PDA

View Full Version : نشرة ((لجنة الحقوق الشرعيه )) الأخيره


درب العرب
02-12-2000, 12:07 AM
الإنتفاضة الثانية

الآن، وقد مر أكثر من ستة أسابيع على اشتعال الثورة في أرض فلسطين، أرض المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وبعد تدهور حكام العرب إلى حضيض جديد، سمَّوه «قمة»، وبعد استشهاد المئات، وجرح الآلاف، وتدمير المنازل والمرافق والمزروعات، الآن آن الأوان لتقويم مبدئي لمجريات الأحداث، و لمراجعة الحساب.
لا نطيل في استعراض ظواهر ومجريات الأحداث نفسها، فهذا معروف جيداً، وقد غطت أكثره قناة الجزيرة الفضائية، وغيرها من الإذاعات، وكذلك الشيكة العنكبوتية الدولية (Internet)، وإن كانت عامة الأجهزة المأجورة، التابعة للأنظمة القمعية الفاجرة المتسلطة على رقاب المسلمين، قد فضلت الصمت، صمت الشياطين الخرس، أو حتى التلبيس والتضليل. لن نطيل في مناقشة ظواهر الأحداث، بل نركز على الغوص في بواطنها، واستجلاء غوامضها، وما قد يكون قد دار خلف الكواليس من مكائد ومؤامرات.
لقد كانت السياسة في قديم الزمن هي: «رعاية شؤون الأمة، والحفاظ على مصالحها، وحماية كيانها وأمنها»، وهكذا كان تعريفها الحق كما صح عن نبي الله الخاتم، عليه وعلى آله أزكى الصلاة وأتم التسليم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، ...»، أو كما قال، بأبي هو وأمي. حاشا لله أن تكون سياسة أنبياء الله لأممهم إلا: «رعاية شؤون الأمة، والحفاظ على مصالحها، وحماية كيانها وأمنها»، لا غير. وحاشا لمن خلفهم على منهاج النبوة والهدى إلا أن يكون كذلك. ثم انحطت في الفكر الأوربي الحديث فأصبحت: «فن الممكن». هذه جملة مطاطة، فيها حق كثير يراد به باطل. نعم: لم يقل أحد قط أن السياسة هي فعل المعجزات، أو الإقدام على المستحيلات. ومعجزات الأنبياء السابقين هي فعل الله على أيديهم، وليس من فعلهم ولا من سياستهم، ولا هي مما كلفوا به لا هم ولا أممهم. ولكن مقصود جمهور الساسة المعاصرون من هذه اللفظة الموهمة هو التهرب من المسؤلية: فما أسهل أن يوصف مطلب بأنه غير ممكن، ثم يتهم المطالبون به بـ«الخيالية»، و«عدم إدراك الواقع»، وبالسذاجة وعدم معرفة موازين القوى، بل وربما بتهديد الأمن والاستقرار، ومحاولة تغيير الأمر الواقع بالقوة، فإن لم يرتدع هؤلاء «الخياليون»، ويكفوا عن شغبهم، فها هي التهمة جاهزة: التهمة بالإرهاب، وما أدراك ما الإرهاب: إنه «البعبع» الذي تخوف به الأمم والشعوب، وتستغفل به الجماهير الاهية النائمة الغافلة.
لقد ورث حكام المسلمين، وحكام العرب خاصة، «فن الممكنات» هذا من أسيادهم الغربيين وانحدروا به إلى درك جديد يليق بانحطاطهم وسفالتهم، وعهرهم ودنسهم، فأصبحت سياستهم: «قمع الأمة، وخدمة أعدائها، ونهب المال العام». هذا لا يحتاج إلى كبير تدليل، ولا تطويل في البرهنة: فهاهم آل سعود قد نهبوا مئات ألوف الدولارات من المال العام، وكل كبارهم، فهد وعبد الله وسلطان وسلمان ونايف، وطلال (الأمير الديوقراطي، الشاهد «الأمين» على أحداث الزمن؟!)، وابنه الوليد بن طلال (عبقري الاستثمارات؟!)، وغيرهم، كل واحد من هؤلاء من أصحاب البلايين، أو عشرات البلايين، وآل صباح ليسوا منهم ببعيد، مع زيادة سفالة ولؤم وغدر وخيانة، وكذلك «كابوس» الخيانة واللواط الجاثم في مسقط كاتماً أنفاس أهل عُمان. ولا تظنن أن الأنظمة الجمهورية، وبعضها «وراثي» كذلك كما هو حال سوريا، بمنجى من هذا النتن والقذر، فهذا حسني مبارك، متستراً وراء الشبل «علاء»، وهذا «الشبل»، بحق، من ذاك «الأسد»، قد قاربت ثروته ثمانية بلايين دولار (ليست هذه غلطة مطبعية: ثمانية بلايين، أي ثمانية آلاف مليون) مصاً من دماء الشعب المصري الكادح، المغلوب على أمره. و«الختيار»، كما هو لقب ياسر عرفات في أوساط العارفين بالعمولات والرشاوى، يحتفظ بحوالي ثلاثة عشر بليون دولار في بنوك متعددة بإسمه، فما أسعد حظك يا سهى إذا مات «الختيار»، وذهب، إن شاء الله إلى دار البوار، جهنم وبئس القرار. و...، و... نتوقف حتى لا تقلس نفس القارئ الكريم ويذرعه القئ من ذكر هذا الركام من القذر والنجاسات الذي يشكله «حكام العرب والمسلمين».
إن البلاء بحق، والطامة الكبرى، هم هؤلاء الحكام المنافقون، الذين تولوا أعداء الأمة من الكفار المستعمرين، وتفانوا في خدمتهم، فكفروا وارتدوا عن دينهم، وخانوا أمتهم. هذا هو حالهم منذ قرابة قرن من الزمان: لا تجد حاكماً في بلاد المسلمين إلا وهو عميل للكفار، نائب عنهم في إخضاع الأمة وإذلالها، وكلهم إنما تسلم منصبه منهم مباشرة كفيصل العراق وسوريا، وعبد الله في الأردن، الذين فصلت ممالك وكيانات على مقاسهم، كما يفصل الثوب، أو تمرد على الخلافة العثمانية بمعونتهم ومشورتهم، وسمح له بالبقاء في سدة الحكم بعد أن رضي أن يكون تحت سيادتهم وحمايتهم كعبد العزيز بن سعود في نجد، وآل صباح في الكويت، أو سمح له بالبقاء حاكماً صورياً كملوك مصر، وأمراء وشيوخ حضرموت والخليج بعد استعمار بريطانيا المباشر لبلادهم، أو وثب على السلطة في اتقلاب عسكري بدعمهم ومشورتهم كحسني الزعيم في سوريا، ثم الشيشكلي فيها، فعبد الناصر في مصر، وهكذا وهكذا في دوَّامة لا تنتهي من الخونة والعملاء، وجماهير الأمة لاهية غافلة، أو مشغولة بالتصفيق والهتافات الفارغة، وتعليق الآمال المكذوبة على كل ناعق.
وتحضرني ها هنا في هذا المقام قصة طريفة: قبل عامين ونصف عندما فجرت باكستان قنبلتها النووية، فرح المسلمون جميعاً بذلك، ودعت طائفة من مسلمي الهند (من باكستان والهند وبنجلاديش) إلي اجتماع في مكتب محاماة يديره أحد الناشطين المخلصين في لندن، حضره العبد الفقير كاتب هذه السطور، احتفالاً بهذا الإنجاز ولصلاة ركعتين في جماعة شكراً لله على ذلك. بعد الصلاة أدلى المتحدثون كل بدلوه، كلهم يحلق في سماء الآمال الكاذبة، والظنون العريضة، فوجدت نفسي مضطراً أن يكون «النذير» الفرد بين أغلبية ساحقة من «المبشرين»، فحذرت من أن السلاح النووي خطر مميت في يد غير أمينة، وأنذرت بأن الطبقة الحاكمة في باكستان، وهم مسلمون فقط باللسان، إنجليز العقول والقلوب، هنود الجلود والألوان، قد انسلخت عن أمتها منذ زمن بعيد، وسيكون هذا السلاح حجتها في المزيد من التهرب من المسؤولية، والاستمرار في خيانة الأمة عامة، وكشمير خاصة، كما فعلوا في عضويتهم في أحلاف الكفار: CENTO و SEATO من قبل بحجة الخطر الشيوعي. وأكدت أنهم سيصيحون بمناسبة، وبغير مناسبة: اتركونا من هذا، ولا تطالبوا بذاك، أنتم مجانين: لأن هذا سيؤدي إلى الحرب النووية، وذاك سيؤدي إلى هجمة هندية! طبعا استشاط كثير من الحاضرين، لا سيما أعضاء حزب نواز شريف المسمَّى «الرابطة الإسلامية»، غضباً على هذا الصوت النشاز، وبذل رب المكتب جهداً مشكورا في تهدئتهم. وما هي إلا أشهر معدودة وارتفعت رايات الجهاد حول «كارجيل» في جبال كشمير السليبة، وكان الموقف الاسترتيجي والتكتيكي والسياسي في صالح باكستان، والهند في موقف لا تحسد عليه، بل وبدأت ذخائرها في النفاد. وفي نفس المكتب شرح لنا عميد متقاعد من الجيش الباكستاني الجانب العسكري، وناقش احتمالات الهجمات الهندية المضادة في كشمير والبنجاب والسند، وبين التحديات الهائلة والصعوبات الجبارة التي سوف تواجهها الهند لو فعلت مؤكداً أن النصر، بإذن الله قريب، فكان العبد الفقير، كالعادة، هو الصوت النشاز. قلت باختصار جملة واحدة قصيرة: (كل ما قلته حق لا شك فيه، إذا استمر الجهاد حول «كارجيل»، ولن تكون هناك حرب نووية، بل لن تكون هناك في الأرجح هجمة هندية أصلاً، إلا في كشمير، وسنخرج بنصر كبير عسكرياً، أو سيتبدل الوضع السياسي حول كشمير جذرياً على أقل تقدير، ولكن كل هذا للأسف الشديد لن يكون لأن نواز شريف سوف يخوننا، وعما قريب سيولي الأدبار، وستخرج الهند من المعمة سالمة غانمة، وسيفوز رئيس الوزراء الهندي في الانتخابات، ولا يبعد أن يقوم بعد سنوات قليلة بهجومه المضاد على باكستان، الذي سيكون في الأرجح مدمراً!). استشاط العميد غضباً، وقال: (أنا أعرف جيش باكستان وإخلاصه للإسلام والبلاد: سيقتلون نواز شريف لو أقدم على هكذا خيانة)، فقلت: (أضرع إلى الله أن تكون مصيباً، إلا أنني في شك مريب!!). بقية القصة معروفة: خان نواز شريف، ولم يتحرك الجيش. نعم تحرك قائد الجيش، وبعض رجالات القيادة، بعد ذلك عندما أصبحت مناصبهم، وربما حياتهم، في خطر، ليس من أجل كشمير، وليس من أجل باكستان، وليس من أجل الإسلام. وبعد أزيد من عام على الدكتاتورية العسكرية المقيتة لم يظهر دليل واحد على أن الطغمة العسكرية الحاكمة أقدر من نواز شريف، أو أطهر من نواز شريف. ومع ذلك قل أن تجد مسلماً في شبه القارة الهندية إلا وهو ما زال يعلق بعض الآمال على هؤلاء: فيا حسرتاه على باكستان، ويا حسرتاه على كشمير، ومن قبل يا حسرتاه على شرق باكستان (ما يسمَّى بنحلاديش حالياً)، ويا حسرتاه على المسلمين في الهند!
