة العالية، كانت خير مؤشر لسكينته.

عندما بكى عاميت

وفي غرفة المراقبة، كان ضباط الموساد والفنيين في دهشة حقيقية أمام الموقف المؤثر، فإنها المرة الأولى، طوال عملهم في نصب مصائد العسل، التي لا يصاب فيها "الصيد" بصدمة المفاجأة، الصاعقة، بل إنها المرة الأولى أيضاً التي يطرقون فيها الباب، ويدلفون بهدوء كأصدقاء.

لم يكن عاميت قد صادف شيئاً كهذا من قبل، فمشاعره بلا شك أنصبت في اتجاهات أخرى، غير تلك التي حيرت رجاله، وبهذا فقد ضمت الحجرة أحاسيس متبانية، تولدت أمام مشهد عجيب.

تطرق أبو داود في حذر ذكي لمسألة الهرب الى إسرائيل، مقابل مليون دولار تدفع فوراً في تل أبيب، وكان حريصاً على ألا يذكر الميج 21 مطلقاً، لتهيئة روفا نفسياً أولاً، نائياً به عن إحداث صدمة ترتد بمشاعره، وتتطلب ترميماً يستغرق وقتاً لرأبه.

قال أبو داود:
إن إسرائيل هي أرض الكتاب المقدس، والوطن التاريخي للشعب اليهودي، الذي تعرض على مر العصور لهجوم تلو الآخر من جانب أعدائه، فتشتت شمله بهدف القضاء عليه جسدياً وروحياً، وأجبر اليهود على ترك أرض إسرائيل أكثر من مرة عبر التاريخ.


ففي عام 720 قبل الميلاد طرد الآشوريون اليهود من أرضهم، وطردهم البابليون من بعدهم عام 586، ثم طردهم الرومان عام 70 ميلادية، وتعرضوا لأعمال الاضطهاد والطرد في أماكن وعصور أخرى، كان أبرزها في انجلترا عام 1290، وفي أسبانيا 1492، وفي روسيا عام 1881، وجاء هتلر وأقام لهم المحارق التي التهمت الملايين منهم. والآن يتربص العرب بنا في وطننا التاريخي، ويحاربون عودة اليهود المشتتين الى أرض إسرائيل، ويتوعدوننا بمحارق أخرى تلتهم بقيتنا لكي لا تقوم لنا قائمة.

إننا لم نعود الى أرضنا لكي نحارب العرب، لأننا بطبعنا أناس مسالمون نسعى للعيش في أمان، ونمد أيدينا لجيراننا بالسلام لكنهم يخططون لإبادتنا، ويعملون في الخفاء على تقوية جيوشهم وتسليحها بأحدث الأسلحة السوفييتية، ولا نملك إزاء ذلك إلا التحرز لاتقاء ضرباتهم، وحماية أطفالنا الأبرياء من مستقبل مظلم نتوقعه لهم، طالما هناك نوايا سيئة تجاهنا من أبناء عمومتنا العرب.

أيها الأخ العزيز العربي الشهم، إن بلدكم الطيب – العراق – كان دائماً ومازال رمز المحبة الخالصة، ففيه عاش عشرات الألوف من اليهود العراقيين، جنباً الى جنب مع المسيحيون والمسلمون، وهاجر العديد منهم الى إسرائيل وبقلوبهم نبض الحب باق للعراق.

هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاوروكم في أنحاء العراق، وأحبوكم، وأنت تعرف بعضهم، إنهم يطلبون منك الحماية، ويرفعون أياديهم ضارعون اليك لتساعدهم، فهم بمسيس الحاجة الى رحمتك وعطفك وشهامتك.

كان أبو داود الممثل البارع قد امتقع وجهه وارتجف بدنه، وبكى، فأبكى عاميت تأثراً في حجرة المراقبة، وأدمعت عيون رجاله المستترون معه.

ليزا أيضاً كانت تلاصق روفا، وتضغط بحنان وتأثر على كفه، ينساب على خديها خطان من الدموع الى ذقنها. وشهقاتها الملتاعة رسمت خطوطها بوجهها، فبدت عاطفية تفيض شفافية مزيفة، وهي تنهش بنظراتها الحانية الراجية عيني روفا، وتقول له في توسل:

"إفعل شيئاً لأجلي".

لقد كانت اللغة العربية هي لغة الحوار بينهم، ما عدا ليزا، التي أمرها عاميت بعدم التفوه بها، وكانت تخاطب روفا بالإنجليزية لتأكيد دورها وهويتها. لكنها تأثرت جداً بخطبة أبو داود بالعربية، وأوشك أن تنكشف إذا ما أفاق روفا، وحلّل تفاصيل اللقاء بدقة.

وأمام المشهد الابتهالي الصعب، الذي أبدعه أبو داود ببراعة، خيم الوجوم على عقل الشاب المحاصر، وتساءل في حيرة عما يملكه ليقدمه لهؤلاء. .؟

وقرأ رجل المخابرات أفكاره، فقالها بوضوح هذه المرة:
سيدي النقيب روفا. . إن رغبتك الشجاعة في العيش بإسرائيل مع هذه الفتاة الحسناء، شرف لإسرائيل ولكل الشعب اليهودي. وإنه لفخر لنا أن تقيم بيننا وأن تمنح حقوق المواطنة كاملة، فضلاً عن المزايا الأسطورية التي ستسبغ عليك . . و


قاطعه روفا مجاملاً بأدب:
إن إسرائيل لدولة رائعة.


أكمل أبو داود:
سنمنحك سيدي النقيب مليون دولار أمريكي، وسنهيئ لإقامتك فيلا ساحرة، ومنصباً عسكرياً يليق بك كطيار كفء، مقابل أن تزودنا بها.


سأل الطيار المحاصر متعجباً:
أزودكم بماذا. . ؟ أنا لا أفهم ماذا تقصد.


أجاب أبو داود بينما كانت ليزا تعتصر كف منير روفا وتقبله:
الميج 21.


صاح الطيار كأن حية لدغته:
الطائرة الميج. . ؟


ضاعفت ليزا ضغطاتها وقبلاتها بحنان ورجاء، وأردف ضابط الموساد:
نحن نريدها سليمة في إسرائيل ليتعرف طيارونا عليها عن قرب.


وأضاف وقد وشم صوته بطمأنينة زائدة:
إن العرب منذ زودهم السوفييت بها يرهبوننا، ويدعون بأنها تفوق طائراتنا الحربية قدرة ومهارة، إنها تحلق يا أخي بأمان في أجوائنا، وتخترق في دعة حاجز الصوت فوق مدننا، وكأنها تطلق لسانها ساخرة من طائراتنا وأجهزة دفاعاتنا الجوية. لذلك نريدها سيدي النقيب لنتكشف خباياها، وأعتقد حينئذ، أن إقامة تمثال لك بكل شبر في إسرائيل تكريم ضئيل سيدي النقيب، لأن شعبنا سينظر اليك كبطل أسطوري خارق. . !!



انتظرو الفصل التاسع والعاشر الاخير غدا بأذن الله تعالى

يتبع....

الضبع 10-06-2008 11:30 AM

العملية رقم سبعة ـ الفصل التاسع


وكان لدموعها وهي تحكي له عن معاناتها المزيفة . .

الأثر الواضح في ارتباطه بها . .

وتأثره امام مشاعرها. .

فكان تأثره هذا مدعاة لأن يفقد تركيزه . .

وينساق خلف أوهام هواجسه . .

التي قادته الى طريق الخيانة . .

بلا تفكير. . !!


شروط صفقة الخيانة

كانت الأنفاس في تلك اللحظة محتبسة قلوقة، والوجوه غشاها إرهاق الخوف والاضطراب، وتوقفت عقارب الزمن تزيد العقول جنوناً، وبدا عاميت في أحلك لحظات حياته، التي سيتحدد بعدها مصيره بين رؤساء الموساد على صفحات التاريخ. فهتف لأحد ضباطه أن يذهب الى الحجرة الأخرى، عارضاً على الطيار العراقي مليون دولار أخرى، وإن استدعى الأمر مليونان. .ثلاثة ملايين.. لا يهم. .!!

أبو داود نفسه كان يملك قرار مضاعفة المبلغ، لكنه فضّل الانتظار وترقب رد الفعل عند روفا. .وكان في داخله أيضاً يعيش تلك اللحظات العصيبة، التي يعشها عاميت ورفقاؤه.

أخيراً نطق أبو موسى، أراد هو الآخر أن يصنع لنفسه مجداً، ربت على فخذ الطيار التائه وقال:
سنؤمن لك طيراناً آمناً عبر الأجواء الأردنية. .وستكون طائراتنا الميراج في شرف استقبالك، ومن أجل حمايتك في الجو.


أطلق روفا هواء رئتيه بصوت مسموع صحبه صفير كالفحيح، وكأنما كان يستقرئ الأمان في عيني ليزا الناعستين، إذ نظر اليها طويلاً بإمعان، وكانت يداها مازالتا تحتضنان كفه وتعصرها ضغطاً. عندئذ هزت رأسها بحركة خفيفة، ترجوه صمتاً أن يوافق.

فاستدار ناحية أبو داود، الذي استدعى – برغم ارتجافه – ابتسامة بذل جهداً خارقاً لإبرازها، وقال روفا بصوت مرتعش أتى من قرار بعيد:

هل أنتما من المخابرات العسكرية. . ؟

أجاب أبو داود على الفور:
لا . . لا . . نحن نعمل في مكتب رئيس الوزراء، ليفي أشكول، "وبعد برهة" مندوبا علاقات دولية واتصال.


علق روفا مندهشاً:
إن ما تقومان به من صميم عمل أجهزة المخابرات.


صحح ضابط الموساد في خبث وقد ارتفع حاجباه:
المخابرات الإسرائيلية لها مهام أخرى سيدي النقيب روفا، وما قصدْنا في النهاية إلا السرية حفاظاً على أمنك الشخصي.


بعد لحظات صمت طويلة، قال روفا متردداً:
ومن يضمن لي المليون دولار بعدما أهرب. . ؟


تنفس الجميع الصعداء وهتف أبو داود:
رئيس الوزراء شخصياً. . إننا ندعوك لقضاء عدة أيام بإسرائيل، وسيسر رئيس الوزراء بلقائك، ولسوف تسمع منه تأكيدات الضمان.


أجاب روفا:
أخشى أن أكون مراقباً من أحد رجال مخابراتنا، فقد جئت الى باريس بدعوى الفحص الطبي والعلاج.


قال أبو موسى بثقة:
ليس للمخابرات العراقية نشاط ملموس في فرنسا، سنؤمن لك وثيقة سفر ولن يشعر أحد بغيابك عن باريس، فضلاً عن الأوراق الطبية التي تؤكد أن رحلتك لفرنسا كانت للعلاج. وأضاف أبو داود:
وفي إسرائيل ستختار بنفسك الفيلا التي تروق لك، وليتكلم معك فنيو سلاح الجو، بخصوص الممر الجوي الذي ستسلكه، والتردد اللاسلكي للاتصال بهم، وكذا القاعدة الجوية التي ستهبط بها.


غمغم الطيار العراقي وهو يزفر:
أعتقد أن المسألة شبه مستحيلة. . فهناك مشاكل عديدة لا حلول لها.


فارداً ذراعيه صاح أبو موسى:
سنذلل العقبات التي تؤرقك. . ولن نترك مشكلة واحدة – ولو تافهة – إلا وناقشناها معك. .ووضعنا لها حلولاً.


طوقته ليزا بحرارة وهي تقبله بحنان، وبعينيها دموع تترقرق، وقال:
مونير. .أحبك .. إن عمري كله لك .. !!


تجاهلها روفا وتوجه بكلامه الى ضابطي الموساد:
أنتما لا تعلمان بأنني لم أحصل بعد على ترقية قائد سرب، وأنني مقيد بالطيران لمسافات قصيرة، حيث أحصل على وقود لمسافة 500 كيلو متر فقط. . وعند ترقيتي تُضاعف كمية الوقود، أي أستطيع الطيران لمسافة ألف كيلو متر. وفي جميع الحالات لن أتمكن من الوصول اليكم، لأن المسافة تزيد على الألف كيلو متر بين كركوك وأقرب قاعدة جوية في إسرائيل.


كان منير روفا يتكلم بصدق فعلاً، مما أكد لعاميت ورجاله غباءهم، إزاء النظم المعمول بها في الطيران العراقي. وأحس أبو داود بما يشبه اليأس أمام تلك المشكلة المعقدة. فصرامة القيود في العراق تحول دون لجوء روفا لطرق ملتوية – سواء بالرشوة أو التحايل – لملء خزان وقوده.

وفي غرفة المراقبة المجاورة، ساور عاميت الإحساس نفسه، وعندما استحكمت الأزمة وخيم الوجوم، تخطى عاميت محظورات الأمن، وسمح لضابط مخابرات سلاح الجو المرافق أن يتصل بأبو داود، بواسطة تليفون الفندق الداخلي.

تناول أبو داود سماعة الهاتف من ليزا، وظل منصتاً لا يرد، ثم وضع السماعة جانباً وهو يسأل روفا:
ألم تبذل محاولات لنقلك الى بغداد. . ؟


أجاب روفا:
تقدمت بطلبات عديدة للانتقال الى قاعدة الرشيد الجوية بالقرب من بغداد، متعللاً بظروف والدي الصحية، ووعدوني أكثر من مرة بالنقل، ومنذ شهر تقريباً علمت أن نقلي مرتبط بترقيتي فعلياً لقائد سرب، وهذا لن يكون قبل مرور شهرين على الأقل من الآن.


وعقب أبو موسى:
وعند ترقيتك ونقلك الى بغداد، بإمكانك إذن. .


قاطعه روفا قائلاً:
لو أن ذلك حدث بالفعل، لانتهت إذن مشكلة مسافة الطيران، لكن بقيت مشكلة لا أرى حلاً لها، وهي تتصل بعائلتي.


تساءل أبو موسى وقد قطب جبينه:
عائلتك. .؟


تنهد روفا وأجابه:
إن شرطي الوحيد للجوء اليكم، هو إخراج عائلتي من العراق أولاً، فالسلطات العراقية لن تهدأ حيالها. . ولن يهدأ بالي أيضاً حينما أعيش، بدونها، في إسرائيل.


كان شرط منير روفا إذن، يحمل موافقة لا تقبل الشك، على الهرب بطائرته الى إسرائيل. فعند ذلك عمت تباشير الأمل، وتهللت الوجوه في زهو، وارتمت ليزا على صدر منير روفا، تشبعه عناقاً مشوباً بالرضا، وهتف عاميت في مخبأه:

أنتم حقيقة عقول الموساد النابضة . . وفخر إسرائيل . . وعزها . . (!!)

طيار عراقي في إسرائيل

كان الطقس ربيعياً يميل الى البرودة، عندما انطلقت السيارة الرينو السوداء، تجتاز شوارع باريس المتلألئة مساء 25 أبريل 1966، باتجاه الجنوب.

بالمقعد الخلفي قبع الشاب الشاحب، الذي بالكاد يسحب ابتسامة باهتة، تتخلل أصابع يمناه شعر الفتاة الحسناء التي دفنت رأسها بصدره، بينما شرد عقله في رحلة ما أطولها. فقد طار بخياله الى بغداد، يجوب على عجل شوارعها وميادينها ومبانيها، ووقف على شاطئ دجلة يتأمل وجهه المرتعش على صفحة الماء، وفرطت المويجات الهادئة ملامحه، فانسحب في رفق الى الجسر القديم، وعبر الى حي المنصور يشتم رائحة العراق القديم، يطالعه وجه أمه الدامعة العينين، وتتشبث به أيدي طفليه وزوجته، فيطوف برأسه صراخ حاد، يشبه صوت هدير صاخب، يضرب أعماقه الجوفاء القاحلة، ويكاد ينخر جمجمته.

لم يتذكر طوال الطريق الى المطار ماذا كانت تقول ليز، حتى وهو داخل طائرة العال الإسرائيلية، اجتاحه إحساس بغياب حواسه، واتزانه، وتركيزه، كأنما ألقى به داخل كبسولة فضائية، يسبح مجدفاً في ذلك النطاق الضيق الخانق.

كان في قرارته لا يعرف بالضبط ماذا يريد. .؟ أكان يسعى خلف فاتنته ليزا. . ؟ أم طمعاً في المليون دولار. ؟

صحيح أن ليزا أعطته الكثير، وتفوقت على كل من عرف من النساء، للدرجة التي يشعر معها بأنه لم يتلذذ من قبل أن ينجرف، سابحاً خلال ذلك المحيط الرائع الواسع، الحار الدفق والمتع. لكن هل هذا فقط ما دعاه الى السفر لإسرائيل، للتخطيط لعملية هروبه من العراق بطائرته. . ؟ ولو أن المال كان مطلبه، ألا يُؤمِّن الراتب الضخم الذي يتحصل عليه في العراق، الحيارة والمستقبل لأسرته. .؟

كان يدرك تماماً أن حكومته تنفق على الطيارين بسخاء، وتضمن لهم راتباً عالياً وحياة رغدة بلا منغصات، وأنه استطاع – بواسطة راتبه – إخراج أسرته من بوتقة الفقر، وتعليم بقية أخوته في المدارس والجامعات، وعالجت الحكومة والديه – مجاناً – بأكبر المستشفيات العسكرية، واستثنت أخوته من شرط مجموع الدرجات، وألحقتهم بالمدارس والجامعات حسب رغبتاهم.

لماذا إذن يخون العراق. . ؟ وماذا فعل به قادته لكي يخونهم. . ؟ لقد قبلوه بكلية الطيران وهو الشاب المعدم ذو الأسرة الفقيرة، وأنفقت عليه الدولة مثل وزنه أموالاً لتعلمه، وبعثوا به الى الخارج في دورات تدريبية ليرتقي فنياً كطيار حربي، وعاملوه بكرم شديد وبحب كبير، دون أن يفرقوا بينه – وهو المسيحي – وبين زملائه المسلمين في المعاملة. بل إنهم كانوا أكثر تساهلاً معه، حتى لا يدعي حاقد وضيع باضطهاد المسيحيين في الجيش العراقي.



لماذا إذن وكل الأمور طيبة يخون. .؟

إن عقله يكاد يجن وهو يبحث عن إجابة تريحه، وتريح ضميره الذي غاب، بلا فائدة. كل ما يعرفه أنه انقاد وراء ليزا بلا وعي، ووافق على فكرة الهرب بطائرته دون تحسب للعواقب، وها هو يطير الى إسرائيل كالمغيب والى جواره ليزا الغارقة في حبه، يحمل جواز سفر باسم "عزرا موران بارزكاي"، في رحلة لن يتمكن بعدها من التراجع أبداً.

كان مائير عاميت قد أسرع بالعودة الى تل أبيب، ليزف البشرى لرئيس الوزراء، تاركاً روفا مع رهط من رجاله، تكاتلوا عليه، وحاصروه، ولم يتركوا له فرصة كافية ليختلي فيها بنفسه ليفكر أو يتراجع، بل أغرقوه بالإغراءات والوعود، ملوحين أحياناً بلطف شديد، بالأزمات التي سيواجهها في العراق إن لم يهرب.

وفي مطار اللد كان الوضع مدهشاً، إذ استقبل بحفاوة بالغة أذهلت عقله، وعومل، منذ لحظة نزوله سلم الطائرة، كشخصية هامة للغاية، وجذبته صائدته الماهرة، لتبتلعهما الليموزين السوداء ذات الستائر، تخترق شوارع تل أبيب قرب الفجر.

كانت دقات قلبه المتسارعة تزيد من اضطرابه، برغم التصاق ليزا به، وصوت الكاسيت الذي يردد أغنية "الورد جميل" لأم كلثوم.

أزاح الستار قليلاً بيده، وراح يتأمل اللافتات العبرية، والأضواء، والشوارع شبه الخالية إلا من رجال الأمن وسياراتهم، وثمة إحساس مؤلم بالغربة يعتصره ويذهب بأعصابه.

وأمام فيلا مسيجة بالحرس وبالسور الحديدي وأشجار البونسيانا، توقفت السيارة للحظة، ثم انفتح الباب على مصراعيه، فانطلقت الى داخل السور، ليظهر بناء داكن اللون ذو طابقين، على سلّمه الرخامي الأبيض وقف أربعة رجال، تبين فيهما أبو موسى وأبو داود، اللذين عانقاه بحرارة مهنئين بسلامة الوصول، وحاولا قدر جهدهما إخراجه من غلممة هواجسه وخوفه، وظنا أنهما نجحا.

إلا أن الليل اساكن وهمسات ليزا الملتهبة، ساعدا على تسكين روعه كثيراً، وطفق يحسو نعيم القبل، عله يطفئ براكين فكره بلظى الجسد الطامئ، وما بين ضربات النشوة الطاحنة، ودبيب الخدر بأوصاله، تناسى روفا موقعه وواقعه، وغاص يستمرئ الذاذات لعله يتوه، ويذوب في قعر الانتشاء لائذاً.

قبيل الظهيرة زاره أبو داود واثنان آخران من ضباط الموساد، واصطحباه الى شارع شاؤول، حيث يقع المبنى الرئيسي الجديد لجهاز الموساد، وكان بانتظاره مائير عاميت وكبار مستشاريه وضباطه.

لم يناقشوه في أية مسائل فنية تتعلق بعمله في العراق، أو بمسألة هروبه الى إسرائيل بطائرته، إنما انحصر حديثهم معه حول الطقس الرائع في تل أبيب، وعيد البوريم (1) الذي احتفلوا به منذ أيام. ثم تطرقوا الى الأقليات في الدولة العبرية، وكيف أن المسيحيون العرب ثاني أقلية كثافة في إسرائيل، إذ يبلغ عددهم نحو 130 ألف مسيحي، يشكلون حوال ينصف سكان الناصرة، وثلثي العرب في حيفا.

تحدثوا معه أيضاً عن حرية العبادة في إسرائيل، التي كفلها دستور الدولة لجميع الديانات، حيث يحق لكل طائفة أن تمارس عقيدتها وشعائرها، وأن يكون لها مجلسها ومحاكمها الشرعية، التي تتمتع بسلطة قانونية في إدارة شؤونها الداخلية والدينية.

وكان عاميت ذكياً بما فيه الكفاية، عندما استقدم بعض الضباط اليهود عراقيو الأصل، لحضور لقاءه بالطيار الشاب. وكان يرمي من وراء ذلك، إفساح المجال أمام روفا للتحلي بالأمان بين أناس يتكلمون بلهجته، وإبعاد أية إحساسات بالخيانة قد تهاجم أفكاره. وأضفى هؤلاء الضباط على اللقاء ألفة، هيأت روفا للقاء آخر شديد الخصوصية، كان من المهم بمكان أن يتم مساء اليوم نفسه . . في كيريا.

وتبعاً لتوصيات علماء النفس في الموساد، الذين قرأوا ملف منير روفا، وراقبوه منذ دخل الفيلا المعدّة لإقامته، ورأوا من خلال الكاميرات تفاصيل سلوكه في حجرة النوم، كان على ليزا برات ألا تفارقه للحظة، وأن تحيطه بعواطف جياشة زائدة عن الحد، في فترة هو أحوج فيها الى الحب والامتزاج، أكثر من أي وقت مضى.

لم تكن ليزا المدربة الذكية تجهل ذلك، إذ انصب تركيزها على إغراقه بمشاعر الحب، وبالعاطفة الملتهبة المشبعة بالعطاء والتفاني. وكان مدخلها الى عقله وقلبه قصة يُتْمها المختلقة، التي كان سريعاً ما تحرك مشاعره، وتثير فيه نخوة الشرقي العاطفي.

إن التحليلات النفسية للعرب التي اعتمدها الإسرائيليون، انصبت على أنهم أناس عاطفيون، يثقون بالآخرين بسرعة ويتبسطون معهم بلا تحرز، ومن السهل اقتحامهم بإثارة مشاعرهم.

وكان لدموع ليزا وهي تحكي لروفا معاناتها النفسية المزيفة، الأثر الواضح في ارتباطه بها، وتأثره أمام مشاعرها. فكان تأثره هذا مدعاة لأن يفقد تركيزه، وينساق خلف أوهام هواجسه، التي قادته الى طريق الخيانة بلا تفكير. (1) عيد البوريم: أشهر الأعياد في إسرائيل، يبدأ الاحتفال به في 13 مارس، وفي 15 مارس يصل الاحتفال الى ذروته، حيث الرقص وشرب الخمر طوال الليل في الشوارع، وما يصاحب ذلك من فسق ومجون بشكل علني وفي حماية الشرطة. ويرجع هذا العيد الى أيام السبي البابلي لليهود، حيث استطاعت استير اليهودية إنقاذ اليهود، بحثها الملك – زوجها – على العفو عنهم.



لن يراها أبداً

دقق عاميت النظر الى ساعة يده، التي أشارت عقاربها الى منتصف السابعة مساء، عندما سأله رئيس الوزراء:
هل وضعتم حلولاً أكيدة. . ؟


أجاب عاميت المملوء بالثقة والاعتزاز:
لم نعتمد بعد خطة نهائية لتهريب عائلته، وأثق بأننا سنتدبر الأمر بحكمة.


وعلق نائب وزير الدفاع شيمون بيريز:
ستكون أروع عملياتك يا عاميت. .


فقال رئيس الأركان إسحاق رابين:
بل وأروع عمليات الموساد على الإطلاق. .


وبزهو أضاف عاميت:
في آخر حوار لي معه، قال هولمز [
1]: "إنكم أناس كسالى". . ولسوف يفاجئ. .

قال مردخاي هود قائد سلاح الجو:
أخشى أن تعترضه الميج السورية فيضيع حلمنا الى الأبد. .


صاح به رئيس الوزراء:
ما فائدتك إذن يا مردخاي . . ؟ أستعلق الفشل على الآخرين. .؟ أنت في هذه الحالة تعرض نفسك للتحقيق والمساءلة، والفصل النهائي من الخدمة العسكرية، فحماية الميج العراقية، حتى وهو فوق الأجواء الأردنية، ستكون مهمتك أنت وحدك. . !!


تمتم مردخاي هود بكلمات مبهمة، عندها دخل مدير مكتب رئيس الوزراء، يخبره بوصول الضيف.

كان مكتب ليفي أشكول، عبارة عن بناية حجرية من ثلاثة طوابق، تقع بين بيوت متشابهة في كيريا، وهي المنطقة العسكرية، المحصنة في تل أبيب، التي تضم هيئة الأركان العامة للجيش، والمقر القديم للموساد.

وصل روفا برفقة كاروز وليزا وأبو داود،وعند نهاية الممر المؤدي لمكتب رئيس الوزراء، اصطف ثمانية عشر جنرالاً في شرف استقباله [2]، أدوا له التحية العسكرية. ووقف ليفي أشكول يصافح الطيار العراقي ويعانقه، وأجلسه الى جواره وهو يقول مبتسماً:

مرحباً بك في وطنك. .أراهن على أنك ستحب إسرائيل أكثر من أي مكان آخر .

تولى عاميت بنفسه تقديم رجالات الجيش الى روفا، بالإضافة الى جون هادن – مدير الـ C.I.A. في تل أبيب – الذي دعي لحضور اللقاء.

وبعد كلمات التعارف والترحيب، غادر الجميع المكتب الى حجرة جانبية ملحقة، تاركين روفا وعاميت وأبو داود مع رئيس الوزراء. وقال أبو داود متوجهاً بعبارته الى الضيف:
وعدتك سيدي النقيب في باريس أن تلتقي بالسيد رئيس الوزراء.. وها أنا ذا أنبر بوعدي لك. .


هتف ليفي أشكول في بشاشة:
إنه ليوم طيب بالنسبة لي. .


وملتفتاً الى عاميت:
إن ما وعدتموه به أمر لا يقبل المناقشة. .


وهو ينظر الى روفا:
أعدك بشرفي . . كن متأكداً. . فنحن نضحي لإرضاء أصدقائنا المحبين لإسرائيل. . كن متأكداً (ونطقها هذه المرة "بالعبرية" : هايه نا بطواح).


قال عاميت:
سيدي الرئيس .. إن النقيب روفا رجل شجاع ومخلص.. لقد وثق بنا وستكون ثقته في محلها.. وسيلقى منا كل رعاية.


رد ليفي أشكول:
نعم. . نعم.. ونحن نقدِّر له شجاعته وإخلاصه أيما تقدير.


انضم الآخرين بعد ذلك للقاء الذي استغرق نصف الساعة، وخرج روفا من مكتب رئيس الوزراء، مطمئن البال على المكافأة التي وُعد بها.

وعلى مدار خمسة أيام في إسرائيل، اجتمع به خلالها مردخاي هود قائد سلاح الجو، حيث صحبه الى القاعدة الجوية التي سيهبط بها، وتناقشا معاً حول المسائل الفنية المتعلقة بالممر الجوي، والارتفاع فوق الأجواء الأردنية، والتردد اللاسلكي، وأسلوب التعامل – كاحتياط – مع الطيران السوري في حالة تدخله، والسرعة اللازمة لتفادي الاحتكاك والمواجهة. كذلك شرح له كيفية مباغتة زملائه الطيارين العراقيين، والهرب منهم باتجاه الأردن.

بعد ذلك طُوِّف به في أنحاء تل أبيب، حيث شاهد المسارح والملاهي والحدائق، وعلى مسافة عشرة كيلو مترات – في مستعمرة بات يام – اختار بنفسه فيلا حديثة الطراز تطل على البحر، لتكون سكناً له ولأسرته في إسرائيل، لكنه عندما زار مدينة ريشون ليتسيون – أول مستعمرة يهودية على أرض فلسطين – غيّر رأيه، فالفيلات البديعة ذات الأسوار والحدائق، كانت مثار دهشته وإعجابه. وعلق على ما رآه قائلاً:

كنت أعتقد بأن إسرائيل أرض صحراوية جدباء . . ولكن .. الآن عرفت أنها "الجنة" الخضراء على الأرض.

كان حتى تلك اللحظة يعرف أن ليزا بريطانية تحبه، ولم يكن في صالح الإسرائيليين أن يظن غير ذلك، فانكشاف هويتها الحقيقية، سيصيبه بانتكاسة لا محالة، نتيجة الخدعة الطويلة التي صدّقها.

لذا فقد أبقى الأمر سراً، وتعامل الجميع مع ابنة الموساد على أنها ضيفة انجليزية، واختاروا لها – حسب رغبته – فيلا أخرى تقع على مقربة من مسكنه، لكي تبقى الى جواره في إسرائيل.

وفي صباح الأول من مايو، غادر "عزرا موران بارزكاي" تل أبيب، بطائرة العال الإسرائيلية الى باريس، ترافقه حبيبة الفؤاد، التي أكدت على أنها ستبقى معه بفرنسا الى أن يسافر الى العراق، ثم تعود الى إسرائيل ثانية لتنتظره بفيلتها.

وقبلما يغادر روفا تل أبيب، سلّم عاميت قائمة بأسماء "21" فرداً، هم أفراد عائلته، وعائلة زوجته، الذين سيتم تهريبهم خارج العراق يوم هربه بالطائرة الميج. وضمت القائمة والداه وأخوته الثمانية، وزوجته وولديه، وحمواه وأولادهما الستة، وسجل رسائل صوتية لهم، وكتب رسائل مذيلة بتوقيعه، يطلب منهم مرافقة حامل شريط الكاسيت أو الخطاب، دون سؤاله عن وجهته، أو معارضته.

كذلك تم ترتيب أسلوب الاتصال به حين طلبه ذلك، بعدما يتم نقله الى قاعدة الرشيد الجوية، وعندما يحدد المواعيد المقترحة بفراره.

أمضى روفا يومان في باريس بصحبة عميلة الموساد، أذاقته خلالهما مالذ وطاب من المتعة، وأكدت له كل لحظة أن حياتها ابتدأت معه، وفي إسرائيل سينعمان معاً بالدفء، والحياة الرائعة الزاخرة بالسعادة.

وفجر الثالث من مايو 1966 طار روفا الى بغداد، يحدوه الأمل في العودة ثانية لأحضان حبيبته، حيث لن يفارقها هذه المرة الى الأبد، أما ليزا برات، فكانت تضحك في نفسها، ذلك لأن مهمتها قد انتهت، ولن ترى روفا بعد ذلك أبداً. . وعادت فوراً الى تل أبيب تنتظر مهمة جديدة .. مثيرة.. !!


----------------------------------------

[1] كان ريتشارد هولمز رئيس المخابرات الأمريكية C.I.A. يرى أنه من الأفضل عدم توريط الولايات المتحدة في عملية اختطاف طائرة ميج 21 سوفييتية، تسيء الى مركز أمريكا المنشغلة بالحرب الباردة مع الروس. كان هذا أيضاً رأي سلفه جون ميكون، الذي عمل جاهداً على تسهيل مهمة الموساد، أثناء تواجد الطيارين العراقيين في تكساس، دون أن يزج بالمخابرات الأمريكية في العملية تحسباً لأي خطأ، يشعل أزمة دبلوماسية تكشف وجه أمريكا القذر.
[2] يبدو أنه تقليد متبع، فقد استقبلت بعد ذلك الجاسوسة المصرية هبة سليم بعشرة جنرالات أمام مكتب جولدا مائير، وكانت طائرتان ميراج حربيتان قد رافقتا طائرتها حتى المطار كما يحدث مع الملوك ورؤساء الدول.
يتبع ....

الضبع 10-06-2008 11:33 AM

العملية رقم سبعة ـ الفصل العاشر والأخير

انحرف بطائرته ناحية الغرب ..
منطلقاً بأقصى سرعة ..
مستخدماً المحركات الصاروخية المساعدة . .
فابتعد كثيراً عن زميله في الطائرة الأخرى . .
وتجاهل نداءاته عبر اللاسلكي ..
منشغلاً بضبط التردد الذي يمكنه من الاتصال بالإسرائيليين . .
لكنه فشل . .
ومع ذلك واصل اندفاعه. . !!
طياري الميراج الجبناء .. !!
كانت لدى مائير عاميت خطة واحدة، لا بديل لها، لإخراج عائلة روفا من العراق، حال تأكده من إيجاد الفرصة المناسبة. والخطة تعتمد ببساطة شديدة على أذون مزورة بإحكام، بمغادرة "21" فرداً الى إيران للاصطياف. (وليس كما روّج الإسرائيليون بعد ذلك، وسنتناول كل هذه الادعاءات الكاذبة في حينه).
تقدم منير روفا لقيادته بالأوراق الطبية – المزيفة من قبل الموساد – تفيد بأن صداع الرأس HEAD ACHE الدائم هو نتيجة معاناة نفسية منشؤها القلق، مطالباً بضرورة نقله الى بغداد، حيث يعاني والده من عدة أمراض، والأمر يستدعي ضرورة تواجده الى القرب منه.
اقتنع الأطباء العسكريون بما جاء بالتقرير، وجاءت التأشيرة الطبية توصي بنقله، تجنباً لإصابته بالانهيار العصبي BREAK-DOWN. واستغرق بحث التوصية طوال شهري مايو ويونيو، وفي آخر يونيو أخبر بأن هناك كشوف ترقيات ستعلن خلال أيام، ورد اسمه بها، وعندها سيتم نقله على الفور الى بغداد.
وفي 13 يوليو حصل على أجازة لمدة أسبوع، وحاول خلاله إفهام أسرته وأسرة زوجته مريم، بأنه ينتظر النقل الى قاعدة الرشيد الجوية، لظروف الصداع التي كان قد أقنعهم بها، وفي هذه الحالة سيأخذهم جميعاً، على نفقة الدولة، لقضاء عدة أيام على شاطئ بحر قزوين في إيران، وأوصاهم بعدم إعلان ذلك تحت أية ظروف، لأنه أبلغ أسماؤهم فقط لقيادته، ولن يسمح باصطحاب آخرين.
كان منير روفا قد تأهل نفسياً للقيام بمهمته، وينتظر اليوم الذي يجمعه بليزا، بفارغ الصبر، حيث يستطيع، وهو يمتلك مليون دولار، أن ينفق عليها بسخاء، فترى فيه الى جانب فحولته رجلاً آخر سخياً كريماً.
ذات ليلة. . أراد أن يستطلع رأي زوجته، فأظهر تبرمه من الحياة بالعراق، مبدياً رغبته في اصطحابها مع الأولاد للحياة الدائمة في باريس. ضحكت مريم قائلة إنها تتمنى ذلك، وستكون معه في أي مكان.
وعلى حين فجأة صدر في 25 يوليو قرار ترقيته الى قائد سرب، الأمر الذي شجعه على استعجال طلب نقله، وتم ذلك بالفعل في 4 أغسطس. فذهب من فوره الى قاعدة الرشيد الجوية، وتسلم عمله، وبدأ العد التنازلي للعملية 007.
في 6 أغسطس نشر إعلاناً بجريدة الثورة، عن فقد مظروف أبيض متوسط لاحجم، به تقارير طبية هامة، وكان رقم التليفون به خطأ متعمد.
وفي تمام السابعة مساء دق جرس التليفون بشقته:
آلو . .
نعم . .
حرضتك صاحب الإعلان. .؟
نعم. .
أنا المهندس شاكر.. والمظروف عثر عليه ابني بالأمس..
أشكرك جزيل الشكر . . متى أستطيع مقابلتك.. ؟
كيفما ترى..
الساعة العاشرة مساء الغد بشارع الحمادي .. أمام محل أورفو. . أيناسبك الوقت والمكان..؟
لا مانع. .
هل بالإمكان تمديد الموعد ساعة أخرى إن كان هذا يناسبكم؟..
لا بأس يا سيدي . . مع السلامة.
هذه المكالمة (1) البريئة جداً في ظاهرها، حوت رسالة شفرية بالغة الأهمية، كان قد تم الاتفاق عليها مسبقاً في إسرائيل.
المهندس شاكر = "كلمة السر".
الساعة العاشرة = أي رقم (10) مضاعفاً، ويطرح عدد (3) قبل التضعيف.
مساءً = صباحاً.
الغد = هذا الشهر.
شارع الحمادي = قاعدة الرشيد الجوية.
محل أورفو = إخراج العائلة من العراق.
تمديد ساعة = مهلة ساعة.
وببساطة شديدة، فترجمة الحوار الشفري كالتالي:
سأطير ابتداء من يوم 10 الى 20 أغسطس، من قاعدة الرشيد، ما بين السابعة الى الثامنة صباحاً، ومطلوب الإسراع بنقل العائلة خلال هذا التوقيت.
انقلبت الموساد الى خلية نحل، فالرسالة التي بثها عميلهم السري في بغداد كانت مدوية، لذلك طُلب منه إعادة بثها مرة ثانية ففعل، وجاءت كما هي في المرة الأولى بلا أخطاء.
استدعى عاميت على الفور الجنرال مردخاي هود، قائد سلاح الجو، ونقل اليه تفاصيل الخبر العاجل، فكاد هود أن يطير فرحاً، أما ليفي أشكول فقال "لن ينسى لكم التاريخ ذلك".
اجتمع هود بكبار ضباطه ومعاونيه، وتشاوروا حول القاعدة الجوية التي سيهبط بها روفا، من حيث طلعات أسراب طائراتها الروتينية، ووقت طيران روفا، والطيارين الذين يضمهم جدول الطلعات، ومدى تماسكهم أمام ظهور الميج 21 أمامهم، إذ كانوا يرهبونها لكثرة الأساطير التي حيكت عنها، وكان من بين الطيارين المقرر طيرانهم الروتيني خلال ذلك التوقيت، النقيب "موشيه ران" بطل الألعاب الجوية في الاحتفالات القومية، وهو طيار محترف مندفع، مغامر لحد الجنون.
وفي إسرائيل صدرت الأوامر لعملاء الموساد في العراق، بالإسراع في نقل عائلة روفا الى إيران، وأحيط أيضاً عملائهم في إيران بالأمر، وأجريت اتصالات مع رجال السافاك، لتسهيل خروج العائلة جواً الى إسرائيل.
كانت عقارب الزمن تتحرك ببطء، والأعصاب المرهقة المشدودة في غليان فوار، وابتداء من 8 أغسطس وطياري الميراج يقتربون كثيراً من الأجواء الأردنية، ما بين السابعة والثامنة صباحاً، دون أن يعرفوا سبباً لذلك.
ومساء اليوم التالي أقام مردخاي هود إقامة كاملة في قاعدة حاتسريم الجوية، واستيقظ صباح يوم 10 أغسطس مبكراً، واجتمع الطيارين وقال لهم:
هناك طائرة ميج 21 تحمل الشارات العراقية. .ستقترب من أجوائنا عبر الأردن. .إنها طائرة مسالمة لا تصيبوها بأذى. .نحن نريدها سليمة. . ولسوف يتبعكم قائدها بلطف الى هنا. .أكرر. إياكم والحماقة. . لا أريد تهوراً من أحدكم. .ولا تترعجوا من العلم العراقي على دفّتها. . أو الصواريخ أسفل جناحيها.
وما إن أقلع سرب الميراج الى السماء، حتى انطلق صوت هود في اللاسلكي:
أنا قائدكم مردخاي هود. . أعرف أنكم تحفظون صوتي جيداً. .لا أريد منكم تصرفاً صبيانياً. . أريدكم عقلاء كما أتوسم فيكم. .كونوا هادئين بلا انفعال. .
وتكرر هذا النداء صباح اليوم التالي . .والذي يليه .. و .. .
(1) قد يتساءل البعض: لماذا لا يكون هناك لقاء بين عميل الموساد ومنير روفا بدلاً من مكالمة شفرية قد يشوبها خطأ ما. .؟ وللإجابة نقول: إن هذا التصرف من صميم عمل أجهزة الاستخبارات. فالموساد تتوقع كافة الاحتمالات إذ قد يكون في الامر خدعة ما ويعتقل عميلها المدرب لوشاية من روفا (الغير موثوق به حتى تلك اللحظة) أو قد يكون تليفونه مراقباً فيعتقل الاثنين معاً، أو قد يكون عميلهم مكشوفاً للمخابرات العراقية، وترك حراً تحت المراقبة لاصطياد شركائه.
الحصار في طهران . . ! !
كانت السيارة الجيب العسكرية تذهب غالباً في الصباح الباكر الى بيت روفا، وتعيده مرة أخرى عند العصر. وفي 11 أغسطس أخبر أهله وأهل زوجته، بالاستعداد للسفر الى إيران فجر 13 أغسطس (1)، حيث سيتحركون بالباص مع أحد زملائه، بينما يطير هو الى طهران برفقة قائد عراقي كبير، ليمكث معهم عدة أيام على الشاطئ.
وفي 12 أغسطس ودع روفا أهله، بدعوى أنه في مهمة سرية مع القائد العام، ولن يراهم إلا في إيران بعد أيام، وأوصاهم جميعاً بمرافقة زميله، وتنفيذ ما يطلبه منهم لأجل سلامتهم وأمنهم. وحمل حقيبته الصغيرة متجهاً الى قاعدة الرشيد، بنية الابتعاد عن أفراد أسرته حتى يطمئن على سفرهم أولاً، ومن ثم يطير من بعدهم الى إسرائيل.
لقد زُوِّد كقائد سرب بوقود يكفيه لمسافة ألف كيلو متر، وتبلغ المسافة بين قاعدتي الرشيد في العراق وحاتسريم في إسرائيل نحو تسعمائة كيلو متر، معنى ذلك أن الطائرات السورية لو تصادف وطاردته، فوقوده سوف ينفذ في الجو لا محالة.
لذلك . .كان المطلوب لإنجاح خطة هروبه الارتفاع الشديد أثناء الطيران لتقليل استهلاك الوقود، والإفلات السهل من السوريين وصواريخهم الأرضية. أما الأردنيون فقد كانت دفاعاتهم متواضعة، إضافة الى خلو سلاحهم الجوي من الميج 21.
وصباح الثالث عشر من أغسطس، توقف الباص أمام بيت روفا، وركبت مريم وولديها، واتجه بهم الباص الى المستنصرية حيث والديه وأخوته، فركبوا جميعاً، وعند أهلها في الأعظمية اكتشفت وقوع حادث لوالدها، إذ انزلقت قدمه على الدرج فالتوت وتورمت، ووافق أربعة فقط من أخوتها – شاب وصبي وفتاتين – على السفر معها.
سويعات قليلة وعبر الباص البوابة العراقية بالأذون المزيفة، بداخله سبعة عشر فرداً من أهل روفا، إضافة الى قائد الرحلة، الذي كان في حقيقة الأمر أحد عملاء الموساد في العراق.
عاد روفا الى شقته وعرف بما حدث لوالد زوجته، فغضب كثيراً، وفي السابعة مساء دق جرس التليفون:
آلو . .
نعم . .
أنا المهندس شاكر. .
اتصلت بك سبعة عشر مرة لأطمئن عليك . . (إشارة الى عدد أفراد أسرته). .
أنا بخير . .وما أحوال أسرتك. .؟ (يقصد أسرته هو)..
إنهم بأحسن حال . .ويتشوقون اليك. .
متى ستأخذهم الى بيت العائلة . . ؟ (يقصد إسرائيل)..
ليس قبلما تسبقهم أنت أولاً. . (أي أنهم سيطيرون بعد وصولك لإسرائيل بالميج 21).
سأقضي معكم إذن ستة عشر يوماً لا أكثر . .!! (أي أنه سيهرب بالطائرة يوم "16" و "لا أكثر" نافية للتضعيف.)..
إننا جميعاً ننتظرك . . (ننتظرك في إسرائيل). .
لن أتأخر عن ميعادي. . !! (أي أن يوم 16 هو لحظة الصفر). .
هل أجازتكم حقاً "16 يوماً". . ؟
نعم . . 16 يوماً . . (لتأكيد الميعاد).
سنجهز لك وليمة رائعة . . (سيكون هناك استقبال حافل).
أنت تعرف الأصناف التي أحبها. . (يقصد أنه لا يريد سوى ليزا. . ولأنه عميل مقيم بالعراق لم يفهم ما يقصده. . لذلك أجاب):
ستسر جداً يا صديقي بيننا . .الى اللقاء. .
الى اللقاء ..
نزلت مريم وبقية أفراد الأسرة، حسبما أراد مرافقهم، بأحد فنادق طهران، وكانت قد تعجبت من أمر ذلك التغير الذي طرأ على الرحلة، فقد كان المخطط البقاء على بحر قزوين لا في العاصمة. وأمام تساؤلاتهم الملحة، لم يكن المرافق يجيب سوى برسالة روفا الى زوجته، التي يطلب فيها أن تطيع الرجل ولا تكثر من الأسئلة.
أمر هذه الرسالة ذات الأوامر كان يشعرها بإحساس غامض، يقترب بها من حافة الشكوك والريب. وضاعف من قلقها تلك الوجوه التي تحيط بهم داخل الفندق، وأثناء تجوالهم في الحدائق والأسواق.
بقية أفراد الأسرة – أخوة منير وأخواتها – لاحظوا مثلها تلك التصرفات أيضاً، وتحدثوا فيما بينهم، حتى إذا ما أنهكهم تفسير ما يروه، انكبوا على مريم يسألونها، ويستفسرون عن سبب بقائهم في طهران، فكانت تقول اسألوا منير عندما يجيء.
وفي 15 أغسطس كان منير قد استُهلك عصبياً، وأخذ يأتي بتصرفات لا إرادية غريبة، فتارة يضحك عالياً ويقهقه، وتارة أخرى يتجهم لوقت طويل ملتزماً الصمت. وشوهد طوالاً يحادث نفسه، مصدراً أصواتاً هوائية مبهمة، مفضلاً الانعزال بعيداً عن زملائه. وعند المساء أغلق عليه باب حجرته مبكراً، وقضى ردحاً من الزمن في سهوم وتفكير.
بعد ذلك قام الى دولابه وأخرج أوراقاً وقلماً، واشنغل بكتابة رسائل لأصدقائه، لكنه تخوف من أن يؤدي ذلك الى حرمانهم من الطيران، فمزق أوراقه وحرقها، وانفرد بنفسه في الشرفة لقرب منتصف الليل، ثم أوى الى فراشه موهماً نفسه بسعادة كاذبة، لقرب لقاءه بالحبيبة ليزا، لكن تفكيره في المليون دولار كان يشغله في الحقيقة أكثر وأكثر. .
ونام روفا نوماً متقطعاً، مضطرباً، تخللته أحلام منغصة عن انكشاف أمره واعتقاله، وضياع حلم الإثراء الفاحش، والعشيقة المتيمة.
ومع انبعاث صوت آذان الفجر من مسجد القاعدة الجوية القريب، هب من فراشه كالملسوع، وارتدى على عجل ملابسه الرياضية، وأسرع بالخروج. . !!
نهاية المدفون حياً . . !!
عندما تأكد لرجال الموساد في إيران وصول روفا الى إسرائيل، أعلنوا الخبر لزوجته ووالديه، وأخبرهم بأن طائرة إسرائيلية في الطريق الى طهران جاءت لتقلهم الى تل أبيب.
صرخت مريم غير مصدقة، وصرخ أخوة روفا وأخوتها، بينما وجم أبواه في البداية ثم انهارا في بكاء أليم.
وفي حين أصرّت مريم أن تحادث روفا تليفونياً، تمسك أخوتها الأربعة بالعودة الى العراق، بالرغم من محاولات تخويفهم من قسوة ما سيلقونه من تعذيب في بغداد، على إيدي المخابرات العراقية.
وأمام إصرار مريم لم يكن هناك من بد من إتمام ذلك، ومن مقر الموساد في بئر سبع حدث الاتصال بإيران:
روفا:
آلو
مريم:
منير . . ماذا حدث. . ؟ "كانت تبكي في صراخ".
روفا "وقد تهدج صوته":
أنا في إسرائيل يا مريم . . تعالِ. .تعالوا كلكم لأن العراقيين سيفتكون بكم. .ويمثلوا بأولادنا يا مريم .. و ..
مريم "كان صراخ ولديها وَمَنْ حولها مسموعاً":
ماذا فعلت في العراق. . ؟ روفا "وقد أوشك على الانهيار":
لا تضيعون الوقت. . لقد هربت بالطائرة ولن تستطيعوا العودة. .
مريم "صرخت في هلع":
هربت بالطائرة. . ؟ أيها المخبول ضيّعتنا . .ضيّعتنا. .
"صراخ هستيري من الجميع".
انتهت المكالمة بانهيار الطيار الهارب، وأوشك عاميت أن يأمر باستدعاء ليزا على وجه السرعة، بيد أنه تريث في اللحظة الأخيرة حتى لا يبدو كاذباً، إذ أخبر روفا بأنها في زيارة لأختها المريضة في أستراليا. وجاهد أبو داود باستماتة لكي يعيد روفا الى هدوئه، منفرداً به وحده في ركن قصي.
وبحديثه التمثيلي المؤثر استطاع السيطرة على الشاب المذعور، بل وأقنعه بمواجهة كاميرات الصحفيين وأسئلتهم، لكي يبدو ثابتاً وبأعصاب سليمة، أمام العراقيين.
عمت البهجة جهاز المخابرات المركزية C..I.A.، وأقلعت من نيويورك طائرة تقل 50 خبيراً في هندسة الطيران، لفحص الطائرة الميج 21 في إسرائيل. تزامن ذلك مع وصول الملحقين العسكريين الى قاعدة حاتسريم، ووقف الملحق العسكري الفرنسي – الكولونيل كاترو – في حالة هي أشبه بالذهول الكامل، وكل ما تفوه به هو أنه قال:
مدهش . .إنها ممشوقة القوام Elle a la taille svelte .
وهتف الملحق العسكري الأمريكي وهو يتحسس الطائرة:
أنا أول أمريكي يلمس هذه الجوهرة. (1)
أما الميجر تومبسون الملحق العسكري الإنكليزي، فقد وقف يتأملها مصعوقاً. .وأخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة.
وفي القاعة المعدة للمؤتمر الصحفي، كان التزاحم شديداً لصحفيين ومراسلين من كل أنحاء الدنيا، الى جانب طاقم التليفزيون الإسرائيلي من فنيين ومذيعين، وجنرالات الجيش ببزّاتهم ذات الشارات اللامعة، وقد رسموا ابتسامات الزهو فغلفت وجوههم، مستسلمين للأسئلة التي انهالت عليهم كالمطر:
كيف حصلتم على الطائرة. . ؟ هل جاءت مصادفة أم بعملية مخابراتية. .؟ هل جاءت بأسلحتها أم كانت خيالية من السلاح. . ؟ هل اختطفتها طائراتكم وأجبرتها على الهبوط بإسرائيل. . ؟ ما عمر الطيار تقريباً. .؟ و . . . . .. . و . . . . . .
بطبيعة الحال، لم يكن مصراحاً لهم بالإجابة عن أية أسئلة، ففي الكواليس الإسرائيلية تطبخ المسائل بما يخدم أغراضها. لذلك بقيت عقول المتواجدين بالقاعة تلهث بحثاً عن إجابات، الى أن دخل منير روفا محاطاً بعشرات الضباط العسكريين، فومضت مئات الفلاشات المتحفزة، وسلطت الكشافات المبهرة بقوة، وارتبك الطيار العراقي الذي تم تلقينه الإجابات بالداخل، وانصبت عليه فيضانات الأسئلة، فازداد ارتباكه وارتجف فكه السفلي هذه المرة بوضوح شديد، أما أطرافه فلم يعد بإمكانه الإحساس بها، ولمحه عاميت المستتر بعيداً لا أحد يراه، فأمر بسحبه الى الداخل في الحال.
ولما فشل في إعادته مرة ثانية الى القاعة، بسبب التدهور الحاد الذي أصاب تماسكه، وبكاءه المتصل وهياج ردود أفعاله، كان هناك حل آخر بُدء في تنفيذه على الفور.
دخل القاعة الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي – سهيل بن زفي – وكان يمسك بورقة بيضاء، ادعى بأنها رسالة بعث بها منير روفا الى إسرائيل، عندما كان بباريس في أبريل الماضي، يبلغهم فيها برغبته في اللجوء الى إسرائيل، هرباً من الاضطهاد الذي يعامل به المسيحيون في العراق، وبسبب التمييز المذهب ضد أكراد الشمال، وأخذ يقرأ بضع فقرات من الرسالة.
هكذا فكر ونفذ عاميت، لتشويه وجه الحكم في الدول العربية، وإظهار الأقليات بها بصورة مغايرة للحقيقة، وللتدليل أمام وسائل الإعلام العالمية، أظهر بأن الطيار الهارب من جحيم العراق، ما فر بطائرته إلى إسرائيل إلا لثقته في ديمقراطيتها، واحترامها للأديان.
وبواسطة طائرة هليوكوبتر، أُخذ منير روفا الى الفيلا التي اختارها لنفسه في ريشون لتسيون (1)، ووصلت من طهران الطائرة التي أقلت أهله، بينما تسلمت السفارة العراقية أخوة مريم الأربعة، وأعادتهم على كفالتها الى بغداد.
كان العراقيون يعرفون أن لا ذنب لكل من يمت للطيار الخائن بصلة قرابة أو صداقة. وأدركوا بعد فوات الأوان أن روفا تم تجنيده أثناء رحلة باريس، وأن يوسف منشو، الذي هرب بجلده الى إسرائيل، كان اليهودي القذر الذي ساعد في خيانته. .
وفي إسرائيل كانت المواجهة عصيبة بين روفا وزوجته وبقية أسرته، فالمأزق الذي وضعوا فيه كان أكبر من مدى استيعابهم، وأحس غالبيتهم بمدى غبائهم، حينما وافقوا على السفر إليه في إسرائيل. وكانت أمه أشد الرافضات لغدره ومن بعدها أختيه، أما أبوه فكان على قناعة بأنها "ضربة حظ" سترفع كثيراً من شأنهم. فالمليون دولار، مبلغ خيالي أدار عقله، وسلبه نعمة التفريق بين الحلال والضلال، وبين الإثراء والخيانة، وكان كثير الثناء على ابنه الخائن وتصرفه "السليم" في مواجهة الفقر، وتأمين مستقبل مضمون للجميع.
مريم هي التي بوغتت، فمع مكالمة منير الهاتفية فقدت الوعي ونقلت الى عيادة مجاورة للفندق، وبقيت على حالها لساعات وما أفاقت إلا وهي بالطائرة الإسرائيلية، تطير غصباً عنها لإسرائيل. ومن حولها كان ولديها وشقيقات زوجها وأمهم ينتحبون، ويجهشون بالبكاء طوال رحلة الطيران.
ولخوفهم مما كان سيجري لهم ببغداد – حسبما أُبلغوا – وأمام الأمر الواقع، خضعن، وبحلقومهن غصّة مشبعة بالوجيعة، وبقلوبهن وخز كالإبر.
تسلم روفا شيكاً على بنك هاتسوفيه الإسرائيلي بمليون دولار، وبعدما طال بحثه عن المعشوقة ليزا دون جدوى، اكتشف أن المسألة منذ بدايتها كانت خدعة كبرى، رتبت بإحكام لاختطاف الطائرة، وما كانت ليزا سوى اسم وهمي لإحدى عميلات الموساد، قامت على تصيده والسيطرة عليه بدعوى الحب. . هذه الخدعة الخبيثة جعلته يحتقر ذاته، وما كان له إلا أن ينسى ليزا فلا طريق أمامه دون ذلك.
ولأنه وقع في المصيدة، مضطر للاندماج شيئاً فشيئاً داخل نسيج المجتمع اليهودي، ورفضاً استلام جواز سفر إسرائيلي باسم جديد، كذلك فعلت بقية أسرته، حيث كان الخوف – وما يزال – يسيطر على عقله، وقال لهم في يأس:
"لست بحاجة الى جواز سفر . . لأنني دفنت نفسي ها هنا حياً. . الى الأبد" . .
هكذا عاش الخائن مرعوباً بين أعداء وطنه وأمته، لا يحس بالأمن ليلاً أو نهاراً، ويرى الاحتقار بادٍ على وجوه من يعرفونه أو يحيطون به، ولا يلقى منهم أي احترام أو تقدير. فقد كانوا يعرفون أنه جبان، خائن، باع وطنه بثمن بخس، وأن من باع وطنه فلا أمان له ولا عهد.
كيف إذن يعيش الخونة العرب في إسرائيل . . ؟ وكيف يعاملون . .؟ وهل يثقوا بهم هناك. .؟
(1) بعد أيام قليلة من الاستيلاء على الميج 21، أهدتها إسرائيل الى الولايات المتحدة لتفحصها وكشف أسرارها. وفي الحقيقة كانت الطائرة من طراز معدل أدخلت عليه بعض الإضافات، واستطاع الأمريكان فهمها وتبين نقاط قوتها، وتحسين أداء طائراتهم الفانتوم وسكاي هوك، واستفادوا من العقلية السوفييتية في تطوير صناعة طائراتهم الى حد كبير. .وعندما قامت حرب 1967 كانت الطائرات الأمريكية التي لدى إسرائيل، مزودة بإمكانات هائلة حديثة مكنتها من التفوق الجوي، والاشتباك الجوي مع الطيران العربي دون خوف من مواجهته.
ختام لا بد منه
الكتب التي تصدر – عن قصد – من إسرائيل . .
للترويج لعبقرية جهاز الموساد . .
يجب أن تمنحنا فرصة التدريب العقلي . .
لفحص ضلالات الكذب . .
ومعرفة حدود الحقيقة في الخيال . .
وذلك بقياس الأدلة المعلنة . .
والوقائع المعروفة . . ! !
الخاتمة
واكب حادثة هروب منير روفا بطائرته الى إسرائيل، دعاية مغلوطة لقصص خرافية روجت لها الموساد، لإضفاء صفة الإعجاز على عملياتها، التي درجت الدعاية على نعتها بالأسطورية الخارقة.
وأستطيع أن أؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن مزاعم الإسرائيليين التي جاءت بصور مختلفة عن العملية 007، كلها محض خيال وأكاذيب، قصد من ورائها الترويج لبطولات زائفة هشة، وتوظيف "بروبا جندا" الإشاعات لإثارة الخيال، والإساءة المغلفة لأجهزة المخابرات العربية ولعقول رجالاتها، التي أنهكت مخابرات إسرائيل في عمليات بارعة ذكية، لا يملك العرب صراحة أساليب الدعاية الكافية لنشرها بكل اللغات، فضلاً عن أن مخابراتنا تنأى عن كشف أسرارها، وتلتزم الصمت إزاء العديد من العمليات التي تقوم بها، حرصاً على الأمن القومي، وسرية عملها الاستخباراتي وأساليبه.
ففي مصر وحدها يعيش العديد من العملاء من الأجانب والإسرائيليين، الذين جندتهم مخابراتنا وعملوا داخل كيان الدولة العبرية لسنوات طويلة، تمت مبادلة بعضهم، والبعض الآخر جاءوا الى مصر بمحض إرادتهم، بعد انقضاء مدة عقوبتهم في سجون إسرائيل، كلهم يلقون الأمن والاهتمام والرعاية بين المصريين.
وهل يتذكر أحد منكم اسم "إسرائيل بير". . ؟ لقد كان أحد الكبار في إسرائيل، أوكل اليه رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون كتابة تاريخ حرب 1948، وعمل مستشاراً لبن جوريون نفسه، وكان مكتبه في وزارة الدفاع بجوار مكتبه. واتضح فيما بعد أنه جاسوس يعمل لصالح المصريين، وحكم عليه عام 1962 بالسجن ومات بعد أربعة أعوام من سجنه.
وهناك كيبوراك يعقوبيان الذي عاش في إسرائيل باسم إسحاق كوكوك، وعمل في الجيش الإسرائيلي الى أن تم اكتشافه، واستلمته مصر عام 1966 في عملية مبادلة.
أيضاً مردخاي كيدار، وشموئيل باروخ، وأليسبياديس كوكاس، وأورليحت شنيفت، أو أولريتش، وتيودور كروس، والكسندر بولين، كلهم عملوا لصالح المخابرات المصرية ضد إسرائيل، بخلاف القائمة الطويلة من العملاء الشرفاء، من المصريين والعرب.
إن قصص العملاء الذين عملوا مع المخابرات العربية ضد إسرائيل، أكثر من أن تحصى، تتناثر بعضها هنا وهناك، وجاء أغلبها في كتب الجاسوسية التي تنشرها إسرائيل، بشكل مضلل، هذه القصص تلقى التجاهل من وسائل إعلامنا، وكُتّاب الجاسوسية الذين "انقرضوا" هرباً من الكتابة في هذا الاتجاه البالغ الصعوبة.
ونعود ثانية لتفنيد مزاعم الإسرائيليين وأكاذيبهم، حول حادثة هروب الطيار العراقي منير روفا، وسنكتشف معاً التخبط الذي جاء بمصادرهم وكتبهم، وهو الدليل الذي ساقوه الينا لنحكم بأنفسنا على تفاهة هؤلاء الأغبياء، أدعياء العمليات المخابراتية الأسطورية الخارقة:
• زعموا كذباً في بعض كتبهم أن عملية تجنيد روفا تمت في بغداد بواسطة عميلة أمريكية. عندما أبدى لصديقه يوسف رغبته في الهرب لإسرائيل. وأنه سافر الى روما مع العميلة ومن هناك الى تل أبيب للاتفاق، ثم سافر بعد ذلك الى باريس ليخبرهم بالموعد المقترح للهرب. (!!)
• زعموا كذباً في كتب أخرى أنه جُند في فلوريدا بأمريكا، أثناء دورة تدريبية له هناك. (!!)
• زعموا كذباً أيضاً أن عائلته تم تهريبها في عدد (2) أتوبيس بواسطة أكراد العراق الذين سهلوا لهم العبور الى إيران. . وهذا مستحيل لأن الهرب عن طريق جبال كردستان بأتوبيس معناه الموت الأكيد لاحتمالات لا حصر لها كالأعطال ونقص الوقود والمؤن والسقوط من المرتفعات الشاهقة، فضلاً عن جهل عائلة روفا بالأصل بنوايا هروبه. (!)
• وزعموا في روايات أخرى أن عائلته وأقاربه تمكنوا من الهرب الى إيران يوم هربه ثم طاروا بعد ذلك الى إسرائيل (أي أنهم كانوا على علم بخطة هروبه). (!)
• قالت المصادر الإسرائيلية أن منير روفا يهودي عراقي، أبدى رغبة في الهرب بطائرته مقابل نصف مليون دولار. (!!)
• مصادر أخرى زعمت أنه مسيحي أرثوذوكسي، جندته عميلة أمريكية أرسلت الى بغداد.
• ادعت مصادرهم أيضاً أن الملحق العسكري الأمريكي في بغداد، أقنعه بالهرب الى تركيا لأن الطائرة ستأخذها أمريكا. (!!)
• قالت مصادر إسرائيلية أيضاً أنه هرب الى تركيا ومنها الى إسرائيل. (!!)
• مصادر أخرى قالت أنه هرب الى إسرائيل عن طريق الأردن، وأن الأردنيون اعتقدوا بأنه الميج 21 سورية في إحدى طلعاتها. (!)
• وفي روايات أخرى أيضاً ادعوا بأنهم سلموامنير كبسولة تحوي مادة مجهولة تصيب ابنه بأعراض غريبة لا تجد حلاً طبياً في العراق، فتسافر زوجته الى لندن لعلاج ابنها وبصحبتها الطفل الآخر، ثم تطير للحاق بزوجها في إسرائيل. وهذه رواية هزلية تفضح سذاجة الدعاية وخلوها من أية مصداقية. (!!)
• زعموا بأن روفا كان مستاء من سياسة حكومته ضد الأكراد. وإجباره على ضربهم بالصواريخ والمواد الحارقة للتنكيل بهم، وهو لذلك قد كره العيش بالعراق. (!!)
• في مصادر إسرائيلية أخرى ادعوا بأنه كمسيحي كان يحرم من الترقيات كزملائه المسلمين، وتزود طائرته بكمية من الوقود أقل منهم شكاً في ولائه. . (!!) والكذب المقصود الهدف واضح جداً في هذا الادعاء، لأن روفا كان يعامل معاملة طبيعية بعيدة عن التزمت العقائدي والمذهبي، بدليل سفره الى الاتحاد السوفييتي وأمريكا، كزملائه المسلمين، لحصوله على دورات تدريبية لزيادة الكفاءة تؤهله للترقي. والواقع أن كمية الوقود التي كانت تزوجه بها الطائرات في العراق، كان قد تم تحديدها لكل طيار – حسب درجته وإجادته – ولم تكن تمنح عبثاً، ليلهو الطيارين بالجو وقد بهرتهم الطائرة الحديثة الجبارة، التي لم يروا إمكاناتها وسرعتها الخارقة من قبل. هذه القيود كان يعمل بها حتى داخل الاتحاد السوفييتي نفسه، وتتبعه دولاً عديدة في العالم الثالث استحدثت طائرات سلاحها الجوي بالديون والقروض والفوائد.
وإنني أرى . . أن منير روفا قد تم تجنيده في باريس من خلال نقطة ضعفه، جنونه الجنسي، بدفع عميلتهم المدربة الحسناء لاصطياده، وتلبية رغباته الجامحة. واستطاعت العميلة إخضاعه والسيطرة عليه بدعوى الحب والارتباط والعاطفة، وكانت رغبة الإثراء عنده أقل حدة من الجنس، ذلك أن حكومته قد منحته راتباً سخياً، ومركزاً اجتماعياً يحسد عليه، ومن فائض مرتبه كان ينفق على بيته، ووالديه، وأخوته، ونزواته، بما يعطي مؤشر الطمع في المال الترتيب الأدنى. هذا وأنصح كل من يقرأ كتب الجاسوسية التي تروجها إسرائيل، ألا ينخدع فيما تزعمه هذه الكتب، وما تتضمنه من أحداث ووقائع، ذلك لأن أغلبها أكاذيب وتضليل وسراب.
ولكي أدلل على أكاذيب الموساد، التي سردت قصة الطائرة الميج 21 بأكثر من رواية، أشير الى بعض الكتب الإسرائيلية التي نشرت، وترجمت الى العربية، وجاءت بها القصة بأشكال مختلفة لا رابط بينهما، ابتدعها خيال الدعاية المريض:
كتاب: "الحروب السرية للاستخبارات الإسرائيلية" ص 181:184
كتاب: "الموساد" ص 217:219
كتاب: "جواسيس جدعون . . التاريخ السري للموساد" ص 52:57
كتاب: "أمراء الموساد" ص 115:117
وعشرات الكتب الأخرى، كتبها ضباط سابقين في الموساد، مهمتهم الترويج لعمليات الموساد وتضخيمها، لأسباب كلنا نعرفها، ونعرف مغزاها القذر. فإن هذه الكتب التي تصدر عن قصد، يجب أن تمنحنا فرصة التدريب العقلي.. لفحص ضلالات الكذب، ومعرفة حدود الحقيقة في الخيال، وذلك بقياس الأدلة المعلنة بالوقائع المعروفة.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، ، ،
:)

