PDA

View Full Version : التعذيب في سجون البحرين - من ملفات الماضي


أكرم خزام
22-02-2001, 02:55 AM
الأخوة الاعزاء ،،
أثناء تصفحي للانترنت دخلت أحد المواقع وهو خاص بالمعارضه البحرينيه ، واحببت ان تطلعوا على ما فيه من رعب واثاره موجوده في كل عالمنا العربي . أجارنا الله واياكم منها .


هذا هو الموضوع :







الإرهاب في البحرين




تحقيق ميداني عن واقع الإعتقالات في سجون آل خليفة




تعتبر سجون البحرين من معاقل القمع والإرهاب المتقدم في منطقة الخليج بأسرها .. خاصة وأن البلاد تعيش حالة من الثورة والتمرد . فيما يعيش الأمراء الحاكمون هاجس الثورة الإسلامية القادمة بإذن الله .

ولتعرف أكثر على وضعية القمع والإرهاب في البحرين .. ننتقل مع القراء الكرام إلى هذه الدراسة الموثقة عن واقع الاعتقالات، أعدتها لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في البحرين . مخاطبة الضمير الإنساني الذي يمتهنه الطغاة ، ولتكون حافزاً للتحرك والمساعدة لإنقاذ الموقوفين في سجون آل خليفة .

أن الحرية هي الوسط الطبيعي للنشاط البشري الخلاق، وهي الأرضية التي تنبت فيها براعم الازدهار الحضاري للأمم والشعوب .

ولان الحرية قيمة إنسانية مثلى، فهي طالما اصطدمت مع العناصر والقوى السلبية في الحياة .

وإذا كان الظلم هو ابرز وجوه السلبية فإن الفعاليات الممارسة له هي اشد القوى عداءاً للحرية .

ولان الظلم قد أخذا اليوم قالباً شموليا ونهجاً منظما، فإن الحرية قد أصيبت بانتكاسة مميتة في كل رقعة نزل فيها هذا الظلم، وأصبحت المعركة الإنسانية واقفة على الخيط الفاصل بين هراوة الظلم وصوت الحرية .

ومن هنا أصبحت لقوى الظلم سجوناً قمعية، واصبح رواد الحرية ضحايا مكبلين في هذه السجون .

وأمست الشعوب الباحثة عن الحرية عرضة للإذلال والامتهان داخل هذه السجون، التي صيرت أداة للإرهاب والقمع المقنن .

وفي البحرين، حيث غطت الدكتاتورية الأوجه المختلفة لنظام الحاكم، الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية فإن الظلم .. ومن ثم الإرهاب، قد اتخذ طابعاً وحشياً أصبحت معه البحرين مركزاً لسجون التعذيب لكل المنادين بالحرية .

وفي هذا التحقيق الميداني لواقع الاعتقال في البحرين، نسلط الأضواء على جميع الأوجه الأساسية لهذه العملية ، مستخدمين في ذلك المنهج الوصفي الإحصائي المزدوج .



بين الشرعية والقانون :

أن شرعية أي عمل أو فعل في الحياة ، تقاس بمدى انسجام أو تعارض هذا العمل أو الفعل مع المصلحة الإنسانية العامة ، المحددة وفق المثل السامية للإنسان ، التي بينتها رسالات السماء .

أما قانونية أي فعل أو عمل في الحياة، فانها تقاس دوليا وفق القوانين الدولية العامة المقرة من قبل جمعية الأمم المتحدة، أو احدى الهيئات أو المنظمات المنبثقة عن هيئة الأمم .

وتقاس قطريا، وفق الدستور المعمول به في البلاد وسواه من القوانين والأنظمة المقرة رسمياً.

وبين المدى الدولي والمدى القطري المحدد، تقع التكتلات الإقليمية العسكرية والسياسية والاقتصادية، التي تضع لنفسها قوانيناً معينة وتلزم الدول الأعضاء بأتباعها .

والقانون على جميع مستوياته يستمد صيغته من ذات القوى التي ينبثق منها .

وبالتالي فان قوته أو ضعفه .. صلاحه أو فساده يبقى رهناً على قوة أو ضعف .. صلاح أو فساد هذه القوى.

ومع أن صحة حيثيات وجزئيات أي قانون يبقى الحكم عليها خاضعاً لسلسلة من العوامل والمعطيات الطبيعية والاجتماعية التي ينبثق فيها هذا القانون . إلا أن المنظمات الأساسية لأي قانون يجب أن تكون منسجمة مع مثل الإنسان السامية كشرط لشرعيته ، ومن ثم القبول الطوعي به .

ومن هنا جاء رفضنا لكل قانون يبيح ظلم الإنسان أو يمس من شرفه وكرامته. وانسجاماً مع هذا المفهوم فإننا نرفض كل القوانين التي تبيح اعتقال الإنسان أو تعذيبه أو تهجيره بسب معتقداته الدينية، أو آرائه السياسية والاجتماعية الخاصة، وان كانت هذه المعتقدات والآراء تتعارض كلياً مع الحكومة، أو الجهة المعاصرة لهذه القوانين .



سجناء الرأي في البحرين :

في البحرين.. وبحكم الطبيعة القبلية العشائرية التي يتسم بها النظام الحاكم هناك وبحكم النهج الدكتاتوري المستبد المهيمن على هذا النظام ، فإن الاعتقال .. ومن ثم التعذيب .. وأحيانا التهجير، أصبح مصير كل فرد في هذا الوطن يتجرأ لسانه أو قلمه على إبداء أي رأي أو نقد يتعارضان والتوجيه العام للاسرة الحاكمة .

وسجناء الرأي في البحرين لا يتعامل النظام الحاكم معهم كما تتعامل باقي الأنظمة الدكتاتورية في العالم مع سجناء الرأي، بل وفق نهج إرهابي يهدف أولا وأخيرا إلى تحطيم شخصية السجين (إن لم يمت تحت التعذيب) وإذلاله طول حياته . وكذا إذلال وإرهاب عائلته .. وهنا مسلسل الإرهاب الطويل الذي يبدأ مع المعتقل من لحظة مداهمة بيته ليلازمه ما دام حياً .



إسلوب الاعتقال في البحرين :

أن يعتقل الإنسان بسب معتقداته الدينية وآرائه السياسية .. فهذا أمر لا شرعية له. أما أن يهاجم هذا الإنسان في داره وتنتهك أعراضه وحرماته ويساق إلى السجون في غسق الدجى فلا يمكن للمرء أن يتحمله او يغض البصر عنه ، وهذا الأسلوب في الاعتقال هو النهج الذي تسير عليه السلطة الخليفية في البحرين في تعاملها مع خصوم الرأي والمعتقدات .

وهنا نورد قصة تبين هذا الأسلوب الخليفي في الاعتقال بشيء من التفصيل والإيضاح :

القصة تمثل حالة اعتقال جرت لرجل في الـ 24 من عمره . خرج من السجن في العام 1983 م بعد فترة اعتقال دامت 3 سنوات . ونحن في الوقت الذي نقدم القصة كاملة كما رويت بلسانه ، نمتنع عن ذكر اسم الشخص حفاظً على أمنه وأمن عائلته .

