غير شكل
26-08-2004, 04:37 PM
http://www.alasr.ws/images/cgh.jpg
فنزويلا هي النفط. فنزويلا تورد للولايات المتحدة الأمريكية حوالي 15 في المائة من نفطها وهي المورد الأكبر الثالث للولايات المتحدة بعد السعودية وكندا. وقد فتحت الحكومة الفنزويلية معظم قطاع الصناعة النفطية في البلاد للاستثمارات الأجنبية بشكل ضخ مليارات الدولارات من الخارج لهذا القطاع. فهناك اليوم حوالي 60 شركة أجنبية من 14 دولة تشارك بشكل أو بآخر في الصناعة النفطية الفنزويلية. ووقعت شركة النفط الوطنية الفنزويلية بتروليوس دوفنزويلا 33 عقدا تشغيليا مع شركات نفط أجنبية.
في إحدى زياراته المتعددة إلى كوبا، قال الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز إن البلدين يسيران نحو النهاية السعيدة نفسها. ومنذ ذلك الوقت، أصبح الاتهام الموجه لشافيز بأنه يريد تقليد النظام الشيوعي للزعيم الكوبي فيدل كاسترو مادة دائمة لخطب وتظاهرات المعارضة. وشافيز بالنسبة للنخبة الفنزويلية المتحصنة ما هو إلا رجل من الطبقة الدنيا سيصبح مصدر إزعاج للنظام القديم.
في البداية تبنت الولايات المتحدة موقف "انتظر وراقب" بعد النصر الكاسح الذي حققه شافيز في الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 1998، لكن تطور الأمر لاحقا، بحيث قال بعض المحللين بحلول عام 2002، بأن هوغو شافيز هو الهدف التالي على قائمة بوش العسكرية.
أصبح شافيز رئيساً للبلاد بعد حملة انتخابية طالب فيها بإصلاحات عميقة وتغيير دستوري وضرب على يد الفساد. حتى انتخابات 1998، كان حزب العمل الديمقراطي والحزب المسيحي الديمقراطي يسيطران على الحياة السياسية على المستويين المحلي والوطني. وفي 1999 استطاع شافيز أن يقر دستوراً جديداً نص على إجراء انتخابات جديدة، فاز بها لمدة ست سنوات بنسبة 60 في المائة. كما فاز الحزب الوطني الذي يتزعمه شافيز بأغلبية في المجلس التشريعي الجديد.
خصوم شافيز يقولون إن المصاعب الاقتصادية بدأت بتوليه السلطة وتطبيقه لسياسة يسارية على النمط الكوبي. أما شافيز فواصل النقد اللاذع للمعارضة واصفاً إياها بالانقلابية ومحاولة إعادة نظام حكومي يحابي الأثرياء. كما يرفض ما يسميه هو السياسات "الليبرالية الجديدة" للحكومات السابقة ويدين "الرأسماليين" و"الطبقة المالية النافذة" التي خصخصت بعض الصناعات. هناك فجوة واسعة بين الأغنياء والفقراء في فنزويلا. كما أن الكثيرين من النخبة متورطون في الفساد السياسي.
أوائل عام 2000 أثار شافيز الكثير من اللغط في العاصمة الكولومبية بوغوتا حين أعلن أنه يرغب في التوصل لاتفاق مع الميليشيات الكولومبية لمنعها من دخول الأراضي الفنزويلية. وفي 10 أغسطس 2000، قام شافيز بأول زيارة يقوم بها رئيس دولة إلى العراق بعد حرب الخليج بعشر سنين. وكانت تلك الزيارة جزءاً من جولة أخذته إلى كبريات الدول المصدرة للنفط في منظمة أوبك قبل قمتها في العاصمة كاركاس يوم 27 سبتمبر 2002. والتقى شافيز بالرئيس العراقي صدام حسين وتحدث الاثنان ضد الضغوط الغربية على الزعيم الفنزويلي لإجباره على إلغاء هذه الزيارة.
