PDA

View Full Version : أمثال × أمثال ( لكل جديد لذة ) :


الطارق
22-11-2002, 04:27 PM
مثل معروف يصف بحق طبع إنساني اجتماعي ظاهر للعيان في كثير من حيات بني البشر الاجتماعية والحضارية ..

كنت اعتقد أن هذا المثل قد وضعه أبو العيناء في أحد قصصة الطريفة التي عرف بها ، لعلكم في رغبه فيسرد هذه القصة ! إذا فلنسرد هذه القصة ، تقول القصة :

أن أبو العيناء ذهب إلى صاعد بن مخلد وكان وزير الموفق .. وقد استوزره عقب إسلامه .. فلم وصل إلى بابه قال حجابه : أنه يصلي . فعاد أبو العيناء مرة أخرى فقيل له يصلي فقال أبو العيناء : معذور .. لكل جديد لذة ! ) .

وكنت أعجب من هذا الأعمى كيف أبصر حقيقة طباعية إنسانية لا أشك للحظة أنها كانت موجودة ورغم طول مسافات الزمن الممتدة عبر القرون والأزمنة في المجتمعات البشرية ؟!

الطريف في الأمر وفي هذه القصة أن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن الداخلين في عقيدة جديدة أو ديانة هم أشد الناس تمسكا وإيماننا بعقيدتهم الجديدة ، فكأن أبو العيناء قد اكتشف هذه الحقيقة العلمية عندما وصف صاعد بن مخلد وضرب هذا المثل فيه ( من حقي الآن أن أقول كما يقول الكثير من مثقفينا هذه المقولة التي كثيرا ما يتشدقوا بها : ألم تروا كيف أن أجدادنا الأقدمون قد اكتشفوا كل شيء منذ القدم وأن كل ما صدر من الدراسات في الغرب والاكتشافات قد وجدت في ماضينا العريق ، وأماط لثامها ربعنا الأقدمون ! )

قلت من قبل أني كنت اعتقد أن أبو العيناء هو الذي أرسلها مثلا ( كما يقولون في كتبهم القديمة ، وكم من مرة قد قرأت قصة تذكر فيها الأمثال إلا واستعملت هذه الجملة " أرسلها مثلا " ) . ولكن ..

خاب أملي وضاعت كل استنتاجي وذهبت كل توقعاتي بعد أن عصفت بها ريح الحقيقة و بعد أن علمت أن هناك سابق لأبوا العيناء في ضرب هذا المثل ، وقد ظهر لي أن أبو العيناء لم يكن إلا متمثل بهذا المثل وليس بصاحبه الأساسي ولا بمبتكره الأصلي !

ورغم هذا فصاحبه ( المثل ) أقدم عهدا منه في العصر وإن لم يكن أشهر منه ذكرا ، صاحب هذا المثل هو ضابئ بن الحارث !

ولا يروى هذا المثل إلا بوصية للحطيئة طريفة سأذكرها الآن وأذكر قصتها وذلك من كتاب : مجمع الأمثال " لأبي الفضل الميداني من برنامج المحدث ( أي أن نقلي هذا ما هو إلا مجرد قص ولصق ، ليس إلا ، ولا أدري إن كنت سأتهم بنقل ما يسجل في الكتب ، قصا ولزق !!! دعونا من هذا ولنسجل ما ذكره صاحب مجمع الأمثال ) :

لاَ تُرَاهِنْ عَلَى الصَّعْبَةِ وَلاَ تَنْشِدِ القَرِيضَ

هذا المثل للحُطَيئة، لما حَضَرَته الوَفَاة اكْتَنَفَهُ أهلُهُ وبنو عمه، فقيل: يا حًطَىءْ أوْصِ، قَال: وبِمَ أوصِى؟ مالى بين بنىَّ، قَالوا: قد علمنا أن مالك بيني وبنيك فأوْصِ، فقال: وَيْل للشِّعْر من راوية السوء، فأرسلها مَثَلاً، فَقَالوا: أوصِ، فَقَال: أخبِرُوا أهلَ ضابئ بن الحارث أنه كان شاعراً حيث يقول:
لكُلِّ جَدِيدٍ لَذَة، وغيرَ أنَّنِي * وَجَدْتُ جَدِيدَ المَوْتِ غيرَ لذيذ
ثم قَال: لا تُرَاهِن على الصَّعبة ولا تنشد القريض، فأرسلها مَثَلاً.
يضرب في التحذير )

هذا ما قصصناه من برنامج المحدث وألصقناه عن هذا المثل في موقعنا هذا ، فهذا الحطيئة الشاعر المعروف يمدح هذا الشاعر ( بالفعل لا أدري هل هذا هو من سجنه عثمان رضي الله عنه ، يبدولي انه هو نفسه ، الطريف أن هذا سجن في هجاء ، في عهد عثمان رضي الله عنه وأن الحطيئة قد سجن في عهد عمر رضي الله عنه على الهجاء أيضا !) ..

يكفينا أن أمطنا اللثام عن صاحب هذا المثل ، وأرجعنا الحق إلى نصابه بعد كاد تفكيرنا واستنتاجنا يجني على صاحب هذا المثل ، فننسب هذا لغير صاحبه ، ولا تعجب من هذا رحمك الله فقد والله بحثت عن هذا المثل في موقع الوراق وقد وجدت في كتاب على الأقل قد نسب هذا المثل ( أو الشعر ) إلا الحطيئة ؟! ( والله لا أعجب من هذا أبدا ، وما أكثر ما ينسب الفضل لغير صاحبه ، وما أكثر ما ينسب الإبداع لغير مبدعه ، وتجد هذا كثير وأينما وليت وجهك ! )

لم يبقى شيء من حديثنا عن هذا المثل إلى مقطع متمم لهذا المثل حقيقة ، وقد وجدته من بحثي في موقع المحدث وفي نفس مصدر الكتاب ( مجمع الأمثال ) إذا فلنرجع إلى القص واللزق :

( لكُلِّ جَديدٍ لَذَّةٌ
لِكُلِّ قَدِيمٍ حُرْمة )

أرأيتم حصافة الأقدمون !؟ ألم تروا كيف أن الأمثال لا ترسل إلا عن طول تجربه وشدة تقصي وبعد نظر ! أنا لا أشك للحظة أن قومنا الأقدمون قد وفقوا كثيرا في ضرب الأمثال وإرسالها لنا حتى زماننا هذا وكأنها حكم ينهج بها ويسار على دربها !



فلنرجع لمثلنا أو مقطعنا الأول ( لكل جديد لذة ) ولنتحدث الآن عن حوادث تؤكد أن مثلنا هذا لزالت تدب فيه الحياة وبالإمكان أن يطلق على كثير من مظاهر حياتنا حتى الآن :

أولا : أنا لا أشك للحظة أن هذا المثل يأخذ به أكثر ما يأخذ هم رجال الموضة والتقليعات ، وهي للعلم منتشرة في هذا العالم بكثرة !

وأنا أجد أن هذا المثل قد زرع في رأس مصمم الأزياء فدأبه دوما إيجاد تقليعة جديدة لتكون لذة لمن حشر فيها وخاصة من جنس بنت حواء !
وهن والحق يقال هن المقبلات بشدة على كل جديد ويجدن في هذا تميز عجيب !
ورغم هذا فحتى الرجال في هذا الزمن قد نافسوا النساء في التقليعة وشاهد هذا صلعة رونالدو !!

ثانيا : هل تذكرونا كيف كان تأثير القنوات اللبنانية عندما ظهرت أول الأمر !؟
كان أمرها جديد وكان لهذا لذة عجيبة لدى المشاهد العربي ! أزعجت الكثير من الملتزمين حتى خطب الخطباء ! وتحدثت الصحف ! وراج سوق ميشو واصبح له شهرة
غير عادية تناقلتها الصحف ! حتى حورت أسماء هذه القنوات من أسماءها إلى أسماء أخرى تصف فعلها ( ألبسي ! )

وبعد كل هذا الصخب قل متابعوها ! وضعف تغطيتها في الصحف ! وكسدت بضاعت ميشو !

فكأنها فقاعة صابون ، أو ظاهرة تشد الناس ثم سريعا ما تنجلي !!

ثالثا : لن أثير شهيتكم بمناسبة الشهر الكريم ! لكن بما أني متذوق لا بأس بي لأنواع الطعام ، فأني أجد ظاهرة قد يشعر بها الكثير منكم ، وقطعا أحسستم بها !

للحقيقة فإنك وإن طعمت شيء جديد واستحسنته فسوف تقبل عليه لأيام كثيرة لأنك ستجد أن في هذا لذا غير طبيعية !
لكنك سريعا ما تمل من هذا من كثر التكرار ( ليس لهذا علاقة بالمثل المعروف التكرار يعلم الشطار ) فإما أن تطلب الجديد أو تعود إلى قديمك !

ليس حديثي هنا خاص أو يضرب لفرد بل هو عام ، أقصد هنا أني وجدت ملاحظة عجيبة في بلدتنا الصغيرة !

في بلدتنا هذه عندما يفتتح أحد المطاعم تجد الإقبال عليه مذهل ، تجد وقد اجتمعت جماهير بلدتنا على هذا المطعم وهم في صراع !

وإن كان لديك بعض من الملاحظة ستجد الجماهير يوما بعد أخر قد قلت شيء فشيء حتى يأتي في النهاية وقد أصبح وضع هذا المحل الجديد كحال أمثاله ! ( بل قد يقبل صاحب المطعم بعد سنة من فتحه ! وقد توهم في يومه الأول أنه ودون شك سلك الخطوة الأولى في طريق المليون !! )

لا يحدث هذا في محلات المطاعم بل في كثير من المحلات المتنوعة والتي أصبحت وبعد اقبال الجماهير بسبب تلك اللذة عرضة للتقبيل والغلق !

حسبنا هذا القدر من مظاهر وأمثلة هذا المثل في عالمنا هذا الذي يغلب فيه بالفعل لذة الجديد ويسيطر عليه في كل مكان

المتحجر
22-11-2002, 04:42 PM
جهد رائع وتشكر عليه

الطارق
22-11-2002, 11:17 PM
الشكر لك أخي الكريم :)