View Full Version : * شـــر و ط ا لـــكـــلا م *
صدى الحق
13-10-2000, 01:20 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فداك أبي وأمي يا قائدي ومعلمي يارسول الله عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم ، بك نقتدي ونهتدي ونستعين على دنيانا التي أصبح فيها المنكر عدلاً والعدل باطلاً .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش وإياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالفجور ففجروا قال فقام رجل فقال يا رسول الله أي الإسلام أفضل قال أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك فقام ذاك أو آخر فقال يا رسول الله أي الهجرة أفضل قال أن تهجر ما كره ربك والهجرة هجرتان هجرة الحاضر والبادي فهجرة البادي أن يجيب إذا دعي ويطيع إذا أمر والحاضر أعظمهما بلية وأفضلهما أجرا .
ومن هذا المنطلق أعرض عليكم هذه القاعده في شروط وأدب الكلام من مقتطفات من كتاب أدب الدنيا والدين .
صدى الحق
13-10-2000, 01:22 AM
اعلم أن للكلام شروطا لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها , ولا يعرى من النقص إلا بعد أن يستوفيها وهي أربعة :
فالشرط الأول : أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في اجتلاب نفع أو دفع ضرر .
والشرط الثاني : أن يأتي به في موضعه , ويتوخى به إصابة فرصته .
والشرط الثالث : أن يقتصر منه على قدر حاجته .
والشرط الرابع : أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به . فهذه أربعة شروط متى أخل المتكلم بشرط منها فقد أوهن فضيلة باقيها . وسنذكر تعليل كل شرط منها بما ينبئ عن لزومه .
صدى الحق
13-10-2000, 01:24 AM
فأما الشرط الأول : وهو الداعي إلى الكلام ; فلأن ما لا داعي له هذيان , وما لا سبب له هجر .
ومن سامح نفسه في الكلام , إذا عن ولم يراع صحة دواعيه , وإصابة معانيه , كان قوله مرذولا , ورأيه معلولا , كالذي حكي عن ابن عائشة أن شابا كان يجالس الأحنف ويطيل الصمت , فأعجب ذلك الأحنف فخلت الحلقة يوما فقال له الأحنف : تكلم يا ابن أخي .
فقال : يا عم لو أن رجلا سقط من شرف هذا المسجد هل كان يضره شيء ؟
قال : يا ابن أخي ليتنا تركناك مستورا .
صدى الحق
13-10-2000, 01:26 AM
وقد تمثل الأحنف بقول الأعور الشني :
وكائن ترى من صاحب لك معجب *** زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
صدى الحق
13-10-2000, 01:28 AM
وكالذي حكي عن أبي يوسف الفقيه أن رجلا كان يجلس إليه فيطيل الصمت , فقال له أبو يوسف : ألا تسأل ؟ قال : بلى .
قال متى يفطر الصائم ؟
قال : إذا غربت الشمس .
قال : فإن لم تغرب إلى نصف الليل ؟
قال : فتبسم أبو يوسف رحمه الله وتمثل ببيتي الخطفي جد جرير :
عـجـبت لإزراء العيي بنفسـه *** وصمت الذي قد كان بالعلم أعلما
وفي الصمت ستر للغبي وإنما *** صـحـيفة لـب المرء أن يـتـكلما
صدى الحق
13-10-2000, 01:33 AM
ومما أطرفك به عني أني كنت يوما في مجلسي بالبصرة وأنا مقبل على تدريس أصحابي إذ دخل علي رجل مسن قد ناهز الثمانين أو جاوزها .
فقال لي : قد قصدتك بمسألة اخترتك لها .
فقلت : اسأل - عافاك الله - وظننته يسأل عن حادث نزل به .
فقال : أخبرني عن نجم إبليس , ونجم آدم , ما هو ؟
فإن هذين لعظم شأنهما لا يسأل عنهما إلا علماء الدين .
فعجبت وعجب من في مجلسي من سؤاله وبدر إليه قوم منهم بالإنكار والاستخفاف فكففتهم .
وقلت : هذا لا يقنع مع ما ظهر من حاله إلا بجواب مثله .
فأقبلت عليه , وقلت : يا هذا إن المنجمين يزعمون أن نجوم الناس لا تعرف إلا بمعرفة مواليدهم فإن ظفرت بمن يعرف ذلك فاسأله .
فحينئذ أقبل علي وقال : جزاك الله خيرا .
ثم انصرف مسرورا .
فلما كان بعد أيام عاد وقال : ما وجدت إلى وقتي هذا من يعرف مولد هذين .
صدى الحق
13-10-2000, 01:35 AM
فانظر إلى هؤلاء كيف أبانوا بالكلام عن جهلهم , وأعربوا بالسؤال عن نقصهم , إذ لم يكن لهم داع إليه , ولا روية فيما تكلموا به .
ولو صدر عن روية ودعا إليه داع لسلموا من شينه , وبرئوا من عيبه .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لسان العاقل من وراء قلبه فإذا أراد الكلام رجع إلى قلبه , فإن كان له تكلم وإن كان عليه أمسك ، وقلب الجاهل من وراء لسانه يتكلم بكل ما عرض له }
.
وقال عمر بن عبد العزيز : من لم يعد كلامه من عمله كثرت خطاياه .
صدى الحق
13-10-2000, 01:36 AM
وقال بعض الحكماء : عقل المرء مخبوء تحت لسانه .
وقال بعض البلغاء : احبس لسانك قبل أن يطيل حبسك أو يتلف نفسك , فلا شيء أولى بطول حبس من لسان يقصر عن الصواب , ويسرع إلى الجواب .
وقال أبو تمام الطائي :
ومما كانت الحكماء قالت *** لسان المرء من تبع الفؤاد
وكان بعض الحكماء يحسم الرخصة في الكلام ويقول : إذا جالست الجهال فأنصت لهم , وإذا جالست العلماء فأنصت لهم , فإن في إنصاتك للجهال زيادة في الحلم , وفي إنصاتك للعلماء زيادة في العلم .
صدى الحق
13-10-2000, 01:42 AM
والشرط الثاني : فهو أن يأتي بالكلام في موضعه ; لأن الكلام في غير حينه لا يقع موقع الانتفاع به , وما لا ينفع من الكلام فقد تقدم القول بأنه هذيان وهجر , فإن قدم ما يقتضي التأخير كان عجلة وخرقا وإن أخر ما يقتضي التقديم كان توانيا وعجزا ، لأن لكل مقام قولا , وفي كل زمان عملا .
وقد قال الشاعر :
تضع الحديث على مواضعه *** وكلامها من بعدها نزر
صدى الحق
13-10-2000, 01:48 AM
والشرط الثالث : وهو أن يقتصر منه على قدر حاجته .
فإن الكلام إن لم ينحصر بالحاجة , ولم يقدر بالكفاية , لم يكن لحده غاية , ولا لقدره نهاية .
وما لم يكن من الكلام محصورا كان حصرا إن قصر , وهذرا إن كثر .
وحكي أن بعض الحكماء رأى رجلا يكثر الكلام ويقل السكوت فقال : إن الله تعالى إنما خلق لك أذنين ولسانا واحدا ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به .
وقال بعض الحكماء : من كثر كلامه كثرت آثامه .
وقال ابن مسعود : أنذركم فضول المنطق .
وقال بعض البلغاء : كلام المرء بيان فضله , وترجمان عقله , فاقصره على الجميل واقتصر منه على القليل , وإياك ما يسخط سلطانك , ويوحش إخوانك , فمن أسخط سلطانه تعرض للمنية ومن أوحش إخوانه تبرأ من الحرية .
وقال بعض الشعراء :
وزن الكلام إذا نطقت فإنما *** يبدي عيوب ذوي العيوب المنطق
صدى الحق
13-10-2000, 01:50 AM
ولمخالفة قدر الحاجة من الكلام حالتان : تقصير يكون حصرا , وتكثير يكون هذرا , وكلاهما شين .
وشين الهذر أشنع , وربما كان في الغالب أخوف .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : { وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم } .
وقال بعض الحكماء : مقتل الرجل بين فكيه .
وقال بعض البلغاء : الحصر خير من الهذر ; لأن الحصر يضعف الحجة , والهذر يتلف المحجة .
وقد قال الشاعر :
رأيت اللسان على أهله *** إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا
صدى الحق
13-10-2000, 02:03 AM
وما ينقص من هيئات الرجال يزيد في بهائها وألبابها .
وقد ذهب بعضهم إلى أن الكلام إذا كثر عن قدر الحاجة , وزاد على حد الكفاية , وكان صوابا لا يشوبه خطل , وسليما لا يتعوده زلل , فهو البيان والسحر الحلال .
وقال سليمان بن عبد الملك , وقد ذم الكلام في مجلسه : كلا إن من تكلم فأحسن قدر على أن يسكت فيحسن , وليس من سكت فأحسن قدر على أن يتكلم فيحسن .
ووصف بعضهم الكاتب فقال : الكاتب من إذا أخذ شبرا كفاه , وإذا وجد طومارا أملاه .
وأنشد بعضهم في خطباء إياد :
يرمون بالخطب الطوال وتارة *** وحي الملاحظ خيفة الرقباء
صدى الحق
13-10-2000, 02:06 AM
وقال الهيثم بن صالح لابنه : يا بني إذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب .
فقال : يا أبت فإن أنا أكثرت وأكثرت يعني كلاما وصوابا .
فقال : يا بني ما رأيت موعوظا أحق بأن يكون واعظا منك .
وقال أبي الفتح البستي :
تكلم وسـدد ما استطعت فإنما *** كلامك حي والسكوت جماد
فإن لم تجد قولا سديدا تقوله *** فصمتك عن غير السداد سداد
صدى الحق
13-10-2000, 02:08 AM
وقيل لإياس بن معاوية : ما فيك عيب إلا كثرة الكلام !
فقال : أفتسمعون صوابا أو خطأ ؟
قالوا : لا بل صوابا .
قال : فالزيادة من الخير خير .
وقال أبو عثمان الجاحظ : للكلام غاية , ولنشاط السامعين نهاية .
وما فضل عن مقدار الاحتمال , ودعا إلى الاستثقال والملال , فذلك الفاضل هو الهذر .
وصدق أبو عثمان , لأن الإكثار منه وإن كان صوابا يمل السامع ويكل الخاطر وهو صادر عن إعجاب به لولاه قصر عنه .
صدى الحق
13-10-2000, 02:10 AM
ومن أعجب بكلامه استرسل فيه , والمسترسل في الكلام كثير الزلل دائم العثار .
وقال بعض الحكماء : من أعجب بقوله أصيب بعقله .
وليس لكثرة الهذر رجاء يقابل خوفه , ولا نفع يوازي ضره , لأنه يخاف من نفسه الزلل , ومن سامعيه الملل .
وليس في مقابلة هذين حاجة داعية ولا نفع مرجو .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أبغضكم إلي المتفيهق المكثار والملح المهذار } .
وسأل رجل حكيما فقال : متى أتكلم ؟
قال : إذا اشتهيت الصمت .
فقال : متى أصمت ؟
قال : إذا اشتهيت الكلام .
وقال جعفر بن يحيى : إذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيا , وإن كان الإكثار واجبا كان التقصير عجزا .
صدى الحق
13-10-2000, 02:12 AM
وقيل في منثور الحكم : إذا تم العقل نقص الكلام .
وقال بعض الأدباء : من أطال صمته اجتلب من الهيبة ما ينفعه , ومن الوحشة ما لا يضره .
وقال بعض البلغاء : عي تسلم منه خير من منطق تندم عليه فاقتصر من الكلام على ما يقيم حجتك , ويبلغ حاجتك , وإياك وفضوله فإنه يزل القدم , ويورث الندم .
وقال بعض الفصحاء : فم العاقل ملجم إذا هم بالكلام أحجم , وفم الجاهل مطلق كلما شاء أطلق .
وقال بعض الشعراء :
إن الكلام يغر القوم جلوته *** حتى يلج به عي وإكثار