View Full Version : هَل من مجيب؟ أ نـ ـا فـ ـي و ر طـ ـة
Saleen S281
04-06-2006, 10:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلامُ على أهل لا إله إلا الله
ناقشتُ زنديقا رافضياً في المدرسة في بعضِ الأمور العقائدية، ولكنّه استطاعَ أن يردَّ عليَّ في موضوع التوسّل، وأذكُرُ لكُم هنا بعض ما ذكر:
(1) التوسّل مبدأ قد قرره القرآن الكريم، في آيتا الوسيلة.
(2) آيتا الوسيلة عامتين، ومَن خصصهما عليه الإتيان بالدّليل.
(3) الرّسولُ صلى الله عليه وآله حيّ، بدلالة الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ولكن لا تشعرون).
(4) التوسّل كانَ مبدأ موجوداً في زمن الرسول صلى الله عليه وآله، فكيفَ تنفونَه؟
(5) التوسّل هو الأخذ بالأسباب التي ذكِرت في محاضرات التوكّل على الله عز وجل.
وهناكَ أمور أخرى، سنتعرّض لها في طيّات مشاركات الإخوة، أرجُو أن أجِدَ من يجيب على هذه الأسئلة بروح رياضية.
السلام عليكم ورحمة الله،،،
أخوكم
محمد
أبوعبيدة
05-06-2006, 02:17 PM
اخي محمد ارجو الانتباه
اولا ما هكذا علمنا رسولنا الكريم ان نسلم على بعض بل بالصيغ المعروفة(السلام عليكم)وهذا ادناها ويمكن الزيادة (ورحمة الله)والاخيرة(وبركاته)
ثانيا فان مناقشة اهل الباطل يكون عن طريق اهل العلم0اذ يمكن وانت لم تحسب اي حساب ان يلقي عليك شبهة فتتقبلها وهذا امر خطير0ولتعلم انك اذا ناقشته فليس من الشرط انه يقتنع بل يمكن ان يكون مجادل وفي هذه الحالة ينبغي ان تسحب نفسك اذ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-(انا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا)
واخيرا لترد على هذه الشبه فعليك الذهاب الى شيخ تثق في علمه وعقيدته وتساله عن هذه الشبه
والله اعلم
Saleen S281
05-06-2006, 03:31 PM
بالنّسبة للسلام أخي أبا عبيدة، فأردتُ منهُ التعريض بأهل الباطِل الموجودين في المنتدى، حيثُ هُم يعبدونَ غير الله، فقلتُ: السلام على أهل لا إله إلا الله، أي أهل التوحيد الحقيقي الخالص من الشوائب والرذائل الدنيئة.
أنا لم أودّ مناقشته من البداية، لكنه كانَ يبثّ السموم في الصف، وكانَ يبدو كلامه منطقيا لبقية الطلاب، لذا من باب عدم تركه يغور فيما يحيك تدخلتُ لإصلاح الموقف، وإثبات صحة ديننا الإسلامي، وكلامُه كما يبدو ليس من باب مجادلة أو مراء، فهُو يتكلم بأسلوب سحري وبهدوء وسكينة، يعني يتكلم وهو واثق كل الوثوق عن نفسه.
طلبتُ من أحد أساتذة التربية الإسلامية ليرد عليه لكِن للأسف لم يقبل بذلك، وقال هؤلاء رافضة مشركين قبوريين لا يجوز مناقشتهم حسب فتاوى علمائنا! فاستغربتُ جداً من هذا التصرف، فهل هذا الكلام صحيح؟!
وأخيرا، أخي أبا عبيدة! إنّني لأستحي من الجلوس مع الشيخ والتكلم معه في هذه القضية خوفاً من أن يقول لي أنكَ ضعيف العقيدة، ويرد علي بنفس رد الأستاذ، فماذا أستفيد حينها غير التحقير والإهانة وضعف المبدأ.
السلام عليكم،،،
محب الشيخ العثيمين
05-06-2006, 05:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم
الرد على موضوعك طويل ويستغرقا وقتا
ولكن
سأرد الآن
على نقطة واحدة ( قوله لك : إن الرسول حي ) !!
والجواب عنها
قوله تعالى لنبيه الكريم
" إنك ميت وإنهم ميتون "
فما هو جوابه عن هذه الآية ياترى ؟
وهل يؤمن بالقرآن أم لا ؟
Saleen S281
05-06-2006, 08:31 PM
سأسأله على المسنجِـر ما أن يأتي وأخبركُم بردّه
اقتراح بسيط: هَل تقبلونَ بمناظرتِه إن قمتُ بدعوتِـه، وأعلم أنّ التسجيل مغلق، سأعطيه اسمي وباسووردي ليدخُل المنتدى؟
محب الشيخ العثيمين
05-06-2006, 09:50 PM
ما عندي مانع
محب الشيخ العثيمين
05-06-2006, 09:51 PM
المهم أن يكون ممن يريدون الحق
وليس ممن يجادلون بالباطل
( كما اشار لك الأخ ابو عبيدة )
Saleen S281
06-06-2006, 12:13 AM
أخبرتُه بذلك،، وأخذَ اسمي والباسوورد وأعطيته الرابط، وقلتُ له أن يذكُر اسمه عندكم، واسمه (الهاشمي)
لا أدري متى سيأتي؟! أو هل سيأتي؟!
على ما قال سيأتي إن شاء الله
محب الشيخ العثيمين
06-06-2006, 12:27 AM
إذا كنت تريد أن أكلمك قبلها
وأجيبك عن باقي شبهاته التافهة
فأخبرني أنك معي الآن
محب الشيخ العثيمين
06-06-2006, 12:41 AM
كان الواجب عليك يا أخي الكريم أن تسأل عن هذه الشبهة ( ما دام أنه طرحها عليك وقضي الأمر )
فإذا استحييت أن تسأل أحد العلماء ... فلو كنت فتحت أحد كتب التفسير كنت ستعرف تفنيد كلامه ودعواه .
يقول الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية :
" أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا "
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَرْبَابًا { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة }
يَقُول : يَبْتَغِي الْمَدْعُوُّونَ أَرْبَابًا إِلَى رَبّهمْ الْقُرْبَة وَالزُّلْفَة [ الوسيلة هي القربة ] ,
لِأَنَّهُمْ أَهْل إِيمَان بِهِ , وَالْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه ,
{ أَيّهمْ أَقْرَب } أَيّهمْ بِصَالِحِ عَمَله وَاجْتِهَاده فِي عِبَادَته أَقْرَب عِنْده زُلْفَة ,
{ وَيَرْجُونَ } بِأَفْعَالِهِمْ تِلْكَ { رَحْمَته وَيَخَافُونَ } بِخِلَافِهِمْ أَمْره { عَذَابه إِنَّ عَذَاب رَبّك } يَا مُحَمَّد { كَانَ مَحْذُورًا } مُتَّقًى
محب الشيخ العثيمين
06-06-2006, 12:45 AM
هل هذا التفسير واضح يا أخي الكريم أم أنه يحتاج لبيان , فأبينه لك ؟
محب الشيخ العثيمين
06-06-2006, 01:41 AM
أين ردك ؟؟
Saleen S281
06-06-2006, 02:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واللعنُ الدائمُ على أعدائهم أجمعين.
قالَ تعالى: (فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئكَ الذين هداهم الله وأولئكَ هم أولوا الألباب)، من منطلق هذه الآية الكريمة وبفضل من الله عز وجل واستمداد من أهل البيت (ع) أدخُل هذه المناظِرة؛ حتى نصلَ منها إلى الحقيقة التي تدحض الباطل دحضا.
وبما أنّ ألف الكلام قد نطقَ بهِ الأخ محمد، واختارَ موضوع التوسّل، فنبدأ على بركة الله الخوض في مسألة التوسّل بطريقة علميّة مستندة إلى كتاب الله العزيز وسنة نبيه (ص).
وقبلَ البدءِ؛ أذكِّرُ الإخوة الكرام أنَّ الحوارَ يجبُ أن يكونُ بصورة علمية دقيقة، وبتناول مرتب للمواضيع، وعدم التقلّب من غصنٍ لآخر لعرضِ العضلات والحركات البهلوانية.
نبدأُ في مبحث التوسّل بالسؤال التالي:
أجمعت جميعُ الفِرق الإسلامية على أنّ التوسل بالحي الحاضِر جائزٌ، لذا نرى توسّل بعض الصحابة بالنبيّ (ص) في حياتِه، وكذا توسّلهم بعم النبي (ص) أيضاً، وهذا ما اتفقنا عليه مبدأياً، فنسأل الآن السؤال التالي:
قال تعالى: (وإذا سألكَ عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان)، وكذا قال عز مِن قائل: (فلا تدعُ مع الله إلها آخر فتكونَ من المعذبين)، وأيضاً: (وأن المساجِد لله فلا تدعوا مع الله أحدا).
إنَّ الآيات السابقة تذكُر أن الدعاء يجبُ أن يكونَ من الله عز وجل وحده لا شريك له، وإذا نظرنا بالنظرة الأولية السطحية لهذه الآيات وما أجمعت عليه الأمة من جواز التوسل بالحيّ الحاضِر، فيحسّ أن هناكَ تعارض بينَه وبين هذه الآيات المباركة، حيثُ الآيات تطلبُ الدعاء منه عند الحاجة، والحالُ أنّ النّاس يذهبون لغيرِه كالرسول (ص) وعمّه وغيرهما، فكيفَ تجمعونَ بينَ هذه الآيات ومبدأ التوسّل بالحي الحاضِر؟!
العبد
الهاشمي
Saleen S281
06-06-2006, 03:01 AM
،،،
لو أمكَن تسجيلي باسم (الهاشمي) في المنتدى لكانَ أفضلُ من استخدام اسم الأخ محمد، لأنّ الأخ محمد قد يودّ المداخلة في البَيْن أو أنه يودّ المشاركةَ بهذا الاسم، فليسَ من اللائقِ إزعاجُه في ذلك.
هذا إن أمكن، وإلا فسعيكُم مشكور، ونواصلُ على هذه الخطى بهذه التسمية.
،،،
GMC 95
06-06-2006, 10:14 AM
عساك على القوه يا اخ الهاشمي
بس عندي ملاحظه:للاخ سالين
من شروط الحوار احترام الطرف الاخر وعدم التمثيل به....
وشكره
أبوعبيدة
06-06-2006, 01:43 PM
والله المستعان على ما تصفون
اخي الهاشمي
هناك الوسيلة الدنيوية وهناك الاخروية
فالوسيلة الدنيوية تكون للحي الحاضر المستطيع على فعل هذا العمل المطلوب التوسل فيه الذي يقبله العقل في ميزان المعقول0مثل(الواسطة،الشفاعة)
والدليل قوله تعالى: (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً) [النساء : 85]
وهناك الوسيلة الاخروية والتي تكون يوم القيامة0 اذ هناك شفاعة الرسول والملائكة والعمل الصالح
والناس في الدنيا لا يستطيعون الا الدنيوية والمعقولة
اما الله سبحانه فيستطيع الدنيوية اجمع والاخروية
والتوسل بالميت لا يجوز ويمكن ان يكون شركا
والله اعلم
Saleen S281
06-06-2006, 03:40 PM
أخي أبو عبيدة!
أرجُو مِن الله العليّ القدير أن يوفّقكم لكلّ ما فيه الخير والصّلاح، وأسألُه أن يبلغكُم مقامَ مَن هداهُ إلى الصراطِ المستقيم، ذلكَ من فضلِ الله، والله ذو الفضل العظيم.
جنابكُم الكريم لم يتوجّه للرّدّ على سؤالي الذي هوَ أساسُ كلِّ ما سنتكلّمُ فيه مِن تفريعات، فأنتُم قسمتُم التوسّل بحسب المتوسَّل به -أي الوسيلة- إلى دنيوي وأخروي، وهذا الكلامُ لَم يكُن جوابَ السؤالِ المطروح، فأرجُو الدّقّة العلميّة أخي الكريم، والجوابُ على نفسِ السؤال، دونَ التوسّع في تفريعاته حتّى لا يشوّش ذهنُ القارئ العزيز، ولا يضيعُ الأساس.
سؤالي كانَ وما زالَ: كيفَ نجمعُ بينَ الآيات التي تنفي دعوة غير الله بصورةٍ مطلقة، ومشروعيّة التوسّل مِن الحيّ الحاضر سواءً كانَت الوسيلة دنيوية أو أخرويّة، فكلاهُما طلبٌ مِن غير الله؟
العبد
الهاشمي
Saleen S281
06-06-2006, 03:48 PM
عساك على القوه يا اخ الهاشمي
بس عندي ملاحظه:للاخ سالين
من شروط الحوار احترام الطرف الاخر وعدم التمثيل به....
وشكره
قوّاكُم الله مولايَ الكريم بولايةِ مَن ولاهم اللهُ عزّ وجل مِن الأئمة المعصومين (ع)، وما ذكرتمُوه مِن ملاحظة كانَ قبلَ البدءِ في المناظِرة، ومِن جهتي فأسأل الله أن يغفِرَ لهُ تلكَ الزّلة إن وجِدت، وإن كانَ لسوءٍ مِنّا، فنسألُه العفو بحقّ محمد وآل محمد صلواتُ الله عليهم أجمعين.
العبد
الهاشمي
محب الشيخ العثيمين
06-06-2006, 11:24 PM
قولك :
أجمعت جميعُ الفِرق الإسلامية على أنّ التوسل بالحي الحاضِر جائزٌ،
--------------
هذا القول ليس بصحيح , فإن أهل السنة لا يجيزون التوسل بالحي ... إنما يجيزون التوسل بــ ( دعاء ) الحي ........ وليس التوسل بشخص الحي .
وفرق بين الاثنين
محب الشيخ العثيمين
06-06-2006, 11:54 PM
أنواع التوسل :
التوسل والوسيلة يراد به أحد أمور أربعة :
أحدها : لايتم الإيمان إلا به ، وهو التوسل إلى الله بالإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله ، وهذا هو المراد بقوله ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه وسيلة ) سورة المائدة 35 [ ويدخل في هذا ؛ التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته والتوسّل إليه بطاعات عملها المتوسّل يسأل الله بها ونحو ذلك]
والثاني : التوسل إلى الله بطلب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته , وطلب المؤمنين بعضهم بعضاً أن يدعو لهم ؛ فهذا تابع للأول ومرغب فيه
الثالث :التوسل بجاه المخلوق وذواتهم ، مثل قوله : اللهم ! إني أتوجه إليك بجاه نبيك أو نحوه ؛ فهذا قد أجازه بعض العلماء ، ولكنه ضعيف ، والصواب الجزم بتحريمه ؛ لأنه لا يتوسل إلى الله في الدعاء إلا بأسمائه وصفاته .
الرابع : التوسل في عرف كثير من المتأخرين ، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به ( والاستغاثة بالأموات والأولياء ) ؛ فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن الدعاء والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة ، فتوجيهها لغير الله شرك أكبر .
( من موقع الإسلام سؤال وجواب)
Saleen S281
07-06-2006, 12:34 AM
قولك :
أجمعت جميعُ الفِرق الإسلامية على أنّ التوسل بالحي الحاضِر جائزٌ،
--------------
هذا القول ليس بصحيح , فإن أهل السنة لا يجيزون التوسل بالحي ... إنما يجيزون التوسل بــ ( دعاء ) الحي ........ وليس التوسل بشخص الحي .
وفرق بين الاثنين
ورد في صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا وكتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب العباس بن عبد المطلب، حيث تقول الرواية: ((أن عمر بن الخطاب (رض) كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون)).
فهَل توسّل عمر بن الخطاب هنا بدعاء العبّاس، أم أنّه كان يقول في دعائه: (إنا نتوسَّل إليكَ بعمّ نبينا فاسقنا)؟ هذا مِن جهة ومِن جهة أخرى: التوسّل بالحيّ الحاضِر ليسَ في الدّعاء، ولو أنكم لم تذكروا ذلكَ بصورة صريحة إلا أنّه من ضمن التوسّل بالحي الحاضِر أن تطلبَ من شخصٍ أن ينقذكَ من الغرق في البحر، وهُو طلبٌ مِن غير الله عزّ وجلّ ظاهراً.
وحتّى لو سلّمنا بذلكَ، وقبلنا بالتوسّل بدعاءِ النبيّ (ص)، فهُو طلبٌ مِن غيرِ الله، فاللهُ عزّ وجلّ يقولُ: (ادعوني أستجب لكم)، فعلينا أن ندعوَ الله ونطلبُ منهُ حاجتنا لأنه قريب منا (فإني قريبٌ أجيب دعوة الداعِ إذا دعان)، فلمَ نخالِف الآية في أمرِه لنا بالتوجّه للهِ عز وجلّ في الدّعاء، ونذهبُ لآخَر ليدعوَ لنا؟ هذا خلافُ ظاهِر الآية.
ما زلتُم أعزائي لا تجيبونَ على نفسِ السؤال، إنّ جوابَكم يحومُ حولَ مصاديق التوسّل الجائِـز أخي الكريم، ونحنُ نتكلّم في أصلِ الطّلب من غير الله.