وقصة أخرى طريفة: قبل أكثر من عشر سنوات، إبان فورة الانتفاضة الأولى، جمعتنا الظروف مع بعض الإخوة الفلسطينيين ذوي العلاقة بـ«حماس»، في بستان قرب مدينة الرياض. أفاض الأخوة في ذكر الوقائع الجديدة التي خلقتها الانتفاضة على الأرض، وأن الشعب الفلسطيني قد استعاد بذلك زمام المبادرة. كما أكثر من الثناء على دعم الأردن، سراً، للإنتفاضة! ما شاء الله كان: حسين، أو بالأحرى قبيح الأردن، بن أبيه، عدو الله ورسوله، حليف اليهود ووليهم الحميم، الذي تآمر معهم، بمشاركة الملك «الورع» فيصل، لذبح الجيش المصربي وإبادته عام 1967م، يدعم الانتفاضة سراً؟! وايم الله: إن وراء الأكمة ما ورائها! لم أجد يومذاك الجرأة على إيقاضه من أحلام اليقظة تلك، ولا على كشف عملاء البلاط الأردني المنتدسين في صفوف العمل الإسلامي من أمثال إسحاق فرحان، ويوسف العظمة، وغيرهم من الخونة. نعم: سكت حيث كان الكلام واجباً، نصحاً لله ورسوله ولعامة المسلمين، وخادعت نفسي بالحجة التقليدية: التصريح بمثل هذا يؤدي إلى نفرة القلوب وانشقاق الصف الإسلامي. فيالها من شبهة شيطانية: وايم الله لن يجتمع الصف الإسلامي أبداً إلا على الحق المنزل في كتاب الله وسنة رسوله، والإدراك الدقيق للواقع، وهذا على طرف نقيض من الثقة بفقهاء السلاطين، وعملائهم الخونة من أمثال المدخلي وبن عثيمين وطنطاوي وإسحاق فرحان ويوسف العظمة، وغيرهم. كرَّم االله آذان السامعين من مجرد سرد أسمائهم!
واليوم يعيد التاريخ نفسه، وتسفك الدماء المسلمة الزكية في فلسطين لتحقيق مكاسب تافهة لعرفات وطغمته. هذه الدماء التي لا يجوز أن تسفك إلا لتكون كلمة الله هي العليا لا غير، ولا يستحق أي شئ آخر أن يراق دم لأجله، لا تراب فلسطين، ولا حتى أحجار المسجد الأقصى وجدرانه. بربكم ما الفرق بين سيادة الكفر اليهودي على الأقصى وسيادة الكفر العرفاتي عليه؟! نعم، هناك فرق عند من يؤمن بالقومية أو الوطنية وغيرها من العقائد، بل الشعارات الفارغة، التي خرجت من رحم الغرب في القرن التاسع عشر، وبدأ الغرب في تجاوزها والسخرية منها مع إطلالة القرن الحادي والعشرين والانطلاق إلى آفاق «عقلانية» جديدة، آفاق «العولمة» و«اقتصاد السوق الحر». هذه «العقلانية» تحكم لا محالة بأن دولة إسرائيل، وهي دولة مؤسسات بحق على النسق العصري الغربي، دولة ديموقراطية في الجملة، يسود فيها القانون في الجملة. حتى التعذيب يكون هناك في السجون في إطار قانون مكتوب معلن يمكن فحصه من قبل القضاء. أما الدويلة العرفاتية فهي على النوذج «العربي»: عصابات مافيا وثبت على السلطة لا هم للقائمين عليها إلا في نهب المال العام، وإشباع شهوات البطون والفروج. هذه الدويلة لا تعرف معنى لفظة القانون، ومن باب أولى فإن مفهوم سيادة القانون لا يتصور أن يكون له وجود عندها. هذه «العقلانية» تقضي أيضاً بأن إسرائيل أقدر ألف مرة على توفير لقمة العيش لساكنيها، بل ولعشرات الألوف من الفلسطينيين الذين يدخلون يومياً إلى سلطانها. أخبرونا: كم فرصة عمل وفرتها الطغمة العرفاتية الجاثمة على صدور الناس في الضفة والقطاع؟! أم أن عمل هذه «السلطة» هو فقط اعتقال المناضلين وتعذيب المساجين؟!
قد يقول قائل: ولكن إسرائيل تعامل الفلسطينيين كمواطنين من الدرجة الثانية، بل كمعاملة نظام التفرقة العنصرية البائد في جنوب أفريقيا. نقول: هذا حق، وعرفات يعاملهم شرآً من ذلك: معاملة العبيد والمجرمين. إذا كانت مطالب أهل فلسطين هي مطالب «العقلانية» على الطريقة الغربية، كما هو ظاهر من الشعارات الوطنية والقومية الفارغة، فالأولى بهم اتباع سياسية «عقلانية» من جنس تلك المطالب كما فعل السود في جنوب أفريقيا، وما هي إلا عقود قليلة والفلسطينيون أغلبية كبيرة، لخصوبة نسلهم، وسرعة تكاثرهم، ثم الفوز في الانتخابات ووراثة الدولة العبرية من اليهود، دولة عصرية قوية، لا تلك الهزيلة العرفاتية المقززة. نعم: سيحل الكفر الفلسطيني محل الكفر الصهيوني، وما البأس في ذلك؟! أليس المطلوب هو تحقيق الأماني الوطنية والقومية؟! أليست القضية قضية الحياة الدنيا ولا شئ غيرها: المأكل والمشرب ورغد العيش والاستقرار الاجتماعي والسياسي؟! فما المانع من إذاً من قبول القيادة الصهيونية، ولو إلى حين، وما المانع من السير في ركاب الهيمنة الأمريكية، والانغماس حتى الآذان في «العولمة» والرأسمالية؟!
يا قوم: إنما هو خيار بين مبدئين وطريقتين في العيش على طرفي نقيض لا تقبلان الخلط أو الامتزاج: إسلام، وهو العبودية الخالصة لله، واليقين الجازم بأن الحياة الدنيا ما هي إلا معبر ومتاع وأن الآخرة هي دار القرار؛ أو رأسمالية علمانية تؤمن بألوهية الإنسان، وأن الدنيا هي دار القرار. هذا هو جوهر القضية، وهي قضية مصيرية: قضية حياة أو موت، وهذا هو محور الصراع. لا تضيعوا أعماركم، وتسفكوا دمائكم هدراً فيما هو دون ذلك من المطالب، بل من أجل لا شئ اللهم إلا طموحات النذل الخائن عرفات وطغمته السافلة.
ولنذكركم ببعض ماضي ياسر عرفات المجيد إن كنتم نسيتموه، أو لم تعرفوه: ياسر عرفات ربيب الاستخبارات البريطانية (الشعبة رقم 6 من الاستخبارات العسكرية) منذ أيامه في كلية الملكة فيكتوريا بمصر في أواخر الأربعينيات حيث تم تدريبه وتجنيده هو وغيره من الخونة أمثال: الملك حسين بن أبيه، وكمال أدهم رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق (خال سعود الفيصل وتركي الفصل، فأنعم به من خال!). وفي منتصف الستينيات الفائتة أسس عرفات «حركة تحرير فلسطين»، «حتف»، إلا أنه قلب الاختصار فصار «فتح». «حتف» هذه كانت وما زالت بحق «حتف» القضية الفلسطينية، وهي الآلية المناسبة لتصفية القضية وبيعها. وفي سبتمر - أيلول الأسود 1970م كان عرفات في القصر الهاشمي يشرف شخصياً مع الملك حسين على ذبح الفصائل المناوئة وتصفيتها. وفي بيروت 1982م، حيث ذاقت إسرائيل أول هزائمها، ولَّى النذل الأدبار إلى الأمن والراحة في تونس البعيدة، التي كان رئيسها أول الداعين إلى الصلح مع إسرائيل، تاركاً الفلسطينيين العزل للذبح في صبرا وشاتيلا. وهذا السافل هو الذي يجتمع سراً مع حبيبه وسيده باراك إبان الانتفضة الثانية هذه الأيام، كما فضحته «الجزيرة» وإعلام إسرائيل نفسها. وقد أشرنا إشارة عابرة أعلاه إلى ما نهبه من المال العام.
وليس لنا كبير تعليق على غيره من حكام العرب فأنتم تعرفونهم جيداً: قد باعوا أنفسهم كالعاهرات، إلا حسني مبارك، الذي تجاوز هذا الطور، ولم يعد له سوق لبيع نفسه، تماماً كالعاهرة العجوز التي كسد سوقها، فتحولت إلى الإشراف على الشابات من العاهرات، وإدارة شؤون بيت البغاء. يوجد في اللغة الألمانية تعبير لطيف لهذا النوع من عواجيز البغايا: (Puffmutter) أي «أم بيت البغاء»، ولكنه ثقيل على الأذن العربية، فلعلنا نستبدلة بتعبير: «أم البغايا»، مع الاعتذار للقارئ الكريم. ولعلنا نستثني كذلك القذافي، فالرجل بحق مختل عقلياً ولن نفاجأ إذا سمعنا قريباً بدخوله مستشفى الأمراض العقلية، ومن كان في شك من ذلك فليطلب نسخة من مقابلته لقناة «الجزيرة» الفضائية، وليدرسها بعناية. فإذا كان الأمر كذلك، فلا شك أنه واجهة للطغمة المتحكمة في ليبيا وعلى رأسها عبد الله القذافي، رئيس الاستخبارات، ومن ورائه، بالطبع، بعض دوائر الاستخبارات الغربية، وهي على الأرجح الاستخبارات البريطانية، فيا حسرتا على ليبيا التي خرجت المجاهدين الأبطال الأخيار من أمثال عمر المختار!
إلا أن المدهش حقاً هو ما جرى ويجري في اليمن، يمن الإيمان والحكمة. نعني ضرب المدمرة الأمريكية (كول). لم نسمع أن المدمرة فتحت نيران مدفعيتها ودخلت الميناء عنوة، فكيف دخلت إذاً؟! لا يتصور في العقل ولا يتشكل في الخيال أنها دخلت بدون علم القيادة اليمنية وإذنها. ثم زاد الطين بلة أن الناطق الرسمي لوزارة الدفاع الأمريكية، وكذلك وسائل الإعلام الأمريكية، أكدت أن القوات الأمريكية وضعت في حالة تأهب في دول عديدة في المنطقة، وذكر اليمن من بينها، بل في مقدمتها. إذاً هناك قواعد أمريكية، وقوات أمريكية في اليمن. إذاً تأكيدات الحكومة اليمنية المتكررة بأن البلاد خلو من رجس القواعد الأمريكية كذب ودجل وتضليل. الولايات المتحدة الأمريكية في حالة حرب مع العراق، تحاصره وتدمره وتنتهك أجواءه، وهي من ثم فهي في حالة حرب مع الإسلام والمسلمين، فكيف يكون لها قواعد في بلد من بلاد المسلمين. هذا لا يكون، ولا يمكن أن يكون إلا بكفر من أذن بذلك ورضيه، وردته عن الإسلام ولحاقه بالكفار والمشركين الحربيين. أي أنه مرتد كافر حربي تسري عليه كافة أحكام المرتدين الحربيين: من وجوب قتله متى قدر عليه، إلا إذا تاب من قبل أن يقدر عليه، وإباحة دمه وماله، وانفساخ نكاحه، وسقوط ولايته عن ولده، وانعدام أهليته للحكم والسلطان. لذلك فإننا نعتب على الذين قاموا بمحاولة نسف (كول)، نسأل الله أن يتقبلهم شهداء إلى الفردوس الأعلى، اختيارهم هذا الهدف الثانوي. لا بد من ترتيب الأوليات: الهدف الأول في اليمن يجب أن يكون إطاحة النظام الذي يحكم بغير ما أنزل الله، ويتولى الكفار، وعلى رأسه: علي عبد الله صالح الفاجر وطغمته الخبيثة. علي عبد الله صالح الفاجر الوقح الذي دعى مؤتمر «القمامة» لإعلان الجهاد، فسخر منه حسني مبارك، «أم البغايا» قائلاً: ها هي الحدود مفتوحة فتفضل أرنا أفاعيلك! وعش رجباً ترى عجباً!
ثم خرجت علينا منظمة المؤتمر (عفوا، التآمر) الإسلامي بـ«قمتها»، أو «لمتها»، أو إن أردت الدقة: «قمامتها» في الدوحة، عاصمة «دويلة» قطر. لماذا قطر؟! لأن الدور عليها، أو ربما لأن الممثلية الإسرائيلية في الجوار فيسهل «التنسيق» و«تبادل الأدوار»، على طريقة عرفات: تشاتم مع باراك علنا، ولكن سراً لقاءات مستمرة وراء ستار. منظمة المؤتمر الإسلامي، خلافاً لما يظنه بعض السذج من الإسلاميين، من أمثال الدكتور علي القره داغي، إذا افترضنا الإخلاص فيه وحسن النية، منظمة استعمارية أنجلو-أمريكية أسست خطوة ثانية بعد تأسيس «رابطة العالم الإسلامي» لمحاربة كل من يقف، أو حتى يتظاهر بالوقوف، في وجه الهيمنة الغربية الرأسمالية بقيادة أمريكا. هذه المنظمات الاستعمارية قد شاخت، ولم يعد لها دور ذو بال، فلا عجب أن نراها تفقد أهميتها تدريجياً، فلم نعد نسمع شيئاً يذكر عن «رابطة العالم الإسلامي»، ولا نستبعد أن تتم تصفيتها قريباً، وربما لحقتها «منظمة المؤتمر الإسلامي»، وهي فارغة المحتوى، عديمة الجدوى، على كل حال.
ما علينا من كل هذا الآن، السؤال هو: بماذا خرجت هذه «القمة» المباركة؟! هل (استحوا على لحاهم) وبدؤا خطوات نحو إصلاح أحوال البلاد والعباد؟! نعم: سمعنا جعجعة ولم نرى طحناً. الظاهر أن الهدف الرئيس من «القمة» هو: تلميع عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، لا غير: تكلم الرجل بـ«قوة»، وأرغى وأزبد، وهدد وتوعد، وأنذر بقطع العلاقات البلوماسية مع كل دولة تسوِّل لها نفسها بنقل سفارتها إلى القدس. الله أكبر: هكذا تتدهور القضايا: فمن قضية الأمة الإسلامية في وجودها، ودورها القيادي بين الأمم، نزلنا إلى قضية تحرير بلاد المسلمين من الأجنبي وإعادة اليهود الصهاينة من حيث أتوا، ثم نزلنا إلى المطالبة بالأراضي المحتلة عام 1967م، ثم إلى الرضا ببعض الأراضي، ثم القبول بالدويلة العرفاتية، ثم المطالبة بوقف المستوطنات في أرض الدويلة العرفاتية، ثم نزلنا إلى القدس الشرقية، والأن نزلنا درجة أخرى فالكلام عن الرموز فقط: بقاء الأقصى تحت السيطرة الفلسطينية، وعدم انتقال السفارات إلى بيت المقدس. ونحن نؤكد للقراء الكرام أن السفارات، وفي مقدمتها السفارة الأمريكية سوف تنتقل، وسيقبل الجميع بذلك لأنها إنما انتقلت فقط إلى «القدس الغربية»، لا الشرقية، وسوف يصنف حكامكم هذا على أنه «نصر للإرادة الإسلامية»، وهكذا، وهكذا، والحمد لله رب العالمين. أما بالنسبة لأبي «متعب» فعندنا أسئلة لا تعد ولا تحصى، نكتفي منها اليوم بسؤال صريح واحد، نريد عليه جواباً صريحاً واضحاً: العالم كله يعلم أن الطائرات الأمريكية والبريطانية، تصعد من المطارات «السعودية» يومياً للاعتداء على العراق، وهي من ثم في حالة حرب مع الإسلام والمسلمين؛ وسؤالنا هنا هو: هل هذا برضاكم وموافقتكم؟! فهذا لا يكون، ولا يمكن أن يكون إلا بكفر من أذن بذلك ورضيه، وردته عن الإسلام ولحاقه بالكفار والمشركين الحربيين. أي أنه مرتد كافر حربي تسري عليه كافة أحكام المرتدين الحربيين: من وجوب قتله متى قدر عليه، إلا إذا تاب من قبل أن يقدر عليه، وإباحة دمه وماله، وانفساخ نكاحه، وسقوط ولايته عن ولده، وانعدام أهليته للحكم والسلطان، كما أسلفنا، وكما هو ثابت بالأدلة اليقينية القاطعة، وإجماع الأمة المتيقن، كما هو مفصل في غير هذا الموضع. فأنتم إذا مرتدون، كفار حربيون، لا ولاية لكم، ولا شرعية. أو أن هذا يتم دون إرادتكم، أي الرغم عنكم، وبدون موافقتكم! فإن كان الأمر كذلك فلم الجعجعة، والإرغاء والإزباد؟! أهو الدجل، والكذب للاستهلاك المحلي، ومحاولة تضليل الأمة، فأنتم إذاً كذابون منافقون دجالون، ولاة معينون من قبل أمريكا، فلا ولاية أيضاً لكم، و«ولي الأمر» هو بحق الرئيس الأمريكي كلينتون. أم تقولون لا هذا ولا ذاك، فسؤالنا يبقي: ما هو واقعكم؟! نريد إجابة صريحة مفصلة، من غير لف ولا دوران. نحن لا نوجه هذا السؤال تركيا وأمثالها من «المتآمرين»، لأنهم قد شهدوا على انفسهم من قبل بالكفر، وأقروا بذلك، فأراحوا واستراحوا. ولكن ماذا عن زعم الدكتور علي القره داغي في قناة قطر الفضائية أن القمة حققت بعض الإنجازات الرمزية، وأن مجرد اجتماع أكثر من خمسين «دولة» إسلامية مكسب رمزي له وزنه وأهميته. نقول: الأيام والليالي حبالى بالأحداث، فلننتظر ولنرى ما هو نتاجها، أي الأيام والليالي، أما «القمامة» الإسلامية فلن تنتج اللهم إلا «فسوة الضبع»، على حد تعبير الإمام التابعي الكبير القاضي شريح، رحمه الله.
قد يقول قائل بعد هذا الاستعراض المؤلم لواقعنا المرير: ما عسى الشعب الفلسطيني أن يفعل وهو بمثابة الأسير في يد القوات الإسرائيلية الباطشة، ويد عرفات الخائنة؟! فنقول: ومن قال أن الشعب الفلسطيني هو وحده المسؤول عن قضايا الإسلام والمسلمين؟! المسؤولية مسؤلية الأمة جمعاء، في مشارق الأرض ومغاربها، بداية بمن يلي فلسطين مباشرة من أهل الأردن وسوريا ولبنان ومصر والجزيرة العربية، ثم الذين يلونهم، فالذين يلونهم، حتى تحصل الكفاية، ويتم استئصال السرطان الصهيوني وقلعه من جذوره، وتكون الخطوة الأولى في كل بلد من هذه البلدان هي: القضاء على النظام الكفري الخائن الحالي، وإقامة نظام شرعي بدلاً منه، وتوجيه مقدرات الأمة نحو إعادة بناء مؤسساتها، والقيام بثورة صناعية تنتقل بها من حالة التخلف والتبعية الحالية إلى حالة الاستقلالية والاكتفاء، وتقرير المصير الذاتي، أي أن يكون قرار الأمة بيدها، تتخذه هي، لا يتخذ نيابة عنها في واشنطن ولندن، ثم يفرض عليها قبوله وتنفيذه، كما هو الحالة المزرية الآن. حينئذ ترتفع رايات الجهاد، ويدب الرعب، الذي نصر به أبو القاسم، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، في قلوب أعداء الأمة. هذا هو الطريق، وهو شاق طويل، وليس له ، للأسف الشديد، ثمة اختصار: كل من حاول أن يختصر وقع إما في حماقة ردود الأفعال المتعجلة، أو في الخيانة بمداهنة الطواغيت والتعامل معهم. أما طريق الحق فهي، بحمد الله، واضحة بينة: {واتبع ما يوحى إليك، واصبر حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين}، (يونس؛ 10:109).

__________________