للحق صدى
25-01-2002, 07:44 PM
مضت سنوات ثمان مذ قررت ان امارس رياضة المشي يوميا ولمدة ساعة مسائية، وهي فترة تخللها الكثير من الاحداث (فيني، وفي الناس من حولي، وفي العالم كله)، في البداية كنت امشي بلا هدف محدد، واتعامل مع المشي بحد ذاته كإنجاز اثبت لنفسي من خلاله اني قادر على توفير وقت لأي شيء بشرط التصميم على ذلك، وبالتأكيد فإن التصميم لا يأتي الا بعد قناعة بمتعة او منفعة،
ثم تطورت النظرية مع ازدياد الجلد على المشي الطويل وتحوله الى متعة بحد ذاته فأصبحت اكثر اناقة ماشيا، خاصة بعد أن اكتشفت اني لا امشي وحدي بل هناك ماشون وماشيات، وسمعت بعضهن تقول لماشية أخرى: الله يهديه، ماعنده فلوس يشتري بدلة رياضه وجوتي، كل يوم يمشي بثوب ونعال، فيه احد يلعب رياضه وعليه عقال؟!!!! (حاضر يا ست: جزمة مشي، وبدله رياضه، والعقال على المعلاق، وإهتمام اكثر بشكلي قبل الخروج، وتعمدت في اليوم التالي ان تراني تلك السيده، واشهد انها ابتسمت حين رأتني، ربما لأنها احست انها قدمت نقدا رأت نتائجه الايجابية بسرعة)،
وحين كنت امشي كنت دائما ارى واسمع، ارى الرجل وهو يماشي زوجته وقد امسك بيدها، وكنت اضحك في نفسي: تُرى هل يخاف ان تهرب منه؟!!، او يقول لي قلبي: شوف الحب والرومانسية، متى كانت آخر مرة مسكت فيها يد زوجتك؟!!!، ورأيت الشابين والثلاثة وهم يمشون املا فيمن يحن عليهم بنظرة (لا تودي ولا تجيب)، وسمعت بعض كبار السن من مرضى القلب والسكري وهم يضحكون بقوة من انفسهم ومن الدنيا ومن ابنائهم ايضا، وكثيرا ما كنت أسأل نفسي سائرا ومتفحصا: هل هذه حامل ام هي سمينه خلقه؟!!!، وهل هذا يمارس الرياضة لأنه مريض أو انه يحتاج الى لياقة إضافيه؟ وهذه الصورة على هذا القميص ما الذي تعنيه؟…..وهلم جرا
ثم تطورت الامور او تعقدت اكثر حين قرر بعض اصدقاء الماشي ان يمشي معه، وكان هؤلاء مختلفي الفكر والتوجهات والاهتمامات، والمشكلة أنه ووفاءا بحق الصداقة يجب أن ابدي إهتماما بهذا كله، وقد كان الكثير من هذه (الفكرات) لا يعني لي شيئا، بل لم يكن يخلق في نفسي الا المزيد من الملل والضيق ثم المتابعة بإبتسامة غبيه، فهناك الغاضب من رئيسه في العمل، وهناك من يعتقد انه يكره زوجته ويأسف لأنها ليست في جمال باسكال مشعلاني أو غنج ديانا حداد، وثالث لا يرتاح إلا ان شتم الحكومه، وهناك آخر كان يماشيني ليسمعني مجموعة من النكات البذيئة، وآخرون، ثم فجأة قررت زوجتي ان تمشي معي، وقد كنا حقا مضحكين معا: كانت المسافة بيني وبينها على رصيف المشاة تزيد عن عشرين مترا غالبا، وبالتأكيد اصبحتُ اكثر ادبا وتقوى ووقارا: لم اعد اتفرج على الماشيات بالفضول المعهود من الرجال، ولم اعد اعلق على كلمات الماشيين وأجسامهم سمنة ورشاقة لانها (غيبه)، وحقا كنت اخشى ان ابتسم لأحد أو حتى (أحده) حتى لا ادخل دوامة: من هذا؟!!، لقد قيدت حريتي، لكن الحمد لله وحده فقد إكتَشَفت فجأة انها لو مشت معي اكثر فستختفي من الوجود هزالا ونحافة فهي لا تحتاج المشي بقدر ما تحتاج ممارسة قدر بسيط من الرياضة في البيت من باب تنشيط الدورة الدموية، واخيرا فعلت، وأعطتني حريتي واطلقت يدي،
وصلنا الى اليوم، او تحديدا الى السنتين الاخيرتين من رحلة الماشي حول الحدائق العامة والكورنيش والمجمعات السكنية والطبية الكبيرة واسوار الحوامل…الخ، المرحلة التي اصبح فيها الماشي يمشي وحده، لا يرى ولا يسمع ولكن يفكر بعمق شديد، ويسمح لعقله وقلبه ان يعبثا في الخيال، ويمارسا الوهم، ويخرقا اقانيم الزمان والمكان، وحين اصبح الماشي اكثر قربا من نفسه من أي وقت مضى، واكثر معرفة بها، واكثر خوفا منها وعليها، حين أصبح الماشي صديقا حميما لغشمره،
لقد وصل الماشي في قلبه وعقله ومع اولئك الذين يحبون ان يمشوا معه احيانا، الى درجة الغياب ماشيا عما حوله ومن حوله، ووصلت به الاحوال ان تتحول الساعة في مشوار يومه الى الساعتين دون أن يدري ودون أن يرغب في ان يدري حتى يتصل به اهل بيته أن قد تأخرت، وان يبحث عن نفسه اين هو في هذا المدينة الكبيرة الصامتة الصاخبة، وان يعود الى بيته لتسأله زوجته: ليه وجهك متغير؟ تعبت اليوم؟ ولتسمع الجواب المعتاد: لا، بس كنت افكر في…..، ثم يقص عليها بعض ما فكر فيه وهي لا تبالي بما يقول، وهو يعلم انها لا تبالي بما يقول، لكنها الرحمة والعطف والشفقة والخوف على رجل البيت من افكاره ومن عقله وقلبه وجنونه،
وما سيأتي هو بعض بوح الماشي حين كان يفكر في مشيه ويمشي في تفكيره، سيكتبها بعد مشواره اليومي إن راودته رغبته المعهودة في الكلام كشهرزاد، او في الضحك كشهريار، هي احلامه وآماله وتقاريره مع نفسه، جادا وساخرا، مقبلا ومدبرا، معجبا ومتبرما ، راضيا وساخطا، مصيبا ومخطئا، فمن شاء فليسمع، ومن شاء فليعلق، ومن شاء فليفكر، ومن شاء فليقفل (التلفون) في وجه الماشي ولا يبالي.
نشوفكم على خير.
مع تحياتى:
للحق صدى
ثم تطورت النظرية مع ازدياد الجلد على المشي الطويل وتحوله الى متعة بحد ذاته فأصبحت اكثر اناقة ماشيا، خاصة بعد أن اكتشفت اني لا امشي وحدي بل هناك ماشون وماشيات، وسمعت بعضهن تقول لماشية أخرى: الله يهديه، ماعنده فلوس يشتري بدلة رياضه وجوتي، كل يوم يمشي بثوب ونعال، فيه احد يلعب رياضه وعليه عقال؟!!!! (حاضر يا ست: جزمة مشي، وبدله رياضه، والعقال على المعلاق، وإهتمام اكثر بشكلي قبل الخروج، وتعمدت في اليوم التالي ان تراني تلك السيده، واشهد انها ابتسمت حين رأتني، ربما لأنها احست انها قدمت نقدا رأت نتائجه الايجابية بسرعة)،
وحين كنت امشي كنت دائما ارى واسمع، ارى الرجل وهو يماشي زوجته وقد امسك بيدها، وكنت اضحك في نفسي: تُرى هل يخاف ان تهرب منه؟!!، او يقول لي قلبي: شوف الحب والرومانسية، متى كانت آخر مرة مسكت فيها يد زوجتك؟!!!، ورأيت الشابين والثلاثة وهم يمشون املا فيمن يحن عليهم بنظرة (لا تودي ولا تجيب)، وسمعت بعض كبار السن من مرضى القلب والسكري وهم يضحكون بقوة من انفسهم ومن الدنيا ومن ابنائهم ايضا، وكثيرا ما كنت أسأل نفسي سائرا ومتفحصا: هل هذه حامل ام هي سمينه خلقه؟!!!، وهل هذا يمارس الرياضة لأنه مريض أو انه يحتاج الى لياقة إضافيه؟ وهذه الصورة على هذا القميص ما الذي تعنيه؟…..وهلم جرا
ثم تطورت الامور او تعقدت اكثر حين قرر بعض اصدقاء الماشي ان يمشي معه، وكان هؤلاء مختلفي الفكر والتوجهات والاهتمامات، والمشكلة أنه ووفاءا بحق الصداقة يجب أن ابدي إهتماما بهذا كله، وقد كان الكثير من هذه (الفكرات) لا يعني لي شيئا، بل لم يكن يخلق في نفسي الا المزيد من الملل والضيق ثم المتابعة بإبتسامة غبيه، فهناك الغاضب من رئيسه في العمل، وهناك من يعتقد انه يكره زوجته ويأسف لأنها ليست في جمال باسكال مشعلاني أو غنج ديانا حداد، وثالث لا يرتاح إلا ان شتم الحكومه، وهناك آخر كان يماشيني ليسمعني مجموعة من النكات البذيئة، وآخرون، ثم فجأة قررت زوجتي ان تمشي معي، وقد كنا حقا مضحكين معا: كانت المسافة بيني وبينها على رصيف المشاة تزيد عن عشرين مترا غالبا، وبالتأكيد اصبحتُ اكثر ادبا وتقوى ووقارا: لم اعد اتفرج على الماشيات بالفضول المعهود من الرجال، ولم اعد اعلق على كلمات الماشيين وأجسامهم سمنة ورشاقة لانها (غيبه)، وحقا كنت اخشى ان ابتسم لأحد أو حتى (أحده) حتى لا ادخل دوامة: من هذا؟!!، لقد قيدت حريتي، لكن الحمد لله وحده فقد إكتَشَفت فجأة انها لو مشت معي اكثر فستختفي من الوجود هزالا ونحافة فهي لا تحتاج المشي بقدر ما تحتاج ممارسة قدر بسيط من الرياضة في البيت من باب تنشيط الدورة الدموية، واخيرا فعلت، وأعطتني حريتي واطلقت يدي،
وصلنا الى اليوم، او تحديدا الى السنتين الاخيرتين من رحلة الماشي حول الحدائق العامة والكورنيش والمجمعات السكنية والطبية الكبيرة واسوار الحوامل…الخ، المرحلة التي اصبح فيها الماشي يمشي وحده، لا يرى ولا يسمع ولكن يفكر بعمق شديد، ويسمح لعقله وقلبه ان يعبثا في الخيال، ويمارسا الوهم، ويخرقا اقانيم الزمان والمكان، وحين اصبح الماشي اكثر قربا من نفسه من أي وقت مضى، واكثر معرفة بها، واكثر خوفا منها وعليها، حين أصبح الماشي صديقا حميما لغشمره،
لقد وصل الماشي في قلبه وعقله ومع اولئك الذين يحبون ان يمشوا معه احيانا، الى درجة الغياب ماشيا عما حوله ومن حوله، ووصلت به الاحوال ان تتحول الساعة في مشوار يومه الى الساعتين دون أن يدري ودون أن يرغب في ان يدري حتى يتصل به اهل بيته أن قد تأخرت، وان يبحث عن نفسه اين هو في هذا المدينة الكبيرة الصامتة الصاخبة، وان يعود الى بيته لتسأله زوجته: ليه وجهك متغير؟ تعبت اليوم؟ ولتسمع الجواب المعتاد: لا، بس كنت افكر في…..، ثم يقص عليها بعض ما فكر فيه وهي لا تبالي بما يقول، وهو يعلم انها لا تبالي بما يقول، لكنها الرحمة والعطف والشفقة والخوف على رجل البيت من افكاره ومن عقله وقلبه وجنونه،
وما سيأتي هو بعض بوح الماشي حين كان يفكر في مشيه ويمشي في تفكيره، سيكتبها بعد مشواره اليومي إن راودته رغبته المعهودة في الكلام كشهرزاد، او في الضحك كشهريار، هي احلامه وآماله وتقاريره مع نفسه، جادا وساخرا، مقبلا ومدبرا، معجبا ومتبرما ، راضيا وساخطا، مصيبا ومخطئا، فمن شاء فليسمع، ومن شاء فليعلق، ومن شاء فليفكر، ومن شاء فليقفل (التلفون) في وجه الماشي ولا يبالي.
نشوفكم على خير.
مع تحياتى:
للحق صدى