الضبع 10-06-2008 11:45 AM

اهم المدارس الاستخباريه:
-----------------------------------
المخابرات الأمريكية ( المدرسة الامريكية ):

تأسست عام 1947 عندما أمر الرئيس الأمريكي هاري ترومان بإنشاء وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (CIA)

الذي يعمل بالتعاون مع جهاز (FBI) وتقع مدرسة تدريب رجال المخابرات الامريكية ( CIA) في مجموعة من الأبنية

الضخمة في مدينة ( الانجلي) بولاية فرجينيا وتشتهر بين العملاء باسم ( المزرعة ) على انها (منبع الجواسيس) أول ما

يخضع له الملتحقون الجدد بهذه المدرسة هو اختبار (الكشف عن الكذب) لبيان مدى سلامة بنيتهم في العمل كعملاء

للمخابرات الامريكية كما يقوم رجال المباحث بالتحري عن كل عميل جديد وأفراد أسرته بأكملها لفترة طويلة وبكل دقة

متناهية قبل ان يلتحق رسمياً بالعمل لدى جهاز المخابرات واكثر ما تهتم به دروس التعليم في المدرسة الأمريكية هو

الحفاظ على سرية العمل.



طرق التخفى

التنكر .

وتسجيل المعلومات في سرية تامة .
ويركز الأمريكيون اهتمامهم بالتجسس على الاتحادالسوفييتي سابقاً حيث يتدرب الجواسيس المؤهلون للتجسس

على روسيا على طريقة الحياة في روسيا وعادات وتقاليد ومشاكل الروس حتى يتمكنوا بمهارة التقاط المعلومات

المكلفين بالحصول عليها.

يسجل الجهاز الملاصق للصور للتغيرات التي تطرأ على حركة التنفس عند النطق بالكذب، اما اللفافة الموضوعة حول

الذراع فتسجل تغيرات سرعة النبض ويقوم الجهازالحساس المتصل بالأداتين السابقتين بتسجيل نتائج الاختبار على

ورقة تصدر من الجهاز.




الاستخبارات بالمفهوم الامريكي:

تعني: نتيجة جمع و تقييم وتحليل وايضاح وتفسير كل ما يمكن الحصول عليه من معلومات عن أي دولة أجنبية او عن

أي مناطق العمليات العسكرية والتي تكون لازمة لزوماً مباشراً للتخطيط.


من أقسام الاستخبارات اهمها:

الرقابة .

الخدمة السرية.

قال فارجوا: ان الاستخبارات تعني بصورة ما القدرة على فهم و تقدير الآراء.


الاستخبارات الجغرافية :


التي تهتم بالمعلومات الخاصة بطبيعة الأرض والبحر و الجو، من أجل الخطط العسكرية ، انقسمت الى أقسام ، قسم

خاص بالطبوغرافيا،و قسم بالأرصاد الجوية،و قسم بالطقس ، وقسم بالهيدروجرافي،و قسم بالنقل.




الاستخبارات التكنولوجية.


هي ذات أهمية حيوية خاصة بالامن القومي منها ، الاستخبارات العلمية، المتخصصة في التفجير الذري ، الالكترونيات

والصواريخ الموجهة والمواصلات السلكية واللاسلكية والحرب البيولوجية والحرب الكيماوية.




الاستخبارات التكتيكية :


هي جمع المعلومات على المستوى التكتيكي حول قوات العدو في منطقة محددة ، او حول المنطقة، ذاتها وتحليل

هذه المعلومات وهي استخبارات (قتالية) أو ( المعركة) و المعلومات التي يحتاجها القائد الميداني ) : تعني التجسس

التكتيكي) .

( التجسس الاستراتيجي ) .



هي جمع المعلومات المتعلقة بشؤون عسكرية أوأمنية وتنسيقها، وتحليلها، وتوزيعها على المستوى الاستراتيجي

وعلى مستوى الدولة والهدف منها هو معرفة قدرات الدولة الاخرى، والتكهن بنواياها للمساعدة في تخطيط المسائل

المتعلق باستراتيجية الدولة صاحبة النشاط و تعني أيضاً جمع المعلومات عن الاتجاهات الاقتصادية العسكرية

والسياسات المتبعة




المخابرات الوقائية:


هي المعرفة و التنظيم والتحليل النشاط الذي يوجه للقضاء على نشاط الجاسوسية المعادية ،و المهمة الأساسية

لمقاومة الجاسوسية هي التعرف عل نشاط عملاء العدو السريين واستغلاله والسيطرة عليه.




الاستخبارات المضادة:


تعني المعرفة والتنظيم والتحليل والنشاط الذي تستخدمه استخبارات الدول لشل نشاط الاستخبارات المعادية، ووجه

نشاط في مكافحة الاستخبارات ضد جهود الاستخبارات الاجنبية المعادية المتمثلة بالتجسس.



والتجسس المضاد: -


هو عبارة عن مجموعة من الإجراءات البوليسية المضادة التي تتخذها إحدى الدول للمحافظة على المعلومات السرية

التي تمتلكها، و منع عملاء العدو من الوصول اليها ،و الحفاظ على سرية عملياتها تجسسية واكتشاف نوايا العدو،

وعمليات العدو.



التجسس السياسي :


كانت البعثات الدبلوماسية لا تزال الوسيلة الرئيسية بجمع المعلومات السياسية عن مصادرها العلنية، وتدعمها في

ذلك اجهزة الاستخبارات المتخصصة بواسطة عملاء سريين يقومون بالتجسس لحسابها
.



التجسس الاقتصادي:


تهتم اجهزة التجسس بجمع المعلومات المتعلقة، بالنشاط التجاري، والمالي للدول الأخرى
-----------------------------------------------
المخابرات الروسية: ( المدرسة الروسية):




تأسست عام 1881 مشابهة لدائرة حماية الدولة (أيالشرطة السرية للقيصر) وفي عام 1917 تأسست المفوضية فوق

العادة لمكافحة أعداء الثورة والقضاء على التخريب، الروس هم أشد الدول حرصاً على الاهتمام بالجاسوسية وتدريب

الجواسيس ووجود مدارس كثيرة للجاسوسية في مختلف أنحاء الاتحاد السوفييتي و يبلغ عددها عشرة مدارس وكل

مدرسة تختص بلغة معينة من العالم مثل مقر الاستخبارات العسكرية في موسكو وهيي أهم كلية حربية لدى

الجيش، و تدرس الى جانب المواضيع العادية الكتابة السرية ، والتصوير على الأفلام وكيفية التعامل مع العملاء

السريين.


المخابرات الروسية:



تقع في مدينة غوركي من موسكو (و تسمى مدرسة ماركس انجلز ) وتعتبر بالنسبة للجواسيس ، مدرسة ابتدائية

لأنهم يقضون فيها أربعة شهور يتعلمون فيها
:-


تاريخ الحركة العمالية.

تاريخ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي.

النظام والانضباط و الطاعة.



و ينقل الطلاب الى مدرسة ( لينين التقنية) بالقرب من الحدود جمهورية التتر السوفياتية وأول مادة تدرس لهم هي ا

الرياضة، دورة الرماية واستعمال الأسلحة ،و يليها التدريب على الشيفرة و حلها، واستعمال أجهزة الإرسال وتضم

برامج التدريب دراسات عن الأمن العام، والقانون والاستراتيجية العسكرية و مكافحة التجسس ومراقبة الجواسيس

وكيفية التهرب من الآخرين و دراسات كاملة عن بعض اللغات .

و مدة الدراسة سنتين ونصف في هذه المدرسة و تبدأ الامتحانات فيها من قبل ضباط المخابرات والمتخصصين و الخبراء

ويصنف الناجحون بعد ذلك الى قسمين
:


قسم يؤهل خارج البلاد .

قسم يؤهل للعمل داخل البلاد
.

ويعقب هذه التدريبات ، الاعتقال التأديبي لمعرفة مدى قدرة الجاسوس النفسية والجسدية في حال اعتقلته اجهزة

المخابرات الغربية
.


مدرسة كتايسكايا : يتم اعداد الجواسيس للتجسس على الصين
.


مدرسة جاسزينا :- والتي يتم تأهيل الجواسيس للتجسس على الدول الناطقة على نماذج مشابهة لنماذج الحياة في

الدول الغربية وتحتوي على بارات مماثلة للطابع الغربي الانجليزي ويرتدي الجاسوس ملابس الدول الغربية ويتعاملون

مع بعضهم بأسماء غربية وتقوم بحراسة مدرسة مجموعة من القوات المسلحة على اعلى درجة من التدريب

والمهارة، و قد برع المواطن الروسي في ظل المبادئ الشيوعية في التجسس على مواطنيه بل وعلى أهله وعشيره

مما أكسبه مهارة في هذا المجال وقد تخرج من هذه المدارس جواسيس مشهورين مثل (دودلف ابل) ( كونون

مولودي).



وكما يركز الروس اهتمامهم بالتجسس على الولايت المتحدة الامريكية

--------------------------------------------------------------


المخابرات البريطانية ( المدرس البريطانية ):




تأسست عام 1573أسسها السير فرنسيس ولسنجام، وزير الدولة والمستشار لدى الملكة اليزايث الاولى، وأهم

فروعها الاستخبارات الحديثة ( ام ،اي -6) ،تهتم بجمع المعلومات الخارجية ،واستخبارات ( ام ، اي – 5) هي مسؤول

عن لامن الداخلي ومكافحة التجسس.

و تأتي المدرسة البريطانية في المرتبة الثانية بعد المدرستين الروسية والألمانية يوجد في انجلترا عدد محدود من

مدارس الجاسوسية التي تقع أغلبها في الريف الانجليزي حيث يلتقى الجواسيس في المدرسة الانجليزية دروساً

مكثفة من كل انواع الرياضيات العنيفة كالمصارعة الحرة والجودو والكاراتيه الى جانب تعلم اللغات الأجنبية ، ودراسة

الجغرافيا ودراسة فن التخريب واستعمال الذخائر وكما يتدرب الجواسيس على قوة الاحتمال حتى يستطيع ان يتصدوا

لكل المواقف التي قد يواجهونها في البلاد الاجنبية فيقضي الجاسوس فترة في سجن انفرادي مع حرمانه من النوم

والطعام حتى تزداد قوة تحمله إذا ماتعرض لسجن على يدالأعداء . وتقوم اجهزة المخابرات البريطانية فرع ( ام، اي –

5) بالتنصت على هواتف العديد من المواطنين البريطانيين بدون اذن اداري او قضائي ومراقبة البريد والهاتف من

ضروريات عمل المخابرات وأجهزة كشف التردد الراديو، او ساعة اليد، و من ثم زرع أداة كشف في الجسم( أداة

استراق السمع في الجسم والحصول على المعلومات بواسطة الآلات الالكترنية والتنويم المغاطيسي.


الاستخبارات بالمفهوم البريطاني :




تعني المعرفة والعلم بالمعلومات التي يجب ان تتوفر لدى كبار المسؤولين من المدنيين والعسكريين و التي تعنى

بالدول الاجنبية والمصالح المختلفة للدول وتقوم بجمع المعلومات واتخاذ الإجراءات المتعلقة بشؤون التجارة وما يتعلق

بالقوات العسكرية حتى يمكنهم العمل لتأمين سلامة الأمن القومي
.
-----------------------------------------------------

المخابرات الألمانية (المدرسة الألمانية ):






تأسست عام 1945وهي فوق أراضي ألمانيا و تتكون من مؤسسات للاستخبارات الداخلية و الخارجية والعكسرية ذات

مهام متشعبة وهي تابعة لوزارة الدفاع وواجبها الأساسي تامين سلامة القوات المسلحة داخلياً و خارجياً والألمان من

أكثر الشعوب التي اهتمت بالجاسوسية فوضعوا لهذه النظم والقوانين وأصبحت علماً كأي علم من العلوم، وتتميز

المدرسة الألمانية بالدقة المتناهية و الإرشادات التي يتلقاها الجواسيس الألمان في دراسة التجسس مثل التحدث

بلغة ألمانية حتى تشجع الآخرين على التحدث بحرية ، التخلص من أي ورقة او خطاب بنتهى السرية والحرص واتباع

النظام الشديد والقسوة في التدريب و تقوم المدرسة الألمانية بالتخلص من الجواسيس الفاشلين في التعليم

بارسالهم في مهمات تضمن فيها القبض عليهم و شنقهم ويطلق على الجاسوس الفاشل( الغبي) والألمان عندما

يجندون الجواسيس يدرسون طبعهم، وميولهم(وغرائزهم النفسية ثم يفرزون ما هو صالحاً و كتوماً محباً للعمل، حريصاً

على أداء الواجب ويدربون على فن الجاسوسية وأساليبها التي عددها الجاسوس الألماني (كران بي) أهمها :

علموني الاستفادة من الشمس في السير نهاراً وكيفية الاستفادة من هبوب الريح و حركة الأشجار و الأغصان في

السير ليلاً .

دربوني على كيفية معرفة الرقم، وخطوط الطول، والدرجات و خط الاستواء ومستوى المياه و مراصد المدافع.

علموني أنواع الموانع الطبيعية ،المرتفات والمنخفضات ، العوارض الاصطناعية ،الخنادق والأرصفة.

دربوني على محرك الطلقة ومنتهى ارتفاع خط النار.

دربوني على معرفة المواقع المستحكمة وانواع الحصون المشيدة عليها وطبيعة الأراضي المحيطة بها والمواضع

القابلة لاخفاء الطيارات.

تعلمت كيفية التمييز بين الطيارة الموجودة على سطح الأرض في العداء وبين الطيارة الموضوعة داخل الوكر.

--------------------------------------------------------------

المخابرات الإسرائيلية الموساد( المدرسة الإسرائيلية) :



اهتم ديفيد بن غوريون في أيام الاستقلال الاولى عام 1951 مصلحة الاستخبارات الإسرائيلية عليه ان يكون كفؤاً

لأفضل تنظيمات الاستخبارات في العالم ، لأن بقاء اسرائيل يعتمد عليه ، استطاع ان ينشئ خمس فروع للاستخبارت

الإسرائيلية:


فرع شاي :
و هوقسم تابع للهاغاناة وهي الجيش السري اقامه

المستوطنون في فلسين بقيت تقوم بجمع

المعلومات وتحليلها دون تغيير طبيعتها.


فرع الشين بيت : الذي كان مسؤولاً بصفة رسمية عن الامن الداخلي.

فرع علياه بيت:
الذي أقيم في عهد الانتداب البريطاني لتهريب

المهاجرين غير الشرعيين الى فلسطين وحولت

اهتمامها الى مساعدة اليهود على الفرار من الدول العربية المعادية لإسرائيل.


فرع وزارة الداخلية:
كانت غايتها عقد صلات مع موظفي الاستخبارات

في البلدان الاخرى
.

فرع الاستخبارات على شؤون البوليس و فرع شيروت يدوتو تعني ( خدمات الإعلام ).


[/center]
المدرسة الإسرائيلية:



تتلقى عناصر الموساد دروساً في جميع الاختصاصات لمدة عامين ومدارسهم مستقلة في تل أبيب والقدس يتلقى

فيها الدارسون محاضرات عن السياسة الدولية وعن سياسة و اقتصاد دولة اسرائيل والوسائل والتجهيزات الحديثة

لانجاز مهمة الاستخبارات والاطلاع على تجارب المخابرات الاجنبية ويتوجب على جميع الضباط العاملين في الموساد

(اتقان اللغة العربية) بشكل الزامي .


ويوجد في اسرائيل كلية خاصة( لتدريس الامن بهدف صيغة عقيدة الامن الإسرائيلية وخلق مفهوم أمن مشترك على

أساس المعلومات المشتركة وفي هذه الكلية يتم دراسة المعطيات وتحليلها في بعض الاحيان ويقوم رؤساء الأقسام

بتقمص شخصيات من الدول العربية.


أساليب الموساد في العمليات الاستخباراتية:





العميل المزروع : تتعاون كافة اجهزة المخابرات في مسألة زرع عميل

لها في الدول العربية وأبرز العملاء كان ايلي

كوهين عمل في سوريا عام1961 ، و لفغنانغ لوتس ،الذي وصل الى القاهرة عام 1961 مدعياً انه لاجئ سياسي

وألقي القبض عليه.

تجنيد يهود من الدول العربية: وأبرز العملاء ( شولا كوهين) التي تعتبر من أخطر جواسيس الموساد في لبنان ،

والشرق الاوسط عاشت في وادي أبو جميل ببيروت عام 1947 وشاركت في اعداد قوة الدفاع عن النفس عن اليهود

التي اندمجت مع حزب لكتائب اللبناني و ساهمت في تهريب اليهود من لبنان ، واستطاعت تجنيد الضابط اللبناني

(جورج انطون) وتعاونت مع مدير كازينو الأولمبياد حيث يجتمع اكبر عدد من رجال السياسة وهواة القمار وقابلت كميل

شمعون ومهدت لاجتماع اديب الشيشكي بالجنرال مكليف رئيس الأركان الإسرائيلي وعام 1950 ستطاعت سرقة

البروتوكول الأمني بين سوريا ولبنان إلا ان المخابرات السورية اكتشفها واعتقلتها حتى أفرج عنها عام 1967 أثناء تبادل

الأسرى.


شبكات التخريب:
مهمتها القيام بأعمال التخريب لخدمة هدف سياسي

في احدى الدول

العربية، مثل الشبكة

الجاسوسية التي تضمنت دموشي مرزوق ، وشموئيل عزرا، في مصر التي استطاعت تجنيد العديد من الشبان في

القاهرة والاسكندرية و نفذت تفجيرات ضد مصالح بريطانية لتعطيل جلاء البريطانيين عن مصر.


عمليات الاغتيال: عام 1972
عين الموساد مستشاراً لرئيس الحكومة ضمن صلاحيات

خاصة من اجل التنسيق

لمكافحة الإرهاب أهارون باريف، منسق للحرب ضدالإرهاب وتشكيل مجموعة اغتيال بالتعاون مع الموساد و اغتيال

عملاء الموساد محمد الهمشري ، كمال ناصر، يوسف النجار ، كمال عدوان ، وكان قائد عملية الاغتيال (ايهود باراك )

وغيرهم من القادة الفلسطينيين والعرب في قبرص و اليونان والنرويج.

عمليات السرقة : عام 1948 قام الموساد بتهريب أربع طائرات بريطانية الى اسرائيل من طراز فايتر بالإضافة الى

عمليات سرقة اليورانيوم .

علم النفس في المخابرات الإسرائيلية و كيفية تجنيد العملاء في الخابرات الإسرائيلية:

من الناحيةالسيكولوجية : تراعي نقاط الضعف في الشخص الذي يراد تجنيده .

تدرس جيداً السمات الشخصية والمزاجية لهذا الشخص قبل عملية الاقتراب منه ، وهناك ثلاثة عوامل رئيسية

للتجنيد، منها :

المال .

العاطفة:سواء كان للانتقام اوالأيديولوجية .

الجنس:ويتم اخذ الشخص و جعل تدريجياً مخالفاً للقانون و للاخلاق لذلك يعامل الموساد مع أسوأ انواع البشر

وتستخدم مهارات عالية و غامضة في كيفية استقطاب الجواسيس في دول الجوار.

من أساليب الموساد لتنفيذ عمليات التجسس

فهي تعتمد بشكل رئيسي:

الحصول على معلومات بتشتى الطرق والأساليب او المعلومات المكشوفة عن طريق تجنيد عمال البارات خارج

اسرائيل ومستخدمي الفنادق والسكرتيرات و عن طريق المومسات والسائقين وغيرهم وتستخدم كافة انواع الضغوط

على العملاء المجندين .

تتستر المخابرات الإسرائيلية تحت غطاء لجان المشتريات وشركات السياحة،و شركة طيران العال ، و مكاتب شركة

الملاحة، ومؤسسات البناء والأعمال والشركات الصناعية والمنظمات التجارية الدولية، والإسرائيلية.

استخدام المال، والتنسيق مع الدول الاوروبية الغربية تحت ستار تنظيم استخباري تابع لحلف الناتو بغية تجنيدهم

للعمل في الدول العربية وكما يجري الاعتماد على الوكالة اليهودية للقيام بأعمال التجسس من اليهود في العالم

العربي أو العمل في الدول العربية يتم التركيز على ما يلي:

تجنيد موظفي الهيئات الدولية العاملين في الدول العربية.

تجنيد بعض الطلاب العرب الدارسين في الخارج عن طريق استخدام نقاط الضعف.

استخدام الدبلوماسيين الأجانب لسهولة حريتهم في الحركة.

استخدام جواسيس قرى الحدود: مثل القرى السياحية في مصر.

اختطاف الاحداث: وزرع الادمان على المخدرات فيهم.

تجنيد مراسلين صحفيين أجانب.

شبكات التهريب في البر والبحر و الجو .

تجنيد تجارالسلاح في اوروبا.


علاقة المخابرات الإسرائيلية(الموساد) مع المخابرات الدولية : -

يرتبط الموساد بعلاقات حميمة مع المخابرات الأمريكية ولتنظيم هذه العلاقة أنشات المخابرات الأمريكية (القسم

اليهودي) ضمن جهازه العام 1953.

علاقة الموساد بالدول الغربية، وخاصة مع مخابرات حلف شمال الاطلسي فهو يشارك بشكل دائم في التحقيق مع

الموقوفين العرب في الدول الغربية ويستغل ذلك لكسب عملاء له.

علاقة الموساد مع السافاك الإيراني في عهد الشاه والتعاون مع الموساد لخلق مناخ مؤيد لإسرائيل في ايران و كانت

من أخطر العلاقات وأهمها في مجال الجاسوسية.

علاقة الموساد مع ( المخابرات التركية، مركز الامن التركي القومي،ويطلق على هذه العلاقة المثلث الرهيب وتعقد

بشكل دوري كل ستة أشهر حيث يتم تبادل المعلومات تعهد الموساد بتقديم تقارير الى مركز الامن القومي التركي

حول النشاطات التجسسية المعادية لتركيا، وتعهد الأتراك أيضاً تقديم تقارير حولنشاطات العرب التجسسية ضد

إسرائيل وتقديم بالذات تقاريرحول النشاطات المصرية ضدها.

علاقة الموساد بمخابرات الدول الإفريقية والتعاون مع زائير ليبيريا ، كينيا ، غانا ، جنوب افريقيا، وهي علاقات اجنبية

قوية جداً، وتقوم الموساد بتدريب اجهزة المخابرات الافريقية وفي عام 1978 ساعد الموساد ،اوغندا للحصول على

صفقة طائرات بوينغ و زودها بطاقم ضمن اتفاقية للتجسس على ليبيا.

علاقة الموساد مع مخابرات دول ـأمريكا اللاتينية مثل البرازيل ، الأرجنتين ، المكسيك ،كوساريكا ، بنما ، البيرو،

السلفادور وأخرى والتنسيق و لتنظيم هذه العمليات يقيم الموساد مقراً اقليمياً له ( في مدينة كاركاس) فنزويلا

للإشراف على عملياته التجسسية.

علاقة الموساد مع آسيا الصغرى مثل كوريا الجنوبية، وتايوان وتايلاند واندونيسيا و تقيم المقر الرئيسي لها في

سنغافورة وتتم هذه العلاقات التجسسية بالتنسيق و التعاون مع المخابرات المركزية الامريكية.

علاقة الموساد مع المخابرات المصرية:

بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد تستهدف التعاون والتنسيق مع الموساد ما يلي:

أ‌- محاولة تأمين الحصول على المعلومات من المخابرات المصرية عن المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير

الفلسطينية.

ب‌- محاول ربط المراكز الحساسة في الاقتصاد والإعلام المصري بصالح اسرائيل.

ت‌- محاولة ايجاد رجال اسرائيل في اماكن صياغة القرار في مصر.

الشخصية العربية في الدعاية الإسرائيلية:

يتأثر العرب بصورة خاصة بالعواطف والمشاعر اكثر من العقل و أنهم لا ينسون ويغفرون بسرعة ولهم ميول قوية لتجاهل

الوقائع و يسهبون في الأوهام و الخداعات.

ارهابي و غدار ، عدواني جبان، و حاقد ويمتاز بالوحشية و الابتزاز ومتوحشين و بدو رحل ، ومسلمون متطرفون. -#

العرب يقعون في ادنى سلم التطور البشري لأنه ليس لديهم احساس بالتمييز العرقي بسبب عقيدتهم الإسلامية

التي لا يوجد فيها مثل هذا الاحساس فهي تسوي بين بني البشر بمختلف أعراقهم و انتمائهم طالما انهم يدينون

بالإسلام.

العربي في العبرية ، سارق كاذب ومنافق وذو وجهين ومغتصب النساء، ومعتد ويفتقد للمبادئ وتوجيه الغريزة

الجنسية، و لا يفي بوعده، ومحب للمال ومرتش.

ملاحظة ان إسرائيل حصرت العرب و منعت عنهم التطور و أصبح معظم العرب شغيلة للإسرائيليين.


الموساد الإسرائيلي ضم تسع دوائر اهمها:

دائرة تنسيق و تخطيط المعلومات.

دائرة تجميع المعلومات السرية والمهمة
منها شعبة السيطرة و المراقبة الاقليمية ويكون

عملها خارج اسرائيل.

دائرة العمليات السياسية:
والعلاقات التبعية والودية مهمتها التنسيق، والتعاون واقامة

العلاقات مع مخابرات الدول

الاجنبية.

دائرة شؤون الكادر الوظيفي والمالية و الأمن
.

دائرة شؤون التدريبات والتنظيم
.

دئرة التحقيقات.

دائرة العمليات التكتيكية
وتضم عدة أقسام، شعبة روسيا، وشعبة الجمهوريات المنفصلة

عن الاتحاد السوفييتي،

قسم العمليات الخاصة،
قسم الحرب النفسية، دائرة الشؤون التكنولوجية ، المديرية

العامة للمصادر، والتجهيزات

ودائرة العمليات السياسية

كدائرتين منفصلتين لهما مقرات منفصلة سواء داخل السفارات اوالقنصليات الإسرائيلية او

خارجها. -# الدائرة الثانية و الثالث لها فروع موزعة على أساس جغرافي في امريكا الجنوبية اوروبا الشرقية، آسيا و

المحيطات ومنطقة البحر الأبيض المتوسط ، اوروبا ، الولايات المتحدة الامريكية.
أ

جهزة الاستخبارات في اسرائيل تقوم على :

تقوم على جمع المعلومات المتنوعة.

تقوم على تقدير للوضع وتقديم المعطيات للحكومة من اجل اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية .

تقوم على توفير الأمن و الحركات السرية الداخلية وتوفير الأمن للعمليات والمنشآت الصناعية والأشخاص.

حرب استخبارية ونشاطات خاصة تشمل عمليات وقائية وتخريب وحماية اليهود واستخبارات سياسية، واستخبارات

وقائية، وعمليات استخبارية.

تهدف الصهيونية العالمية الى سيطرة العنصر اليهودي على العالم بعدة وسائل أهمها:

بروتوكولات حكماء صهيون: وهي تشمل خطة العمل في المستقبل للحركة الصهيونية بوسائل عديدة تحقق فيها

السيطرة على الصحافة ووسائل الإعلام في العالم ، في العالم الغربي والسيطرة على رؤوس الاموال وتفتيت

المسيحي عن طريق التخريب الروحي وادخال عناصر يهودية الأصل الى الكنيسة الكاثوليكية وتزويرحقائق التاريخية

(بمحاولة تبرئة اليهود من دم المسيح).

اقامة مراكز او محطات لليهود في انحاء العالم مع اعتبار فلسطين المحطة الرئيسية ليهود العالم ، قد ركزوا اهتمامهم

على المغرب في شمال افرقيا، والأرجنتين وقد تحقق ذلك في المؤتمر الصهيوني الأول.

الاعتماد على الجاليات اليهودية في أنحاء العالم بالعمل السري والعلني لمساندة الحركة الصهيونية والضغط على

الدول التي يقيمون فيها لمصالحها قبل أمريكا وألمانيا و انجلترا وتواجه الحركة الصهيونية في الوقت الحاضر عدة

مشكلات اهمها:

مشكلات انصهار اليهود في الدول التي يعيشون فيها ومشكلة الهجرة من دول أوروبا الشرقية مشكلة نشر اللغة

والثقافة العبرية بين يهود العالم، وتغيير نظرة بعض دول العالم للحركة الصهيونية العالمية والتفرقة العنصرية بين اليهود

في اسرائيل والحركات المعادية للصهيونية في العالم.

محاولتها استغلال العقيدة والدين لخدمة الاهداف الصهيونية بحكم انتشار الجاليات اليهودية في العالم و سيطرتها

على وسائل المال والإعلام يعطي أجهزة المخابرات الإسرائيلية امكانيات العمل و الحركة والتمويل بدرجة لا تتوافر لأية

دولة كبرى مثل قضايا جواسيس الذرة، والمخابرات الإسرائيلية التي تملك لديها كل جوازات سفر جميع أنحاء العالم،

وهي التي وراء اغلب الأحداث والمؤامرات في العالم قديماً وحديثاً والدعاية الصهيوية التي تسيطر على جزء كبير من

وسائل الإعلام العالمية وادت الاجهزة المعادية تحقيق الهزيمة في العقل العربي قبل تحققها على ارض الواقع و في

ميدان المعركة اخذت تروج لفكرة اسرائيل الكبرى، والجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر وجهاز الموساد الغير قابل

للاختراق وأقوى اجهزة المخابرات في العالم حسب ادعائهم.

المخابرات والجنس:

المال والنساء: من اهم الأسلحة القذرة التي يستخدمها الكيان الصهيوني في بناء كيانه الغاصب، واستقطاب عملائه،

إذ يستخدم كل الوسائل و الأساليب غير المشروعة في حربه ضد الأمة الإسلامية و من أبرزها ( الرذيلة والإغراء) وهذا

ما تؤكده صحيفة هآرتس إعلان الحركة الصهيونية قامت في عهد الانتداب البريطاني في فلسطين جهازاً خاصاً وغيرها

من جيوش دول الحلفاء الذين كانوا ينزلون للراحة على الشواطئ الإسرائيلية وذلك في اطار مساعي الزعامة

الصهيونية لكسب تأييد ينزلون للراحة على الشواطئ الإسرائيلية وذلك في اطار مساعي الزعامة الصهيونية لكسب

تأييد تلك الدول لمشروعها الاستعماري في فلسطين، فقد اعتمدت المخابرات الصهيونية في عملها الرئيسي على

النساء وأن20% من العاملين في هذا الجهاز من النساء اليهوديات وكانت المرأة الصهيونية قد لعبت دوراً كبيراً في

تنفيذ عمليات حركة البالماخ العسكرية وتجاوز عدد النساء فيها 30% من مجموع أفرادها .

و اليوم تعتمد الموساد على المرأة اعتماداً قوياً في القيام بعمليات التجسس واسقط العملاء من خلال استخدام

الرذيلة والإغراء وهذا ما يوضح الى أي مدى احتد فساد هذا الكيان الصهيوني الشاذ وخطره على الأمة العربية

والإسلامية.

وكيف أصبح الجنس والبغاء من العمل التنظيمي لمؤسسات الحركة الصهيونية وقد شهدت مدينة تل أبيب ازدهاراً كبيراً

في أقدم المهن ( الدعارة ) بسبب وجود اعداد كبيرة من الجنود الاجانب بالمدينة وبسبب الوضع الاقتصادي المتردي

الذي واجهته المهاجرت الجدد وبنات العائلات الصهيونية الفقيرة.

و تكون الدعارة في خدمة السياسيين وهذا يعكس على خدمة الدول الصهيونية هدف استخدامهن في إغراء قيادات

عسكرية وسياسية في عدة دول معادية للكيان الصهيوني من أجل الحصول منهم على معلومات عسكرية وأمنية تهم

الكيان الصهيوني.

و ما أكدته اجهزة المخابرات الإسرائيلية ان المجندات الصهيونيات نجحن على مدار الاعوام الماضية في تنفيذ عمليات

عسكرية مهمة بينها اغتيال القيادي الفلسطيني حسن سلامة ،و سرقة أسرار السفارة الإيرانية في قبرص ، و

مكاتب حزب الله في سويسرا واختطاف الخبير النووي، فعنونو من ايطاليا الى فلسطين االوسيلة الوحيدة لاسقاط

العملاء هي الجنس حيث تقوم المجندات الصهيونيات بإغراء العملاء ثم ممارسة الرذيلة معهم ويقوم أفراد الموساد

بتصويرهم في اوضاع فاضحة ويتم تهديدهم بها في حال محاولة رفض الأوامر ويطلق على المجندات الصهيونيات اسم

( سلاح النساء للتجسس) .

دخلت المخابرات الإسرائيلية بعد ذلك في عدة مراحل اهمها:-


المرحلة الأولى :
تمتد من عام 1949 الى عام 1951 وكانت الصهيونية العالمية والوكالة

اليهودية تشترك في معظم

أعمال المخابرات الإسرائيلية.

المرحلة الثانية
: تمتد من عام 1951 الى عام 1955 كان خلالها بنيامين جيلي هوالذي تولى

إدارة المخابرات بجميع

فروعها ويساعده في ذلك عدد من رجال وزارة الدفاع الإسرائيلي.

المرحل الثالثة:
من عام 1955 بعد فضيحة لافون واستلام تيدي كوليك مدير عام مكتب

رئيس الوزراء حينذاك قام

بتنظيم جهاز المخابرات على أساس جديد.

وفي نهاية هذا الدراسه يتوجب ان نفهم ماهي الصفات والمهارات التي يجب ان يتحلى بها العاملين بالامن المحلي

واقصد الفلسطيني اللذين يخالفون قواعد العمل الامني الاحترافي الذي يقوم على المهنيه العاليه والانجاز الكبيرفي

بناءالمؤسسه وان لانترك فراغا لاعدائنا للنفاذ من خلاله في اقتحام المؤسسه الامنيه الفلسطينيه, درعنا الواقي من

اي اختراق خارجي او داخلي خارجي.


ان تكشف عما يتوفر لك من اللغات لتشجيع الناس على التحدث بطلاقة أمامك.

لا تكتب بكلمة واحدة بلغتك الأصلية عندما تكون في البلاد الأجنبية.

الذين يزودونك بمعلومات دعهم يرحلون عنك بعيداً.

يجب اخفاء المعلومات الجديدة التي يمكن الحصول عليها بواسطة وسائل عادية المظهر.

حينما تقوم بإحراق الرسائل السرية أو الأوراق الضرورية يجب سحق رمادها حتى لا يستطيع فحصها بالميكروسكوب.

لا تتكلم بابهام و غموض،و لا تتصرف تصرفاً غامضاً، كن عادياً.

تجنب كل ما يكشف بسرعة عن شخصيتك ولا تتعجل أن تخترع شيئاً عن نفسك،وتذكر مقولة (تاليران) عندما كان يقول

لمبعوثيه السياسيين (اياكم والحماسة)

ثق أنك تسير الى مدى بعيد حينما تترك ببطء وهي الإصرار والمثابرة للبقاء في صورة مخفية.

حينما تبحث عن مكان حاول ان تبحث عن غرفة أو طابق لها اكثر من مدخل واحد.

لا تقبل أي شيء كما هو ولا تنظر بسرعة الى صداقة عاجلة، او الى خصومة ظاهرة ، يجب أن تدقق بعناية في تقدير

الأشياء.

يجب أن تتعلم تحويل الكلمات الى شيفرة و اعادة الشيفرة الى الكلمات.

يجب أن تكون قادراً على صيانة الجهاز اللاسلكي و إصلاحه.

عليه أن يعرف كيف يستخدم ثلاثة انواع مختلفة من المتفجرات شديدة الانفجارات.

عليه ان يعرف كيف ينظم حركة مقاومة من لا شيء وان يكون قادراً على تدريب العملاء الذين يستخدمهم.

عليه ان يكون قادراً في الدفاع عن نفسه دون سلاح.

عليه ان يكون قادراً كيف يطارد غزالاً.

يجب ان تتوافر فيه بدرجة كبيرة من الحاسة السادسة للأمن.

الضبع 10-06-2008 12:01 PM

رسالة جاسوس - بالشفرة السرية

هذة رسالة من ضمن الرسائل الحقيقية بالفعل اقدمها بين يديكم لكى تعرفو كيف يعمل الجواسيس وهناك طرق للعمل اغرب من الخيال
مثلا تللك الرسالة كانت لجاسوس فى القاهرة فى فترى الثمانينيات
توضح الفرق بين الكلام العادى والكتابة با الحبر السرى
وسوف ارمز للكتابة العادية فى الخطاب باللون الازرق


============================

من العمة استير الى جورج كيف احواللك وكيف اخبارك فى مصر التى تحبها وهل استطعت الحصولعلى عمل ام لا


من 311 الى 333 استعلم بحذر عن اسباب احالة الواء عمر صفوت للتقاعد ولكن بحذر

لو لم تستطيع الحصول على عمل ابلغ السفارة وسوف تحضر لك وظيفة محترمة فى اجواء الشرق التى تحبها

ابلغ عن اى تحركات عسكرية فى الطريق الرئيسى طريق مصر السويس الصحراوىوخاصة نشاط المدرعات

سمعنا انك زرت الاهرامات وابو الهول وانك التقط صور رائعة لك بجوارهما كم اشتاق لرؤيتهما وازور تللك البد الرائعة

بعد 11 يوم سافر الى الدلتا وبلغ عن اىتحركات لسرب(..) والسرب(..)المقاتل وكم عدد المقاتلات التى رأيتها وماهو لونها وماهى شارة وشعار السرب

للعلم ياجيمس خالتك رونى اتصلت ولم تكن تعلم انك سافرت الى مصر وقولنا لها انك تمضى عطلة رائعة هناك عندما تعود سوف تحضر لها مزيد من التحف المصرية التى تعشقها

سوف يصللك المبلغ المتفق علية حسب طلبك على الحساب مالعروف لديكحاول الاتصرفة با الكامل وامسك قليلا عن الشرب والهو من فتيات شارع الهرم

الاولاد بخير ودائما يسئلون عليك سوزى التحقت بمدرسى الرقص وتبلى بلاء حسنا ولكن الشباب يتحرشون بها ماذا افعل قول لى

قابل زميللك العميل ادوارد فى فندق موفينبيك الهرم يوم الخميس الساعة 1200لاتحاول ان تثير الانتباة

عزيزى جبمس لقد اشتقت اليك وخاصة الشتقت لعلاقتنا الزوجية اريدك ان تعود باسرع وقت الى اللقاءياعزيزى.
-------------------------

الضبع 10-06-2008 12:04 PM




تُعدّ الجاسوسية مهنة من أقدم المهن التي مارسها الإنسان داخل مجتمعات البشرية المنظمة منذ فجر الخليقة .. وقد مثلت ممارستها بالنسبة له ضرورة ملحة تدفعه إليها غريزته الفطرية للحصول على المعرفة ومحاولة استقراء المجهول وكشف أسراره التي قد تشكل خطراً يترصد به في المستقبل .. ولذلك تنوعت طرق التجسس ووسائله بدءاً من الاعتماد على الحواس المجردة ، والحيل البدائية ، والتقديرات التخمينية ، والانتهاء بالثورة التكنولوجية في ميدان الاتصالات والمعلومات .. وعلى مر العصور ظهر ملايين من الجواسيس ، لكن قلة منهم هم الذين استطاعوا أن يحفروا أسماءهم في ذاكرة التاريخ ، بما تمتعوا من سمات شخصية فريدة أهلتهم لأن يلعبوا أدواراً بالغة التأثير في حياة العديد من الأمم والشعوب .. وهنا في هذا القسم سنستعرض لكم أحداث لم يعرفها أكثركم من قبل .. والتي ستمضون في مغامراتها المثيرة والممتعة عبر دهاليزها الغامضة ، لتتعرفوا على أدق التفاصيل والاسرار في حياة أشهر الجواسيس والخونة من خلال العمليات التي قاموا بها ..

أول عملية تجسس في التاريخ - مخابرات الفراعنة

مارس الإنسان التجسس منذ فجر الخليقة .. استخدمه في الاستدلال على أماكن الصيد الوفير، والثمر الكثير ، والماء الغزير ، والمأوى الأمين ، الذي يحميه من عوادي الطبيعة والوحوش والبشر ، وتختلف شدة ممارسة التجسس بين مجتمع وآخر حسب نوع الأعراف والتقاليد ، والعادات السائدة ، فنراه على سبيل المثال سمة ثابتة عند اليابانيين ، حتى أن الجار يتجسس على جاره بلا حرج ، فالتجسس جزء من حياتهم العادية داخل وخارج بلادهم ، كما أن الشعب الياباني يؤمن بأن العمل في مجال المخابرات خدمة نبيلة ، في حين أن معظم شعوب العالم تعاف هذه المهنة ، التي لا غنى عنها في الدولة المعاصرة ، حتى تقوم بمسئولياتها . فلا يكفي أن تكون الدولة كاملة الاستعداد للحرب في وقت السلم ، بل لابد لها من معلومات سريعة كافية لتحمي نفسها ، وتحقق أهدافها في المعترك الدولي .

لقد أصبح جهاز المخابرات هو الضمان الأساسي للاستقلال الوطني ، كما أن غياب جهاز مخابرات قوي يمنى القوات العسكرية بالفشل في الحصول على إنذار سريع ، كما أن اختراق الجواسيس لصفوف العدو يسهل هزيمته .

ولعل هذه الغاية هي التي أوعزت إلى الملك ( تحتمس الثالث ) فرعون مصر بتنظيم أول جهاز منظم للمخابرات عرفه العالم .

طال حصار جيش ( تحتمس الثالث ) لمدينة ( يافا ) ولم تستسلم ! عبثا حاول فتح ثغرة في الأسوار .. وخطرت له فكرة إدخال فرقة من جنده إلى المدينة المحاصرة ، يشيعون فيها الفوضى والارتباك ، ويفتحون ما يمكنهم من أبواب .. لكن كيف يدخل جنده ؟؟.

إهتدى إلى فكرة عجيبة ، شرحها لأحد ضباطه واسمه ( توت ) ، فأعد 200 جندي داخل أكياس الدقيق ، وشحنها على ظهر سفينة اتجهت بالجند وقائدهم إلى ميناء ( يافا ) التي حاصرتها الجيوش المصرية ، وهناك تمكنوا من دخول المدينة وتسليمها إلى المحاصرين .. وبدأ منذ ذلك الوقت تنظيم إدارات المخابرات في مصر والعالم كله .

ويذكر المؤرخون أن سجلات قدماء المصريين تشير إلى قيامهم بأعمال عظيمة في مجال المخابرات ، لكنها تعرضت للضعف في بعض العهود ، كما حدث في عهد ( منفتاح ) وإلا لما حدث رحيل اليهود من مصر في غفلة من فرعون .

وتجدر الإشارة إلى أن ( تحتمس الثالث ) غير فخور بأنه رائد الجاسوسية ، فكان يشعر دائماً بقدر من الضعة في التجسس والتلصص ولو على الأعداء ، وكأنه كان يعتبره ترصداً في الظلام أو طعناً في الظهر ، ولو كان ضد الأعداء ، مما جعله يسجل بخط هيروغليفي واضح على جدران المعابد والآثار التي تركها – كل أعماله ، من بناء المدن ، ومخازن الغلال للشعب ،
وحروبه ، أما إنشاء المخابرات فقد أمر بكتابته بخط ثانوي ، وأخفاه تحت اسم ( العلم السري ) مفضلاً أن يذكره التاريخ بمنجزاته العمرانية والحربية والإدارية ، وما أداه من أجل رفاهية شعبه ، دون الإشارة إلى براعته في وضع أسس الجاسوسية
--------------------




