Huda76
04-06-2001, 03:48 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* من كتاب " صيد الخاطر " للإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي.
(( عظمة النعمة ))
نازعتني نفسي إلى أمر مكروه في الشرع, وجعلت تنصب لي التأويلات وتدفع الكراهة, وكانت تأويلاتها فاسدة, والحجة ظاهرة على الكراهة. فلجأت إلى الله تعالى في دفع ذلك عن قلبي, وأقبلت على القراءة وكان درسي قد بلغ إلى سورة يوسف فافتتحتها, وذلك الخاطر قد شغل قلبي حتى لا أدري ما أقرأ, فلما بلغت قوله تعالى: " قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي" (يوسف: 23) انتبهت لها وكأني خوطبت بها. فأفقت من تلك السكرة, فقلت: يا نفس أفهمت؟. أفما تذكرين كيف رباك وعلمك ورزقك ودافع عنك, وساق الخير إليك, وهداك أقوم طريق, ونجاك من كل كيد؟. وضم إلى حسن الصورة الظاهرة جودة الذهن الباطن؟. وسهل لك مدارك العلوم حتى نلت في قصير الزمان ما لم ينله غيرك في طويله. وجلى في عرصة لسانك عرائس العلوم في حلل الفصاحة بعد أن ستر عن الخلق مقابحك, فتلقوها منك بحسن الظن. وساق رزقك بلا كلفة تكلف ولا كدر من, رغدا غير نزر؟.
فوالله ما أدري أي نعمة عليك أشرح لك, حسن الصورة وصحة الآلات؟ أم سلامة المزاج واعتدال التركيب؟ أم لطف الطبع الخافي عن خساسة؟ أم إلهام الرشاد منذ الصغر؟ أم الحفظ بحسن الوقاية عن الفواحش والزلل؟ أم تحبب طريق النقل واتباع الأثر من غير جمود على تقليد لمعظم, ولا انخراط في سلك مبتدع؟ " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " (النحل: 18).
كم كائد نصب لك المكايد فوقاك؟. كم عدو حط منك بالذم فرقاك؟
كم أعطش من شراب الأماني خلقا وسقاك؟ كم أمات من لم يبلغ بعض مرادك وأبقاك؟
فأنت تصبحين وتمسين سليمة البدن, محروسة الدين, في تزيد من العلم وبلوغ الأمل. فإن منعت مرادا فرزقت الصبر عنه بعد أن تبين لك وجه الحكمة في المنع فسلمي حتى يقع اليقين بأن المنع أصلح. ولو ذهبت أعد من هذه النعم ما سنح ذكره امتلأت الطروس ( أي الصحف ) ولم تنقطع الكتابة. وأنت تعلمين أن ما لم أذكره أكثر, وأن ما أومأت إلى ذكره لم يسرح. فكيف يحسن بك التعرض لما يكرهه؟ " معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون " ( يوسف: 23).
* من كتاب " صيد الخاطر " للإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي.
(( عظمة النعمة ))
نازعتني نفسي إلى أمر مكروه في الشرع, وجعلت تنصب لي التأويلات وتدفع الكراهة, وكانت تأويلاتها فاسدة, والحجة ظاهرة على الكراهة. فلجأت إلى الله تعالى في دفع ذلك عن قلبي, وأقبلت على القراءة وكان درسي قد بلغ إلى سورة يوسف فافتتحتها, وذلك الخاطر قد شغل قلبي حتى لا أدري ما أقرأ, فلما بلغت قوله تعالى: " قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي" (يوسف: 23) انتبهت لها وكأني خوطبت بها. فأفقت من تلك السكرة, فقلت: يا نفس أفهمت؟. أفما تذكرين كيف رباك وعلمك ورزقك ودافع عنك, وساق الخير إليك, وهداك أقوم طريق, ونجاك من كل كيد؟. وضم إلى حسن الصورة الظاهرة جودة الذهن الباطن؟. وسهل لك مدارك العلوم حتى نلت في قصير الزمان ما لم ينله غيرك في طويله. وجلى في عرصة لسانك عرائس العلوم في حلل الفصاحة بعد أن ستر عن الخلق مقابحك, فتلقوها منك بحسن الظن. وساق رزقك بلا كلفة تكلف ولا كدر من, رغدا غير نزر؟.
فوالله ما أدري أي نعمة عليك أشرح لك, حسن الصورة وصحة الآلات؟ أم سلامة المزاج واعتدال التركيب؟ أم لطف الطبع الخافي عن خساسة؟ أم إلهام الرشاد منذ الصغر؟ أم الحفظ بحسن الوقاية عن الفواحش والزلل؟ أم تحبب طريق النقل واتباع الأثر من غير جمود على تقليد لمعظم, ولا انخراط في سلك مبتدع؟ " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " (النحل: 18).
كم كائد نصب لك المكايد فوقاك؟. كم عدو حط منك بالذم فرقاك؟
كم أعطش من شراب الأماني خلقا وسقاك؟ كم أمات من لم يبلغ بعض مرادك وأبقاك؟
فأنت تصبحين وتمسين سليمة البدن, محروسة الدين, في تزيد من العلم وبلوغ الأمل. فإن منعت مرادا فرزقت الصبر عنه بعد أن تبين لك وجه الحكمة في المنع فسلمي حتى يقع اليقين بأن المنع أصلح. ولو ذهبت أعد من هذه النعم ما سنح ذكره امتلأت الطروس ( أي الصحف ) ولم تنقطع الكتابة. وأنت تعلمين أن ما لم أذكره أكثر, وأن ما أومأت إلى ذكره لم يسرح. فكيف يحسن بك التعرض لما يكرهه؟ " معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون " ( يوسف: 23).