PDA

View Full Version : رسالة من وراء القضبان......[ للشيخ سلمان العودة.]


3e6r
01-01-2001, 06:32 PM
رسالة من وراء القضبان

الحمد لله رب العالمين , نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , صلى الله وسلم وبارك عليه , وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون ... أما بعد ,

فهذه رسالة من وراء القضبان لكل من يريد أن يعرف قضية الدعاة والدعوة إلى الله عز وجل .

أيها الأحبة ,

لقد حدثت - كما تسامع الكثيرون - حملات متعددة من الاعتقالات كان آخرها في غضون هذا الأسبوع , شملت مجموعة من الدكاترة والمشايخ والفضلاء , كان من آخرهم فضيلة الشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي وفضيلة الدكتور عبد الله بن حامد الحامد والدكتور محسن العواجي وغيرهم من طلبة العلم والشباب , وقد أكون فردا صغيراً ضمن هذه القافلة المباركة إن شاء الله تعالى .

حقيقة يعلم الله أنني لا أكره مشاركتهم ولا مشاركة غيرهم في هذا الشرف الذي نتوج به رؤوسنا وجباهنا , نعم , لا أكره مشاركتهم لأنني كلما اعتقل شاب من أبناء هذه البلاد المباركة صغيرا أم كبيرا بغير جرم اقترفه وبغير ذنب فعله , شعرت وأنا عاجز على أن أعمل له شيئا - لأنه ليس هناك مجال للصوت ولا للكلام - شعرت بتوبيخ يجعلني أتمنى أن يكون الأمر علي دون أن يكون على غيري وأكون في موقف المتفرج عليهم , ولذلك فإن مثل هذا العمل يدفع عني وعن أمثالي من الاخوة الدعاة والمصلحين إحراجا كبيرا نواجهه أمام جموع الشباب وغيرهم ممن قد يظنون أننا نتخلى عن قضيتهم , أو أنهم يذهبون بها ويتلقون بعض الأذى , أما نحن فآمنون سالمون في أهلنا وأولادنا . فنحن نقول لهم : نحن معكم في السراء والضراء , ويجب أن نكون قبلكم في كل أمر تتعرضون له أو يتعرض له غيركم . هذا فضلا عما يعلمه الجميع من أنه منذ فترة ليست بالقصيرة , كنا تحت طائلة مجموعة من الإجراءات الظالمة التي شملت الفصل من الأعمال والمنع من الدروس والمحاضرات والخطب والندوات والتسجيلات وغيرها من الأشياء التي هي مجال الدعوة إلى الله تعالى , و وسيلة مخاطبة الناس فيما يعتقد الإنسان ويدين .

نعم إن مثل هذه الأشياء التي حدثت كلها لا نعدها شيئا يذكر بالقياس إلى هذا الطريق الذي سلكناه . الكثير من الاخوة يقدمون أحيانا لوناً من التعزية أو التصبير أو التثبيت . جاءني مرة أحد الشباب من إحدى المناطق - ربما قطع أكثر من 500 كيلومتر - وقال لي : ما أتيت إلا لأقرأ عليك حديث ابن عباس رضي الله عنه : (( يا غلام إني أعلمك كلمات ........ إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : احفظ الله يحفظك , تَعَرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة , إذا استعنت فاستعن بالله وإذا سألت فاسأل الله , واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام وجفت الصحف )) ثم خرج من عندي ومضى لحال سبيله , ولقد كان لهذه الكلمات وقع عظيم , حتى كأني أسمعها لأول مرة لأنني سمعتها من إنسان مخلص يتكلم قلبه قبل لسانه . لكنني أقول لجميع هؤلاء الاخوة : ماذا لقينا أصلا حتى يُطلب منا أن نصبر أو نحتسب ؟ ماذا لقينا ؟ في الواقع إن كلما حصل , مهما كان في نظر الناس كبيراً فإنه لا يعنينا في جانبه الشخصي . فلا يعنينا مثلا أن يُـقطع راتب الإنسان لأن الرزق من عند الله تعالى , ولا يعنينا أن يمنع الإنسان من العمل فإن مجال الدعوة إلى الله واسع رحب لا يتوقف على مجال بعينه ولا على طريق بذاته . اللهم لا شك أن الحيلولة بين الإنسان وبين الدعوة والحيلولة بين الإنسان وبين مخاطبة الأمة بما يعتقد في قلبه وما يدين , أن الإنسان يرى أن ترك ذلك وأن السكوت عليه خيانة للأمانة التي حُمِّلها الإنسان , بل وخيانة للأمة التي تنتظر من دعاتها - بل من جميع أفرادها حتى ولو كانوا أفرادا عاديين - تنتظر منهم أن يقولوا كلمة الحق , وأن يصدقوا الله تعالى وأن يبصروا الناس بما يعرفون كل بحسب وسعه {{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }} , {{ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها }} . فلا شك أن الحيلولة بين الإنسان وبين الدعوة , هو أمر خطير ولا يمكن السكوت عليه أو الصبر عليه , أما ما عدا ذلك فهو أمر هين يسير .
ماذا خسرنا باستثناء قضية الدعوة ؟ الواقع أن الإنسان ما خسر إلا كما قال لي أحد الاخوة " حبوب البندول " التي كان يتعاطاها بسبب تعب العمل وعنائه ولأوائه , ثم بعد ذلك ارتاح . ثم إن الإنسان يرى من الناس من الحفاوة والتسهيلات إن ذهب إلى سوق أو مطار أو مدرسة أو مؤسسة , شيئا يخشى أن يكون أجره عجل له في هذه الدنيا , وألا يكون له عند الله تعالى شيء ويخشى أن يكون هذا من الاستدراج . ويشهد الله تعالى أننا نخشى من ذلك على أنفسنا مما نراه من حرص الإخوان والأحبة , بل وسائر الناس , على تقديم ما يستطيعون مع أننا نعتقد وندين أننا لا نستحق ذلك , ولا شيئا منه .
المقصود أننا لم نخسر شيئا فيما يتعلق بأمر الدنيا حتى يأتينا من الإخوة أحيانا نوع من التسلية أو العزاء , وإن كان الصبر مأمورا به على كل حال . بعض الاخوة حدثوني حديث المشفق الخائف بعدما عرفوا أنني أستقبل الضيوف في أوقات الصلوات في مسجدي ويوم الخميس ليلة الجمعة من كل أسبوع - ما لم أكن مسافرا أو مشغولا - ويتجمع عندي أعداد من الشباب من مناطق مختلفة , يزيدون أو ينقصون , ومن الطبيعي حيث يجتمعون أننا لن نقابل بعضنا بعضا ونتحدث بلغة الإشارات أو بلغة الصمت ! سأتحدث ويسمعون , وسأجيب حين يسألون , هذا أمر طبيعي وحق مكفول لكل إنسان , لا أقول في شرائع السماء كلها , بل وفي قوانين الأرض أيضا , مع أن المرجع هو إلى شريعة الله تعالى الخاتمة المنزلة على محمد عليه الصلاة والسلام . فعدد من الإخوة كانوا يشفقون علي , يقولون : نخشى أن ينالك من ذلك ضرر , وأقول للإخوة الآن علانية كما كنت أقول لهم سرا من قبل حين يسألونني : إنَّ تعرض الإنسان للسجن أمر طبيعي , فوالله يوم أوقفت عن الدروس والمحاضرات , وكنت قبل الإيقاف أقول بأنه أمر طبيعي أن يوقف الإنسان - وإن لم يكن شرعيا ولا مقبولا - لكن من الطبيعي أن يتعرض أي داعية أو مصلح , أنا أو الشيخ سفر أو غيرنا من الدعاة - نسأل الله أن يجعلنا كذلك - أن نتعرض لمثل هذه الأمور . ثم قلت ولا زلت أقول بعدما حصلت هذه الجلسات في المنزل , أنني كنت واضعا في اعتباري أنه ربما يترتب على ذلك ما يترتب عليه من آثار .
أي قيمة وأي معنى لوجود الإنسان إذا كان من غير رسالة يحملها ويؤديها ؟! هب أنك حر طليق , تأكل وتشرب وتنام وتذهب وتجئ ولكنك لا تقوم بأداء المسؤولية العلمية والشرعية والاجتماعية التي تشعر أن الله تعالى حمَّلك ووضعها على عاتقك بحسب ما أعطاك {{ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم }} .

إذن ليس في الأمر غرابة والسجن أمر طبيعي مألوف , ويجب أن نضع في اعتبارنا يا كل المخلصين ويا كل الصادقين ويا كل دعاة الإصلاح – سواء أسروا أو أعلنوا - يجب أن نضع في اعتبارنا أن الفساد المتجذر في مجتمعنا وفي جميع مجتمعات المسلمين بنسب متفاوتة , فساد يضرب برواقه على كل مجالات الحياة بدون استثناء , فساد في مجال التعبد , فساد في مجال الأخلاق , فساد في مجال السلوك , فساد في المعاملات , فساد في الاقتصاد , فساد في السياسة , فساد في الإعلام , فساد في التعليم ؛ أن هذا الفساد الشامل يتطلب إصلاحا شاملا أيضا . ومن الخطأ أن نتصور أن الإصلاح سيتم عن طريق مجرد الكلام أو مجرد أن نحمل قلوبا طيبة أو أن نحمل تصورات سليمة فقط , دون أن نتحمل في سبيل الكلمة التي قلناها أو التصور الذي حملناه ولو بعض الأذى أو بعض العناء . إن هذا الفساد الموجود , والذي لا يشك فيه أحد على الإطلاق وإن اختلفت الطرق في إصلاحه , هذا الفساد له أنصار كثيرون وله متحمسون وله سدنة وله أرباب من البشر يرون بقاءهم في بقائه ووجودهم في وجوده وأن زواله كشف لهم , ولذلك فهم ضد كل مصلح يسعون للتأليب عليه ويحاربونه بكل وسعهم ليلا ونهارا , سرا وجهارا , ولا لوم عليهم في ذلك , فهذه سنة الله تعالى . أقول لا غرابة وإن كانوا ملومين لمخالفتهم شريعة الله ومخالفتهم الحق والله تعالى يقول : {{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين }} , ويقول سبحانه : {{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا }} .

إذن الصراع بين الحق والباطل , بين الإصلاح والفساد , بين الهدى والضلال , بين العدل والظلم , هذا صراع أزلي ولا بد أن نوقن ونعتقد بأن أي داعية إصلاح يحتاج إلى أن يبرهن على صدقه وإخلاصه وأنه لا يريد مطمعا دنيويا وأنه صادق في دعوته وأنه مستعد أن يبذل ويضحي في سبيلها , لا بد أن يبذل ما يكون عربونا وبرهانا للناس فيكون ذلك شاهد عدل على ما سمعوه بآذانهم . ربما يسمع الناس كلاما جميلا معسولا في الأشرطة أو في الدروس أو المحاضرات أو في البرامج أو في الندوات أو غيرها , وربما يكون الكلام بحد ذاته حلوا , معسولا , مؤثرا , مقبولا , لكن ما هو البرهان على أن هذا المتكلم صادق فيما يقول ؟ ما هو البرهان على أنه مخلص ؟ ما هو البرهان على أنه متجرد عن الهوى ؟ ما هو البرهان على أنه بقد وقدر الكلام الذي يقوله ؟ البرهان هو أن يعزز قوله بفعله , وأن يصبر , ويصابر, وأن يتحمل مسؤولية الكلمة التي قال , مهما كلفه ذلك من تضحيات . فينبغي أن نضع هذا في بالنا , وما لم يكن الأمر كذلك , فإنه لا يتصور أبدا أن يقع إصلاح أو تعديل حقيقي .
إننا نعلم جميعا أن إصلاح خلل جزئي في مكان معين , في مدرسة , أو مؤسسة , أو في أي وضع من الأوضاع مهما كان أمرا يسيرا , هذا الإصلاح يتطلب مجهودا ضخما وقد ينجح أو لا ينجح , فكيف نتصور أن إصلاح أوضاع الأمة كلها في مجالاتها ومناشطها المختلفة أنه لن يكلفنا أكثر من كلمة نقولها أو ورقة نكتبها أو برنامج نقدمه أو شريط نسجله ؟! هذا لا يمكن أن يكون . إننا نعلم جميعا أيضا أن الغش والفساد محرم في كتاب الله تعالى , وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى في أصغر الأمور ( رأى النبي عليه السلام رجلا يبيع تمرا فلما قلبه وجد أن أسفل التمر قد أصابه الماء فقال: ما هذا يا صاحب الصبرة ؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله , قال عليه الصلاة والسلام : من غشنا فليس منا ) صحيح مسلم . فإذا كان الغش في زنبيل من التمر أو غيره حرام , بل يصل إلى حد أن يهدد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فاعله بأنه يخرج عن المؤمنين وعلاماتهم و أوصافهم , فما بالك إذا بدأت الأمة كلها تمارس الغش في مؤسساتها ومجالاتها المختلفة وجوانبها كلها , فحينئذ يكون السكوت عن ذلك سكوتا عن الحق وتراجعا وضعفا وخورا . و لا يمكن أن ينجوا من العذاب قوم هذا شأنهم إلا أن يصدعوا بالحق ويصيحوا في الناس , حينئذٍ تكون النجاة بإذن الله تعالى للجميع , كما قال الله تعالى : {{ وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون }} فإذا كنا مصلحين نجونا من عذاب الله تعالى , وإلا ألم بنا العذاب وحلت بنا الكارثة .

أيها الأحبة ...

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : {{ قل ما أسألكم عليه من أجر }} ماذا يريد الدعاة ؟ هل طلبوا مالا أو منصبا أو وظيفة أو رتبة ؟ كلا والله , و إنني أقول - والأمر يستدعي أن يقال هذا الكلام وهو في نفوسنا منذ زمن بعيد لكن آن الأوان أن يقال - والله إن هذه الأشياء كلها ليس لها عندنا من وزن ولا قيمة , وليست في برنامجنا ولا في اعتبارنا ولا ميزاننا كأشخاص , فلا يعنينا هذا الأمر قط , ولو أراده الإنسان لعرف الطريق إليه فالطريق إليه سهل وغير مكلف ولا مؤذي , بل الأمر كما قال الله تعالى : {{ قل ما أسألكم عليه من أجر }} , {{ قل لا أسألكم عليه أجرا }} . فنحن ندعو إلى إصلاح أحوال الناس كلها , ندعو إلى إتاحة المجال للدعوة إلى الله تعالى والكلمة الحرة الصادقة المنضبطة بضابط الشرع , يقولها خطيب أو داعية أو صحفي أو كاتب أو شاعر أو معلم أو موظف , ندعو إلى أن يتمكن الناس من التعبير عن الحق الذي يعتقدون , والمشاركة في الإصلاح لهذه الأمة التي تحيط بها الأخطار والفتن من كل جانب . إنه لم يعد يخفى على أحد أن مجتمعنا هاهنا ومجتمعات المسلمين عامة أصبحت جزيرة في بحر متلاطم , والأخطار كبيرة جدا . واليوم كنت أقرأ في بعض الجرائد أن الرئيس الأمريكي يستقبل من يسميهم ببذور السلام , وهم مجموعة من أطفال وصبيان العرب واليهود , يزيدون على مائة , أُخذوا في جولة طويلة في أمريكا يربون على مسخ جميع ألوان التميز والاستقلال والاعتقاد والانتماء , ليكونوا قوما – فيما يقولون وفيما يعلنون - " ليس بينهم عداوة " كما يزعمون ويعبرون . هم بذور السلام وسيكون العداء كما يعبر الرئيس الأمريكي , سيكون العداء بينهم في المستقبل مجرد ذكرى قديمة نسوها ومضت عليها الأيام والليالي . هذا جانب : جانب محاولة تحويل المنطقة إلى سوق للبضائع اليهودية , سواء كانت هذه البضائع بضائع فكرية أو ثقافية أو إعلامية أو أمنية أو تجارية أو غير ذلك . جانب تحويل بلاد المسلمين إلى مجرد أتباع ضعفاء لا يُعلم بهم ولا يُقام لهم وزن بهذا المعسكر أو ذاك , بهذه الدولة أو تلك . جانب تحويل المسلمين وجعلهم عبارة عن قطيع يساق إلى مرعاه , ولا يدري إلى أين يساق , وليس من حق الواحد أن يعبر ولا أن يتكلم ولا أن يبدي رأيه , بل عليه أن يبصم على كل شئ , ويؤيد كل شيء , ويوافق على كل شيء , وألا يعترض , وإلا فإنه حينئذٍ يكون قد وضع نفسه تحت طائلة العقاب والتأديب والتشهير والأذية وتسلط الأجهزة الأمنية , إلى غير ذلك مما هو معروف . هذا الطريق صد عن سبيل الإصلاح , يراد به وضع العراقيل و العقبات أمام أي إصلاح , سواء كان إصلاح فرد أو تيار , بحيث أن الناس يرون أن الطريق صعب وشاق فيرجعون - كما يقال - من أول الدرج ومن أول السلم . إذن المهمة هي مهمة إصلاح أوضاع الناس , حتى أوضاع الناس الدنيوية .