مثيرة جداً ...قصص الجواسيس والخونة ... فهي تستهوي العقول على اختلاف مداركها ... وثقافاتها .... وتقتحم معها عوالم غريبة ... غامضة ... تضج بعجائب الخلق ... وشذوذ النفوس.
إنه عالم المخابرات والجاسوسية ... ذلك العالم المتوحش الأذرع ... غريم الصفاء ... والعواطف ... الذي لا يقر العلاقات أو الأعراف ... أو يضع وزناً للمشاعر ... تُسيّجه دائماً قوانين لا تعرف الرحمة ... أساسها الكتمان والسرية والجرأة ... ووقوده المال والنساء منذ الأزل. وحتى اليوم ... وإلى الأبد... فهو عالم التناقضات بشتى جوانبها ... الذي يطوي بين أجنحته الأخطبوطية إمبراطوريات وممالك .. ويقيم نظماً ... ويدحر جيوشاً وأمماً ... ويرسم خرائط سياسية للأطماع والمصالح والنفوذ.
والتجسس فن قديم ... لا يمكن لباحث أن يتكهن بتاريخ ظهوره وبايته على وجه الدقة ... فقد تواجد منذ خلق الإنسان على وجه الأرض ... حيث بدأ صراع الاستحواذ والهيمنة .. وفرض قانون القوة ... باستخدام شتى الأساليب المتاحة ... وأهمها الجاسوس الذي يرى ويسمع وينقل ويصف ... فقد كان هو الأداة الأولى بلا منازع.
وفي القرن العشرين حدثت طفرة هائلة في فن التجسس ... قلبت كل النظم القديمة رأساً على عقب ... فبظهور التليفون والتلغراف ووسائل المواصلات السريعة... تطورت أجهزة الاستخبارات بما يتناسب وتكنولوجيا التطور التي أذهلت الأدمغة ... للسرعة الفائقة في نقل الصور والأخبار والمعلومات خلال لحظات.
ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) نشطت أجهزة الاستخبارات بعدما تزودت بالخبرة والحنكة ... وشرعت في تنظيم أقسامها الداخلية للوصول إلى أعلى مرتبة من الكفاءة والإجادة ... ورصدت لذلك ميزانيات ضخمة ... للإنفاق على جيوش من الجواسيس المدربين ... الذين انتشروا في كل بقاع الأرض ... ولشراء ضعاف النفوس والضمائر ... كل هؤلاء يحركهم طابور طويل من الخبراء والعلماء ... تفننوا في ابتكار وإنتاج أغرب الوسائل للتغلغل ... والتنصت ... وتلقط الأخبار ... ومغافلة الأجهزة المضادة.
ففي تطور لم يسبق له مثيل ... ظهرت آلات التصوير الدقيقة التي بحجم الخاتم... وكذلك أجهزة اللاسلكي ذات المدى البعيد والفاعلية العالية ... وأجهزة التنصت المعقدة ... وأدوات التمويه والتخفي السرية التي تستحدث أولاً بأول لتخدم أجهزة الاستخبارات ... وتعمل على تفوقها وسلامة عملائها.
تغيرت أيضاً نظريات التجسس ... التي اهتمت قديماً بالشؤون العسكرية في المقام الأول ... إذ اتسعت دائرة التحليل الاستراتيجي والتسلح ... وشملت الأمور الاقتصادية والاجتماعية والفنية والعلمية والزراعية ... الخ... فكلها تشكل قاعدة هامة ... وتصب في النهاية كماً هائلاً من المعلومات الحيوية... تتضح بتحليلها أسرار شائكة تمثل منظومة معلوماتية متكاملة.
وفي النصف الأخير من القرن العشرين ... طورت أجهزة الاستخبارات في سباق محموم للتمييز والتفوق ... وظهرت طائرات التجسس ... وسفن التجسس... ثم أقمار التجسس التي أحدثت نقلة أسطورية في عالم الجاسوسية لدى الدول الكبرى ... استلزمت بالتالي دقة متناهية في التمويه اتبعتها الدول الأقل تطوراً ... التي لجأت إلى أساليب تمويهية وخداعية تصل إلى حد الإعجاز... كما حدث في حرب أكتوبر 1973 على سبيل المثال.
بيد أنه بالرغم من كل تلك الوسائل التكنولوجية المعقدة ... يقول خبراء الاستخبارات إنه لا يمكن الاستغناء عن الجاسوس ... فأجهزة الاستخبارات تتحصل على 90% من المعلومات بواسطة التنصت وأقمار التجسس ... وشتى الأجهزة المزروعة، و 5% عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ... بقيت إذن 5% من المعلومات السرية التي لا يمكن الحصول عليها ...لك ... يجند الجواسيس لأجل تلك النسبة المجهولة ث تكمن أدق المعلومات وأخطرها .
وبينما كان الصراع على أشده بين الشرق والغرب ... بين حلف وارسو وحلف شمال الأطلسي ... كان في الشرق الأوسط أيضاً صراع أشد قوة وحدة وعدائية بين العرب وإسرائيل... العرب يريدون دجر إسرائيل التي زرعها الاستعمار في قلب الوطن العربي ... تشبثت بالأرض... وتنتهج سياسة المجازر والعدوان ... وتنتهك كل القوانين والأعراف الدولية في وقاحة .
العرب كانوا يتسلحون بأسلحة الكتلة الشرقية ... ويزود الغرب إسرائيل بالسلاح ويساندها في المحافل الدولية.
فاشتعل الصراع ... وتأججت الحروب السرية بين المخابرات العربية والإسرائيلية ... وكانت بلا شك حروب شديدة الدهاء ... موجعة الضربات ... تقودها أدمغة ذكية تخطط ... وتدفع بمئات الجواسيس إلى أتون المعركة ... يتحسسون نقاط الضعف والقوة ... ويحصدون المعلومات حصداً ... .
ونظراً لظروف الاحتلال الأجنبي والاستعمار الطويل ... نشأت المخابرات العربية حديثاً في منتصف الخمسينيات ... وفي غضون سنوات لا تذكر ... استطاعت أن تبني قواعد عملها منذ اللبنة الأولى ... ودربت كوادرها المنتقاة بعناية ومن أكفأ رجالاتها ... وانخرطت في حرب ضروس مع مخابرات العدو الغاصب .
وبعبقرية فذة .. قامت المخابرات المصرية بعمليات جريئة لن يغفلها التاريخ ... عمليات طالت مصالح العدو في الخارج ... وداخل الدولة الصهيونية نفسها ... ووصلت تلك العمليات إلى حد الكفاءة الماهرة والاقتدار ... عندما فجر رجال مخابراتنا البواسل سفن العدو الحربية ... الرابضة في ميناء "إيلات" الإسرائيلي ... وإغراق المدمرة "إيلات" في البحر المتوسط قبالة سواحل بورسعيد ... وتفجير الحفار الإسرائيلي في ميناء "أبيدجان"... وزرع رأفت الهجان لعشرين عاماً في تل أبيب ... وتجنيد العديد من ضباط اليهود أنفسهم في إسرائيل ... أشهرهم الكسندر بولين .. وإسرائيل بيير ... ومردخاي كيدار .. وأولريتش شنيفت ... ومئات العمليات السرية التي لم يكشف عنها النقاب بعد ... كلها عمليات خارقة أربكت الدولة العبرية ... وزلزلت جهاز مخابراتها الذي روجت الإشاعات حوله ... ونعت بالأسطورة التي لا تقهر ... .
إن المخابرات الإسرائيلية ... نموذج غريب من نوعه في العالم أجمع ... لا يماثله جهاز مخابرات آخر .. شكلاً أو مضموناً ... فهي الوحيدة التي قامت قبل قيام الدولة العبرية بنصف قرن من الزمان ، والوحيدة التي بنت دولة من الشتات بالإرهاب والمجازر والأساطير ... إذ ولدت من داخلها عصابة من السفاحين والقتلة واللصوص .. اسمها اسرائيل .
ومنذ وضعت أولى لبنات جهاز المخابرات الإسرائيلية سنة 1897 في بال بسويسرا تفيض قذاراته ... وتثقله سلسلة بشعة من الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين العزل .. بما يؤكد أن إسرائيل ما قامت لها قائمة إلا فوق جثث الأبرياء . وأشلاء أطفال دير ياسين وتل حنان وحساس وغيرها .....
لقد أباد اليهود من هذا الشعب ما يزيد على 262 ألف شهيد حتى عام 2001 ... خلافاً لمائتي ألف جريح ... و165 ألف معاق ... ومليونين ونصف من اللاجئين ... وأبيدت أكثر من 388 قرية عربية .. واغتيل المئات في العواصم الأوروبية والعربية .
هكذا عملت المخابرات الإسرائيلية على تحقيق الحلم المسعور .. حلم إقامة الدولة على أرض عربية انتزعت انتزاعاً ... بالتآمر والمال والخياننة .. واحتلت خريطة "من النيل إلى الفرات" مساحة كبيرة على أحد جدران (الكنيست) الإسرائيلي ... تُذكّر عصابات اليهود بحلم دولة إسرائيل الكبرى الذي ما يزال يراود آمالهم .. فأرض فلسطين المغتصبة ليست بحجم خيالهم .. فقط .. هي نقطة بداية وارتكاز ... يعقبها انطلاق وزحف في غفلة منا .
وفي كتبهم المقدسة .. زعموا أن نبيهم إسرائيل "يعقوب" سأل إلهه قائلاً:
"لماذا خلقت خلقاً سوى شعبك المختار... ؟" فقال له الرب: "لتركبوا ظهورهم، وتمتصوا دماءهم، وتحرقوا أخضرهم، وتلوثوا طاهرهم، وتهدموا عامرهم". "سفر المكابين الثاني 15-24".
وأصبحت هذه الخرافة المكذوبة على الله .. مبدأً وديناً عند اليهود ... الذين يفاخرون بأنهم جنس آخر يختلف عن بقية البشر.
وعندما نقرأ توصيات المؤتمر اليهودي العاشر في سويسرا عام 1912 .. لا نتعجب كثيراً... فالمبادئ اليهودية منذ الأزل تفيض حقارة وخسة للوصول إلى مآربهم ... وكانت أهم توصيات المؤتمر:
Ø تدعيم النظم اليهودية في كل بلدان العالم حتى يسهل السيطرة عليها.
Ø السعي لإضعاف الدول بنقل أسرارها إلى أعدائها ... وبذر بذور الشقاق بين حكامها ... ونقل أنظمتها إلى الإباحية والفوضى.
Ø اللجوء إلى التملق والتهديد بالمال والنساء ... لإفساد الحكام والسيطرة عليهم.
Ø إفساد الأخلاق والتهيج للرزيلة وتقوية عبادة المال والجنس.
Ø ليس من بأس أن نضحي بشرف فتياتنا في سبيل الوطن ... وأن تكون التضحية كفيلة بأن توصل لأحسن النتائج.
والتاريخ القديم يصف لنا باستفاضة .. كيف استغل اليهود الجنس منذ آلاف السنين لنيل مبتغاهم ... وتحقيق أهدافهم الغير شريفة ... ضاربين عرض الحائط بالقيم ... وبكل الفضائل والأعراف .
ففي عام 1251 قبل الميلاد ... كانت مدينة "أريحا" الفلسطينية مغلقة على اليهود العبرانيين ... وأراد "يشوع بن نون" غزو المدينة واحتلالها ...
ولما خُبر أن ملك المدينة يهوى النساء .. ولا يستطيع مقاومتهن ... كلف اثنين من أعوانه بالبحث عن فتاة يهودية – ذات جمال وإثارة – لتقوم بهذه المهمة ... فوقع اختيارهما على "راحاب" جميلة الجميلات ... التي استطاعت بالفعل الوصول إلى الملك ... وسيطرت على عقله بفتنتها الطاغية ... وملأت القصر باليهود من أتباعها تحجة قرابتهم لها ...
بهذه الوسيلة .. أمكن إدخال مئات اليهود إلى المدينة .. وتمكنت راحاب من قتل الملك ... ودخل يشوع منتصراً بواسطة جسد امرأة ... امرأة يفخر بها اليهود .. ويعتبرونها أول جاسوسة يهودية خلعت ملابسها في سبيل هدف "نبيل" لبني جلدتها.
إذن .. ليس بغريب الآن أن يضحي اليهود بشرف بناتهم .. للوصول إلى غاياتهم ... ولم لا وقد اعترفت كتبهم المقدسة بحالات مقززة من الزنا .. والزنا من المحارم... ؟؟!
فقد ادعوا أن "ثامار" ابنة "داود" قالت لأخيها عندما أخذ يراودها عن نفسها: قل للملك "والدهما" فإنه لا يمنعني منك (!!).
ادعوا أيضاً – وهم قتلة الأنبياء والرسل ...أن "داود" نفسه – حاشا لله – ارتكب الزنا مع امرأة تدعى "بتشبع" بعد أن أرسل زوجها الضابط "أوريا الحثي" في مهمة مميتة ... (!!).
وقالوا عن "يهوذا" إنه زنا زوجة ابنه "شوع" بعدما مات .. فحملت منه "حراماً" وهو عمها (!!).
وعن ملكهم "أبيشالوم" قالوا: إنه عندما دخل أورشليم "القدس" وهو منتصر على أبيه الذي قتل في المعركة.. فوجئ بكثرة حريم والده .. فاستشار "أخبطوفال" بما يفعله بهن ... فأفتى له بالدخول عليهن ... ففعل ... وأفسد فيهن كلهن جهاراً ... (!!).
نستطيع من هنا أن نستخلص حقيقة مؤكدة .. وهي أن الجنس في عمل المخابرات الإسرائيلية واجب مقدس .. باعتبار أنه عقيدة موروثة متأصلة .. اعترفت بها كتبهم المقدسة وأقرتها .. فإذا كانت رموزهم العليا قد اعترفت بالزنا ... وزنت هي بنفسها مع المحارم فماذا بعد ذلك... ؟
إن السقوط الأخلاقي في المجتمع الإسرائيلي الآن .. ما هو إلا امتداد تاريخي لسقوط متوارث صبغ بالشرعية .. وينفي بشدة أكذوبة الشعب المتدين التي يروح لها اليهود ... ويسوق لنا التاريخ كيف أنهم أجادوا مهنة الدعارة في كل مجتمع حلوا به...وكيف استغلوا نساءهم أسوأ استغلال...
فلعهد قريب مضى كان اليهودي في العراق يجلب "الزبائن" لبناته وأخواته... فكان يجلس أمام داره يغوي العابرين: "ليس أجمل من بناتي .. أيها المحظوظ أقبل ... ".
وفي المغرب كان اليهودي في "الدار البيضاء" و "أغادير" و "تطوان" أكثر حياء وأدباً... إذ كان يبعث ببناته إلى دور زبائنه في السر.
أما في اليمن فيصف لنا التاريخ .. كيف كانت تباع بكارة الفتيات اليهوديات بعدة حزم من "القات" ... إلا أن بكارة مثيلاتهن في ليبيا كانت محددة بـ "مدشار" من العدس والسكر والزيت .. وفي سوريا كان المقابل يصل إلى مقدار ما ينتجه "دونم" جيد من الفستق.
وكان الأمر في فلسطين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أسوأ ... فقد كان المقابل قطعة من "الأرض" .. أو شراكة في بستان أو معصر للزيوت.
هذه حقائق حفظها لنا التاريخ ... وهي بحاجة إلى التنسيق والجمع والتحقيق ... لتملأ مجلدات تنفي مزاعم اليهود بأنهم متدينون .. فليس هناك دين يبيح للمرأة أن تفتح ساقيها لكل عابر .. ويرخص للرجل أن ينقلب فواداً يؤجر جسد نسائه.
إنها عقيدة خاصة آمن بها بنو صهيون ... وجبلوا منذ فجر التاريخ على اعتناقها ... فالصهيوني لا يعترف بالشرف في سبيل نزواته وأطماعه... وهو إما فاجر قواد أو داعر معتاد.
وليس هناك أصدق مما قاله الزعيم الأمريكي بنيامين فرانكلين (1706 – 1790م) – بأن اليهود طفيليات قذرة (مصاصو دماء) Vampires ... وأنهم "أطاحوا بالمستوى الخلقي في كل أرض حلوا بها. “In which every land the jews have settled they depressed the moral level”. جاء ذلك في خطاب يعتبر وثيقة تاريخية ... ألقاه فرانكلين عام 1789 عند وضع دستور الولايات المتحدة.
فلا غرابة إذن أن يسلك اليهود ذاك السلوك... بعدما قامت دولتهم فوق أرض مغتصبة ... كان عليهم أن يتمسكوا بها .. ويجاهدوا في سبيل استقرارهم عليها... وكان الجنس أحد أهم أدواتهم للوقوف على أسرار المحيطين بهم ونواياهم ... من خلال ضعاف النفوس الذين سقطوا في شباكهم ... وانقلبوا إلى عبدة للذة ... وعبيد للمال.
والأمر برمته ليس كما نتخيل – مجرد لقاء جسدي بين رجل وامرأة – بل هو أكبر من تصورنا، وتخيلنا البسيط للحدث. فالجنس، أقامت له الموساد مدارس وأكاديميات لتدريسه، ولشرح أحدث وسائل ونظريات السقوط بإغراءات الجسد.
فغالبية أجهزة المخابرات في العالم تستعين بالساقطات والمنحرفات جنسياً لخدمة أغراضها حيث يسهل إغراؤهن بالمال، أو التستر على فضائحهن. أما في الموساد فلا... إذ يتم اختيارهن من بين المجندات بجيش الدفاع الإسرائيلي ... أو الموظفات بالأجهزة الأمنية والسفارات، أو المتطوعات ذوات القدرات الخاصة، ويقوم على تدريبهن خبراء متخصصون بعد اجتياز اختبارات مطولة تشمل دراسات معقدة عن مستوى الذكاء، وصفاتهن Attributes المعبرة عن نفسها في مختلف الأمزجة، وكذا أنماط الطباع، وسرعة التصرف والاستجابة. تدرس لهن أيضاً فنون الإغراء وأساليبه، بالإضافة إلى لعلم النفس، وعلم الاجتماع وعلم الأمراض النفسية Peyschopathology ومنها طرق الإشباع الجنسي، ونطريات الجنس في أعمال السيطرة، والصدمات العالية للسيطرة والتي توصف بأنها آليات زناد إطلاق النار Trigger واكتشاف مرضى القهر Compulsion الاجتماعي أو السياسي أو الديني لسهولة التعامل معهم، وكذا المصابين بإحباطات الشعور بالنقص Deficiency وذوي الميول الجنسية المنحرفة التي لا تقهرها الجماعة Normal hetro ***ual coitus إلى جانب التمرينات المعقدة للذاكرة لحفظ المعلومات وتدوينها بعد ذلك، وتدريبات أكثر تعقيداً في وسائل الاستدراج والتنكر والتلون وإجادة اللغات.
إنهن نسوة مدربات على التعامل مع نوعية خاصة من البشر، استرخصت بيع الوطن في سبيل لذة الجنس. ومن هنا ندرك أنهن نساء أخريات يختلفن عن سائر النساء.
وعنهن يقول "مائير عاميت إن المرأة سلاح هام في أعمال المخابرات الإسرائيلية ... فهي تمتلك ملكات يفتقر اليها الرجال ... بكل بساطة .. إنها تعرف جيداً كيف تنصت للكلام ... فحديث الوسادة لا يمثل لها أدنى مشكلة .. ومن الحماقة القول بأن الموساد لم توظف الجنس لمصلحة إسرائيل .. فنحن لدينا نساء متطوعات راجحات العقل ... يدركن الأخطاء المحدقة بالعمل ... فالقضية لا تنحصر في مضاجعة شخص ما ... إنما دفع الرجل إلى الاعتقاد بأن هذا يتم مقابل ما يتعين أن يقوله... وكانت "ليلى كاستيل" أسطورة نساء الموساد بحق ... فبعد سنوات من وفاتها عام 1970 كان الجميع يتحدثون عن "مواهبها" الاستثنائية ... فقد كانت تتحدث العبرية والفرنسية والانجليزية والألمانية والايطالية والعربية... وكانت جذابة وذكية ... وجديرة بثقة الموساد ... وكان سلفى "هاريل" يستخدم عقلها وأنوثتها في "مهمات" خاصة في أوروبا".
وفي هذه الزاوية من موقع يا بيروت ... اخترنا شرائح متباينة لبعض الخونة .. الذين فقدوا نخوتهم .. وتخلوا عن عروبتهم ...لعملوا لصالح الموساد إما عن قصد ... او لنقص الدافع الوطني .. أو سعياً لتحقيق حلم الإثراء .. وربما لجنوح مرضي معوج .. وقد كان الجنس عاملاً مشتركاً في أغلب الحالات ... وأحد ركائزها الأساسية .. ومن بعده المال.
وبرؤية جديدة .. من خلال منظور قصصي – يمتزج بالوقائع التاريخية – تغلغلنا إلى أعماق هؤلاء ... في محاولة جادة لكشف نوازعهم ...واستبيان صراعاتهم ومعاناتهم ... ومس أمراضهم القميئة ... وتعرية قمة حالات خُورهم.
وكذا .. تسليط الضوء على أسباب ومراحل سقوطهم .. واستغراقهم في جُب الجاسوسية .. تغلفهم نشوة الثقة الكاذبة وأوهام الطمأنينة ... إلى أن تزلزلهم الصدمة .. وأيدي رجال المخابرات المصرية تقتلعهم من جذور الوهم ... فتعلو صراخاتهم النادمة اللاهثة ... وقد انحشروا في النفق الضيق المظلم المخيف ... لحظة النهاية المفجعة.
واعترافاً بإنجازاتهم الخارقة .. كان القصد إبراز جور رجال المخابرات ... في الحفاظ على منظومة الأمن القومي .. بكشف ألاعيب الموساد ومخططاتها ... وتأمين الوطن ضد عبث العابثين .. في حرب سرية شرسة .. سلاحها الذكاء والدهاء والمهارة ... وحقائقها أضخم من التخيل ... وأعظم أثراً في دهاليز السياسة .. والمعارك .
1) إسرائيل: أطلقها اليهود على أرض فلسطين المغتصبة... وإسرائيل هو نبي الله يعقوب عليه السلام وهو ابن إسحق ابن ابراهيم عليه السلام... وقد اتخذ اليهود اسم اسرائيل لدولتهم حتى لا يجرؤ المسلمون على ذكره بالإساءة ... لأنهم مأمورون باحترام الأنبياء .. وهدفهم – إذا ما ندد العرب بالاحتلال – أن يظهروا للعالم أن المسلمين لا يمتثلون لله في احترام أنبيائه.
2) أنشئ جهاز المخابرات اليهودي بتوصية من المؤتمر اليهودي الأول ... الذي انعقد يوم الأحد 29 أغسطس 1897 في بال بسويسرا ... وكان جهازاً غير منظم مهمته الرئيسية العمل على تهجير اليهود إلى فلسطين ... وشراء الأراضي بها لتثبيت اليهود المهجرين في معسكرات ومستوطنات محصنة قوية .. وكانت المستوطنات ما هي إلا بداية الحلم ... فالمستوطنة هي الوطن الأول المصغر ... أي إسرائيل الصغرى .. ومستوطنات وشعب وزراعة واقتصاد وسلاح وجيش يعني إسرائيل الكبرى . أما "الموساد" ... فهو بمثابة جهاز المخابرات المركزية ... وتم إنشاؤها عام 1937 وأطلق عليه وقتئذ: موساد ليلياه بيث: Mussad Lealiyah Beth أي منظمة الهجرة الثانية ... وكان أول مركز للقيادة في جنيف، ثم انتقل إلى استانبول بهدف مساعدة يهود البلقان على الهرب عبر تركيا .. وكان ذلك قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ... ثم اتجهت مهمة الموساد بعد ذلك إلى تنسيق نشاط الاستخبارات الاستراتيجية والتكتيكية بشكل عام في الخارج، ويقع مقر الموساد الرئيسي بشارع الملك شاؤول في تل أبيب .. داخل ثكنة عسكرية محصنة محاطة بالأشجار العالية والأسوار .. وهي تقوم بالمهام الرسمية وغير المشروعة على حد سواء.
3) يقول المفكر اليهودي "موشي مينوحيم" في كتابه "انحطاط اليهودية": "... . لقد ارتكب اليهود جرائم لا تعد ولا تحصى بكامل وعيهم وإرادتهم .. ولا بد من محاكمتهم كما حوكم من قبل النازيون ... فلا يمكن أن تنطمس معالمها مهما طال الزمن... ومهما برعوا في التستر عليها ... وإخفاء معالمها.".
4) صهيون: جبل بالقرب من القدس .. والصهيونية حركة من الحركات التي سعى إليها بعض بني إسرائيل لتضليل العالم ... وليصبح لهم كيان ودولة وكتاب مقدس ... لإضفاء الحماية الشرعية لهم ضد المسلمين والمسيحيين... وكان أن حرفوا التوراة بما يتناسب مع أهوائهم واطماعهم وأظهروا ذلك في كتاب أسموه التلمود وهو الذي يدرسونه اليوم ويتخذونه نبراساً لهم وحجة في مواجهة ما جاء بالقرآن والإنجيل.
الجنرال مائير عاميت: رئيس جهاز الموساد (1963-1967) خلفاً لـ "أيسير هاريل" .. وهو من مواليد طبريا 1926. تطوع عام 1946 في منظمة الهاجاناه الإرهابية وحارب الجيوش العربية عام 1948 وجرح في جنين ... واستولى مع إحدى الفصائل على إيلات ... وكان قائد معركة الجنوب في حرب السويس 1956 وأصيب برصاص المصريين وظل يعالج بالمستشفى ستة عشر شهراً في أمريكا... بعدها تولى رئاسة مخابرات الجيش (أمان)... ثم رئاسة الموساد .. وكان له دور بارز في حرب 1967 ... وفي عهده زرع "لوتز" في مصر ووصلت الطائرة الحربية ميج 21 العراقية إلى إسرائيل. بعد ذلك عاش وحيداً في مزرعته ولم ينجب أطفالاً ..
-----------------------

الضبع 10-06-2008 12:07 PM




إن المخابرات السرية هي مجال للنشاط الإنساني يبدو فيه – كما هو الحال غالبا – أن الوضوح ليس سوى ظاهرة يكتنفها الغموض .وليس هذا فقط شيئا متأصلا في أعمال المخابرات ولكنه غالبا شئ متعمد إلى وليس من النادر أن يئول إلى الفشل إلى ولنأخذ لذلك مثالا بسيطا عن " الشبيط " وهو نوع من السمك الرخو الذي يفرز من جسمه سائلا أسود اللون إلى لإخفاء اتجاه تحركه عن عدو كامن متربص له .. فالذي يحدث هو أن عدو الشبيط لن يحاول فقط إختراق تلك السحابه المظلمه ( وهي محاوله من المحتمل أن تؤدي إلى الفشل ) بل أنه أيضا سوف يحسب إلى من خلال معلوماته عن التيارات المائيه إلى والتكوين الصخري تحت الماء إلى وما إلى ذلك إلى اتجاه النجاة المحتمل أن يسلكه عدوه أو فريسته .



وفي غضون ذلك قد يصاب الشبيط نفسه بالارتباك إلى ويضل طريقه في المتاهة السرية التي خلقها بنفسه إلى بل وربما لازمه سوء الحظ إلى فما أن يبرز من تلك السحابة السوداء حتى يجد نفسه مباشرة بين فكي عدوه .

وثمة مثال آخر للمخابرات السرية إلى يتمثل في الخداع " البلف " الذي يمارسه لاعب البوكر . ذلك أن أي لاعب بوكر يعرف طبيعة هذا النوع من الحيل الخادعة . فهو ببساطة يستطيع بحركة بارعة يبديها أثناء المقامرة إلى إقناع لاعب أو أكثر من خصومه بأن لديه أوراقا أفضل مما لديهم إلى فينسحبون رغم أن أوراقهم هي الأفضل إلى وعندئذ يكسب اللاعب الماهر نقودهم إلى دون أن يكشف لهم أوراقه " السرية " .
وثمة حيلة أخرى أكثر تعقيدا تعتمد على سلسلة من أعمال " البلف " لإقناع الخصوم إلى بأنه يخدعهم فعلا مرة أخرى ( وعندئذ يحسبون انه ليست لديه أوراق تتفوق على ما لديهم بينما هو في الحقيقة يملك أوراقا ممتازة تكسب ما لديهم ) .
والحق أن الجمع بين أعمال الخداع " البلف " واللا خداع والخداع المضاد إلى تكاد أن تكون بلا حدود . ولاعب البوكر الماهر يمكنه أن يكسب الكثير من المال وبذا يتيسر له أن يدفع لزوجته أو لعشيقته ما يمكنها من التعامل مع أفضل صانعي الأزياء !.
ومن أنواع الخداع أيضا ما يعتبر لونا من العبث إلى مثل المكالمات التليفونية المجهولة إلى عن وجود قنبلة في مكان ما كمحطة سكة حديد كبرى مما يؤدي إلى إخلائها من الناس .
إن هذه الأمثلة السابقة المأخوذة من الحياة اليومية العادية إلى هي مجرد نوعين من بين آلاف غيرها إلى مما يمكن أن نقابلها كثيرا إلى وان لم يكن بصفة مستمرة .
بيد انه يجمع بينهما جميعا صفة مشتركة إلى وهي التنافس بين القدرات العقلية إلى مما يعني وجود علاقة قائمة على التعارض بين طرفين . وهذا قد يتراوح من المنافسة الودية بين المقامرين أو الرياضيين إلى العداء القاتل بين الدول أو الأديان أو الأيديولوجيات . وهذا النوع يهمنا بالدرجة الأولى إلى كما يهمنا بدرجة أقل ما يتفرع منها من أعمال الدعاية والتخريب .
على أن معظم أعمال المخابرات ليست سرية مطلقا . وهذا صحيح – بصفة خاصة – في المجتمعات العصرية المفتوحة إلى التي يمكن أن يشار إليها هنا – لملاءمة الواقع – بالدول الديموقراطية إلى أي الدول التي تملك – في زمن السلم – صحافة حره وحدودا مفتوحة إلى وتتبادل فيما بينها بعثات دبلوماسية وأنشطة تجارية إلى وتتبع أنماطا متشابهة في الأخلاقيات السياسية.


الموساد
يقع "الموساد" في مبنى عادي في شارع الملك شاؤول في تل أبيب وتطلق عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية اسم (عين داود الثاقبة)، وتم تأسيس الموساد قبل إنشاء دولة إسرائيل بنصف قرن تقريبا! إلى وجاء مواكبا للقرار الذي اتخذ في مدينة "بازل" السويسرية خلال أغسطس 1897 أثناء اجتماع المؤتمر الصهيوني الأول برئاسة ثيودور هرتزل ففي عام 1907 انشأ الحزب منظمة عسكرية من اليهود الأوروبيين تسمى (بارجيورا) ثم تأسست الوكالة اليهودية عام 1923 بقرار من المؤتمر الصهيوني الثالث عشر، وهي الوكالة التي أخذت على عاتقها تنشيط هجرة اليهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين بشتى الوسائل.
وفي عام 1920 تم تشكيل منظمة الهاجانا (الدفاع) العسكرية شبه القانونية وكان هدفها المعلن هو الحفاظ على موطن اليهود القومي ثم دخلت تحت وصاية الوكالة اليهودية التي تشكلت بعدها بثلاث سنوات، وشكلت الهاجانا فيما بعد قوام جهاز المخابرات الإسرائيلي الحالي "الموساد".
ومن خلال الهاجانا تكونت منظمة سرية خاصة سميت مكتب المعلومات (شيروت يهوديوت) عرفت باسم (شاي)، وفي عام 1937 أنشأت الهاجانا أيضا منظمة (موساد لي اليافي بيت) أي (مكتب الهجرة)إلى واسمها الأول (موساد) هو الاسم الذي استعاره جهاز المخابرات الإسرائيلية عام 1951 ليكون اسمه حينما ظهر لأول مرة بشكل رسمي، كما ورث أيضا شبكة جواسيسها.
ونظرا لتعدد تنظيمات التجسس الإسرائيلية رأت القيادة الصهيونية أن تنشئ جهازا خاصا لتنسيق أنشطتها سمي (شيروت إسرائيل) أو (في خدمة إسرائيل)إلى وقد تولى تأسيسه روفين شيلوح الذي رأس الموساد بعد تأسيسه رسميا.
وطبقا لإحصائية نُشرت عام 1996، يبلغ عدد العاملين في الموساد نحو 1200 إلى 1500 شخص، من بينهم 500 ضابط يعمل الواحد منهم حتى سن الثانية والخمسين، ويحال بعدها للمعاش، ويتقاضى 70 في المائة من مرتبه وقتها إلى وللموساد شبكة للعملاء تغطي أنحاء العالم تضم 35 ألف شخص (20 الفاً عاملون والباقي في حالة كمون موقت).
يتولى الموساد العديد من المهام منها: التجسسإلى الاغتيالاتإلى الحصول على الأسلحةإلى التجسس المضاد إثارة الفتنإلى الخطف.. الخ.
ويتكون الموساد من عدة أقسام رئيسية لكل منها دور أو مهمة خاصة بها وتتراوح مهام هذه الأقسام بين جمع المعلومات وتصنيفها ودراسة هذه المعلومات وتقييمها، والمراقبة والتجسس، والتجنيد وتنفيذ العمليات الخارجية الخاصة من قتل وتصفية .. الخ، إضافة إلى قسم خاص بالتصوير والتزوير والشفرة وأجهزة الاتصال، فضلا عن قسم خاص بالتدريب والتخطيط ورفع كفاءة العاملين بالجهاز .كما يضم الموساد قسما لمكافحة التجسس والاختراق . ويعتبر قسم العمليات هو أكبر فروع الموساد ومهمته تنظيم نشاط وعمل الجواسيس المنتشرين حول العالم.
وهناك أيضا وحدة خارجية أخرى تسمى (عل) أي رفيعة المستوى إلى وهي تقوم بجمع المعلومات عن كل الدول العربية من داخل الولايات المتحدة الأميركية بواسطة تعقب البعثات الديبلوماسية
------------------

الضبع 10-06-2008 12:30 PM

الملف الاسود-اغتيالات الموساد-الجزء الاول
د/سميره موسى.
------------







إغتيال الدكتورة سميرة موسى حلقة من ضمن سلسلة طويلة من الإغتيالات التى قام بها الموساد الإسرائيلي لتصفية علماء الذرة العرب، خاصة وان الدكتورة سميرة موسى توصلت إلى أبحاث هامة تؤدي إلى كسر احتكار الدول الكبرى لامتلاك السلاح النووي حيث توصلت إلى تصنيع القنبلة الذرية من معادن رخيصة يتوفر وجودها لدى كل دول العالم مهما كانت صغيرة فكان في ذلك سببا لمقتلها.


