تسجيل الدخول

View Full Version : سلسلة جبال الذنوب ...وسيل الغفران(2)


هديل الحمام
22-11-2002, 03:21 PM
نستكمل حديثنا بإذن الله عما ورد في باب التوبة من ( شروط التوبة- ومقدماتها - وكيفية التخلص من الذنوب بإذن الله تعالى )…

فعليك يا طالب العبادة وفقك الله بالتوبة وذلك لأمرين :

أحدهما :

ليحصل لك توفيق الطاعة ، فإن شؤم الذنوب يورث الحرمان ويعقب الخذلان ، وإن قيد الذنوب يمنع عن المشي إلى طاعة الله عز وجل ، والمسارعة إلى خدمته ، لأن ثقل الذنوب يمنع من الخفة للخيرات والنشاط في الطاعات ، و إن الإصرار على الذنوب مما يسود القلوب فتجدها في ظلمة وقساوة لا خلوص فيها ولا
صفاوة ولا لذة ولا حلاوة ، وإن لم يرحم الله فستجر صاحبها إلى الكفر والشقاوة .

ا& فيا عجبا& !! كيف يوفق للطاعة من هو شؤم وقسوة ؟ وكيف يدعى إلى الخدمة من هو مصر على لمعصية ومقيم على الجفوة ؟ وكيف يقرب للمناجاة من هو متلطخ بالأقذار والنجاسات ؟

- ففي الخبر عن الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا كذب العبد تنحى عنه الملكان من نتن ما يخرج من فيه ) فكيف يصلح هذا اللسان لذكر الله عز وجل ؟ فلا جرم لا يكاد يجد المصر على العصيان توفيقا ولا تخف أركانه لعبادة الله تعالى ، فإن أنفق فبكد فلا حلاوة معه ولا صفوة ، وكل ذلك لشؤم الذنوب وترك التوبة .
- ولقد صدق من قال : إذا لم تقو على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك مكبول ، قد كبلتك خطيئتك ، فهذه هذه

والثاني من الأمرين :

إنما تلزمك التوبة لتقبل منك عبادتك ، فإن رب الدين لا يقبل الهدية ، وذلك أن التوبة عن المعاصي وارضاء الخصوم فرض لازم وعامة العبادة التي تقصدها نفل ، فكيف يقبل منك تبرعك والدين عليك حال لم تقضه ؟! وكيف تترك لأجله الحلال والمباح و أنت مصر على فعل المحظور والحرام ؟! وكيف تناجيه وتدعوه وتثني عليه وهو والعياذ بالله عليك غضبان ؟! فهذا ظاهر حال العصاة المصرين على المعصية و الله المستعان .
فإن قلت : فما معنى التوبة النصوح وما حدها ؟ وما ينبغي للعبد أن يفعله حتى يخرج من الذنوب كلها ؟.

· فأقول أما التوبة فإنها سعي من مساعي القلب ، وهي عند التحصيل في قول العلماء تنزيه القلب عن الذنب .

قال شيخنا رحمه الله في حد التوبة أنه ترك اختيار الذنب سبق مثله عنه منزلة لا صورة تعظيما لله تعالى وحذرا من سخطه فلها إذن أربعة شرائط :
أحدهما : ترك اختيار الذنب وهو أن يوطن قلبه ويجرد عزمه على أنه لا يعود إلى الذنب البتة ، فأما إن ترك الذنب وفي نفسه أنه ربما يعود إليه أولا يعزم على ذلك بل يتردد فإنه ربما يقع له العود فإنه ممتنع عن الذنب غير تائب منه .
والثانية : أن يتوب من ذنب قد سبق عنه مثله إذ لو لم يسبق عنه مثله لكان متقيا غير تائب ، ألا ترى أنه يصح القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان متقيا عن الكفر ولا يصح القول بأنه تائبا عن الكفر لما سبق عنه ذلك ..
والثالثة: أن الذي سبق عنه يكون مثل الذي يترك اختياره في المنزلة والدرجة لا في الصورة ، ألا ترى أن الشيخ الهرم الفاني الذي سبق منه الزنا وقطع الطريق إذا أراد أن يتوب عن ذلك تمكنه التوبة لا محالة إذ لم يغلق عنها بابها ولا يمكنه ترك اختيار الزنا وقطع الطريق إذ هو لا يقدر الساعة على فعل ذلك فلا يقدر على ترك اختياره فلا يصح وصفه بأنه تارك له ممتنع عنه وهو عاجز عنه غير متمكن منه لكنه يقدر على فعل ما هو مثل الزنا وقطع الطريق في المنزلة والدرجة كالكذب والقذف والغيبة والنميمة إذا جميع ذلك معاص وأن كان الاسم يتفاوت في كل واحدة بقدرها لكن جميع هذه المعاصي الفرعية كلها بمنزلة واحدة وهي دون منزلة البدعة ومنزلة البدعة دون منزلة الكفر فلذلك تصح منه التوبة عن الزنا وقطع الطريق وسائر ما مضى من الذنوب التي هو عاجز عن أمثالها اليوم في الصورة .
والرابعة : أن يكون ترك اختياره لذلك تعظيما لله عز وجل ، وحذرا من سخطه وأليم عقابه مجردا لا رغبة دنيوية أو رهبة من الناس ، أو طلب ثناء أو جاه أو ضعف في النفس أو فقر أو غير ذلك فهذه شرائط التوبة وأركانها ، فإذا حصلت واستكملت فهي توبة حقيقية صادقة ……………
( وأما مقدمات التوبة فثلاث ) :
أحدهما : ذكر غاية قبح الذنوب .
والثانية : ذكر شدة عقوبة الله عز وجل وأليم سخطه وغضبه الذي لا طاقة لك به .
والثالثة : ذكر ضعفك وقلة حيلتك في ذلك فإن من لا يتحمل حر شمس ولا لطمة ولا قرص نملة فكيف يتحمل حر نار ؟ وضرب مقامع الزبانية ولسع حيات كأعناق البخت وعقارب كالبغال خلقت من نار في دار الغضب والبوار نعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سخطه وعذابه ، فإذا واظبت على هذه الأذكار وعاودتها آناء الليل وأطراف النهار فإنها ستحملك على التوبة النصوح من الذنوب والله الموفق لفضله ..
= فإن قيل : أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الندم التوبة ) ولم يذكر مما ذكرتم من شرائطها وشددتم شيئا ؟!!!
يقال له : اعلم أولا : أن الندم غير مقدور للعبد ، ألا ترى أنه تقع الندامة على أمور في قلبه وهو يريد أن لا يكون ذلك ، والتوبة مقدوره للعبد مأمور بها ثم إنا قد علمنا أنه لو ندم على الذنوب لما ذهب بذلك جاهه بين الناس أو ماله في النفقة فيها فإن ذلك لا يكون توبة بل ريب فعلمت بذلك أن في الخبر معنى تفهمه من ظاهره وهو أن الندم لتعظيم الله سبحانه والخوف من عقابه مما يبعث على التوبة النصوح ، فإن ذلك من صفات التائبين وحالهم فإنه إذا ذكر الأذكار الثلاثة التي هي مقدمات التوبة ندم وحملته الندامة على ترك اختيار الذنوب وتبقى ندامته في قلبه في المستقبل فتحمله على الابتهال والتضرع ، فلما كان ذلك من أسباب التوبة وصفات التائب سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم التوبة فافهم ذلك موفقا إن شاء الله …

فأن قلت : كيف يمكن الإنسان أن يصير بحيث لا يقع منه ذنب البتة من صغير أو كبير ؟! كيف وأنبياء الله صلوات الله عليهم وسلامه الذين هم أشرف خلق الله سبحانه وتعالى قد اختلف فيهم أهل العلم هل نالوا هذه الدرجة أم لا ؟!
فاعلم : أن هذا أمر ممكن غير مستحيل ثم هو هين والله يختص برحمته من يشاء ، ثم من شرط التوبة أن لا يعتمد ذنبا ، فأما إن وقع منه بسهو أو خطأ فهو معفو عنه بإذن الله تعالى ، وهذا هين على من وفقه الله تعالى .
فإن قلت : إنما يمنعني من التوبة أني أعلم من نفسي : أني أعود إلى الذنب ولا أثبت على التوبة فلا فائدة من ذلك ؟!!
فاعلم أن هذا من غرور الشيطان ، ومن أين لك هذا العلم ، فعسى أن تموت تائبا قبل أن تعود إلى الذنب ، وأما الخوف من العود : فعليك العزم والصدق في ذلك ، وعليه الإتمام ، فإن أتم فذلك المقصود من فضله ، وإن لم يتم فقد غفرت ذنوبك السالفة كلها ، وتخلصت منها وتطهرت ، وليس عليك إلا هذا الذنب الذي أحدثته الآن ، وهذا هو الربح العظيم والفائدة العظيمة الكبيرة ، فلا يمنعك خوف العود عن التوبة فإنك من التوبة أبدا بين الحسنيين والله ولي التوفيق والهداية فهذه هذه .
(( وأما الخروج من الذنوب والتخلص منها )) : فاعلم أن الذنوب في الجملة ثلاثة أقسام :
أحدهما : ترك واجبات الله سبحانه وتعالى ، عليك من صلاة وصوم أو زكاة أو كفارة غيرها فتقضي ما أمكنك منها .
والثاني : ذنوب بينك وبين الله سبحانه وتعالى كشرب الخمر ، وضرب المزامير وأكل الربا ونحو ذلك ، فتندم على ذلك وتوطن قلبك على ترك العود .
والثالث : ذنوب بينك وبين العباد ، وهذا أشكل وأصعب وهي أقسام قد تكون في المال وفي النفس وفي العرض وفي الحرمة وفي الدين .

- فما كان في المال : فيجب عليك أن ترده عليه إن أمكنك ، فإن عجزت عن ذلك لعدم وفقر فتستحل منه ، فإن عجزت عن ذلك لغيبة الرجل أو موته ، وأمكنك التصدق منه فافعل ، وإن لم يمكنك فعليك بتكثير حسناتك والرجوع إلى الله بالتضرع والابتهال أن يرضيه عنك يوم القيامة .
- وأما ماكان في النفس : فتمكنه من القصاص أو أولياءه حتى يقتص منك أو يجعلك في حل ، فإن عجزت فالرجوع إلى الله سبحانه والابتهال إليه أن يرضيه عنك يوم القيامة .
- وأما في العرض : فإن اغتبته أو بهته أو شتمته ، فحقك أن تكذب نفسك بين يدي من فعلت ذلك عنده ، وأن تستحل من صاحبه إن أمكنك هذا ، إذا لم تخش زيادة غيظ أو هيج فتنة في إظهار ذلك أو تجديده ، فإن خشيت ذلك فالرجوع إلى الله سبحانه ليرضيه عنك ويجعل له خيرا كثيرا في مقابلته والاستغفار الكثير لصاحبه .
- وأما في الحرمة : أن خنته في أهله أو ولده أو نحو ذلك فلا وجه للاستحلال والإظهار ، لأنه يولد فتنة وغيظا ، بل تتضرع إلى الله عز وجل ليرضيه عنك ويجعل له خيرا كثيرا في مقابلته ، فإن أمنت الفتنة والهيج وهو نادر فتستحل منه .
- وأما في الدين : بأن كفرته أو بدعته أو ضللته فهو أصعب الأمور ، فتحتاج إلى تكذيب نفسك بين يدي من قلت له ذلك ، وأن تستحل من صاحبك إن أمكنك وإلا فالابتهال إلى الله تعالى جدا و التندم على ذلك ليرضيه عنك .
- وجملة الأمر : فما أمكنك من إرضاء الخصوم عملت ، وما لم يمكنك رجعت لله تعالى بالتضرع والإبتهال والتصدق ليرضيه عنك فيكون ذلك في مشيئة الله سبحانه يوم القيامة ، والرجاء منه بفضله العظيم وإحسانه العميم ، إنه إذا علم الصدق من قلب العبد فإنه يرضى خصماءه من خزنة فضله . فهذه هذه .

- فإن أنت عملت ما وصفناه ، وبرأت القلب عن اختيار مثلها في المستقبل خرجت من الذنوب كلها ، وإن حصلت منك تبرئة القلب ولم يحصل منك قضاء الفوائت وإرضاء الخصوم فالتبعات لازمة وسائر الذنوب مغفورة … والله اعلم .

يتبع بإذن الله ...

منصور السالم
22-11-2002, 05:32 PM
شكرا لك وجعل الله لك في كل حرف كتبتيه عشر حسنات الى سبعين ضعف اللهم آمين يارب

واعانك الله على الكتابه والنقل وجعل ذلك في موازين حسناتك ووالديك !!!!

هديل الحمام
22-11-2002, 08:27 PM
الأخ الفاضل منصور السالم ...

جزاك الله خير على دعوتك المباركة واسأل الله أن يتقبلها منك أنه سميع مجيب ...

وأخي الفاضل مدامت كتابتي لهذه السلسة تنفع بإذن الله من قرءها فو الله إنها لراحة عظيمة تلك التي أشعر بها ...

تحياتي لك..:)

المجاهد عمر
23-11-2002, 02:25 AM
أحببت فقط أن أسجل حضوري وأنني من المتابعين !! :)


المجــــاهـــد عمــــر

هديل الحمام
23-11-2002, 01:24 PM
جزاك الله خير أخي المجاهد...

أشكرك على المتابعة :)

...