matar
02-06-2003, 07:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم الحكم الذاتي في العقلية الصهيونية
لا تتوقف آلة المصطلحات الصهيونية عن الدوران، فهي تحاول على الدوام صياغة مصطلحاتٍ تعكس الرؤية الصهيونية وترسخها، وإذا لم يتيسر ذلك فهي تلجأ إلى إضفاء المفهوم الصهيوني على المصطلحات المتداولة بعد إفراغها من أية مضامين مضادة من وجهة النظر الصهيونية. ويتبدى ذلك مثلاً في مصطلح الحكم الذاتي الذي أصبح إحدى الركائز الأساسية في أي حديث عن تسوية النزاع العربي- الصهيوني.
فالصهاينة يدركون أهمية ألا يفقدوا المعركة الإعلامية، وبالتالي فإنهم يتحدثون عن الحكم الذاتي ولكنهم يخلعون على المصطلح مضموناً صهيونياً محدداً ينبع من رؤيتهم للعرب. وثمة اختلاف بين الصهاينة بخصوص مفهوم الحكم الذاتي، فهناك المعتدلون من أعضاء حركة السلام وما يُسمى اليسار الصهيوني الذين يطالبون بالانسحاب من الضفة الغربية وفك المستوطنات، وهناك المتطرفون من أعضاء ما يُسمى اليمين الإسرائيلي الذين يطالبون بالاحتفاظ بكل الأرض التي ضمتها إسرائيل عام 1967. وهناك من يقفون في الوسط بين الطرفين، فيطالبون بالانسحاب من بعض الأراضي الفلسطينية وفك بعض المستوطنات الصغيرة والاحتفاظ بالمستوطنات الكبيرة.
وعلى رغم كل هذه الاختلافات، فمن الضروري ملاحظة نقاط الاتفاق بين هذه التيارات، وهي تتبدى فيما يلي:
1 - يلاحظ أن جميع الصيغ الصهيونية المتطرف منها والمعتدل، اليميني منها واليساري، لا تتوجه البتة لقضية الفلسطينيين الذين طُردوا عام 1948 واستوطنوا سوريا ولبنان والأردن ومصر وأنحاء أخرى متفرقة من أرجاء العالم العربي. ولا تذكر هذه الصيغ قضية الفلسطينيين الذين يطالبون بحقوقهم في حيفا ويافا وعكا وكل بقعة في أرض فلسطين المحتلة، والذين صدرت قرارات من هيئة الأمم لتأكيد حقهم في العودة إلى ديارهم أو في التعويض لمن لا يريد منهم العودة.
2 - لا يتحدث الصهاينة مطلقاً عن الأراضي الواقعة خلف الخط الأخضر، أي فلسطين التي احتُلت عام 1948، والتي خصصها قرار التقسيم للفلسطينيين مثل الجليل وغيرها من المناطق. وهكذا حوَّل الخطاب الصهيوني الخط الأخضر إلى مطلق صهيوني جديد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وعلينا قبوله والخضوع له.
3 - يُلاحظ أن كل الحلول مبنية على فكرة القسر والخضوع وعلى الفرض القائل بأن أحد الطرفين سيجبر الطرف الآخر على التسليم بوجهة نظره. فالصهاينة يرون أن رؤيتهم للتاريخ هي الرؤية الوحيدة السليمة التي لا يمكن التراجع عنها على مستوى العقيدة حتى لو تم التراجع عنها على مستوى الإجراءات العملية المؤقتة. وقد لخص ذلك الموقف أهارون ياريف بقوله: إن الصهيونية، حركة التحرر الوطني للشعب اليهودي، اصطدمت بالحركة القومية العربية عامة والحركة القومية الفلسطينية خاصة. ولكنه يضيف على الفور إن أقواله هذه لا تنطوي على تنازل أو استعداد للتنازل عما يعتبره حق اليهود التاريخي في إرتس يسرائيل وفي علاقتهم التاريخية بها.
ومن شأن هذا الموقف المبدئي السائد في صفوف جميع الصهاينة أن يخلق استعداداً كامناً دائماً لدى كل الصهاينة، مهما كان موقعهم على خريطة المتصل الإدراكي السياسي، إلى الانزلاق في نهاية المطاف نحو تغييب العرب وإنكار حقهم في إنشاء دولة حقيقية خاصة بهم إن سنحت الظروف، كما أنه يضفي صفة الشرعية على موقف دعاة "إسرائيل" الكبرى. فالأصل في الموقف الصهيوني هو ابتلاع كل الأرض وتغييب كل العرب والاستثناء هو المرونة والاستعداد للتفاوض بشأن الأرض خارج الخط الأخضر وبشأن الفلسطينيين خارجه.
وفي هذا الإطار ظهر مفهوم الحكم الذاتي الذي يرى أن الحقوق اليهودية في فلسطين مطلقة ولا تقبل النقاش، أما الحقوق الفلسطينية فليست أصيلة، هذا إن تمت الإشارة أصلاً إلى أن ثمة حقوقاً فلسطينية. فالأرض، حسب هذه الرؤية، هي ملك للشعب اليهودي منذ الأزل، ووجود شعب آخر فيها (أي الشعب الفلسطيني) هو من قبيل الصدفة ليس إلا. ومن ثم، فإن أية حقوق تُمنح للفلسطينيين هي من قبيل التسامح الصهيوني أو التكيف العملي مع أمر واقع، وينبغي على الفلسطينيين بالتالي أن يقبلوا بأية صدقات يغدقها عليهم السخاء الصهيوني.
وتعبيراً عن هذا الموقف الصهيوني المبدئي تقرر فصل الشعب الفلسطيني العرضي الزائل عن الأرض الصهيونية الدائمة والأبدية، وأصبح الحديث عن الحكم الذاتي يعني التعامل مع كتلة سكانية وليس مع شعب وأرض، ويهدف إلى منح بعض السكان الذين تصادف وجودهم فيها بعض الحقوق دون أن يكون لهم على هذه الأرض ظل من السيادة. ولهذا، يؤكد الساسة الصهاينة دائماً أن أية سلطة فلسطينية يجب ألا تكون لها أية سلطة على المجال الجوي أو موارد المياه في الأراضي الواقعة تحت إدارتها، وليس من حقها تشكيل جيش فلسطيني. ووفق هذا المفهوم، يتعين على الفلسطينيين أن يعيشوا في مدن وقرى أشبه بالمعازل في المناطق كثيفة السكان، على أن تظل إسرائيل هي وحدها المسؤولة عن الأمن في كل المناطق وتحديد المعابر والشواطئ والطرق الرئيسية. وإذا كان هذا الحكم الذاتي يمنح الفلسطينيين قدراً من الاستقلالية في إدارة بعض أوجه حياتهم، فإن هذه الاستقلالية لا تمتد بأية حال إلى الأرض، إذ تبقى السلطة النهائية والمطلقة في أيدي الصهاينة.
ومع هذا، فلابد من الانتباه إلى أن ثمة فروقاً قد لا تكون جوهرية ولكنها كبيرة بين رؤية حزب العمل ورؤية حزب الليكود للحكم الذاتي، وهي تنبع من تصور كل من الحزبين لوضع "إسرائيل" الدولي والمحلي ومقدرتها على قمع الفلسطينيين وتحقيق الأمن لنفسها. وهذه الفروق تعبر عن نفسها في البرامج السياسية لكلا الحزبين. ولكن من الضروري الانتباه أيضاً إلى أنه عند الانتقال من عالم النظريات والبرامج إلى عالم الممارسة الفعلية فإن نقاط الاتفاق والإجماع تؤكد نفسها على حساب نقاط الاختلاف.
مركز الإعلام الإسلامي العالمي
مفهوم الحكم الذاتي في العقلية الصهيونية
لا تتوقف آلة المصطلحات الصهيونية عن الدوران، فهي تحاول على الدوام صياغة مصطلحاتٍ تعكس الرؤية الصهيونية وترسخها، وإذا لم يتيسر ذلك فهي تلجأ إلى إضفاء المفهوم الصهيوني على المصطلحات المتداولة بعد إفراغها من أية مضامين مضادة من وجهة النظر الصهيونية. ويتبدى ذلك مثلاً في مصطلح الحكم الذاتي الذي أصبح إحدى الركائز الأساسية في أي حديث عن تسوية النزاع العربي- الصهيوني.
فالصهاينة يدركون أهمية ألا يفقدوا المعركة الإعلامية، وبالتالي فإنهم يتحدثون عن الحكم الذاتي ولكنهم يخلعون على المصطلح مضموناً صهيونياً محدداً ينبع من رؤيتهم للعرب. وثمة اختلاف بين الصهاينة بخصوص مفهوم الحكم الذاتي، فهناك المعتدلون من أعضاء حركة السلام وما يُسمى اليسار الصهيوني الذين يطالبون بالانسحاب من الضفة الغربية وفك المستوطنات، وهناك المتطرفون من أعضاء ما يُسمى اليمين الإسرائيلي الذين يطالبون بالاحتفاظ بكل الأرض التي ضمتها إسرائيل عام 1967. وهناك من يقفون في الوسط بين الطرفين، فيطالبون بالانسحاب من بعض الأراضي الفلسطينية وفك بعض المستوطنات الصغيرة والاحتفاظ بالمستوطنات الكبيرة.
وعلى رغم كل هذه الاختلافات، فمن الضروري ملاحظة نقاط الاتفاق بين هذه التيارات، وهي تتبدى فيما يلي:
1 - يلاحظ أن جميع الصيغ الصهيونية المتطرف منها والمعتدل، اليميني منها واليساري، لا تتوجه البتة لقضية الفلسطينيين الذين طُردوا عام 1948 واستوطنوا سوريا ولبنان والأردن ومصر وأنحاء أخرى متفرقة من أرجاء العالم العربي. ولا تذكر هذه الصيغ قضية الفلسطينيين الذين يطالبون بحقوقهم في حيفا ويافا وعكا وكل بقعة في أرض فلسطين المحتلة، والذين صدرت قرارات من هيئة الأمم لتأكيد حقهم في العودة إلى ديارهم أو في التعويض لمن لا يريد منهم العودة.
2 - لا يتحدث الصهاينة مطلقاً عن الأراضي الواقعة خلف الخط الأخضر، أي فلسطين التي احتُلت عام 1948، والتي خصصها قرار التقسيم للفلسطينيين مثل الجليل وغيرها من المناطق. وهكذا حوَّل الخطاب الصهيوني الخط الأخضر إلى مطلق صهيوني جديد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وعلينا قبوله والخضوع له.
3 - يُلاحظ أن كل الحلول مبنية على فكرة القسر والخضوع وعلى الفرض القائل بأن أحد الطرفين سيجبر الطرف الآخر على التسليم بوجهة نظره. فالصهاينة يرون أن رؤيتهم للتاريخ هي الرؤية الوحيدة السليمة التي لا يمكن التراجع عنها على مستوى العقيدة حتى لو تم التراجع عنها على مستوى الإجراءات العملية المؤقتة. وقد لخص ذلك الموقف أهارون ياريف بقوله: إن الصهيونية، حركة التحرر الوطني للشعب اليهودي، اصطدمت بالحركة القومية العربية عامة والحركة القومية الفلسطينية خاصة. ولكنه يضيف على الفور إن أقواله هذه لا تنطوي على تنازل أو استعداد للتنازل عما يعتبره حق اليهود التاريخي في إرتس يسرائيل وفي علاقتهم التاريخية بها.
ومن شأن هذا الموقف المبدئي السائد في صفوف جميع الصهاينة أن يخلق استعداداً كامناً دائماً لدى كل الصهاينة، مهما كان موقعهم على خريطة المتصل الإدراكي السياسي، إلى الانزلاق في نهاية المطاف نحو تغييب العرب وإنكار حقهم في إنشاء دولة حقيقية خاصة بهم إن سنحت الظروف، كما أنه يضفي صفة الشرعية على موقف دعاة "إسرائيل" الكبرى. فالأصل في الموقف الصهيوني هو ابتلاع كل الأرض وتغييب كل العرب والاستثناء هو المرونة والاستعداد للتفاوض بشأن الأرض خارج الخط الأخضر وبشأن الفلسطينيين خارجه.
وفي هذا الإطار ظهر مفهوم الحكم الذاتي الذي يرى أن الحقوق اليهودية في فلسطين مطلقة ولا تقبل النقاش، أما الحقوق الفلسطينية فليست أصيلة، هذا إن تمت الإشارة أصلاً إلى أن ثمة حقوقاً فلسطينية. فالأرض، حسب هذه الرؤية، هي ملك للشعب اليهودي منذ الأزل، ووجود شعب آخر فيها (أي الشعب الفلسطيني) هو من قبيل الصدفة ليس إلا. ومن ثم، فإن أية حقوق تُمنح للفلسطينيين هي من قبيل التسامح الصهيوني أو التكيف العملي مع أمر واقع، وينبغي على الفلسطينيين بالتالي أن يقبلوا بأية صدقات يغدقها عليهم السخاء الصهيوني.
وتعبيراً عن هذا الموقف الصهيوني المبدئي تقرر فصل الشعب الفلسطيني العرضي الزائل عن الأرض الصهيونية الدائمة والأبدية، وأصبح الحديث عن الحكم الذاتي يعني التعامل مع كتلة سكانية وليس مع شعب وأرض، ويهدف إلى منح بعض السكان الذين تصادف وجودهم فيها بعض الحقوق دون أن يكون لهم على هذه الأرض ظل من السيادة. ولهذا، يؤكد الساسة الصهاينة دائماً أن أية سلطة فلسطينية يجب ألا تكون لها أية سلطة على المجال الجوي أو موارد المياه في الأراضي الواقعة تحت إدارتها، وليس من حقها تشكيل جيش فلسطيني. ووفق هذا المفهوم، يتعين على الفلسطينيين أن يعيشوا في مدن وقرى أشبه بالمعازل في المناطق كثيفة السكان، على أن تظل إسرائيل هي وحدها المسؤولة عن الأمن في كل المناطق وتحديد المعابر والشواطئ والطرق الرئيسية. وإذا كان هذا الحكم الذاتي يمنح الفلسطينيين قدراً من الاستقلالية في إدارة بعض أوجه حياتهم، فإن هذه الاستقلالية لا تمتد بأية حال إلى الأرض، إذ تبقى السلطة النهائية والمطلقة في أيدي الصهاينة.
ومع هذا، فلابد من الانتباه إلى أن ثمة فروقاً قد لا تكون جوهرية ولكنها كبيرة بين رؤية حزب العمل ورؤية حزب الليكود للحكم الذاتي، وهي تنبع من تصور كل من الحزبين لوضع "إسرائيل" الدولي والمحلي ومقدرتها على قمع الفلسطينيين وتحقيق الأمن لنفسها. وهذه الفروق تعبر عن نفسها في البرامج السياسية لكلا الحزبين. ولكن من الضروري الانتباه أيضاً إلى أنه عند الانتقال من عالم النظريات والبرامج إلى عالم الممارسة الفعلية فإن نقاط الاتفاق والإجماع تؤكد نفسها على حساب نقاط الاختلاف.
مركز الإعلام الإسلامي العالمي