يقول هذا الرجل وسمات الحزن ترتسم على وجهه :

الطرقات تتوالى، الباب يبدو وكأن أخشابه قد تهاوت من شدة الطرق .. الجرس الكهربائي يدوي وكأن التيار قد آبى الانقطاع عنه، قفزت من سريري للنظر إلى الساعة فإذا هي تشير إلى الثانية والنصف فجراً ‍‍زوجتي وأولادي استيقظوا هلعين من النوم، الأولاد يبدأون في البكاء والنحيب ، الضجيج يتكاتف .. يسيطر الارتباك على جميع مشاعرنا وأحاسيسنا .

من ؟ .. ماذا تريدون ؟

يأتي الجواب :

افتح .. افتح بسرعة وإلا كسرنا الباب ؟

افتح يا ابن .. ( كلمة بذيئة )

شحنات جديدة من القلق والارتباك تنغرس في وجداني .. لا خيار أخر أرى نفسي مضطراً لفتح الباب..

أحرك المفتاح، ارفع يدي لامسك مقبض الباب وإذا بالباب يندفع كالطوفان فيلطمني على جبهتي لأسقط على التراب في الحال .

8 من رجال الأمن المدني والعسكري يندفعون بأسلحتهم داخل البيت .. اثنان يرفعاني ممن على الأرض ومسدس أحدهما على رأسي .

يا الهي ! .. ماذا حدث ؟

إمرأتي يوقفونها مع أولادي وبناتي وسط البيت , ويقف أمامهم أحد رجال الأمن شاهراً سلاحه .

يأخذوني ويمرروني معهم على غرف المنزل ليفتشونها غرفة غرفة , يبدأون ببعثرة الملابس من الدواليب، ثم رفوف الطاولات يفتشونها تفتيشاً يكاد يكون مجهرياً ، ثم رفوف المكتبة يقلبونها على رأسها ويتصفحون الكتب كتاباً كتاباً ، بعدها اتجهوا إلى المكتبة الصوتية وذات الممارسات عملوا فيها .. وحين لم يجدوا شيئاً اتجهوا إلى الفراش ، فتحوا الأخشاب وشقوا الإسفنج لم يبقى الا السطح والسقف بدوا بطي السجاد علهم يعثرون تحتها على شيء .. ولكن لا جدوى أتوا بسلم من الألومنيوم كانوا قد أحضروه معهم، وصعدوا عليه يفككون وحدات الغطاء السقفي، بحجة البحث عن كتب ومطبوعات محظورة.

يا الهي ! .. ماذا بقى سليماً في منزلنا ؟

بشر هؤلاء أم وحوش كاسرة ؟

ما انتهوا من تفتيش ( وان شئت فقل تخريب ) الغرف ، حتى ذهبوا إلى المطبخ وهناك كانت الكارثة .

لقد أهالوا جميع أكياس الأرز والسكر والحبوب فوق ارض المطبخ وتركوها تختلط بالتراب والغبار.

الحديقة هي الأخرى لم تسلم من إرهابهم ، وبدأوا يحفرون في التراب تحت وهم العثور على محظورات خطرة كما قالوا .

وبعد أن اخرجوا كل ما في المنزل .. صعدوا إلى السطح .. يا للعجب .. يفتشون في خزان الماء .

أن شيئاً في البيت لم يعد صالحاً ، الأثاث .. الفراش .. السجاد .. الأطعمة .. الحديقة .. خزان الماء كلها أصبحت بقايا تالفة .

ماذا جرى؟.. عقلي لا يكاد يصدق في أي عالم نحن نعيش ؟.. في بحرين القرن العشرين ؟.. لا. لا. لا.. لم يعد عقلي يصدق شيئاً ، لم اعد ارى بصيص نور حولي ، لقد لف الارض ليل سرمدي. وأصبحت الحياة غابة للوحوش الكاسرة.

الرعب قد اقتلع نفوس زوجتي وأبنائي، كان الجو شتاءاً، إلاّ أن عرق الرعب أغرق ملابسهم..

تمنيت حينها الموت ولا أرى عرضي وأهلي في هذه الصورة.

وماذا بعد؟

فقد قيدوني في الأصفاد وانهالوا عليّ ضرباً فوق وجهي ورتلا فوق ظهري وبطني، الألم أخذ يزعزع أعصابي، وانتباني الشعور بجرح عميق في الكرامة.

كيف أضرَب وأهان أمام أبنائي وزوجتي وفي وسط داري؟

اتصادر حريتي وكرامتي في ليل بهيم؟

ثم ماذا؟

لم يسمحوا لي بتوديع أهلي، واقتادوني مكبلاً بالأصفاد ليرموا بي في سيارة شحن كل من فيها حقداً وشراً وجنوناً وعذاباً بعد عذاب، لاقضى ثلاث سنوات عجاف أسقى فيها كأس المر والهوان.



التحقيق والمحاكمات في البحرين:

إذا كان قانون أمن الدولة القمعي الصادر في أكتوبر 1974 م، هو المنهاج الذي خول آل خليفة لأنفسهم على أساسه مداهمة بيوت الآمنين في غسق الليل البهيم، وإفزاع النساء والأطفال من النوم، فإن قانون مارس 1982 م القمعي الخاص بتعديل قانون العقوبات لعام 1976 م، هو القاعدة التي يبرر آل خليفة على أساسها سرية المحاكمات الخاصة بالمعتقلين السياسيين، وإقامتها في المعسكرات والثكنات العسكرية النائية، كما أن قانون القضاء الصادر في ديسمبر 1983 م هو أرضية تخويل آل خليفة لأنفسهم حق اعتقال ومحاكمة وإصدار الحكم على المعتقل السياسي خلال 24 ساعة، من غير أن يسمح له بتوكيل محام للدفاع عنه.

وقانون القضاء المستعجل هذا، هو الوجه الآخر لقانون أمن الدولة القمعي الذي يعطي آل خليفة (الحق) في اعتقال أي شخص يشك فيه. وإيقافه لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد قبل أن تجرى له أية محاكمة.

ومن النماذج البارزة المبرهنة على هزلية التحقيق والقضاء في البحرين، قضية المعتقلين الدينيين الثلاثة والسبعين الذين قدموا للمحاكمة بعد 4 شهور متواصلة من التعذيب الجسدي والنفسي الوحشي، الذي أخضعوا له منذ الأيام الاولى لاعتقالهم.

فقد جرت محاكمة هؤلاء الشباب الـ 73 في ثكنة عسكرية في قرية (جو) الثانية، أحيطت بحراسة برية وجوية مشددة، ولم يسمح لهم بتعيين محامي للدفاع عنهم، كما لم يسمح لأي من الحقوقيين والصحافيين بحضور جلسات المحاكمة، تحت حجة أن هذه المحاكمة سرية.

بعد ذلك وبصورة درامية مضحكة، صدرت ضدهم أحكام تعسفية خالية من أي إسناد شرعي ومنطقي. ولا تنسجم والأدلة الملموسة ضدهم.

التعذيب في سجون البحرين:

التعذيب عمل مقيت مناف لانسانية الانسان وكرامته، وهو فعل قبيح ترفضه النفس البشرية ويحاربه الوجدان الانساني.. لذا فان التعذيب محرم حسب جميع المواثيق والنصوص الانسانية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة والهيئات المعنية بحقوق الانسان.

ومحرم من قبل كل حكومة او بلاد تحترم نفسها وتعي القيمة الحضارية للانسان.

إلا ان السلطة الحاكمة في البحرين – وخلافاً لكل ذلك – أقدمت على تقنين الارهاب والتعذيب في مواثيقها الرسمية، وجعلت مزوالته جزءاً من وظيفتها اليومية.

وقد نصت السلطة الحاكمة على هذا المعنى في قانونها الأمني الصادر في 22 أكتوبر 1974م دون وجل أو خجل.

وقد اتخذ التعذيب في سجون البحرين أشكالاً وألواناً عديدة، وتفنن خبراء القمع في اكتشاف الأساليب المتقدمة في قهر الانسان وإذلاله داخل السجون.

ولا يزال هؤلاء الخبراء الذين اشترتهم السلطة بقوت الشعب وعرق جبينه، يبتكرون كل يوم أسلوباً جديداً في تحطيم أبناء هذا الشعب في قعر السجون.

وقد اتخذ التعذيب في البحرين جانبين رئيسيين. تمثل الأول في التعذيب النفسي. وتمثل الآخر بالتعذيب الجسدي.

ونحن هنا سنقوم بتوضيح بعض نماذج هذا التعذيب بشقيه النفسي والجسدي. على ان ما نسرده يجب أن لا يفهم أنه أهم أو أقسى ما في هذا التعذيب، لأن هذا التعذيب ينمو ويتطور بسرعة يصعب على الباحث مواكبتها.



أ – التعذيب النفسي:

1 – طعن المعتقل في دينه والاستهزاء بقيمة ومعتقداته، ومنعه من مزاولة طقوسه الدينية بحريته، وأحياناً إجباره بقوة التعذيب الجسدي على الاتيان بما يخالف معتقداته عبر الاكل أو الشرب وما أشبه. في هذا الاطار.. يدخل إجبار الفتاة المتدينة على نزع حجابها، أو نزعه من على رأسها بالقوة وتصويرها سافرة.

وقد وصلت قمة طعن الانسان في دينه ومعتقداته بتمزيق أحد الجلادين لنسخة من القرآن الكريم أمام أعين عدد من مجموعة المعتقلين الـ (73) الدينية.

2 – تهديد المعتقل بانتهاك عرض زوجته أو أمه أو أخته أو إحدى نساء عائلته أمام عينيه، إذا أصر على عدم الاعتراف بالتهم المدونة ضده.

وقد حدث أن أحضرت زوجات وأخوات معتقلين دينيين ونزعت أحجبتهن وضربت لكمات فوق خدودهن ورؤوسهن أمام أقاربهن المعتقلين.

3 – فرض حصار ثقافي على المعتقل وقطعه عن كل ما يدور في العالم، وذلك عبر منع الكتب والمجلات وأجهزة التلفزة والمذياع عن المعتقل، ومعاقبة كل من يوجد في زنزانته شيء من هذا القبيل.

فالمعتقلون الدينيون مثلاً، لا يسمح لهم بالحصول على نسخة من القرآن الكريم، الذي هو أقدس ما في الحياة بالنسبة إليهم، ويفتش كل من يأتي لزيارتهم من أهاليهم أو ذويهم، خوفاً من إدخالهم نسخة من القرآن الكريم داخل السجن.

4 – منع الكثير من المعتقلين السياسيين من مقابلة أهاليهم أو أقاربهم أو أصدقائهم.

وأما من يسمح له من المعتقلين السياسيين الآخرين بمقابلة أهله وذويه، فإنه لا يسمح له بأكثر من مقابلة مدتها 10 دقائق لكل ثلاثة شهور، وتكون المقابلة مع وجود رجل أمن يراقب كل كلمة يقولها المعتقل أو عائلته.

5 – وضع المعتقل في زنزانة انفرادية لشهور طويلة، دون السماح له بالاتصال او الاختلاط بباقي المعتقلين، دون السماح له بالاتصال او الاختلاط بباقي المعتقلين، وتقييد يديه ورجليه بالأصفاد طوال فترة وجوده فيها.. وإن فاقت هذه الفترة السنة الكاملة، ولتقدر كم هي معاناة السجن في الزنزانات الانفرادية، إذا عرفت أن هذه الزنزانات كغيرها من زنزانات سجون البحرين، خالية من أدنى المتطلبات الصحية كالنور والهواء، ومبنية من الطين القديم أو من الخشب المطغوط المغطى بالصفيح والذي لا يقي عن حر ولا برد، وان مساحتها في أغلب الحالات لا تتجاوز 7x7 قدم.

6 – منع المعتقل من الذهاب الى مراحيض قضاء الحاجة، وإجباره بالتالي على التبول والتبرز داخل زنزانته، التي لا تتسع لأكثر من وقوفه.. فضلاً عن جلوسه.

ونتيجة لهذا الوضع يصاب المعتقل بكثير من الأمراض الميكروبية والفيروسية.

كما يصاب بالدوران والقي وفقدان الشهية والروح المزاجية، نتيجة لاستنشاقه المستمر للهواء الملوث، وهذا في أفضل الحالات.. لأن بخمول رئوي يتطور الى التهاب رئوي، وإذا لم يتدارك الوضع فان المعتقل سيكون ضحية لتكون أورام سرطانية في رئيته.

من جهة أخرى فان هذا الوضع الشاذ يحرم المعتقلين الدينيين من حقهم في أداء شعائرهم الدينية.

7 – رمي الفئران والحشرات والديدان القارضة في زنزانة المعتقل، وغلقها عليه لمدة يومين أو ثلاثة، حيث يبقى المعتقل بين نارين وعليه أن يختار إحداهما..

فإما أن يستسلم للوضع ويدع هذه الديدان تعض في جسمه، وبالتالي يسلم حياته الى موت محقق.. وإما يبقى يقاوم ويشرد عنها من زواية الى اخرى، في زنزانة لا تتجاوز مساحتها 7x7 قدم ولمدة 48 أو 72 ساعة، وبالتالي يسلم نفسه لجنون أو صرع محقق، وفي أحسن الاحتمالات وأندرها ان يتعرض لاجهاد نفسي تبقى آثاره ملازمة له شهوراً مديدة.

وقد استخدمت السلطة الخليفية هذا الأسلوب من التعذيب النفسي مع السيدة صديقة حبيب الموسوي التي اعتقلت بسبب نشاطاتها الدينية بين صفوف الطالبات في 10 أبريل 1980 م.

8 – تجويع المعتقل لأيام عديدة، ثم إحضار الطعام اليه وابعاده عنه، دون أن يسمح له بتناول شيء منه.

