PDA

View Full Version : ،، من الطب البديل إلى الدين البديل ،،


كلاسيك
01-09-2001, 06:11 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،




كما هبط علينا الغرب بحضارته فُجأةً فيما عرف بـ «صدمة الحداثة» في القرن الماضي، ولم ننل من خيرات حضارته بالقدر الذي نلنا من أذاه، هبطت علينا «مريم نور» فجأة عبر الفضائيات ، فنكأت جراحنا من حضارة الغرب المادية ـ ولم تكن مريم نور مجرّد طبيبة في اختصاص «الطب البديل» بل تحولت بسرعة إلى ظاهرة فريدة أقلقت نومنا، وتدخلت في أخص خصوصياتنا وتوغلت في أعماق النفوس تريد تغيير كل ما أفسده طغيان الإنسان الغربي المادي ـ على حد تعبير الناشر ـ لتفزع بنا من هذه الهجمة المادية الطاغية إلى دفء الإيمان بالله ورسالات الأنبياء، حيث تؤكد قراءة الكتب الدينية عِظَم الجناية التي ارتكبها الإنسان الغربي بحق نفسه وبحق الإنسانية عندما اختزل الإنسان إلى جسدٍ يعيش ليعمل ويستهلك ، وعقل يفكر ليكتشف ويستعمر، ثم اختزل حياته إلى دنيا فانية بلا هدف ولا مآل ، فعزله عن بعده الروحي العميق ، وألقاه في التيه.
تهبّ مريم نور لتوقفنا عن اللحاق بـ « مادية » الغرب وجنايته على الإنسان وعلى أنفسنا، لتعود بنا إلى فطرتنا حيث نتعرف إلى ذاتنا وسرّ وجودنا الذي سيقودنا - حتماً - إلى الخالق، ونصل دنيانا بآخرتنا، ونسترد بُعدها الروحي بعدما كاد يختفي، بالرغم من أننا لا نزال نحتفظ ببقاياه!

من الطب الطبيعي ، ومن الفطرة انطلقت مريم نور في أماكن متعددة من العالم تمارس «رسالتها»، مما أكسبها خبرةً قل نظيرها، فقد عملت في إنكلترا على تأهيل الأطفال المصابين بالسرطان لكي يتقبلوا الحياة برغم المرض ، مما ساعد الكثيرين منهم على الشفاء، وعاشت مع قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، وتعلمت منهم كيف يعيشون مع الطبيعة في حالتي الصحة والمرض . وتعلمت على يد كبار المعالجين والحكماء في اليابان والصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية، ممن يداوون بالطب الطبيعي الذي أثبتت التجربة والعلم قدرته على علاج حالات من المرض عجز الطب الحديث عن مداواتها.
أسست مريم نور في الولايات المتحدة الأمريكية معهداً خاصاً بالمعالجة الطبيعية ، وأدارته مدة طويلةً، ولها الآن مركز في لبنان للغاية نفسها سمته « بيت النور » وهذا الكتاب ليس إلاّ خلاصة تجربتها الإنسانية التي تجد نفسها «مسؤولة» عن نقلها إلى الناس كي يستعيدوا أرواحهم من الضياع في غمرة الحياة المادية..
تبدأ مريم نور كتابها بالقول: إننا لسنا إلاّ قراءً لآيات الله في أنفسنا وفي الآفاق «إن الحياة ليست في المختبر العقلي اللغوي، إن الحياة اختبار في القلب.. الحق أقرب إلينا من حبل الوريد، إن الله أقرب إلينا من كل علم العلماء وطغيان الأغنياء، وما علينا إلاّ أن نعيد صلة الوصل بين الخالق والمخلوقات ». وتجد مريم نور أنها بتقديمها لهذه الخبرات تقدم للقارئ مفتاحاً ليساعده على بناء تلك الصلة واستعادتها من جديد، وهي تحاول فيه أن تستثمر كل طاقات الإنسان الداخلية، التي تجد فيها المدخل الوحيد إلى الذات، وهنا تجد مريم نور أن أول العلاج هو « التأمل » حيث نعود به من باب الفكر إلى الذكر، فنتحرر به من كل القيود إلاّ من الله ، حباً بالله ولله ولا غير .. وإنها سنة الأنبياء ، فجميعهم تأملوا.. وعاشوا العزلة ».
من التأمل إلى الصلاة.. حيث الصلاة ليس إلاّ صلةً بالله ، إنها شيء ليس بالحرف ولا بالصوت أو بالحركات... إنها فعل وعمل.. ما أكثر المعابد التي يبنيها الناس، يدخلونها كسياح لا كحجّاج ، هيكلٌ فخم وقلبٌ من الفحم، يدخلون المعبد وهم عابدون لكل ما لا يعبد، إن ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.. وأينما تولوا فثم وجه الله .
بين التأمل والصلاة لحظة جامعة.. خلوة « تحدث فيها إلى الله بصمتك وبقلبك وبلغتك... إنه يسمع صوت قلبك قبل أن تسمعه أنت، إن القلب يعرف درب الرب ».
هذا الجسد جزء من الإنسان، والإنسان كائن شامل ، له علاقة بكل ما هو معلومٌ و مجهول ، إنه متناسق مع كل شيء في هذا الكون، والعقل هو البطانة الداخلية للجسد الذي يضمّ السر الإلهي (الروح)، والجسد يتأثر ويؤثر بدوره على العقل والروح بالأكل والغذاء.. ويتأثر الجسد بما يفكّر به العقل!.. ويتأثر كلاهما بما تتغذى به الروح ... إن الصحة ثورة عالمية تبدأ من المطبخ وتنتهي في الروح .

لقد جاء الصيام كي نصح «صوموا تصحوا»، ولكننا جعلنا صيامنا كأكلنا، نأكل في الليل وننام في النهار!، وعباداتنا حركات جسدية فارغة من محتواها. للصيام أصوله وطقوسه وشريعته، وعلم اليوم يؤكد لنا أهمية هذا الطعام، إن الصيام ليس عن الأكل فقط، بل عن كل الشهوات، وعن كل الملذات والإغراءات، إن الصوم رحلة من العقل إلى القلب، من العوالم إلى رب العالمين، من الحياة إلى موت «الأنا» فينا، هذا هو صيام الصالحين.. أو ليس الإنسان خليفة الله على الأرض بذرة صالحة؟!

تتابع مريم نور رؤيتها:
ما هي القوة ؟ المحبة قوة ، التأمل قوة ، الملل قوة ، والعلم قوّة وكل ما يرى وما لا يُرى قوّة.. وخوارق الساحرين غير خوارق الساهرين والعارفين ، القوة بيد الجاهل تُدمِّر، ولكن الصالحين حين حصلوا على القوَّة عمروا قلب الإنسان، من عرف نفسه عرف ربه، علينا أن نعرف أنفسنا لكي نعرف أن نتعامل مع القوة فينا، مع الطاقة التي بداخلنا، إنها نعمة من الأقوى ( الله تعالى )، ليست قوة العنف والدماء والعلم والاختراعات، بل قوة المحبة وقوة المعرفة والحكمة، تدعو مريم نور الله تعالى قائلة « يا رب.. قَوِّني، ثم قوني ثم قوني ، حتى لا أقوى على أحد »!
إن الذين سبقونا في الإيمان هم الذين كانوا أقوى منا في التواضع وفي معرفة النفس ، وفي العلاقة مع مالك القوة (الله سبحانه).
الله يقول : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد/ 11] من الألم نتعلم، إنه إنذار واختبار، فالجسد له لفتته الخاصة، علينا أن نستمع إليه ونصغي إلى إحساساته، الصحة حالة تناغم في الداخل والخارج، التناغم مع الكون، جسد وعقلٌ وروحٌ مع الخالق، الانسجام الكلي مع كل الأجسام، الألم يشعرنا بالجسم، والصحة نشوة فرحٍ لا إحساس مؤلم، الألم مصدر الأنا، والأنانية نتيجة وجود خلل داخلي أبعد من حدود الجسد، الصحة مصدرها التوحّد مع الذات، ومع الكون، واتصال بكونهما.
إن الله هو الشافي، وما الشفاء إلاّ من عند الله، والإنسان ليس إلاّ وسيلةً، الشفاء سهل كالتنفس تماماً، ولكن الحاجز بينه وبين الإنسان هو الكبرياء والأنانية، إن طرق الشفاء عديدة، ومصدرها القلب، ومرجعها منه وإليه، ما علينا إلاّ أن نتعرف إلى ذواتنا ودورنا وأبعاد كل حواسنا ومدى قربنا من الله.. إن الجهل هو عدونا الوحيد، ولا أمل إلاّ بالتغيير من الداخل.

هذه قلب الفلسفةالتي تؤمن بها مريم نور ، وتستجمع خبرتها فيها، إنها هنا لا لتؤكد مقولات الطب البديل فحسب، بل لتقدّم لنا الرؤية الإيمانية الكامنة خلفه...
في هذا الكتاب تبدو داعية الطب البديل ـ وهي تعتبر نفسها في مواجهة الغرب المادي الطاغي شأنها شأن كل الدعاة إلى هذا الطب ـ تتحوّل إلى ما يشبه منطق «الديانة العلمية» . لأشرح ذلك.. في القرن التاسع عشر، حيث بدأت الاكتشافات العلمية تتوالى أصبح الاعتقاد بأن لكل شيء في العالم قانونًا ما علينا إلاّ اكتشافه والبحث عنه، ودخل العلم منذئذٍ في ردة فعل على الوصاية الكنسية التي تكرست ( ردة الفعل) منذ عصر الأنوار في القرنين السالفين وأصبح ما يقوله العلم هو حقائق قاطعة ومطلقة لا تقبل الشك، إلى درجة ألغت كل ما قبلها، بل وقامت ديانة برمتها على هذا المبدأ وهي الشيوعية، أطلقت على نفسها وصفاً معبراً عن هذه الحالة «التاريخية العلمية» أي ما لبث العلم أن أصبح بذاته ديانة عندما أُكسِب صفة الإطلاق و«الحتمية».
الطب البديل اليوم يكاد يغرق في شيء يشبه ذلك، فهو يطلق على نفسه لقب «علم» ، ويضفي على نفسه قطعيات عديدة تبدأ بالطاقة الداخلية وتنتهي بالمادة والطبيعة، والوحدة بين الطبيعة والإنسان.. إلى درجة نكاد نجد أنفسنا أمام أوصاف وتشنجات أشبه بصراع ديانتين ، وكأن الطب البديل أوشك أن يكون ديناً بديلاً !
وإذا كانت مادية الغرب تقف خلف طِبّه الكيماوي ، فإن الطب البديل يبدو ـ وهو يجد نفسه في صراع مع الطب الكيماوي الحديث ـ يستصحب المشكلة الطبية إلى العمق الفلسفي ، إلى نقطة يقف فيها أمام علمانية الطب المادي ، أي أمام المنظومة الفلسفية بكليتها ، ويستغرق في روحانيته، إلى درجة يوشك المراقب فيها أن يحسب نفسه أمام «ديانة» جديدة.. !
وهكذا تسرف مريم نور - مثلاً - في الحديث عن التخلي عن العقلانية (وهي بطبيعة الحال أساس الطب الحديث) وتدعو إلى «الحقيقة» التي تتمثل في «وطن القلب» !
بل من السهل أن يكتشف المرء أن هذا الكتاب الذي تقدمه لنا مريم نور ، ومن خلال فهرسه فحسب ، ليس إلاّ أجوبة عن الأسئلة الكبرى التي تتعلق بالإنسان وبوجوده ، والتي أجوبتها - بطبيعة الحال - ليست إلاّ من مهمة الأديان الكلية ! بل إنها تقدم كتابها بالقول: « لقد أعذر من أنذر » و« هذا الكتاب هو مرآة لنا ولأفكارنا.. إنه الجواب لكل سؤال يجول في كل عقل» ! وتسمي مركزها الطبي « بيت النور » ، وتنشئ الآن « بيت الحق » ، وهذا له دلالته الواضحة . ليست مريم نور هنا إلاّ مبشرة بهذه الديانة البديلة العالمية !
ويبقى السؤال مشروعاً : هل استُصحب الطب البديل ديانة بديلة ؟ لا شك أن شيئاً من هذا يكاد أن يحصل.
وإذا كان من واجبنا ألا نُسرف في الحكم على مريم نور التي تثبت في كتابها « إسلامها » - عبر رحلة روحية طويلة - فإن من المهم الالتفات إلى أن كل الإسرافات في هذا الكتاب إنما هي من « لوثة » ردة الفعل على المادية و« لذة الاكتشاف » للبديل ، لكنها في النهاية تقدم لنا حديثاً جديراً بالاحتفاء أمام هذا العالم الطاغي ، ولا أَدَل على ذلك من نفاد كتابها بعد أسابيع قليلة من طباعته.

كلاسيك
01-09-2001, 06:12 PM
من الطب البديل إلى الدين البديل
ظاهرة «مريم نور»
عنوان الكتاب: فنجان قوّة بألم الإنسان.
المؤلف: مريم نور
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: الأولى 2001