وسميرة موسى من مواليد قرية سنبو الكبرى مركز زفتي ، محافظة الغربية ولدت يوم 3 مارس سنة 1917 قبل إندلاع ثورة 1919 بعامين، حفظت القرآن الكريم عند بلوغها عامها السادس و تفتح وعيها على فوران الحركة الوطنية ضد الإنجليز وكان والدها من الطبقة المتوسطة الريفية، وكان من هواة القراءة ومن المتابعين لأحداث الحركة الوطنية والمتعاطفين مع سعد زغلول، تعلمت سميرة في المدارس الأولية في قريتها، ثم انتقلت إلى القاهرة مع أسرتها حيث كان والدها يمتلك فندقا في حي الحسين، ودخلت مدرسة قصر الشوق الابتدائية، ثم مدرسة بنات الإشراف الثانوية وكانت مديرة المدرسة المربية نبوية موسى إحدى رائدات الحركة النسائية المصرية.


وفي المدرسة الثانوية أظهرت سميرة موسى نبوغا خاصا في علم الرياضيات إلى درجة أنها وضعت كتابا من تأليفها في مادة الجبر وقام والدها بطبعه على نفقته الخاصة.


التحقت سميرة بقسم الفيزياء بكلية العلوم وتتلمذت على يد الدكتور مصطفى مشرفة تلميذ اينشتاين، الذي تنبه لنبوغها وعبقريتها، وتخرجت في الجامعة عام 1942 وأصبحت معيدة بكلية العلوم رغم اعتراض الكثيرين على ذلك لصغر سنها إلا أن عميد الكلية على مصطفى مشرفة أصر على تعيينها، ورهن استقالته على تحقيق هذا الهدف وواصلت سميرة موسى أبحاثها وتجاربها المعملية سواء في كلية العلوم أو في معهد الراديوم وكلية الطب أو اللجان العلمية المتخصصة التي قامت بتأسيس مؤسسة الطاقة الذرية، وحصلت على الماجستير في التوصيل الحراري للغازات أما الدكتوراه فقد حصلت عليها في عامين، و كان موضوعها ( خصائص إمتصاص المواد للأشعة)، وكانت مدة بعثة الدكتوراه ثلاث سنوات، بعد ذلك قدمت الدكتورة سميرة موسى العديد من الأبحاث كما شاركت في العديد من المؤتمرات العلمية الدولية الهامة .


وفي عام 1952 كانت الدكتورة سميرة موسى في بعثة علمية إلى الولايات المتحدة لاستكمال أبحاثها العلمية في إحدى جامعاتها، ولم يكن يدري احد ان عيون ذئاب الموساد تترصدها وأن الأمر بإغتيالها قد صدر ولم يبقى الا التنفيذ.


وفي يوم 15 أغسطس 1952 كانت على موعد لزيارة أحد المفاعلات النووية الأمريكية في كاليفورنيا، وقبل الذهاب إلى المفاعل جاءها اتصال هاتفي بأن مرشدا هنديا سيكون بصحبتها في الطريق إلى المفاعل وهو طريق جبلي كثير المنحنيات وعلى ارتفاع 400 قدم وجدت سميرة موسى أمامها فجأة سيارة نقل كبيرة كانت متخفية لتصطدم بسيارتها وتسقط بقوة في عمق الوادي بينما قفز المرشد الهندي الذي أنكر المسئولون في المفاعل الأمريكي بعد ذلك أنهم أرسلوه .


وهكذا رحلت عالمة الذرة المصرية سميرة موسى مخلفة وراءها كما من الغموض حول وفاتها وآمالا كانت قد عقدت بها .


بينما أصابع الموساد ملطخة بدمائها و دماء أخوتها العلماء الذين ابوا الا أن يخدموا وطنهم و عروبتهم.
----------

ناجى العلى







احذروا "ناجي" فالكون عنده أصغر من فلسطين، وفلسطين عنده هي المخيم، إنه لا يأخذ المخيم إلى العالم، ولكنه يأسر العالم في مخيم فلسطين.. ناجي لا يقول ذلك، ناجي يقطر، ويدمر، ويفجر لا ينتقم بقدر ما يشك، ودائمًا يتصبب أعداء، وليس فلسطينيو "ناجي" بالوراثة وحدها، كل الفقراء في عالم ناجي فلسطينيون، والمظلومون والمسحوقون والمحاصرون والمستقبل والثورة.. كلهم فلسطينيون.. هكذا خرجت كلمات الشاعر محمود درويش تأتي توصيفا وملخصا لهذا الرجل: ناجي..


وُلد "ناجي سليم حسين العلي" في قرية الشجرة بفلسطين عام 1936 وخرج منها عام 1948م بعد الاجتياح الإسرائيلي.. ومن هذا الحين لم يعرف الاستقرار أبدا، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم "عين الحلوة" بلبنان، وتعلم في مدرسة "اتحاد الكنائس المسيحية" حتى الابتدائية، اتجه كعامل بسيط إلى بساتين الحمضيات والزيتون، لكنه وجده عملا مملا، وآثر أن يرحل إلى طرابلس ليتعلم مهنة يكتسب منها قوت يومه؛ فالتحق بمدرسة مهنية هناك وتعلم الميكانيكا، ومنها سافر للسعودية ليعمل ميكانيكيًّا لمدة عامين، ولكن هاجس الفن كان يصطرع داخله فعاد إلى لبنان ليلتحق بأكاديمية لبنانية للرسم، لكنه لم يمكث بها أكثر من شهر بسبب ملاحقة الشرطة له بعد التحاقه بحركة القوميين العرب.


بدأ ولعه بالرسم منذ كان صبيًا صغيرًا.. فقد عشق حصص الرسم في طفولته وشجعه معلمه "أبو ماهر اليماني" على الرسم، وما زالت كلماته عالقة في ذهن ناجي: "… ارسم.. لكن دائمًا عن الوطن"، وظل كذلك بالفعل ونقل رسمه من ورق الكراسات إلى جدران المخيمات ثم جدران السجون والزنزانات فيما بعد.. وأول ظهور لأعمال ناجي كرسام كاريكاتير معترف به كان على يد الصحفي "غسان كنفاني" حينما حضر إلى مخيم عين الحلوة، وشاهد لوحات ناجي فأخذها ونشرها في جريدة


الحرية، وكانت أولى لوحاته عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد مصممة على التحرير، وفي مجلة "الحرية" العدد (88) تاريخ الإثنين 25 أيلول 1961 وتحت عنوان "ينتظر أن نأتي!" قدم غسان كنفاني ناجي العلي للإعلام.


ويقول ناجي العلي عن هذه الفترة:

"المرحوم غسان كنفاني هو الذي اكتشفني وقدمني للإعلام، ففي إحدى زياراته الدورية لمخيم عين الحلوة وقع على ثلاثة رسوم لي وضعها تحت إبطه ومضى، وبعد فترة فوجئت بها منشورة في مجلة الحرية حيث كان يعمل في تلك الفترة؟



لم تصدق عيناي ما رأتا ولا كذلك قلبي الذي أخذ يتراقص فرحًا بهذا الإنجاز الكبير، شعرت بعد ذلك أن غسان كنفاني هو أب من نوع استثنائي خاص.. أب للإبداع يكتشفه ويقدمه ويشجعه على المضي في المغامرة".


وفي عام 1963 سافر ناجي للكويت ليعمل محررًا ورسامًا ومخرجًا صحفيا ثم تنقل في عمله من جريدة لأخرى فكانت محصلة تجاربه ثرية ما بين (الطليعة الكويتية، السياسة الكويتية، السفير اللبنانية، القبس الكويتية، وأخيرًا القبس الدولية).


وللرسم.. عذاب!


من الصعب أن تعبر عما تموج به نفسك بكلمات على ورق، ولكن الأصعب هو أن تعبر عنه بالرسم؛ فالرسم وتحديدًا الكاريكاتير هو الفن الذي برع وأبدع فيه ناجي فقد عبّر عما بداخل أي عربي وليس ذاته فقط.. امتازت لوحاته بالسخرية الباكية، مؤمنًا بـأن "شر البلية ما يضحك"، وكانت أقرب ما تكون من العفوية والصدق.. بخلاف هذا امتازت كل لوحاته بالحس الوطني القومي، فقد نجح ناجي في أن يعبر عن نفسه بالرسم، وأن يجعل الكاريكاتير سلاحا ماضيا في المقاومة.. وكأن قدر الأجساد النحيلة أن تحمل همما عالية فقد كان لناجي روح قتالية، وهي كما تتعدى حدود جسده الضئيل فهي تتعدى الانتماءات الضيقة الحزبية والطائفية؛ فهو يقول عن نفسه: "أي بندقية تتوجه إلى العدو الإسرائيلي تمثلني، وما سوى ذلك فلا".. كان يرى أن فن الكاريكاتير وجد للنقد وليس للترفيه.


رغم كثرة أعماله وتعددها (نشر له أكثر من 40 ألف لوحة بخلاف ما مُنع نشره) فإنها أبدا لم تكن تأتيه كيفما اتفق بل كان يعاني كثيرا أثناء عملية الإبداع، ربما لأن همه الذي حمله صدره كان كبيرًا، وهذا ما يفسر تلك السعادة الغامرة التي تعتريه حينما ينهي إحدى لوحاته فقد عبر عن ذلك قائلا: "الرسم هو الذي يحقق لي توازني الداخلي وهو عزائي، ولكنه يشكل لي عذابًا كذلك".


وهذا الهم والألم الذي يعتصره كل لحظة لم يكن ليغير من روح الطفل التي يحملها بين جوانحه ويتأمل بها مع إبداعه، ومن طريف ما روي عن ناجي أنه إذا استعصت عليه فكرة ناقشها مع أحد أصدقائه حتى تستوي الفكرة في ذهنه.. حتى إذا شرع في الرسم استلقى على بطنه كطفل صغير وبدأ في الرسم، لم تكن لوحات ناجي مجرد خطوط سوداء على ورق أبيض وإنما تميزت جميعها بنكهة ذات مذاق خاص.. خاصة بعد ميلاد "حنظلة" شخصيته الرئيسية وبطله الرمزي، ومنهجه البسيط الذي اعتمد فيه على الترميز فحينما يرسم شخصا ما متنكرا متكرشا فهو يعني السلطة.. أما النحيل رث الملابس فهو المواطن المنسحق المقهور، أعجب كثيرا بلوحات "صلاح جاهين"، و"رجائي"، و"بيار صادق.."، لكنه لم يحاكهم في الرسم.


حنظلة.. سأستمر به بعد موتي


وُلد حنظلة في الكويت عام 1969 في السياسة الكويتية.. ولم يطلب به ناجي الشهرة أو التميز عن باقي الفنانين بقدر ما طلب من حنظلة نفسه أن يكون ضميره اليقظ وقلبه النابض.


رسمه صبياً في العاشرة من عمره واختار أن يكون طفلاً ليعبر عن البراءة والصدق وأسماه بحنظلة كرمز لمرارة الألم، لم يكن حنظلة شخصية ثابتة غير نامية، وإنما كان شخصية حية نابضة تختلف مواقفها حسب سياق الواقع من حولها ففي بداياته قدمه ناجي صبيًّا فتيًّا مقاتلاً متفاعلاً فتارة يكون شاعرًا وتارة يكون جنديًّا.. وفي مستوى آخر فإنه في الفترة الأخيرة من حياة ناجي قدمه بصورة مغايرة تمامًا وذلك بعد حرب 73 فقد أدار حنظلة ظهره للقراء وتشابكت يداه الصغيرتان معًا خلف ظهره، وسكت عن الكلام ربما ليكون مجرد شاهد وضمير أمة؛ وذلك لأن ناجي كان يرى أن تلك الفترة ستشهد عملية تطويع وتطبيع.


كان ناجي يحب حنظلة وربما توحد معه أو كان معبرا عنه فقد قال عنه بكل فخر: "هذا المخلوق الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت إنني قد أستمر به بعد موتي"، وأعتقد أنه كان له ما أراد...


ناجي.. بين التكريم والتخوين!!


نال ناجي في حياته وبعد مماته تكريما واحتفاء شديدين فقد أُقيم لناجي معارض عديدة في بيروت ودمشق وعمان والكويت وواشنطن ولندن… بالإضافة إلى أنه فاز بالجائزة الأولى في معرض الكاريكاتير العربي بدمشق (المعرض الأول والثاني) عام 79 و80م… وحصل كذلك في عام 88 على جائزة "قلم الحرية الذهبي" من قبل الاتحاد الدولي لناشري الصحف في باريس؛ فكان أول عربي يحصل على الجائزة، كما اختارته صحيفة "أساهي" اليابانية كواحد من بين أشهر عشرة رسامين للكاريكاتير في العالم. بالإضافة إلى التكريم الذي ناله بعد اغتياله؛ فقد أقيم مركز ثقافي في بيروت أطلق عليه "مركز ناجي العلي الثقافي"، كما حمل اسم ناجي العلي اسم مسابقة أقامتها جريدة السفير، كما تسابق الشعراء المجيدون لرثائه، مثل: "نزار قباني"، "عبد الرحمن الأبنودي"، و"أحمد مطر" في قصيدته ما أصعب الكلام...


وغيرهم الكثير.


ولعل ما كان يناله من تكريم هو الذي أيقظ عليه من يكرهونه فحينما أخرج الفنان "عاطف الطيب" فيلمًا عن ناجي العلي قام ببطولته الفنان "نور الشريف"، هاج الكثيرون وماجوا وأعلنوها حربا شعواء على الرجل ونشروا أعماله الكاريكاتيرية التي يرونها مسيئة إلى العرب وإلى مصر تحديداً.. ورغم أن أعماله اتصفت دوما بالقسوة، لكنها قسوة الابن على أوضاع أسرته المتردية.. ومَن مِن المثقفين والمناضلين لم يقسُ على بلادنا العربية وهي تتنكر للكفاح والتحرر وتُقبل على التطبيع والخنوع؟


ناجي اغتيل مرتين.. لكن حنظلة لا يزال حيا..






آخر رسم نشر للفنان ناجي العلي يوم اغتياله




كل من تتربص به العيون وتكيد له العقول قد يقاتل مرة واحدة.. إلا أن ناجي اغتيل مرتين الأولى في 22-7-1987 حينما كان ناجي في طريقه للعمل في شوارع لندن حيث كان يعمل في جريدة القبس الدولية.. أطلق عليه النار شخص مجهول الهوية اخترقت الرصاصة صدغه الأيمن لتخرج من الأيسر وفر الجاني هاربًا.. سقط ناجي في بركة من دمائه وفي يده اليمنى مفاتيح سيارته، وتحت إبطه الأيسر رسومات يومه، ذلك الرفيق الذي لم يفارقه يوما، تاركًا خلفه زوجته "وداد" أخت صديقه الحميم "محمد نصر" وأم أولاده: خالد، أسامة، ليال، جودي.


وظل في غيبوبة بعد أن نُقل للعناية المركزة حتى وافته المنية في 29-8-87، ودُفن في مقابر "بروك وود الإسلامية" بلندن بعدما رفضت السلطات البريطانية نقل جثمانه إلى مخيم عين الحلوة كما وصَّى.


والثانية حينما نحت له الفنان "شربل فارس" تمثالا بالحديد يبلغ طوله 275 سم وعرضه 85 سم جعله "شربل فارس" حاملاً رسومه في يده اليسرى، وشكّل كفه الأيمن على هيئة قبضة قوية تظهر منها العروق بوضوح.. نُقل التمثال إلى مدخل عين الحلوة، ولم يمكث هناك طويلاً فقد تم تفجيره وإطلاق النار على عينه اليسرى، ثم تم حمله، ولم يعرف مكانه حتى الآن!!


يُذكر أنه في 17-8-87م تم القبض على "إسماعيل حسن صوان" فلسطيني يعمل بالجيش الأردني ينتمي لمنظمة التحرير الفلسطينية للاشتباه بعلاقته باغتيال ناجي، وحكم عليه بالسجن 11 عامًا، لكن ليس بسبب اغتيال ناجي، لكن بسبب حيازة الأسلحة.


وما زالت الاتهامات تتفاوت ما بين منظمة التحرير الفلسطينية والموساد الإسرائيلي.. وقد يكون كلاهما!!


وبالطبع لم تكن يا ناجي مبالغا حين قلت: "لا أبالغ إذا قلت إنني قد أستمر به بعد موتي" فقد ظل حنظلة يذوق المرار ونذوقه معه كمدا وأسفا، ولا أدري إن ظل ناجي معنا حتى يومنا هل كان سيكتفي حنظلة بإدارة ظهره وعقد كفيه أم تراه سيتمدد ميتا من أثر المرار؟



من اقواله:


* اللي بدو يكتب لفلسطين, واللي بدو يرسم لفلسطين, بدو يعرف حالو : ميت


* هكذا أفهم الصراع: أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب
* الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة, إنها بمسافة الثورة
* كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي, أنا أعرف خطا أحمرا واحدا: إنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع على اتفاقية استسلام وتنازل عن فلسطين.
* متهم بالإنحياز, وهي تهمة لاأنفيها, أنا منحاز لمن هم "تحت"
* أن نكون أو لا نكون, التحدي قائم والمسؤولية تاريخية
--------------------------

غسان كنفانى




من هو غسان كنفانى؟؟؟
الحقيقه ان هذه الكلمات كتبت خصيصا لكل من يسأل هذا السؤال الان
فالرجل أعظم من ان يكون مجهولا....فأعماله الخالد تتحدث عنه حتى بعد استشهاده بأعوام واعوام واعوام
غسان كنفانى من اعظم الكتاب العرب فى منتصف القرن الماضى....



كان دائما هذا الرجل كالرأس لجسد المقاومة .. فكثيراً من أعماله كانت إلهاماً لفصائل المقاومة لعمليات فدائية تحريرية أرهقت قدرات العدو الصهيوني و كبدته خسائر أكثر مما خسرها في معاركه على جبهات القتال أمام الجيوش العربية .. لأن سلاح الفكر أعمق وأرسخ من السلاح الطائش ..


ولم يكن غريبا على الفنان الأديب أن ينال شهادة الإجازة في الأدب قسم اللغة العربية وكانت الرسالة التي قدمها بعنوان “العرق والدين في الأدب الصهيوني“


ومن هذا المنطلق أصبح غسان كنفاني .. المفكر الوطني الحر هدفاً صهيونياً استراتيجياً وعسكرياً .لأنه عرف طريق الفكر .. والمقاومة الفكرية التي أرسى قواعدها النضالية من خلال أعماله الأدبية وما تحمله من عناوين وطنيه.. كمثال ( عائد إلى حيفا)


وحين ننظر بعين الفاحص والمدقق في قضية إغتيال غسان كنفاني يجب أن نعي أنها تعد من أهم محطات الصراع العربي الصهيوني .. وبداية لما يعرف الآن بالإغتيالات عن طريق السيارات المفخخة .. فكانت تلك من أولى العمليات الموسادية التي تمت بها مهمة اغتيال بالمفخخات .. والتي أصبحت اليوم سمة من سمات الإحتلال و تطور العمل بها حتى اصبحت ركيزة أساسية في قتل المقاوم العربي خاصة بل وتصفية الشعب العربي في ميادين أخرى .. وأظن أننا جميعاً الآن قد أعتادت مسامعنا على جملة ( سيارة مفخخة) وأظننا الآن قد كشفنا عن مصدرها .. و نشأتها .!!! ..


ففي صباح يوم 8/7/1972 سُمِعَ دوي انفجار كبير ..


فما إن أدار الشهيد غسان كنفاني سيارته إلا و انفجرت السيارة لتقطعه أشلاءاً أشلاء ..


وقد عُثر على جزء من يده على سطح إحدى الأبنية المجاورة. لم يكن الهدف قتله فقط، بل بتر يده بالتحديد فيده هي التي كانت تؤلم العدو الصهيوني .. لأن ما كتبته كان بمثابة القوة الفاعلة و المحركة للمقاومة العربية والتي لو استمرت في عملها لأنهارت قوة الإحتلال .. ولعاد غسان ( إلى حيفا) مع أخوانه في عزة وقدرة منتصرين على العدو المغتصب .. داحرين قوى البغي .



.. وإن كان الحديث سيطول ويطول عن قائد من قادة القلم والريشة و الفكر المقاوم إلا أن الصفحات لن تعطيه حقه كما ينبغي .. وفيما يلي بعض من سيرته التي ستحيى ما دامت الحياة:-كما كتبها المقربون إليه ومن عاصروه..


ولد الشهيد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا بفلسطين..وهو عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين..عرفته جماهيرنا صحفياً تقدمياً جريئاً، دخل السجن نتيجة جرأته في الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة


نشأته وحياته


والده:


خرج أبوه من أسرة عادية من أسر عكا وكان الأكبر لعدد غير قليل من الأشقاء، وبما أن والده لم يكن مقتنعاً بجدوى الدراسات العليا فقد أراد لابنه أن يكون تاجراً أو كاتباً أو متعاطياً لأي مهنة عادية ولكن طموح الابن أبي عليه إلا أن يتابع دراسته العالية فالتحق بمعهد الحقوق بالقدس في ظروف غير عادية.صفر اليدين من النقود وحتى من التشجيع فما كان عليه إلا أن يتكل علي جهده الشخصي لتأمين حياته ودراسته فكان تارة ينسخ المحاضرات لزملائه وتارة يبيع الزيت الذى يرسله له والده ويشترى بدل ذلك بعض الكاز والمأكل، ويشارك بعض الأسر في مسكنها، إلى أن تخرج كمحام.وعاد إلي عكا ليتزوج من أسرة ميسورة ومعروفة ويشد رحاله للعمل في مدينة يافا حيث مجال العمل أرحب وليبني مستقبله هناك.
وكافح هناك وزوجته إلى جانبه تشد أزره وتشاركه فى السراء والضراء ونجح وكان يترافع فى قضايا معظمها وطني خاصة أثناء ثورات فلسطين واعتقل مرارا كانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية.


وكان من عادة هذا الشاب تدوين مذكراته يوماً بيوم وكانت هذه هى أعز ما يحتفظ به من متاع الحياة وينقلها معه حيثما حل أو ارتحل، وكثيراً ما كان يعود إليها ليقرأ لنا بعضها ونحن نستمتع بالاستماع الى ذكريات كفاحه، فقد كان فريدا بين أبناء جيله، وكان هذا الرجل العصامي ذو الآراء المتميزة مثلاً لنا يحتذي.
هذا هو والد غسان كنفاني الذى كان له بدون شك أثر كبير فى حياة ثالث أبنائه غسان.


غسان الطفل:


هو الوحيد بين أشقائه ولد في عكا، فقد كان من عادة أسرته قضاء فترات الأجازة والأعياد فى عكا، ويروى عن ولادته أن أمه حين جاءها المخاض لم تستطع أن تصل إلى سريرها قبل أن تضع وليدها وكاد الوليد يختنق بسبب ذلك وحدث هذا فى التاسع من نيسان عام 1936.


كان من نصيب غسان الالتحاق بمدرسة الفرير بيافا وكنا نحسده لأنه يدرس اللغة الفرنسية زيادة عما ندرسه نحن.ولم تستمر دراسته الابتدائية هذه سوى بضع سنوات.فقد كانت أسرته تعيش في حي المنشية بيافا وهو الحي الملاصق لتل أبيب وقد شهد أولى حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التى بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين.لذلك فقد حمل الوالد زوجته وأبناءه وأتي بهم إلي عكا وعاد هو إلى يافا، أقامت العائلة هناك من تشرين عام 47 إلى أن كانت إحدى ليالي أواخر نيسان 1948 حين جري الهجوم الأول على مدينة عكا.بقي المهاجرون خارج عكا على تل الفخار (تل نابليون) وخرج المناضلون يدافعون عن مدينتهم ووقف رجال الأسرة أمام بيت جدنا الواقع في أطراف البلد وكل يحمل ما تيسر له من سلاح وذلك للدفاع عن النساء والأطفال إذا اقتضى الأمر.


ومما يذكر هنا أن بعض ضباط جيش الإنقاذ كانوا يقفون معنا وكنا نقدم لهم القهوة تباعا علما بان فرقتهم بقيادة أديب الشيشكلي كانت ترابط في أطراف بلدتنا.وكانت تتردد على الأفواه قصص مجازر دير ياسين ويافا وحيفا التي لجأ أهلها إلى عكا وكانت الصور ما تزار ماثلة فى الأذهان.فى هذا الجو كان غسان يجلس هادئاً كعادته ليستمع ويراقب ما يجري.


استمرت الاشتباكات منذ المساء حتى الفجر وفي الصباح كانت معظم الأسر تغادر المدينة وكانت أسرة غسان ممن تيسر لهم المغادرة مع عديد من الأسر في سيارة شحن إلى لبنان فوصلوا إلى صيدا وبعد يومين من الانتظار استأجروا بيتاً قديما في بلدة الغازية قرب صيدا في أقصى البلدة علي سفح الجبل، استمرت العائلة في ذلك المنزل أربعين يوما في ظروف قاسية اذ أن والدهم لم يحمل معه إلا النذر اليسير من النقود فقد كان أنفقها فى بناء منزل في عكا وآخر في حي العجمي بيافا وهذا البناء لم يكن قد انتهي العمل فيه حين اضطروا للرحيل.


من الغازية انتقلوا بالقطار مع آخرين إلى حلب ثم إلى الزبداني ثم إلى دمشق حيث استقر بهم المقام في منزل قديم من منازل دمشق وبدأت هناك مرحلة أخرى قاسية من مراحل حياة الأسرة.غسان فى طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع إخوته وأقرانه ولكن كنا نكتشف دائماً أنه مشترك فى مشاكلهم ومهيأ لها دون أن يبدو عليه ذلك.


غسان اليافع:


فى دمشق شارك أسرته حياتها الصعبة، أبوه المحامي عمل أعمالاً بدائية بسيطة، أخته عملت بالتدريس، هو وأخوه صنعوا أكياس الورق، ثم عمالاً، ثم قاموا بكتابة الاستدعاءات أمام أبواب المحاكم وفي نفس الوقت الذي كان يتابع فيه دروسه الابتدائية.بعدها تحسنت أحوال الأسرة وافتتح أبوه مكتباً لممارسة المحاماة فأخذ هو إلى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحرير واشترك فى برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية.


وكانت تشجعه على ذلك وتأخذ بيده شقيقته التى كان لها في هذه الفترة تأثير كبير علي حياته.وأثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في الأدب العربي والرسم وعندما أنهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين وبالذات فى مدرسة الاليانس بدمشق والتحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي وأسند إليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصي.وذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الاخري التى أشرف عليها.


وفي هذا الوقت كان قد انخرط في حركة القوميين العرب وأترك الكلام هنا وعن حياته السياسية لرفاقه ولكن ما أذكره انه كان يضطر أحيانا للبقاء لساعات متأخرة من الليل خارج منزله مما كان يسبب له إحراجا مع والده الذي كان يحرص علي إنهائه لدروسه الجامعية وأعرف أنه كان يحاول جهده للتوفيق بين عمله وبين إخلاصه ولرغبة والده.


قي أواخر عام 1955 التحق للتدريس في المعارف الكويتية وكانت شقيقته قد سبقته في ذلك بسنوات وكذلك شقيقه.وفترة إقامته في الكويت كانت المرحلة التى رافقت إقباله الشديد والذي يبدو غير معقول على القراءة وهى التى شحنت حياته الفكرية بدفقة كبيرة فكان يقرأ بنهم لا يصدق.كان يقول انه لا يذكر يوماً نام فيه دون أن ينهي قراءة كتاب كامل أو ما لا يقل عن ستماية صفحة وكان يقرأ ويستوعب بطريقة مدهشة.


وهناك بدأ يحرر في إحدى صحف الكويت ويكتب تعليقا سياسياً بتوقيع “أبو العز” لفت إليه الأنظار بشكل كبير خاصة بعد أن كان زار العراق بعد الثورة العراقية عام 58 على عكس ما نشر بأنه عمل بالعراق.


في الكويت كتب أيضاً أولي قصصه القصيرة “القميص المسروق” التى نال عليها الجائزة الأولي في مسابقة أدبية.ظهرت عليه بوادر مرض السكري فى الكويت أيضاً وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التى ولدت في كانون الثاني عام 1955.فأخذ غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها وكانت هى شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها ولم يتأخر غسان عن ذلك الا فى السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله.


عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية كما هو معروف.


غسان الزوج:


بيروت كانت المجال الأرحب لعمل غسان وفرصته للقاء بالتيارات الأدبية والفكرية والسياسية.


بدأ عمله في مجلة الحرية ثم أخذ بالإضافة إلى ذلك يكتب مقالاً أسبوعيا لجريدة “المحرر” البيروتية والتي كانت ما تزال تصدر أسبوعية صباح كل اثنين.لفت نشاطه ومقالاته الأنظار إليه كصحفي ومفكر وعامل جاد ونشيط للقضية الفلسطينية فكان مرجعاً لكثير من المهتمين.عام 1961 كان يعقد فى يوغوسلافيا مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين وكذلك كان هناك وفد دانمركي.كان بين أعضاء الوفد الدانمركي فتاة كانت متخصصة في تدريس الأطفال.قابلت هذه الفتاة الوفد الفلسطيني ولأول مرة سمعت عن القضية الفلسطينية.


