aziz2000
06-02-2003, 07:45 AM
http://images.icnetwork.co.uk/upl/mirror/jan2003/1/4/000A6517-8CF6-1E37-8BD780BFB6FA0000.jpg
هذا المقال نشره الصحفي و المحلل السياسي (جون بلجر) في صحيفة (الديلي ميرور) بتأريخ 29 يناير من هذا العام.
قبل ترجمة مقاله لا بد من التعريف السريع بهذا الصحفي الذي نادراً ما نجد من يدانيه إخلاصاً لقضيته لأنه يقع في نفس تلك الفئة التي تضم نعوم تشومسكي وروبرت فسك من حيث درجة الوعي السياسي والاجتماعي والعمق الإنساني في الكتابة إلى جانب الجرأة والشجاعة وكيف أن هؤلاء الكتاب العظام لا يهمهم في قول الحق لومة لائم.
يتمتع (بلجر) بميزة إضافية عن غيره وهو أن يهوديته لا تغلب عليه في أي موقف، وهي مسحة لا تلمسها أحيانا في كتابات تشومسكي أو فسك. وهو محدث هادئ ولبق يفرض احترام كل من استضافه في مقابلاته بالبرامج التلفازية الأسترالية والبريطانية.
ولد بلجر وتلقى تعليمه بمدينة سيدني الأسترالية لكنه استقر في لندن كقاعدة صحفية. جاب الآفاق مراسلا حربيا وكتب للمسرح وعمل بالإذاعة والتلفاز وحاز على الكثير من جوائز التميز بوسائل الإعلام. يعد كتابه "الأهداف الخفية Hidden Agendas " من أبرز أعماله حيث يصف صناعة السلاح في بريطانيا والنصر المزيف لآلة الحرب الأمريكية في الخليج ويكشف مدى زيف وتضليل وسائل الإعلام في "عصر المعلومات" الذي نعيشه.
آخر أعمال بلجر هو البرنامج الوثائقي رقم 50 له وهو بعنوان " التمييز العنصري لم يمت".
يقول بلجر في مقاله:
إن أول من استخدم مصطلح " أيديه ملطخة بالدماء " كان (وليم راسل) ، ذلك المراسل و الصحفي اللامع الذي قدم تقاريراً عن مجازر الحروب الإمبريالية ، واصفاً بهذه التعبير أؤلئك السياسيون الذين كانوا – و من مكان آمن - يصدرون أوامر الإبادة الجماعية للأبرياء.
و من واقع خبرتي ، فإن هذا التعبير - " أيديه ملطخة بالدماء " - ينطبق تماماً و بشكل خاص على القادة السياسيين في عصرنا الحديث الذين ليس لهم أية تجربة شخصية في أي حرب ، مثل (جورج بوش الإبن) الذي نجح في الإفلات من حرب فييتنام ، و مثل المهين الآخر (توني بلير). هؤلاء هم المعنيون بشكل أساسي بصفة ذلك الجبان الذي يتسبب بالموت و المعاناة للأبرياء ، ليس بيديه هو ، و لكن من خلال سلسلة الأوامر التي تنفذ بأمره!
إن قضاة محاكم جرائم الحرب في (نورنبرغ) في عام 1946 التي أقيمت لقادة النازية لم يدعوا أي شك في وصف ما يعد من أبشع الجرائم ضد الإنسانية و التي من أخطرها هو "الاحتلال الغير مستفز لدولة ذات سيادة والتي لا تشكل أي تهديد لأرض المحتل ، يأتي بعدها قتل المدنيين الذي تتحمل مسؤوليته السلطات العليا". و (توني بلير) بصدد أن يرتكب كلتا الجريمتين في الوقت الذي فشل فيه في الحصول على أي غطاء شرعي – و لو كان كان هزيلاً – لحربه من الأمم المتحدة بعد أن أخفق المفتشون في إيجاد أي شيء في ترسانة العراق المزعومة. فهو لا يختلف تماماً عن أؤلئك النازيين في قفص الإتهام في محكمة (نورنبرغ) عار عن أي مبررات أخلاقية لما ينوي القيام به! و باستخدام ما يسمى بـ " إمتياز القرار الملكي" البائد ، فإنه أرسل بـ 35000 جندياً بريطانياً وسفناً حربية و طائرات الى منطقة الخليج لحرب العراق دون أن يستشير بذلك البرلمان أو الشعب البريطاني ، بدلا ًمن هذا فقد استشار قوة أجنية .. حكومة واشنطون بقيادة (بوش)!
