فانتازيا
23-11-2001, 09:53 PM
لم تكن الشمس قد أشرقت بعد عندما ارتفع صوت منبه السيارة في ذلك الحي السكني الغارق في الهدوء ، وهناك في تلك الفيلا التي وقفت السيارة بجانبها كان جمال يقف أمام المرآة وهو يتأمل مظهره للمرة الأخيرة قبل أن يستعد للخروج ، ومن خلفه كانت زوجته فدوى تنظر إليه وهي تحاول أن ترسم على شفتيها ابتسامة باهتة قبل أن تقول :
- هيا ستتأخر على زملائك إنهم ينتظرونك .. ثق بي إنك وسيم كعادتك .
التفت إليها بحنان وهو يقول لها بحب :
- ولكن ليس الجميع لهم مثل عينيك التي ترى الوجود جميلا ..
اقتربت فدوى منه وأمسكت بيديه وهي تقول :
- هل تعلم يا جمال .. بالرغم من أنه لم يمضي على زواجنا أكثر من شهرين إلا أنني أشعر بأنني ولدت فقط عندما أصبحت جزءا من حياتي ..
ضم جمال يديها إلى صدره وهو يقول :
- وأنا لم أعرف طعما للحياة حتى عرفتك وعشت في ظلك وحبك ..
همت بأن تقول له شيئا لولا أن ارتفع صوت منبه السيارة مرة أخرى ، فمسح جمال على شعرها بيده ثم أسرع يحمل حقيبته الخاصة بالرحلات وهي تقول له :
- سأفتقدك خلال تغيبك في هذين اليومين ..
التفت إليها وقد ملأت الابتسامة وجهه وهو يهمس بصوت لا يكاد يسمع :
- أحبك يا فدوى ..
ثم توجه لبوابة الخروج ولكنه توقف عندما سمع صوتها يناديه فالتفت إليها ، كانت صامتة لبضع لحظات قبل أن تقول بقلق لم تستطع أن تخفيه :
- كن حذرا وانتبه لنفسك ..
أومأ برأسه إيجابا ، ثم أسرع ينضم إلى تلك السيارة التي تنتظره في الخارج ، في حين كانت فدوى تتابعه بنظراتها وقد استحوذ عليها شعور بالقلق لا تدري من أين مبعثه ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
انطلقت السيارة تسلك طريقها متجهة نحو منطقة صحراوية بغرض التخييم والقنص الذي يكون رائعا في فصل الشتاء ، كان منصور يقود السيارة بسرعة مبالغة فيها ، فهو يعشق قيادة السيارات إلى حد الجنون ، وبجواره كان يجلس خالد وهو أكبرهم ، وكان خالد كثيرا ما يوجه منصور إلى الطريق الصحيح وفي بعض الأحيان يطلب منه تخفيف السرعة والقيادة بهدوء أكبر ، وفي المقعد الخلفي كان يجلس جمال مع فيصل ابن عمه وصديق الطفولة ..
قال خالد في الوقت الذي كانت السيارة تنتقل من الطريق المسفلت إلى الطريق الترابي :
- ستكون هذه الرحلة رائعة لأنني سأذهب بكم إلى مكان جديد ورائع ..
ابتسم فيصل قائلا وهو يعبث ببندقية الصيد في يده :
- إذن هي لن تكون رائعة للطيور التي تعيش هناك ..
ضحك جمال قبل أن يقول وهو يغمز بعينه :
- ليس إذا عرفت أن الذي سيمسك بالبندقية هو فيصل ..
ضحك الجميع في مرح ، ثم رفع منصور صوت مسجل السيارة حيث كانت أغنية المسافر يتغنى بها راشد الماجد في نفس الوقت الذي زاد فيه من سرعة السيارة وهو يطلق صفيرا من بين شفتيه على لحن الأغنية ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
لم تستطع فدوى النوم بعد أن غادر زوجها جمال المنزل ، كانت تجلس على طرف السرير ونظراتها شاردة ، إنها المرة الأولى التي يخرج فيها جمال ليبيت خارج المنزل .. كانت تسترجع ذكرياتها في ذلك اليوم عندما دخلت عليها أمها في غرفتها وهي تقول لها :
- فدوى هل تعرفين من كان عندنا قبل قليل ؟؟ إنه والد جمال جاء لخطبتك لابنه ..