واهتمت الفتاة اثر ذلك بالقضية ورغبت فى الإطلاع عن كثب على المشكلة فشدت رحالها إلى البلاد العربية مرورا بدمشق ثم إلى بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفاني كمرجع للقضية وقام غسان بشرح الموضوع للفتاة وزار وإياها المخيمات وكانت هى شديدة التأثر بحماس غسان للقضية وكذلك بالظلم الواقع على هذا الشعب.ولم تمض على ذلك عشرة أيام إلا وكان غسان يطلب يدها للزواج وقام بتعريفها علي عائلته كما قامت هي بالكتابة إلى أهلها.وقد تم زواجهما بتاريخ 19 أكتوبر 1961ورزقا بفايز في 24/8/1962 وبليلي فى 12/11/1966.


بعد أن تزوج غسان انتظمت حياته وخاصة الصحية اذ كثيراً ما كان مرضه يسبب له مضاعفات عديدة لعدم انتظام مواعيد طعامه.


عندما تزوج غسان كان يسكن في شارع الحمراء ثم انتقل إلى حى المزرعة، ثم إلى مار تقلا أربع سنوات حين طلب منه المالك إخلاء شقته قام صهره بشراء شقته الحالية وقدمها له بإيجار معقول.


وفي بيروت أصيب من مضاعفات السكري بالنقرس وهو مرض بالمفاصل يسبب آلاماً مبرحة تقعد المريض أياماً.ولكن كل ذلك لم يستطع يوماً أن يتحكم في نشاطه أو قدرته على العمل فقد كان طاقة لا توصف وكان يستغل كل لحظة من وقته دون كلل.


وبرغم كل انهماكه في عمله وخاصة في الفترة الأخيرة إلا أن حق بيته وأولاده عليه كان مقدساً.كانت ساعات وجوده بين زوجته وأولاده من أسعد لحظات عمره وكان يقضى أيام عطلته (إذا تسنى له ذلك يعمل فى حديقة منزله ويضفي عليها وعلى منزله من ذوق الفنان ما يلفت النظر رغم تواضع قيمة موجوداته.


غسان القضية:


أدب غسان وإنتاجه الأدبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به.
“عائد إلى حيفا”، عمل وصف فيه رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا؛ وقد وعي ذلك، وهو ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع. ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية.


“أرض البرتقال الحزين”، تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية. “موت سرير رقم 12″، استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض. “رجال في الشمس” من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين فى تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
فى قصته “ما تبقي لكم”، التي تعتبر مكملة “لرجال في الشمس”، يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي.


قصص “أم سعد” وقصصه الاخري كانت كلها مستوحاة من ناس حقيقيين. في فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة 36 في فلسطين فأخذ يجتمع إلى ناس المخيمات ويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة، والتي سبقتها والتي تلتها، وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم يكتب لها أن تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه “عن الرجال والبنادق”.


كانت لغسان عين الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لأحد العمال وهو يكسر الصخر فى كاراج البناية التى يسكنها وكان ينوى تسميتها “الرجل والصخر”.


غسان الرائد:


تجب وضع دراسة مفصلة عن حياة غسان الأدبية والسياسية والصحفية ولكننا في هذه العجالة نكتفي بإيراد أمثلة عن ريادته بذكر بعض المواقف في حياته وعتها الذاكرة:


كان غسان أول من كتب عن حياة أبناء الخليج المتخلفة ووصف حياتهم وصفاً دقيقا مذهلا وذلك في قصته “موت سرير رقم 12″، ولا أستطيع أن أؤكد إذا كان سواه قد كتب عن ذلك من بعده.


فى أوائل ثورة الـ 58 بالعراق أيام حكم عبد الكريم قاسم زار غسان العراق ورأى بحسه الصادق انحراف النظام فعاد وكتب عن ذلك بتوقيع “أبو العز” مهاجما العراق فقامت قيامة الأنظمة المتحررة ضده إلى أن ظهر لهم انحراف الحكم فعلا فكانوا أول من هنأوه على ذلك مسجلين سبقه في كتاب خاص بذلك.


بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة “المحرر” اليومية استحدث صفحة للتعليقات السياسية الجادة وكانت على ما أذكر الصفحة الخامسة وكان يحررها هو وآخرون.ومنذ سنة تقريبا استحدثت إحدى كبريات الصحف اليومية فى بيروت صفحة مماثلة وكتب من كتب وأحدهم أستاذ صحافة فى الجامعة الأميركية كتبوا في تقريظ هذه الصفحة وساءني أن يجهل حتى المختصون بالصحافة أن غسان قام بهذه التجربة منذ سنوات.


لا أحد يجهل أن غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عن أشعارهم وعن أزجالهم الشعبية فى الفترات الأولى لتعريف العالم العربي على شعر المقاومة، لم تخل مقالة كتبت عنهم من معلومات كتبها غسان وأصبحت محاضرته عنهم ومن ثم كتابه عن “شعراء الأرض المحتلة” مرجعا مقررا فى عدد من الجامعات وكذلك مرجعا للدارسين.


الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيونى كانت لغسان ونشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان “في الأدب الصهيوني”. أشهر الصحافيين العرب يكتب الآن عن حالة اللا سلم واللا حرب ولو عدنا قليلا إلى الأشهر التى تلت حرب حزيران 67 وتابعنا تعليقات غسان السياسية فى تلك الفترة لوجدناه يتحدث عن حالة اللا سلم واللا حرب أى قبل سنوات من الاكتشاف الأخير الذى تحدثت عنه الصحافة العربية والأجنبية.


إننا نحتاج إلى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات والمواهب التى كان يتمتع بها غسان كنفاني. هل نتحدث عن صداقاته ونقول أنه لم يكن له عدو شخصي ولا في أى وقت وأي ظرف أم نتحدث عن تواضعه وهو الرائد الذى لم يكن يهمه سوى الإخلاص لعمله وقضيته أم نتحدث عن تضحيته وعفة يده وهو الذى عرضت عليه الألوف والملايين ورفضها بينما كان يستدين العشرة ليرات من زملائه.ماذا نقول وقد خسرناه ونحن أشد ما نكون فى حاجة إليه، إلى إيمانه وإخلاصه واستمراره على مدى سنوات في الوقت الذى تساقط سواه كأوراق الخريف يأساً وقنوطا وقصر نفس.


كان غسان شعباً في رجل، كان قضية، كان وطناً، ولا يمكن أن نستعيده إلا إذا استعدنا الوطن.


عمل فى الصحف والمجلات العربية التالية:


* عضو في أسرة تحرير مجلة “الرأى” في دمشق.
* عضو في أسرة تحرير مجلة “الحرية” فى بيروت
* رئيس تحرير جريدة “المحرر” في بيروت.
* رئيس تحرير “فلسطين” في جريدة المحرر.
* رئيس تحرير ملحق “الأنوار” في بيروت.
* صاحب ورئيس تحرير “الهدف” في بيروت.


كما كان غسان كنفاني فنانا مرهف الحس، صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما رسم العديد من اللوحات.


من مؤلفات الشهيد:


قصص ومسرحيات:


* موت سرير رقم 12.
* أرض البرتقال الحزين.
* رجال في الشمس - قصة فيلم “المخدوعون”.
* الباب (مسرحية).
* عالم ليس لنا.
* ما تبقى لكم (قصة فيلم السكين).
* عن الرجال والبنادق.
* أم سعد.
* عائد إلي حيفا.


بحوث أدبية:

أدب المقامة في فلسطين المحتلة.
الأدب العربي المقاوم في ظل الاحتلال.
في الأدب الصهيوني



مؤلفات سياسية:


* المقاومة الفلسطينية ومعضلاتها.
* مجموعة كبيرة من الدراسات والمقالات التي تعالج جوانب معينة من تاريخ النضال الفلسطيني وحركة التحرر الوطني العربية (سياسياً وفكرياً وتنظيميا).



استشهد صباح يوم السبت 8/7/1972 بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدي إلي استشهاده مع إبنة شقيقته لميس حسين نجم (17 سنة).


غفر الله لشهيد الحرية الفنان والأديب والمفكر العربي غسان كنفاني


والذى أكد للعالم أجمع أن للقلم الحقيقي الوطني الشريف عمر يناهز أعمار البشر .. ويعيش .. وسيعيش حتى بعد أن تتحرر أراضينا الفلسطينية .. لتشهد كلماته على تاريخ القضية العربية .. ونعود جميعاً إلى حيفا .. فل زال تحت التشمس رجال .. يحملون الوطن فوق الرؤوس ..
--------------------
د/فتحى الشقاقى









"هو الواجب المقدس في صراع الواجب والإمكان، هو روح داعية مسؤولة في وسط بحر من اللامبالاة والتقاعس، وهو رمز للإيمان والوعي والثورة والإصرار على عدم المساواة" هذا هو "عزّ الدِّين القسَّام" في عيني "فتحي إبراهيم عبد العزيز الشقاقي" من مواليد 1951م في قرية "الزرنوقة" إحدى قرى يافا بفلسطين، نزح مع أسرته لمخيمات اللاجئين في رفح - غزة، توفِّيت عنه والدته وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان أكبر إخوته.. التحق الشقاقي بجامعة "بير زيت"، وتخرج في قسم الرياضيات، ثم عمل مدرسًا بمدارس القدس، ونظرا لأن دخل المدرس كان متقطعًا وغير ثابت، حينها فقد قرَّر الشقاقي دراسة الشهادة الثانوية من جديد، وبالفعل نجح في الحصول على مجموع يؤهله لدخول كلية الهندسة كما كان يرغب، لكنه حاد عنها بناء على رغبة والده، والتحق بكلية الطب جامعة الزقازيق بمصر، وتخرج فيها، وعاد للقدس ليعمل طبيبًا بمستشفياتها.

لم يكن الشقاقي بعيدًا عن السياسة، فمنذ عام 1966م أي حينما كان في الخامسة عشرة من عمره كان يميل للفكر الناصري، إلا أن اتجاهاته تغيرت تمامًا بعد هزيمة 67، وخاصة بعد أن أهداه أحد رفاقه في المدرسة كتاب "معالم في الطريق" للشهيد سيد قطب، فاتجه نحو الاتجاه الإسلامي، ثم أسَّس بعدها "حركة الجهاد الإسلامي" مع عدد من رفاقه من طلبة الطب والهندسة والسياسة والعلوم حينما كان طالبًا بجامعة الزقازيق.





الشقاقي.. أمّة في رجل

أراد الشقاقي بتأسيسه لحركه الجهاد الإسلامي أن يكون حلقة من حلقات الكفاح الوطني المسلح لعبد القادر الجزائري، والأفغاني، وعمر المختار، وعزّ الدِّين القسَّام الذي عشقه الشقاقي حتى اتخذ من اسم "عز الدين الفارس" اسمًا حركيًّا له حتى يكون كالقسَّام في المنهج وكالفارس للوطن، درس الشقاقي ورفاقه التاريخ جيِّدًا، وأدركوا أن الحركات الإسلامية ستسير في طريق مسدود إذا استمرت في الاهتمام ببناء التنظيم على حساب الفكرة والموقف (بمعنى أن المحافظة على التنظيم لديهم أهم من اتخاذ الموقف الصحيح)؛ ولذلك انعزلت تلك الحركات -في رأيهم- عن الجماهير ورغباتها، فقرَّر الشقاقي أن تكون حركته خميرة للنهضة وقاطرة لتغيير الأمة بمشاركة الجماهير، كذلك أدرك الشقاقي ورفاقه الأهمية الخاصة لقضية فلسطين باعتبار أنها البوابة الرئيسة للهيمنة الغربية على العالم العربي.


يقول الدكتور "رمضان عبد الله" رفيق درب الشقاقي: "كانت غرفة فتحي الشقاقي، طالب الطب في جامعة الزقازيق، قبلة للحواريين، وورشة تعيد صياغة كل شيء من حولنا، وتعيد تكوين العالم في عقولنا ووجداننا".

كان ينادي بالتحرر من التبعية الغربية، فطالب بتلاحم الوطن العربي بكل اتجاهاته، ومقاومة المحتل الصهيوني باعتبار فلسطين مدخلا للهيمنة الغربية. أراد أن تكون حركته داخل الهم الفلسطيني وفي قلب الهم الإسلامي.. وجد الشقاقي أن الشعب الفلسطيني متعطش للكفاح بالسلاح فأخذ على عاتقه تلبية رغباته، فحمل شعار لم يألفه الشعب في حينها، وهو "القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة"، فتحول في شهور قليلة من مجرد شعار إلى تيار جهادي متجسد في الشارع الفلسطيني، ومن هنا كانت معادلته (الإسلام – الجهاد - الجماهيرية).. يقول الشقاقي عن حركته: "إننا لا نتحرك بأي عملية انتقامية إلا على أرضنا المغصوبة، وتحت سلطان حقوقنا المسلوبة. أما سدنة الإرهاب ومحترفو الإجرام، فإنما يلاحقون الأبرياء بالذبح عبر دورهم، ويبحثون عن الشطآن الراقدة في مهد السلام ليفجرونها بجحيم ويلاتهم".



اعتقال الشقاقي



نظرًا لنشاط الشقاقي السياسي الإسلامي كان أهلاً للاعتقال، سواء في مصر أو في فلسطين، ففي مصر اعتقل مرتين الأولى عام 1979م؛ بسبب تأليفه كتابا عن الثورة الإسلامية بإيران وكان بعنوان "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل"، وفي نفس العام تم اعتقاله مرة أخرى؛ بسبب نشاطاته السياسية الإسلامية. بعد الاعتقال الأخير عاد إلى فلسطين سرًّا عام 1981م، وهناك تم اعتقاله أكثر من مرة؛ بسبب نشاطه السياسي عامي 1983/ 1986م، وحينما أدركوا أن السجن لا يحدّ من نشاط الشقاقي الذي كان يحول المعتقل في كل مرة إلى مركز سياسي يدير منه شؤون الحركة من زنزانته، قرروا طرده خارج فلسطين في عام 1988م إلى لبنان هو وبعض رفاقه، ومنها تنقل في العواصم العربية مواصلاً مسيرته الجهادية.


أبو إبراهيم.. القائد الإنسان


لم يكن الشقاقي مجرد قائد محنك، بل تعدى حدود القيادة ليكون أخًا وزميلاً لكل أبناء المقاومة الفلسطينية فقد عُرف عنه نزاهة النفس، وصدق القيادة.. أحب فلسطين كما لم يحبها أحد، بل ما لم يعرف عن الشقاقي أنه كان عاشقًا للأدب والفلسفة، بل نَظَمَ الشعر أيضًا، ومن قصائده قصيدة "الاستشهاد.. حكاية من باب العامود" المنشورة بالعدد الأول من مجلة المختار الإسلامي في يوليو 1979م:



- تلفظني الفاء،

- تلفظني اللام،

- تلفظني السين،

- تلفظني الطاء،

- تلفظني الياء،

- تلفظني النون،

- تلفظني كل حروفك يا فلسطين،

- تلفظني كل حروفك يا وطني المغبون،

- إن كنت غفرت،

- أو كنت نسيت.
أحبَّ الشقاقي أشعار محمود درويش، ونزار قباني، وكتابات صافيناز كاظم، بل وكان له ذوق خاص في الفن، فقد أُعجب بالشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، كان شاعرًا ومفكرًا وأديبًا، بل وقبل كل ذلك كان إنسانًا تجلت فيه الإنسانية حتى يُخيل للبشر أنه كالملاك.. كان رقيق القلب ذا عاطفة جيَّاشة.. حتى إنه كان ينْظِمُ الشعر لوالدته المتوفاة منذ صباه، ويهديها القصائد في كل عيد أم، ويبكيها كأنها توفيت بالأمس.

عشق أطفاله الثلاثة: خولة، أسامة، إبراهيم حتى إنه بالرغم من انشغاله بأمته كان يخصص لهم الوقت ليلهو ويمرح معهم، تعلق كثيرًا بابنته خولة؛ لما تميزت به من ذكاء حاد؛ إذ كان يزهو بها حينما تنشد أمام أصدقائه: "إني أحب الورد، لكني أحب القمح أكثر…".

لم يكن جبانًا قط، بل إن من شجاعته ورغبته في الشهادة رفض أن يكون له حارس خاص، وهو على دراية تامة بأنه يتصدر قائمة الاغتيالات الصهيونية، فضَّل أن يكون كالطير حرًّا طليقًا لا تقيده قيود ولا تحده حواجز.



مالطا.. مسرح الاغتيال


وصل الشقاقي إلى ليبيا حاملاً جواز سفر ليبيا باسم "إبراهيم الشاويش"؛ لمناقشة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين على الحدود الليبية المصرية مع الرئيس القذافي، ومن ليبيا رحل على متن سفينة إلى مالطا باعتبارها محطة اضطرارية للسفر إلى دمشق (نظرًا للحصار الجوي المفروض على ليبيا)، وفي مدينة "سليما" بمالطا وفي يوم الخميس 26-10-1995م اغتيل الشقاقي وهو عائد إلى فندقه بعد أن أطلق عليه أحد عناصر الموساد طلقتين في رأسه من جهة اليمين؛ لتخترقا الجانب الأيسر منه، بل وتابع القاتل إطلاق ثلاث رصاصات أخرى في مؤخرة رأسه ليخرَّ "أبو إبراهيم" ساجدًا شهيدًا مضرجًا بدمائه.

فرَّ القاتل على دراجة نارية كانت تنتظره مع عنصر آخر للموساد، ثم تركا الدراجة بعد 10 دقائق قرب مرفأ للقوارب، حيث كان في انتظارهما قارب مُعدّ للهروب.

رحل الشقاقي إلى رفيقه الأعلى، وهو في الثالثة والأربعين من عمره مخلفًا وراءه ثمرة زواج دام خمسة عشر عامًا، وهم ثلاثة أطفال وزوجته السيدة "فتحية الشقاقي" وجنينها.

رفضت السلطات المالطية السماح بنقل جثة الشهيد، بل ورفضت العواصم العربية استقباله أيضًا، وبعد اتصالات مضنية وصلت جثة الشقاقي إلى ليبيا "طرابلس"؛ لتعبر الحدود العربية؛ لتستقر في "دمشق" بعد أن وافقت الحكومات العربية بعد اتصالات صعبة على أن تمر جثة الشهيد بأراضيها ليتم دفنها هناك.



الجثه فى الارض... والروح فى السماء


في فجر 31-10-1995 استقبل السوريون مع حشد كبير من الشعب الفلسطيني والحركات الإسلامية بكل فصائلها واتجاهاتها في كل الوطن العربي جثة الشهيد التي وصلت أخيرًا على متن طائرة انطلقت من مطار "جربا" في تونس، على أن يتم التشييع في اليوم التالي 1-11-1995، وبالفعل تم دفن الجثة في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك بعد أن تحول التشييع من مسيرة جنائزية إلى عرس يحمل طابع الاحتفال بجريمة الاغتيال، حيث استقبله أكثر من ثلاثة ملايين مشيع في وسط الهتافات التي تتوعد بالانتقام والزغاريد التي تبارك الاستشهاد.

توعدت حركة الجهاد الإسلامي بالانتقام للأب الروحي "فتحي الشقاقي"، فنفَّذت عمليتين استشهاديتين قام بهما تلاميذ الشقاقي لا تقل خسائر إحداها عن 150 يهوديًّا ما بين قتيل ومصاب.

في نفس الوقت أعلن "إسحاق رابين" سعادته باغتيال الشقاقي بقوله: "إن القتلة قد نقصوا واحدا"، ولم تمهله عدالة السماء ليفرح كثيرًا، فبعد عشرة أيام تقريبًا من اغتيال الشقاقي أُطلقت النار على رابين بيد يهودي من بني جلدته هو "إيجال عمير"، وكأن الأرض لم تطق فراق الشقاقي عنها بالرغم من ضمها له، فانتقمت له السماء بمقتل قاتله.

وأخيرًا -وليس آخرًا- وكما كتب "فهمي هويدي" عن الشقاقي: "سيظل يحسب للشقاقي ورفاقه أنهم أعادوا للجهاد اعتباره في فلسطين. فقد تملكوا تلك البصيرة التي هدتهم إلى أن مسرح النضال الحقيقي للتحرير هو أرض فلسطين، وتملكوا الشجاعة التي مكَّنتهم من تمزيق الهالة التي أحاط بها العدو جيشه ورجاله وقدراته التي "لا تقهر"، حتى أصبح الجميع يتندرون بقصف الجنود الإسرائيليين الذين دبَّ فيهم الرعب، وأصبحوا يفرون في مواجهة المجاهدين الفلسطينيين".

وأَضيف: سيظل يُحسب أيضًا للشقاقي توريثه الأرض لتلاميذ لا يعرفون طعمًا للهزيمة، وأنّى لهم بالهزيمة وقد تتلمذوا على يد الشقاقي والمهندس "يحيى عيَّاش"!.



الشقاقي.. في عيون من عرفوه

- يقول عنه د. رمضان عبد الله بعد اغتياله : كان أصلب من الفولاذ، وأمضى من السيف، وأرقّ من النسمة. كان بسيطًا إلى حد الذهول، مركبًا إلى حد المعجزة! كان ممتلئًا إيمانًا، ووعيًا، وعشقًا، وثورة من قمة رأسه حتى أخمص قدميه. عاش بيننا لكنه لم يكن لنا، لم نلتقط السر المنسكب إليه من النبع الصافي "وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي"، "وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَ‌لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي"، لكن روحه المشتعلة التقطت الإشارة فغادرنا مسرعًا ملبيًا "وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى".

- الشيخ راشد الغنوشي من تونس يقول عن الشقاقي: "عرفته صُلبًا، عنيدًا، متواضعًا، مثقفًا، متعمقًا في الأدب والفلسفة، أشدّ ما أعجبني فيه هذا المزيج من التكوين الذي جمع إلى شخصه المجاهد الذي يقضُّ مضاجع جنرالات الجيش الذي لا يُقهر، وشخصية المخطط الرصين الذي يغوص كما يؤكد عارفوه في كل جزئيات عمله بحثًا وتمحيصًا يتحمل مسؤولية كاملة.. جمع إلى ذلك شخصية المثقف الإسلامي المعاصر الواقعي المعتدل.. وهو مزيج نادر بين النماذج الجهادية التي حملت راية الجهاد في عصرنا؛ إذ حملته على خلفية ثقافية بدوية تتجافى وكل ما في العصر من منتج حضاري كالقبول بالاختلاف، والتعددية، والحوار مع الآخر، بدل تكفيره واعتزاله".

- أما الكاتبة والمفكرة "صافيناز كاظم" فقالت عنه: "لم يكن له صوت صاخب ولا جمل رنانة، وكان هادئا في الحديث، وتميز بالمرح الجيَّاش الذي يولِّد طاقة الاستمرار حتى لا تكل النفس، أعجبته كلمة علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- عندما نصحوه باتخاذ احتياطات ضد المتربصين به، فتحرر منذ البداية من كل خوف؛ ليتحرك خفيفًا طائرًا بجناحين: الشعر والأمل في الشهادة".

- أما "فضل سرور" الصحفي فيقول : "فدائي ومجاهد من نوع متميز فدائي داخل الانتماء الذي طاله، وفدائي في النمط الذي انتهجه. في الأولى استطاع بعد أن كان درعًا لتلقي السهام أن يحول السهام؛ لترمى حيث يجب أن ترمى، وفي الثانية استطاع أن يؤسس لما بعد الفرد".

- رثاه محمد صيام أحد قادة حماس قائلاً:


قالوا: القضيّةُ فاندفعتَ تجودُ بالدَّمِ للقضية

لا تَرْهَبُ الأعداءَ في الهيجا، ولا تخشى المنيّةْ

يا منْ إذا ذُكِر الوفاءُ أْو المروءَةُ والحميَّةْ

كنتَ الأثيرَ بهنَّ ليس سواكَ فردٌ في البريّةْ

أما فلسطينُ الحبيبةُ، والرّوابي السندسيَّةْ

والمسجد الأقصى المبارك والديارُ المقدسيّة

فلها الدماءُ الغالياتُ هديَّةُ أزكى هديَّةْ

أما التفاوُضُ فهو ذُلٌّ، وهوَ محوٌ للهويّةْ

ولذا فلا حَلٌ هناكَ بغيرِ حلّ البندقيَّةْ


------------------

د.يحيى المشد
[size==6]في يوم الجمعة 13 يونيه عام 1980 وفى حجرة رقم 941 بفندق الميريديان بباريس عُثر على الدكتور يحيى المشد جثة هامدة مهشمة الرأس ودماؤه تغطي سجادة الحجرة.. وقد أغلق التحقيق الذي قامت به الشرطة الفرنسية على أن الفاعل مجهول!! هذا ما أدت إليه التحقيقات الرسمية التي لم تستطع أن تعلن الحقيقة التي يعرفها كل العالم العربي وهي أن الموساد وراء اغتيال المشد.. والحكاية تبدأ بعد حرب يونيه 1967
عندما توقف البرنامج النووي المصري تماما، ووجد كثير من العلماء والخبراء المصريين في هذا المجال أنفسهم مجمدين عن العمل الجاد، أو مواصلة الأبحاث في مجالهم، وبعد حرب 1973 وبسبب الظروف الاقتصادية لسنوات الاستعداد للحرب أعطيت الأولوية لإعادة بناء المصانع، ومشروعات البنية الأساسية، وتخفيف المعاناة عن جماهير الشعب المصري التي تحملت سنوات مرحلة الصمود وإعادة بناء القوات المسلحة من أجل الحرب، وبالتالي لم يحظ البرنامج النووي المصري في ذلك الوقت بالاهتمام الجاد والكافي الذي يعيد بعث الحياة من جديد في مشروعاته المجمدة. البداية في العراق في ذلك الوقت وبالتحديد في مطلع 1975 كان صدام حسين نائب الرئيس العراقي وقتها يملك طموحات كبيرة لامتلاك كافة أسباب القوة؛ فوقّع في 18 نوفمبر عام 1975 اتفاقاً مع فرنسا للتعاون النووي.. من هنا جاء عقد العمل للدكتور يحيى المشد العالم المصري والذي يعد من القلائل البارزين في مجال المشروعات النووية وقتها، ووافق المشد على العرض العراقي لتوافر الإمكانيات والأجهزة العلمية والإنفاق السخي على مشروعات البرنامج النووي العراقي. النشأة والتكوين والدكتور يحيى أمين المشد من مواليد عام 1932، قضى حياته في الإسكندرية، وتخرج في كلية الهندسة قسم كهرباء، جامعة الإسكندرية عام 1952، بُعث إلى الاتحاد السوفيتي؛ لدراسة هندسة المفاعلات النووية عام 1956، ثم أسند إليه القيام ببعض الأبحاث في قسم المفاعلات النووية بهيئة الطاقة النووية في مصر، وسافر إلى النرويج عامي 63 و1964 لعمل بعض الدراسات، ثم انضم بعد ذلك للعمل كأستاذ مساعد ثم كأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية. وأشرف الدكتور المشد في فترة تدريسه بالكلية على أكثر من 30 رسالة دكتوراه، ونُشر باسمه خمسون بحثاً علميًّا، تركزت معظمها على تصميم المفاعلات النووية ومجال التحكم في المعاملات النووية، وكعادة الاغتيالات دائما ما تحاط بالتعتيم الإعلامي والسرية والشكوك المتعددة حول طريقة الاغتيال. ملابسات الاغتيال أول ما نسبوه للمشد أن الموساد استطاع اغتياله عن طريق مومس فرنسية، إلا أنه ثبت عدم صحة هذا الكلام؛ حيث إن "ماري كلود ماجال" أو "ماري إكسبريس" كشهرتها –الشاهدة الوحيدة- وهي امرأة ليل فرنسية كانت تريد أن تقضي معه سهرة ممتعة، أكدت في شهادتها أنه رفض تمامًا مجرد التحدث معها، وأنها ظلت تقف أمام غرفته لعله يغيّر رأيه؛ حتى سمعت ضجة بالحجرة.. ثم اغتيلت أيضاً هذه الشاهدة الوحيدة. كما تدافع عنه وبشدة زوجته "زنوبة علي الخشاني" حيث قالت: "يحيى كان رجلا محترما بكل معنى الكلمة، وأخلاقه لا يختلف عليها اثنان، ويحيى قبل أن يكون زوجي فهو ابن عمتي، تربينا سويًّا منذ الصغر؛ ولذلك أنا أعلم جيدًا أخلاقه، ولم يكن له في هذه "السكك" حتى إنه لم يكن يسهر خارج المنزل، إنما كان من عمله لمنزله والعكس…". وقيل أيضاً: إن هناك شخصاً ما استطاع الدخول إلى حجرته بالفندق وانتظره حتى يأتي، ثم قتله عن طريق ضربه على رأسه، وإذا كان بعض الصحفيين اليهود قد دافعوا عن الموساد قائلين: إن جهاز الموساد لا يستخدم مثل هذه الأساليب في القتل؛ فالرد دائماً يأتي: ولماذا لا يكون هذا الأسلوب اتُّبع لكي تبتعد الشبهات عن الموساد؟! ودليل ذلك أن المفاعل العراقي تم تفجيره بعد شهرين من مقتل المشد، والغريب أيضا والمثير للشكوك أن الفرنسيين صمّموا على أن يأتي المشد بنفسه ليتسلم شحنة اليورانيوم، رغم أن هذا عمل يقوم به أي مهندس عادي كما ذكر لهم في العراق بناء على رواية زوجته، إلا أنهم في العراق وثقوا فيه بعدما استطاع كشف أن شحنة اليورانيوم التي أرسلت من فرنسا غير مطابقة للمواصفات، وبالتالي أكدوا له أن سفره له أهمية كبرى. السياسة والصداقة الغريب أنه بعد رجوع أسرة المشد من العراق؛ قاموا بعمل جنازة للراحل، ولم يحضر الجنازة أي من المسئولين أو زملاؤه بكلية الهندسة إلا قلة معدودة.. حيث إن العلاقات المصرية العراقية وقتها لم تكن على ما يرام بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وأصبحت أسرة المشد الآتية من العراق لا تعرف ماذا تفعل بعد رحيل المشد، لولا المعاش الذي كانت تصرفه دولة العراق والذي صرف بناء على أوامر من صدام حسين مدى الحياة (رغم أنه توقف بعد حرب الخليج).. ومعاش ضئيل من الشئون الاجتماعية التي لم تراع وضع الأسرة أو وضع العالم الكبير. كما أن الإعلام المصري لم يسلط الضوء بما يكفي على قصة اغتيال المشد رغم أهميتها، ولعل توقيت هذه القصة وسط أحداث سياسية شاحنة جعلها أقل أهمية مقارنة بهذه الأحداث!! وبقي ملف المشد مقفولاً، وبقيت نتيجة التحريات أن الفاعل مجهول.. وأصبح المشد واحداً من سلسلة من علماء العرب المتميزين الذين تم تصفيتهم على يد الموساد..[/size]


[size==6]ومازالت الإغتيالات للعلماء العرب مستمرة..[/size]



الزورق العائم 31-07-2008 05:52 PM

مستر بيف
 
هذه صورة " مستر بيف " .. او الملك
حسين .... وقولي " مستر بيف " لا اقصد به السخرية من جلالة وانما هو اللقب الذي اعطي للملك الاردني من قبل المخابرات المركزية
الامريكية عندما عمل الملك لديها بوظيفة جاسوس لمدة عشرين عاما مقابل مليون
دولار شهريا .