وهذا الأسلوب.. فضلاً عن الجرح العمقيق الذي يحدثه في كرامة الانسان وعزته، وفضلاً عن الآثار السلبية التي تنطبع في نفسية المعتقل من جرائه.. فضلاً عن كل ذلك، فإن هذا الاجراء وكما تؤكد المراجع الطبية، يتسبب في الاصابة بقرحة المعدة، هذه القرحة التي تجد في ظروف السجن.. من الطعام الى التعذيب، بينة خصبة لنموها على أكبر رقعة ممكنة من جدار المعدة.



ب - التعذيب الجسدي:

الضرب بالهراوات المكهربة على الأنحاء المختلفة من الجسم الى درجة الاغماء وفقدان الوعي، وهذا الاسلوب من التعذيب كثيراً ما تسبب في اصابة الكثير من المعتقلين بالالتهابات الغضروفية والمفصلية التي لزمتهم بعد خروجهم من السجن بشكل مستمر، نتيجة لتعذر علاجها في البحرين ولاحتياجها الى عملية بالغة التكاليف في حال رغبة المواطن في الذهاب للخارج للعلاج، حال هذه الالتهابات تماماً كحال مرض (الدسك) (دسلو كيشن) الذي يصيب المعتقلين نتيجة لهذا النوع من التعذيب أيضاً.

كما تسبب هذا النوع من التعذيب في اصابة الكثير من المعتقلين بمرض المسالك الانفية (إختلال مواقع عظام الانف) بسبب الضرب على صفحة الانف، وتسبب كذلك في اصابة عدد آخر بتلف في الطبلة الأذنية نتيجة الضرب المركز على صيوان الأذن.

2 – نزع ملابس المعتقل وجره على الأسلاك الشائكة حتى تدمي جميع أنحاء جسمه، فيرفعونه والدماء تتقاطر من جسمه كماء المطر.

وكثيراً ما تتسبب هذه الطريقة في إصابة المعتقل بتمزقات ونزف خطيرة في المناطق الرقيقة والحساسة من جسمه، الأعضاء التناسلية، وتبقى آثار هذه التمزقات والنزف ملازمة المعتقل لسنوات طويلة بعد خروجه من السجن. وفي الحالات الأكثر خطورة.. فان نتوء هذه الأسلاك تصل الى عظام المعتقل متسببة في إصابته بعفن عظمي يصعب علاجه في بلاد كالبحرين.

وفي حالات أخرى فإن نتوء هذه الاسلاك قد تضرب عصب المعتقل في أعضاء جسمه، مسببة شل هذا العضو.

3 – خلع ملابس المعتقل وإيقافه في عراء الشتاء القارص أمام شاطء البحر. كما في سجن جزيرة (جدة) أو في وسط الصحراء. في سجن (جو) الصحراوي، أو في ساحة السجن ذات الغطاء الفضائي، كما هو الحال مع سجن (القلعة).

ولا يقتصر هذا النوع من التعذيب على ايقاف المعتقل في الفضاء القارص وهو منزوع الملابس (لمدة اسبوع أو اسبوعين)، بل وضربه بالهراوات المكهربة والسياط على مختلف أنحاء جسمه وعدم السماح له بالقيام بأي نوع من الحركة. وأحياناً يجبر المعتقل على رفع يديه الى الأعلى لمدة يومين أو ثلاثة دون السماح له بانزالها، او اجباره تحت قوة السياط على الوقوف ليومين او ثلاثة على رجل واحدة.

وطوال هذا الاسبوع او الاسبوعين من الايقاف والتعذيب في العراء.. لا يذق المعتقل طعم النوم ولا لحظة واحدة، ويمنع عنه الطعام بشكل كامل، ويجبر على إنزال إخراجه من البول والبراز في ملابسه.

وقد استخدم هذا الأسلوب الهمجي من التعذيب مع المعتقلين الدينيين الـ 73 خلال الاسبوعين الأولين من اعتقالهم في سجن (جو) الصحرواي.

4 – تجويع المعتقل لفترة زمنية طويلة، ثم إعطائه (شوربة) ممزوجة بزيت الكيروسين مما يتسبب في اصابته مباشرة بقرحة معدية، قد تلازمه طول حياته.

ومن الذين استخدم معهم هذا الاسلوب من التعذيب العالم الديني الشيخ (عباس حسين راستي)، حيث أصيب بقرحة معدة داخل السحن أثر تناوله (شوربة) من النوع المذكور، وبعد خروجه من السجن تطورت هذه القرحة الى ورم سرطاني حيث انتشر على رقعة واسعة من معدته وامعائه الغليظة متسبباً في وفاته في مايو 1984م.

من جهة أخرى، فإن أطعمة السجن أعدت بحيث تكون مهيئة لاحداث الالتهابات والأورام المعوية والمعدية لدى المعتقل.

فنجد في وجبتي الفطور والعشاء عبارة عن قطعة خبز صغيرة مع كوب من الشاي عالي التركيز، لونه أقرب ما يكون الى نفط السيارات المحروقة.

والمعروف في الكيمياء الحيوية، ان الشاي يحتوي في مركباته على أسيد خاص، من شأنه أن يرفع نسبة الاسيدية في المعدة لو تناوله الانسان بإفراط أو مع أطعمة حميضة أخرى، مما يؤدي الى التأثير على الغشاء الخلوي للمعدة وإصابتها بما يصطلح عليه بالقرحة.

ولا شك ان تناول المعتقل في العشاء لكأس من الشاي العالي التركيز مع قطعة صغيرة من الخبز دون إضافة أي طعام قاعدي إليه، ثم تكرار هذه الوجبة صباحاً.. من شأنه ان يحدث القرحة والالتهابات المعدية.

كما ان وجبة الغذاء عبارة عن شوربة ملينة بالفلفل والدهون والأحماض العالية، مع أرز مملوء بالشوائب والحبيبات الترابية والحجرية.

وكلا هذين الطعامين، الشوربة والأرز، عاملان قويان لاحداث الالتهابات المعوية والمعدية للانسان.. لذا لا غرابة في الأمر إذا وجدنا ان أغلب (إن لم نقل جميع) الخارجين من سجون البحرين مصابون بهذا النوع من الالتهابات.

5- تعليق المعتقل من رجليه وجعل رأسه للأسفل، ثم ضربه بالهراوات وإطلاق الكلاب البوليسية المدربة عليه لتنهشه في وجهه وأذنيه ورقبته.

وقد استخدم هذا الأسلوب من التعذيب مع مجموعة المعتقلين الدينيين الـ (73) في سجن (جو) الصحرواي.

6 – حرق الجلد بالمكواه الكهربائية وإطفاء السجائر في جسم المعتقل.

7 – حفر العظام بالمخرز الكهربائي.

وقد استخدم هذان الأسلوبان الاخيران من التعذيب مع الشهيد (جميل محسن العلي) الذي توفي من ضراوة التعذيب في 10 مايو 1980م .

8 – قلع أظافر المعتقل عبر وضع أبرة حادة يتراوح طولها بين 7 و 9 سم بين جلد الاصبع وقشرة الأظفر الداخلية، وتحريكها باتجاه الاعلى والأسفل حتى تتمزق جميع الانسجة والاعصاب الواصلة بين قشرة الاظفر الداخلية وبشرة الجلد الموازي اليه، ويسقط بذلك الجلد في عملية تعذيب تكاد أن تزهق معها نفس الانسان من شدة الالم.