موضوع المال , الكثيرون يتحدثون في مجالسهم وفي خصوصياتهم عما يشعرون به من فقدان العدل الاجتماعي , ومن سحق كثير من الطبقات وأنهم لا يجدون حقوقهم في المال العام , ولا يجدون حقوقهم في الوظائف , ولا يجدون حقوقهم في المخصصات , ولا يجدون حقوقهم في الفرص التي هي في الأصل حقوق مشتركة للأمة يتساوى فيها الجميع . يشتكي من ذلك المزارع , ويشتكي منه الموظف الصغير , والمتوسط , ويشتكي منه الطلاب , ويشتكي منه المتخرجون , ويشتكي منه ألوان وأصناف من الناس , ويشتكي منه كثير من رجال البادية , ويشتكي منه كثير من أهل المناطق المختلفة المتباينة وغيرهم , الجميع يتحدثون عن ذلك أذلاء . من هو المستفيد من أن تظل هذه الأشياء مجرد مشاعر دفينة في النفوس تتحول إلى أحقاد وإلى بغضاء وإلى تدمير للمجتمع دون أن تعطى فرصة على الأقل للتنفيس ؟ ماذا يضرك أن تعطي الناس مجالا لينفسوا عما في أنفسهم ؟ فإن الإنسان إذا تحدث ربما شعر أنه وضع عن ظهره حملا ثقيلا وعبئا جليلا ينوء به , وماذا يضرك أن يتحدث الناس ؟ بل ماذا يضرك أن يتحدثوا ويؤخذ من كلامهم النافع المفيد ليكون نبراسا ؟ فإننا لا نعتقد أن أحدا يملك أن يصلح الأمة وهي نائمة , بل ولا أحد يستطيع ذلك لو أراده فضلا عن أنه لا يمكن أن يريده إلا دعاة الإصلاح الذين يشهد الناس لهم بذلك . أما مجرد أن أدعي أنا أو غيري ذلك فهذه دعوى لا تكذب ولا تصدق إلا من خلال الواقع الذي يمكن أن يحكم لها أو عليها .
إذن الدعاة إلى الله تعالى يبرؤون من جميع المصالح والحظوظ الشخصية , بل هم يتنازلون عن حقوقهم الخاصة من مرتبات أو وظائف أو أعمال أو أموال , فإنهم لا يطالبون بها ولا يرون أنها بالنسبة لهم قضية تستحق أن يثار حولها كلام قط , وليس يضرهم أيضا ولا يزعجهم وليست قضيتهم أن يوجد من يعتدي عليهم أو يوجد من يؤذيهم أو من يسجنهم أو من يتجسس عليهم أو يطاردهم , هذه أيضا ليست هي قضية الدعاة أبدا . إنما الدعاة يطالبون بقضية تخص الأمة وتخص البلاد من شرقها إلى غربها , تخص المنطقة الجنوبية كما تخص المنطقة الشمالية وتخص المنطقة الشرقية كما تخص المنطقة الغربية كما تخص الوسطى . بل أقول إنها تخص هذه البلاد وتعم كل مسلم يعنيه أمر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها . القضية هي قضية الامتثال بشريعة الله تعالى التي جاءت بالإصلاح وجاءت بالعدل وجاءت بالمساواة وجاءت برفع الظلم وجاءت بتحقيق المطالب الإنسانية وجاءت بحفظ كرامة الإنسان وحقه , فلا يُعتدى عليه ولا يُظلم ولا يُبخس حقه ولا يُهضم ولا يُتجسس عليه ولا يوقف بغير بينة وبغير نص ولا يحقق معه إلا بنص أيضا , ولا يحق لأحد أن يتجسس عليه أو يتلصص على مكالماته أو خصوصياته أو مراسلاته أو محادثاته إلى غير ذلك , ليس الدعاة بل الأمة كلها , كل إنسان , كل مسلم , كل مواطن من المسلمين له هذا الحق . ولذلك فليست قضية الدعاة قضية شخصية وإنما هي قضية تهم الأمة كلها من أولها إلى آخرها , أما الدعاة فقد آن الأوان أن يعلنوها للناس كلهم صريحة , العدو والصديق , القريب والبعيد , الحاكم والمحكوم , من يعرفهم ومن لا يعرفهم : {{ لا نسألكم عليه من أجر }} {{ لا نسألكم عليه مالا }} إن رأيتمونا يوما من الأيام طلاب مناصب أو طلاب جاه أو طلاب شهرة أو طلاب مال أو طلاب وظيفة فاحثوا في وجوهنا التراب واعتبروا هذا آية على عدم مصداقية ما ندعو إليه . نحن دعاة حق نرى أنه يجب أن ندعو إليه الجميع ويجب أن يلتف عليه الجميع ويجب ألا تسقط هذه الراية بحال من الأحوال لأنها الراية التي تسعى إلى إعادة الحقوق إلى أهلها سواء كانت هذه الحقوق حقوقا معنوية مثل كون الإنسان يعرف ما يخصه فهو فرد من الأمة يعرف لماذا حصل كذا ولماذا اتخذت الأمة هذا الموقف , لماذا حاربت ولماذا سالمت ولماذا صادقت هذا ولماذا عادت هذا وما هي الأشياء التي ستفعلها ؟ هو فرد من الأمة من حقه أن يعرف ما يخصه , ولا يجوز أبدا أن يعتم عليه أو يُضلل أو يُعَمَّى بحيث يعتبر أنه قاصر العقل , قاصر الفكر ليس على مستوى أن يدرك أو يفهم لذا يجب أن تكون الأمور في ظنهم أسرارا وطلاسم لا يعرفها إلا نفر قليل أما الباقون فمن حقهم أن يقرؤوا مثلا في الجرائد أو يسمعوا في الإذاعة وما قرؤوا أو سمعوا فليعتبروا أنه هو الكلام الذي يجب أن يقولوه حتى لو لم يؤمنوا به ويصدقوه ويجب أن يرددوه ويجيبوا به !! إذن أين عقول الأمة , أين أفكار الأمة , أين المختصون , بل أين الآلاف المؤلفة من الدكاترة والفضلاء والمختصين وأساتذة الجامعات والطلاب المتخرجين الذين بذلت أموال طائلة من أجل إعدادهم وتعليمهم وتخريجهم ؟! فما معنى بعد ذلك أن يحادوا ويحصروا ويقال لهم إن عقولكم في إجازة مفتوحة , ليس من حقكم أن تفهموا ولا أن تسألوا ولا أن تناقشوا ولا أن تشاركوا ولا أن تشيروا . هذه مصادرة لحقوق معنوية كبيرة للأمة لأن الإنسان إنسانيته ليست بجسمه كما قيل : " فأنت بالروح لا بالجسم إنسان " وقول الله أبلغ : {{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا }} فالله تعالى كرم الإنسان بالعقل , فلماذا نجعل هذا العقل في إجازة مفتوحة ونفترض أن جماهير الناس ليست على مستوى أن تفهم الأحداث ولا أن تشارك فيها ولا أن تشير ؟ من أين جاء هذا المعنى الغريب عن الأمة التي رباها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المشاركة ؟ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصعد المنبر فيتحدث مع الناس في أي قضية من القضايا . يصعد المنبر فيتكلم مثلا في حادث الإفك , يصعد المنبر فيقول أشيروا علي أيها الناس , في قضية بدر , في قضية أحد , في المعارك التي تخوضها الأمة و في المواقف المختلفة , حتى في قضية توزيع المال فلما تكلم الناس قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا معشر الأنصار ما مقالة بلغتني عنكم ؟ ألم أجدكم ضلالا ..... إلى آخر الحديث المعروف وهو في الصحيحين ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه وخلفاؤه الراشدون والخلفاء المسلمون , كانوا يعتبرون الأمة مسؤولة معهم يحتاجونها في حال الشدة فلذلك كانوا يشركونها في هذه الأمور ولا يصادرون رأيها أو قناعتها . نعم لابد من ضوابط لذلك ولابد من قنوات ولكن أين هذه القنوات وأين هذه الضوابط وأين هذه الفرص التي تجعل للناس - ولو نخبة من الناس - مجالا أن يعبروا عن رأي أو اجتهاد قد ينفع الله تعالى به وقد يكون سببا في دفع أذى أو ضر عن البلاد والعباد . إن الله تعالى لم يجعل الصواب حكرا على فئة بعينها ولا شخصا بذاته حتى ولو كان عالما جليلا أو ذكيا نبيلا أو عبقريا فذا أو شهيرا خطيرا , فإنه قد يوجد الحق والرأي السديد عند عامة الناس فضلا عن خاصتهم .

إذن هذه الحقوق التي يمكن أن نعبر عنها بالحقوق المعنوية إضافة إلى الحقوق المادية التي يتكلم الناس كلهم عنها من مزارعين وتجار ومتوسطين وموظفين وغيرهم ممن حرموا من كثير من حقوقهم , أو سدت في وجههم أبواب الوظيفة , أو سدت في وجههم أبواب العمل الحر الذي يسددون به ديونهم أو ينفقون به على أزواجهم أو على أولادهم أو على الأقل ينفذون به ما أباح الله تعالى وأحل لهم {{ وأحل الله البيع وحرم الربا }} , فلماذا نمنع هؤلاء من ذلك في الوقت الذي تجد الكثير منهم قد يجدون أنفسهم محتاجين أو مضطرين ( ربما فيما يعتقدون) إلى أن يستدينوا من البنوك بفوائد ربوية والله تعالى يقول : {{ وأحل الله البيع وحرم الربا }} لكنهم يرون أنه ليس لهم مخرج إلا ذلك , والواقع أن المخارج المباحة كثيرة . على كل حال هذا الموضوع باختصار شديد هو قضية الدعاة , قضية الإصلاح الشرعي , الديني , الدنيوي . نحن نعتبر الإصلاح الدنيوي جزء من الإصلاح الديني , فالدين ما جاء ليحكم المسجد فقط , الدين جاء ليعلمنا أن الاقتصاد ينبغي أن يكون بصورة معينة وأن المال ينبغي أن يوظف بطريقة صحيحة , وأن الصناعة ينبغي أن يبرز فيها المسلمون والإعلام و التعليم و الحياة الاجتماعية , الدين جاء ليحكم الحياة . فالدين جاء ليعلم الإنسان من يوم يولد : كيف يُسمَّى المولود , بل قبل ذلك عملية اللقاء والاتصال بين الزوجين كيف تتم من أجل ضمان صلاح المولود بإذن الله تعالى كما أرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أن يوسد الإنسان في قبره , أيضا الدين جاء بتحديد الطريقة , وما بين ذلك من حياة الفرد رجلا أو امرأة , كبيرا أو صغيرا , طفلا أو أبا . هداية القرآن جاءت لتهيمن على الحياة , لا ليفتتح البرنامج بالقرآن ويختم به فحسب , ولا من أجل أن تزين به مكتباتنا , ولا من أجل أن تزين به مساجدنا , ولا من أجل أن نقرأه فحسب - وإن كان ذلك مطلوبا - ولكن جاء حتى نتمثل هدايته , تميزا لأمتنا في كل مجالات الحياة , فيوم أن تتفاخر الأمم بأديانها ومذاهبها وكتبها وتراثها فإن تاريخنا هو القرآن الذي أنزله الله تعالى رحمة وشفاء وهدى ونورا وبيانا لنا , فأعرضنا عنه أيما إعراض واكتفينا بتلاوته إن تلوناه كما قال الحسن البصري رحمه الله : ( نزل القرآن ليعملوا به فاتخذوا تلاوته عملا ) . نحن ندري أن الإصلاح يحول دون شهوات الكثيرين من الناس , وأن طريق الإصلاح ليس مفروشا بالورود ولا بالرياحين بل هو طريق مفروش بالأشواك والمتاعب والمصاعب , لكن لماذا تلومون قوما اختاروا هذا الطريق ورأوا أن يسلكوه وسألوا الله تعالى أن يثبتهم عليه حتى النهاية وهم يحرصون على الاعتدال بقدر المستطاع ومراعاة الحكمة والقول الحسن بقدر ما يملكون ولا يعصمون أنفسهم ولا يبرؤون أنفسهم من أن يكونوا كغيرهم عرضة للاجتهاد الذي يخطئ ويصيب في قول أو فعل ورحم الله امرأ أهدى إلينا عيوبنا , بل حتى العدو إذا أهدى عيبا فيجب أن نفرح بذلك وكما قيل:
عداتي لهم فضل علي ومنة ***** فلا أبعد عني الرحمن الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ***** وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
وأقول إن مهمة الإصلاح ليست وقفا على الدعاة الشرعيين , لا , يجب أن تكون مهمة الإصلاح شأننا جميعا : أساتذة الجامعات , المختصون سواء كانوا اقتصاديين أو تربويين أو في مجال الفيزياء أو في مجال الطب أو في مجال الهندسة أو في مجال التصنيع أو في أي جانب من جوانب الحياة , إعلاميين أو معلمين أو غير ذلك . يجب أن ندري أن الإصلاح مهمة الجميع ومسؤولية الجميع ومجالات الحياة المتنوعة وميدانها الفسيح يتطلب كوادر ضخمة من أبناء الأمة المخلصين الذين يملكون التصور السليم بسبل الإصلاح , ويملكون العزيمة والإرادة القوية بتنفيذ هذا التصور بقدر المستطاع وبقدر ما تسمح به الظروف .

أيها الاخوة ..
ليس عندنا سر وليس عندنا أمر خفي , بل كل ما لدينا قلناه بالأشرطة وتحدثنا فيه على الملأ علانية وهذا هو سبب ما قد نجده ونلقاه من المضايقات لأننا قلنا ما نعتقد . نعم , حاولنا أن نتلطف بالأسلوب ونهذب العبارة ولا نهجم على الموضوع بشكل مباشر وفق اجتهادنا الخاص , لكننا قلنا كثيرا مما نحب أن نقول ومما نعتقد أنه يجب أن يقال ونسأل الله تعالى أن يثبتنا جميعا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة .

أيها الاخوة ..
إنني أتعجب من حالنا وحال الناس في هذا الزمان , العالم اليوم كله مفتوح ثقافيا فالحادثة تحدث بالشرق وتسمع بالغرب , يعطس الرجل في واشنطن فيشمته آخر من موسكو , العالم قرية واحدة كما يقال . أصبح هناك ثورة في الاتصالات , فلماذا - والعالم مفتوح ثقافيا - نقف نحن في مكاننا وكأننا لم نستفد من حركة التاريخ ومن التغيرات الجذرية والجوهرية التي وقعت في العالم كله ؟! لقد انتهى عالم بأكمله في إمبراطورية الاتحاد السوفيتي البائدة , عالم بأكمله كان يقوم على الكبت والإرهاب وحكم الـ ( K.J.B ) وعلى إلغاء الدساتير وعلى تعطيل جميع الأمور باعتبار أن الحزب الواحد تتلخص فيه الحياة كلها . لقد انتهى ذلك العالم ومضى إلى غير رجعة , ودول العالم كلها اليوم أصبحت تتفاخر في كسب رضى شعوبها وكسب قناعتها وأنها تحقق لهم مطالبهم وتحادثهم بشكل واضح وصريح , ويرى هؤلاء أن من حق الأمة عليهم أن تتحدث عن بينة . حتى إنني أقرأ هذا اليوم خبرا في الجريدة عن أن رئيس فرنسا صحته تتدهور وأنه حتى الآن لم يصدر تقريرا وكان من المتوقع أن يصدر بتاريخ كذا وكذا تقرير رسمي عن صحة الرئيس للأمة , حتى قضية شخصية إن كان لها أبعاد تهم الجميع فهم يرون أنفسهم ملزمين أن يصدروا تقريرا للأمة له قدر لا بأس به من المصداقية وألا تحجب الحقائق عنهم بحال من الأحوال , فضلا عن الانفتاح الذي نشهده قريبا وبعيدا عنا . لماذا نظل نحن وكأننا ضد حركة التاريخ وضد طبائع الأشياء ؟ لماذا نجعل الحياة أسرارا غامضة لا يفهمها الناس مع أنها في الواقع أمور بسيطة ويسيرة ؟ نعم , قد يكون هناك أمور خاصة لا يفهمها كل أحد , هذا شئ طبيعي حتى في مجال الأمور الشرعية , لكن هذا لا يمنع أن نبسط ونسهل بعض الأمور ليفهمها عامة الناس وجمهورهم . تعليم الأمة الأحكام الضرورية التي لا بد أن تفهمها , وقل مثل ذلك في جوانب الحياة الأخرى . اليوم التعليم نفسه قد يعطي الطالب مبادئ عامة – حتى ولو كان متخصصا – قد يعطى الطالب مبادئ عامة في كل ألوان العلوم الأخرى باعتبار هذا قدر لا بد منه . فلماذا لا يُفعل هذا في الأمور العملية والأمور الواقعية وأوضاعنا المالية وعلاقاتنا وخصوصياتنا وأمورنا وأحوالنا وحاضرنا ومستقبلنا ومشكلاتنا والتحديات التي تواجهنا , لماذا هذه الأشياء لا تسهل و تبسط للناس حتى يفهموها ويستطيعون أن يتجاوبوا معها ويشاركوا فيها ويدركوا أن قضاياهم فعلا مطروحة بشكل واضح ؟

ماذا نريد وبماذا اتهمنا ؟؟
هذا سؤال لا بد أنه سيطرح وسيتساءل عنه الكثيرون , فأقول لكل من يسأل : والله الذي لا إله غيره أنني لا أعلم تهمة إلا أننا نتحدث وفق القناعات الشرعية المتكونة لدينا بالصورة التي لا بد أن أكثر - أو كل من يسمع هذا الكلام - ربما سمع شيئا منها قل أو كثر , نتحدث في توجيه الأمة , نتحدث في قضاياها , نحاول أن نكون مدافعين بقدر ما نستطيع مع أن أصواتنا ضعيفة وكلماتنا قليلة , لكن نحاول أن نكون مدافعين عن بعض حقوق الأمة , نحاول أن نصحح ما يمكن تصحيحه , نحاول أن ندفع عقاب الله تعالى وعذاب الله تعالى الذي لا بد أن ينزل بهذه الأمة إذا لم تستدرك نفسها وتصحح أوضاعها – وهذا هو المعروف وهذه هي السنة الإلهية - ليس شرطا أن تكون نارا تنزل من السماء وليس شرطا أن يكون بركانا يخرج من الأرض , العذاب الإلهي قد يكون أزمة اقتصادية تخنقنا وأنتم تسمعون الآن التقارير في الشرق والغرب عن الأوضاع المتردية لدول الخليج واقتصادها وربما يتضرر الصغار قبل الكبار . قد يكون العقاب الإلهي أن يلبسنا الله تعالى شيعا ويذيق بعضنا بأس بعض ويسلط بعضنا على بعض فنعود كما كنا أمما وشعوبا وقبائل وأحزابا بدلا من أن تتعارف وتتآلف وتتآخى في إخاء الدين والإيمان والإسلام تتحول إلى أمم يحارب بعضها بعضا ويبغض بعضها بعضا . قد يكون العقاب الإلهي شيئا آخر لا يخطر في بالنا الآن ولا نتصوره قد يسلط الله علينا عدوا من سوى أنفسنا فيأخذ بعض ما في أيدينا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقعت المنكرات والمعاصي ولم يوجد من ينكرها أو يغيرها . إن المنكرات المعلنة لا بد أن تنكر بصوت جهوري علني حتى يعلم الناس أن الدين لا يرضى ذلك ولا يقره وأن أهل الدين لا يتحملون مسئولية هذه الأشياء , لا يتحملون مسؤولية الظلم الذي يقع أيا كان مصدره وأيا كان موقعه , لا يتحملون مسئولية مصادرة حقوقهم الخاصة , لا يتحملون مسئولية الحيلولة بينهم وبين ما لهم من الفرص والوظائف والأعمال والحقوق . لا بد أن يكون الإنكار علانية في هذه الأمور المشهورة المعروفة التي لا تخفى على أحد كائنا من كان .
ولا شك في هذا , وهذه هي الأشياء التي حدثونا فيها لما استدعينا إلى وزارة الداخلية قبل سنة أنا وفضيلة الشيخ سفر الحوالي وكتبنا في ذلك خطابا للشيخ عبد العزيز بن باز , لم يكن من أمر يوجه إلينا إلا أننا تكلمنا مرة عن الربا وأنكرناه , وتكلمنا مرة عن السلام مع اليهود واستنكرناه , وتكلمنا مرة عن بعض المظالم الاجتماعية الموجودة وأنكرناها , تكلمنا مرة عن تسلط بعض الأجهزة على الناس وأنكرناه , وتكلمنا عن حقوق المسلمين وما لهم وأنه لا يجوز ترويعهم ولا أذيتهم وما شابه ذلك من الأمور التي جاء بها الدين ولا ينكرها أحد من العقلاء , فهذا هو ما اتهمنا به . يبقى أن هناك من قد يكون لهم تهويشات أو تشويشات لأني أعتقد أن هناك من سيقولها ممن يريد أن تضل الأمة في صمت تام فإذا تكلم أحد قال يريد شيء !! يريد سلطة , يريد منصب , يريد حكم , وهذا ليس أمرا جديدا تواصوا به , بل هو أمر قديم {{ ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك }} , فرعون قال مثل هذا لموسى : {{ و تكون لكما الكبرياء في الأرض }} و قريش قالت هذا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم : {{ إن هذا لشيء يراد }} . إذن كل داعية من السهل بأن يتهم والتهم جاهزة معلبة , ممكن أنت تتهم و أنا أتهم و الثاني يتهم و الثالث كذلك والأمر مفتوح وما هناك رقيب على أفواه الناس وفي مثل هذا المجال الأمر واسع . لكن يبقى السؤال إذا كان هؤلاء يقولون شيئا فليعلنوه للناس إن كان عندهم أدلة أو وثائق أو عندهم شئ يدل على أننا نريد أكثر من دعوة الإصلاح وأكثر من محاولة تعديل العوج الذي يتفاقم و يشتد في الأمة . إذا كان هناك شئ من ذلك فنحن نطلب بأن يبين للأمة ليعرفه الخاص و العام و يكون الناس على بصيرة من أمرنا .

أيها الاخوة ..
ليعلم الكل أننا – و أستغفر الله ثم أستبيح اخواني دعاة الاسلام عذرا إذا تكلمت بلسانهم في هذه القضية – أن دعاة الإسلام هم دعاة أمن وسلام , ونحن دعاة وحدة وأمن واستقرار وسلام ولا يحق لأحد مهما كان أن يدعي أنه أحرص على الأمن وعلى الوحدة وعلى السلام من دعاة الإصلاح . نعم , قد يختلف الأسلوب , فنحن أسلوبنا وطريقتنا وعقيدتنا أنه من أجل المحافظة على أي نعمة أو خير حبانا الله تعالى بها ومن أجل طلب المزيد ومن أجل مدافعة عقاب الله , يجب أن نكون جميعا أيدي تغسل هذا المجتمع , تصحح أوضاعه , تستدرك عليه أولا بأول , تنكر المنكر في وقته , تعمل على الإصلاح ولو أدى الأمر إلى نوع من الضغوط , وعلينا الاستمرار والإصرار والصبر والمصابرة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا وحتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين . نعم , نعتقد أن هذا هو السبيل الوحيد ولا سبيل غيره لحفظ أمن هذه البلاد وحفظ استقرارها وحفظ وحدتها . أليس الجميع يؤمنون بالقرآن ويرتضونه حكما بينهم ؟ إذن فلنسمع : يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {{ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم }} فنصت الآية على أن الله تعالى هو الذي ألف بين المؤمنين بالإيمان , والرسول نفسه عليه الصلاة والسلام يقال له لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم , فنقول لكل إنسان , لكل تاجر , لكل ثري , و لكل حاكم , لكل عالم , نقول له كما قال الله لرسوله عليه السلام : لو أنفقتم ما في الأرض جميعا ما ألفتم بين قلوب الناس , إنما يؤلف بين قلوب الناس بالعدل , يؤلف بين قلوب الناس بالإيمان , يؤلف بين قلوب الناس بالصدق , يؤلف بين قلوب الناس بالمصارحة , يؤلف بين قلوب الناس بحفظ حقوقهم , يؤلف بين الناس بمشاورتهم , يؤلف بين قلوب الناس بالصبر عليهم , وحسن التعامل معهم .

مطلب آخر .. قضية الأمن , فالأمن مطلب شرعي ومطلب اجتماعي لكل الأمم ولكل الشعوب فالإنسان مفطور على طلب الأمن , بل وحتى الحيوان , والله تعالى يقول : {{ فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف }} . إذن الأمن من الخوف إنما يكون بالإيمان ولهذا ذكر الرسول عليه السلام أن الراكب يسير من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه , متى ؟ إذا استقر أمر الدين وأطاع الناس شريعة الله تعالى وانصاعوا لها . الاستقرار الاقتصادي والبحبوحة الاقتصادية والثراء المالي لا يأتي من النفط فحسب أو من الثروات المادية فحسب وإن كانت هي المصادر المباشرة , هذا صحيح , لكن أيضا إذا لم نتصور قضية الإيمان وقضية النزاهة وقضية العدالة , فقد يتحول المال أو تتحول الثروات إلى باب للمنافسة , باب للأحقاد , باب للتباغض , باب للتباعد , ولهذا الله تعالى يقول : {{ فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع }} . والله الذي لا إله غيره أنه لا استقرار لهذه البلاد ولا وحدة ولا سلامة من عقاب الله تعالى وعذابه ولا أي بلد إسلامي إلا بالانصياع لشريعة الله تعالى والرجوع إلى القرآن والسنة , والله تعالى يقول {{ فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول }} كل من لا ينصاع لأمر الله والرسول وحكم الشريعة فهو ليس بمسلم , وكل المسلمين يقولون - على الأقل بألسنتهم - أنهم يقبلون حكم الله وحكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند التنازع {{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول }} فلماذا لا نرد إلى القرآن ولماذا لا نرد إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلى كلام أهل العلم المعتمد في كل ما شجر بيننا من القضايا ؟ ولماذا نجعل القضية ظنونا واتهامات ورميا بالغيب من مكان بعيد ؟ ألسنا أمة واحدة , ألسنا نعلم اليوم أن الأيدي تمد لليهود للسلام معهم وأصبح يعتبر من لا يؤيد عملية السلام متطرفا أصوليا يجب محاربته عند الكثيرين ؟ أليست الأيدي تمد للشيوعيين ؟ أليست الأيدي تمد للنصارى ؟ أليست الأيدي تمد للعلمانيين ؟ أليست الأيدي تمد إلى كل فئات الدنيا ويرى أنه من الأصلح والأنسب أن يكون هناك نوع من الحوار والانسجام ؟ فلماذا لا نحاور أنفسنا أولا ؟ ولماذا لا نتصدر للنقاش مع أنفسنا قبل أن نتناقش مع غيرنا ؟!

أما السجن فلا يعنيني في قريب أو بعيد فأمره سهل , وأتذكر قول الله تعالى : {{ فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب }} , يشعر الإنسان أنه يزور بلدا لأول مرة , وبلد تزوره لأول مرة فيه العجائب والغرائب والمفاجآت والأمور التي تستفيد منها , تضيف إلى معلوماتك , تجدد إيمانك , تجدد عقلك , تجدد يقينك , فرصة أن تهرب من زحام الناس وكثرتهم وحطمتهم وأسئلتهم , أن تهرب وقتا اضطراريا , تخلو بنفسك , ثم تخلو بربك , تجرب نفسك , تجرب صبرك , إيمانك , عبادتك , قربك من الله , صدقك , قدرتك على تحمل تبعة ما تدعيه أو تقوله من إصلاح أو تغيير في أحوال الناس فهو جزء من الطريق بل له فوائد كبيرة جدا . وهو ضريبة الحق والسنن الجارية على من كان قبلنا , هو الطريق إلى تصحيح الأوضاع ولا شك في ذلك , بل إنني أطمع و أرجو أن يكون ذلك تفجيرا للطاقات الخاملة في الأمة لأننا نحتاج إلى أعداد غفيرة من الدعاة والمصلحين والمجاهدين في هذا السبيل , الذين يصبرون ويصابرون ويرابطون ويتقون الله لعلهم يظفرون بالفلاح في الدنيا وفي الآخرة . تحتاج الأمة إلى أعداد كبيرة ونريد أن تخرج هذه المواهب , وأن يخرج أولئك الرجال , وأن يقوموا بدعوتهم ويصححوا أوضاعهم ويجتهدوا في الإصلاح بقدر ما يستطيعون . القضية ليست قضية شخص بعينه لا فلان ولا علان , لا عالم ولا داعية ولا مسؤول , القضية قضية الأمة كلها . فيا رجال الأمة , يا دعاة الأمة , يا شباب الأمة , يا خبراء الأمة , يا رجال الأمة أين كنتم وأين كانت مستوياتكم ؟ كلكم جميعا مطالبون أن تكونوا دعاة إصلاح ودعاة تغيير نحو الأفضل , ودعاة تصحيح لكل فاسد , ودعاة احتساب على جميع أنواع المخالفات الشرعية سواء كانت مخالفات تتعلق بعلاقة الناس مع ربهم أو علاقة بعضهم ببعض , حكاما أو محكومين , كبارا أو صغارا , رجالا أو نساء . يجب أن تتفجر طاقات الأمة ومواهبها , ينبغي أن يخرج للأمة رجالها . الله تعالى لم يجعل دينه رهنا لأحد حتى شخص محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى {{ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين }} , أما من دونه من الناس حتى لو كانوا علماء أو كبار فالأمر بالنسبة لنا لا يتعلق بهم , أما أمثالنا فضعفاء لا نقدم ولا نؤخر وكلها كلمة استدعاها المقام – هذا الحدث – وقبله أحداث كثيرة وبعده , والمعنى الذي لازلنا ندندن حوله هو أن مهمة الإصلاح ينبغي ألا تكون مرهونة بأفراد يذهبون و يجيئون , يثبتون أو لا يثبتون , يصبرون أو لا يصبرون , يحيون ويموتون , يخطئون ويصيبون , لا , مهمة الإسلام ينبغي أن تكون الأمة كلها قائمة عليها , حتى هذا المصلح إذا أخطأ يجب أن تعترض عليه الأمة وتصحح له خطأه , فلا أحد عندنا معصوم ولا أحد مقدس من البشر خلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم معصومون فيما يبلغون عن الله تعالى , أما الأمة فلا ينبغي أن ترهن نفسها بشخص بعينه أبدا . الأمة والحمد لله موجودة وحية وباقية ولهذا ينبغي أن تمارس مهماتها وأدوارها وأعمالها وصلاحياتها دون أن ترهن نفسها لرأي فلان أو علان أو قول زيد أو عبيد من الناس فهو يعبر عن رأيه وقد يكون صوابا أو خطأ , مجتهدا أو غير مجتهد , لكن ليست الأمة ملزمة بهذه الآراء , كل إنسان ينبغي أن يجتهد وينبغي أن يبذل وسعه في الإصلاح ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله تعالى بقدر ما يستطيع وهو مسئول بحسب إمكانيته وبحسب اجتهاده وبحسب ما أراه الله تعالى .
كم في السجن من نِعَمْ , وكم فيه من مواهب , وكم فيه من بركات , وكم فيه من خيرات نسأل الله تعالى بحوله وقوته وقدرته وعظمته وجلاله وكرمه ألا يحرمنا نعمه . ليست العبرة بكبر المساحة أو صغرها , أو المأكل والمشرب , أو نوع المعاملة , لا , العبرة إذا الله تعالى أفاض عليك الخير وأفاض عليك من بركته سبحانه , فإن أهل الكهف كانوا في كهفهم مع ذلك يقولون {{ فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته }} تصور أن هذا الكهف الصغير تنتشر فيه رحمة الله تعالى , والنشر يدل على أمر واسع مع أنه كهف ضيق , لكن بركة الله تعالى لا حد لها ورحمة الله تعالى وسعت كل شئ ونسأل الله تعالى أن يشملنا بعفوه ورحمته . إذن المسألة مسألة دين ودعوة واعتقالنا جزء من مشكلة ضخمة هي أولا مشكلة جميع المعتقلين منذ سنين طويلة فإنه ليس أحد يعتقل بموجب نص صريح يبيح اعتقاله , بل لا أبالغ إن قلت أن كثيرا من المعتقلين قد يدخل ويخرج وهو لا يدري لماذا دخل ولا لماذا خرج , أما الناس فمن باب أولى أيضا فلا يدرون لماذا دخل فلان ولا كيف خرج , فهذه القضية يجب أن يكون لها حل وإن كان الجانب الشخصي فيها - كما ذكرت - لا يعنيني على كل حال الأمر أيضا أوسع من ذلك , المسألة مسألة دين , مسألة دعوة , مسألة إصلاح المجتمع بكل جوانبه , كما سبق أن تحدثت .

أوصي جميع إخواني الذين يستمعون إلى هذا الكلام , أوصيهم بالدعاء الصادق المخلص لإخوانهم – و أنا من إخوانهم أيضا – فأوصيهم بالدعاء لشخصي الضعيف ولكل إخوانهم في الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها . وأحب أن أشرك الإخوة معي في هذه القصيدة التي قالها الدكتور عبد الله الحامد بعد سجنه لأنها تعبر عن المعنى الذي أريد .. عنوانها " منعوا الكلام " :

منعوا الكتابة والكلام ********** فاصمت وقل للصمت عاش

إن اللسان إذا سعى ************ في النار يشوى كالفراش

فاجعل لسانك أرنبا ****************** متدثرا جوف الخياش

فالرأي صار رذيلة ************** تخفى وتلقى في القشاش

إن الكلام جريمة ******************** يا ويل مرتكب النقاش

والنصح صار جريمة ********************* فكأنه رش الكلاش

فإذا تنفس شاعر ****************** كالقدر فوق النار جاش

وإذا تجرأ عالم ********************** أو كاتب قطعوا المعاش

ورموه في سجن البلا ****************** وكأنه بعض الخشاش

ما بين إبرة عقرب *********************** أو حية ذات انتهاش

لبس القيود أساورا *********************وخلاخلا .. يا للرياش

من دون حكم محاكم ****************** هل ينتف الطير المراش

لو أن محكمة جرت ********************* علنا قضت أن لا يناش

السجن للعلماء أم ********************** للمجرمين به افتراش

الموت حل بأمتي ********************** كبر و قل للموت عاش

يا من يجرم عالما *********************** ومثقفا فتح النقاش

من سوف يوقظ أمة ***************** تبني على الريح الخشاش

ضاعت إذا علماؤها ********************* ملئوا الزنازن كالكباش

ليس المثقف بائعا ********************** سخ الحروف له فراش

أو منكرا في قلبه ******************* قد كح في جيب القماش

بلسانه أقفاله شدت ********************* وبعينه والأذن شاش

إن المعافى سالم ******************** في يوم غاشية و غاش

فالعلم ليس سلالما ********************* للرزق أو لبس الرياش

و العلم ليس كتيبا *********************** يزهو بمتن أو حواش

العلم تغطية إذا *********************** شغل المداهن بالمعاش

يا من يروم ولاءنا ************************ لسنا قطيعا من غواش

اسكب لنا حرية ************************ إنا إلى الشورى عطاش

ما نال قوم عزة ************************* و الرأي فيهم ذو ارتعاش

قولوا لمن قطعوا المعاش ******************** الله قد رزق الخشاش

والرزق مضمون أما ********************** شبعت فراخ في عشاش

إن الحياة مبادئ *********************** ما عاش من عبد المعاش

إن الكلام جهادنا ************************** و الرأي للشوك انتقاش

و كلامنا رأي بدا ************************* ما بالشقاق و لا الهراش

فإذا بدا لك صائبا **************************** فخذه فهو لكم رياش

وإذا بدا لك مخطئا *********************** عالجه في مشفى النقاش



وختاما أحب أن أختم بقضيتين مهمتين :
أولاهما أننا نجد أن في بلاد إسلامية كثيرة مشاكل لها أول وليس لها آخر في مصر وفي الجزائر وفي أفغانستان وفي طاجيكستان وفي بلاد إسلامية أخرى قدر من ذلك يقل أو يكثر , فيا ترى ما هو الأمر الذي أودى بالأمور إلى ذلك الحضيض الذي أصبح عسير العلاج ؟ إننا لا نشك أن البداية كانت مصادرة الرأي , نعم , حصلت أخطاء بلا شك , وأخطاء متبادلة , ولا شك أن الأصل ينبغي أن يلام , ولا يجوز أن نلوم الصورة فقط . قد تجد تعجلا هنا , وقد تقول طيش هناك , وقد تقول شباب لم يدرس ولم يتعلم , لكن يجب أن تعلم أن أي مجتمع لا يرسي دعائمه على العدل , على حرية الكلمة المضبوطة بضابط الشرع , على الإنصاف , على الصدق , على الصراحة , أنه معرض لهزات عنيفة . و هاهنا أقول : لا يجوز لأحد أن يستغل ما يقع في بلد أو آخر ليقول هؤلاء يريدون أن يجروا البلاد إلى مثل ما هو موجود هنا أو هناك , كلا , نحن نخشى على البلاد من ذلك المصير ونعلم أنه إذا لم تتدارك الأمور فإن عقاب الله تعالى نازل , قد ينزل عقاب الله تعالى بأيدي أعدائنا , وقد يكون بأيدي أصدقائنا أيضا فإن الأمور إذا خرجت عن نطاق السيطرة تصبح إعادتها إلى ما كانت عليه حلما بعيد المنال , فيجب ندرك جميعا أن هناك قضية هي قضية الأمة , وقد يتصور الكثيرون أن ما نعيشه الآن وضع مستقر وثابت ولكن يجب أن نعلم أن عقاب الله تعالى إذا نزل قد يفاجئ الكثيرين أيضا , فعلينا أن ندرك أنه لا ضمان لما نعيشه إلا بدعوة الإصلاح الجهورية التي تعطي للإنسان حقه وتحفظ للمرء المسلم كرامته وتعيد الأمور إلى نصابها وتراعي المتغيرات الكثيرة المحلية والدولية وبغير ذلك فإننا نخشى أن نعود كما كنا أمما وشعوبا وأحزابا وقبائل يحارب بعضها بعضا ويقاتل بعضها بعضا . والله إن الإنسان يخشى أشد الخشية على هذا البلد من المصير الذي آلت إليه الأمور في بلاد أخرى كثيرة .. والأمر كما قال شعيب عليه السلام : {{ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب }} .
إذن مطلبنا يتلخص في إصلاح أوضاع الناس , أما الدعاة بذاتهم فلا يضيرهم حتى لو نالهم ضر أو حرموا , هذا الأمر سهل ويسير بل إنهم لا يجدون حرجا في أن يتنازلوا عن كل هذه الأمور الجانبية والشخصية , وأنفسنا وأموالنا وأعمارنا وكل ما نملك فداء لدين الله تعالى وفداء لدعوة الإصلاح .

القضية الثانية : أن مهمة الإصلاح التي نستهدفها , ويجب أن يستهدفها جميع المخلصين , ليست مقصورة على بلد بعينه ولا على مجال بخصوصه , بل ينبغي أن نستهدف العمل على إصلاح الأمة في كل مكان بقدر المستطاع , سواء في الجوانب العلمية أو الجوانب العملية . هذه المهمة يجب أن ينتدب لها من بيننا أقوام نذروا أنفسهم لهذه المهمة وصبروا عليها , ونحن نعتقد أن جزء من مسئوليتنا يتمثل في مخاطبة الأمة كلها بقضاياها العامة في مشارق الأرض ومغاربها , والوقوف مع المسلمين في مهماتهم ومصائبهم ونكباتهم , وتعريف إخوانهم المسلمين بقضاياهم والعمل على إحياء الأخوة الدينية بين المسلمين وإزالة جميع المظاهر السيئة من حياتهم . هذا هدف عام , وهو يتطلب حضورا علميا حقيقيا في نوادي المسلمين وأماكنهم وتجمعاتهم وعقولهم , بقدر المستطاع وبقدر ما تسمح به الآلة الإعلامية التي يملكها دعاة الإسلام اليوم . نحن نعيش مع إخواننا المسلمين في البوسنة أو في الصومال أو في طاجيكستان أو في مصر أو في بلاد الشام أو فلسطين أو غيرها , فإننا معهم لحظة لحظة و ساعة ساعة , ونعتبر هذا جزء من مسئوليتنا , وأنه خيانة للاخوة الدينية أن نتخلى عنهم أو نتركهم ونسلمهم لعدوهم أو نهمل شؤونهم وقضاياهم , وإذا لم نستطع أن نمد لهم يد العون فلا أقل من أن نلقي الضوء على قضيتهم أو نتحدث عنهم ولو بكلمة طيبة تداوي جراحهم وتهدئ مشاعرهم وتشعرهم بان هناك من إخوانهم المسلمين من يتأثر ويحزن لهم ويعبر عن شعوره تجاه قضاياهم وأزماتهم ومشكلاتهم , وبحمد الله تعالى تحقق من ذلك شئ نحمد الله تعالى عليه ونسأله المزيد من فضله , كما أسأل الله تعالى أن يأتي اليوم الذي يتمكن فيه دعاة الإسلام من أن يزوروا إخوانهم ويجلسوا بين أظهرهم ويحادثوهم ويتعرفوا على مشكلاتهم عن كثب ويساعدوهم في حلها مساعدة مباشرة حتى تتحقق الأخوة الشرعية الدينية الحقيقية بين المسلمين في كل مكان {{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله }} نسأل الله تعالى بأن يجعلنا من هؤلاء , إذ ليست قضيتنا محلية ولا خاصة و إقليمية , قضيتنا هي قضية كل مسلم في الصين أو السند أو الهند أو كشمير أو بنجلادش أو الأكراد أو الجزائر أو تونس أو مصر أو فلسطين أو بلاد أفغانستان أو طاجيكستان أو قضية المسلمين في أوربا أو في أمريكا أو في روسيا أو في أي مكان من الأرض فمفهوم الوطن عندنا شمل واتسع :

ولست أبغي سوى الإسلام وطنا ****** الشام فيه و وادي النيل سيان
وحيث ذكر اسم الله في بلد ******** عددت أرجاءه من لب أوطاني

قضيتنا قضية الإسلام والمسلمين في كل مكان , ينبغي أن تزول فكرة الحواجز والحدود والسدود والموانع التي جعلت المسلم لا ينتصر لأخيه أو لا يسمع صوته أو لا يستجيب أو لا ينصره ظالما كان مظلوما كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام . ولهذا فقضيتنا كبيرة فنحن ننظر للخريطة الإسلامية , للصورة بشكلها الشامل فنشعر بأن الأمر يتطلب إنقاذا مباشرا . هناك حرائق تشب في كل مكان تتطلب إطفاء وينبغي أن يتصدى لها ولو نفر قليل بقدر الإمكان , وإن كنا نعرف أن الأمور قد تكون أكبر مني ومنك ولكن مع ذلك الجزء اليسير يبارك الله تعالى فيه , وأيضا الله تعالى لم يكلفنا إلا ما نستطيع فقضيتنا ليست قضية دولة أو بلد أو وطن أو منطقة مع أن هذا البلد من لب بلاد المسلمين وهو بلد تشرئب إليه أعناق المسلمين في كل مكان ويتطلعون إليه , ولعله من هذا المنطلق ما يحظى به صوت الدعوة من تقبل واستجابة من المسلمين في بلاد كثيرة من بلاد المسلمين ومن غيرها . وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يأذن بتوحيد كل المسلمين على الحق وأن يزيل ما بينهم من تباعد أو تطاعن أو تباغض , ويعودوا كما أمرهم الله تعالى أمة واحدة متعاونة على البر والتقوى , ما يصيب قريبنا يصيب بعيدنا , والألم الذي ينزل بمسلم عادي في أي بلد يشعر فيه أخوه المسلم مهما بعدت به الدار ونأى به المزار , لا تحول المسافات المكانية ولا الزمانية دون إحساسه بآلام إخوانه المسلمين ونصره لهم , إن كان نصرا بالكلمة أو بالوقوف معهم أو بتبني قضيتهم أو بالدفاع عن مشروع أو بأي أمر يحتاجه ونستطيع نحن بأن نؤديه عنه , فقضيتنا هي قضية كل مسلم على ظهر الأرض .

هذه بعض المعاني وبعض الأفكار وبعض الخواطر التي جالت في ذهني فأحببت أن أفضيها لإخواني , قد ينقصها الترقيق , قد ينقصها الأعداد , لكني أحببت أن أبوح بها أمانة أوصلها إلى كل من يريد أن يعرف القضية , وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لخير الدنيا والآخرة وأن يجعل ما كُتب لنا خير لنا في الدارين إنه على كل شئ قدير . هذا وأسأل الله بصفاته العليا وأسمائه الحسنى أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يذل الشرك والمشركين وأن يدمر أعداء الدين وأن ينصر من يعلم أنه على الحق ويثبته ويوفقه ويهديه , وأن يهدي من يعلم عنه خلاف ذلك إلى الحق ويرده إليه ردا جميلا , وأن يقصم ظهر كل من يعلم منه العناد والإصرار والمحاربة لدينه وشريعته ونبيه عليه الصلاة والسلام , وأن يهدي ضال المسلمين إنه على كل شئ قدير .

اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد , وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , وإلى لقاء إن شاء الله قريب غير بعيد بإذن ربنا ذو الجلال والإكرام الحي القيوم سبحانه وتعالى وأستودع الله دينكم جميعا و أمانتكم وخواتيم أعمالكم والله على كل شيء قدير .