حماس
03-11-2001, 09:51 AM
يرد في الكتب والتعاليم الدينية اليهودية إشارات متعدّدة عن "أرض الميعاد وجبل صهيون، والأرض المقدّسة، والمسيح المنتظر الذي سيأتي في آخر الزّمان ويقود شعبه إلى أرضه، ويقيم مملكته ويحكم العالم. إلخ."
إنّ كلمة (صهيون) لها وقعها الخاص وإيماءاتها الدينية، فهي تشير إلى جبل صهيون والقدس والأرض المقدّسة ككل، ويشير اليهود أنفسهم باعتبارهم بنت صهيون. كما تستخدم للإشارة إلى اليهود كجماعة دينية. والعودة إلى صهيون فكرة محورية في النسق الديني اليهودي، فالمسيح (المخلّص) سيأتي في آخر الزمان ليقود شعبه اليهود (حصراً) إلى صهيون.. ولكلمة صهيون أيضاً إيحاءات شعرية في الوجدان الديني اليهودي، وقد وردتْ إشارات كثيرة في التوراة إلى هذا الارتباط الذي يطلق عليه عادة (حبّ صهيون) . وهو حبٌ يعبّر عن نفسه خلال الصلاة والتجارب والطقوس الدينية المختلفة.
كما ترد أفكار عن الزرع المقدّس والاختيار والتفوق والعزلة والعدوان والتوّجس من الأغيار وغيره مما ورد ذكره في فصل محتوى التعاليم الدينية اليهودية وكان اليهود في مناطقهم المعزولة (الغيتوات) يعيشون في جوّ مشبع بهذه التعاليم الضيّقة، وداخل الأحياء المعزولة هذه. يجدون كلّ أسباب التعّلق بهذه التعاليم كالمعابد والمدارس الخاصة الدينية، والمقابر والطقوس والأزياء الخاصّة والشعور المزروع في عقولهم الباطنة بأنّهم الزّرع المقدّس والشعب المختار وبأنّهم أحفاد إبراهيم وداود ويشوع وسليمان وغيرهم. وقد كان لحاخاماتهم الدور الأكبر في تكريس هذه المفاهيم الميتولوجية وتقوية الشعور بأنّ العزلة ركنٌ من أركان الديانة وبالتالي من أركان الإيمان.
لقد رأى زعماء الصهيونية ضرورة المزاوجة بين (الصهيونية-اليهودية) لخلق حافز ديني روحي يقف خلف النشاطات التي تقوم بها الحركة، ويساهم في دفع حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم شعرت بحاجتها إلى توظيف الدّين اليهودي لمواجهة تيار الاندماج الناشط في أوساط يهود أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية الذين كانت ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية تختلف عن ظروف يهود أوروبا الشرقية الذين تعرّضوا لعمليات اضطهاد سياسي وعدم استقرار اجتماعي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ولهذا كان لا بدّ من تكريس مقولة "وحدة ونقاء الشعب اليهودي وعدم قابليته للذوبان والاندماج في الشعوب التي يعيش ضمنها، ومقولة أبدّية العداء للسّاميّة " باستثمار المآسي التي تعرّض لها اليهود على يد القياصرة والحكام والعمل على إذكائها، بل وافتعالها لدفع اليهود للهجرة إلى فلسطين تنفيذاً للمخطط الاستعماري.