احمر وجهها وتسارعت نبضات قلبها لمجرد سماع اسم جمال ، إنه شقيق عبير صديقتها العزيزة ، وفي كثير من الأحيان كانا يخرجان معا ويكون جمال هو سائقهما الخاص ..
اقتربت والدتها منها وجلست جوارها وهي تقول بسعادة حقيقية :
- إنه شاب على خلق رفيع وعائلته نعرفها جيدا .. فما رأيك يا فدوى ؟
قلبها يكاد يصرخ من السعادة ليعلن موافقته ، ولكن الخجل كان أقوى منها .. فقالت بصوت منخفض امتزج بفرحة واضحة :
- إذا كان والدي موافقا فأنا لن أعصي له أمرا ..
وانطلقت من حنجرة والدتها زغرودة تعلن ميلاد فرحة جديد في ذلك المنزل ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
كان فيصل يركض باتجاه الخيمة التي نصبوها بمجرد اختيارهم المكان وهو يمسك في يده اليمني طائر ويلوح بالبندقية التي يمسكها بيده اليسرى وهو يقول بسعادة :
- لقد اصطدته .. فعلتها وحدي ..
ابتسم خالد وهو يقول :
- وما لفائدة أن تصطاد شيئا بعد أن انتهينا من تناول الغداء ..
وهنا نهض منصور من مكانه وقال وهو يعبث بمفاتيح سيارته :
- هل يريد أحدكم أن يرافقني .. فأنا أشعر برغبة شديدة في إبراز مهاراتي في القيادة ..
أجمع الجميع على النفي ، فتعذر بعضهم بالإجهاد والبعض الآخر أبدى تخوفه من قيادته المتهورة ، فاتجه منصور إلى السيارة وهو يقول في ثقة :
- لا بأس .. يمكنكم الاستمتاع بمشاهدتي ..
وعندما أدار محرك السيارة وقبل أن يبدأ بالتحرك هتف به خالد :
- كن حذرا يا منصور ..
هنا تذكر جمال زوجته التي قالت له نفس هذه العبارة قبل أن يغادر ، وشعر بقلق لم يعرف مصدره .. في حين كان منصور قد انطلق بالسيارة بسرعة كبيرة ثم ينعطف بها بشكل مفاجئ لتثير عاصفة من الرمال خلفها ، وكان يخيل لهم في بعض الأحيان أن السيارة تسير فقط على جانب واحد .. كان فيصل يعتقد أنه يستطيع أن يفعل أفضل من ذلك ، أما خالد فكان مصرا على أن هذا عمل أحمق ..
وفجأة وبينما كان منصور ينعطف بالسيارة انفجرت إحدى إطارات السيارة فاختلت توازنها ، وحاول منصور تعديل مسارها .. لكنه لم يستطع السيطرة عليها حيث انقلبت السيارة حول نفسها أكثر من مرة .. وارتسم الجزع على وجوه الجميع .. وهوى قلب جمال بين قدميه ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
أخرجت فدوى ألبوم الصور الذي كان شاهدا على ليلة زواجها ، كانت تتأمل صورتها وهي ترتدي فستانها الأبيض وبجوارها أهلها وأقربائها وأصدقائها .. وتمنت لحظة أن يعود الزمن بها إلى تلك الأيام حيث بداية طريقها نحو السعادة .. وعندما وصلت إلى صورة جمال الذي كان مبتسما وهو يقف أمام المنزل عادت بذاكرتها إلى الوراء .. عندما جمعها مكان واحد مع زوجها لأول مرة .. ما زالت تذكر عيناه التي تشع بالحب .. وصوته الحنون وهو يقول لها :
- مبروك يا فدوى .. بل مبروك لي أنا .. فأنت هديتي التي كنت أحلم بها دائما ..