مستر " نو بيف " No beef هو الكود او
الرمز الذي يرد ذكره في جميع وثائق المخابرات المركزية الامريكية السرية
منذ عام1957 وحتى عام 1975

مستر " نو بيف " هو اهم عميل للمخابرات
المركزية الامريكية في الشرق الاوسط كما تذكر وثائق المخابرات ... وهو
الاعلى اجرا فقد كان يتقاضى مرتبا شهريا مقداره مليون دولار وقد بدأ عمله
كعميل للمخابرات المركزية الامريكية منذ عام 1957 اي منذ ان كان مستر بيف
في الحادية والعشرين من عمره .

مستر " نو بيف " - والبيف كما نعلم هو
لحم البقر - لم يكن لحاما في احد المسالخ الحكومية العربية ... وانما هو
للاسف ملك عربي الملك حسين ملك الاردن السابق

اما الكشف عن علاقة الملك حسين - او
مستر نو بيف - بالمخابرات المركزية الامريكية ومقدار الراتب الشهري الذي
كان يتقاضاه منها ولمدة تزيد عن عشرين سنة فيعود الفضل فيه الى الصحافي
الامريكي الشهير " بوب وورد " وهو الصحافي ذاته الذي فجر فضيحة ووترغيت
التي اطاحت بالرئيس الامريكي ..

وللحكاية قصة نشرتها جريدة " واشنطن
بوست " في عددها الصادر في الثامن عشر من فبراير عام 1977 ..وقد عاد
الصحافي الامريكي الشهير " بن برادلي " رئيس تحرير الواشنطون بوست فاعاد
سرد حكاية " مستر بيف " في مذكراته التي صدرت مؤخرا في امريكا بعنوان " a
good life

تحت عنوان " المخابرات المركزية
الامريكية دفعت الملايين ولمدة عشرين عاما للملك حسين " كتبت الواشنطون
بوست في فبراير عام 1977 تقول : " علم الرئيس كارتر خلال هذا الاسبوع ان
المخابرات الامريكية المركزية كانت تدفع مليون دولار شهريا للملك حسين
شخصيا وان المبلغ كان يسلم للملك كاش بوساطة مدير مكتب المخابرات المركزية
في عمان منذ عام 1957 .... وفي مقابل ذلك كان الملك يقدم معلومات هامة
وخطيرة للمخابرات المركزية " واضافت الجريدة " ان المبلغ لم يكن جزءا من
المساعدات التي تدفع للمملكة الاردنية بشكل رسمي وانما هو بمثابة رشوة وكان
يدفع نقدا للملك حسين شخصيا الذي كان ينفق المبلغ على شراء السيارات "
واضافت الجريدة : ان المخابرات المركزية اعتبرت تجنيد الملك شخصيا ليعمل
لديها كعميل من اهم انجازات الوكالة ... وقالت الجريدة ان هذا المبلغ هو
الذي وفر للملك حياة البذخ التي عرف بها بحيث اصبح " بلاي بوي برنس " كما
تقول الجريدة . واضافت الجريدة ان المخابرات احاطت الملك بمرافقات جميلات "
.... وختمت الجريدة مقالها بالقول ان الرئيس كارتر هو الذي امر بوقف دفع
المبلغ للملك حسين لانه اعتبره امرا معيبا .

يومها ... دافع الملك عن نفسه بالقول ان
المبلغ كان يدفع له ليؤمن حراسات امنية لاولاده الذين يدرسون في امريكا ..
وكانت هذه الحجة سخيفة لان الملك بدأ عمله مع الوكالة منذ عام 1957 بينما
ولد اكبر ابنائه عبدالله - الملك الحالي - بعد ذلك بخمس سنوات .

رئيس تحرير الواشنطون بوست التي نشرت
المقال انذاك " توم برادلي " اعاد سرد تفاصيل الفضيحة في مذكراته التي صدرت
مؤخرا ووصف فيها كيف التقى هو وبوب وورد بالرئيس كارتر الذي اكد لهما الخبر
وطلب منهما عدم نشره حفاظا على سمعة الملك ومصالح المخابرات المركزية في
المنطقة لكن الواشنطون بوست نشرت الخبر رغم ذلك مما ادى الى قطيعة بينها
وبين كارتر .

الصحافي المصري المعروف محمد حسنين هيكل
التقط هذه الفضيحة في كتابه الجديد " كلام في السياسة " الذي نشره بعد موت
الملك حسين ... وحاول ربط عمالة الملك للمخابرات المركزية بالنكبات التي
اصابت منطقة الشرق الاوسط بسبب التسريبات الامنية التي كانت تتم للمخابرات
المركزية الامريكية دون ان يعرف احد مصدرها وتبين انها كانت تتم من قبل
موظف في الوكالة اسمه حسين بن طلال وكان يشغل وظيفة ملك في الاردن ويعرف في
اوساط المسئولين في المخابرات الامريكية بالاسم الكودي " مستر بيف "

لهذا يقول هيكل : هرب الملك حسين
16طائرة حربية اردنية من طراز فانتوم الى تركيا قبل ايام من حرب حزيران
يونيه حتى لا يستخدمها المصريون في الحرب ضد اسرائيل رغم ان الملك وقع مع
عبد الناصر اتفاقية دفاع مشترك قبل الحرب بايام ... ولهذا ايضا لم يقاتل
الجيش الاردني خلال حرب حزيران يونيو وانما انسحب وسلم الضفة لاسرائيل حيث
تذكر المصادر الاردنية نفسها ان عدد قتلى الجيش الاردني خلال حرب حزيران
يونيو لم يزد عن 16 جنديا فقط وهو امر مثير للسخرية بخاصة وان الملك لم
يخسر في الحرب حارة او مدينة وانما خسر نصف المملكة ... واية " طوشة " بين
حارتين في عمان يمكن ان تؤدي الى اصابة ضعف هذا العدد فما بالك بحرب بين
جيشين يفترض ان الجيش الاردني خاضها

واكثر من هذا ... يقول هيكل ان الملك
اعترف في لقاء مع البي بي سي انه طار شخصيا الى تل ابيب قبل حرب اكتوبر
تشرين والتقى بغولدامائير وحذرها من الهجوم المصري السوري

التجسس ظاهرة معروفة عبر التاريخ ....
لكنني لم اقرأ من قبل ان ملكا عمل بوظيفة جاسوس لدولة اجنبية مقابل مرتب
شهري وان وظيفته هذه جعلته يسلم نصف مملكته للعدو

لعل هذا يفسر جانبا من اللغز في اختفاء
كتاب " كلام في السياسة " لهيكل ليس فقط من الاسواق الاردنية التي لم
يدخلها اساسا وانما ايضا من الاسواق العربية لان المخابرات الاردنية كانت
مشغولة بلم النسخ من خلال شراء كل الكميات المطبوعة منه

الرشوة عرفناها ... ومستر بيف عرفناه
.... والرئيس الامريكي الذي طرد مستر بيف من الوظيفة عرفناه ايضا .. ولكن
الذي لم نعرفه بعد هو من هن " الجميلات " اللواتي غرستهن المخابرات
الامريكية في قصر الملك .... وهل " ليزا الحلبي " واحدة منهن ؟

مستر بيف انتقل الى القبر
يحاسب الان في قبره على بعض ما فعله بحق وطنه ودينه وامته ... ولكن السؤال
المطروح الان هو : هل يوجد بين حكامنا العرب مستر بيف اخر ؟ ...

ان اكثر ما نخشاه ان يقوم مسئول امريكي
اخر بتسريب فضيحة مماثلة الى الصحف تمس رئيسا او ملكا عربيا ... وان يكون
الكود السري للرئيس او الملك العربي من طراز " مستر بيف " ... مثلا " مستر
فاصوليا " او مستر " فلافل " واذا كان لا بد للمخابرات المركزية الامريكية
من تجنيد الحكام العرب في مؤسساتها فعلى الاقل نرجو منها ان تعطيهم القابا
ورموزا كودية محترمة حتى نتمكن من نشرها في جريدة عرب تايمز دون ان نتسبب
في قرف القراء منا ... ومنهم ......... ورزق العرب بحكام من طراز حكام اسرائيل ممن لم نسمع ولم نقرأ من قبل
انه كان بينهم " مستر بيف " او " مستر بطاطا " وان اهدافهم المعلنة والسرية
كانت ولا تزال اقامة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات .. ويبدو انهم
سينجحون في تحقيق هذا الحلم بخاصة وانه كان بين قادة خصومهم العرب من هم من
طراز " مستر بيف " ....

الزورق العائم 31-07-2008 06:00 PM

جـورج بليك
جاسوس مزدوج اي يقوم بالتجسس لحساب دولتين
كان يعمل دبلوماسيا وعميل للمخابرات البريطانيه في المانيا
اثناء الحرب العامية الثانية
وانه في نفس الوقت كان يعتنق المذهب الشيوعي
لذلك قام بالتجسس لحساب روسيا وتم القبض عليه
وصدر الحكم عليه بالسجن لمدة 42 سنة
هرب من السجن الى روسيا ويعيش هناك حتى الان
_____________________


سيدني ريلي
تفوق على جيمس بوند نفسه
يمتلك 11 جواز سفر و11 زوجة
مطارد من السوفيت لادانته بالتجسس لحساب انجلترا
يجيد 7 لغات لاأحد يعرف اسمه الحقيقي او جنسيته الحقيقية
حتى هو نفسه لم يعرف ذلك حتى بلغ التاسعة عشر
عندها علم انه ابن غير شرعي
اختفى فجأة دون ان يعرف احد اين هو؟؟؟



______________________


توماس إدوارد لورانس
من أبرز جواسيس المخابرات البريطانية
من دارسي الآثار سافر إلى البلاد العربية
وأجاد اللغة العربية ووأحب حياة البدو
وكات يفكر في خيانة العرب وإستغلال صداقتهم
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كرمته بريطانيا
مات بعد 3 سنوات في حادث سيارة
_____________________


ماتا هاري
راقصة هولاندية ولدت في جزيرة جاوة
من أم اندونيسية وأب هولاندي
اسمها باللغة الإندونيسية معاه (نجمة الصباح)ماتا
عملت لحساب المخابارت الألمانية في فرنسا
كانت صاحبة علاقات قوية بالمسئولين الفرنسيين
قامت بنقل اسرارهم للألمان في الحرب العالمية الأولى
قبض عليها الفرنسيون عام 1916 وجندوها لحسابهم
ثم قبض عليها الألمان واعدمت .



______________________


كريستين كيلر
عن طريق علاقاتها بوزير الحربية البريطاني جون بروفوميو
قامت بنقل أسرار حربية بريطانية للمخابرات الروسية
من خلال معرفتها بالملحق العسكري السوفيتي برجين إيفانوف
وطلب منها إيفانوف العمل كجاسوسة عندما علن بعلاقتها مع بروفومير
انتهى الأمر بإستقالة وزير الحربية وعودة إيفانوف إلى روسيا
وأصبحت هي من اشهر النساء في عالم الجاسوسية



______________________


جمعة الشوان
مصري ولد في مدينة من مدن القناة باسم احمد الشوان
نجح في خداع المخابرات الاسرائيلية
______________________


رأفت الهجان
ولد في دمياط عاش في إسرائيل وكان اسمه هناك جاك بيتون
تزوج من ألمانية وأسسا شركة سياحية لتكون ستار لأعماله
واسمها (ايجيبتكو) ولم يكتشف احد امره
طوال حياته التي قضاها في إسرائيل
واسمه الحقيقي رفعت علي سليمان الحمال
______________________


كيم فيلبي
استطاع خداع الإنجليز لفترة طويلة
كان يقوم بنقل اسرارهم الي المخابرات الروسية
لم تعرف بريطانيا بذلك الا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية
وكانت معاملة ابوه السيئة السبب في انجذابه للجاسوسية
وكان ذا ميول شيوعية
تولى العديد من المناصب في المخابرات البريطانية
حتى كاد ان يكون مدير المخابرات
هرب الى بيروت ثم إلى روسيا
وتزوج من فتاة روسية وهي الزوجة الرابعة له



_______________________


ريتشارد سودج
اشهر اسم في عالم الجاسوسية يطلق عليه اسم الأستاذ
كان يعمل كصحفي الماني في اليابان
كان اجتماعيا وله علاقات مع مسئولين يابانيين
جذبت مقالاته انظار القادة الألمان
لكنهم لم يدركوا انه شيوعيا يعمل لحساب الروس
القى القبض عليه في عام 1941
تقديرا لخدماته اصدرت روسيا طابعا يحمل اسمه عام 1965



______________________


أمينة المفتي
اشهر جاسوسة عربية
جاسوسة لبنانية لصالح الموساد
احبت يهوديا اسمه موشيه وتزوجته
فباعت من اجله وطنها ودينها
تسببت في قتل الكثير من الفلسطينيين
قبضت عليها الشرطة
وتم ابدالها بأثنين من رجال المقاومة الفلسطينين
استقبلها الموساد في اسرائيل ومنحها 60 الف شيكل
وتعيش الأن في تل ابيب
_______________________


مستر بيف وهو الملك حسين ملك الاردن
رئيس دولة محترم وفى نفس الوقت جاسوس لصالح دولة اخرى
- ومستر بيف - هو الاسم الحركى
الذى اعطته له المخابرات المركزيه الامريكيه حتى لايكتشف امره بسهولة
طبعا كانت مهمته سهلة وبسيطة وهى
التجسس على اخوته الملوك والرؤساء العرب بدء بعبد الناصر ومرورا بالسادات
وكان يتقاضى مليون دولار فى السنه طبعا بااسعار السبعينات
هو الذي سرب للموساد استعداد مصر لعبور القناة
لكنه اخبرهم مؤخرا ولم يستطيعوا الإستفادة من هذه المعلومات
اما الذى فضحه فهو الصحفى الامريكى بوب وود ورد وهو نفسه
الصحفى اللى فضح ريتشارد نيكسون فى ووتر جيت
________________________


جانسان فو نونو
الجاسوس اليهودى الذى تجسس على امريكا لليهود
لم يكن تجسسه من اجل المال
كان حبه لدولة اسرائيل هو السبب للتجس
تم القبض عليه من الأمريكان
ولم يفلح اى رئيس وزراء اسرائيلى حتى اليوم فى ان يحصل له على عفو



________________________


«أبو الريش»لبناني وكان يعمل ظابط سري في الموساد
كان معروفا بتسكعه على طول الكورنيش البحري في غرب العاصمة
وفي منطقة الحمرا الآمنة نسبيا والتي كانت تستقطب
معظم القيادات الوطنية والفلسطينية قبل الاجتياح بفترة،
كان يتسول ويبادل الناس الأحاديث السياسية بمهارة
جعلت الكثير من المسؤولين في هذه القيادات يحاوره من دون تكليف
وبعد الاجتياح فاجأ أبو الريش الجميع
عندما استبدل ملابسه البالية ببدلة ضابط إسرائيلي
وتقدم الجنود الذين اقتحموا العاصمة اللبنانية



_______________________


هبة عبد الرحمن عامر سليمان
مصرية درست في السربون بفرنسا
نشأت علاقة بينها وبين طبيب فرنسي اسمه بورتوا
والذي عرفها على ظابط مخابرات اسرائيلي اسمه ادمون
الذي ضمها الي الموساد
سافرت هبة الي اسرائيل وتلقت تدريبات مكثفة علي أعمال الجاسوسية
وعادت الي القاهرة مكلفة بجمع معلومات
اتجهت انظارها لقريب لها ربطت بينهما علاقة حب منذ طفولتهما
كان يعمل مهندسا ضابطا بالقوات المسلحة برتبة مقدم اسمه فاروق الفقي
وجندته لإسرائيل
وقبل حرب اكتوبر بأيام قليلة قررت المخابرات المصرية
التي كانت تتابع تفاصيل هذه العملية القاء القبض علي الخائنين
فاستدرجت هبة من باريس الي القاهرة
اما هبة وفاروق فقد تم اعدامهما بعد محاكمتهم

الضبع 01-08-2008 12:15 AM

شئ رااااااااااااااائع أخوي الزورق العائم على إضافتك المميزه والجميله.
والحقيقه ذهلت من هذه المعلومات عن الملك حسين وأنه كان يلقب بمستر بيف.
لاحول ولاقوة إلا بالله.
تحياتي أخي الكريم.

الزورق العائم 01-08-2008 04:13 PM

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة الضبع
شئ رااااااااااااااائع أخوي الزورق العائم على إضافتك المميزه والجميله.
والحقيقه ذهلت من هذه المعلومات عن الملك حسين وأنه كان يلقب بمستر بيف.
لاحول ولاقوة إلا بالله.
تحياتي أخي الكريم.


وازيدك من الشعر بيت ..


كلام صحيح ..

الملك حسين ليس فقط خائن ..

ولكن كان يبيع الاراضي الفلسطينية لاسرائيل ..

وآخر بيعه تمت بيعت مدينة القدس ب (( 500 )) مليون دولار وكانت البيعة في اسبانيا ..على شرف ملك اسبانيا الصديق ..

الضبع 02-08-2008 09:59 AM



"باعها بثمن بخس فحسبنا الله ونعم الوكيل"
ولكن سؤال أخي الزورق هل أنت متأكد من هذه المعلومات لأنني أخاف أن تكون من مصادر أسرائيلية:)
فنكون بذلك ضلمنا بقية الملوك العرب :glasses2:


الزورق العائم 05-08-2008 04:28 AM

الملك حسين يحذر اسرائيل من عدوان العرب عليها..
 
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/mid...000/2540675.stm

الملك حسين

ويقول الكتاب إن العاهل الأردني السابق الملك حسين التقى برئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير في مقر الموساد بتل أبيب يوم الخامس والعشرين من سبتمبر/ أيلول من عام 1973 وحذرها من أن العرب يعدون لحرب وشيكة.


يرى أهارون بريجمان أن "زوج الابنة" تسبب في فشل الجيش الإسرائيلي الذريع في حرب أكتوبروحسبما يروي أهارون بريجمان، فإن القيادة الإسرائيلية تجاهلت تحذير الملك حسين بعدما تلقت تقريراً من زوج الابنة قال فيه إنه رافق الرئيس المصري السابق أنور السادات في زيارة للملكة العربية السعودية، وإن السادات أبلغ العاهل السعودي الملك فيصل بأن قرار الحرب قد تأجل.
وفي مساء الجمعة الخامس من أكتوبر 1973 التقى زوج الابنة برئيس الموساد زافيكا زامير بشقة في العاصمة البريطانية لندن وأبلغه بأن الحرب ستبدأ اليوم التالي في الساعة السادسة مساء، وكان في ذلك خدعة أخرى، لأن الحرب اندلعت في الساعة الثانية من بعد الظهر، قبل أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من إتمام تعبئة قواته التي بدأت في الساعة العاشرة من صباح السادس من أكتوبر

الزورق العائم 05-08-2008 04:36 AM

مستر نو بيف


هذه صورة ” مستر بيف ” … او الملك حسين.



وقولي ” مستر بيف ” لا اقصد به السخرية وانما هو اللقب الذي اعطي للملك الاردني من قبل المخابرات المركزية الامريكية عندما عمل الملك لديها بوظيفة
جاسوس لمدة عشرين عاما مقابل مليون دولار شهريا.

* مستر ” نو بيف ” No Beef هو الكود او الرمز الذي يرد ذكره في جميع وثائق المخابرات المركزية الامريكية السرية منذ عام1957 وحتى عام 1975

* مستر ” نو بيف ” هو اهم عميل للمخابرات المركزية الامريكية في الشرق الاوسط كما تذكر وثائق المخابرات … وهو الاعلى اجرا فقد كان يتقاضى مرتبا شهريا مقداره مليون دولار وقد بدأ عمله كعميل للمخابرات المركزية الامريكية منذ عام 1957 اي منذ ان كان مستر بيف في الحادية والعشرين من عمره.

* مستر ” نو بيف ” - والبيف كما نعلم هو لحم البقر - لم يكن لحاما في احد المسالخ الحكومية العربية … وانما هو للاسف ملك عربي هو الملك حسين ملك الاردن السابق.
* اما الكشف عن علاقة الملك حسين - او مستر نو بيف - بالمخابرات المركزية الامريكية ومقدار الراتب الشهري الذي كان يتقاضاه منها ولمدة تزيد عن عشرين سنة فيعود الفضل فيه الى الصحافي الامريكي الشهير ” بوب وورد ” وهو الصحافي ذاته الذي فجر فضيحة ووترغيت التي اطاحت بالرئيس الامريكي.
* وللحكاية قصة نشرتها جريدة ” واشنطن بوست ” في عددها الصادر في الثامن عشر من فبراير عام 1977 .وقد عاد الصحافي الامريكي الشهير ” بن برادلي ” رئيس تحرير الواشنطون بوست فاعاد سرد حكاية ” مستر بيف ” في مذكراته التي صدرت مؤخرا في امريكا بعنوان ” a good life .
* تحت عنوان ” المخابرات المركزية الامريكية دفعت الملايين ولمدة عشرين عاما للملك حسين ” كتبت الواشنطون بوست في فبراير عام 1977 تقول : ” علم الرئيس كارتر خلال هذا الاسبوع ان المخابرات الامريكية المركزية كانت تدفع مليون دولار شهريا للملك حسين شخصيا وان المبلغ كان يسلم للملك كاش بوساطة مدير مكتب المخابرات المركزية في عمان منذ عام 1957 … وفي مقابل ذلك كان الملك يقدم معلومات هامة وخطيرة للمخابرات المركزية ” واضافت الجريدة ” ان المبلغ لم يكن جزءا من المساعدات التي تدفع للمملكة الاردنية بشكل رسمي وانما هو بمثابة رشوة وكان يدفع نقدا للملك حسين شخصيا الذي كان ينفق المبلغ على شراء السيارات ” واضافت الجريدة : ان المخابرات المركزية اعتبرت تجنيد الملك شخصيا ليعمل لديها كعميل من اهم انجازات الوكالة … وقالت الجريدة ان هذا المبلغ هو الذي وفر للملك حياة البذخ التي عرف بها بحيث اصبح ” بلاي بوي برنس ” كما تقول الجريدة. واضافت الجريدة ان المخابرات احاطت الملك بمرافقات جميلات ” … وختمت الجريدة مقالها بالقول ان الرئيس كارتر هو الذي امر بوقف دفع المبلغ للملك حسين لانه اعتبره امرا معيبا.
* يومها … دافع الملك عن نفسه بالقول ان المبلغ كان يدفع له ليؤمن حراسات امنية لاولاده الذين يدرسون في امريكا . وكانت هذه الحجة سخيفة لان الملك بدأ عمله مع الوكالة منذ عام 1957 بينما ولد اكبر ابنائه عبدالله - الملك الحالي - بعد ذلك بخمس سنوات.
* رئيس تحرير الواشنطون بوست التي نشرت المقال انذاك ” توم برادلي ” اعاد سرد تفاصيل الفضيحة في مذكراته التي صدرت مؤخرا ووصف فيها كيف التقى هو وبوب وورد بالرئيس كارتر الذي اكد لهما الخبر وطلب منهما عدم نشره حفاظا على سمعة الملك ومصالح المخابرات المركزية في المنطقة لكن الواشنطون بوست نشرت الخبر رغم ذلك مما ادى الى قطيعة بينها وبين كارتر.
* الصحافي المصري المعروف محمد حسنين هيكل التقط هذه الفضيحة في كتابه الجديد ” كلام في السياسة ” الذي نشره بعد موت الملك حسين … وحاول ربط عمالة الملك للمخابرات المركزية بالنكبات التي اصابت منطقة الشرق الاوسط بسبب التسريبات الامنية التي كانت تتم للمخابرات المركزية الامريكية دون ان يعرف احد مصدرها وتبين انها كانت تتم من قبل موظف في الوكالة اسمه حسين بن طلال وكان يشغل وظيفة ملك في الاردن ويعرف في اوساط المسئولين في المخابرات الامريكية بالاسم الكودي ” مستر بيف “.
* لهذا يقول هيكل : هرب الملك حسين 16طائرة حربية اردنية من طراز فانتوم الى تركيا قبل ايام من حرب حزيران يونيه حتى لا يستخدمها المصريون في الحرب ضد اسرائيل رغم ان الملك وقع مع عبد الناصر اتفاقية دفاع مشترك قبل الحرب بايام . ولهذا ايضا لم يقاتل الجيش الاردني خلال حرب حزيران يونيو وانما انسحب وسلم الضفة لاسرائيل حيث تذكر المصادر الاردنية نفسها ان عدد قتلى الجيش الاردني خلال حرب حزيران يونيو لم يزد عن 16 جنديا فقط وهو امر مثير للسخرية بخاصة وان الملك لم يخسر في الحرب حارة او مدينة وانما خسر نصف المملكة … واية ” طوشة ” بين حارتين في عمان يمكن ان تؤدي الى اصابة ضعف هذا العدد فما بالك بحرب بين جيشين يفترض ان الجيش الاردني خاضها.
* واكثر من هذا. يقول هيكل ان الملك اعترف في لقاء مع البي بي سي انه طار شخصيا الى تل ابيب قبل حرب اكتوبر تشرين والتقى بغولدامائير وحذرها من الهجوم المصري السوري.
* التجسس ظاهرة معروفة عبر التاريخ … لكنني لم اقرأ من قبل ان ملكا عمل بوظيفة جاسوس لدولة اجنبية مقابل مرتب شهري وان وظيفته هذه جعلته يسلم نصف مملكته للعدو.
* لعل هذا يفسر جانبا من اللغز في اختفاء كتاب ” كلام في السياسة ” لهيكل ليس فقط من الاسواق الاردنية التي لم يدخلها اساسا وانما ايضا من الاسواق العربية لان المخابرات الاردنية كانت مشغولة بلم النسخ من خلال شراء كل الكميات المطبوعة منه.
* الرشوة عرفناها … ومستر بيف عرفناه . والرئيس الامريكي الذي طرد مستر بيف من الوظيفة عرفناه ايضا … ولكن الذي لم نعرفه بعد هو من هن ” الجميلات ” اللواتي غرستهن المخابرات الامريكية في قصر الملك … وهل ” ليزا الحلبي ” واحدة منهن ؟
* مستر بيف انتقل الى رحمته تعالى واظنه يحاسب الان في قبره على بعض ما فعله بحق وطنه ودينه وامته … ولكن السؤال المطروح الان هو: هل يوجد بين حكامنا العرب مستر بيف اخر ؟.
* ان اكثر ما نخشاه ان يقوم مسئول امريكي اخر بتسريب فضيحة مماثلة الى الصحف تمس رئيسا او ملكا عربيا . وان يكون الكود السري للرئيس او الملك العربي من طراز ” مستر بيف ” … مثلا ” مستر فاصوليا ” او مستر ” فلافل “او مستر (مثلوثة) واذا كان لا بد للمخابرات المركزية الامريكية من تجنيد الحكام العرب في مؤسساتها فعلى الاقل نرجو منها ان تعطيهم القابا ورموزا كودية محترمة حتى نتمكن من نشرها في جريدة عرب تايمز دون ان نتسبب في قرف القراء منا … ومنهم …. غفر الله لهم واسكن مستر بيف فسيح جناته …. ورزق العرب بحكام من طراز حكام اسرائيل ممن لم نسمع ولم نقرأ من قبل انه كان بينهم ” مستر بيف ” او ” مستر بطاطا ” وان اهدافهم المعلنة والسرية كانت ولا تزال اقامة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات. ويبدو انهم سينجحون في تحقيق هذا الحلم بخاصة وانه كان بين قادة خصومهم العرب من هم من طراز ” مستر بيف ” …. طيب الذكر.

الضبع 05-08-2008 11:16 AM

جزاك الله خيراً أخي الزورق على المعلومات المفيده.


الساعة الآن » 05:42 AM.
صفحة 2 من 3 < 1 2 3 >

Powered by: vBulletin Version 3.0.16
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.