كان واضحاً لقيادة الحركة الصهيونية أنّ استمالة رجال الدّين يسهل على الحركة استخدام العامل الديني كوسيلة للترويج لأسطورة "الأمّة اليهودية" وإزالة الفوارق بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كدين، وذلك لخلق رأي عام مؤيد لأهداف المشروع الصهيوني في أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا وأمريكا تحت شعارات "العودة إلى صهيون وأرض الميعاد، والحقّ التاريخي والديني" في إنشاء "الدولة اليهودية في أرض (إسرائيل) التاريخية". لهذا عمدت القيادة الصهيونية إلى خلق حركة دينية صهيونية أسمتها حركة (مزراحي) سنة 1902يقودها عدد من الحاخامين في روسيا. برئاسة الحاخام (يعقوب رينز) لغزو الحركات الدينية المعارضة للفكرة الصهيونية، والتسلّل إلى صفوفها وصَرْفهَا عن توجهاتها ثمّ إحداث انقلاب داخلي يطوّعها للحركة الصهيونية وأهدافها، وفي نفس الوقت تحت دعوى الخشية من سيطرة التعليم العلماني والمفاهيم القومية العلمانية على الجانب الديني والرّوحي الأمر الذي سيؤدي إلى القضاء على الديانة اليهودية فقد كانت هناك تيارات دينية معارضة للصهيوّنية ترى بأنّ العودة إلى صهيون هي عودة روحية تتمّ بإرادة إلهّية، وإنّ أي جهدٍ بشريّ يُبذلُ لهذه الغاية هو ضربٌ من الإلحاد والمخالفة للإرادة الإلهية.
لقد طرحت حركة مزراحي الدينية الصهيونية أفكاراً مثل البعث القومي لشعب (إسرائيل) ، والالتزام بالتوراة والتعليم الديني والتراث اليهودي" وكان شعار الحركة الأساسي "أرض (إسرائيل) لشعب (إسرائيل) وفق شريعة (إسرائيل)" وكانت المادة البشرية لها من يهود شرق أوروبا.
كان من مهمات حركة مزراحي الدينية "الحثّ على الالتزام بالتوراة وتنفيذ الوصايا، والعودة إلى أرض الآباء، ونشر الكتابات الدينية القومية، وتربية الناشئة بهذه الرّوح، وزرع المقولة الصهيونية التي تؤكدّ إمكانية الدمج بين اليهودية كدين تؤمن به جاليات يهودية من قوميات مختلفة. وبين الصهيونية كعقيدة سياسية. وتفريغ الإنسان من كلّ ما يربطه بوطنه الأصلي وقوميته وتهيئته للهجرة إلى فلسطين بعد تطويقه بأسس العزلة والحصار.
أنشأت حركة مزراحي عدّة فروع لها في فلسطين وبنت مدرسة "تحكموني" الدينية في يافا والتي أصبحت أهم مؤسسة ثقافية لمزراحي في فلسطين، كما أقامتْ العديد من المؤسسات الدّينية بواسطة فروعها المنتشرة في أكثر دول العالم، واعترفت الصهيونية بإشراف مزراحي على هذه المدارس ومسؤوليتها عن تنظيم المدارس الدينية واختيار المدّرسين الملائمين لها، وعن وضع مناهجها الخاصّة. وتمّ تأسيس دائرة مركزية للحركة في فلسطين من أجل تكثيف البرنامج العلمي لمزراحي، وخاصّة في مجال التعليم والثقافة وتنسيق ذلك العمل مع الجهود التي تبذلها الحركة في الخارج.
وبعد الحرب العالمية الأولى وصدور وعد بلفور، عاودتْ مزراحي نشاطها وبكثافة في أوروبا حيث شرعتْ في تهجير اليهود إلى فلسطين، كما قامتْ بتأسيس فروع جديدة لها مع حركات شبابية في العديد من الأقطار، وأقامت شبكة من المدارس الدينية في بولندا وليتوانيا ولتفيا. وفي تلك الفترة بدأت مزراحي تلعب دوراً متزايداً في أوساط "اليشوف" اليهودي في فلسطين وفي هياكله التشريعية والتنفيذية.
وتمّ سنة 1922 تنظيم وإنشاء "عمّال مزراحي" في فلسطين، وهو تنظيم عمّال أنشئ بعد أن حملت موجة الهجرة الثالثة مجموعة من شباب مزراحي من بولندا، والذين أنشأوا ما يسمّى بجماعة "توراة هعفورا" أي التوراة والعمل. وقد تطورتْ هذه المجموعة إلى منظّمة "هبوعيل مزراحي" أي عمّال مزراحي حيث افتتحتْ فروعاً لها في يافا والقدس وبتاح تكفا وريشون لتسبون وكان برنامجها على النحو التالي:
- تسعى هبوعيل مزراحي إلى بناء البلد في انسجام مع تعاليم التوراة ومع التقاليد الدينية من خلال العمل.