حاولت أن تستجمع شجاعتها ورفعت عينيها إليه وهي تقول :
- فرحتي بوجودك جواري هو غايتي ومناي ..
اقترب منها أكثر واحتواها بين ذراعيه وهو يهمس لها بأنفاسه :
- أحبك يا فدوى ..
مازالت تذكر هذه اللحظات كأنها حدثت بالأمس ، وبلا شعور انسابت دمعة على خدها ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
تعاون خالد مع جمال لإخراج منصور من السيارة التي استقرت على جانبها الأيمن ، في حين كان فيصل يحضر الماء مع مجموع من الأقمشة تحسبا لأي طارئ ، وعندما تم إخراج منصور من السيارة ووضعه على الأرض ، أسرع فيصل يبلل القماش بالماء ثم يمسح به الدم الذي يتدفق من رأس منصور ، في حين كان جمال يتضرع إلى الله بأن يكون منصور بخير ، أما خالد فقد أمسك بمعصم منصور ليتأكد من نبضه ، ثم انحني ليضع رأسه على صدر منصور قبل أن يعتدل وهو يقول بألم :
- لا فائدة .. لقد أسلم روحه لبارئها ..
تدفقت دموع جمال في صمت ثم نهض من مكانه وذهب للجانب الآخر من السيارة يبكي منصور ثم يركل السيارة بقدمه بغضب ، أما فيصل فكان يصرخ بصوت متهدج :
- ليس الآن يا منصور .. يا ويلي ماذا فعلنا ..
في حين وضع خالد قطعة من القماش فوق وجه منصور وهو يقرر بأن أول شئ يجب أن يفعلوه هو أن يحفروا قبرا لمنصور .. فإكرام الميت دفنه ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
- الشمس توشك على المغيب ..
قالها جمال وهو ينظر إلى خالد الذي تصبب عرقه وهو يحاول أن يدير محرك السيارة ولكن دون جدوى فخرج منها وقال وهو يلهث من التعب :
- إنها لا تعمل .. أعتقد أنه يجب علينا ألا نعتمد عليها ..
سأله فيصل بحذر ودموعه لم تجف بعد من عينيه :
- هل تعني أننا سنجلس مكتوفي الأيدي هكذا .. يجب أن نتحرك ..
صمت خالد لبرهة من الوقت قبل أن يقول بحزم :
- نحن في منطقة بعيدة .. وأملنا الوحيد هو أن يجدنا شخص ما وهذا شبه مستحيل .. أو أن نحاول نحن أن نجد أي شخص وهذا ما يجب أن نفعله .. خصوصا أنني أعتقد أن هناك بعض الرعاة في هذه المنطقة ..
قال فيصل بتوتر :
- ولكن لا تنسى أننا في صحراء .. والماء الذي معنا محدود ..
تكلم جمال هذه المرة قائلا :
- لا بد من المجازفة .. وكل شئ بقضاء الله وقدره ..
أومأ خالد برأسه موافقا على كلام جمال ثم قال :
- سننام الليلة في موقعنا .. وغدا صباحا سنبدأ التحرك ..
ثم التفت ينظر إلى كومة التراب التي يرقد تحتها جثمان منصور وهو يدعو له بالرحمة ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
استيقظت فدوى في الصباح وهي سعيدة ، فقد رأت في منامها جمال وهو يحلق معها في فضاء شاسع بلا حدود .. رأت وجهه الباسم المشرق وهو يقدم لها الأزهار الواحدة تلو الأخرى دون توقف .. رأته وهو يجلس بجوارها فوق سحابة بيضاء يتأملان النجوم .. منذ زمن طويل لم تحلم بحلم جميل كهذا .. كانت سعيدة لأن وجدت الشخص الذي تستطيع أن تمنحه كل عواطفها ومشاعرها .. كل عشقها وحبها .. واكتملت سعادتها عندما تيقنت أنه يبادلها نفس المشاعر .. غدا سيعود من رحلته .. وستعيش من جديد في عالمها الرومانسي الذي استطاع هو أن ينسجه لها ..
