غير شكل
09-07-2004, 05:38 PM
بين نظرتي الحوالي والنفيسي لما سمي بمبادرة العفو، مسافة ليست كبيرة، الأول رأى في العفو العام بحق كل المطلوبين لدى الأجهزة الأمنية ولمن تورطوا في ارتكاب عمليات عنف في المملكة لمدة شهر، أنه "مبادرة جيدة وخطوة موفقة بإذن الله وتفرح لها قلوب المؤمنين المشفقين على أمتهم وعلى وبلادهم"، وأردفا قائلا: "إن مجيئها بعد هذه الأحداث المؤلمة يؤكد على أهميتها والمخاطبين بها بل وعلى المجتمع كله أن يغتنمها وأن يعمل بنجاحها".
والثاني بين أن المبادرة الأخيرة للأمير عبد الله ما هي إلا امتداد للسياسة الأمنية "الخاطئة"والخطاب الإعلامي "الغبي" الذي يهدد دائما وهو خطاب لا جدوى منه أبدا، وأضاف أن "نداء النظام السعودي للقاعدة أسلوب فاشل وبلغة تهديد: توبوا إلى الله وإلا..علما أن القاعدة هي التي تنادي الحكام بالتوبة إلى الله .. ولا أعتقد أنها ستستجيب لهذا النداء...".
الشيخ سفر الحوالي ينظر إلى "المبادرة" بعين العالم المصلح، ويخضع الوضع لقراءة شريعة عميقة، ويرمي بثقله لإطفاء نار الفتنة وتحقيق أكبر قدر من الاستجابة في صفوف المسلحين للوصول إلى حالة من "الوئام" بين طرفي الصراع، على أنها تتويج لمساعي مجموعة من أهل العلم والدعوة من خلال الإعلان عن المبادرة الإصلاحية التي حققت تجاوبا من الحكومة ومن بعض المسلحين، واستنادا لمعرفته بطبائع الحكم وعناصر الجماعات المسلحة، في حين يقرأها الدكتور النفيسي بعين السياسي المتابع مستندا لتجارب سابقة ومستحضرا للمشهد المحلي والإقليمي والدولي وإلماما بطبيعة التنظيمات المسلحة وعقيدتها الإستراتيجية، ويكشف أن :" النظام السعودي في مواجهته مع تنظيم القاعدة يركز على الجانب الأمني ويغفل الجانب الأهم السياسي"، ولم يغفل عن الطرف الأبرز في المعادلة وهم العلماء، فيشير إلى أنه:" يفترض أن يكون لعلماء السعودية دور متميز عن رأي الحكومة لا التبعية لرأي الحكومة إن رغبوا التأثير".
وفي حين يؤكد الشيخ سفر الحوالي على أن هناك صدق في مبادرة الدولة، وأن الأمة تتوقع من المسلحين المبادرة والاستجابة السريعة منهم، حيث إن كثيرا ممن سلم نفسه صححت أوضاعهم وكثير منهم لم يدخلوا السجون ولم يحقق معهم، وبعضهم حصل على إعانات مالية وتم إعادتهم إلى وظائفهم وعوملوا معاملة طيبة وكريمة وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، ولهذا –كما نصح الشيخ- ينبغي لهم أن يغتنموا هذه الفرصة وينبغي أن يتأسوا ببقية الأخوة. يجزم الدكتور النفيسي بأن قناعة النظام بأنه ضرب القاعدة بمقتل المقرن، قناعة موهومة.. "فالحركات السرية تغير إستراتيجيتها بعد الضربات وتخرج بما هو أخطر من خطف أمريكي أو قطع رأسه"، ولم يتوقف عند التأكيد على أن مبادرة ولي العهد السعودي لا تحمل أي مؤشرات على احتمال نجاحها، وأنها طالبت بما لا يمكن حدوثه، وإنما أكد بأن: "إستراتيجية القاعدة تبين أنها لا تتوقف بمقتل قائد بل على العكس، ستتغير الاستراتيجية بشكل آخر قد يمثل تهديدا أكبر على الحكومة السعودية ومنابع النفط التي قد تكون هدفا استراتيجيا للقاعدة". وبينما اقترح الشيخ سفر تفعيلا للمبادرة وحرصا على إنجاحها، أن تسقط الحق الخاص كما أسقطت الحق العام، لأن ذلك :" أكثر إيجابية وأكثر تشجيعا على التوبة وإلقاء السلاح". اعتبر النفيسي أن المدخل الأمني في معالجة الوضع "خطأ" لا يمكنه بحال أن يأتي بمردود إيجابي بل على العكس يؤدي إلى نتائج عكسية، وأن المخرج الوحيد لهذه الأزمة هو اتخاذ إجراءات إصلاحية سياسية.
ويبدو للوهلة الأولى أن بين النظرتين مسافة كبيرة، وأن لكل منهما وجهة، في قراءة الأوضاع ومعالجتها، هو موليها، ولكن وبالنظر أيضا إلى التجارب السابقة ومنطق تداعيات الأوضاع، فإن الجمع بين الرأيين هو الأقرب إلى منطق معالجة الوضع، الجمع بين القراءتين الشرعية والسياسية، أما أن نوجه الخطاب إلى طرف دون آخر، أو أن نعالج الأمور بمنطق "الضرب بيد من حديد"، ونستبعد الجانب السياسي ونلغيه من خريطة المعالجة، فهذا قصور تشهد له تجارب حية في الجزائر ومصر وفي كثير من دول أمريكا اللاتينية وغيرها. ونختزل أوجه الصراع في "أمر إجرائي" من خلال مبادرة عفو والدعوة إلى التوبة ننتقي من الكلمات والعبارات والتهديد والوعيد ما يعزز خيار المعالجة الأمنية أو منطق استبعاد الشق السياسي في الأزمة، فإن هذا مؤذن بمزيد من الخراب والعنف.
من المهم في التعاطي مع مثل هذه الحالات والأوضاع، أن نسمي الأمور بمسمياتها، وأن يتسم حراكنا ومبادرتنا بنوع من الجرأة والعمق في استدراك الأوضاع، وأن لا نختزل المعالجة في قرار شخص بعينه، ونؤسس عليها القناعات والرؤى والمسارات.
مجلة العصر
والثاني بين أن المبادرة الأخيرة للأمير عبد الله ما هي إلا امتداد للسياسة الأمنية "الخاطئة"والخطاب الإعلامي "الغبي" الذي يهدد دائما وهو خطاب لا جدوى منه أبدا، وأضاف أن "نداء النظام السعودي للقاعدة أسلوب فاشل وبلغة تهديد: توبوا إلى الله وإلا..علما أن القاعدة هي التي تنادي الحكام بالتوبة إلى الله .. ولا أعتقد أنها ستستجيب لهذا النداء...".
الشيخ سفر الحوالي ينظر إلى "المبادرة" بعين العالم المصلح، ويخضع الوضع لقراءة شريعة عميقة، ويرمي بثقله لإطفاء نار الفتنة وتحقيق أكبر قدر من الاستجابة في صفوف المسلحين للوصول إلى حالة من "الوئام" بين طرفي الصراع، على أنها تتويج لمساعي مجموعة من أهل العلم والدعوة من خلال الإعلان عن المبادرة الإصلاحية التي حققت تجاوبا من الحكومة ومن بعض المسلحين، واستنادا لمعرفته بطبائع الحكم وعناصر الجماعات المسلحة، في حين يقرأها الدكتور النفيسي بعين السياسي المتابع مستندا لتجارب سابقة ومستحضرا للمشهد المحلي والإقليمي والدولي وإلماما بطبيعة التنظيمات المسلحة وعقيدتها الإستراتيجية، ويكشف أن :" النظام السعودي في مواجهته مع تنظيم القاعدة يركز على الجانب الأمني ويغفل الجانب الأهم السياسي"، ولم يغفل عن الطرف الأبرز في المعادلة وهم العلماء، فيشير إلى أنه:" يفترض أن يكون لعلماء السعودية دور متميز عن رأي الحكومة لا التبعية لرأي الحكومة إن رغبوا التأثير".
وفي حين يؤكد الشيخ سفر الحوالي على أن هناك صدق في مبادرة الدولة، وأن الأمة تتوقع من المسلحين المبادرة والاستجابة السريعة منهم، حيث إن كثيرا ممن سلم نفسه صححت أوضاعهم وكثير منهم لم يدخلوا السجون ولم يحقق معهم، وبعضهم حصل على إعانات مالية وتم إعادتهم إلى وظائفهم وعوملوا معاملة طيبة وكريمة وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، ولهذا –كما نصح الشيخ- ينبغي لهم أن يغتنموا هذه الفرصة وينبغي أن يتأسوا ببقية الأخوة. يجزم الدكتور النفيسي بأن قناعة النظام بأنه ضرب القاعدة بمقتل المقرن، قناعة موهومة.. "فالحركات السرية تغير إستراتيجيتها بعد الضربات وتخرج بما هو أخطر من خطف أمريكي أو قطع رأسه"، ولم يتوقف عند التأكيد على أن مبادرة ولي العهد السعودي لا تحمل أي مؤشرات على احتمال نجاحها، وأنها طالبت بما لا يمكن حدوثه، وإنما أكد بأن: "إستراتيجية القاعدة تبين أنها لا تتوقف بمقتل قائد بل على العكس، ستتغير الاستراتيجية بشكل آخر قد يمثل تهديدا أكبر على الحكومة السعودية ومنابع النفط التي قد تكون هدفا استراتيجيا للقاعدة". وبينما اقترح الشيخ سفر تفعيلا للمبادرة وحرصا على إنجاحها، أن تسقط الحق الخاص كما أسقطت الحق العام، لأن ذلك :" أكثر إيجابية وأكثر تشجيعا على التوبة وإلقاء السلاح". اعتبر النفيسي أن المدخل الأمني في معالجة الوضع "خطأ" لا يمكنه بحال أن يأتي بمردود إيجابي بل على العكس يؤدي إلى نتائج عكسية، وأن المخرج الوحيد لهذه الأزمة هو اتخاذ إجراءات إصلاحية سياسية.
ويبدو للوهلة الأولى أن بين النظرتين مسافة كبيرة، وأن لكل منهما وجهة، في قراءة الأوضاع ومعالجتها، هو موليها، ولكن وبالنظر أيضا إلى التجارب السابقة ومنطق تداعيات الأوضاع، فإن الجمع بين الرأيين هو الأقرب إلى منطق معالجة الوضع، الجمع بين القراءتين الشرعية والسياسية، أما أن نوجه الخطاب إلى طرف دون آخر، أو أن نعالج الأمور بمنطق "الضرب بيد من حديد"، ونستبعد الجانب السياسي ونلغيه من خريطة المعالجة، فهذا قصور تشهد له تجارب حية في الجزائر ومصر وفي كثير من دول أمريكا اللاتينية وغيرها. ونختزل أوجه الصراع في "أمر إجرائي" من خلال مبادرة عفو والدعوة إلى التوبة ننتقي من الكلمات والعبارات والتهديد والوعيد ما يعزز خيار المعالجة الأمنية أو منطق استبعاد الشق السياسي في الأزمة، فإن هذا مؤذن بمزيد من الخراب والعنف.
من المهم في التعاطي مع مثل هذه الحالات والأوضاع، أن نسمي الأمور بمسمياتها، وأن يتسم حراكنا ومبادرتنا بنوع من الجرأة والعمق في استدراك الأوضاع، وأن لا نختزل المعالجة في قرار شخص بعينه، ونؤسس عليها القناعات والرؤى والمسارات.
مجلة العصر