وأغلب من يدخل سجون البحرين يستخدم معه هذا الاسلوب من التعذيب.

وقـد مورس هذا التعذيب بحق السيدة رباب غلوم درويش (54) سنة التي تم اعتقالها في 27 أكتوبر 1984م.

9 – نتف لحية المعتقل عبر سحب الشعر بالقوة شعرة شعرة، ولعدة ساعات في أيام مختلفة يكابد خلالها المعتقل آلاماً حادة وموجعة.

وقد استخدم هذا الأسلوب من التعذيب مع المواطن حسين علي منصور الغسرة الذي أعتقل في 13 أبقريل 1982م.

كما استخدم هذا الأسلوب مع مجموعة المعتقلين الدينيين (73) في سجن (جو) الصحرواي.

10 – تكسير أسنان المعتقل عبر الضرب الشديد والمركز فوقها، وقد استخدم هذا الاسلوب من التعذيب مع المواطن منصور علي منصور الغسرة (أخ المواطن حسين الغسرة) الذي أسقطت جميع أسنانه بعد أيام من اعتقاله في 16 ديسمبر 1981م.

11 – ربط المعتقل من رجليه في المروحة السقفية الكهربائية وجعلها تدور به لمدة تصل بين الربع ساعة والساعة.

وعادة ما يستخدم هذا الأسلوب الهمجي مع المعتقلين الأحداث الذين لا تتجاوز أعمارهم السابعة عشرة، والذين يعتقلون عادة نتيجة لاشتراكهم في مسيرة دينية، أو لكتاباتهم شعارات سياسية على الجدران، أو ما أشبه.

12 – إجلاس المعتقل على كرسي كهربائي، توصل عدد من أسلاكه في جسم المعتقل (على نمط أجهزة تخطيط الجسم الطبية) ويوصل العدد المقابل من الأسلاك بمصدر كهربائي ذو جهد قدرة 60 فولت فصاعداً، فيشحن جسم المعتقل كهربائياً الى درجة ما قبل الموت، أي الى درجة ما قبل توقف دورته الدموية عن العمل.

وقد استخدم هذا النوع من التعذيب مع المواطن الشاب عبد الجليل حميد خميس (24 عاماً) الذي اعتقل في 21 أغسطس 1982م بتهمة ممارسته لنشاطات دينية محظورة، وعذب الى درجة فقدان الوعي حيث نقل على أثر ذلك الى قسم العناية القصوى لمدة أسبوعين في مستشفى السليمانية الطبي.

13 – ضرب النساء المعتقلات على المواقع الحساسة في أجسامهن الى درجة الصرع والاغماء.

وكذا ضرب الحوامل فوق بطونهن ضرباً مركزاً بغية إسقاط الجنين منهن.

وقد مورس هذا النوع من التعذيب مع السيدة (مدينة علي طاهر) التي اعتقلت في 17 ديسمبر 1981م بتهمة مزاولتها لنشاطات دينية محظورة بعد حوالي شهر من اعتقال زوجها عبد الرسول جابك في 21 نوفمبر 1981 م، فقد كانت السيدة طاهر في شهر حملها التاسع حين تم اعتقالها، وفي السجن تم توجيه ضرب مركز فوق بطنها، كما قام أحد الجلاوزة وداس فوق بطنها بقدميه حين سقطت مغمياً عليها من ضرواة التعذيب، وذلك بهدف إسقاط الجنين الذي في داخلها.

كما مورس هذا النوع من التعذيب مع السيدة (رباب غلوم درويش) التي اعتقلت وهي في شهر حملها السادس.

كما أصيبت السيدة (أنيسة أحمد المحروس) بنزيف داخلي شديد في الرحم نتيجة للركلات والضربات التي لاقتها من قبل الجلادين والمعذبين.

وكانت السيدة المحروس قد اعتقلت في 29 أغسطس 1985م بتهمة ممارستها لنشاطات دينية.

أما السيدة (مريم حسن الحداد) التي اعتقلت في 8 فبراير 1986م بتهمة ممارسة نشاطات دينية، فقد أصيبت بإغماء وانخفاض شديد في التنفس بسبب توجيه ركلات وضربات شديدة مركزة فوق بطنها وصدرها.

من جهة أخرى.. فإن التعذيب النفسي الذي يمارس ضد النساء داخل السجون، غالباً ما ينعكس سلبياً على وضعهن الصحي، مسبباً لهن الكثير من الأمراض الباطنية المؤذية، كأمراض القلب والرأس، وإن أشد أنواع التعذيب النفسي الممارس بحق النساء هو عمليات نزع الحجاب التي يقوم بها الجلادون لاهانة وإذلال النساء المعتقلات والحط من كرامتهن.

وقد مورس هذا النوع من التعذيب النفسي مع كل من السيدة (صديقة حبيب الموسوي) التي اعتقلت في 10 أبريل 1980م بتهمة مزاولة نشاطات دينية، وكذلك السيدة رباب درويش التي اعتقل في 27 أكتوبر 1984م، والسيدة (مريم اليوسف) التي اعتقلت في 23 يونيو 1985م، بتهمة ممارسة نشاطات دينية، وسلمت لسلطات النظام السعودي في 25 يناير 1986م بعد فترة من التعذيب الوحشي دامت أكثر من 6 أشهر.

إن الجروح والالتهابات الجلدية والمعوية والكسور العظمية وعطب الأجهزة الحيوية الخارجية في جسم الانسان، هي الآثار المرئية على جسم الخارج من سجون البحرين العاتية.

إلا ان الأضرار الصحية غير المرئية التي يخرج بها أغلب من يعتقل في سجون البحرين، لا سيما النساء، هي أمراض القلب الخطيرة التي ما تلبث وأن تفتك بصاحبها .

فالمعروف طبياً ان الرعب والقلق يرفع درجة نبض القلب، ويؤدي كذلك الى تقلص الشرايين، وكلا هاتين الحالتين تؤدي الى ارتفاع الضغط الشرياني في جسم الانسان.

تلك كانت بعض نماذج التعذيب الوحشي الممارس في سجون البحرين وآثاره المدمرة على حياة الانسان.. ولكي نضع الرأي العام العالمي والاسلامي في صورة أكثر وضوحاً عن واقع هذا التعذيب، نسرد هنا وقائع التعذيب الذي مورس بحق شخصين ممن دخلوا سجون البحرين، كما رويت لنا منهما مباشرة.



القصة الأولى:

الشخص الأول: (السيدة رباب غلوم درويش) البالغة من العمر 45 سنة، والتي دخلت سجون البحرين في الفترة الواقعة بين 27 أكتوبر 1984 م الى 10 يناير 1985م.

السيدة درويش أعتقلت بسبب قيامها بزيارة لابن لها في المعارضة الدينية يعيش خارج البلاد..

وحين اعتقالها كانت السيدة درويش في شهر حملها السادس، وبرغم ذلك أخضعت لتعذيب وحشي شرس، ثم تم تهجيرها وأبنائها وبناتها الى خارج البلاد.