وفي أكتوبر 2001 استدعت واشنطن سفيرتها في كاراكاس دون ريناك لإجراء "مشاورات" بعد انتقاد شافيز للغزو الأمريكي لأفغانستان باعتباره "محاربة للإرهاب بالإرهاب". وبحلول نوفمبر 2001 أصبحت الاتصالات بين المسئولين الأميركيين والضباط الفنزويليين المنشقين شديدة التواتر لدرجة دفعت بالسفيرة ريناك لأن تطلب من الملحق العسكري الأميركي بالسفارة بأن يتوقف عن الاتصال بهؤلاء المنشقين.
بعد فترة من نمو اقتصادي معتدل في 2000 و2001، بدأ الاقتصاد الفنزويلي يمر بحالة ركود في 2002 بفعل تراجع الثقة التجارية في البلاد وانخفاض قيمة البوليفار الفنزويلي. ثم ضاعف النزاع السياسي هذا من الركود، وخصوصا الإضرابات التي دامت طوال ديسمبر ويناير. ونتيجة لهذا انخفض الإنتاج المحلي الإجمالي في 2002 بنسبة 9,8 في المائة.
في 11 أبريل 2002، أعلن رئيس الحرب الوطني الفنزويلي بأن القوات المسلحة قد استولت على السلطة في البلاد وعزلت الرئيس شافيز. وقال الجنرال ألبرتو كاما تشو كيروز إن حكومة تشافيز قد "تخلت عن مهامها" وأن رئيس هيئة الأركان العامة المشتركة الجنرال بيرنابي كاريرو كوبيرو قد قال إن القادة العسكريين قد طلبوا من الرئيس الاستقالة والدعوة لانتخابات جديدة. وانضمت قوى أكبر رجال المال والأعمال وأكبر نقابة عمالية وكبار القادة العسكريين وأقوى مؤسساتها الإعلامية معا ضد الرئيس شافيز.
غير أن شافيز عاد للسلطة في أبريل 2002 بعد انهيار قيادة الانقلاب في وجه الهبة الشعبية العارمة من أنصار الرئيس من حارات وبلدات البلاد الفقيرة. وبدت عودة شافيز للسلطة وكأنها جعلت من واشنطن غبية. ولم تساهم مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس سوى في تعزيز هذا الانطباع حين طلبت من الرئيس أن "يحترم العمليات الدستورية". الميثاق الديمقراطي لدول القارة الأمريكية هو منظمة للدول الأمريكية التي اتفقت على إدانة أي عملية انقلابية ضد حكومة منتخبة ديمقراطيا عضوا في المنظمة، وأن تعلق -إذا اقتضى الأمر- عضوية الدولة التي تنتهك هذا الميثاق، لكن غياب التزام واشنطن بالديمقراطية في المنطقة أصبح واضحا نتيجة ردة فعلها على هذه المحاولة الانقلابية.
على مدى العقد الماضي، ردت الإدارة الأمريكية بقوة وسرعة على الانقلابات التي شهدتها الباراغواي والإكوادور والبيرو وغواتيمالا وغيرها وطالبت علنا بالالتزام بالدستور. أما في هذه المرة، فقد سكتت أمريكا في البداية ثم قبلت بالانقلاب قبل أن ترحب بالقادة الانقلابيين. في الشهور التي سبقت الانقلاب سعت السفارة الأمريكية في كاراكاس لإبعاد نفسها عن الشائعات الانقلابية. غير أن إشارات واشنطن إلى خصوم شافيز كانت علنية وعلى أعلى المستويات.
في فبراير 2002، تحدث وزير الخارجية كولن باول أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قائلا إن هناك مخاوف "من بعض أفعال شافيز وفهمه لماهية الديمقراطية". وظهرت إشارات مماثلة من مدير السي أي إيه جورج تينيت. وشعرت المعارضة الفنزويلية بأنها حصلت على الضوء الأخضر من واشنطن للإطاحة بشافيز.