لكنها لو كانت تعلم ماذا حصل لجمال في رحلته لانقلبت أحلامها إلى كوابيس ,, ولتحولت سعادتها إلى حزن وألم .. ولأصبح انتظارها أكثر طولا مما كانت تعتقد ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
- هيا ستتأخر على زملائك إنهم ينتظرونك .. ثق بي إنك وسيم كعادتك .
التفت إليها بحنان وهو يقول لها بحب :
- ولكن ليس الجميع لهم مثل عينيك التي ترى الوجود جميلا ..
اقتربت فدوى منه وأمسكت بيديه وهي تقول :
- هل تعلم يا جمال .. بالرغم من أنه لم يمضي على زواجنا أكثر من شهرين إلا أنني أشعر بأنني ولدت فقط عندما أصبحت جزءا من حياتي ..
ضم جمال يديها إلى صدره وهو يقول :
- وأنا لم أعرف طعما للحياة حتى عرفتك وعشت في ظلك وحبك ..
همت بأن تقول له شيئا لولا أن ارتفع صوت منبه السيارة مرة أخرى ، فمسح جمال على شعرها بيده ثم أسرع يحمل حقيبته الخاصة بالرحلات وهي تقول له :
- سأفتقدك خلال تغيبك في هذين اليومين ..
التفت إليها وقد ملأت الابتسامة وجهه وهو يهمس بصوت لا يكاد يسمع :
- أحبك يا فدوى ..
ثم توجه لبوابة الخروج ولكنه توقف عندما سمع صوتها يناديه فالتفت إليها ، كانت صامتة لبضع لحظات قبل أن تقول بقلق لم تستطع أن تخفيه :
- كن حذرا وانتبه لنفسك ..
أومأ برأسه إيجابا ، ثم أسرع ينضم إلى تلك السيارة التي تنتظره في الخارج ، في حين كانت فدوى تتابعه بنظراتها وقد استحوذ عليها شعور بالقلق لا تدري من أين مبعثه ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
انطلقت السيارة تسلك طريقها متجهة نحو منطقة صحراوية بغرض التخييم والقنص الذي يكون رائعا في فصل الشتاء ، كان منصور يقود السيارة بسرعة مبالغة فيها ، فهو يعشق قيادة السيارات إلى حد الجنون ، وبجواره كان يجلس خالد وهو أكبرهم ، وكان خالد كثيرا ما يوجه منصور إلى الطريق الصحيح وفي بعض الأحيان يطلب منه تخفيف السرعة والقيادة بهدوء أكبر ، وفي المقعد الخلفي كان يجلس جمال مع فيصل ابن عمه وصديق الطفولة ..
قال خالد في الوقت الذي كانت السيارة تنتقل من الطريق المسفلت إلى الطريق الترابي :
- ستكون هذه الرحلة رائعة لأنني سأذهب بكم إلى مكان جديد ورائع ..
ابتسم فيصل قائلا وهو يعبث ببندقية الصيد في يده :
- إذن هي لن تكون رائعة للطيور التي تعيش هناك ..
ضحك جمال قبل أن يقول وهو يغمز بعينه :
- ليس إذا عرفت أن الذي سيمسك بالبندقية هو فيصل ..
ضحك الجميع في مرح ، ثم رفع منصور صوت مسجل السيارة حيث كانت أغنية المسافر يتغنى بها راشد الماجد في نفس الوقت الذي زاد فيه من سرعة السيارة وهو يطلق صفيرا من بين شفتيه على لحن الأغنية ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
لم تستطع فدوى النوم بعد أن غادر زوجها جمال المنزل ، كانت تجلس على طرف السرير ونظراتها شاردة ، إنها المرة الأولى التي يخرج فيها جمال ليبيت خارج المنزل .. كانت تسترجع ذكرياتها في ذلك اليوم عندما دخلت عليها أمها في غرفتها وهي تقول لها :
- فدوى هل تعرفين من كان عندنا قبل قليل ؟؟ إنه والد جمال جاء لخطبتك لابنه ..
احمر وجهها وتسارعت نبضات قلبها لمجرد سماع اسم جمال ، إنه شقيق عبير صديقتها العزيزة ، وفي كثير من الأحيان كانا يخرجان معا ويكون جمال هو سائقهما الخاص ..
اقتربت والدتها منها وجلست جوارها وهي تقول بسعادة حقيقية :
- إنه شاب على خلق رفيع وعائلته نعرفها جيدا .. فما رأيك يا فدوى ؟
قلبها يكاد يصرخ من السعادة ليعلن موافقته ، ولكن الخجل كان أقوى منها .. فقالت بصوت منخفض امتزج بفرحة واضحة :
- إذا كان والدي موافقا فأنا لن أعصي له أمرا ..
وانطلقت من حنجرة والدتها زغرودة تعلن ميلاد فرحة جديد في ذلك المنزل ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
كان فيصل يركض باتجاه الخيمة التي نصبوها بمجرد اختيارهم المكان وهو يمسك في يده اليمني طائر ويلوح بالبندقية التي يمسكها بيده اليسرى وهو يقول بسعادة :
- لقد اصطدته .. فعلتها وحدي ..
ابتسم خالد وهو يقول :
- وما لفائدة أن تصطاد شيئا بعد أن انتهينا من تناول الغداء ..
وهنا نهض منصور من مكانه وقال وهو يعبث بمفاتيح سيارته :
- هل يريد أحدكم أن يرافقني .. فأنا أشعر برغبة شديدة في إبراز مهاراتي في القيادة ..
أجمع الجميع على النفي ، فتعذر بعضهم بالإجهاد والبعض الآخر أبدى تخوفه من قيادته المتهورة ، فاتجه منصور إلى السيارة وهو يقول في ثقة :
- لا بأس .. يمكنكم الاستمتاع بمشاهدتي ..
وعندما أدار محرك السيارة وقبل أن يبدأ بالتحرك هتف به خالد :
- كن حذرا يا منصور ..
هنا تذكر جمال زوجته التي قالت له نفس هذه العبارة قبل أن يغادر ، وشعر بقلق لم يعرف مصدره .. في حين كان منصور قد انطلق بالسيارة بسرعة كبيرة ثم ينعطف بها بشكل مفاجئ لتثير عاصفة من الرمال خلفها ، وكان يخيل لهم في بعض الأحيان أن السيارة تسير فقط على جانب واحد .. كان فيصل يعتقد أنه يستطيع أن يفعل أفضل من ذلك ، أما خالد فكان مصرا على أن هذا عمل أحمق ..
وفجأة وبينما كان منصور ينعطف بالسيارة انفجرت إحدى إطارات السيارة فاختلت توازنها ، وحاول منصور تعديل مسارها .. لكنه لم يستطع السيطرة عليها حيث انقلبت السيارة حول نفسها أكثر من مرة .. وارتسم الجزع على وجوه الجميع .. وهوى قلب جمال بين قدميه ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
أخرجت فدوى ألبوم الصور الذي كان شاهدا على ليلة زواجها ، كانت تتأمل صورتها وهي ترتدي فستانها الأبيض وبجوارها أهلها وأقربائها وأصدقائها .. وتمنت لحظة أن يعود الزمن بها إلى تلك الأيام حيث بداية طريقها نحو السعادة .. وعندما وصلت إلى صورة جمال الذي كان مبتسما وهو يقف أمام المنزل عادت بذاكرتها إلى الوراء .. عندما جمعها مكان واحد مع زوجها لأول مرة .. ما زالت تذكر عيناه التي تشع بالحب .. وصوته الحنون وهو يقول لها :
- مبروك يا فدوى .. بل مبروك لي أنا .. فأنت هديتي التي كنت أحلم بها دائما ..
حاولت أن تستجمع شجاعتها ورفعت عينيها إليه وهي تقول :
- فرحتي بوجودك جواري هو غايتي ومناي ..
اقترب منها أكثر واحتواها بين ذراعيه وهو يهمس لها بأنفاسه :
- أحبك يا فدوى ..
مازالت تذكر هذه اللحظات كأنها حدثت بالأمس ، وبلا شعور انسابت دمعة على خدها ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
تعاون خالد مع جمال لإخراج منصور من السيارة التي استقرت على جانبها الأيمن ، في حين كان فيصل يحضر الماء مع مجموع من الأقمشة تحسبا لأي طارئ ، وعندما تم إخراج منصور من السيارة ووضعه على الأرض ، أسرع فيصل يبلل القماش بالماء ثم يمسح به الدم الذي يتدفق من رأس منصور ، في حين كان جمال يتضرع إلى الله بأن يكون منصور بخير ، أما خالد فقد أمسك بمعصم منصور ليتأكد من نبضه ، ثم انحني ليضع رأسه على صدر منصور قبل أن يعتدل وهو يقول بألم :
- لا فائدة .. لقد أسلم روحه لبارئها ..
تدفقت دموع جمال في صمت ثم نهض من مكانه وذهب للجانب الآخر من السيارة يبكي منصور ثم يركل السيارة بقدمه بغضب ، أما فيصل فكان يصرخ بصوت متهدج :
- ليس الآن يا منصور .. يا ويلي ماذا فعلنا ..
في حين وضع خالد قطعة من القماش فوق وجه منصور وهو يقرر بأن أول شئ يجب أن يفعلوه هو أن يحفروا قبرا لمنصور .. فإكرام الميت دفنه ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
- الشمس توشك على المغيب ..
قالها جمال وهو ينظر إلى خالد الذي تصبب عرقه وهو يحاول أن يدير محرك السيارة ولكن دون جدوى فخرج منها وقال وهو يلهث من التعب :
- إنها لا تعمل .. أعتقد أنه يجب علينا ألا نعتمد عليها ..
سأله فيصل بحذر ودموعه لم تجف بعد من عينيه :
- هل تعني أننا سنجلس مكتوفي الأيدي هكذا .. يجب أن نتحرك ..
صمت خالد لبرهة من الوقت قبل أن يقول بحزم :
- نحن في منطقة بعيدة .. وأملنا الوحيد هو أن يجدنا شخص ما وهذا شبه مستحيل .. أو أن نحاول نحن أن نجد أي شخص وهذا ما يجب أن نفعله .. خصوصا أنني أعتقد أن هناك بعض الرعاة في هذه المنطقة ..
قال فيصل بتوتر :
- ولكن لا تنسى أننا في صحراء .. والماء الذي معنا محدود ..
تكلم جمال هذه المرة قائلا :
- لا بد من المجازفة .. وكل شئ بقضاء الله وقدره ..
أومأ خالد برأسه موافقا على كلام جمال ثم قال :
- سننام الليلة في موقعنا .. وغدا صباحا سنبدأ التحرك ..
ثم التفت ينظر إلى كومة التراب التي يرقد تحتها جثمان منصور وهو يدعو له بالرحمة ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
استيقظت فدوى في الصباح وهي سعيدة ، فقد رأت في منامها جمال وهو يحلق معها في فضاء شاسع بلا حدود .. رأت وجهه الباسم المشرق وهو يقدم لها الأزهار الواحدة تلو الأخرى دون توقف .. رأته وهو يجلس بجوارها فوق سحابة بيضاء يتأملان النجوم .. منذ زمن طويل لم تحلم بحلم جميل كهذا .. كانت سعيدة لأن وجدت الشخص الذي تستطيع أن تمنحه كل عواطفها ومشاعرها .. كل عشقها وحبها .. واكتملت سعادتها عندما تيقنت أنه يبادلها نفس المشاعر .. غدا سيعود من رحلته .. وستعيش من جديد في عالمها الرومانسي الذي استطاع هو أن ينسجه لها ..
لكنها لو كانت تعلم ماذا حصل لجمال في رحلته لانقلبت أحلامها إلى كوابيس ,, ولتحولت سعادتها إلى حزن وألم .. ولأصبح انتظارها أكثر طولا مما كانت تعتقد ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *