PDA

View Full Version : ،، هود عليه السلام ،،


كلاسيك
21-06-2000, 08:30 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،

نسبه ولغة قومه ومكانهم

قال الله تعالى: (كذبت عاد المرسلين(123) إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون (124) إنى لكم رسول أمين (125) فاتقوا الله وأطيعون (126) وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين) (الشعراء:123-127).

سيدنا هود هو: هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.

ويقال: هود بن عبد الله بن رباح بن الجارود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. ذكره ابن جرير.

وقبيلته هى قبيلة عاد بن عوص بن سام بن نوح، وكانوا عربا يسكنون الأحقاف (وهى جبال الرمل وكانت باليمن بين عُمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر يقال لها: الشحر)، واسم واديهم مغيث، وكانوا كثيرا ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام كما قال تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد) (الفجر:6-7). أى عاد إرم، وهم عاد الأولى، وأما عاد الثانية فمتأخرة كما سيأتى بيان ذلك فى موضعه، وأما عاد الأولى فهم عاد (إرم ذات العماد (7) التى لم يخلق مثلها فى البلاد) (الفجر 7-8). أى مثل القبيلة، وقيل: مثل العمد. والصحيح الأول.

وفى صحيح ابن حبان عن أبى ذر فى حديثه الطويل فى ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه: منهم أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر.

ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام العرب العاربة وهم قبائل كثيرة منهم عاد، وثمود، وجرهم، وطسم، وجديس، وأميم، ومدين، وعملاق وغيرهم.

وأما العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمه هاجر بالحرم ولكن أنطقه الله بها فى غاية الفصاحة والبيان، وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمقصود: أن عادًا، وهم عاد الأولى كانوا طوالاً أشداء أقوياء، وكانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان. ويحتاج الأمر إلى شرح فنقول: إن الذين نجوا مع نوح عليه السلام، ورأوا من آيات الله تعالى وقدرته وعظمته ما يزيدهم إيمانا مع إيمانهم، ويعمق الشعور بفضل الله عليهم، لا شك أنهم عبدوا الله تعالى وحده فيما بقى من أعمارهم، وأوصوا بذلك أولادهم وأحفادهم، وقصوا عليهم نبأ الذين أغرقوا فأدخلوا نارا، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارًا، وطالبوهم بالحرص على التوحيد فى العقيدة والعبادة وحذروهم من التبعية للشيطان أو الركون إلى الشهوة والهوى والنفس الأمارة، لا شك أن ذلك كله قد كان لأنه من ثمرات ومقتضيات الإيمان.

ولكن يا حسرة على الإنسان ويا أسفاه على أولاد آدم عليه السلام ‍!!! إنهم أكثرهم لهم قلوب لا تفقه، وعقول لا تتحرر، وشهوات غالبة، وأهواء مسيطرة، لذلك وجد فيهم الشيطان طلبته، ونفذ فيهم رغبته، فقادهم إلى السقوط من درجة الإنسانية الرفيعة المؤمنة بالله، والموحدة له، والمخلصة فى عبادته والخضوع لأمره ونهيه، وأوقفهم أذلة راكعين أمام حجر منصوب، وصنم مصنوع، وقال لهم: هذه آلهتكم فاعبدوها، واتركوا عبادة الله، أو اجعلوها شريكة له فى العبادة، واسمعوا لسدنتها وأطيعوا، ولا تبرموا أمرًا دونها، وحاربوا كل من يصدكم عنها، ولا تسمعوا للناصحين، ولو قالوا إنهم رسل الله.

درج على ذلك الآباء، وقلدهم من بعدهم الأبناء، وصار ذلك عندهم دينا يدافعون عنه بأموالهم وأولادهم وأرواحهم.

ولو كانوا يؤمنون بدين الله الحق ما دافعوا عنه كما دافعوا دفاعًا مستميتا عن أصنامهم وكفرهم وضلالهم.

وإنها الطبيعة البشرية الصالحة للشئ وضده.

فمن البشر رسل وأنبياء هم قمة السمو الإنسانى، ومنهم مردة حمقى أغبياء هم سبة فى جبين البشرية، وصورة للانحطاط الشيطانى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك) (هود:118-119) وكما ضل أولاد آدم الأول بمرور الزمن وتقادم العهد، فإن أولاد آدم الثانى (نوح) فعلوا كما فعل السابقون، فضلوا وكفروا وعاندوا، وسدوا جميع منافذ التبصر والتفكر حين جاءهم رسول منهم يأخذ بأيديهم إلى سعادة الأبد لينقذهم من شقاء الأبد. تعال معى واقرأ قصتهم من أولها إلى آخرها.