-تستهدف هبوعيل مزراحي أن ينشأ أعضاؤها على أُسس مادّية وروحية ثابتة من أجل تطوير العاطفة الدينية عند العمال، وتمكينهم من العيش كعمّال متدّينين.
هاتان المنظمتان "مزراحي و هبوعيل مزراحي" اتحدتا أخيراً ونتج عنهما "الحزب الوطني الديني" همفدال" عام 1956. وقد سعى هذا الحزب ومنذ السنوات الأولى لقيام الكيان الصهيوني إلى فرض سيطرته على الحياة الاجتماعية في الكيان . حيث مارس كل الضغوط من أجل الهيمنة الكاملة على الشؤون الدينية، وطالب باستمرار الإشراف على قضايا "السبت والأعياد الدينية، وربط قضايا الإرث والطلاق باستمرار والزواج والحلال والحرام بالقوانين الدينية". وأيضاً ربط مختلف جوانب الحياة اليهودية بهذه القوانين، وقد أعطت سيطرة هذا الحزب على المؤسسات التربوية الدينية ونشاطاته الاستيطانية والاقتصادية المتنوعة له قوة ونفوذاً سياسيين جعلا الأحزاب الحاكمة في الكيان تحرص باستمرار على استرضائه وإشراكه في الحكم .
وحزب المفدال هذا، يؤكد باستمرار على ضرورة استناد التشريع الصهيوني إلى قانون "التوراة" وإلى "التراث اليهودي" ويرى في الحاخام الرئيسي أعلى سلطة في الدولة. وهذا الحزب أفرز العديد من الكتل والحركات الفاشية مثل "غوش أمونيم" وكاخ ، وهتحيا" وغيرها. التي تمارس الأعمال العدائية ضدّ السكان العرب وتدافع عن سياسة القبضة الحديدية، وتدعو باستمرار إلى استخدام القوّة في التعامل مع الدول العربية وإلى التمسّك بالأراضي المحتّلة باعتبارها أجزاء مقدّسة من أرض الكيان الصهيوني .
في المؤتمر الثالث لحزب "المفدال" الذي انعقد عام 1968 أي بعد عام واحد على احتلال الضّفة الغربية وقطّاع غزة وسيناء والجولان كانت أبرز المقرّرات السياسية هي: "إنّ الحزب الوطني الديني يُقّيم الإنجازات السياسية والأمنية التي حقّقها الجيل الحالي في أرض (إسرائيل) كبداية على طريق تحقيق الإرادة الإلهية ومن أجل التحرير الكامل للشعب اليهودي في أرض أجداده" .
وفي المؤتمر الخامس الذي انعقد في أيار 1978 طالب هذا الحزب حكومة بيغن بتنفيذ مشروع استيطاني واسع الأبعاد في جميع أرجاء أرض الكيان بما في ذلك "الضفة الغربية، والجولان، وقطّاع غزّة" كما طالب بتحويل المستوطنات المؤقتة القائمة في الضّفة الغربية والجولان إلى مستوطنات دائمة.
إلى جانب حركة مزراحي الدينية الصهيونية كانت هناك حركة دينية أُخرى أكثر تطّرفاً وتشدّداً تدعى "أغودات يسرائيل" التي تأسّست عام 1912 في "كاتوتيز" في سيليسيا العليا، وكان برنامجها "توحيد (شعب إسرائيل) حسب تعاليم التوراة بجميع مظاهر الحياة ، الاقتصادية والسياسية والرّوحية.". ثمّ بدأتْ هذه الحركة تتوسع في نشاطها منذ مطلع العشرينات، حيث انبثق عنها سنة 1922 حركة عمّالية في بولونيا دعيتْ "عمال أغودات يسرائيل" بهدف الحدّ من ميل العمال اليهود نحو الأفكار العلمية والاشتراكية. وفي عام 1937 برز التحوّل الجذري في مواقف هذه الحركة باتجاه الانسجام مع أهداف ومبادئ المنظمّة الصهيونية العالمية، فتحولت كلّياً من حركة توراتية مناوئة للصهيونية إلى حركة دينية مؤيدة للصهيونية، ومنسجمة مع أهدافها، وغدتْ حركة عنصرية متزّمتة تلعب كغيرها من الحركات الدينية دوراً خطيراً في تربية الناشئة داخل الكيان الصهيوني على روح الكراهية والعنصرية ضد السكان العرب.
عند قيام الكيان الصهيوني عام 1948 تحوّلت حركة "أغودات يسرائيل" والفرع العمالي، إلى حزب سياسي صار يشارك في المجالس البلدية والمحلية ويسعى لفرض الشريعة التوراتية على الحياة العامّة في الكيان الصهيوني ، وكانت معركته الأساسية في مجال التعليم، وقد استمرّ هذا الحزب يخوض الانتخابات ضمن الجبهة التوراتية حتى عام 1960 حيث انفصل عنه الفرع العمالي الذي أخذ يشارك في الحكومة الصهيونية.
.
ثمّ ظهرت حركة جديدة عام 1984 تدعى "شاش" وقف على رأسها حاخامون منشقّون عن حزب "أغودات يسرائيل" وقد حصلتْ هذه الحركة على أربعة مقاعد في الكنيست أثناء انتخابات 1984. وخلال فترة تشكيل الحكومة الصهيونية حصلت على حقيبة وزارة الداخلية بشخص الحاخام (يتسحاق بيرتش) .
لقد نجحتْ الصهيونية في توظيف الدين اليهودي لصالح أهدافها ومشاريعها التوسعية والتسلّطية، بعد أن لمستْ تأثير التربية الدينية على عقلية النشء اليهودي. فاستغّلتْ التعاليم التوراتية التي تشير إلى صهيون، والأرض المقدّسة، وهيكل الرّب وغيره.. وطرحتْ نفسها كحلّ بديل لما يسمّى بالمسألة اليهودية. فرفضت فكرة الاندماج بالشعوب رغم موافقتها على الخروج من قوقعة الغيتو، ورفعتْ فكرة الغيتو الدّولي الكبير في فلسطين العربية الذي يحقّق لها مصالحها الدائمة في استغلال خيرات الوطن العربي ومنع أيّة محاولة وحدوية إسلامية من شأنها الوقوف في وجه أطماعها التوسعية والاستعمارية
إنّ كلمة (صهيون) لها وقعها الخاص وإيماءاتها الدينية، فهي تشير إلى جبل صهيون والقدس والأرض المقدّسة ككل، ويشير اليهود أنفسهم باعتبارهم بنت صهيون. كما تستخدم للإشارة إلى اليهود كجماعة دينية. والعودة إلى صهيون فكرة محورية في النسق الديني اليهودي، فالمسيح (المخلّص) سيأتي في آخر الزمان ليقود شعبه اليهود (حصراً) إلى صهيون.. ولكلمة صهيون أيضاً إيحاءات شعرية في الوجدان الديني اليهودي، وقد وردتْ إشارات كثيرة في التوراة إلى هذا الارتباط الذي يطلق عليه عادة (حبّ صهيون) . وهو حبٌ يعبّر عن نفسه خلال الصلاة والتجارب والطقوس الدينية المختلفة.
كما ترد أفكار عن الزرع المقدّس والاختيار والتفوق والعزلة والعدوان والتوّجس من الأغيار وغيره مما ورد ذكره في فصل محتوى التعاليم الدينية اليهودية وكان اليهود في مناطقهم المعزولة (الغيتوات) يعيشون في جوّ مشبع بهذه التعاليم الضيّقة، وداخل الأحياء المعزولة هذه. يجدون كلّ أسباب التعّلق بهذه التعاليم كالمعابد والمدارس الخاصة الدينية، والمقابر والطقوس والأزياء الخاصّة والشعور المزروع في عقولهم الباطنة بأنّهم الزّرع المقدّس والشعب المختار وبأنّهم أحفاد إبراهيم وداود ويشوع وسليمان وغيرهم. وقد كان لحاخاماتهم الدور الأكبر في تكريس هذه المفاهيم الميتولوجية وتقوية الشعور بأنّ العزلة ركنٌ من أركان الديانة وبالتالي من أركان الإيمان.
لقد رأى زعماء الصهيونية ضرورة المزاوجة بين (الصهيونية-اليهودية) لخلق حافز ديني روحي يقف خلف النشاطات التي تقوم بها الحركة، ويساهم في دفع حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم شعرت بحاجتها إلى توظيف الدّين اليهودي لمواجهة تيار الاندماج الناشط في أوساط يهود أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية الذين كانت ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية تختلف عن ظروف يهود أوروبا الشرقية الذين تعرّضوا لعمليات اضطهاد سياسي وعدم استقرار اجتماعي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ولهذا كان لا بدّ من تكريس مقولة "وحدة ونقاء الشعب اليهودي وعدم قابليته للذوبان والاندماج في الشعوب التي يعيش ضمنها، ومقولة أبدّية العداء للسّاميّة " باستثمار المآسي التي تعرّض لها اليهود على يد القياصرة والحكام والعمل على إذكائها، بل وافتعالها لدفع اليهود للهجرة إلى فلسطين تنفيذاً للمخطط الاستعماري.
كان واضحاً لقيادة الحركة الصهيونية أنّ استمالة رجال الدّين يسهل على الحركة استخدام العامل الديني كوسيلة للترويج لأسطورة "الأمّة اليهودية" وإزالة الفوارق بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كدين، وذلك لخلق رأي عام مؤيد لأهداف المشروع الصهيوني في أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا وأمريكا تحت شعارات "العودة إلى صهيون وأرض الميعاد، والحقّ التاريخي والديني" في إنشاء "الدولة اليهودية في أرض (إسرائيل) التاريخية". لهذا عمدت القيادة الصهيونية إلى خلق حركة دينية صهيونية أسمتها حركة (مزراحي) سنة 1902يقودها عدد من الحاخامين في روسيا. برئاسة الحاخام (يعقوب رينز) لغزو الحركات الدينية المعارضة للفكرة الصهيونية، والتسلّل إلى صفوفها وصَرْفهَا عن توجهاتها ثمّ إحداث انقلاب داخلي يطوّعها للحركة الصهيونية وأهدافها، وفي نفس الوقت تحت دعوى الخشية من سيطرة التعليم العلماني والمفاهيم القومية العلمانية على الجانب الديني والرّوحي الأمر الذي سيؤدي إلى القضاء على الديانة اليهودية فقد كانت هناك تيارات دينية معارضة للصهيوّنية ترى بأنّ العودة إلى صهيون هي عودة روحية تتمّ بإرادة إلهّية، وإنّ أي جهدٍ بشريّ يُبذلُ لهذه الغاية هو ضربٌ من الإلحاد والمخالفة للإرادة الإلهية.
لقد طرحت حركة مزراحي الدينية الصهيونية أفكاراً مثل البعث القومي لشعب (إسرائيل) ، والالتزام بالتوراة والتعليم الديني والتراث اليهودي" وكان شعار الحركة الأساسي "أرض (إسرائيل) لشعب (إسرائيل) وفق شريعة (إسرائيل)" وكانت المادة البشرية لها من يهود شرق أوروبا.
كان من مهمات حركة مزراحي الدينية "الحثّ على الالتزام بالتوراة وتنفيذ الوصايا، والعودة إلى أرض الآباء، ونشر الكتابات الدينية القومية، وتربية الناشئة بهذه الرّوح، وزرع المقولة الصهيونية التي تؤكدّ إمكانية الدمج بين اليهودية كدين تؤمن به جاليات يهودية من قوميات مختلفة. وبين الصهيونية كعقيدة سياسية. وتفريغ الإنسان من كلّ ما يربطه بوطنه الأصلي وقوميته وتهيئته للهجرة إلى فلسطين بعد تطويقه بأسس العزلة والحصار.
أنشأت حركة مزراحي عدّة فروع لها في فلسطين وبنت مدرسة "تحكموني" الدينية في يافا والتي أصبحت أهم مؤسسة ثقافية لمزراحي في فلسطين، كما أقامتْ العديد من المؤسسات الدّينية بواسطة فروعها المنتشرة في أكثر دول العالم، واعترفت الصهيونية بإشراف مزراحي على هذه المدارس ومسؤوليتها عن تنظيم المدارس الدينية واختيار المدّرسين الملائمين لها، وعن وضع مناهجها الخاصّة. وتمّ تأسيس دائرة مركزية للحركة في فلسطين من أجل تكثيف البرنامج العلمي لمزراحي، وخاصّة في مجال التعليم والثقافة وتنسيق ذلك العمل مع الجهود التي تبذلها الحركة في الخارج.
وبعد الحرب العالمية الأولى وصدور وعد بلفور، عاودتْ مزراحي نشاطها وبكثافة في أوروبا حيث شرعتْ في تهجير اليهود إلى فلسطين، كما قامتْ بتأسيس فروع جديدة لها مع حركات شبابية في العديد من الأقطار، وأقامت شبكة من المدارس الدينية في بولندا وليتوانيا ولتفيا. وفي تلك الفترة بدأت مزراحي تلعب دوراً متزايداً في أوساط "اليشوف" اليهودي في فلسطين وفي هياكله التشريعية والتنفيذية.
وتمّ سنة 1922 تنظيم وإنشاء "عمّال مزراحي" في فلسطين، وهو تنظيم عمّال أنشئ بعد أن حملت موجة الهجرة الثالثة مجموعة من شباب مزراحي من بولندا، والذين أنشأوا ما يسمّى بجماعة "توراة هعفورا" أي التوراة والعمل. وقد تطورتْ هذه المجموعة إلى منظّمة "هبوعيل مزراحي" أي عمّال مزراحي حيث افتتحتْ فروعاً لها في يافا والقدس وبتاح تكفا وريشون لتسبون وكان برنامجها على النحو التالي:
- تسعى هبوعيل مزراحي إلى بناء البلد في انسجام مع تعاليم التوراة ومع التقاليد الدينية من خلال العمل.
-تستهدف هبوعيل مزراحي أن ينشأ أعضاؤها على أُسس مادّية وروحية ثابتة من أجل تطوير العاطفة الدينية عند العمال، وتمكينهم من العيش كعمّال متدّينين.
هاتان المنظمتان "مزراحي و هبوعيل مزراحي" اتحدتا أخيراً ونتج عنهما "الحزب الوطني الديني" همفدال" عام 1956. وقد سعى هذا الحزب ومنذ السنوات الأولى لقيام الكيان الصهيوني إلى فرض سيطرته على الحياة الاجتماعية في الكيان . حيث مارس كل الضغوط من أجل الهيمنة الكاملة على الشؤون الدينية، وطالب باستمرار الإشراف على قضايا "السبت والأعياد الدينية، وربط قضايا الإرث والطلاق باستمرار والزواج والحلال والحرام بالقوانين الدينية". وأيضاً ربط مختلف جوانب الحياة اليهودية بهذه القوانين، وقد أعطت سيطرة هذا الحزب على المؤسسات التربوية الدينية ونشاطاته الاستيطانية والاقتصادية المتنوعة له قوة ونفوذاً سياسيين جعلا الأحزاب الحاكمة في الكيان تحرص باستمرار على استرضائه وإشراكه في الحكم .
وحزب المفدال هذا، يؤكد باستمرار على ضرورة استناد التشريع الصهيوني إلى قانون "التوراة" وإلى "التراث اليهودي" ويرى في الحاخام الرئيسي أعلى سلطة في الدولة. وهذا الحزب أفرز العديد من الكتل والحركات الفاشية مثل "غوش أمونيم" وكاخ ، وهتحيا" وغيرها. التي تمارس الأعمال العدائية ضدّ السكان العرب وتدافع عن سياسة القبضة الحديدية، وتدعو باستمرار إلى استخدام القوّة في التعامل مع الدول العربية وإلى التمسّك بالأراضي المحتّلة باعتبارها أجزاء مقدّسة من أرض الكيان الصهيوني .
في المؤتمر الثالث لحزب "المفدال" الذي انعقد عام 1968 أي بعد عام واحد على احتلال الضّفة الغربية وقطّاع غزة وسيناء والجولان كانت أبرز المقرّرات السياسية هي: "إنّ الحزب الوطني الديني يُقّيم الإنجازات السياسية والأمنية التي حقّقها الجيل الحالي في أرض (إسرائيل) كبداية على طريق تحقيق الإرادة الإلهية ومن أجل التحرير الكامل للشعب اليهودي في أرض أجداده" .
وفي المؤتمر الخامس الذي انعقد في أيار 1978 طالب هذا الحزب حكومة بيغن بتنفيذ مشروع استيطاني واسع الأبعاد في جميع أرجاء أرض الكيان بما في ذلك "الضفة الغربية، والجولان، وقطّاع غزّة" كما طالب بتحويل المستوطنات المؤقتة القائمة في الضّفة الغربية والجولان إلى مستوطنات دائمة.
إلى جانب حركة مزراحي الدينية الصهيونية كانت هناك حركة دينية أُخرى أكثر تطّرفاً وتشدّداً تدعى "أغودات يسرائيل" التي تأسّست عام 1912 في "كاتوتيز" في سيليسيا العليا، وكان برنامجها "توحيد (شعب إسرائيل) حسب تعاليم التوراة بجميع مظاهر الحياة ، الاقتصادية والسياسية والرّوحية.". ثمّ بدأتْ هذه الحركة تتوسع في نشاطها منذ مطلع العشرينات، حيث انبثق عنها سنة 1922 حركة عمّالية في بولونيا دعيتْ "عمال أغودات يسرائيل" بهدف الحدّ من ميل العمال اليهود نحو الأفكار العلمية والاشتراكية. وفي عام 1937 برز التحوّل الجذري في مواقف هذه الحركة باتجاه الانسجام مع أهداف ومبادئ المنظمّة الصهيونية العالمية، فتحولت كلّياً من حركة توراتية مناوئة للصهيونية إلى حركة دينية مؤيدة للصهيونية، ومنسجمة مع أهدافها، وغدتْ حركة عنصرية متزّمتة تلعب كغيرها من الحركات الدينية دوراً خطيراً في تربية الناشئة داخل الكيان الصهيوني على روح الكراهية والعنصرية ضد السكان العرب.
عند قيام الكيان الصهيوني عام 1948 تحوّلت حركة "أغودات يسرائيل" والفرع العمالي، إلى حزب سياسي صار يشارك في المجالس البلدية والمحلية ويسعى لفرض الشريعة التوراتية على الحياة العامّة في الكيان الصهيوني ، وكانت معركته الأساسية في مجال التعليم، وقد استمرّ هذا الحزب يخوض الانتخابات ضمن الجبهة التوراتية حتى عام 1960 حيث انفصل عنه الفرع العمالي الذي أخذ يشارك في الحكومة الصهيونية.
.
ثمّ ظهرت حركة جديدة عام 1984 تدعى "شاش" وقف على رأسها حاخامون منشقّون عن حزب "أغودات يسرائيل" وقد حصلتْ هذه الحركة على أربعة مقاعد في الكنيست أثناء انتخابات 1984. وخلال فترة تشكيل الحكومة الصهيونية حصلت على حقيبة وزارة الداخلية بشخص الحاخام (يتسحاق بيرتش) .
لقد نجحتْ الصهيونية في توظيف الدين اليهودي لصالح أهدافها ومشاريعها التوسعية والتسلّطية، بعد أن لمستْ تأثير التربية الدينية على عقلية النشء اليهودي. فاستغّلتْ التعاليم التوراتية التي تشير إلى صهيون، والأرض المقدّسة، وهيكل الرّب وغيره.. وطرحتْ نفسها كحلّ بديل لما يسمّى بالمسألة اليهودية. فرفضت فكرة الاندماج بالشعوب رغم موافقتها على الخروج من قوقعة الغيتو، ورفعتْ فكرة الغيتو الدّولي الكبير في فلسطين العربية الذي يحقّق لها مصالحها الدائمة في استغلال خيرات الوطن العربي ومنع أيّة محاولة وحدوية إسلامية من شأنها الوقوف في وجه أطماعها التوسعية والاستعمارية