وكانت هناك تقارير عن أن العسكريين الأمريكيين وفروا مساعدة استخبارية وغيرها للقوات المسلحة الفنزويلية وهي تنفذ انقلابها. وقالت تقارير إن البحرية الأمريكية التي كانت تجري مناورات قبالة الساحل الفنزويلي في البحر الكاريبي قامت بعملية تشويش على الاتصالات الفنزويلية في أيام الانقلاب. وفور حدوث الانقلاب، قال المتحدث باسم البيت الأبيض آري فليتشر بأن الإدارة الأمريكية مسرورة برحيل شافيز. وقال فليتشر: لقد قمعت الحكومة الفنزويلية تظاهرة سلمية للشعب، وهو ما أدى فورا لظهور حالة ملتهبة استقال فيها شافيز.
وفي غضون ساعات من الانقلاب، قام أوتو ريتش مساعد وزير الخارجية الأمريكي باستدعاء عدد من سفراء دول أميركا اللاتينية إلى مكتبه وقال لهم إن شافيز قد استقال وحثهم على دعم الحكومة الفنزويلية الجديدة. بل إن ريتش قيل إنه اتصل هاتفيا بقائد الانقلاب بيدروكارمون يوم نصب نفسه رئيسا مؤقتا وحثه على ألا يحل الجمعية الوطنية وقال له إن ذلك سيكون "خطوة غبية". أوتو ريتش ونظيره في وزارة الدفاع روغليو باردو مورير التقيا بقادة الانقلاب في الشهور السابقة. باردو مورير كان مساعدا لزعيم عصابات الكونترا حين كانت تشن حربها المدعومة أميركيا ضد حكومة ساندينستا اليسارية في نيكاراغوا. وكان ريتش لاعبا أساسيا في فضيحة إيران كونترا. في أواسط الثمانينيات ترأس مكتب الدبلوماسية الشعبية في وزارة الخارجية لأمريكا اللاتينية والكاريبي.
وبدأت المعارضة الكوبية إضرابا عاما ضد الرئيس هوغو شافيز في 2 ديسمبر 2002. وكان الهدف هو تأزيم الاحتجاجات في محاولة لإجبار الرئيس على تقديم موعد الانتخابات وفي أواسط ديسمبر أدت هذه الإضرابات لإيقاف العمل في الجزء الأكبر من الصناعة النفطية، بشكل قلص جدا إنتاج فنزويلا وصادراتها إلى الأسواق العالمية. في 13 ديسمبر 2002 قال البيت الأبيض إنه يريد من شافيز أن يدعو لانتخابات رئاسية مبكرة لإنهاء الأزمة السياسية التي شلت صناعة النفط. وقال فليتشر إن الولايات المتحدة مقتنعة بأن الانتخابات المبكرة هي الطريقة الوحيدة السليمة والممكنة سياسيا لإنهاء الأزمة.
واجتمع دبلوماسيون من الولايات المتحدة والبرازيل وتشيلي والمكسيك وإسبانيا والبرتغال "المجموعة التي تسمى أصدقاء فنزويلا" وخططوا من أجل التوصل لحل يقوم على مقترحات وضعها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في 21 يناير 2003 ، وتدعو لاستفتاء عام في أغسطس 2003 أو لتغيير دستوري يسمح بانتخابات مبكرة. بحلول فبراير 2003 وبعد حوالي شهرين أخذ الإضراب في فنزويلا يظهر مؤشرات ضعف، غير أن الشقة بين أنصار ومعارضي شافيز ظلت واسعة، الإضراب العام كاد أن يشل كل الحياة التجارية في فنزويلا منذ 2 ديسمبر 2002 ، أصبح غير قابل للإصلاح لكن شيئا عادت الحركة التجارية بعد أن بلغت كلفة الاضطراب على الاقتصاد الفنزويلي 4 مليارات دولار، ويتوقع أن يتقلص حجم الاقتصاد هذا العام بنسبة 25 في المائة نتيجة له أيضا وعملة البلاد، البوليفار، فقدت قرابة 30 في المائة من قيمتها وتراجع إنتاج النفط إلى مجرد 200 ألف برميل يوميا في يناير 2003 ونجحت الحكومة في إعادته إلى مليون برميل يوميا وهو ثلث الإنتاج الفنزويلي قبل الإضراب.
في أواخر مارس 2003، قصفت القوات المسلحة الفنزويلية موقفا عسكرياً في أقصى غرب البلاد حيث استهدفت ميليشيا كولومبية موالية للجيش كانت تطارد المتمردين الكولومبيين إلى داخل الحدود الفنزويلية. يومها فسر هذا العمل على انه متعاطف مع المقاتلين اليساريين الذين يعتبرون شافيز حليفهم العقائدي.
تحصل كوبا من فنزويلا على 53 ألف برميل نفط يومياً بأسعار مخفضة مقابل حصول فنزويلا على خدمات الأطباء والمعلمين والعمال والتقنيين الكوبيين الذين سيشاركون في مهام أممية. وارتفع الدين النفطي الكوبي لشركة النفط الفنزويلية الوطنية إلى قرابة 266 مليون دولار بحلول مايو 2003.في النهاية ورغم وساطات الدول الست لم يتم التوصل لاتفاق بشأن موعد الاستفتاء الرئاسي المقرر في أغسطس 2003.
وعادت المزاعم بشأن اتهام شافيز بأنه يريد تقليد فيدل كاسترو للظهور من جديد في يوليو 2003. وكان الحافز هو إطلاق حملة محو أمية وطنية تم وضع تفاصيلها في كوبا.
كما تجددت الادعاءات حول أن الأطباء والمدربين الرياضيين والمعلمين الكوبيين الذين يرسلون بالمئات إلى فنزويلا هم جزء من خطة دعاية إيديولوجية تهدف لنشر الشيوعية خفية في فنزويلا. كما توصل شافيز لاتفاقية مع كاسترو يورد فيها لكوبا البضائع الفنزويلية مقابل إرسال أطباء وطواقم خدمات تقنية أخرى كوبيين إلى بلاده. ثم أصبحت أحياء كاراكاس الفقيرة مسرحاً لبرنامج كبير جديد يهدف لتحسين الرعاية الصحية للفقراء كان قوامها أطباء كوبيون.
الحكومة الفنزويلية طلبت من الكونغرس الأمريكي أن يبدأ تحقيقا في طريقة استخدام الأموال الممنوحة لجماعات المعارضة في صندوق الديمقراطية الوطني حيث توظف في زعزعة الديمقراطية الفنزويلية. وقال وفد فنزويلي زار الكونغرس: إن أموال الصندوق الوطني للديمقراطية تمنح بطريقة منحازة وحصرية للمنظمات المعارضة شديدة الراديكالية التي لم تكن تتفق في أعمالها مع الدستور الفنزويلي.
في 29 فبراير أرسل الرئيس بوش قوات مشاة البحرية إلى هايتي ضد قوة دولية لحفظ الاستقرار عقب رحيل الرئيس جان برتراند ارستيد. رحيل ارستيد أثار خوف شافيز. وفي خطبة له في كاراكاس يومها، وجه شافيز إهانات للرئيس بوش وتوعد أي تدخل عسكري أمريكي مزعوم في فنزويلا. واتهم شافيز الولايات المتحدة بتبرير انقلاب 2002 ضده وقال إنها تمول الجماعات الساعية لإعادة الانتخابات الرئاسية. في 1 مارس 2004 قال شافيز: "إذا كان الرئيس بوش مهووساً بجنون محاولة حصار فنزويلا، أو ربما ما هو أسوأ من ذلك، أن يغزو فنزويلا رداً على تحريضات من حوله.. فإن قطرة
نفط فنزويلية واحدة لن تدخل أمريكا". وفي 3 يونيو 2004 تم الاتفاق على إجراء استفتاء على حكم الرئيس هوغو شافيز، ثم في 15 أغسطس الحالي يوم الاستفتاء استطاع شافيز أن يفوز على المعارضة، في هذه الجولة التي اتهمته فيها بالتلاعب.
مجلة العصر
26/08/2004
فنزويلا هي النفط. فنزويلا تورد للولايات المتحدة الأمريكية حوالي 15 في المائة من نفطها وهي المورد الأكبر الثالث للولايات المتحدة بعد السعودية وكندا. وقد فتحت الحكومة الفنزويلية معظم قطاع الصناعة النفطية في البلاد للاستثمارات الأجنبية بشكل ضخ مليارات الدولارات من الخارج لهذا القطاع. فهناك اليوم حوالي 60 شركة أجنبية من 14 دولة تشارك بشكل أو بآخر في الصناعة النفطية الفنزويلية. ووقعت شركة النفط الوطنية الفنزويلية بتروليوس دوفنزويلا 33 عقدا تشغيليا مع شركات نفط أجنبية.
في إحدى زياراته المتعددة إلى كوبا، قال الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز إن البلدين يسيران نحو النهاية السعيدة نفسها. ومنذ ذلك الوقت، أصبح الاتهام الموجه لشافيز بأنه يريد تقليد النظام الشيوعي للزعيم الكوبي فيدل كاسترو مادة دائمة لخطب وتظاهرات المعارضة. وشافيز بالنسبة للنخبة الفنزويلية المتحصنة ما هو إلا رجل من الطبقة الدنيا سيصبح مصدر إزعاج للنظام القديم.
في البداية تبنت الولايات المتحدة موقف "انتظر وراقب" بعد النصر الكاسح الذي حققه شافيز في الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 1998، لكن تطور الأمر لاحقا، بحيث قال بعض المحللين بحلول عام 2002، بأن هوغو شافيز هو الهدف التالي على قائمة بوش العسكرية.
أصبح شافيز رئيساً للبلاد بعد حملة انتخابية طالب فيها بإصلاحات عميقة وتغيير دستوري وضرب على يد الفساد. حتى انتخابات 1998، كان حزب العمل الديمقراطي والحزب المسيحي الديمقراطي يسيطران على الحياة السياسية على المستويين المحلي والوطني. وفي 1999 استطاع شافيز أن يقر دستوراً جديداً نص على إجراء انتخابات جديدة، فاز بها لمدة ست سنوات بنسبة 60 في المائة. كما فاز الحزب الوطني الذي يتزعمه شافيز بأغلبية في المجلس التشريعي الجديد.
خصوم شافيز يقولون إن المصاعب الاقتصادية بدأت بتوليه السلطة وتطبيقه لسياسة يسارية على النمط الكوبي. أما شافيز فواصل النقد اللاذع للمعارضة واصفاً إياها بالانقلابية ومحاولة إعادة نظام حكومي يحابي الأثرياء. كما يرفض ما يسميه هو السياسات "الليبرالية الجديدة" للحكومات السابقة ويدين "الرأسماليين" و"الطبقة المالية النافذة" التي خصخصت بعض الصناعات. هناك فجوة واسعة بين الأغنياء والفقراء في فنزويلا. كما أن الكثيرين من النخبة متورطون في الفساد السياسي.
أوائل عام 2000 أثار شافيز الكثير من اللغط في العاصمة الكولومبية بوغوتا حين أعلن أنه يرغب في التوصل لاتفاق مع الميليشيات الكولومبية لمنعها من دخول الأراضي الفنزويلية. وفي 10 أغسطس 2000، قام شافيز بأول زيارة يقوم بها رئيس دولة إلى العراق بعد حرب الخليج بعشر سنين. وكانت تلك الزيارة جزءاً من جولة أخذته إلى كبريات الدول المصدرة للنفط في منظمة أوبك قبل قمتها في العاصمة كاركاس يوم 27 سبتمبر 2002. والتقى شافيز بالرئيس العراقي صدام حسين وتحدث الاثنان ضد الضغوط الغربية على الزعيم الفنزويلي لإجباره على إلغاء هذه الزيارة.