كلاسيك
21-06-2000, 08:32 AM
عاقبة قوم هود

فقال لهم: قد حق عليكم بهذه المقالة الرجس والغضب من الله، أتعارضون عبادة الله وحده لا شريك له بعبادة أصنام أنتم نحتموها، وسميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم، واصطلحتم عليها أنتم وآباؤكم، لم ينزل الله على ما ذهبتم إليه دليلا ولا برهانًا؟ فإذا أبيتم قبول الحق وتماديتم فى الباطل فانتظروا الآن عذاب الله الواقع بكم وبأسه الذى لا يرد ونكاله الذى لا يصد.

قال تعالى: (قال رب انصرنى بما كذبون (39) قال عما قليل ليصبحن نادمين (40) فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاءً فبعدًا للقوم الظالمين) (المؤمنون: 39-41).

وقال تعالى: (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيهاعذاب أليم (24) تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين) (الأحقاف: 24-25).

وأما تفصيل إهلاكهم فهو كما قال تعالى: (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم) وكان هذا أول ما ابتدأهم العذاب أنهم كانوا ممحلين محرومين من المطر الذى يحيى الله به الأرض بعد موتها، فطلبوا السقيا، فرأوا سحابا عارضا فى السماء، وظنوه سقيا رحمة فإذا هو سقيا عذاب، ولهذا قال تعالى: (بل هو ما استعجلتم به) أى من وقوع العذاب.

وقد ذكر المفسرون وغيرهم ههنا الخبر الذى ذكره الإمام محمد بن إسحاق بن بشار. قال: فلما أبوْا إلا الكفر بالله عز وجل أمسك عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك قال: وكان الناس إذا جهدهم أمر فى ذلك الزمان فطلبوا من الله الفرج منه إنما يطلبونه بحرمه ومكان بيته الحرام وكان معروفا عند أهل ذلك الزمان، وبه العماليق مقيمون، وهم من سلالة عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيدهم إذ ذاك رجلا يقال له معاوية بن بكر، وكانت أمه من قوم عاد، واسمها جلهدة ابنة الخيبرى قال: فبعثت عاد وفدًا قريبا من سبعين رجلاً ليستقوا لهم عند الحرم، فمروا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة، فنزلوا عليه، فأقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر يغنيهم الجرادتان -وهما قينتان لمعاوية- وكانوا قد وصلوا إليه فى شهر، فلما طال مقامهم عنده، وأخذته شفقة على قومه، واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف، عمل شعرا يعرض لهم بالانصراف، وأمر القينتين أن تغنياهم به.

فعند ذلك تنبه القوم لما جاءوا له، فنهضوا إلى الحرم، ودعوا لقومهم، فدعا داعيهم وهو (قيل بن عنز) فأنشأ الله ثلاث سحابات بيضاء وحمراء وسوداء، ثم ناداه مناد من السماء: اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب فقال: اخترت السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماء، فناداه: اخترت رمادًا رمددًا لا تبقى من عاد أحدًا، ولا والدا يترك ولا ولدًا إلا جعلته همدًا، إلا بنى اللودية الهمدا. قال: وهو بطن من عاد كانوا مقيمين بمكة فلم يصبهم ما أصاب قومهم. قال: ومن بقى من أنسابهم وأعقابهم هم عاد الآخرة. قال: وساق الله السحابة السوداء التى اختارها (قيل بن عنز) بما فيها من النقمة إلى عاد حتى تخرج عليهم من واد يقال له: (المغيث) فلما رأوها استبشروا وقالوا: هذا عارض ممطرنا. فيقول تعالى: (بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم (24) تدمر كل شئ بأمر ربها). أى كل شئ أمرت به، فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها (فهد) فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت، فلما أفاقت قالوا: ما رأيت يا فهد؟ قالت: رأيت ريحًا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها، فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا.

والحسوم: الدائمة -فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك. واعتزل هود عليه السلام فيما ذكر لى فى حظيرة هو ومن معه من المؤمنين ما يصيبهم إلا ما يلين عليهم الجلود، وتلتذ الأنفس، وإنها لتمر على عاد بالطعن فيما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة، وذكر تمام القصة.

وقد يكون هذا السياق لإهلاك عاد الآخرة التى جاءت بعد ذلك فإن فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل فنزلت جرهم عندهم كما سيأتى.

وعاد الأولى قبل الخليل وفيه ذكر معاوية بن بكر وشعره، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى ولا يشبه كلام المتقدمين، وفيه أن فى تلك السحابة شرر نار، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر. وقد قال ابن مسعود، وابن عباس، وغير واحد من أئمة التابعين: هى الباردة، والعاتية: الشديدة الهبوب (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) أى كوامل متتابعات.

قيل: كان أولها الجمعة. وقيل: الأربعاء (فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) (الحاقة:7). شبههم بأعجاز النخل التى لا رءوس لها وذلك لأن الريح كانت تجئ إلى أحدهم فتحمله فترفعه فى الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى جثة بلا رأس كما قال تعالى: (تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر) (القمر:20). ومن قال: إن اليوم النحس المستمر هو يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم فقد أخطأ وخالف القرآن فإنه قال فى الآية الأخرى :(فأرسلنا عليهم ريحا صرصرًا فى أيام نحسات) (فصلت:17).ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات، فلو كانت نحسات فى أنفسها لكانت جميع الأيام السبعة المندرجة فيها مشئومة، وهذا لا يقوله أحد، وإنما المراد: فى أيام نحسات عليهم. قال تعالى: (وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) (الذاريات:41). أى التى لا تنتج خيرًا فإن الريح المفردة لا تنثر سحابًا ولا تلقح شجرًا بل هى عقيم لا نتيجة خير لها، ولهذا قال: (ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم) (الذاريات:42). أى كالشئ البالى الفانى الذى لا ينتفع به بالكلية.

وأما قوله: (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) فإن عادًا لما رأوا هذا العارض وهو الناشئ فى الجو كالسحاب ظنوه سحابا ممطرا إذا هو سحاب عذاب، اعتقدوه رحمة فإذا هو نقمة، رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر. قال الله تعالى: (بل هو ما استعجلتم به) أى من العذاب ثم فسره بقوله: (ريح فيها عذاب أليم) يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوب التى استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية، فلم تبق منهم أحدا، بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال، والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم وتدمر عليهم البيوت المحكمة. والقصور المشيدة، فكما منوا بقوتهم وشدتهم قالوا: من أشد منا قوة. سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة وأقدر عليهم وهو الريح العقيم. ويحتمل أن هذه الريح أثارت فى آخر الأمر سحابة ظن من بقى منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم وغياث لمن بقى منهم فأرسلها الله عليهم شررًا ونارا كما ذكره غير واحد. ويكون هذا كما أصاب أصحاب الظلة من أهل مدين وجمع لهم بين الريح الباردة وعذاب النار، وهو أشد ما يكون من العذاب، لأنه بالأشياء المختلفة المتضادة، مع الصيحة التى ذكرها فى سورة (قد أفلح المؤمنون) والله أعلم. ا هـ من ابن كثير مختصرًا.

كلاسيك
21-06-2000, 08:32 AM
دعوته لقومه وردهم عليه

فقد بعث الله فيهم أخاهم هودًا عليه السلام فدعاهم إلى الله كما قال الله تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون (65) قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك فى سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين (66) قال يا قوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب العالمين (67) أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح أمين (68) أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون) (الأعراف:65-69).

أى جعلهم أشد أهل زمانهم فى الخِلقة والشدة والبطش.

والمقصود: أن عادًا كانوا عربا جفاة كافرين عتاة متمردين بسبب عبادة الأصنام، فأرسل الله فيهم رجلا منهم يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والإخلاص له، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه واتهموه بالسفاهة والكذب والافتراء على الله، وهو مع هذا فى غاية النصح لقومه والشفقة عليهم والحرص على هدايتهم، لا يبتغى منهم أجرًا، ولا يطلب منهم جعلاً بل هو مخلص لله عز وجل فى الدعوة إليه والنصح لخلقه لا يطلب أجره إلا من الذى أرسله فإن خير الدنيا والآخرة كله فى يديه، وأمره إليه، ولهذا قال: (يا قوم لا أسألكم عليه أجرًا إن أجرى إلا على الذى فطرنى أفلا تعقلون) (هود:51) فكان ردهم أن قالوا: (قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين (53) إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إنى أشهد الله واشهدوا أنى برئ مما تشركون) (هود:53-54) والمعنى: ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا لمجرد قولك بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه ونرى أن ما أصابك سببه أن بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك فى عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك. (قال إنى أشهد الله واشهدوا أنى برئ مما تشركون (54) من دونه فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون) (هود:54-55). وهذا تحد منه لهم وتبرؤ من آلهتهم وتنقص منه لها وبيان أنها لا تنفع شيئا ولا تضر وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله. فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر فأنا برئ منها لاعن لها (فكيدونى جميعًا ثم لا تنظرون) بل افعلوا جميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه، وتقدروا عليه، ولا تؤخرونى ساعة واحدة، ولا طرفة عين، فإنى لا أبالى بكم، ولا أفكر فيكم ولا أنظر إليكم (إنى توكلت على الله ربى وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم) (هود:56) فأنا واثق بجناب الله الذى لا يضيع من لاذ به واستند إليه، فلست أبالى بأحد سواه، ولست أتوكل إلا عليه، ولا أعبد إلا إياه.

وهذا وحده برهان قاطع على أن هودًا عبدُ الله ورسوله، وأنهم على جهل وضلال فى عبادتهم غير الله، لأنهم لم يصلوا إليه بسوء، ولا نالوا منه مكروها، فدل على صدقه فيما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه، وفساد ما ذهبوا إليه.

وكانوا مع عبادتهم غير الله ينكرون البعث والجزاء فى الآخرة بالجنة أو النار.

قال تعالى: (وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم فى الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون (33) ولئن أطعتم بشرًا مثلكم إنكم إذًا لخاسرون (34) أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون (35) هيهات هيهات لما توعدون (36) إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين) (المؤمنون:33-37).

استبعدوا أن يبعث الله رسولا بشريا. وهذه الشبهة أدلى بها كثير من جهلة الكفرة قديما وحديثا كما قال تعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرًا رسولا (94) قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولاً) (الإسراء:94-95).

واستبعدوا المعاد، وأنكروا قيام الأجساد بعد صيرورتها ترابا وعظاما، وقالوا: (هيهات هيهات) أى بعيد بعيد هذا الوعد (إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين). أى يموت قوم ويحيا آخرون، ولا بعث ولا حساب ولا جزاء، وهذا هو اعتقاد الدهرية كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة: أرحام تدفع وأرض تبلع، ولا بعث ولا حساب ولا جزاء.

وكان فيما وعظهم به هود عليه السلام قوله: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون (128) وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) (الشعراء: 128-129).

أى أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيما هائلاً كالقصور ونحوها تعبثون ببنائها لأنه لا حاجة لكم فيه، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يسكنون الخيام كما قال تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التى لم يخلق مثلها فى البلاد) (الفجر:6-8) فعاد إرم هم عاد الأولى الذين يسكنون الأعمدة التى تحمل الخيام.

وقوله: (وتتخذون مصانع) قيل: هى القصور، وقيل: بروج الحمام، وقيل: مآخذ الماء (لعلكم تخلدون) أى رجاء منكم أن تعمروا فى هذه الدار أعمارا طويلة (وإذا بطشتم بطشتم جبارين (130) فاتقوا الله وأطيعون (131) واتقوا الذى أمدكم بما تعلمون (132) أمدكم بأنعام وبنين (133) وجنات وعيون (134) إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (135) قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين (136) إن هذا إلا خلق الأولين (فنحن تابعون لهم) (137) وما نحن بمعذبين) (الشعراء:130-138). أما على قراءة فتح الخاء فالمراد به اختلاق الأولين أى ليس هذا الذى جئت به إلا اختلاقًا منك، أخذته من كتب الأولين.

هكذا فسره غير واحد من الصحابة والتابعين. وأما قراءة ضم الخاء واللام فالمراد به الدين. أى ليس هذا الدين الذى نحن عليه إلا دين الآباء والأجداد من أسلافنا ولن نتحول عنه ولن نتغير ولا نزال متمسكين به.

صدى الحق
22-06-2000, 01:17 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

ماشاء الله وتبارك الرحمن ، من كان همه نشر الخير والدلالة عليه يؤجر على كل كلمة يقصد بهاوجه الله .

فجزاك الله عنا خيراً أخي كلايسك :)

------------------
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم