مدردش متقاعد
25-09-2001, 11:08 PM
كان يحدثناعن نتائج رحلته الأخيرة إلى بعض الولايات الشمالية في أفغانستان، و كان من بين ما رواه لنا قال:
مررنا على إحدى القرى في الطريق و كان معظمهم بيوتها مهدمة و لم يبق من أبنيتها إلا أطلالهاو بعض بقايا حياة أهلها فيها، و كانت مراكز المجاهدين منتشرة على التلال القريبة من القرية، فالتقينا مع قائد المجاهدين فيها و قال: إن هذه القرية التي ترونها هاجر معظم أهلها و لم يبق فيها شوى أسرة واحدة رفضت الهجرة و هذه الأسرة كانت تتكون من رجل و زوجته و لهما ولد و بنت.
كان الرجل يجاهد معنا و كانت الأم و ابنتها يقضيان اليوم كله في صتع الطعام للمجاهدين، و يقوم الولد بمهمة نقل الطعام من البيت إلى مواقع المجاهدين المنتشرة على التلال، و ظل الحال هكذا حتى خرجنا في إحدى المعارك مع العدو فاستشهد خمسة من المجاهدين كان من بينهم رب الأسرة فنعيناه إلى المرأة التي تلقت النبأ بصبر و احتساب و اعتقدنا أنها ستحزم أمتعتها و تطلب منا أن نساعدها على الهجرة إلى باكستان مع ابنها و ابنتها إلا أننا فوجئنا بها تلح علينا في أن نسمح لها بالبقاء حتى تكمل رسالتها في الاستمرار بإعداد الطعام للمجاهدين في قرية هاجر كل أهلها منها، و بقيت المرأة تساعدها ابنتها و يقوم ابنها بنقل الطعام لنا حتى في حالات القصف الشديد و الدائم التي طالما تعرضت له هذه المنطقة في وادي ((بنجشير)) الشهير.
و في يوم حدث قصف شديد من الطائرات و كانت البنت قد خرجت لتجمع بعض الحطب كي تساعد أمها في إنضاج الطعام فسقطت قنبلة في المكان الذي كانت فيه أدت إلى استشهادها، و تلقت المرأة الخبر صابرة محتسبة و اصرت على أن تبقى تعد الطعام للمجاهدين، و وعدت بمضاعفة جهودها حتى تعوض الجهد الذي كانت تقوم الابنة بمساعدتها به، فكانت توصال ليلها بنهارها أمام التنور و هي تطبخ للمجاهدين و تصنع لهم الخبز و يقوم ابنها بنقله إلى مواقع المجاهدين المختلفة.
حتى جاء يوم تأخر فيه الولد عن موعده في المجيء بالطعام في الصباح و لما طال غيابه ذهب ثلاثة من المجاهدين كي يستطلعوا الأمر، و حينما وصلوا إلى بيت المرأة نادوا على الطفل استئذانا و إيناسا فوجدوا المرأة في جانب من البيت تجلس أمام التنور و هي تعد الطعام كعادتها، ثم قامت إليهم و هي تقول: هيا ساعدوني في نقل بعض الأخشاب حتى أتم الطعام لباقي إخوانكم فقد بقي شيء يسير، فساعدوها حتى أدخلوا بعض الأخشاب إلى جوار التنور و هي منهمكة في إعداد الطعام، و قد شغلوا في أمر إعداد الطعام عن أن يسألوا عن الطفل، و التفت أحدهم إلى جانب من البيت فوجد بعض الأعشاب الخضراء كأنها تستر شيئا تحتها فقال لها: ما هذا يا أماه؟ قالت- و هي لازالت منهمكة في إعداد الطعام-: إنه ولدي خرج كعادته في الصباح المبكر و هو يحمل طعام الفطور للمجاهدين فسقط صاروخ بالقرب منه فاستشهد من شظاياه فحملته و جئت به إلى البيت و خفت أن أتأخر عليكم في إعداد الطعام فواصلت عملي حتى يصل بعض منكم يحملون الطعام إلى إخوانهم و يساعدني آخرون في تكفينه و الصلاة عليه ثم دفنه.
صمت الأستاذ برهان الدين رباني برهة عن الحديث بعدما وجد معظم في المجلس لا يتمالكون أنفسهم و بدؤوا يجهشون بالبكاء،و خرج من بين الحاضرين صوت ممزوج بالبكاء يقول: أين نحن من هذه المرأة الأفغانية؟
و أنا بدوري أقول: أين نحن من هذه المرأة الأفغانية.. بل أين نحن من أخواننا الأفغان الذين ستحل بهم مأساة جديدة كمأساة حربهم مع الشيوعيين؟:(
بيشاور 3/11/1988
من كتاب (امرأة من أفغانستان و قصص أخرى) للكاتب أحمد منصور المذيع حاليا في قناة الجزيرة..الذي قام بتغطية أحداث الحرب الأفغانية مع الروس من الفترة 1987 و حتى منتصف 1990
مررنا على إحدى القرى في الطريق و كان معظمهم بيوتها مهدمة و لم يبق من أبنيتها إلا أطلالهاو بعض بقايا حياة أهلها فيها، و كانت مراكز المجاهدين منتشرة على التلال القريبة من القرية، فالتقينا مع قائد المجاهدين فيها و قال: إن هذه القرية التي ترونها هاجر معظم أهلها و لم يبق فيها شوى أسرة واحدة رفضت الهجرة و هذه الأسرة كانت تتكون من رجل و زوجته و لهما ولد و بنت.
كان الرجل يجاهد معنا و كانت الأم و ابنتها يقضيان اليوم كله في صتع الطعام للمجاهدين، و يقوم الولد بمهمة نقل الطعام من البيت إلى مواقع المجاهدين المنتشرة على التلال، و ظل الحال هكذا حتى خرجنا في إحدى المعارك مع العدو فاستشهد خمسة من المجاهدين كان من بينهم رب الأسرة فنعيناه إلى المرأة التي تلقت النبأ بصبر و احتساب و اعتقدنا أنها ستحزم أمتعتها و تطلب منا أن نساعدها على الهجرة إلى باكستان مع ابنها و ابنتها إلا أننا فوجئنا بها تلح علينا في أن نسمح لها بالبقاء حتى تكمل رسالتها في الاستمرار بإعداد الطعام للمجاهدين في قرية هاجر كل أهلها منها، و بقيت المرأة تساعدها ابنتها و يقوم ابنها بنقل الطعام لنا حتى في حالات القصف الشديد و الدائم التي طالما تعرضت له هذه المنطقة في وادي ((بنجشير)) الشهير.
و في يوم حدث قصف شديد من الطائرات و كانت البنت قد خرجت لتجمع بعض الحطب كي تساعد أمها في إنضاج الطعام فسقطت قنبلة في المكان الذي كانت فيه أدت إلى استشهادها، و تلقت المرأة الخبر صابرة محتسبة و اصرت على أن تبقى تعد الطعام للمجاهدين، و وعدت بمضاعفة جهودها حتى تعوض الجهد الذي كانت تقوم الابنة بمساعدتها به، فكانت توصال ليلها بنهارها أمام التنور و هي تطبخ للمجاهدين و تصنع لهم الخبز و يقوم ابنها بنقله إلى مواقع المجاهدين المختلفة.
حتى جاء يوم تأخر فيه الولد عن موعده في المجيء بالطعام في الصباح و لما طال غيابه ذهب ثلاثة من المجاهدين كي يستطلعوا الأمر، و حينما وصلوا إلى بيت المرأة نادوا على الطفل استئذانا و إيناسا فوجدوا المرأة في جانب من البيت تجلس أمام التنور و هي تعد الطعام كعادتها، ثم قامت إليهم و هي تقول: هيا ساعدوني في نقل بعض الأخشاب حتى أتم الطعام لباقي إخوانكم فقد بقي شيء يسير، فساعدوها حتى أدخلوا بعض الأخشاب إلى جوار التنور و هي منهمكة في إعداد الطعام، و قد شغلوا في أمر إعداد الطعام عن أن يسألوا عن الطفل، و التفت أحدهم إلى جانب من البيت فوجد بعض الأعشاب الخضراء كأنها تستر شيئا تحتها فقال لها: ما هذا يا أماه؟ قالت- و هي لازالت منهمكة في إعداد الطعام-: إنه ولدي خرج كعادته في الصباح المبكر و هو يحمل طعام الفطور للمجاهدين فسقط صاروخ بالقرب منه فاستشهد من شظاياه فحملته و جئت به إلى البيت و خفت أن أتأخر عليكم في إعداد الطعام فواصلت عملي حتى يصل بعض منكم يحملون الطعام إلى إخوانهم و يساعدني آخرون في تكفينه و الصلاة عليه ثم دفنه.
صمت الأستاذ برهان الدين رباني برهة عن الحديث بعدما وجد معظم في المجلس لا يتمالكون أنفسهم و بدؤوا يجهشون بالبكاء،و خرج من بين الحاضرين صوت ممزوج بالبكاء يقول: أين نحن من هذه المرأة الأفغانية؟
و أنا بدوري أقول: أين نحن من هذه المرأة الأفغانية.. بل أين نحن من أخواننا الأفغان الذين ستحل بهم مأساة جديدة كمأساة حربهم مع الشيوعيين؟:(
بيشاور 3/11/1988
من كتاب (امرأة من أفغانستان و قصص أخرى) للكاتب أحمد منصور المذيع حاليا في قناة الجزيرة..الذي قام بتغطية أحداث الحرب الأفغانية مع الروس من الفترة 1987 و حتى منتصف 1990