تقول السيدة درويش: الضربات تتوالى فوق رأسي، صدري، كتفي، كل مكان في جسمي.. آه، أصرخ بأعلى صوتي..

وحوش أوغاد.. أتركوني، أتركوني.. الضربات تتواصل، تتواصل، وجلاد آخر يأتي ليشترك في تعذيبي، أحاول نهرهم ودفعهم عني، ولكن لا جدوى.

إعترفي، إعترفي..

أنكم تقولون زوراً، لن أعترف.. الجلاد (خالد العريفي) يأخذني الى غرفة تعذيب أخرى.. غرفة رعب كلها ارهاب.. جلست فيها، جلادة محترفة امرأة وحشية، انها (شريفة سلطان) شريفة.. ولكن لا شرف لها.. لا ضمير.. لديها.. بدأت تنظر الي نظرة ترهيب، ومن غير كلام سحبت سوطاً وانهالت عليّ ضرباً من قمة رأسي الى أخمص قدمي، إمتلأ جسمي خطوطاً داكنة، من شدة الضرب.

ثم بدأت برجلها توجه الركلات فوق بطني.. فوق ظهري.. فوق كل مكان استطاعت ان تصله رجلها المدنسة، أخذت توجه اللكمات والصفعات على وجهي ورأسي، ثم بدأت تبصق فوق وجهي، وتوجه إليّ أرذل الكلمات والألفاظ.

انتزعت الحجاب من فوق رأسي، وأخذت تجر في شعري بأقصى قوتها، أسقطتني فوق التراب.. بدأت ترفسني بعنف فوق وجهي وبطني حتى أشبعت الجنين الذي في داخلي ضرباُ وتعذيباً.

صرخت بأعلى صوتي.. أتركوني، أتركوني، سوف أموت، سوف أموت يا جند الشيطان، يا أعداء الانسان أتركوني، أتركوني..

لا جدوى، ولا من مجيب.

الجلادة الوحشية لا تتعب، تدوس بأقدامها فوق بطني، ترتفع بجسمها وتنزل بقوة فوق بطني، تكرر فعلها هذا.

تأخذ الجلادة منديلاً وتضعه في فمي لكي تسكت أصوات صراخي، ترفعني من شعر رأسي تلصقني بالجدار.

الجلاد (خالد العريفي) يأتي بهراوات مكهربة فيواصل تعذيبي، يضربني بهراوات فوق وجهي ورأسي.. يدمي وجهي وتتساقط منه الدماء، يدور رأسي، أفقد قدرتي على الادراك وعلى الوقوف حتى سقطت على الأرض فاقدة الوعي .

أفقت لأجد نفسي على سرير في مستشفى السجن محاطة بحشد من الجلادين والجلادات.

بصمت.. أخذوني وأركبوني في سيارة سوداء الزجاج، وقفت السيارة عند نقطة معينة في مبنى كبير (كان سجن القلعة) ومن السيارة أدخلت في زقاق قادني الى غرفة ظلماء، أشد ظلاماً من غرف سجن (الخميس) الذي أتيت منه.

قلت ما هذه الغرفة؟.. أجابتني جلادة من الجلادات المرافقات لي: الآن تعرفين ما هذه الغرفة:

أشعلت أنواراً خافتة، ارتطمت عيني بكرسي مليء بالأسلاك كتب عليه (كرسي الموت).

الجلاد خالد العريفي يبدأ الكلام:

? هل تعرفين ما هذا الكرسي؟

صمت ولم أجب..

? عليك ان تعترفي، ماذا قال ابنك عنه وعن جماعته الدينية؟..

لم يقل لي شيئاً عنه ولا عن جماعته.

? أنت سوف تموتين خلال لحظات ان لم تعترفي.

فليكن ما يكون.

إحدى الجلادات تأخذني وتضعني فوق الكرسي الكهربائي.

خالد العريفي يسحب الحجاب من على رأسي ويصرخ في وجهي: إعترفي وإلاّ قتلناك حالاً.

جلادة أخرى تأتي حاملة هراوة مكهربة، وتبدأ تضربني على وجهي ورأسي، وهي تهددني بتوصيل التيار الكهربائي اذا لم أعترف.

صمت ولم أجب..

اللكمات تأتيني فوق وجهي، الضربات تتواصل، أصرخ في وجه الجلادة بأعلى صوتي. فترتبك وتتراجع.

جلادة ثالثة تأتي وتواصل التعذيب بسحب شعر رأسي، ولطمي على وجهي، والبصق في عيني، ثم وضع أصابعي على حافة الكرسي الحديدية وضربها بالهروات ضرباً مركزاً..

يأخذني الالم، يهز أعماقي، تكاد الحياة تفارقني من ضراوة التعذيب، أصرخ في وجوههم أحاول دفعهم عني.. لكن لا جدوى..

التعذيب يتواصل، الآلام تتصاعد، تتصاعد وتتصاعد.

لا شرف ولا كرامة بقيت فيهم، لقد هوت قلوبهم السياط والتعذيب، وتعطشت نفوسهم للقتل والدماء.. بدأوا يوصلون الأسلاك الكهربائية في جسمي، وهم يكررون عليّ: إعترفي وإلا سيصلك تيار الموت..

أكملوا جميع التوصيلات في جسمي، قالت لي الجلادة.. إصبري لحظات، سوف أذهب لتوصيل التيار من الغرفة المجاورة لتتحولين الى جثة هامدة..

خمس دقائق والجلادون ينظرون اليّ في صمت وأنا أنتظر الموت الذي وعدوني به.. خيم علي الغرفة جو رهيب من الصمت والسكوت.

فجأة يدخل الغرفة ضابط قد غطت ملابسه شارات ونجمات هائلة.. ويقطع الصمت موجهاً الكلام إليّ:

لقد قررنا تأخير إيصال التيار الكهربائي لمدة ساعة، لكي تتيح لك فرصة الاعتراف وإنقاذ حياتك، وعليك ان تستفيدي من هذه الفرصة الثمينة.

يخرج الضابط وبعد دقائق تدخل من الباب شرطية لم أرها من قبل وتوجه كلامها اليّ:

سمعت أنك قد قررت الاعتراف، وأن التعذيب سوف يتوقف عنك عندئذ.

صمت ولم أجب، فكررت مقولتها.

واصلت الصمت.

كررت للمرة الثانية فأجبتها بأنه ليس لدي شيء أعترف به، وان ابني لم يقل لي شيئاً حول نفسه أو جماعته كما تقولون.

فجأة انتهى طيبها المصطنع وصرخت في وجهي: أنت لا تريدين أن تعترفي، أنت معاندة، أنت تريدين التعذيب والقتل، سوف أقتلك، سوف أقتلك!

وبدأت معي وجبة جديدة من التعذيب..

أحضرت ابرة طولها حوالي 17 سم، وبدأت تغرسها بين أظافري وبشرة أصبعي، بينما كانت جلادة أخرى تمسك بيدي لمنعها من الحركة.

