PDA

View Full Version : هذا المراد وهذه النتيجة من وراء التفجيرات!!


رفع الحرج
28-09-2001, 09:56 PM
لا يدري المرء من أين يبدأ في حديث عن موضوع بمثل هذه الضخامة: ضخامة في حجم الحادثة وضخامة في حجم التبعات المتوقعة وضخامة في المعينين بها من قريب أو بعيد .
ولا يملك المؤمن وهو يرى تتابع الأحداث إلا أن يزيد يقينه بحكمة الله عزل وجل وقدرته ولطف أسبابه حين تظهر من حيث لا يحتسب المرء .

إن خيوط واقع جديد تنسج الآن في تتابع وتسارع لا يمكن التبوء بمآله ، وحين يشاء الله تعالى أمرا فإنه يهيئ له من الأسباب ما لا يخطر على البال .

فمن كان يظن في المستقبل القريب أن تصاب أمريكا قلب القوة ورمز الجبروت في صميمها ؟ ومن كان يحلم أن يرى الرئيس الأمريكي يتخفى ويتنقل من مكان لأخر خوفا وهلعا ؟ ومن كان يتوقع أن ستكون مواجهة وحرب قريبة بين أمريكا وأفغانستان ؟

إن كل من تحدث عن كارثة الثلاثاء في أمريكا أجمع على القول أن العالم كله - وليس أمريكا فقط - سيكون شيئا أخر يختلف عن ما قبل الثامنة من صباح الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 .

الأصوات المحمومة والمدهوشة من الصدمة لم تلبث حتى علقت وزر الجريمة في رقبة الإسلام والمسلمين فور وقوعها.
وسارعت وسائل الإعلام الأمريكية بل والغربية إلى إصدار لائحة الاتهام حتى قبل أن يتحدث بها المسؤولون ، وبدا أن الإدارة السياسية استجابت لذلك الزخم الإعلامي الذي يدفع بالقضية إلى مسارات ليس بالضرورة أن تكون كلها وفق العقل والمنطق .

إن هول الكارثة – على الأقل في المنظور الأمريكي – والرعب الذي نتج عنها ، كان كفيلا بأن يعمي عيون الكثيرين عن حقيقة الأمر ومدى صدق الإشارات التي صدرت من كل القوى السياسية والإعلامية وتوجهت نحو أفغانستان حيث يقيم أسامة بن لادن .

ولو لم يكن هناك أسامة لسعت أمريكا لإيجاده فهي تحتاج إلى عدو تلصق به التهمة حتى لا تبدو عاجزة – وهي في الحقيقية كذلك – عن تحديد مصدر الخطر ومسؤول التفجيرات المروعة .

فأسامة لابد أن يكون كبش الفداء ، ومواقفه المضادة لأمريكا وتاريخه الجهادي كفيلان بإكمال بقية المهمة ليبدو للجمهور الأمريكي العقل المدبر لما حصل ، مع أن ظروف العجز والعزلة وقلة ذات اليد التي تحيط به في أفغانستان المحطمة تمنعه عن إنجاز عشر ما حصل .

لكن المكر السياسي يزن القضية بميزان أخر ويعطيها أبعادا جديدة مختلفة ليس أهمها البعد القانوني . المكر السياسي يراها فرصة ذهبية لا يمكن أن تفوت للتدخل المباشر لتحقيق مأرب وغايات أمريكية في المنطقة الإسلامية على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني .

إن طبول الحرب تقرع وسيوف الذبح تسن ولما ينته المحققون بعد من جمع الأدلة واستكمال مساءلات المعنيين ، وهي مفارقة غريبة في بلد يدعي الديمقراطية والعدالة .

إنها خيانة للشعب الأمريكي قبل أي أحد حين يضلل عن أعداءه الحقيقيين من أمثال الجماعات العنصرية المناوئة للنظام الفيدرالي والتي يبدو أنها أكثر من غيرها قدرة على تنفيذ عمليات بهذا الحجم وذلك التنسيق .
نعم أنها خيانة وأقل ما يقال عنها أنها تهور وتسرع في معالجة قضية خطيرة وحساسة .

وتتألم كثيرا حين تطالع كتابات البعض ممن ينتسبون إلى الإسلام عند حديثهم عن التفجيرات . فهؤلاء عملوا على إلصاق التهمة بالعرب والمسلمين من حيث لا يشعرون وبطريقة بلهاء وغبية .
فهم أولا سعوا إلى إظهار براءتهم وخلو ساحتهم وصبوا جام غضبهم على من يسمونهم بالإرهابيين ووسعوا دائرة الحديث لتشمل أبعادا أخرى فهم يحققون حاجات في نفوسهم ويصطادون بالماء العكر ويأخذون بثأرهم من الأصوليين والإرهابيين كما يسمونهم ولو لم تكن لهم أدنى صلة بما جرى وإنما زج بهم في الأحدث دون بينة أو دليل .

وأشد من ذلك مواقف المعارضة الأفغانية والتي عرضت – حتى قبل أن يطلب منها – أن تكون مطية لتنفيذ أهدف أمريكا في ضرب أفغانستان .
كم يتألم الإنسان وهو يرى كيف توضع مصالح المسلمين الكبرى وكيف تكون دمائهم رهنا لمصالح ومطامع شخصية ممن كانوا بالأمس يعدون قادة الجهاد ورواده .

إن تصريحات الرئيس الأمريكي لم تتردد في وصف التحركات التي تتهيأ لها أمريكا بالحرب الصليبية وذلك أخر ما كان ينتظر صدوره لكي تنكشف القضية وتظهر بأوضح ملامحها : حمله صليبية على الإسلام لمجرد الشبهة .

مؤخرا بدت التحركات الأمريكية أكثر مكرا ، فما كانت زيارة الرئيس الأمريكي للمركز الإسلامي في واشنطن وحديثه عن الإسلام إلا حلقة من حلقات هذا المكر وهي تنطوي مع ما يماثلها من تحركات على أمرين خطيرين وهما :
أولا : إثبات التهمة ضد مسلمين أو عرب وجعل هذا الأمر دون مستوى الشك وتكرراه حتى ليبدو حقيقة لا غبار عليها .
فهو يقول بصريح العبارة : أيها المسلمون : إن الذي قام بالتفجير هم من أبنائكم المشاغبين والذين نعلم أنكم غير راضين عليهم فلنتحد جميعا ضدهم . فهو يدق إسفين الفرقة والاختلاف بين العرب والمسلمين .

ثانيا : التأكيد على أن لأمريكا الحق في تفسير الإسلام ووضع تصور وتحديد أبعاد للإسلام الذي يمكن الرضى عنه والقبول به ثم جعل ماعدا ذلك إرهابا وخروجا عن الدين ولو كان أصحابه يدافعون عن حق مشروع أو وطن مسلوب أو كانوا يحاولون كسرة الهيمنة الأمريكية سياسيا واقتصاديا .

إن ما ستسفر عنه الأيام القادمة من أحداث سينبني على مواقف وتصرفات الدول و الجماعات المعنية بهذا الحدث والقريبة منه .
إن العالم الإسلامي كله معني بالحدث وليس ذلك لأنه طرف فيه بل لأن أمريكا زجت به عنوة .
ويخطئ كثيرا من يقارن بين هذه القضية وبين أزمة الكويت وحرب الخليج الثانية حين نجحت أمريكا في حشد تحالف دولي ضد العراق . فالأمر مختلف تماما والإجماع والتحالف الذي نجحت أمريكا في تحقيقه آنذاك كان لمعطيات لا تتوافر في الحدث الجديد الآن .
أولا : إن المستهدف الآن دولة إسلامية لا يمكن لأحد أن يزايد على التزامها بالإسلام بعكس النظام البعثي العراقي .
وهذا يعني أن مواقف المسلمين ومشاعرهم وخاصة الجماعات والأحزاب الإسلامية ستتفق على الوقوف مع ( طالبان ) وستزيد مشاعر الحقد والكراهية ضد أمريكا والمتأججة أصلا من قبل بسبب انحيازها الفاضح لإسرائيل .

ثم إن مكان الحدث هذه المرة هو في قلب أمريكا ، فالتي ضربت هي أمريكا والذين ما توا هم الأمريكيون ، فهي قضية أمريكية في المقام الأول .

وهذا الأمر سيجعل التعاطف والتأييد الإسلامي - الشعبي على الأقل - للتحركات الأمريكية أضعف بكثير مما كان عليه الأمر في حرب الخليج الثانية . الأمر الأخر المهم بعد ذلك هو أن الجريمتين تختلفان اختلافا جذريا . فالأولى قام بها عدو واضح المعالم ليس فيه أدنى شك أو شبهة وأما الآن فمن يستطيع أن يجزم بأن أسامة بن لادن أو القريبين منه مسؤولون عن ذلك ؟ بل من يملك الدليل على أن من قام بها هم من المسلمين أو العرب ؟ إن قوائم الأسماء التي تتناقلها وكالات الأنباء – وهي كلها عربية إسلامية – بزعم أنها للخاطفين قوائم يحيط بها الشك من عدة جهات .
فبعض الأسماء لأشخاص توفوا من سنين وبعضها لأخرين موجدون وقت الحادثة خارج أمريكا ، بل إن بعض من وردت أسمائهم وأريد لهم أن يكونوا ذوي دور كبير في العملية تتناقل عنهم وكالات الأنباء تصرفات وسلوكيات تتنافى مع التزامهم الإسلامي وتوجههم الديني .
فهل بمثل هذه الأدلة المهترئة تقدم دولة على ضرب أخرى وتحطمها وتقتل أهلها ؟ ألا إن ذلك هو الإرهاب عينه !
إن في ملابسات القضية وظروف الحادث من الثغرات ما يجعل الحديث عن مسؤول واحد بهذه السرعة وهذه الدقة ضربا من الجنون .

إن هذه الأحداث التي نعايشها الآن ستكون معطفا تاريخيا مهما في صياغة الواقع السياسي للمنطقة الإسلامية . ومع تزايد الحشود العسكرية وتكثيف التحركات السياسية تزداد مشاعر الناس احتقانا وسوف تنبئ المواقف عن حقيقة أصحابها بعيدا عن أنصاف الحلول والمناطق الرمادية التي كانوا يعيشون فيها .
وكما قال المسؤولون الأمريكيون بوضوح أن تحديد صديق أمريكا من عدوها سيكون مبنيا على الاستجابة لهذا التحالف ضد ( الإرهاب ) من عدمه .

إن المسلم يصيبه المسلم الفزع والخوف حين يفكر فيما تحمله الأيام القادمة من أحداث سيكون الضحايا فهي هم المسلمون ولاشك مع أنه لا ناقة لهم فيها ولا جمل بل كانوا هم الضحية دائما .