وفي أكتوبر 2001 استدعت واشنطن سفيرتها في كاراكاس دون ريناك لإجراء "مشاورات" بعد انتقاد شافيز للغزو الأمريكي لأفغانستان باعتباره "محاربة للإرهاب بالإرهاب". وبحلول نوفمبر 2001 أصبحت الاتصالات بين المسئولين الأميركيين والضباط الفنزويليين المنشقين شديدة التواتر لدرجة دفعت بالسفيرة ريناك لأن تطلب من الملحق العسكري الأميركي بالسفارة بأن يتوقف عن الاتصال بهؤلاء المنشقين.
بعد فترة من نمو اقتصادي معتدل في 2000 و2001، بدأ الاقتصاد الفنزويلي يمر بحالة ركود في 2002 بفعل تراجع الثقة التجارية في البلاد وانخفاض قيمة البوليفار الفنزويلي. ثم ضاعف النزاع السياسي هذا من الركود، وخصوصا الإضرابات التي دامت طوال ديسمبر ويناير. ونتيجة لهذا انخفض الإنتاج المحلي الإجمالي في 2002 بنسبة 9,8 في المائة.
في 11 أبريل 2002، أعلن رئيس الحرب الوطني الفنزويلي بأن القوات المسلحة قد استولت على السلطة في البلاد وعزلت الرئيس شافيز. وقال الجنرال ألبرتو كاما تشو كيروز إن حكومة تشافيز قد "تخلت عن مهامها" وأن رئيس هيئة الأركان العامة المشتركة الجنرال بيرنابي كاريرو كوبيرو قد قال إن القادة العسكريين قد طلبوا من الرئيس الاستقالة والدعوة لانتخابات جديدة. وانضمت قوى أكبر رجال المال والأعمال وأكبر نقابة عمالية وكبار القادة العسكريين وأقوى مؤسساتها الإعلامية معا ضد الرئيس شافيز.
غير أن شافيز عاد للسلطة في أبريل 2002 بعد انهيار قيادة الانقلاب في وجه الهبة الشعبية العارمة من أنصار الرئيس من حارات وبلدات البلاد الفقيرة. وبدت عودة شافيز للسلطة وكأنها جعلت من واشنطن غبية. ولم تساهم مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس سوى في تعزيز هذا الانطباع حين طلبت من الرئيس أن "يحترم العمليات الدستورية". الميثاق الديمقراطي لدول القارة الأمريكية هو منظمة للدول الأمريكية التي اتفقت على إدانة أي عملية انقلابية ضد حكومة منتخبة ديمقراطيا عضوا في المنظمة، وأن تعلق -إذا اقتضى الأمر- عضوية الدولة التي تنتهك هذا الميثاق، لكن غياب التزام واشنطن بالديمقراطية في المنطقة أصبح واضحا نتيجة ردة فعلها على هذه المحاولة الانقلابية.
على مدى العقد الماضي، ردت الإدارة الأمريكية بقوة وسرعة على الانقلابات التي شهدتها الباراغواي والإكوادور والبيرو وغواتيمالا وغيرها وطالبت علنا بالالتزام بالدستور. أما في هذه المرة، فقد سكتت أمريكا في البداية ثم قبلت بالانقلاب قبل أن ترحب بالقادة الانقلابيين. في الشهور التي سبقت الانقلاب سعت السفارة الأمريكية في كاراكاس لإبعاد نفسها عن الشائعات الانقلابية. غير أن إشارات واشنطن إلى خصوم شافيز كانت علنية وعلى أعلى المستويات.
في فبراير 2002، تحدث وزير الخارجية كولن باول أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قائلا إن هناك مخاوف "من بعض أفعال شافيز وفهمه لماهية الديمقراطية". وظهرت إشارات مماثلة من مدير السي أي إيه جورج تينيت. وشعرت المعارضة الفنزويلية بأنها حصلت على الضوء الأخضر من واشنطن للإطاحة بشافيز.