واستمرت تغرس في هذه الابرة بين اظافري لمدة ربع ساعة تقريباً، أخذت خلالها الآلام تعصرني عصراً كدت معه أن أفارق الحياة.

وحين خلصوا من هذا التعذيب أخذوا مقصاً وبدأوا يقصون في شعر رأسي وهم يوجهون الى كلمات الشتم تارة والسخرية تارة اخرى.

هذه كانت دورة التعذيب في سجن القلعة الرهيب، بعدها أرجعت الى زنزانتي في سجن (الخميس) لأواصل مسيرة التعذيب والعذاب الطويل.

75 يوماً قضيتها في طوابير السجون لا أفرق فيها بين الليل والنهار ، ولا اعرف فيها سوى الهراوات والسياط ، ولا نطق لي فيها غير اجترار الانين واهات التعذيب .

بعدها اطلق سراحي لاهاجر من بلادي.

اليوم .. وبعد مرور وقت طويل على خروجي من السجن وتهجيري من البلاد، لا زالت آثار التعذيب مرتسمة على جسمي، وجسم طفلي الذي لاقى التعذيب وهو جنين في الشهر السادس والسابع والثامن.. هذا هو النظام الخليفي الذي امتدت يد ظلمه وجوره الى الانسان وهو جنين في رحم أمه، مثلما امتدت الى الانسان وهو كهل في عمر المشيب.

امتدت لقهر المرأة الضعيفة مثلما امتدت لتحطيم الشباب في ربيع العمر وعنفوان الحياة.



القصة الثانية:

القصة الثانية من قصص التعذيب التي يطلعنا عليها، كانت لشاب في العشرين من عمره، اعتقل بتهمة العمل على تشكيل تنظيم ديني معارض في أوساط طلبة الكلية التي يدرس فيها.

وقد بقى الشاب المذكور في سجون البحرين، في الفترة الواقعة بين الرابع من فبراير 1984م والسادس عشر من مارس 1986م، وقد غادر البلاد بعد فترة من خروجه من السجن.. ونحن إذ نعرض وقائع التعذيب التي تعرض لها هذا الشاب، كما رويت لنا عن لسانه.

وأننا على استعداد لتقديم جميع المعلومات الشخصية المتعلقة به لأية منظمة إنسانية أو هيئة حقوقية، تصغي لنداء ضميرها وتلتزم مسؤوليتها في التدخل لوقف ليل الارهاب والقمع المهيمن على شعبنا وبلادنا.

الشاب يروي قصته:

الضربات تنهال على جسمي من كل ناحية.. السياط تلوي جلدي.. الجلاد يصرخ: إعترف، إعترف.

لا، لا، لن أعترف، لن أعترف..

انني بريء.. أتركوني، أتركوني.

التعذيب يتواصل، يتصاعد وتتصاعد معه الآلام وأسقط مغمياً على الأرض.

تتخضب الأرض بالدماء، يهيمن في الجو صمت كئيب ويغشاني الليل بنوم قليل.

ساعات وأستفيق.. وإذا بالفجر قد أتى منبلجاً..

زوار الفجر يدخلون، يشتمون ويشتمون ..

طلبت منهم أن أصلي، فكانوا يضحكون ويسخرون.

ألححت عليهم وأكثرت في الالحاح.. فاشرأبت نفوسهم الصديدية وردوا بما يلي: بالسياط.. وتلك كانت البداية من وجبات اليوم المرير.

أحضروا خشبة صنوبرية ومددوها بين أصفاد رجلي وأصفاد يدي، وربطت الخشبة في هذه الأصفاد مارة بفخذي وظهري، ثم علقت أطراف الخشبة في فتحتين متقابلتين بجدارين متقابلين، فبديت وكأني فروج مشوي في ماكنية طهي، وبدأت السياط كالنار تلهب جلدي.

انهال الجلادون علي ضرباً بالسياط والهروات فوق ظهري ورأسي وانحاء جسمي المختلفة.. اخذوا يطفئون السجائر في جلدي ويشققون ظهري (بالشفرات) ، ثم يرشون عليها قطرات من الخل المركز.

عصرتني الآلام وأنهك جسمي من وهج السياط وسيول الدماء.

أخذت أصرخ بوجه الجلادين.. ضجت الزنزانة بالصراخ فاضطر الجلادون لتركي، وذهبوا لأبقى في زنزانتي حتى صباح اليوم الثاني أجتر الانين والآلام ..

مع بزوغ الصباح.. جاؤا من جديد وبدأوا كلامهم بوابل من الشتم والسخرية، وموج من الجلد والركل والضرب بالهراوات فوق أعضائي الدامية. ثم شدوني بحبل الى السقف واخذوا يركزون الضرب بالهراوات فوق عظام رجلي، حتى بدت رجلاي بعد ساعة وكأن عظامهما قد أصبحت رميماً.

وبعد هذا الضرب الموجع والشديد، قاموا بربطهما بحبلين سميكين، وأخذوا يجرونهما بعنف في اتجاهين متعاكسين، فنزفت الدماء مني بشكل حاد، فقدت معها كامل الوعي وأنا معلق في الهواء، أفقت عند منتصف الليل، لأجد نفسي ممداً على سرير عيادة السجن الصحية.

وفي اليوم الثاني أرجعت الى زنزانتي وأنا مقيد بالأصفاد، وفيها بقيت حوالي ثلاثة أسابيع بلياليها لا أستطيع المشي ولا الوقوف ولا الحركة من جراء ذلك التعذيب، كما ان الدماء لا تلبث بين الفينة والأخرى ان تنزف في ثيابي.

في ذات يوم، أتى اليّ الجلاد (يوسف الياس) ومعه عدد من الجلادين وقالوا لي سوف نأخذك اليوم معنا للحمام كي تغسل عن جسمك بقايا الدماء وتنتظف بالماء والصابون.

فقلت لهم انني متعب ولا داعي لهذا في الوقت الراهن.

إلا أنهم أصروا عليّ وقالوا لا بد أن تأتي معنا، وهذه توصية من مسؤول القسم (قسم سجن القلعة).

فذهبت معهم, واذا بهم ينقلوني الى قاعة كبيرة في وسطها حوض مائي لا يزيد ارتفاعه على 3 أمتار.

وما إن شاهدت هذا الحوض حتى أدركت ان هذه خدعة جديدة من خدع الجلادين، وأن هذا الحوض لا يمكن له إلا ان يكون موقعاً آخر من مواقع التعذيب.

حين اقتربنا الى الحوض.. سألني أحد الجلادين ما هذا (يقصد حوض السباحة)؟..

فأجبت: انتم تقولون هذا حمام سباحة، ضحك الجميع وأخذوا يقهقهون بنوع من السخرية.

بعدها نطق (يوسف الياس) موجهاً كلامه إليّ: الآن سوف تعرف جيداً ما هذا المكان.

وأمر اثنين من الجلادين بمسكي وتوقيفي على حافة الحوض، وبعد سيل من كلما السخرية والجمل النابية التي لا تليق إلا بمستوياتهم الساقطة، قام هذان الجلادان وبأمر من الجلاد (يوسف إلياس) بإغماس رأسي داخل هذا الحوض، وكان مالحاً شديد التركيز، وحين شعروا بأني أوشكت على الاختناق.. رفعوا رأسي من الماء. وبعد لحظات أعادوا غطسه، ثم رفعوه، ثم أعادوا غطسه مرات لا تفصل بينها سوى ثوان قلائل.

وحين وجدوا ان جميع قواي قد خارت، وان لا طاقة لدي على إعادة غطس رأسي حتى لمدة ثانية واحدة، استخدموا أسلوباً آخر للتعذيب بحوض الماء، فأمسكوا رأسي وأخذوا يضربون بصفحته الجانبية على سطح الماء، وكرروا ذلك لعدة مرات حتى تمزق من شدة الضغط غشاء طبلتي الأذنية اليسرى، وبذلك عطبت هذه الأذن عن السمع وبقيت حتى يومنا هذا لا أسمع إلا من أذن واحدة..

ومن العاهات الأخرى التي أصبت بها من جراء التعذيب الذيت تعرضت له خلال سنتين في السجن، إصابتي بانزلاق في احدى فقرات العمود الفقري (دسك)، حيث لا زلت أخضع للعلاج الطبي المتخصص حتى يومنا هذا.

وقد أصابتني هذه العاهة من شدة الركلات والضرب المركز بالهراوات فوق عمودي الفقري.

وتلكم قصة من قصص التهذيب الرهيب الممارس بحق الانسان في سجون البحرين العاتية.

وهي نموذج بسيط من نماذج قهر الانسان وسحق إنسانيته داخل هذه السجون المظلمة.

إنها قصة إنسان يبحث عن حريته وكرامته في هذا الوطن المسبي، في هذا الوطن المكبل بالأصفاد.. وإن للباحثين عن الحرية والكرامة في بلادنا ألف قصة وقصة.



المعتقل بعد اطلاق سراحه:

ان الارهاب الذي يبدأ من مداهمة بيت المعتقل في الليل، لا ينتهي بقهر وإذلال هذا المعتقل وسحق كرامته داخل السجون ، بلا يلاحقه ما دامت له على هذه الأرض باقية.

إن بقي في البلاد.. أو هجر.. أو هاجر، وسوف يبقى مطارداً ملاحقاً مضيقاً عليه في سعيه ورزقه ما دام لا يزال يمتلك ذرة من العزة والكرامة والضمير، وما دام رافضاً أن يكون عبداً لنظام الجور والقتل الحاكم، وما دام يصر على حقه في ان يبقى حراً كما خلقه الله.

ومن النماذج البارزة للارهاب الذي يلاحق المعتقل الخارج من سجون البحرين على أيدي أجهزة الأمن:

1 – وضعه تحت المراقبة الدائمة لأجهزة الأمن، حيث تتم مراقبة مواقيت خروجه ودخوله من والى بيته وعمله..

ومراقبة الوافدين الى بيته والخارجين منه، والأماكن التي يرتادها والاصدقاء الذين يصاحبهم، ومراقبة جميع أفراد عائلته.

2 – وضع الخط الهاتفي الخاص به تحت المراقبة الدائمة، حيث تسجل المكالمات الواردة على هذا الجهاز والمنطلقة منه، وأسماء المناطق الواردة منها أو المراسلة اليها هذه المكالمات وأسماء الأشخاص المتحدثين فيها.

ويتم استدعاؤه للمحكمة والتحقيق معه في حزئيات هذه المكالمات، سيّما الواردة او المرسلة الى خارج البلاد.

ويتم اعتقال الشخص مرة أخرى اذا وجد في هذه المكالمات أدنى حديث ينسجم وحرية الرأي والمعتقد.

3 – وضع الصندوق البريدي للشخص الخارج من السجن تحت المراقبة الدائمة، وتفتيش جميع الرسائل الواردة اليه، وتتم اعادة اعتقال هذا الشخص حين العثور في صندوق بريده على أية رسالة قادمة من شخص معارض يعيش في الخارج، او اذا عثر في هذه الرسالة على أخبار او معلومات او احاديث تنتقد خاطئاً في البلاد، او تطرح مفهوماً سياسياً او اجتماعياً او اقتصادياً لا يتفق والمفاهيم الخاصة للسلطة الحاكمة.

4 – يسحب جواز سفر الخارج من السجن، ويحرم من التعامل مع الأجهزة الرسمية والأهلية في البلاد بصفته مواطناً. ويحرم من حقه في السفر او التنقل.

5 – يفصل الخارج من السجن من العمل ولا يعطى أي تعويض مادي عن سنوات خدمته، سواء كان يعمل لدى مؤسسة رسمية أو أهلية، وذلك رضوخاً لقرارات وزارة الداخلية.

كما تعمد هذه الوزارة الى تعميم اسم المعتقل الخارج من السجن على جميع الدوائر والمؤسسات الرسمية والأهلية، وتطلب منها عدم توظيفه في حال تقدمه بطلب للتوظيف.

وتعاقب كل دائرة أو مؤسسة يدفعها وجدانها وضميرها الانساني لمخالفة هذا القرار الجائر.

وكان نتيجة لهذا الوضع ان بقي الميئات من المواطنين الخارجين من السجون دون أية وظيفة، وبالتالي دون أي دخل شهري، وبقيت عوائلهم دون معيل تعاني آلام البؤس والحرمان، وأصيب أبناؤها بكل أمراض الفقر والعوز، وتحطم مستقبلهم العلمي والاجتماعي، وقهرت كل آمالهم وطموحاتهم في الحياة.

6 – يعاد اعتقال الشخص الخارج من السجن عند حدوث أي طارىء أمني في البلاد، ويعامل بصفته متهماً وعليه إثبات براءته.

كما يعاد اعتقال هذا الشخص عند اعتقال أي من إخوانه أو أقاربه أو أصدقائه.

7 – في حالات كثيرة.. قامت حكومة البحرين بإسقاط جنسية المعتقلين السياسيين بعد خروجهم من السجن، ثم تهجيرهم من البلاد، وفي حالات كثيرة تم تهجير هؤلاء المعتقلين مع كامل عوائلهم.

وقد بلغ عدد المهجرين بهذه الطريقة حتى الآن أكثر من 800 مواطن، بينهم النساء والشيخ الكبير والطفل الرضيع.

8 – حين يُهجَّر أو يهاجر المعتقل السياسي الخارج من سجون البحرين.. يبقى مطارداً خارج البلاد من قبل مخابرات السلطة البحرينية، ويمنع أهله وأصدقاؤه من الخروج لزيارته، كما يمنعون من مراسلته تلفونياً أو بريدياً أو بنكياً، ويعاقبونه اذا بادر في الاتصال بهم.. كما يعاقب كل مواطن يدفعه القصد او الصدفة لمقابلة هذا الشخص في خارج البلاد.



تاريخ التقرير:11/11/1986

الجهة:لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في البحرين

ألأعرابي
23-02-2001, 12:42 AM
أخ أكرم , من أي بلد أنت؟

ابن حيان
24-02-2001, 07:48 PM
قليل فى حق الرافــــــــــــضه.