هذه الحكومة - التي لم تنتخب بنزاهة عام 2000 - تمارس الآن الدكتاتورية السياسية الكاملة ، و تسيطر عليها زمرة لم يشهد لها مثيلاً في تعصبها و توقها لشن ( حرب لا نهاية لها ) و لتحقيق ( هيمنة كونية شاملة ).
كل العالم يعرف أسماء هذه العصابة: بوش ، رامسفيلد ، كوندوليزا رايس ، وولفوتز ، تشيني و بيرل ، و الليبرالي الكاذب ( باول ). لقد كان خطاب بوش لـ (حالة الإتحاد) يوم أمس شبيهاً بذلك الخطاب الشهير لـ (هتلر) عام 1938 عندما جمع قادة الجيش قائلاً : ( لابد لي من حرب ) ، فكان له ذلك!
أن من ينعت (بلير) بلقب (ذيل الكلب) قد يوحي بعدم اشتراكه في مسؤولية قتل رجال العراق ، ونسائهم و أطفالهم الأبرياء في حربهم القادمة ضد العراقيين. هذا المنافق هو تجسيد مثالي لإسترضاء أخطر عصابة عرفتها البشرية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. إن النخبة التي تحكم البيت الأبيض الآن هي بمثابة (الرايخ الثالث) لهذا القرن! و يجب أن لا تنسينا هذه الحقيقة أن كل ما فعلته هذه النخبة أنها عجلت من حركة الإرهاب الأميركي للعالم الذي لم يعرف هوادة خلال الخمسين عاماً الماضية: بدءا ًمن القنبلة الذرية التي أسقطوها بكل لؤمهم على اليابان في إشارة إلى قوتهم الجديدة ، مروراً بعشرات البلدان التي غزوها ، مباشرة أو بالوساطة ، و تدمير الديمقراطية في أي مكان تصطدم فيه مع مصالحهم ، بالإضافة إلى نهمهم البالغ لثروات العالم ، مثل النفط.
إذا سمعت بعد الآن (بلير) أو وزير خارجيته (سترو) أو (بوش) يتكلمون عن ( إرساء الديمقراطية للشعب العراقي ) ، تذكر جيداً أن المخابرات الأميركية CIA هي التي أرست نظام البعث في العراق في إنقلاب 1968 والذي أخرج دكتاتور العراق (صدام حسين) ، ذلك الإنقلاب الذي وصفه مسؤول المخابرات الأميركي بأنه ( أفضل إنقلاب ! ).
و عندما تسمع بعد الآن (بوش) أو (بلير) يتكلمان عن ( آثار بارود Smoking Gun ) في العراق ، فتسائل لماذا صادرت الحكومة الأميركية في ديسمبر الماضي ملف الأسلحة العراقي المكون من 12000 صفحة الذي قدمه العراق للأمم المتحدة ، معللة فعلها هذا بأن الملف يحتوي على "معلومات حساسة" تحتاج الى "تحرير" !
وبالتأكيد كان يحتوي على معلومات حساسة ! فالتقرير الأصلي لملف الأسلحة العراقي كان يضم قائمة بأكثر من 150 شركة أميركية و بريطانية و أخرى أجنبية كانت قد زودت العراق بتكنلوجيا الأسلحة النووية و الكيميائية و تقنية الصواريخ ، و أغلبها كان يتم بصورة غير قانونية! ففي عام 2000 ، أعاق (بيتر هين) الذي كان وزيراً للخارجية ، مطالب البرلمان بنشر أسماء كل الشركات البريطانية التي خرقت القانون ، ولم يقدم تفسيراً لعمله ذلك!
من طبيعة عملي كمراسل صحفي في عدة حروب، فإني أدرك بصورة مستمرة أن هذه الكلمات على صفحات كهذه تبدو عويصة و كأنها لعبة شطرنج لا علاقة لها بحياة الناس. إن ما أحمله من تلك المشاهد التي لا تزال حية في ذاكرتي هي التي تصنع هذه العلاقة. إنها مشاهد النتائج النهائية للأوامر التي يصدرها من مسافات بعيدة أشخاص من أمثال (بوش) و (بلير) ، الذين لا يرون ، و لن تكون عندهم الجرأة ليروا ، الدمار الذي يصنعونه في حياة الأبرياء ، أو الدماء التي تسبح فيها أيديهم.
دعوني أضرب لكم مثلين لما أقول. سوف تشن قاذفات الـ B52 الأميركية موجات من الغارات لتلقي حممها على العراقيين. في فييتنام ، حيث قتل أكثر من مليون إنسان في غزو أميركا للبلاد في الستينيات ، رأيت مرة بعيني ثلاثة تشكيلات عملاقة من القنابل التي أسقطتها طائرات الـ B52 التي كانت تحلق عالياً فوق الغيوم. في ذلك اليوم ألقت تلك الطائرات بسبعين طناً من المتفجرات في ما صار يعرف بنموذج ( العلبة الطويلة Long Box) ، و هو التعبير العسكري للتدمير الأرضي الكامل (Carpet Bombing ) ، و يعني الحرص على تدمير كل شيء داخل هذه القطعة الجغرافية الموصوفة بن (العلبة) تدميراً شاملاً!
عندما وصلت لإحدى القرى التي تقع من ضمن هذه "العلبة" المدمرة ، كانت الشوارع قد تحولت إلى حفر براكين ، فتعثرت قدمي بساق جاموس ممزق ، فسقطت بقوة داخل حفرة مليئة بأشلاء القتلى و جثث الأطفال التي تطايرت بفعل الإنفجار.
كانت جلود الأطفال قد انسلخت و طويت على بعضها ، وبرزت الشرايين و الأوردة و ظهر من خلالها اللحم المحترق الذي يتدفق منه الدم، بينما أعين هؤلاء الأطفال بقيت كما هي ، لكن محدقة إلى الأعلى! لقد تكورت إحدى الأرجل الصغيرة إلى درجة كبيرة كانت تبدو معها القدم كأنها قد نبتت من كتف الطفل! كنت أتقيأ من هذا المشهد!
لقد تعمدت أن أصف هذا المشهد بهذا التفصيل ، فهذا ما رأيته ، دائماً ، ومع ذلك ، فإن أماكن بشعة كهذه حيث تختلط فيها الجثث مع بعضها لا تصل أخبارها و مشاهدها إلى ماكنة الإعلام الحربي كالتلفزيون أو حتى صفحات الجرائد. هذه المشاهد كنت أراها فقط مثبتة على جدران وكالات الأنباء في (سايغون) كأنها متحف يجمع صور الوحوش!
تلى ذلك بضعة سنين حين رأيت أطفالاً فييتناميين يعانون من تشوه خلقي شديد في قرى كانت الطائرات الأميركية قد رشتها بمبيدات كيميائية تعرف بـ (العامل البرتقالي). هذا المبيد الذي حظر في الولايات المتحدة ، ولا ريب ! لأنه يحتوي على مادة الـدايوكسيد ، احد أشد السموم المعروفة فتكاً.
هذا السلاح الكيميائي الفضيع ، سلاح الإبادة الجماعية ، ألقاه الأميركان على نصف فييتنام الجنوبية. و اليوم بعد أكثر من نصف قرن على انتهاء الحرب ، لا يزال هذا السم الكيميائي ينتشر عن طريق المياه و التربة و المزروعات الى الفييتناميين ، حيث لا يزال إلى الآن يولد الأطفال الفييتناميون بدون حنك أو خد أو خصيتين ، أو يولدوا ميتين!
لم تروا هؤلاء الأطفال على شاشات الأخبار في التلفزيون يومها ، لقد كانت مشاهدهم بشعة ، شاهدة على جريمة كبرى ، و لم توضع صورهم و شكواهم على أي حائط حتى ، وقد أصبحوا الآن أخباراً قديمة.
هذا هو الوجه الحقيقي للحرب ، فهل ستعرضها لكم الأقمار الصناعية عندما يضربون العراق ؟ أشك في ذلك!
لقد تذكرت بصدمة بليغة أطفال فييتنام عندما سافرت إلى العراق قبل عامين و رأيت الأطفال المشوهين بأفضع التشوهات الخلقية ، حيث رافقتني أخصائية الأطفال في ردهات المشفى و هي تصف لي حالتهم ، كانت مشابهة لما رايت في فييتنام ، و هي ظاهرة لم تكن معروفة لدى العراقيين قبل حرب الخليج 1991.
لقد احتفظت تلك الطبيبة بألبوم صور الأطفال الذين توفوا ، بابتسامتهم البريئة على وجوههم الشاحبة البائسة ، كانت تعرض علي هذه الصور و هي تنتحب !
أكثر من 300 طن من اليورانيوم المنضب ، أحد أسلحة الدمار الشامل ، أطلقتها الدبابات و الطائرات الأميركية ، و ربما البريطانية ، في جنوب العراق. وأكثر أطلاقات الذخيرة كانت مغطاة باليورانيوم الصلب ، الذي يسبب استنشاقه أو تناوله مع الطعام مختلف أنواع السرطان، في بلد يعصف به الغبار الذي يحمل كل شيء و هو يضرب البيوت و الأسواق و أماكن لعب الأطفال ، الذين هم أكثر عرضة له.
لأكثر من 12 عاماً حُرم العراق من استيراد الأجهزة المختصة التي يحتاجها مهندسوه لتطهير ساحات القتال في الجنوب. كما حرم أيضاً من الدواء و الأجهزة الطبية التي تساعده في مكافحة أمراض السرطان و التي يقدر أنها ستصيب الملايين من سكان الجنوب!
في نوفمبر الماضي ، سأل عضو البرلمان (جيرمي كوربن) نائب وزير الدفاع (آدم انغرام) عن الأسلحة التي تحوي اليورانيوم المنضب و التي تحملها القوات البريطانية في ساحة الحرب مع العراق؟ فأجاب بطريقة الرجل الآلي : "أنا أمتنع عن الإدلاء بأي معلومات بالإستناد إلى قانون الحصانة رقم (1) في قانون العمل المتعلق بالوصول إلى معلومات الدولة"
لنكن واقعيين و نتكلم بوضوح حول ما سيفعله هجوم ( بوش – بلير ) بأخواننا من البشر في بلد لا يزال يئن من الحصار الذي تفرضه أميركا و بريطانيا ، هذا الهجوم الموجه ليس على صدام حسين .. بل على الشعب المسكين الذي حرم حتى من الحصول على اللقاح لأطفاله. ففي الأسبوع الماضي أعلن البنتاغون في واشنطن الأمر الواقع من أنه سيحطم العراق "مادياً و معنوياً و نفسياً" بوابل من 800 صاروخ كروز خلال يومين! هذا العدد من الصواريخ سيكون أكثر من ضعفي عدد صواريخ كروز التي أطلقت خلال الـ 40 يوماً من حرب بوش الأب عام 1991!
هذا المقال نشره الصحفي و المحلل السياسي (جون بلجر) في صحيفة (الديلي ميرور) بتأريخ 29 يناير من هذا العام.
قبل ترجمة مقاله لا بد من التعريف السريع بهذا الصحفي الذي نادراً ما نجد من يدانيه إخلاصاً لقضيته لأنه يقع في نفس تلك الفئة التي تضم نعوم تشومسكي وروبرت فسك من حيث درجة الوعي السياسي والاجتماعي والعمق الإنساني في الكتابة إلى جانب الجرأة والشجاعة وكيف أن هؤلاء الكتاب العظام لا يهمهم في قول الحق لومة لائم.
يتمتع (بلجر) بميزة إضافية عن غيره وهو أن يهوديته لا تغلب عليه في أي موقف، وهي مسحة لا تلمسها أحيانا في كتابات تشومسكي أو فسك. وهو محدث هادئ ولبق يفرض احترام كل من استضافه في مقابلاته بالبرامج التلفازية الأسترالية والبريطانية.
ولد بلجر وتلقى تعليمه بمدينة سيدني الأسترالية لكنه استقر في لندن كقاعدة صحفية. جاب الآفاق مراسلا حربيا وكتب للمسرح وعمل بالإذاعة والتلفاز وحاز على الكثير من جوائز التميز بوسائل الإعلام. يعد كتابه "الأهداف الخفية Hidden Agendas " من أبرز أعماله حيث يصف صناعة السلاح في بريطانيا والنصر المزيف لآلة الحرب الأمريكية في الخليج ويكشف مدى زيف وتضليل وسائل الإعلام في "عصر المعلومات" الذي نعيشه.
آخر أعمال بلجر هو البرنامج الوثائقي رقم 50 له وهو بعنوان " التمييز العنصري لم يمت".
يقول بلجر في مقاله:
إن أول من استخدم مصطلح " أيديه ملطخة بالدماء " كان (وليم راسل) ، ذلك المراسل و الصحفي اللامع الذي قدم تقاريراً عن مجازر الحروب الإمبريالية ، واصفاً بهذه التعبير أؤلئك السياسيون الذين كانوا – و من مكان آمن - يصدرون أوامر الإبادة الجماعية للأبرياء.
و من واقع خبرتي ، فإن هذا التعبير - " أيديه ملطخة بالدماء " - ينطبق تماماً و بشكل خاص على القادة السياسيين في عصرنا الحديث الذين ليس لهم أية تجربة شخصية في أي حرب ، مثل (جورج بوش الإبن) الذي نجح في الإفلات من حرب فييتنام ، و مثل المهين الآخر (توني بلير). هؤلاء هم المعنيون بشكل أساسي بصفة ذلك الجبان الذي يتسبب بالموت و المعاناة للأبرياء ، ليس بيديه هو ، و لكن من خلال سلسلة الأوامر التي تنفذ بأمره!
إن قضاة محاكم جرائم الحرب في (نورنبرغ) في عام 1946 التي أقيمت لقادة النازية لم يدعوا أي شك في وصف ما يعد من أبشع الجرائم ضد الإنسانية و التي من أخطرها هو "الاحتلال الغير مستفز لدولة ذات سيادة والتي لا تشكل أي تهديد لأرض المحتل ، يأتي بعدها قتل المدنيين الذي تتحمل مسؤوليته السلطات العليا". و (توني بلير) بصدد أن يرتكب كلتا الجريمتين في الوقت الذي فشل فيه في الحصول على أي غطاء شرعي – و لو كان كان هزيلاً – لحربه من الأمم المتحدة بعد أن أخفق المفتشون في إيجاد أي شيء في ترسانة العراق المزعومة. فهو لا يختلف تماماً عن أؤلئك النازيين في قفص الإتهام في محكمة (نورنبرغ) عار عن أي مبررات أخلاقية لما ينوي القيام به! و باستخدام ما يسمى بـ " إمتياز القرار الملكي" البائد ، فإنه أرسل بـ 35000 جندياً بريطانياً وسفناً حربية و طائرات الى منطقة الخليج لحرب العراق دون أن يستشير بذلك البرلمان أو الشعب البريطاني ، بدلا ًمن هذا فقد استشار قوة أجنية .. حكومة واشنطون بقيادة (بوش)!
هذه الحكومة - التي لم تنتخب بنزاهة عام 2000 - تمارس الآن الدكتاتورية السياسية الكاملة ، و تسيطر عليها زمرة لم يشهد لها مثيلاً في تعصبها و توقها لشن ( حرب لا نهاية لها ) و لتحقيق ( هيمنة كونية شاملة ).
كل العالم يعرف أسماء هذه العصابة: بوش ، رامسفيلد ، كوندوليزا رايس ، وولفوتز ، تشيني و بيرل ، و الليبرالي الكاذب ( باول ). لقد كان خطاب بوش لـ (حالة الإتحاد) يوم أمس شبيهاً بذلك الخطاب الشهير لـ (هتلر) عام 1938 عندما جمع قادة الجيش قائلاً : ( لابد لي من حرب ) ، فكان له ذلك!
أن من ينعت (بلير) بلقب (ذيل الكلب) قد يوحي بعدم اشتراكه في مسؤولية قتل رجال العراق ، ونسائهم و أطفالهم الأبرياء في حربهم القادمة ضد العراقيين. هذا المنافق هو تجسيد مثالي لإسترضاء أخطر عصابة عرفتها البشرية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. إن النخبة التي تحكم البيت الأبيض الآن هي بمثابة (الرايخ الثالث) لهذا القرن! و يجب أن لا تنسينا هذه الحقيقة أن كل ما فعلته هذه النخبة أنها عجلت من حركة الإرهاب الأميركي للعالم الذي لم يعرف هوادة خلال الخمسين عاماً الماضية: بدءا ًمن القنبلة الذرية التي أسقطوها بكل لؤمهم على اليابان في إشارة إلى قوتهم الجديدة ، مروراً بعشرات البلدان التي غزوها ، مباشرة أو بالوساطة ، و تدمير الديمقراطية في أي مكان تصطدم فيه مع مصالحهم ، بالإضافة إلى نهمهم البالغ لثروات العالم ، مثل النفط.
إذا سمعت بعد الآن (بلير) أو وزير خارجيته (سترو) أو (بوش) يتكلمون عن ( إرساء الديمقراطية للشعب العراقي ) ، تذكر جيداً أن المخابرات الأميركية CIA هي التي أرست نظام البعث في العراق في إنقلاب 1968 والذي أخرج دكتاتور العراق (صدام حسين) ، ذلك الإنقلاب الذي وصفه مسؤول المخابرات الأميركي بأنه ( أفضل إنقلاب ! ).
و عندما تسمع بعد الآن (بوش) أو (بلير) يتكلمان عن ( آثار بارود Smoking Gun ) في العراق ، فتسائل لماذا صادرت الحكومة الأميركية في ديسمبر الماضي ملف الأسلحة العراقي المكون من 12000 صفحة الذي قدمه العراق للأمم المتحدة ، معللة فعلها هذا بأن الملف يحتوي على "معلومات حساسة" تحتاج الى "تحرير" !
وبالتأكيد كان يحتوي على معلومات حساسة ! فالتقرير الأصلي لملف الأسلحة العراقي كان يضم قائمة بأكثر من 150 شركة أميركية و بريطانية و أخرى أجنبية كانت قد زودت العراق بتكنلوجيا الأسلحة النووية و الكيميائية و تقنية الصواريخ ، و أغلبها كان يتم بصورة غير قانونية! ففي عام 2000 ، أعاق (بيتر هين) الذي كان وزيراً للخارجية ، مطالب البرلمان بنشر أسماء كل الشركات البريطانية التي خرقت القانون ، ولم يقدم تفسيراً لعمله ذلك!
من طبيعة عملي كمراسل صحفي في عدة حروب، فإني أدرك بصورة مستمرة أن هذه الكلمات على صفحات كهذه تبدو عويصة و كأنها لعبة شطرنج لا علاقة لها بحياة الناس. إن ما أحمله من تلك المشاهد التي لا تزال حية في ذاكرتي هي التي تصنع هذه العلاقة. إنها مشاهد النتائج النهائية للأوامر التي يصدرها من مسافات بعيدة أشخاص من أمثال (بوش) و (بلير) ، الذين لا يرون ، و لن تكون عندهم الجرأة ليروا ، الدمار الذي يصنعونه في حياة الأبرياء ، أو الدماء التي تسبح فيها أيديهم.
دعوني أضرب لكم مثلين لما أقول. سوف تشن قاذفات الـ B52 الأميركية موجات من الغارات لتلقي حممها على العراقيين. في فييتنام ، حيث قتل أكثر من مليون إنسان في غزو أميركا للبلاد في الستينيات ، رأيت مرة بعيني ثلاثة تشكيلات عملاقة من القنابل التي أسقطتها طائرات الـ B52 التي كانت تحلق عالياً فوق الغيوم. في ذلك اليوم ألقت تلك الطائرات بسبعين طناً من المتفجرات في ما صار يعرف بنموذج ( العلبة الطويلة Long Box) ، و هو التعبير العسكري للتدمير الأرضي الكامل (Carpet Bombing ) ، و يعني الحرص على تدمير كل شيء داخل هذه القطعة الجغرافية الموصوفة بن (العلبة) تدميراً شاملاً!
عندما وصلت لإحدى القرى التي تقع من ضمن هذه "العلبة" المدمرة ، كانت الشوارع قد تحولت إلى حفر براكين ، فتعثرت قدمي بساق جاموس ممزق ، فسقطت بقوة داخل حفرة مليئة بأشلاء القتلى و جثث الأطفال التي تطايرت بفعل الإنفجار.
كانت جلود الأطفال قد انسلخت و طويت على بعضها ، وبرزت الشرايين و الأوردة و ظهر من خلالها اللحم المحترق الذي يتدفق منه الدم، بينما أعين هؤلاء الأطفال بقيت كما هي ، لكن محدقة إلى الأعلى! لقد تكورت إحدى الأرجل الصغيرة إلى درجة كبيرة كانت تبدو معها القدم كأنها قد نبتت من كتف الطفل! كنت أتقيأ من هذا المشهد!
لقد تعمدت أن أصف هذا المشهد بهذا التفصيل ، فهذا ما رأيته ، دائماً ، ومع ذلك ، فإن أماكن بشعة كهذه حيث تختلط فيها الجثث مع بعضها لا تصل أخبارها و مشاهدها إلى ماكنة الإعلام الحربي كالتلفزيون أو حتى صفحات الجرائد. هذه المشاهد كنت أراها فقط مثبتة على جدران وكالات الأنباء في (سايغون) كأنها متحف يجمع صور الوحوش!
تلى ذلك بضعة سنين حين رأيت أطفالاً فييتناميين يعانون من تشوه خلقي شديد في قرى كانت الطائرات الأميركية قد رشتها بمبيدات كيميائية تعرف بـ (العامل البرتقالي). هذا المبيد الذي حظر في الولايات المتحدة ، ولا ريب ! لأنه يحتوي على مادة الـدايوكسيد ، احد أشد السموم المعروفة فتكاً.
هذا السلاح الكيميائي الفضيع ، سلاح الإبادة الجماعية ، ألقاه الأميركان على نصف فييتنام الجنوبية. و اليوم بعد أكثر من نصف قرن على انتهاء الحرب ، لا يزال هذا السم الكيميائي ينتشر عن طريق المياه و التربة و المزروعات الى الفييتناميين ، حيث لا يزال إلى الآن يولد الأطفال الفييتناميون بدون حنك أو خد أو خصيتين ، أو يولدوا ميتين!
لم تروا هؤلاء الأطفال على شاشات الأخبار في التلفزيون يومها ، لقد كانت مشاهدهم بشعة ، شاهدة على جريمة كبرى ، و لم توضع صورهم و شكواهم على أي حائط حتى ، وقد أصبحوا الآن أخباراً قديمة.
هذا هو الوجه الحقيقي للحرب ، فهل ستعرضها لكم الأقمار الصناعية عندما يضربون العراق ؟ أشك في ذلك!
لقد تذكرت بصدمة بليغة أطفال فييتنام عندما سافرت إلى العراق قبل عامين و رأيت الأطفال المشوهين بأفضع التشوهات الخلقية ، حيث رافقتني أخصائية الأطفال في ردهات المشفى و هي تصف لي حالتهم ، كانت مشابهة لما رايت في فييتنام ، و هي ظاهرة لم تكن معروفة لدى العراقيين قبل حرب الخليج 1991.
لقد احتفظت تلك الطبيبة بألبوم صور الأطفال الذين توفوا ، بابتسامتهم البريئة على وجوههم الشاحبة البائسة ، كانت تعرض علي هذه الصور و هي تنتحب !
أكثر من 300 طن من اليورانيوم المنضب ، أحد أسلحة الدمار الشامل ، أطلقتها الدبابات و الطائرات الأميركية ، و ربما البريطانية ، في جنوب العراق. وأكثر أطلاقات الذخيرة كانت مغطاة باليورانيوم الصلب ، الذي يسبب استنشاقه أو تناوله مع الطعام مختلف أنواع السرطان، في بلد يعصف به الغبار الذي يحمل كل شيء و هو يضرب البيوت و الأسواق و أماكن لعب الأطفال ، الذين هم أكثر عرضة له.
لأكثر من 12 عاماً حُرم العراق من استيراد الأجهزة المختصة التي يحتاجها مهندسوه لتطهير ساحات القتال في الجنوب. كما حرم أيضاً من الدواء و الأجهزة الطبية التي تساعده في مكافحة أمراض السرطان و التي يقدر أنها ستصيب الملايين من سكان الجنوب!
في نوفمبر الماضي ، سأل عضو البرلمان (جيرمي كوربن) نائب وزير الدفاع (آدم انغرام) عن الأسلحة التي تحوي اليورانيوم المنضب و التي تحملها القوات البريطانية في ساحة الحرب مع العراق؟ فأجاب بطريقة الرجل الآلي : "أنا أمتنع عن الإدلاء بأي معلومات بالإستناد إلى قانون الحصانة رقم (1) في قانون العمل المتعلق بالوصول إلى معلومات الدولة"
لنكن واقعيين و نتكلم بوضوح حول ما سيفعله هجوم ( بوش – بلير ) بأخواننا من البشر في بلد لا يزال يئن من الحصار الذي تفرضه أميركا و بريطانيا ، هذا الهجوم الموجه ليس على صدام حسين .. بل على الشعب المسكين الذي حرم حتى من الحصول على اللقاح لأطفاله. ففي الأسبوع الماضي أعلن البنتاغون في واشنطن الأمر الواقع من أنه سيحطم العراق "مادياً و معنوياً و نفسياً" بوابل من 800 صاروخ كروز خلال يومين! هذا العدد من الصواريخ سيكون أكثر من ضعفي عدد صواريخ كروز التي أطلقت خلال الـ 40 يوماً من حرب بوش الأب عام 1991!