وكانت هناك تقارير عن أن العسكريين الأمريكيين وفروا مساعدة استخبارية وغيرها للقوات المسلحة الفنزويلية وهي تنفذ انقلابها. وقالت تقارير إن البحرية الأمريكية التي كانت تجري مناورات قبالة الساحل الفنزويلي في البحر الكاريبي قامت بعملية تشويش على الاتصالات الفنزويلية في أيام الانقلاب. وفور حدوث الانقلاب، قال المتحدث باسم البيت الأبيض آري فليتشر بأن الإدارة الأمريكية مسرورة برحيل شافيز. وقال فليتشر: لقد قمعت الحكومة الفنزويلية تظاهرة سلمية للشعب، وهو ما أدى فورا لظهور حالة ملتهبة استقال فيها شافيز.
وفي غضون ساعات من الانقلاب، قام أوتو ريتش مساعد وزير الخارجية الأمريكي باستدعاء عدد من سفراء دول أميركا اللاتينية إلى مكتبه وقال لهم إن شافيز قد استقال وحثهم على دعم الحكومة الفنزويلية الجديدة. بل إن ريتش قيل إنه اتصل هاتفيا بقائد الانقلاب بيدروكارمون يوم نصب نفسه رئيسا مؤقتا وحثه على ألا يحل الجمعية الوطنية وقال له إن ذلك سيكون "خطوة غبية". أوتو ريتش ونظيره في وزارة الدفاع روغليو باردو مورير التقيا بقادة الانقلاب في الشهور السابقة. باردو مورير كان مساعدا لزعيم عصابات الكونترا حين كانت تشن حربها المدعومة أميركيا ضد حكومة ساندينستا اليسارية في نيكاراغوا. وكان ريتش لاعبا أساسيا في فضيحة إيران كونترا. في أواسط الثمانينيات ترأس مكتب الدبلوماسية الشعبية في وزارة الخارجية لأمريكا اللاتينية والكاريبي.
وبدأت المعارضة الكوبية إضرابا عاما ضد الرئيس هوغو شافيز في 2 ديسمبر 2002. وكان الهدف هو تأزيم الاحتجاجات في محاولة لإجبار الرئيس على تقديم موعد الانتخابات وفي أواسط ديسمبر أدت هذه الإضرابات لإيقاف العمل في الجزء الأكبر من الصناعة النفطية، بشكل قلص جدا إنتاج فنزويلا وصادراتها إلى الأسواق العالمية. في 13 ديسمبر 2002 قال البيت الأبيض إنه يريد من شافيز أن يدعو لانتخابات رئاسية مبكرة لإنهاء الأزمة السياسية التي شلت صناعة النفط. وقال فليتشر إن الولايات المتحدة مقتنعة بأن الانتخابات المبكرة هي الطريقة الوحيدة السليمة والممكنة سياسيا لإنهاء الأزمة.
واجتمع دبلوماسيون من الولايات المتحدة والبرازيل وتشيلي والمكسيك وإسبانيا والبرتغال "المجموعة التي تسمى أصدقاء فنزويلا" وخططوا من أجل التوصل لحل يقوم على مقترحات وضعها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في 21 يناير 2003 ، وتدعو لاستفتاء عام في أغسطس 2003 أو لتغيير دستوري يسمح بانتخابات مبكرة. بحلول فبراير 2003 وبعد حوالي شهرين أخذ الإضراب في فنزويلا يظهر مؤشرات ضعف، غير أن الشقة بين أنصار ومعارضي شافيز ظلت واسعة، الإضراب العام كاد أن يشل كل الحياة التجارية في فنزويلا منذ 2 ديسمبر 2002 ، أصبح غير قابل للإصلاح لكن شيئا عادت الحركة التجارية بعد أن بلغت كلفة الاضطراب على الاقتصاد الفنزويلي 4 مليارات دولار، ويتوقع أن يتقلص حجم الاقتصاد هذا العام بنسبة 25 في المائة نتيجة له أيضا وعملة البلاد، البوليفار، فقدت قرابة 30 في المائة من قيمتها وتراجع إنتاج النفط إلى مجرد 200 ألف برميل يوميا في يناير 2003 ونجحت الحكومة في إعادته إلى مليون برميل يوميا وهو ثلث الإنتاج الفنزويلي قبل الإضراب.
في أواخر مارس 2003، قصفت القوات المسلحة الفنزويلية موقفا عسكرياً في أقصى غرب البلاد حيث استهدفت ميليشيا كولومبية موالية للجيش كانت تطارد المتمردين الكولومبيين إلى داخل الحدود الفنزويلية. يومها فسر هذا العمل على انه متعاطف مع المقاتلين اليساريين الذين يعتبرون شافيز حليفهم العقائدي.
تحصل كوبا من فنزويلا على 53 ألف برميل نفط يومياً بأسعار مخفضة مقابل حصول فنزويلا على خدمات الأطباء والمعلمين والعمال والتقنيين الكوبيين الذين سيشاركون في مهام أممية. وارتفع الدين النفطي الكوبي لشركة النفط الفنزويلية الوطنية إلى قرابة 266 مليون دولار بحلول مايو 2003.في النهاية ورغم وساطات الدول الست لم يتم التوصل لاتفاق بشأن موعد الاستفتاء الرئاسي المقرر في أغسطس 2003.
وعادت المزاعم بشأن اتهام شافيز بأنه يريد تقليد فيدل كاسترو للظهور من جديد في يوليو 2003. وكان الحافز هو إطلاق حملة محو أمية وطنية تم وضع تفاصيلها في كوبا.
كما تجددت الادعاءات حول أن الأطباء والمدربين الرياضيين والمعلمين الكوبيين الذين يرسلون بالمئات إلى فنزويلا هم جزء من خطة دعاية إيديولوجية تهدف لنشر الشيوعية خفية في فنزويلا. كما توصل شافيز لاتفاقية مع كاسترو يورد فيها لكوبا البضائع الفنزويلية مقابل إرسال أطباء وطواقم خدمات تقنية أخرى كوبيين إلى بلاده. ثم أصبحت أحياء كاراكاس الفقيرة مسرحاً لبرنامج كبير جديد يهدف لتحسين الرعاية الصحية للفقراء كان قوامها أطباء كوبيون.
الحكومة الفنزويلية طلبت من الكونغرس الأمريكي أن يبدأ تحقيقا في طريقة استخدام الأموال الممنوحة لجماعات المعارضة في صندوق الديمقراطية الوطني حيث توظف في زعزعة الديمقراطية الفنزويلية. وقال وفد فنزويلي زار الكونغرس: إن أموال الصندوق الوطني للديمقراطية تمنح بطريقة منحازة وحصرية للمنظمات المعارضة شديدة الراديكالية التي لم تكن تتفق في أعمالها مع الدستور الفنزويلي.
في 29 فبراير أرسل الرئيس بوش قوات مشاة البحرية إلى هايتي ضد قوة دولية لحفظ الاستقرار عقب رحيل الرئيس جان برتراند ارستيد. رحيل ارستيد أثار خوف شافيز. وفي خطبة له في كاراكاس يومها، وجه شافيز إهانات للرئيس بوش وتوعد أي تدخل عسكري أمريكي مزعوم في فنزويلا. واتهم شافيز الولايات المتحدة بتبرير انقلاب 2002 ضده وقال إنها تمول الجماعات الساعية لإعادة الانتخابات الرئاسية. في 1 مارس 2004 قال شافيز: "إذا كان الرئيس بوش مهووساً بجنون محاولة حصار فنزويلا، أو ربما ما هو أسوأ من ذلك، أن يغزو فنزويلا رداً على تحريضات من حوله.. فإن قطرة
نفط فنزويلية واحدة لن تدخل أمريكا". وفي 3 يونيو 2004 تم الاتفاق على إجراء استفتاء على حكم الرئيس هوغو شافيز، ثم في 15 أغسطس الحالي يوم الاستفتاء استطاع شافيز أن يفوز على المعارضة، في هذه الجولة التي اتهمته فيها بالتلاعب.
مجلة العصر
26/08/2004