لمَن أرادَ مزيداً من التوضيح: يقولُ الله عز وجلّ: (وإذا مرضتُ فهوَ يشفينِ)، فلمَ نذهبُ إلى الطبيب أساساً ونطلبُ منهُ الشفاء، أليسَ الشفاءُ مِن الله؟ إذن لو قالَ شخصٍ للطبيب: أيها الطبيب أنا شخصٌ مريض، فأرجوكَ أن تداوني وتشفني من هذا الجرح، فهَل يعني أنهُ خالفَ هذه الآية المباركة؟!
كانَ ذلكَ من باب المثال لا أكثَر، ولا أريدُ جواباً على المثال أيها الإخوة، بل الجوابُ أتمناه على السؤال الأصلي.
العبد
الهاشمي
محب الشيخ العثيمين
07-06-2006, 12:35 AM
لو قال أحد المسلمين لإخوانه في الله ( الأحياء وليس الأموات ) :
ادع الله لي أن أنجح في الاختبارات ( مثلا )
فهل في هذا الأمر بأس ؟؟
لا شيئ فيه ... وهو داخل في النوع الثاني من أنواع التوسل الموضحة في المشاركة السابقة
Saleen S281
07-06-2006, 12:48 AM
ومَن قالَ أنَّ في ذلكَ بأس أخي العزيز؟! كلُّ ما طلبتُهُ منكُم هوَ رفعٌ التعارُض بينَ الآيات المذكورة والطّلب من غير الله عزّ وجلّ، حيثُ الآيات تخصص أن يكونَ الطلب والاستعانة والاستغاثة باللهِ سبحانه وتعالى، ونحنُ نرى الجميعُ يطلبون ويستعينون بغيرِ الله عزّ وجلّ في حياتِهم، مهما كانَت طريقة الاستعانة ومجالها، فذلكَ بحثٌ متأخّر.
أيها الأخ الكريم!
يقولُ تعالى في سورة الحمد الذي نقرأه كلّ يوم في صلواتِنا: (إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعين)، ومعلومٌ أنّ سبقَ (إياكَ) على (نعبد) و(نستعين) للحصرِ، وهُو جليٌ لأدنى متأمّل في اللغة العربيّة، فلمَ الاستعانة بغير الله مِن أستاذٍ يعيننا في التعلم، وطبيب يعيننا ليشفينا، وغيرُ ذلكَ مِن الاستعانات الرائجة؟
ستقولُ لي: هذا مما نحنُ متفقّون عليه، فأقولُ: وهُو صحيح، لكِن هناكَ تعارضٌ بينَ هذا الاتفاق وهذه الآيات بحسب الظاهِـر، فعلينا رفعُ هذا التّعارض أساساً، وتشكيل قاعدة كليّة في جواز الاستعانة والتوسّل بغير الله عز وجل، ثمَّ نبحثُ في الموارد الشركية وغيرها، وكذا نبحثُ في الموارِد الجائزة وغيرها، ونبحثُ في الموارِد العبثيّة وغيرها، تأملوا موضع السؤال بدقّة هدانا الله وإياكُم إلى صراطه المستقيم.
العبد
الهاشمي
محب الشيخ العثيمين
07-06-2006, 01:16 AM
سؤال غير الله تعالى شيئا مما يقدر عليه المخلوق
( مثل التداوي , ومثل سؤال الشفاعة الدنيوية ـ في طلب وظيفة مثلاً ـ
ومثل من يسأل إخوانه أن يمنحوه بعض المال ــ قرض مثلا ـ )
كل هذا جائز لدلالة الكتاب والسنة عليه
أما السؤال الممنوع فهو سؤال غير الله تعالى شيئا مما لا يقدر عليه إلا الله
( مثل من يسأل المخلوق أن يجعله يدخل الجنة !!
أو من يسأل أحد المخلوقين أن يرزقه ابناء !! )
فهذا من الشرك بالله تبارك وتعالى
Saleen S281
07-06-2006, 01:45 AM
محب الشيخ العثيمين الكريم!
ما زلتُم لم تتوجّهوا لأصلِ السؤال، وأظنّه واضحٌ جداً بعدَ تلكَ الرّدود، ولا أريدُ أن أطيلَ عليكُم في ذلك، فالكلامُ باختصار: أنتَ تتكلّمُ في مسألة (جوازُ الاستعانة بغير الله) وبأسلوب الإفتاء، وأنا أتكلّم عن سؤالٍ آخر، وهُو: (كيفَ نجمعُ بين الآيات المطلقة التي تقولُ بلزوم الاستعانة بالله عزّ وجلّ لا بغيره، وبينَ ما اتفقَت عليه الأمة الإسلامية مِن الاستعانة بغيره، بل وردَ في الكتاب والسنّة الشريفة ما يؤيّد ذلك؟)،.
هذا سؤالي، وأظنّه واضحٌ كفاية أنَّ جوابكَ ليسَ لسؤالي، وأنتُم أعلمُ -إن شاءَ الله- بأصول رفع التّعارض بينَ ظواهِر الآيات، فتأمّلوا في موضِـع السؤال، وأجيبوا عليهِ هدانا الله وإياكم إلى صراطه المستقيم.
العبد
الهاشمي
محب الشيخ العثيمين
07-06-2006, 02:24 AM
لو أنك تأملت جوابي لعلمت أنه جواب عن سؤالك
فقط .... تجرد للحق
... إن كنت تريد الحق
------------------
النصوص التي تدل على وجوب الاستعانة بالله تعالى وعدم جواز الاستعانة بغيره ,
محمولة على الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تبارك وتعالى ـ وضربت لك أمثلة عليها ـ
والنصوص التي دلت على جواز الاستعانة بالمخلوق
ـ فيما يقدر عليه المخلوق ـ كالأمثلة التي ضربتها لك ,
محمولة على الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه ,
ومقيدة بهذا القيد ( أن يكون الأمر المسؤول مما يقدر عليه المخلوق )
وهذا من الأخذ بالأسباب ... مع تعلق القلب بمسبب الأسباب , سبحانه وتعالى وعز وجل
هذا هو الجمع بين النصوص الشرعية كلها المتعلقة بهذه المسألة
والله تبارك وتعالى أعلم
Saleen S281
07-06-2006, 03:56 AM
على ما وصلتُم إليهِ أخي الكريم نجِد أنَّ النّصوص المطلقة قد قيدتموها بتلكَ التي ظننتُم أنها مقيّدة، وذكرتُم أنَّ الاستعانة بما في وسعة المخلوق جائزٌ، بل هو مطلوب من باب الأخذ بالأسباب، معَ التوجّه إلى مسبّب الأسباب جلّ وعلا.
والإشكالُ على كلامِكُم ينشأ في النتيجة التي وصلتُم إليها نهايةً، وهِيَ أنَّ الاستعانة بغير الله عز وجلّ فيما لا يقدِر عليه، هو شركٌ أكبَر، فأينَ الدّليل على هذا الكلام؟! لو كانَ دليلُكُم مجرّد الاستعانة بشخصٍ في أمرٍ ليسَ بمقدوره شركاً، للزمَ منهُ أن يكونَ الاستعانةُ من الشَّخصِ الأخرس الذي لا يستطيع أن يدعوَ لكَ بلسانِـه شركاً! -ولا تقُل يدعو بقلبه فلا نريدُ مناقشة في المثال-.
وسؤالُنا الآن: ما الدَّليلُ على أنَّ التوسّل بالأموات -على حدّ زعمِكُم بموتهم- شرك أكبر؟ لو كانَ مجرّد عدم الإفادة دليلكُم، فيلزَم منهُ أن يكونَ كلَّ أمرٍ عبثيّ شركاً بالله، ولو كانَ دليلُكُم أنّ دعاءَ غير الله والاستعانة بغيره يجعَلَ العبدَ في مستوى المعبود، نلزمكُم بها في الحالات التي هي في وسع العبد، وأمّا لو لَم يثبتْ بالدّليل ذلكَ، فلا سبيل إلى الحكم بشركيّتِـه.
أبوعبيدة
07-06-2006, 02:23 PM
اليك هذه الصفحة اخي العزيز
http://mahawer.al-islam.com/Display.asp?id=4&f=ziarat_q00003&bookid=24&mid=1
Saleen S281
07-06-2006, 04:19 PM
شكراً لكُم أخي أبا عبيدة على هذا الرّابط معَ أنّه كانَ مطوّلاً مِن عدة صفحات إلا أنني أكتفي بالرّد على الصفحة الأولى كأساس، وإليكُم بعضُ الإشكالات عليها:
(1) بالنّسبة للاستدلال بقوله تعالى: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا)، فهُو مردود في حقّنا، حيثُ هُم كانوا يعتقدون بربوبيتهم، وكانوا يعبدونهم، وشتّان بينَ الطّلب منهم بالمغفرة والإشفاء وما شاكَل، وبين الاعتقاد بعبادتنا لهم، فمِن شروط كونِ العمل عبادة أن يكونُ باعتقاد أنَّ الطرف المقابِل ربّ مستقلٌ في ربوبيّته، وهُو المفيضُ على الخلق باستقلالية، وهذا ما لا تقول به الشيعة الإمامية، بَل نعتقِد بأنّ من يعبد الأئمة بأنهم مشركون لأنهم عبدوا غير الله.
(2) بالنّسبة لمسألة أنّ الشفاعة كلها لله، فهذا مما لا خلاف عليه، لكِـن ذلكَ لا يعني نفي دور من أذن الله له بالشفاعة، كالرّسول (ص) الذي كانَ يأتي إليه النّاس ليستغفروا ربّهم به، ويشفعونه في أنفسهم، وإلا لو لَم يكن للمأذونين بالشفاعة أي مدخلية فما الهدف من كونهم شفعاء؟! وكذا الآيات الباقية مثل: (ما لكُم من دونه من ولي ولا شفيع)، وشفعاؤنا ليسوا (من دونه) بل بإذنه.
(3) أمّا بالنّسبة للمغالطة التي ذكرها في أنه لو كانَ الله أعلمُ بحالكَ وأقدرُ على إعطائكَ ما تريد، وهُو خير الغافرين وأرحم الراحمين، فلمَ تذهبُ إلى مَن دونه رتبة، وتدعوه، والآية تقول: (وإذا سألكَ عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، فهذا الكلامُ واضح الوهن، حيثُ هوَ واردٌ في جميع الأمور، فأليسَ الله أقدَر على الإسقاء، فلمَ عمّ النبي (ص)؟ أليسَ الله أقرب إليّ من العبد الصالح؟ فلمَ أطلبُ الدعاء من إخوانيَ المؤمنين وهم دونَ قدرة الله تعالى؟ أليسَ الله أقدَرُ على إشفائي من الطبيب؟ فلمَ الذهاب إلى الطبيب؟ فلا يعني مجرّد كونِ الله أقدَر على فعلٍ أمر -وهو القاهر فوقَ عباده- عدَم الاستنادِ إلى غيره من باب الوسيلة الموَصّلة.
(4) النبي (ص) والصالح لا يقبَل الدّعاء بما يكره الله، وهو صحيح بلا شك، لكِـن لا يعني ذلكَ نفي دورُ النبي (ص) في الاستغفار لنا، حيثُ قالَ عز من قائل: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما)، فاستغفار الرّسول (ص) لهُ مدخليّة في الأمر، بل قد اشترط الله استغفاره لكم ليكونَ الله تواباً رحيما، فهُو رحمة للعالمين.
(5) مجرّد نسبةُ الشّيء إلى العبد الصالِح وطلبُه منه لا يعني أن يكونَ هو المستقلّ في الإجابة، فكَما لو سألكَ شخصٌ من هو الذي يتوفى الأنفس؟ فأجبتُ ملكَ الموت بحسب الآية: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم)، فلا أحد يستطيع أن ينكِر عليك، ويقول لكَ أنكَ مشركٌ لقوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها)، فإثباتُ مدخليّة ملكِ الموت لا يعني بالضرورة نفي الفاعِل الأساسي، وكذا الحالُ في الطّلب من العبدِ الصالح، فمجرّد الطلب منهُ لا يعني نفي دور الله عز وجل، وأننا نعبد العبد الصالح، بل نحنُ نطلبُ منه الشفاعة لأنه من خيرة عبيد الله، فنحنُ نقرُّ بعبوديته لله، وهُو سبب دعائنا، فكيفَ وهذا اعتقادُنا نكونُ مشركينَ؟ إنَّ الشّركَ متعلّقٌُ بنيّة نفس الشخص، فحتّى لو طلبُ شخصٌ من الطبيب أن يشفاه على أنَّ الطبيب موجودٌ مستقل في أثره وينفي دور الله، فسيكونُ مشركاً بالله عز وجلّ باعتقاده هذا، فتأملوا هدانا الله وإياكم.
(6) مجرّد كون المشركين والنصارى قد قاموا بفعلٍ من الأفعال ظاهره شبيه بظاهر أعمالِنا لا يعني كونُ نيتنا كنيتهم، فـ(إنما الأعمال بالنيات)، وإلا للزمَ على هذه القاعِدة أن يكونُ طوافنا بالبيت وسعينا بينَ الصفا والمروة منهياً عنهُ لأنَّ المشركين كانوا يقومون بها.
بعدَ كلِّ ذلكَ، اتهامُ المتوسِّل إلى اللهِ بنبي من أنبيائه أو عبدٍ صالحٍ من أوليائهبالشركِ، تحكمٌ وتكلف، بَل أقصى ما يمكِن الحكم به، أنَّ هذا العمَل لغوٌ -بفرضِ أنّ المتوسل به لا يستطيع أن يردّ عليك-، أمّا كونُه شركاً فهُو باطلٌ بالأدلة المذكورة.
.
.
.
bashar_255
08-06-2006, 05:03 PM
رحم الله والديك يالهاشمي و جعل هذه المشاركات في موازين أعمالك :)
Saleen S281
08-06-2006, 08:00 PM
رحم الله والديك يالهاشمي و جعل هذه المشاركات في موازين أعمالك :)
عفواً مولايَ الكريم، فهذا واجبنا وتكليفُنا اتّجاه أولياء الله
موفّقين مولانا
vett2
09-06-2006, 01:08 AM
مشكور اخوي الهاشمي ورحم الله والديك وجعل هدا المشاركات من ميزان حسناتك :-)
Saleen S281
09-06-2006, 03:20 AM
مشكور اخوي الهاشمي ورحم الله والديك وجعل هدا المشاركات من ميزان حسناتك :-)
أخي الكريم! لكُم جزيلُ الشّكر على هذه المتابَعة، رحِمَ الله أمواتَكُم، وأثابكَم بصبركم، وحشركُم في زمرة محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
أبوعبيدة
09-06-2006, 07:21 PM
اخي الكريم ان الشفاعة للناس تكون وهم احياء حيث يستطيعون العمل والنفع
لكن ان تدعوا شخص ميت0 هو ليس بقادر على نفع نفسه قبل ان ينفعك0 وانت لا تدري ايعذب في قبره او ينعم
واستغفار الرسول للمؤمنين يكون في حال حياته لا في موته-صلى الله عليه وسلم-وعلى اصحابه
واليك اخي هذه الصفحة http://alminbar.al-islam.com/Mehwar_akeda.aspx?nid=1308&pno=1
والله اعلم
Saleen S281
09-06-2006, 09:42 PM
عزيزي أبا عبيدة!
أستميحكُم عذراً ولكِـن ما ذكرتموهُ لا ينصبُّ في الرّد على كلامي، وكذا الرّابط فلا ردَّ فيه على ما أوردناه، فتأمّلوا لما ذكَرنا، وإليكُم تبسيط لفكرتِه، فأفرِغ قلبَكَ للرّد عليه أو اتباعه.
ما ذكَرناهُ هو نفيُ شركيّة التوسُّل بالميّت، ولم نتكلَّم عن استطاعتهم وعدم استطاعتهم، حيثُ ذكرنا مفصلا أنَّ مجرّد عدم استطاعة الإجابة لا يعني الشركَ بالطّلب، حتّى لو كنتُم تعتقدون أنَّ الطلب لغوٌ، فشتانَ بينَ اللغو والشّرك، وهُو ما ندينكُم بهِ لحدّ الآن، فهَلا أرجعتُم تلكَ الكور في ملعبنا حتّى نعيدها إليكُم مِن مستوى أرفع، فمعلوم لو انتفت المقدمات انتقت النتيجة، وقد انتفَى الأول فينتفي الآخر.
.
Saleen S281
09-06-2006, 10:38 PM
أذكُرُ بعضَ التَّعليقات البسيطة على كلامكُم، فإياك أعني واسمعي يا جارة، فلا أريدُ جواباً عليه لأنَّه تفصيلٌ على التَّفريع لأبناءِ المذهب، أمّا سماحتكم فعليكُم التكلّف بردِّ الأصلِ لتصلوا إلى الفَرع.
هو ليس بقادر على نفع نفسه قبل ان ينفعك0
أقُولُ -وبالله الاستعانة-: مذهبُنا أنَّهُم يقدرونَ على النَّفع، وأنَّ مقامَهُم قد ثبتَ بلا اهتزازٍ فيهِ في ذلكَ لما وردَنا مِن متواتِر الأحاديث، ومستفيضه عندكُم إن لمْ يصِل حتى المتواتِر، فلا يجرفنّكم السّيلُ يا أبناءَ المذهب بعدَ أن نفعوكُم فعلاً وتيقنتُم به إحساساً.
وانت لا تدري ايعذب في قبره او ينعم
أقُول: لستُ أعجبُ مِن هذا الكلامِ بعدَ أن سمعتُ أعظمَ منهُ مِن أنَّ الرّسولَ (ص) قد ماتَ وولّى، وعصايَ هذه أنفعُ منهُ، لكِـن أقولُ: يبدو أنَّكُم بريئون عنِ الرَّسول (ص) براءة الذئبِ من دم يوسف، فهَل تشكُّ بمقام النّبي (ص) والأئمة (ع)؟ عجَبي على فلتاتِ اللسان!
ولَو قلتَ: لَم أقصِد الرّسول (ص)؟
فأقولُ: لَم تذكروا القرينة لتقييد كلامكُم، وهُو شنيعٌ عندَ أهل اللغة.
فيا أبناءَ مذهبي! نحنُ يقيننا بأنَّهم ينعمّون في الجنّة لأنهم شهداءُ دار الفناء، وشفعاء دارِ البقاء، فلا يغرنّكم بالله الغرور.
واستغفار الرسول للمؤمنين يكون في حال حياته لا في موته-صلى الله عليه وسلم-وعلى اصحابه
أقولُ: لمْ نصِل لبحثِ هَل الآية مقيّدة بكلامِ فلانٍ أم هيَ على إطلاقها في الكِتاب بتأييدِ الآيات الأخرى الواردة؟ فهذا القولُ أشبهُ بتركِ السفينة دونَ حبلٍ يوصله بالساحِل، فلَو أردتُم ذكرَ قولٍ، فاذكروا الدّليل المحكم له، وغيرُ ذلكَ فهوَ بعيد عن النقاش العلميّ، ولا يغرنّكم التفريعات إن لم تختموا الأصول.
والصلاة على النبيّ وآلِه أولى مِن النبي وصحبِه بحديث الصلاة البتراء، فراجعوهُ -يهديكم الله-، وأقلّها التزموا بما التزمَ بهِ أعلامكم بالجمع بينَ الآل والصحب سواءً أطلقَ أو أقيد.
.
محب الشيخ العثيمين
10-06-2006, 05:22 PM
لقد عرض لي سفر مفاجئ منعني من الرد سريعا
وسأحاول متابعة الحوار إن شاء الله تعالى
محب الشيخ العثيمين
10-06-2006, 05:25 PM
وليسمح لي اخي الكريم أبو عبيدة أن أكمل الحوار معه ( إن كان يريد الحق )
محب الشيخ العثيمين
10-06-2006, 05:28 PM
الاستعانة بغير الله عز وجلّ فيما لا يقدِر عليه [ إلا الله ] ، هو شركٌ أكبَر،
وضربت لك أمثلة ... مثل من يطلب الجنة ... أو يطلب العتق من النار
محب الشيخ العثيمين
10-06-2006, 05:30 PM
إعلم أن الدعاء والسؤال هو العبادة كما قال تعالى :
( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) ،
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي : " الدعاء هو العبادة " .
والعبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله سبحانه .
لكن دلّت الأدلة على أنه يجوز أن يُسأل المخلوق في بعض الأمور ولكن بشرطين :
1- أن تكون ممكنة ومقدوراً عليها ، كأن تسأل شخصا إعطاءك مالاً حال احتياجك إليه . أما إن كانت الحاجة غير مقدور عليها فلا يجوز سؤالها مثل أن تسأل رجلا أن تكون من أهل الجنة ، وهذا ليس بمقدوره حتى وإن كان رجلا صالحا تقيا .
2- أن يكون الشخص المسؤول قادرا ، كالحي فلا يجوز دعاء الميت كما قال تعالى : ( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ) .
الشيخ سعد الحميد . (www.islam-qa.com)
Saleen S281
10-06-2006, 06:05 PM
قبلَ كلّ شيء، حمداً للهِ على سلامتكم أخي محب الشيخ العثيمين، وجعله الله عز وجل سفَرَ خيرٍ لكم
بالنّسبة للطلبِ مما لا يقدِر عليه إلا الله، فهذا ما تظنونَه في أنَّ النبي (ص) والأئمة لا يستطيعون إدخالنا الجنّة وعتقنا مِن النار، لكِن الحقَّ أنَّ مقامَ الشفاعة الثابتة لهُم تجعلهم مأذونين في أنْ يدخلوننا الجنّة، فبعبارة أخرى: حينَ نطلبُ مِن الرّسول (ص) أو الإمام علي (ع) أن يدخِلنا الجنة فمِن باب أنهم من الذين يستطيعون أن يشفعوا لنا، هذا المتفّق عليه في باب أنهم يستطيعون الشفاعة، ونحنُ الإماميّة لدينا تفاصيل أخرى ليسَ المقامُ مقامُ طرحِـه من قبيل أحاديث حوض الكوثَر، وعرضُ الأعمال على ميزان الأعمال حيثُ لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، ولا نحتاجُ للتفصيل فيهِ لأنَّ المقامَ ليسَ مقامه.
وبذلكَ يثبتُ أنَّ إدخالَ الجنّة والعتق مِن النّار ليسَ مختصاً فقط بالله عز وجل -نفي الاختصاص هنا لا يعني نفيُ أنَّ الإذن والأساس هو الله عز وجل وأن ذلك خصوصيته الاستقلالية-، وكذا الاستغفار، فالرّسول (ص) وغيرهُ لهم مدخلية في الأمر، ولو كانَ ذلكَ مختصاً بالله عز وجلَّ وأنَّ فاعله مشركٌ لما كانَ يأذنُ به في زمان حياة الرسول (ص).
مِن جهة أخرى: الدّعاء عبادة، ولم نصرفْهُ لغيرِ الله عزّ وجل كما ذكرنا في النقاط السابقة، ومثلنا بمثال ملك الموت، فصرفُ التوجّه إلى أهل البيت (ع) لا يعني عدم التوجّه إلى الله عز وجل، فهُما طوليين لا عرضيين، بمعنى أنّهم الباب الذي نأتي منهُ، فلا أحدَ يقول أنَّ التوجيه إلى الباب يعني عدم التوجّه إلى ما يليه، فصِرفُ التوجّه إلى أهل البيت (ع) وكذا التوجّه إلى الرَّسول (ص) على أقلِّ تقدير في حياتِـه لا يعني صرفُ العبادة لغير الله، ومجرّد الطلب مِن شخصٍ لا يعني بالضرورة أنكَ تعبده، وهو واضح.
بالنّسبة لمانعيّة الموتِ فذلكَ أمرٌ آخَر سنتعرّض لهُ بعدَ أن ننتهي من نفي شركية التوسُّل أساساً، وقد ذكرنا أنَّ العبادة تحتاجُ إلى قصد استقلالية المعبود في الفيضِ والوجود، أمّا الاعتقاد بكونِـه سبباً من الأسباب، فذلكَ ليسَ فقط لا ينافي العبودية، بل هوَ خالصُ العبوديّة لله عز وجل، كما كانَ النّاس يجيئون إلى النبي (ص) ويستغفرونَ ربهم ويطلبون المغفرة من الرّسول (ص)، فمجرّد طلب المغفرة لا يعني استقلالية للمطلوب منه حتى يكونَ هو المعبود، وقد ثبتَ أنه سبب من أسباب المغفرة على الأقل في حياتِـه، وبالتالي فلا سبيلُ للحكمِ بشركيته، بل أقصى ما يمكِن الحكم عليه هُوَ لغوية هذا الفِعل، وعدم جدوائيته -في حال ثبتَ مانعيّة الموت-.
.
Saleen S281
10-06-2006, 06:29 PM
وهنا بعضُ الإضافات لمَن شاءَ التَّدبّر فيها، حيثُ وردَ في مصادِر أهل سنة الجماعة ما يلي عن رسول الله (ص):
(1) "فاطمة بضعة مني، فمَن أغضبها أغضبني" فحينَ نطلبُ من فاطمة أن لا تغضب علينا لأنَّ في غضبها غضب رسول الله (ص) وفي غضب رسول الله (ص) غضب الله عز وجل.
(2) "فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها"، فنطلبُ منها أن لا تتأذّى من بعض تصرفاتنا حتّى لا نؤذي الرسول (ص).
(3) "فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها و يبسطني ما يبسطها و إن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي".
(4) "علي مني وأنا منه"، فكذا رضاهُ رضا الرسول (ص)، وغضبه غضبُ الرسول (ص)، فهُوَ يحبُّ في الله عز وجل ويبغض في الله عز وجل.
(5) "يقضي الله على لسان نبيه (ص) ما شاء"، فهُوَ لا ينطِقُ عن الهوى، فإنّه بمغفرتِه لنا يعني أنَّ الله قد غفَر لنا، وبقبوله لنا فقد قبلنا الله عز وجل.
.
ناصر السلف
10-06-2006, 08:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا , وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وان كان مازحا , وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " سنن ابي داود 4802
أبوعبيدة
10-06-2006, 11:10 PM
السلام عليكم
الحقيقة اظن اني ساسحب نفسي من هذه المجادلة والمراء
والله اعلم
محب الشيخ العثيمين
11-06-2006, 01:41 AM
أخي الكريم أبو عبيدة
لو أنني رأيت أن الأمر وصل إلى المراء المذموم فسأكف من فوري
ولكننا لم نوضح الحق بعد
الجدال هو أنك بعد أن توضح الحق وتقيم الحجة على الطرف الآخر .... تستمر في جداله
محب الشيخ العثيمين
11-06-2006, 01:45 AM
قال الإمام ابن كثير ( رحمه الله تعالى ) في تفسيره لآية الوسيلة :
" يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه ، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات ،
وقد قال بعدها : ( وابتغوا إليه الوسيلة ) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس : أي : القربة ،
وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد ،
وقال قتادة : أي : تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه ،
وقرأ ابن زيد : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) ،
وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه .
والوسائل والوسيلة : هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى .
محب الشيخ العثيمين
11-06-2006, 01:48 AM
السؤال:
أرجو تفسير قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) المائدة/35 ، وذلك ردّاً على الصوفية في التوسل ، حيث إن بعضهم الله فسرها بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء ، أما بالنسبة لحديث آدم لما اقترف الخطيئة فيقولون : إن البيهقي صحح الحديث ، وإن الذهبي أثنى على هذا الكتاب .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
حديث اقتراف آدم للخطيئة وتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آدم عليه السلام .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34715) ونقلنا عن أهل العلم تبيينهم لكذبه ، ومن هؤلاء العلماء الإمام الذهبي رحمه الله .
والبيهقي رحمه الله لم يرو الحديث في سننه ، بل رواه في "دلائل النبوة" (5/489) وضعَّفه ، فقد قال بعد سياقه للحديث : " تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو ضعيف " .
ومما يرجح نكارة المتن وبطلانه : أن الدعاء الذي قبِل الله به توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف : ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف/23 ، فهذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء ، وفيه دعاء الله تعالى وحده ، والتوسل بأسمائه وصفاته ، والتوسل بذكر حالهم ، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه ، كما قال تعالى : ( فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/37 .
ثانياً :
أما تفسير لفظ " الوسيلة " في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/35 : فهي الطريق الموصلة إلى الله تعالى ، ولا طريق موصلة إليه عز وجل إلا الطريق التي يحبها الله ويرضى عنها ، وتكون بطاعته وترك معصيته .
قال ابن كثير رحمه الله :
" يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه ، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات ، وقد قال بعدها : ( وابتغوا إليه الوسيلة ) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس : أي : القربة ، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد ، وقال قتادة : أي : تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه ، وقرأ ابن زيد : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) ، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه .
والوسائل والوسيلة : هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (2/53، 54) .
وقال الشنقيطي رحمه الله :
" اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى ؛ لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى ، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة .
وأصل الوسيلة : الطريق التي تقرب إلى الشيء ، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء ؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً كقوله تعالى : ( وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ) ، وكقوله : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى ) ، وقوله : ( قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ) ، إلى غير ذلك من الآيات .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة . . .
وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى : ( وَٱبْتَغُواْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ ) : واطلبوا حاجتكم من الله ؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها ، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ ) ، وقوله : ( وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ ) ، وفي الحديث : ( إذا سألتَ فاسأل الله ) .
ثم قال الشنقيطي رحمه الله : التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة ، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتفسير ابن عباس داخل في هذا ؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته .
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه : أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين ، وتلاعب بكتاب الله تعالى ، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار ، كما صرح به تعالى في قوله عنهم : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ ) وقوله : ( وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَـوَتِ وَلاَ في ٱلأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رِضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل ، ( لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ ) .
وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى : ( أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) ، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها ، نرجو الله أن يعطيه إياها ؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد ، وهو يرجو أن يكون هو " انتهى باختصار .
"أضواء البيان" (2/86– 88) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
محب الشيخ العثيمين
11-06-2006, 01:51 AM
السؤال:
ما حكم من اعتقد في الولي أو المرشد أنه أعطاه الولد ، أو أنه يزيد في الرزق وينقص ؟.
الجواب:
الحمد لله
من اعتقد أن الولد من عطاء غير الله ، أو أن أحدا سوى الله يزيد في الرزق وينقص منه ، فهو مشرك شركا أشد من شرك العرب وغيرهم في الجاهلية , فإن العرب ونحوهم كانوا في جاهليتهم إذا سئلوا عمن يرزقهم من السماء والأرض ، وعمن يخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي , قالوا : الله , وإنما عبدوا آلهتهم الباطلة لزعمهم أنها تقربهم إلى الله زلفى , قال الله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) يونس/31 ، وقال : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) الزمر/3 وقال : ( أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ) الملك/21
وثبت في السنة أن العطاء والمنع إلى الله وحده , فمن ذلك ما رواه البخاري ( 844) ، ومسلم ( 593) عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير , اللهم لا مانع لما أعطيت , ولا معطي لما منعت , ولا ينفع ذا الجد منك الجد "
لكن قد يعطي الله عبده ذرية ويوسع له في رزقه بدعائه إياه ولجئه إليه وحده كما هو واضح في سورة إبراهيم من دعاء إبراهيم الخليل ربه وإجابة الله دعاءه , وفي سورة مريم والأنبياء وغيرهما من دعاء زكريا ربه وإجابته دعاءه , وكما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله , فليصل رحمه " رواه البخاري( 2067 ) ومسلم ( 2557)
والله أعلم .
وبالله التوفيق .
انظر فتاوى اللجنة الدائمة ( 1 / 65). (www.islam-qa.com
محب الشيخ العثيمين
11-06-2006, 02:02 AM
السؤال:
أسمع كثيراً من الناس يقول : مدد يا رسول الله . مدد يا سيدنا الحسين . مدد يا سيد يا بدوي . . . ولا أعلم معنى هذه الكلمة .
الجواب:
الحمد لله
ينبغي أن يُعلم أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وحده سبحانه ، ويفردوه بالعبادة . قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) الذريات/56 .
وأرسل الله تعالى الرسل ليدعو أقوامهم إلى توحيد الله تعالى ، وينهوهم عن الشرك ، قال الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُون ِ) الأنبياء /25.
والشرك هو صرف العبادة لغير الله تعالى ، والدعاء من جملة العبادات التي يجب إخلاصها لله تعالى ولا يجوز صرفها لغيره ، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدعاء هو العبادة ) رواه الترمذي (2969) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وطلب المدد من غير الله -كما جاء في السؤال- من صور دعاء غير الله ، ولذلك كان من الشرك .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة" (2/193) :
"قول جماعة المنشدين : مدد يا سيدنا الحسين ، مدد يا سيدة زينب ، مدد يا بدوي يا شيخ العرب مدد يا رسول الله ، مدد يا أولياء الله .. إلى أمثال ذلك شرك أكبر يخرج قائله من ملة الإسلام والعياذ بالله ؛ لأنه نداء للأموات ليعطوهم خيراً ، وليغيثوهم ويدفعوا أو يكشفوا عنهم ، وذلك أن المراد بالمدد هنا العطاء والغوث والنصرة ، فكان معنى قول القائل : ( مدد يا سيد يا بدوي ، مدد يا سيدة زينب ..الخ ) امددنا بعطائك وخيرك واكشف عنا الشدة وادفع عنا البلاء ، وهذا شرك أكبر ، قال الله تعالى بعد أن بيّن لعباده تدبيره للكون وتسخيره إياه : ( ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) فاطر/13–14 . فسمى دعاءهم شركاً .
وقال سبحانه : ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) الأحقاف /6 . فأخبر سبحانه بأن المدعوين سواه من الأنبياء والصالحين غافلون عن دعاء من دعاهم ولا يستجيبون دعاءهم أبداً وأنهم سيكونون أعداء لهم ويكفرون بعبادتهم إياهم وقال : ( أيشركون مالا يخلق شيئاً وهم يخلقون . ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون . وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون . إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ) الأعراف /191-194 . وقال : ( ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) المؤمنون /117 . فأخبر سبحانه بأن من دعا غير الله من الأموات ونحوهم لا فلاح له لكفره بسبب دعائه غير الله" اهـ .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
محب الشيخ العثيمين
11-06-2006, 02:05 AM
السؤال:
السؤال : أريد أن أسأل عن التوسل فإنني أعرف أن من يطلب التوسل من القبور أو يسأل الميت دعاء لغير الله وغير صحيح. لكن أحدهم يقول: ما الخطأ في أن أطلب الدعاء من رجل صالح وهو حي؟ وما الخطأ في أن أطلب الدعاء منه وهو ميت؟ فكيف أرد على هذا الأخ؟ وما هو التوسل المباح؟ وما هو التوسل غير المباح؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
التوسل لغة : هو التقرب ، ومنه قوله تعالى : ( يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) أي : ما يقربهم إليه ، وينقسم إلى قسمين توسل مشروع وتوسل ممنوع :
فالتوسل المشروع :
هو التقرب إلى الله تعالى بما يحبه ويرضاه من العبادات الواجبة أو المستحبة سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً أو اعتقادات وهذا أنواع :
الأول : التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته ، قال تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) فيقدّم العبد بين يدي دعاء الله تعالى الاسم المناسب لمطلوبه كتقدم اسم الرحمن حال طلب الرحمة ، والغفور حال طلب المغفرة ، ونحو ذلك .
الثاني : التوسل إلى الله تعالى بالإيمان والتوحيد ، قال تعالى : ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) .
الثالث : التوسل بالأعمال الصالحة بأن يسأل العبد ربه بأزكى أعماله عنده وأرجاها لديه كالصلاة والصيام وقراءة القرآن ، والعفّة عن المحرّم ونحو ذلك ، ومن ذلك الحديث المتفق عليه في الصحيحين في قصة الثلاثة نفر الذين دخلوا الغار ، وانطبقت عليهم الصخرة ، فسألوا الله بأرجى أعمالهم ، ومن ذلك أن يتوسّل العبد بفقره إلى الله كما قال الله تعالى عن نبيه أيوب عليه السلام : ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) أو بظلم العبد نفسه ، وحاجته إلى الله كما قال تعالى عن نبيه يونس عليه السلام : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) .
وهذا التوسل المشروع يختلف حكمه من نوع إلى آخر ، فمنه ما هو واجب كالتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد ، ومنه ما هو مستحب كالتوسل بسائر الأعمال الصالحة .
أما التوسل البدعي الممنوع :
فهو التقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه ولا يرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات ، ومن ذلك : التوسل إلى الله بدعاء الموتى أو الغائبين والاستغاثة بهم ونحو ذلك ، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة مناف للتوحيد ، فدعاء الله تعالى سواء كان دعاء مسألة كطلب النفع أو دفع الضر ، أو دعاء عبادة كالذل والانكسار بين يديه سبحانه لا يجوز أن يُتوجه به لغير الله ، وصرفه لغيره شرك في الدعاء ، قال تعالى : ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) ، فبيّن الله تعالى في هذه الآية جزاء من يستكبر عن دعاء الله إما بأن يدعوا غيره أو بأن يترك دعائه جملة وتفصيلاً ، كبْراً وعُجْباً وإن لم يدع غيره ، وقال تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ( فأمر الله العباد بدعائه دون غيره ، والله يقول عن أهل النار : ( تالله إن كنا في ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ) فكل ما اقتضى تسوية غير الله بالله في العبادة والطاعة فهو شرك به سبحانه ، وقال تعالى : ( ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) . وقال سبحانه : ( ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) فجعل الله تعالى من دعا غيره معه متخذاً إلها من دونه ، وقال سبحانه : ( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرن بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) فبين الله تعالى في هذه الآية أنه هو المستحق للدعاء لأنه المالك المتصرف لا غيره ، وأن تلك المعبودات لا تسمع الدعاء ، فضلاً عن إجابتها للداعي ، ولو قُدِّر أنها سمعت لما استجابت ، لأنها لا تملك نفعا ولا ضرا ، ولا تقدر على شيء من ذلك .
وإنما كفر مشركوا العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم لدعوتهم بسبب هذا الشرك في الدعاء إذ كانوا يدعون الله تعالى مخلصين له الدين في حال الشدة ، ثم يكفرون به في الرخاء والنعمة بدعوة غيره معه سبحانه قال تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) وقال : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ) ، وقال جل وعلا : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموت من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين ) .
وشرك بعض الناس اليوم قد زاد على شرك السابقين ، وذلك لأنهم يصرفون أنواعاً من العبادة لغير الله كالدعاء والاستغاثة حتى في وقت الشدة ولا حول ولا قوة إلا بالله ، نسأل الله السلامة والعافية .
والخلاصة في الردّ على ما ذكره صاحبك : أنّ سؤال الميت شرك ، وسؤال الحيّ ما لايقدر عليه إلا الله شرك أيضا والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
محب الشيخ العثيمين
11-06-2006, 02:10 AM
السؤال:
البعض يعتقد بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم شهيد وأنه في حياة البرزخ حيث يستطيع أن يسمعنا إذا سألناه وطلبنا شفاعته (بسبب فضله وقربه من الله ) حين ندعوا الله .
الجواب:
الحمد لله
النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية يحصل له بها التنعم بما أعده الله له من النعيم جزاء له على أعماله العظيمة الطيبة التي قام بها في دنياه ، وليست الحياة في القبر كالحياة في الدنيا ولا الحياة في الآخرة ، بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة وبذلك يعلم أنه قد مات كما مات غيره ممن سبقه من الأنبياء وغيرهم قال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ) الأنبياء/34 ، وقال سبحانه : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ .وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ) الرحمن/26،27 وقال : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) الزمر/30 ، إلى أمثال ذلك من الآيات الدالة على أن الله توفاه إليه، ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه ولو كان حيا حياته الدنيوية ما فعلوا به ما يفعل بغيره من الأموات .
ولأن فاطمة رضي الله عنها قد طلبت من أبي بكر رضي الله عنه إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم لاعتقادها بموته ، ولم يخالفها في ذلك الاعتقاد أحد من الصحابة بل أجابها أبو بكر رضي الله عنه بأن الأنبياء لا يورثون . ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمعوا لاختيار خليفة للمسلمين يخلفه وتم ذلك بعقد الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه ، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما فعلوا ذلك فهو إجماع منهم على موته .ولأن الفتن والمشكلات لما كثرت في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما ، وقبل ذلك وبعده لم يذهبوا إلى قبره لاستشارته أو سؤاله في المخرج من تلك الفتن والمشكلات وطريقة حلها ولو كان حيا كحياته في دنياه لما أهملوا ذلك وهم في ضرورة إلى من ينقذهم مما أحاط بهم من البلاء . أما روحه صلى الله عليه وسلم فهي في أعلى عليين لكونه أفضل الخلق ، وأعطاه الله الوسيلة وهي أعلى منزلة في الجنة عليه الصلاة والسلام .
وحياة البرزخ حياة خاصة فالأنبياء أحياء والشهداء أحياء في البرزخ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون ) أخرجه المنذري والبيهقي ، وصححه وله شواهد في الصحيحين .
وقال تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) البقرة/154 ، فهذه حياة خاصة لها طبيعة خاصة يعلمها الله وليست كحياة الدنيا التي تفارق فيها الروح الجسد .
والأصل في الأموات أنهم لا يسمعون كلام الأحياء من بني آدم ، لقوله تعالى : ( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) فاطر/22 ، فأكد الله عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى . ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر ، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط لما رواه أبو داود (2041) بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " وهذا ليس بصريح أنه يسمع سلام المسلِّم ، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلّغته الملائكة ذلك . ولو فرضنا سماعه سلام المسلِّم ، فهو استثناء من الأصل كما استثني من ذلك سماع الميت لقرع نعال مشيعي جنازته ، واستثني من ذلك سماع قتلى الكفار الذين قبروا في قليب بدر لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم حين قال لهم : " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا " انظر فتاوى اللجنة الدائمة ( 1 / 313 ،318 ، 321 )
وأما بالنسبة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والطلب منه مباشرة فهذا عين الشرك الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لينهى عنه ، ويحارب أهله ، ولمعرفة حكم ذلك بالتفصيل يراجع السؤال رقم (10289) و (11402) و (1439) .
نسأل الله أن يرد المسلمين لدينهم ردا جميلا . والله أعلم ، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
محب الشيخ العثيمين
11-06-2006, 02:12 AM
والله الذي لا إله غيره
لو أنك تجردت للحق بإخلاص ,
وأنت تقرأ مشاركاتي وردودي عليك
فسيهديك الله تبارك وتعالى
ــ إن شاء الله ــ
----------
الحمد لله على نعمة الهداية
محب الشيخ العثيمين
11-06-2006, 02:38 AM
(1) بالنّسبة للاستدلال بقوله تعالى: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا)، فهُو مردود في حقّنا، حيثُ هُم كانوا يعتقدون بربوبيتهم، وكانوا يعبدونهم، وشتّان بينَ الطّلب منهم بالمغفرة والإشفاء وما شاكَل، وبين الاعتقاد بعبادتنا لهم، فمِن شروط كونِ العمل عبادة أن يكونُ باعتقاد أنَّ الطرف المقابِل ربّ مستقلٌ في ربوبيّته، وهُو المفيضُ على الخلق باستقلالية، وهذا ما لا تقول به الشيعة الإمامية، بَل نعتقِد بأنّ من يعبد الأئمة بأنهم مشركون لأنهم عبدوا غير الله.
.
.
.
من أين جئت بهذه الشروط التي تزعم أنها شروط كون العمل عبادة ؟؟
ألا تعلم أن مشركي قريش كانوا يؤمنون أن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر لهذا الكون ؟؟
ومع ذلك حكم القرآن بكفرهم ... لأنهم عبدوا مع الله آلهة أخرى
فرق بين الرب والإله
هل تريد مني أن أوضح لك الفرق ؟؟
(2) بالنّسبة لمسألة أنّ الشفاعة كلها لله، فهذا مما لا خلاف عليه، لكِـن ذلكَ لا يعني نفي دور من أذن الله له بالشفاعة، كالرّسول (ص) الذي كانَ يأتي إليه النّاس ليستغفروا ربّهم به، ويشفعونه في أنفسهم، وإلا لو لَم يكن للمأذونين بالشفاعة أي مدخلية فما الهدف من كونهم شفعاء؟! وكذا الآيات الباقية مثل: (ما لكُم من دونه من ولي ولا شفيع)، وشفعاؤنا ليسوا (من دونه) بل بإذنه.
.
كلامك هذا فيه مغالطات عديدة
لأن الناس لم يكونوا يأتون للنبي ليستغفروا ربهم به , ولكن كانوا يأتونه ـ في حياته ــ ليسألوه أن يستغفر لهم الله تعالى
ومع ذلك
ومع استغفاره لبعضهم
فإن الله تعالى قال في شأن بعضهم ـ وهم المنافقون ـ :
" سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "
أي أن استغفار النبي لبعض الناس لن ينفعهم
وشفاعة النبي مشروطة بالرضى عن المشفوع فيه ... وليست مطلقة
فتأمل ذلك يا هداك الله
Saleen S281
11-06-2006, 08:14 AM
أخي الكريم أبا عبيدة!
أعتذِر إن سبَّبَ وجودي لكُم إزعاجاً، ولو كُنتُم ترونَ أنّ الحقَّ عندكم عدم المواصلة، فاعملوا بِـه قربةً إلى الله تعالى، وفي أمانِ الله.
أخي الكريم محب الشيخ العثيمين!
أشكُرُ لكُم مواصلتكُم وحسن نيتكم، ورزقكم الله عز وجلَّ بذلكَ خيرَ ثوابِ الدّنيا وخيرَ ثوابِ الآخرة بحقّ محمد والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين.
نعودُ إلى الأصلِ حتّى لا نطيلُ في الجزئيات:
عزيزي محب الشيخ العثيمين!
إنَّ تلكَ الأجوبة التي نقلتَها جميعاً لم تختلِف مضموناً عن الأجوبة السابقة، وهُو واضحٌ لأدنى متأمِّل فضلاً عن أستاذٍ مثلكم، وجميعها تردُ عليها الإيرادات التي ذكرناها سابقاً بلا حصرٍ، إلا ما كانَ في مسألة الموت ومانعيته الذي لَم نصِل إليهِ لحدّ الآن لنتناقَش في جزئياتِـه.
وإِلَيكُم تفصيلُ ما خَفِيَ عنكُم والذي هُوَ الأصلُ في منشأ الخلاف بيننا في النُّقطة الأولى، أعني بذلكَ (العبادة) أو بالدّقة العلمية (التوحيد في العبادة)، فتأمَّلوا في السطور التَّاليَة بشيءٍ مِن الدِّقة والتجرّد للمنطقِ السليم المتوقِّف على البرهان، وقبلَ الخوضِ في المطلَب ألفِتُ نظرَ جنابكم الكريم والأخوة القرَّاء الأعزّاء إن شاؤوا مزيداً مِن التَّفاصيلَ أن يراجعوا كتبَ العقائد للمذهب الاثنى عشري حَتَّى يروا الدقَّة العلمية في هذا المبحث اللطيف، والله ولي التوفيق.
ومِن بابِ الاختِصار على القَدْرِ المطلوب لعوامِّ النَّاس، حيثُ أننا مطالبون بالبحث على قدرِ عقولِ بني البشَر، أشرعُ في البحثِ بصورة مبسطة، وسأذكُر في الختامِ مرجعاً مِن المراجع التي أظنُّها كافية للمتتبِع حتى يراجِـع فيه التفاصيل الواردة، وهذا الاختصار:
حقيقةُ العِبادة!
"الخضوعُ والتَّذلُّل؛ لفظاً أو عملاً معَ الاعتقادِ بألوهيّةِ المَخضوعِ له"، ومعناهُ: إنَّه لو لَم يكُن الخضوعُ والتذلل معَ الاعتقادِ بألوهية المخضوع والمتذلل له، فلا يعدُّ شركاً، وإن عُدَّ حراماً بعضُه لحكمٍ ثانويٍ.
مِن الدَّلائِل لهذا المفهوم تلكَ الآيات التي تحصُر العبادة بالله عزَّ وجلَّ، وتتبعُه بسبب أنَّه (لا إله إلا هو)، كَقولهِ تعالى حاكياً عن لسانِ كثيرٍ من الأنبياء: (قالَ يا قومِ اعبدوا اللهَ ما لَكُم من إلهٍ غيره)، ويمكنكم مراجعةُ سورة هود الآيات 50 ، 61 ، 84 وغيرُ ذلكَ الكثير الكثير.
ما هيَ الأُلوهيّة؟
الأُلوهيّة هُو ما يُعدُّ مِن شؤونِ الإله، كما الخالقيّة التي تعني ما يُعدُّ مِن شؤون الخالق، وشؤونُ الإلهِ هيَ الاستقلال في الذَّاتِ والصفات والأفعال أو الآثار، كَما مرَّ تفصيله في كتب العقائد.
والتَّوحيدُ في الألوهية تعني: الاعتقادُ بأنَّ الله عز وجلَّ وحدهُ هُو المستقلُّ ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً، ومَن لَم يعتقِد بذلكَ، أو صَرفَ ذلكَ لغيرِ الله عزَّ وجلَّ فَهُوَ مشركٌ بلا كلام.
أشْرَكوا لأنَّهُم اعتقَدوا بألوهيّة غيرِه!
إنَّ الوثنيينَ قَد أَشْرَكوا حيثُ أنَّهم عبَدوا غيرَ الله بالمعنى المذكور، أعني: الاعتقادُ بأُلوهيةِ ما عبَدوا، ويدُلُّ عليهِ مِن الآياتِ ما ورَدَ في نفسِ سورة هود، نحو قوله تعالى: (قالوا يا هودُ ما جِئْتَنا ببيّنةٍ وَما نحنُ بتارِكي ءالِهتِنا عَن قولكَ وما نحنُ بمؤمنين، إن نَقولُ إلا اعتراكَ بعضُ آلِهتِنا بسوءٍ)، وكذا آياتٌ أخرى مِن قبيلِ قولِه تعالى: (ذلكَ بأنَّهُ إذا دُعيَ اللهُ وحْدَهُ كَفَرتُم، وإِنْ يُشْرَك بِهِ تؤْمِنوا، فَالحُكمُ للهِ العَلِيِّ الكبير).
أينَ الثَّرى مِنَ الثُّرَيّا؟!
بعدَ هذا كلُّهُ لا يُمكِنُكُم وصفُنا بسَبَبِ طلبٍ مِن الرَّسولِ (ص) وأهلِ بيتِه (ع) بالشِّركِ، والحالُ أنَّنا -كَما ذَكَرنا موجَزاً- لا نَعتَقِدُ بكونِهِم -أي أهل البيت (ع)- آلِهةً، بمَعنى أنَّهُم مسْتَقِلّونَ ذاتاً أو صفاتاً أو أفعالاً، حيثُ أنَّ عَقيدَتَنا واضِحةٌ وضوحَ الشَّمسِ أنَّنا نطلبُ مِنهُم ذلكَ باعتقادِ أنَّهم مأذونونَ في ذلكَ كلِّه لا على سبيلِ التَّفويضِ، بَل على سبيلِ الإذنِ المَتبوع، ولا على سبيلِ الاستقلاليّةِ، بَل على كونِ أنَّهم خِيَرةُ عبيدِ الله عزَّ وجلَّ، وأَنَّهُم سببُ وصلٍ وبابُ إتيانٍ كَما نقرأُ في دعاءِ النّدبة: (أينَ السَّببُ المتَّصِلُ بينَ الأرضِ والسَّماء.. أينَ بابُ اللهِ الذي مِنهُ يؤتى...)، وكَذا نقرأُ في دعاءِ التَّوسَّل: (يا أبا عبدِ اللهِ يا حسينَ بن عليّ أيها الشَّهيدُ يا ابنَ رسولِ اللهِ -دَققوا في هذه العبارات القادمة- يا حُجَّةَ اللهِ على خَلقِه، يا سَيِّدَنا ومَولانا إِنَّا توَجَّهْنا واستشفَعْنا وتوسَّلْنا بكَ إلى الله وقَدَّمْناكَ بينَ يَدَيْ حاجاتِنا -والسَّبب في ذلكَ- يا وجيهاً عندَ اللهِ اشْفَعْ لَنا عندَ الله)، فلا تَاْخُذُكُم العواطِف الواهِية لئلا تتأمَّلوا في عقيدتِنا وهذهِ هيَ الأدعية الصَّريحةُ التي يعلمُها أدْنى متَّبعٍ لمَذهبِ أهل البيت (ع)، أينَ الشِّركُ بعدَ أنَّنا نعتقِدُ بأنَّهم (حجَّة اللهِ على خَلقِه)؟ أينَ الشِّركُ بعدَ أنْ علمتُم أننا نعتبِرهم (وجيهاً عندَ الله)؟ أينَ الشِّركُ بعدَ أنَّنا نعتقِدُ أنَّهُم أسبابٌ تابعةٌ لإذنِ اللهِ عز وجلّ؟ أينَ الشِّركُ في تقديمِ السَّببِ التّابِع للهِ عز وجل على الأثَر؟ أينَ الثَّرى مِن الثُّرَيّا بعدَ ذلكَ كلِّه؟
الرُّبوبِيّةُ مِحورُ الخِلاف فِي الآيات!
ثُمَّ اعْلَم بعدَ ذلكَ كُلِّهِ أنَّ ما وضَّحَهُ التّاريخُ عنِ الوَثَنيّينَ -بتأييدِ القرآنِ الكريم- أنَّ اختلافَهُم لَم يكُن في الخالِقِيَّةِ، مِنها: (وَلئِن سألتَهُم مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأَرضَ لَيَقولُنَّ اللهَ)، وكذلكَ: (ولَئِن سأَلْتَهم مَنْ خَلَقَهُم ليَقُولُنَّ اللهَ فأنَّى يُؤْفَكون)، بَل كَما يظهَرُ أنَّ اختلافَهُم كانَ في الرُّبوبيّةِ، بمَعنى أنَّهُم كانوا يعتقدونَ باستقلاليّةِ الذينَ يدْعونَهم في التَّدبيرِ.
يُشيرُ إلى ذلكَ بعضُ الآياتِ القرآنيّة التي فَسَّرت الغَرَض مِن عبادةِ الوَثَنِيّينَ ببعضِ الأمور التَّدبيرية كالنَّصرِ والعِزَّة، كما في قولِه تعالى: (واتَّخَذوا مِن دونِ اللهِ آلهةً لَعَلَّهُم يُنْصَرون)، وأيضاً قولُه تعالى: (واتَّخَذوا مِن دونِ اللهِ آلهةً ليكونوا لَهُم عِزّا)، وكذا أصرحُ مِن ذلكَ قولُه تعالى: (اتَّخذوا أحبارَهُم ورُهبانَهُم أرْباباً مِن دونِ اللهِ)، فكانُوا يؤمِنونَ باستقلالِيَّةِ هذه الأصنامِ، كَما هُوَ واضحٌ مِن قولِه تعالى: (مِن دونِ الله).
عِلَّةُ إرجاعِ الأمرِ للهِ عَزَّ وجَلَّ!
لذلكَ نَرى أنَّ اللهَ في كثيرٍ مِن الآياتِ يُبَيِّن عَدَم استقلاليَّة شيءٍ في التَّدبيرِ أبداً لَهُم، مِنهُ قولُه تعالى: (أمِ اتَّخَذوا مِن دونِ اللهِ شُفَعاءَ)، فيُبَيِّن أنَّهُم كانوا يَعتقِدونَ أنَّ شُفعائَهُم قَد فوَّضَ اللهُ لهُم الأمرَ، وهُم مستقِلّونَ (مِن دونِ اللهِ) في الشَّفاعَة، فيَردُّ اللهُ على زَعمِهِم: (قُل للهِ الشَّفاعَةُ جَميعا)، وكذا يُذَكِّرُهم اللهُ في بعضِ الآياتِ التي تلي هذه الآية، نحوُ: (أوَلَم يَعْلَموا أنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِر)، (وما قَدروا اللهَ حقَّ قَدْرِهِ والأرضُ جميعاً قَبضَتُهُ يومَ القِيامةِ والسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينِه سُبحانهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكونَ)، فَيُشيرُ أنَّ السماواتِ والأرض كُلُّها راجعةٌ إليهِ بالنِّهايةِ، وهُم قَد أشركوا في ذلكَ، فـ (سُبحانَه وتعالى عَمّا يُشْرِكون).
الرُّبُوبِيَّةُ سَبَبٌ مِن الأسْباب!
قالَ تعالى: (وقالَ المسيحُ يا بَني إسرائيلَ اعبُدُوا اللهَ رَبّي وَرَبَّكُم)، فحَصَرَ العِبادةَ للهِ بأنَّه ربٌّ، وكذا قولُهُ عزَّ مِن قائل: (إنَّ هذهِ أمّتكم أُمَّةً واحِدةً وَأنا رَبُّكُم فَاعْبُدون).
لِمَ اختَرتُ الرُّبوبِيّة؟
حيثُ أنَّ أغلبَ الشّيعةِ الإمامِيّة؛ بل كلُّهُم يتوسَّلونَ بالأئِمَّة في شؤونِ التَّدبيرِ كالرِّزقِ وإِدخالِ الجَنَّةِ والشَّفاعةِ والاستغفارِ إلى ما شاءَ الله، خَصَّصتُ الكلامَ في الرُّبوبِيّة، لأُنَّهُ المِصداقُ الأبْرَز إن لَم يكُن الوحيد.
خِتامُ المَقال!
لا يُطلَقُ على الفِعْلِ إِنْ لَم يكُن بقصْدِ استقلاليةِ المعبودِ عبادةً، حيثُ مِن شروطِ كونِ العمَلِ عِبادةً الاعتقادُ بألوهيَّةِ المَعبودِ، وعِنْدَما كانَ المِصداقُ الأبْرزُ للمشَّكّكِ عَدمُ التّوحيدِ فِي الرُّبوبِيَّةِ خَصَّصتُ الكلامَ بِهِ مَنعاً للتَّشَعُّب، فَذَكرتُ أنَّنا لا نعتقِد بتدبيرهِم المستقِلّ، بَل اعتقادُنا بأنَّهُم مأذونونَ في ذلكَ، وأنَّهُم تبعٌ لهُ عزَّ وجلَّ، وأنَّ الشَّفاعة لله جميعاً، وطَلَبُنا الشَّفاعةَ مِنهُم ليسَتْ مِن قبيلِ الآيات التي تردُّ على الوَثَنيينَ لاختِلافِ النِيَّة، فَهُم كانوا يعتقِدونَ باستقلاليّةِ مَن يدْعونَ، واعتقادُنا أنَّهُم مِن المَشْمولينَ بآيةِ (إلا مِنْ أذِنَ لهُ الرَّحمنُ ورَضِيَ لهُ قولا)، واعتقادُنا بأنَّهُم أسبابٌ للرَّحمةِ الإلهيّةِ كَما ذكَرنا في أحاديثِ الرَّسولِ (ص) عن فضلِ فاطمة الزهراءِ (ع) وأميرِ المؤمنين (ع).
هذِهِ حقيقةُ العِبادةِ المُستقاةِ مِن الكتابِ الكريمِ بفَضْلٍ مِن الله ورَسولِه والأئمة الميامينَ مِن ولدِه، فلا تكُ في مِريةٍ مما يعبدُ هؤلاء ما يَعبدونَ إلا كما يعبدُ آباؤهُم مِن قبل، وبراءتنا مِنهُم براءةُ الذئبِ مِن دمِ يوسف، ومَن أرادَ التَّفصيلِ فليراجِع كتاب (الإلهيات) لسماحةِ العلامة المحقق الشيخ جعفر السبحاني -دامَ ظِلُّه-، الجزءُ الثَّاني مَبحثُ التَّوحيد في العبادة، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
أبوعبيدة
11-06-2006, 06:36 PM
جزاك الله خيرا اخي الكريم (محب الشيخ العثيمين)على صبرك ونضالك لاعلاء كلمة الحق التي نراها ظاهرة ولكن للاسف قد طمس على اعين بعض الناس هداهم الله البصر وكذلك البصيرة فهم لا يفقهون
النعمان
13-06-2006, 12:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :
في البداية اعتذر للأحبة اشد الاعتذار عن غيابي وتقصيري في هذا المنتدى واعتذر أيضاً للأخوة الذين طلبوا مني المشاركة ولم يتيسر لي الرد إلا الآن ..
وأشكر الأخوين محب الشيخ العثيمين وابو عبيدة على ردودهم الموفقة فبارك الله فيهما ..
قبل البداية بالرد على كلام الهاشمي – هداه الله - ..لي ملاحظات على طريقته في النقاش :
1- ان العبرة ليست بتكبير الخط وتلوين الكلمات والتفنن في التنسيق .. بل العبرة بالأدلة والحجج ..
2- ان الهاشمي نادراً بل لا يستدل بمصادر بل ينقل الأحاديث من غير توثيق لمصادرها حتى يسهل النقاش .. ومن المفترض في المحاور ان يستدل على أقواله بمصادر حتى يكون الحوا والنقاش أكثر جدية واقوي علمياً ..
3- لاحظت ان الهاشمي
أقول وبالله التوفيق :
قال الهاشمي :
((أجمعت جميعُ الفِرق الإسلامية على أنّ التوسل بالحي الحاضِر جائزٌ))
أقول :
ياهاشمي انت قلت في بداية الحوار : ((فنبدأ على بركة الله الخوض في مسألة التوسّل بطريقة علميّة )),,
فهل الطريقة العلمية ان تنقل الإجماع بدون ذكر مصدر ؟!
ربما يتهمك البعض بالكذب او التدليس او عدم الأمانة العلمية ..!!
فلذلك ضع أسماء لعلاء نقلوا الإجماع فهناك كتب تفيد في هذا الموضوع وهو الاجماع فلترجع لها ولتنقل من شاهدك ..
نرجو الموضوعية والدقة العلمية والرجوع للكتب المعتمدة في هذا الباب بدلاً من نقل الإجماع بدون مصدر ولا نقل معتمد ..
فعلى زعمك يكون التوسل بالحي الحاضر جائز ..!!
فلنفرض ان الأرض أجدبت وأصاب الناس مجاعة فهل نتوسل بالهاشمي مثلاً فهو حي حاضر حي غير ميت وهو لا يقدر على هذا العمل ..بل الذي يستطيع إزالة هذه الكربة هو الله تعالى ..
وهل نذهب لرجل مثلاَ اسمه عمرو وهو حي حاضر ونقول له : يا عمرو أدخلنا الجنة ؟!
فهذا من انتقاص الله تعالى لان الذي يملك الجنة والنار وبيده الأمر هو سبحانه ..
ولنقرب المثال حتى يسهل على الزميل الهاشمي خصوصاً مازال طالباً وفي سن طلابي :
لو ذهبت يا هاشمي إلى حارس المدرسة وهو حي حاضر وطلبت منه ان يزيدك في مادة اللغة الانجليزية خمس درجات فهل طلبك منه يعقل ؟!
ام تذهب للمختص وهو معلم اللغة الانجليزية ؟!
مثال آخر لان بالتكرار يتعلم الشطار
لو ذهبت إلى أمير لطلب مساعدة او خدمة او لأمر صعب تطلب منه العون وعندما قابلت الأمير لتكلمه عن الموضوع .. صرفت وجهك عنه وكلمت سائقه وطلبت من السائق ان يساعدك والأمير ينظر ..!!
فهل السائق يفجر على تذليل المعاملات الصعبة ؟!
ام تسأل من له صلاحية وقدرة على هذا الأمر وهو الأمير .!
الا تتفق معي يا هاشمي ان طلب السؤال من السائق أمام الأمير يعتبر سوء أدب وفعل غير مقبول ؟!
اترك الجواب لك ..
عموماً ..
مازلت مصراً على ان يتكرم الهاشمي بنقل إجماع الفرق الإسلامية من مذهب أهل السنة والجماعة والرافضة حتى الأشاعرة والزيدية والنصيرية و الصوفية وغيرهم ..
الإدعاء سهل ولكن الإثبات هو المحك ..
قت ياهاشمي : ((لذا نرى توسّل بعض الصحابة بالنبيّ (ص) في حياتِه، وكذا توسّلهم بعم النبي (ص) أيضاً ))
اقول :
مازلت تكرر نفس الأمر .. أين النقل الكامل والمصدر ؟!
من هم الصحابة الذين توسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وما نوع توسلهم وماذا طلبوا منه وهل اجاب النبي صلى الله عليه وسلم توسلهم ام انكر عليهم ؟
وتوسل الصحابة رضي الله عنهم بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم .. لماذا لم تذكر المصدر ؟!
الأدلة بالعموم بدون نقل كامل وبأمانة علمية لا يعتبر نقاش علمي ياهاشمي ..
ان كنت لا تعرف المصادر والمراجع فعلى ماذا تحاور ؟!
1- إذا قصدك من توسل الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم التوسل بالإيمان به وطاعته فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(( وهذا التوسل بالإيمان به وطاعته وفرض على كل أحد في كل حال باطناً وظاهراً في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد موته في مشهده ومغيبه , لايسقط التوسل بالإيمان به وطاعته عن أحد من الخلق في حال من الأحوال بعد قيام الحجة عليه ولابعذر من الأعذار ولاطريق إلى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه إلا التوسل بالإيمان به وطاعته))
- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص 3-4 تحقيق : الدكتور ربيع المدخلي –
2- وان كان التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لبعض الكفار بإن يهديه الله أو يرزقه فيهديه أو يرزقه كما دعا لأم ابي هريرة حتى هداها الله تعالى كما جاء ذلك في صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضل ابي هريرة حديث رقم ( 158 ) .
وكما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة دوس فقال : (( اللهم اهد دوساً وائت بهم )) فهداهم الله كما جاء في صحيح البخاري في كتاب المغازي باب قصة دوس والطفيل بن عمرو حديث ( 4392 ) وايضاً في كتاب الدعوات من صحيح البخاري باب الدعاء للمشركين حديث رقم ( 6397 ) وكذلك جاء في صحيح مسلم ( 4 / 1957 ) ومسند الإمام احمد ( 2 / 243, 448 ) .
- راجع : قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص 5-6 تحقيق : الدكتور ربيع المدخلي –
فنريد من ياهاشمي ان تذكر بماذا توسل الصحابة رضوان الله عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟!
اما كلامك عن تناقض الآيات مع الأحاديث النبوية وأفعال الصحابة رضوان الله عليهم ..
فهو ليس تناقض وقصور في فهمك لهذة المسألة ..
فحتى نعرف هل هذا تناقض ام لا هات أدلة السابقة وهي كيف كان الصحابة يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم ..
ونلاحظ انك كررت ادعاء الاجماع على ان الحي الحاضر يجوز التوسل به ..
فمازال التحدي لك ان تذكر نقلاً معتبراً في اثبات الاجماع ..
اما توسل الصحابة رضوان الله عليهم للعباس رضي الله عنه فهذا ثابت في صحيح البخاري بلا شك ..
ومعنى قول عمر رضي الله عنه : إنا كنا نتوسل إليك بنبينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، أننا كنا نقصد نبينا ونطلب منه أن يدعو لنا، ونتقرب إلى الله بدعائه، والآن وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى، ولم يعد من الممكن أن يدعو لنا، فإننا نتوجه إلى عم نبينا العباس، ونطلب منه أن يدعوَ لنا، وليس معناه أنهم كانوا يقولون في دعائنهم: (اللهم بجاه نبيك اسقنا)، ثم أصبحوا يقولون بعد وفاته : (اللهم بجاه العباس اسقنا)، لأن مثل هذا دعاء مبتدع ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة، ولم يفعله أحد من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم
ونلاحظ كما تقدم انهم لم يذهبوا لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه الدعاء بل ذهبوا وطلبوا من العباس رضي الله عنه ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حديث التوسل بالعباس :
(( يدل على ان التوسل المشروع هو التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته ))
- راجع : قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص 115 تحقيق : الدكتور ربيع المدخلي –
بل لم يطلبوا من العباس بذاته بل الدعاء والدعاء عبادة مشروعة ويجوز ان تطلب من غيرك الدعاء لك كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة : (( لاتنسانا من الدعاء ياأخي ))
فنلاحظ ان التوسل المشروع بطلب الدعاء فالصحابة رضوان عليهم لم يعتقدوا ان النفع والضر بيده صلى الله وسلم بل يعتقدون ذلك في الله تعالى ولكن يطلبون الدعاء من باب ان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ادعى للاستجابة لمكانته وعلو مقامه عند الله تعالى ..
وهل ترك الصحابة الدعاء لأنفسهم بعدما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء ؟
الجواب : لا .. بل استمروا بالدعاء
وممن قال بان توسل الصحابة بطلب الدعاءالإمام البيهقي رحمه الله في السنن الكبرى ( 3 / 352 ) فبوب له بعنوان : (( باب الاستسقاء بمن ترجى بركة دعائه )) ثم ذكر حديث التوسل بالعباس ..
وكذلك الموفق ابن قدامة المقدسي رحمه الله فقال في المغني ( 2 / 439 ) :
(( ويستحب ان يستسقى بمن ظهر صلاحه لنه أقرب على إجابة الدعاء فإن عمر رضي الله عنه استسقى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ))
فهل اتضح الجواب ..!!
وبالنسبة لتدرج الهاشمي في الكلام حتى يصل لجواز الدعاء والتوسل بالأموات فهي خدعة قديمة للتدرج بالناس من الانتقال للتوحيد الى الشرك والعياذ بالله ..
وزعم الهاشمي المتوسل بالجمادات والشبابيك التى في الأضرحة ان التوسل بالميت يجوز ..
ولكن يكفي ان نرد عليك بآية من كتاب الله تعالى قبل بيان حكم التوسل بالأموات :
قال تعالى : ((إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ))
فهذا حال أهل القبور من الأنبياء والصالحين وباقي البشر ..
اذا دعوتهم لايسمعون الدعاء حتى يستجيبوا لدعائكم وتوسلكم ..
ولو سمعوا لم يستطيعوا الاستجابة لكم لعجزهم في قبورهم ..
ويوم القيامة يتبرؤون من كل من اشرك بهم ..
آية عظيمة ياليت تتدبرها ياهاشمي ..
النعمان
13-06-2006, 12:59 PM
يسعدني في هذا الرد ان اقدم مفاجئة للزميل الهاشمي وهي بعض النصوص من كتب الشيعة ومن أقوال الأئمة في التوسل حتى يعرف اننا ابناء الدليل نميل معه حيث مال :
مما أورده الرافضة عن السجاد الذي تنسب إليه الصحيفة السجادية أنه قال:
(((ولا وسيلة لنا إليك إلا أنت)))
(الصحيفة السجادية ص 411)
وبذلك يصير الإمام زين العابدين السجاد رضي الله عنه من نفاة التوسل
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : (( فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به بخلقه، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله )) ( نهج البلاغة: 2/91_92).
وقال علي رضي الله عنه في وصية للحسن عليه السلام: (( وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك ، فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز، وأخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان )) ( نهج البلاغة: 3/39_40) .
وعن الإمام الباقر أنه قال: (( اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلآ لأنه لم يرد أحدآ ولم يسأل أحدآ غير الله عز وجل )) ( علل الشرائع:34، عيون أخبار الرضا:2/75).
وذكر إبراهيم بن محمد الهمداني قال: (( قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام: لأي علة أغرق الله عز وجل فرعون وقد آمن به وأقر بالتوحيد ؟ قال : أنه آمن عند رؤية اليأس وهو غير
مقبول... إلى أن قال : لعلة أخرى أغرق الله عز وجل فرعون وهي : أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله، فأوحى الله عز وجل إليه : ياموسى، ما أغثت فرعون لأنك لم تخلقه ولو استغاث بي لأغثته )) ( علل الشرائع: 59، عيون أخبار الرضا: 2/76) .
يقول الإمام علي بن أبي طالب يصف لنا آداب التوسل والدعاء :
( إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص إنها الفطرة، وإقامة الصلاة فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان فإنها جنة من العقاب ، وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال ومنساة في الأجل، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان) .
( نهج البلاغة: 163 ووسائل الشيعة 13/288)
ويقول الإمام السجاد الذي سطّر أخلص وأصفى تعابير التوسل والاستغاثة في أدعيته ، يقول في الدعاء الذي رواه عنه أبو حمزة الثمالي:
(.. و الحمد لله الذي أناديه كلما شئت لحاجتي ، وأخلو به حيث شئت لسري بغير شفيعٍ، فيقضي لي حاجتي.. الحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره ، ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي .. )
- الصحيفة السجادية ص214 -
ماتعليقك عن هذه النصوص من الأئمة ؟!
حتى مذهبك يرفض ذلك :)
أبوعبيدة
13-06-2006, 01:39 PM
جزاك الله خير اخي النعمان ووفقك الله لاظهار الحق وازهاق الباطل
Saleen S281
14-06-2006, 03:31 AM
أهلاً وسهلاً بكَ أيها النعمان، حياكَ الله وبياكَ، وإن شاءَ الله نستفيدُ منكُم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :
في البداية اعتذر للأحبة اشد الاعتذار عن غيابي وتقصيري في هذا المنتدى واعتذر أيضاً للأخوة الذين طلبوا مني المشاركة ولم يتيسر لي الرد إلا الآن ..
وأشكر الأخوين محب الشيخ العثيمين وابو عبيدة على ردودهم الموفقة فبارك الله فيهما ..
قبل البداية بالرد على كلام الهاشمي – هداه الله - ..لي ملاحظات على طريقته في النقاش :
1- ان العبرة ليست بتكبير الخط وتلوين الكلمات والتفنن في التنسيق .. بل العبرة بالأدلة والحجج ..
لَم أقُم بتكبير الخطّ مِن أجلِ أن أعلي كلمتي عليكُم –والله على ما أقول شهيد-، بَل عادةً أكتبُ بهذه الطريقة لتكونَ العِبارات أوضَح، ولَو سبَّبَ لكُم الإزعاج، فإن شاءَ الله لن نعيدها مرةً أخرى، وسنبقى على الخطّ المتوسّط.
2- ان الهاشمي نادراً بل لا يستدل بمصادر بل ينقل الأحاديث من غير توثيق لمصادرها حتى يسهل النقاش .. ومن المفترض في المحاور ان يستدل على أقواله بمصادر حتى يكون الحوا والنقاش أكثر جدية واقوي علمياً ..
الزميل الكريم! الحديثُ الوحيدُ الذي ذكرتُـه مِن باب الأساس كانَ حديثُ استسقاء عمر بعمّ النبي (ص) وهُو ما ذكرتُ مَصْدَرَه في إحدى المشاركات في الصَّفحة الأولى، فيمكنكم المراجعة هناك، وبقيّة الأحاديث لَم أذكُر مصادرها لأنها لم تكن من الأساسيات أولاً، وثانياً أغلبها مشهورة لا يحتاجُ إثباتُ صحتها إلى ذكر المصدر، لكِـن معَ ذلكَ كلامكم صحيحٌ في أنَّ البحث العلميّ يتطلبُ ذكر المصادِر ولو كانت من المسلمات، وشخصياً لم أدخُل حوارات ومناظرات مِن قبل، وكلُّ ما كانَ بعضُ الكلمات البسيطة معَ الإخوة في المدرسة، فأستميحكم عذراً إن كنتُ لا ألتزِمُ بأسس المناظرة.
3- لاحظت ان الهاشمي
أقول وبالله التوفيق :
قال الهاشمي :
((أجمعت جميعُ الفِرق الإسلامية على أنّ التوسل بالحي الحاضِر جائزٌ))
أقول :
ياهاشمي انت قلت في بداية الحوار : ((فنبدأ على بركة الله الخوض في مسألة التوسّل بطريقة علميّة )),,
فهل الطريقة العلمية ان تنقل الإجماع بدون ذكر مصدر ؟!
ربما يتهمك البعض بالكذب او التدليس او عدم الأمانة العلمية ..!!
فلذلك ضع أسماء لعلاء نقلوا الإجماع فهناك كتب تفيد في هذا الموضوع وهو الاجماع فلترجع لها ولتنقل من شاهدك ..
نرجو الموضوعية والدقة العلمية والرجوع للكتب المعتمدة في هذا الباب بدلاً من نقل الإجماع بدون مصدر ولا نقل معتمد ..
فعلى زعمك يكون التوسل بالحي الحاضر جائز ..!!
فلنفرض ان الأرض أجدبت وأصاب الناس مجاعة فهل نتوسل بالهاشمي مثلاً فهو حي حاضر حي غير ميت وهو لا يقدر على هذا العمل ..بل الذي يستطيع إزالة هذه الكربة هو الله تعالى ..
وهل نذهب لرجل مثلاَ اسمه عمرو وهو حي حاضر ونقول له : يا عمرو أدخلنا الجنة ؟!
فهذا من انتقاص الله تعالى لان الذي يملك الجنة والنار وبيده الأمر هو سبحانه ..
ولنقرب المثال حتى يسهل على الزميل الهاشمي خصوصاً مازال طالباً وفي سن طلابي :
لو ذهبت يا هاشمي إلى حارس المدرسة وهو حي حاضر وطلبت منه ان يزيدك في مادة اللغة الانجليزية خمس درجات فهل طلبك منه يعقل ؟!
ام تذهب للمختص وهو معلم اللغة الانجليزية ؟!
مثال آخر لان بالتكرار يتعلم الشطار
لو ذهبت إلى أمير لطلب مساعدة او خدمة او لأمر صعب تطلب منه العون وعندما قابلت الأمير لتكلمه عن الموضوع .. صرفت وجهك عنه وكلمت سائقه وطلبت من السائق ان يساعدك والأمير ينظر ..!!
فهل السائق يفجر على تذليل المعاملات الصعبة ؟!
ام تسأل من له صلاحية وقدرة على هذا الأمر وهو الأمير .!
الا تتفق معي يا هاشمي ان طلب السؤال من السائق أمام الأمير يعتبر سوء أدب وفعل غير مقبول ؟!
اترك الجواب لك ..
بالنِّسبةِ لمسألة الإجماع، فصراحةً لَم أبحث عنهُ بالدّقة في كتبكم حَتَّى أنقلَ عبارته بصورة دقيقة، ولو كنتُم تقصدون أنَّ الإجماع وقعَ على (الحي الحاضر القادِر) فسنسلِّم بذلكَ، لأنَّه لا يؤثِّر على أساسِنا أبدا، فالأمثِلة التي ذكرتُها في البِداية أيها الزَّميل كانَ واضِحاً، ولنقتصِر على طلبِ الدّعاء مِن الصالحين الأحياء فيما يقدرون أيضاً، فهُوَ يكفي كأساسٍ لإثباتِ ما نرمي إليهِ.
وهُناكَ نقطة أودُّ أن أشيرُ إليهِ هنا مِن بابِ الإشارة لا أكثَر: هناكَ شبهُ إجماع (إن لم يكُن إجماعاً قبلَ زمن ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب) على أنَّ التوسُّل بالرَّسول الأكرم (ص) بعد وفاتِـه جائزٌ بَل هوَ أمرٌ راجِح.
أمّا الأمثِلة التي ذكرتَها مِن التوجُّه إلى السائق دونَ الأمير، وإلى الحارس دون مدرس اللغة الانجليزية، فيرِدُ عليهُ ما أوردناهُ سابقاً، وأنقلُه بعضه:
""وحتّى لو سلّمنا بذلكَ، وقبلنا بالتوسّل بدعاءِ النبيّ (ص)، فهُو طلبٌ مِن غيرِ الله، فاللهُ عزّ وجلّ يقولُ: (ادعوني أستجب لكم)، فعلينا أن ندعوَ الله ونطلبُ منهُ حاجتنا لأنه قريب منا (فإني قريبٌ أجيب دعوة الداعِ إذا دعان)، فلمَ نخالِف الآية في أمرِه لنا بالتوجّه للهِ عز وجلّ في الدّعاء، ونذهبُ لآخَر ليدعوَ لنا؟ هذا خلافُ ظاهِر الآية.""
""(3) أمّا بالنّسبة للمغالطة التي ذكرها في أنه لو كانَ الله أعلمُ بحالكَ وأقدرُ على إعطائكَ ما تريد، وهُو خير الغافرين وأرحم الراحمين، فلمَ تذهبُ إلى مَن دونه رتبة، وتدعوه، والآية تقول: (وإذا سألكَ عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، فهذا الكلامُ واضح الوهن، حيثُ هوَ واردٌ في جميع الأمور، فأليسَ الله أقدَر على الإسقاء، فلمَ عمّ النبي (ص)؟ أليسَ الله أقرب إليّ من العبد الصالح؟ فلمَ أطلبُ الدعاء من إخوانيَ المؤمنين وهم دونَ قدرة الله تعالى؟ أليسَ الله أقدَرُ على إشفائي من الطبيب؟ فلمَ الذهاب إلى الطبيب؟ فلا يعني مجرّد كونِ الله أقدَر على فعلٍ أمر -وهو القاهر فوقَ عباده- عدَم الاستنادِ إلى غيره من باب الوسيلة الموَصّلة.""
"" مِن جهة أخرى: الدّعاء عبادة، ولم نصرفْهُ لغيرِ الله عزّ وجل كما ذكرنا في النقاط السابقة، ومثلنا بمثال ملك الموت، فصرفُ التوجّه إلى أهل البيت (ع) لا يعني عدم التوجّه إلى الله عز وجل، فهُما طوليين لا عرضيين، بمعنى أنّهم الباب الذي نأتي منهُ، فلا أحدَ يقول أنَّ التوجيه إلى الباب يعني عدم التوجّه إلى ما يليه، فصِرفُ التوجّه إلى أهل البيت (ع) وكذا التوجّه إلى الرَّسول (ص) على أقلِّ تقدير في حياتِـه لا يعني صرفُ العبادة لغير الله، ومجرّد الطلب مِن شخصٍ لا يعني بالضرورة أنكَ تعبده، وهو واضح.""
فباختصار، لو كانَ علَيْنا أن نتوجَّه إلى الأقدَر دائماً في طلبِ حوائجنا، فإن الله هو أقدر القادرين في جميعِ الأمور، فالتوجُّه لغيرِه مِن سوء الأدب معَه –بقياس قولك-.
قت ياهاشمي : ((لذا نرى توسّل بعض الصحابة بالنبيّ (ص) في حياتِه، وكذا توسّلهم بعم النبي (ص) أيضاً ))
اقول :
مازلت تكرر نفس الأمر .. أين النقل الكامل والمصدر ؟!
من هم الصحابة الذين توسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وما نوع توسلهم وماذا طلبوا منه وهل اجاب النبي صلى الله عليه وسلم توسلهم ام انكر عليهم ؟
أقولُ رداً على ذلكَ: حيثُ أنني لم أشأ الخوضَ في تفاصيلِ ذلكَ، والبحثُ في مقصودِ كلُّ حديثٍ لأنَّه لم يكُن منصباً في أصلِ كلامِنا، لَم أذكُر المصادِر، إلا مصدراً واحداً مِن الحديث وآية قرآنيّة وكانا كافيين في المقامِ، ففي حياة النبي (ص) ذكرنا آية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم...)، ومِن حيثُ الحديث ذكَرنا مصدَر حديث توسل عمر بعمّ النبي (ص).
ولا أطلبُ منكَ أن تراجِـع كلامكَ حتّى تكونَ أكثَر دقةً، لأنني لا أودُّ التعرّض لشخصِكم ومقامكم العلميّ وتدقيقكم هَل ذكرتُ المصادِر أم لا؟
وتوسل الصحابة رضي الله عنهم بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم .. لماذا لم تذكر المصدر ؟!
إليكُم المحلَّ الذي ذكرتُ فيهِ المصدر:
"" ورد في صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا وكتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب العباس بن عبد المطلب، حيث تقول الرواية: ((أن عمر بن الخطاب (رض) كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون)).""
فتأمَّل أيّها الزَّميل الكريم، ولا تأخذُكُم العِزة في ذلكَ، فلا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدِلوا اعدِلوا هو أقربُ للتَّقوى.
الأدلة بالعموم بدون نقل كامل وبأمانة علمية لا يعتبر نقاش علمي ياهاشمي ..
ان كنت لا تعرف المصادر والمراجع فعلى ماذا تحاور ؟!
سامَحَكُم الله في ذلكَ
1- إذا قصدك من توسل الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم التوسل بالإيمان به وطاعته فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(( وهذا التوسل بالإيمان به وطاعته وفرض على كل أحد في كل حال باطناً وظاهراً في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد موته في مشهده ومغيبه , لايسقط التوسل بالإيمان به وطاعته عن أحد من الخلق في حال من الأحوال بعد قيام الحجة عليه ولابعذر من الأعذار ولاطريق إلى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه إلا التوسل بالإيمان به وطاعته))
- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص 3-4 تحقيق : الدكتور ربيع المدخلي –
2- وان كان التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لبعض الكفار بإن يهديه الله أو يرزقه فيهديه أو يرزقه كما دعا لأم ابي هريرة حتى هداها الله تعالى كما جاء ذلك في صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضل ابي هريرة حديث رقم ( 158 ) .
وكما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة دوس فقال : (( اللهم اهد دوساً وائت بهم )) فهداهم الله كما جاء في صحيح البخاري في كتاب المغازي باب قصة دوس والطفيل بن عمرو حديث ( 4392 ) وايضاً في كتاب الدعوات من صحيح البخاري باب الدعاء للمشركين حديث رقم ( 6397 ) وكذلك جاء في صحيح مسلم ( 4 / 1957 ) ومسند الإمام احمد ( 2 / 243, 448 ) .
- راجع : قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص 5-6 تحقيق : الدكتور ربيع المدخلي –
فنريد من ياهاشمي ان تذكر بماذا توسل الصحابة رضوان الله عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟!
ذكَرنا ذلكَ سابِقاً باختِصار، وحيثُ أنَّ المقامَ لَم يكُن في مناقَشةِ تفاصيلِ الرِّوايات ودلالتها فاقتصرنا على ذلك، ويكفينا ما ذَكَرتُم من النُّقطتين السَّابقتين لحدّ الآن، فلَو أنَّ التوسّل بدعاءِ النَّبي (ص) جائزٌ وأمرٌ مطلوبٌ، أليسَ ذلكَ مِن سوءِ الأدب معَ اللهِ عزَّ وجلَّ، لتعرضَ عنه وتتوجَّه إلى عبدٍ من عبيده؟!
اما كلامك عن تناقض الآيات مع الأحاديث النبوية وأفعال الصحابة رضوان الله عليهم ..
فهو ليس تناقض وقصور في فهمك لهذة المسألة ..
فحتى نعرف هل هذا تناقض ام لا هات أدلة السابقة وهي كيف كان الصحابة يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم ..
عزيزي الزَّميل!
لَستُ كما ادّعيتَ في أنني أرى التّناقُضَ قائماً بينهما، بَل أنا أستطيعُ الجمعُ بينهما ولا منافاةَ أبداً، لكِـن أودُّ أن أسمَـع طريقةَ الجمعِ منكُم لأبيِّنَ لكُم موضِـع الإشكال بصورة أدقَّ.
فرأيتُ أصحابكَ مراراً قد كرروا أنَّ اللهَ هو الأقدَر على المغفرة فلمَ تذهبونَ وتطلبونَ مِن الرَّسول (ص)؟ فرددتُ ذلكَ بما اتفقتم في طلبِ الدّعاء مِن الرَّسولِ (ص) في حياتِـه، فأليسَ اللهُ هو أقربُ إلينا من حبل الوريد؟ أليسَ هو أقربُ إلينا مِن الرَّسول (ص)؟ فلمَ نذهب إلى الرَّسول (ص) ولا نذهبُ إلى الله مباشرة؟
ونلاحظ انك كررت ادعاء الاجماع على ان الحي الحاضر يجوز التوسل به ..
فمازال التحدي لك ان تذكر نقلاً معتبراً في اثبات الاجماع ..
فقط مِن باب الإشارة: لو أنَّكَ تظنُّ أنَّكَ داخلٌ في سباقٍ وفي وسطِ معركةٍ حربيّة، فأنا أعلِنُ تقدّمي بالانسحاب مِن مضمار التَّحدّيات، لأنني لستُ في بابِ التَّحدّي، وأتيتُ هنا بطلبٍ مِن الأخ محمد، حيثُ أخبرني أنَّه يريدُ البحثَ عن الحقيقة، فَلَو استطعتَ أن تثبتَ صحّة معتقدِكَ هُنا، فأنا سأعتقِد بصحّة معتقدِك، ولذلكَ جئتُ هنا، أمّا لو شئتَ العراكَ فاختر شخصاً آخَرَ يريد المجادلة والتحدي، فليسَ لديَّ الوقتُ الكافي لذلك.
اما توسل الصحابة رضوان الله عليهم للعباس رضي الله عنه فهذا ثابت في صحيح البخاري بلا شك ..
وإنا نتوسلومعنى قول عمر رضي الله عنه : إنا كنا نتوسل إليك بنبينا ونطلب منه أن يدعو لنا، ونتقرب إلى اللهإليك بعم نبينا، أننا كنا نقصد نبينا إلى الرفيق الأعلى، ولم يعد من الممكن أن يدعو لنا،بدعائه، والآن وقد انتقل فإننا نتوجه إلى عم نبينا العباس، ونطلب منه أن يدعوَ لنا، وليس معناه أنهم كانوا : (اللهميقولون في دعائنهم: (اللهم بجاه نبيك اسقنا)، ثم أصبحوا يقولون بعد وفاته بجاه العباس اسقنا)، لأن مثل هذا دعاء مبتدع ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة، ولم يفعله أحد من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم
ونلاحظ كما تقدم انهم لم يذهبوا لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه الدعاء بل ذهبوا وطلبوا من العباس رضي الله عنه ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حديث التوسل بالعباس :
(( يدل على ان التوسل المشروع هو التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته ))
- راجع : قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص 115 تحقيق : الدكتور ربيع المدخلي –
بل لم يطلبوا من العباس بذاته بل الدعاء والدعاء عبادة مشروعة ويجوز ان تطلب من غيرك الدعاء لك كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة : (( لاتنسانا من الدعاء ياأخي ))
فنلاحظ ان التوسل المشروع بطلب الدعاء فالصحابة رضوان عليهم لم يعتقدوا ان النفع والضر بيده صلى الله وسلم بل يعتقدون ذلك في الله تعالى ولكن يطلبون الدعاء من باب ان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ادعى للاستجابة لمكانته وعلو مقامه عند الله تعالى ..
وهذا في بابِ الاستدلال بالأقوال، ولم أصِل إليهِ لحدّ الآن حتى أبيّن خلافَ ما ذهبَ إليه ابن تيمية وأتباعه في دلالة الحديث.
وهل ترك الصحابة الدعاء لأنفسهم بعدما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء ؟
الجواب : لا .. بل استمروا بالدعاء
ولا خلافَ في ذلكَ، فالتَّوسُّل هو الدّعاء وسيأتي بيانُه إن وصلنا له.
وممن قال بان توسل الصحابة بطلب الدعاءالإمام البيهقي رحمه الله في السنن الكبرى ( 3 / 352 ) فبوب له بعنوان : (( باب الاستسقاء بمن ترجى بركة دعائه )) ثم ذكر حديث التوسل بالعباس ..
وكذلك الموفق ابن قدامة المقدسي رحمه الله فقال في المغني ( 2 / 439 ) :
(( ويستحب ان يستسقى بمن ظهر صلاحه لنه أقرب على إجابة الدعاء فإن عمر رضي الله عنه استسقى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ))
فهل اتضح الجواب ..!!
لَم يكُن هذا موضِـع السؤال لتجيبَ عليه أيها الزَّميل، وجوابكَ يردُ عليهِ إشكالات، بَل هوَ مخالفٌ لأكثَر المذاهب الأربعة، وسيأتي ذلكَ إن وصلنا إلى ذلكَ التفصيل.
وبالنسبة لتدرج الهاشمي في الكلام حتى يصل لجواز الدعاء والتوسل بالأموات فهي خدعة قديمة للتدرج بالناس من الانتقال للتوحيد الى الشرك والعياذ بالله ..
للأسَف بعدَ هذه العِبارة أصابني الحزنُ والغمُّ بخلطِكُم الكلامَ أمام عوامّ النّاس، وهذه سياستكم بتصويب السهام الشركية وإباحة الدّماء وزرع الفتن الطائفيّة، وقَد ملأتُم التاريخَ بذلكَ قيحاً، فاللهُ المستعانُ على ما تصِفون.
وما ذكرتُه إن كانَ مخالِفاً للتوحيد فبيّن ذلكَ، ولا تذكُر كلاماً عاطفياً فتثيرَ بهِ الفتن الطائفية، فتأمَّل أيها الزَّميل حتّى لا تكونَ مِمن تأتونَ يومَ القيامة بكأسٍ دمٍ لأخيكَ المسلم.
وزعم الهاشمي المتوسل بالجمادات والشبابيك التى في الأضرحة ان التوسل بالميت يجوز ..
نحنُ نتبرَّك بها لبركةِ أصحابِها، فيوم الجمعة لها بركتها الخاصّة وهي من الجمادات، ونخامة الرَّسول (ص) وماء وضوئه، وقميصُ النَّبي يوسف (ع) وتابوتُ بني إسرائيل، وقميصُ النَّبي (ص).
ثُمَّ أنني لم أزعَم لحدِّ الآن أنَّ التوسُّل بالميّت يجوزُ، بَل جُلُّ ما ذكرتُـه أنَّ التوسُّل ليسّ شركاً، وقَد ذكرتُ ما يلي لو لم تتوجَّه له:
""ومعناهُ: إنَّه لو لَم يكُن الخضوعُ والتذلل معَ الاعتقادِ بألوهية المخضوع والمتذلل له، فلا يعدُّ شركاً، وإن عُدَّ حراماً بعضُه لحكمٍ ثانويٍ.""
فَلَم أذكُر كلُّ عملٍ أدخلَه الإنسان تحتُ مسمى التوسّل فهو جائزٌ، بَل ما أردتُـه هو نفي الشركية لا أكثَر.
ولكن يكفي ان نرد عليك بآية من كتاب الله تعالى قبل بيان حكم التوسل بالأموات :
قال تعالى : ((إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ))
فهذا حال أهل القبور من الأنبياء والصالحين وباقي البشر ..
اذا دعوتهم لايسمعون الدعاء حتى يستجيبوا لدعائكم وتوسلكم ..
ولو سمعوا لم يستطيعوا الاستجابة لكم لعجزهم في قبورهم ..
ويوم القيامة يتبرؤون من كل من اشرك بهم ..
آية عظيمة ياليت تتدبرها ياهاشمي ..
أرجو منكَ أن تتدبَّر في هذه الآية بعدَ التدقيق فيما ذكرناهُ في مسألة العبادة لتصِل إلى مغزى هذه الآية، لأنَّ الآيات تعرَف بحسبِ موضوعاتها، وليتكَ تتدبَّر في نهاية الآية التي تسبِقُ هذه الآية، وهو قوله تعالى: (ذلكُم الله ربكم له الملك، والذينَ تدعونَ من دونه ما يملكونَ من قطمير)، ثم يأتي قوله تعالى: (إن تدعوهم لا يسمعوا...)، وسياقُ الآيات لها معنىً لَم تتوجَّهوا له، وسيأتي بيانُه حينما نصِلُ إليه.
ويكْفيكَ التدَّبُّر في تفاسيركم في هذه الآية لتعلموا أنَّ شركهم لمْ يكُن بمجرّد طلبِهم، بَل كانَ لأنهم كانوا عبدة الأوثان، فمعنى كلامه: إن تدعوا أيها الناس هؤلاء الآلهة التي تعبدونها من دون الله... فيقولُ لهم الباري عز وجل: فكيف تعبدون من دون الله من هذه صفته وهو لا نفع لكم عنده ولا قدرة له على ضركم وتدعون عبادة الذي بيده نفعكم وضركم وهو الذي خلقكم وأنعم عليكم، فالكلامُ في أنَّهم عبدوهم لا مجرّد السؤال، فتأمَّلوا هداكم الله للحق بأنَّ المقصود من قوله تعالى: (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) أي بإشراككم إياهُم مع الله في العِبادة، فالأمر راجعٌ لكونِهم يعبدونهم لا مجرّد الطلب منهم، وأختِم بقولِه (ص): (مَن فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار).
مما أورده الرافضة عن السجاد الذي تنسب إليه الصحيفة السجادية أنه قال:
(((ولا وسيلة لنا إليك إلا أنت)))
(الصحيفة السجادية ص 411)
وبذلك يصير الإمام زين العابدين السجاد رضي الله عنه من نفاة التوسل
أتعجَّبُ مِن كلامكُم حيثُ تريدون تفسيرَ كلامِ الإمام السجّاد (ع) بالنَّظَر إلى مقطعٍ قصيرٍ من دعائه، وهُو شنيعٌ عندَ أهل العِلم، لأنَّها نظرةٌ ضيقة، قد لا ترى التقييدات للإطلاقات، فتأمَّل هداكَ الله فيما يلي.
هناكَ 15 مناجاةً للإمام السجاد وردت بصورة متتالية، وهذه هي مناجاة المطيعين لله، وبعده بمناجاتين يأتيكَ مناجاة المتوسِّلين: وهذه بدايته: (إلهي ليس لي وسيلة إليك إلا عواطف رأفتك، ولا لي ذريعة إليك إلا عوارف رحمتك، وشفاعة نبيّك نبيّ الرحمة ومنقذ الأمة من الغمّة، فاجعلهما لي سبباً إلى نيل غفرانك، وصيّرهما لي وصلّة إلى الفوز برضوانك.)
ولَو أردنا الاقتِصار على أنَّ الوسيلة لا تكونُ غيرَ الله عزَّ وجَل بتصوركم أنتُم، فإن الأعمال الصالحة هي مغايرة للذات الإلهية، فكيفَ تتوسَّلون بها؟!
والمقصودُ باختصار من ذلك: أنَّ كلُّ شيءٍ عائدٌ إلى الله عزَّ وجلَّ، وأنَّ توسّلنا أيضاً بأمرٍ منه وبإذن منه، لا أنَّه قولٌ جزافٌ من عندنا، والله أعلم.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : (( فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به بخلقه، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله )) ( نهج البلاغة: 2/91_92).
تيقَّنتُ بعدَ هذا النَّقلَ منكَ بأنَّكَ باترٌ للحقائق أو ناقِلٌ للكلام بلا تأمِّلٍ، وإليكُم أصلَ الكلام مِن خطبة للإمام علي (ع) في نهج البلاغة لبيان فضل القرآن الكريم:
(وَاعْلَمُوا أَنَّ هذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لاَ يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لاَ يُضِلُّ، .... وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَلاَ لاَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنىً؛ فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لاََْوَائِكُمْ فَإنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ، وَالْغَيُّ وَالضَّلاَلُ، فَاسْأَلُوا اللهَ بِهِ، وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ، وَلاَ تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ، إنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إلَى اللهِ بِمِثْلِهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ، وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ )
فالكلامُ ليسَ كما شبهتَ بأنَّ الإمام (ع) يأمرنا بأنْ نسأل الله به نفسه، بَل يأمرنا بأنْ نسأل الله بالقرآن الكريم، ولم أجِد في المصطلحات سوى مصطلح التدليس على هذه الحالة، وإليكم شرحٌ مبسط لذلك:
(فاسألوا الله به) أي بالقرآن، (وتوجهوا إليهِ بحبه) أي بحب القرآن، (ولا تسألوا به خَلقَه) أي لا تسألوا بالقرآن خلقَ الله فيكونُ عملكم من باب الرياء والتقرب إلى النّاس بدلَ التقرّب إلى الله عز وجلَّ... فأينَ هذا من الذي ادّعيتموه؟!
وقال علي رضي الله عنه في وصية للحسن عليه السلام: (( وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك ، فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز، وأخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان )) ( نهج البلاغة: 3/39_40) .
ولا منافاة بينَ هذا وذاكَ، حيثُ أنَّ التوسُّل هو الطريق للوصول إلى الله، فحتّى الأعمال الصالحة هي مغايرة للذات الإلهية المقدسة، فلو التجأتَ لها لا يعني ذلكَ أنك لم تلجأ إلى الله عزَّ وجل، لذلكَ يبيّن الإمام بعدَ ذلكَ بالالتجاء إلى الأسباب، فيقول: (وأكثر الاستخارة وتفهّم وَصيتي ، ولا تذهبنَّ عنك صفحاً ، فإنّ خير القول ما نفع ، واعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع ، ولا يُنتفع بعلم لا يحقُّ تعلّمه) فيأمره (ع) بالرجوع إلى الاستخارة ووصيته والعِلم، وكلها من باب الأخذ بالأسباب، فتأمَّل هداكَ ربي.
وعن الإمام الباقر أنه قال: (( اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلآ لأنه لم يرد أحدآ ولم يسأل أحدآ غير الله عز وجل )) ( علل الشرائع:34، عيون أخبار الرضا:2/75).
ومَن قالَ أنَّ التوسُّل بالأعمال الصالحة هُو دعاء غير الله، التوسُل هو طريقٌ لا مقصَد، فلمَ لا تتوجَّهونَ إلى الأعمال الصالحة التي تقولونَ بأنها وسيلة وتطبقونها مِن باب المثال؟!
اعْلموا أنَّ التوسُّل لا يعني أنَّ أهل البيت (ع) هم المقصد الرئيسي، بَل هم الطريق الذي نقصِده كالجزء لنصِل إلى الأصل.
والحديثُ الذي ذكرتُه قد سبِق بأحاديث وألحِق بأحاديث أخرى إن شئتَ فراجعها، فمِن بين العلل التي ذكرت لاتخاذه خليلاً ما يلي: (كثرة سجوده على الأرض)، (كثرة صلاته على محمد وأهل بيته)، (كثرة إطعامه الطعام وصلاته بالليل والنّاس نيام)، وكلُّ ذلكَ من باب التوسُّل بالأعمال الصالحة وأهل البيت (ع) للوصولِ إلى المقصد وهو الله عز وجل.
وذكر إبراهيم بن محمد الهمداني قال: (( قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام: لأي علة أغرق الله عز وجل فرعون وقد آمن به وأقر بالتوحيد ؟ قال : أنه آمن عند رؤية اليأس وهو غير
مقبول... إلى أن قال : لعلة أخرى أغرق الله عز وجل فرعون وهي : أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله، فأوحى الله عز وجل إليه : ياموسى، ما أغثت فرعون لأنك لم تخلقه ولو استغاث بي لأغثته )) ( علل الشرائع: 59، عيون أخبار الرضا: 2/76) .
وجوابُه كما ذكرنا، حيثُ أنَّ فرعونَ في تلكَ اللحظة توجّه إلى موسى (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة وأزكى السلام) على أنَّ موسى هُو الذي سينجيه باستقلالية لا أنَّه بفضل الله، أي دونَ توجّه إلى الله عز وجلَّ، وإلا فإن سقطَ ابنكَ في البحرِ وناداك: أبي أبي أبي أنقِذني! ستقولُ لهُ: لقد أشركتَ بالله، فاستغفِر الله واسأل الله عز وجلَّ أن ينقِذَك؟ عجباً على فهمكُم، حيثُ كنتُ أظنُّكم في البداية مِن أهل العلم بتلكَ الدِّقة التي تكلمتُم بها، وأراكُم بعيدين كلُّ البعدَ عن التدقيق.
يقول الإمام علي بن أبي طالب يصف لنا آداب التوسل والدعاء :
( إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص إنها الفطرة، وإقامة الصلاة فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان فإنها جنة من العقاب ، وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال ومنساة في الأجل، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان) .
( نهج البلاغة: 163 ووسائل الشيعة 13/288)
وهذه الخطبة لهُ في بيان أركان الدّين، ونحنُ لم ننفِ أنَّ من الوسائِل هي الأعمال الصالحة، بالإضافة إلى الأئمة (ع)، فتأملوا واعلَموا أنَّه في نهاية هذه الخطبة أيضاً توجَّه الإمام علي (ع) إلى القرآن والاستشفاء بنوره، فحسبُكُم التَّأويلُ بما اشتهت أنفسكم.
ويقول الإمام السجاد الذي سطّر أخلص وأصفى تعابير التوسل والاستغاثة في أدعيته ، يقول في الدعاء الذي رواه عنه أبو حمزة الثمالي:
(.. و الحمد لله الذي أناديه كلما شئت لحاجتي ، وأخلو به حيث شئت لسري بغير شفيعٍ، فيقضي لي حاجتي.. الحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره ، ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي .. )
- الصحيفة السجادية ص214 -
وذكَرنا مراراً وتكراراً أنَّ التوسُّل هو الطَّريق إلى الله عزَّ وجلَّ لا أنَّه المقصد، ولا يعني توسُّلُنا بأهل البيت (ع) عدم دعاء الله عزّ وجل، فالتوجُّه إلى النافِذة لا تعني عدم التوجّه إلى ضوء الشَّمس؟
ولو قرأتم عدة أسطُر أخرى من هذه المناجاة، لرأيتُم الإمام (ع) يقولُ: (به وبمحمد وآل محمد فاستنقِذني).
وأيضاً لو كانَ يقصِد عدم وجود الشفيع، فهُو مخالِفٌ بأنَّ الإنسانَ يحتاجُ إلى شفاعة الرَّسول (ص) يومَ القِيامة، فلا ينفي نفيه الشفيع هنا نفي دورَ الشفاعة بصورة كليّة، بَل قد يكونُ المقصود الشَّفيعُ مِن دونِه لا الشفيع بإذنه، واللهُ أعلم.
وأكرر مرة أخرى: لا يمكنكم أن تعرِفوا مقصد الأئمة (ع) إلا بعدَ أن تعرِفوا توجّههم الأصيل، وكيفَ أنهم كانوا يتوسَّلون برسول الله (ص)، فعجبي مِن هذه الاستنتاجات! هَل هيَ علميّة؟!
ماتعليقك عن هذه النصوص من الأئمة ؟!
قَد رأيتَ تعليقي عليها، وعلِمتَ تدليسكَ في بعضِها، فإن كانَ بقصدٍ فلعنكَ اللهُ بجحدكَ، وإن كانَ مِن دونَ قصدٍ فغفر اللهَ لكَ ذلكَ، وزادكَ بصيرةً في الإسلام.
حتى مذهبك يرفض ذلك
نَعَم، مذهبي يرفُضُ ذلكَ أشدَّ الرَّفض، مذهبي يرفُضُ تأويلكَ أشدَّ الرَّفض، فاعلم واسمَع وافهم، وإياكَ أن تفسِّر الكلامَ دونَ تأمّل، فنظرتكَ الضيّقة قد تكونُ لها عواقِب وخيمة.
يسعدني في هذا الرد ان اقدم مفاجئة للزميل الهاشمي وهي بعض النصوص من كتب الشيعة ومن أقوال الأئمة في التوسل حتى يعرف اننا ابناء الدليل نميل معه حيث مال :
واللهِ لقَد فاجأتني أشدَّ مفاجأة بهذا الرَّد الذي لا ينطلي على عوامِ الشيعة فضلاً عَن مَن قرأ بعضَ الكتبِ في ذلكَ، فاجأتني بذلكَ البَتر، فاجأتني بانتقاصكَ للحقائق، واعلم يا من ختمتَ فقرتكَ بأنكم أبناء الدليل حيثما مال نميل: إنَّ الوجود عندنا أصيلُ دليل مَن خالفنا عليل، ولا أقصِد التَّحدّي عزيزي ولكِـن ما ذكرتَه من افتخارٍ وتعنتٍ جعلني أكتبَ لكَ بهذه الطريقة، ولو كنتَ قد بدأت بأسلوبِ الحوار الهادئ كما كانَ بقيّة الأحبة لما وصَلَ الأمرُ بي إلى ما وصل.
وأرجو أن تختصِرَ في ردودكَ إن شئتَ المواصلة على النقطة الأصلية فقط لا أكثر.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين،،،
المجاهد عمر
14-06-2006, 11:40 AM
الهاشمي...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
مستعد لمحاورتك بما تريد ، ولكن المحاورة لها أسس ، ويفترض بأن نضع لها شروطًا قبل البدء يلتزم بها الجميع .
لا أود أن أقطع الطريق بينك وبين الإخوة ، ولكن إن أردت محاورتي فأنا جاهز....
فقط اقبل ، وسترى ما يسرك.... :)
المجاهد عمر
أبوعبيدة
14-06-2006, 01:55 PM
اللهم انصر دينك فلا ناصر له الا انت
فلا تجعل اصحاب الباطل يلقون بشبههم من دون رادع وداحض لها
Saleen S281
14-06-2006, 03:26 PM
المجاهِـد عمَر!
السلامُ عليكُم ورحمة الله وبركاته
حياكَ اللهُ وبيّاكَ، وأهلاً وسهلاً...
لا أدري هَل كلُّكم قد دعاكُم الأخ محمد أم لا، مـعَ أنّني لم أرَ مشاركاتَه، فجعلَ الله غيابه غيابَ خيرٍ إن شاءَ الله تعالى.
عزيزي المجاهِد عمر!
لكَ مطلَقُ الحريّةِ كَي تدخُلَ النِّقاش، مـعَ أنني ذكرتُ سابِقاً لستُ بأهلِ علمٍ ولا أعرِفُ قوانينَ المناظرات وشروطها، بَل أتكلَّمُ بحسبِ ما أعلَم، وبسبب طلب الأخ محمد مني الدّخول هنا دخلتُ مِن بابِ بيانِ الحقيقة أو الوصول إليها، والله وليُّ التَّوفيق.
بالنِّسبة لمناقشتكَ أيها المجاهِد عمَر -ويبدو أنَّ روح الجهاد فيكَ عالية-، فأنا سأخوضُ معكَ الحوارَ إلى حيثما أستطيـعُ، وأينما لم أستطِـع فأتوقَّفُ فيهِ وأعودُ إلى أهل العلم مِن مذهبي، لكِـن لا أستطيعُ الخوضَ في حوارين معاً لئلا يضيعَ الوقت، فإن كانَ بقيّة الإخوة سينسحبون ويبقى النِّقاشُ بيني وبينكَ عزيزي فلا مانِع عندي من ذلك، وإن شئتَ المواصَلة على ما ذكَره الإخوة، فأيضاً لا مانِـع أيها المجاهِـد، ونحن في خدمتكُم، ولنرَ شروطكُم التي تودّون الالتزام بِها، معَ أنني لا أحبِّذ أن يكونَ النِّقاش رسمياً، لأنني لستُ بأهلِ علمٍ عندَ مذهبِ التشيّع، فلستُ بمستوى أستطيعُ فيه تمثيلهم، لكِـن بالله عزّ وجلّ الاستعانة وبأهلِ البيت (ع) التوسُّل، أرحِّبُ بالحوارِ معكم لنصِل إلى النتيجة الصحيحة، والله على كل شيءٍ شهيد.
أنا مستعدٌ لأواصِل إلى حيثُ أعلَم،،،
.
المجاهد عمر
14-06-2006, 07:27 PM
Saleen S281
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
أشكر لك حديثك ، وأنا موافق على ما قلته بخصوص حدود علمك....
إذا سمح الإخوة ووافقوا بإخلاء الساحة لي لمحاورتك فسوف أتقدم...
وإذا لم يسمحوا فلا....
ولن أكمل ما بدأوه ، فلي أسلوبي في المحاورة ولي طريقتي.... :rolleyes:
ما رأي الإخوة ؟
alibabaa
15-06-2006, 11:01 AM
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_681.shtml
أبوعبيدة
16-06-2006, 05:39 PM
شكرا للاخ علي بابا على هذه المشاركة الوجيزة الجميلة المفيدة باذن الله
ونامل ان يهدي الله بها عباده
المجاهد عمر
17-06-2006, 01:13 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الآن يا Saleen S281 ....
يبدو أن لا أحد في الساحة غيري وغيرك... :think:
هل تقبل أن نبدأ المحاورة ؟ :glasses:
بإنتظارك...!
Saleen S281
17-06-2006, 08:15 AM
السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
أنا مستعدٌ كما ذكرتُ لكُـم، فلنبدأ المناظَرةَ على بَرَكَـةِ الله عزَّ وجلَّ، ولنرَ شروطَكم لنتَّفِقَ عليها بإذنِ الله تعالى.
المجاهد عمر
17-06-2006, 09:59 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه وزوجاته الكرام البررة،،،
اللهم ارض عن الأربعة الخلفاء ، السادة الحنفاء ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعنا معهم بمنك وعفوك يا أرحم الراحمين...
"قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ"
Saleen S281
بدايةً أقول...
إن الهدف من هذه المحاورة هو بيان الحق واتباعه ، منا أو منكم ، مع عدم إغفال أصول الحوار وآدابه ، والتي تقوم أسسها على احترام المحاورين لبعضهما البعض ، ويتضمن ذلك أيضًا احترام أعلام ومشايخ الفريقين .
ويجب أن تضع في الاعتبار أنني لم آتِ هنا لأكون مدافعًا ، فتقوم أنت بإلقاء الشبه على مذهبنا وأقوم أنا بردها ، بل نحن أيضًا لدينا بعض الأمور التي نحتج بها عليكم معشر الشيعة .
لذا ، قبل بدء المحاورة ، هناك عدة شروط ينبغي لنا الاتفاق عليها :
(1) الاحترام التام للمشايخ والعلماء وطلبة العلم ، وأعلام المذهبين بشكلٍ عام .
(2) عدم التعرض للصحابة أو آل البيت بمن فيهم زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين بالسب أو العيب أو النقص أو اللمز .
(3) ينبغي على كل محاور بيان مذهبه ، ومشايخه الذين يأخذ عنهم .
(4) تعطى الفرصة للمحاور في طرح نقطة نقاش وبعد الانتهاء منها تعطى الفرصة للمحاور الآخر لطرح نقطة للنقاش وهكذا تباعًا .
(5) أي نقطة تذكر ينبغي لقائلها دعم أقواله عن طريق ذكر الدليل الصحيح عليها من المذهب المقابل ، وذلك بعزو الدليل إلى الكتاب ، ورقم الصفحة ، واسم المؤلف ، مع ذكر العبارة نصًا .
(6) عند الاحتجاج بأن دليل المحاور المقابل ضعيف فيجب إثبات ضعفه من خلال نقل أقوال العلماء فيه ، والعكس صحيح .
(7) آلية الانتقال من نقطة إلى أخرى ، تتم حينما يخرج كل متحاور ما في جعبته ، ولا يكون هناك دليلٌ راجح ، حينئذٍ يتم الانتقال لنقطة أخرى وترك الحكم على النقطة السابقة للمتابعين .
(8) عدم الاتيان بالدليل ، أو الانسحاب من مناقشة نقطةٍ ما يعطي أحقية الغلبة للمحاور الآخر .
هذه شروطي فهل تقبلها ؟
Saleen S281
18-06-2006, 08:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاة والسلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابِـه المنتجبين، واللعنُ الدّائم على أعدائهم أجمعين.
اللهمَّ أخرِجْنا من ظلمات الوهم ونوّر قلوبنا بنورِ الفهم والعِلم، فبكَ توسَّلْنا وإليكَ لُذنا، فأرِنا طريقَ الحقِّ حقاً وجنّبنا طريق الباطِل، واجلعنا من عبادكَ الذين يستمونَ القولَ فيتَّبِعونَ أحسنه، برحمتكَ يا أرحم الرَّاحمين.
قبلَ الشّروع أنوّه إلى نقطةٍ مهمّة، قد لا تكونُ واضحةً إلى الأخ المحاوِر المجاهِـد عُمَر، ألا وهِي:
لستُ أنا مَن طلَبَ الحِوار والمُناقَشَـة، ولَـم آتِ هُنا للبحثِ عَن المَذهبِ بجميعِ تفريعاتِـه، القضيّة فقَط مقتصِرة على ما كانَ في كتابِ المدرسةِ، حيثُ حُكِمَ فيهِ بالشّركِ على مَن يتوسَّل إلى الله بعبدٍ مِن الصّالحين والتبرُّك بهِم وبقبورهم، وهُو ما أردْنا الخوضَ فيه، ولستُ هُنا لأخوضَ في جميعِ تفاصيلِ المَذهب، وليسَ لديَّ الوقتُ لمثلِ هذا البحثِ والطَّرح، ولو شئتُم البحثَ المفصَّل من الألِف إلى الياء فعودوا فيهِ إلى أهلِ العِلم مِن المذهَب، فأرجُو التَّدقيق على هذه النقطة.
أمّا الشروط التي ذكَرتَها أخي فإليكُم تفصيلُها:
1) الاحترام التام للمشايخ والعلماء وطلبة العلم ، وأعلام المذهبين بشكلٍ عام .
وسنتمَسَّك بذلكَ قطعاً، لكِـن لا بمعنى عدَم الرَّد على كلِماتِهم بصورة علميّة، ومناقشتهم، بَل بمعنى عدمِ السب والشتم وإلقاءِ التُّهم التي تؤدّي إلى الفِتَن الطائفية.
(2) عدم التعرض للصحابة أو آل البيت بمن فيهم زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين بالسب أو العيب أو النقص أو اللمز .
بالنِّسبة لهذه النُّقطة، فاعلَم -بعدَ ما رأيتُه من حديثِ الشّروع- أننا لن نبحَثَ في مواضيعَ تتعرَّض إلى الصحابة وزوجات النّبيّ (ص)، ولَن نذكُرَ أسماءَ أيّ شخصيةٍ من الصحابة بالسوء والسب والشتمِ سيّما أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة، حيثُ أنَّ طرحَ الشبهة دونَ الخوضَ فيهِ ليسَ من شأنِ الإنسانِ المحترم.
أمّا لو أردتُم الاستشكال على اللعنِ الوارِد في مقدّمة الحديث، فذلكَ ما لا نَترُكُـه، ولا تتقصدوا بِـهِ أشخاصاً معينين، بَل اتركوه على عموميّتِـه الشامِلة لكلّ أعداءِ أهل البيت (ع)، ومَن لم يكُن عدواً لا تشملوه في الكلامِ.
(3) ينبغي على كل محاور بيان مذهبه ، ومشايخه الذين يأخذ عنهم .
مذهبي: إماميٌ جعفري اثنى عشري، شيوخُ طائفتي مراجِعي والأصحاب كالصدوق والشيخ الطوسي وأمثالُهم -رحمَ الله الماضينَ منهم وحفظ الباقين-، ولا تنسَ أيها الأخ المحاوَر أنَّ المشايِخ نعودُ إليهِم في الفقهِ لا العقيدة، هذا مِن بابِ العِلم لا أكثَر، ولا يعني أنكَ لن تستطيع الاستدلال بكلامِـهم، فكلامُهم هو الموضّح للعقيدة.
(4) تعطى الفرصة للمحاور في طرح نقطة نقاش وبعد الانتهاء منها تعطى الفرصة للمحاور الآخر لطرح نقطة للنقاش وهكذا تباعًا .
لو كنتَ تقصِد النّقاط الفرعيّة ضمنَ موضوع التوسّل والتبرّك، فلا مانعَ منه، أمّا لو كنتَ تقصِـد المواضيع العامّة، أي ننتقِل من نقطة في التوسّل إلى نقطة في الإمامة ثمّ إلى نقطة أخرى في زيارة القبور، فذلكَ ما ذكرتُ أعلاهُ لَم يكُن المطروح في بادئ القضيّة، ولم آتِ هُنا -كما ذكرتُ- إلا لدعوة الأخ محمد للمُناقَشة في موضوع التوسُّل الوارِد في الكتاب لا أكثَر ولا أقل.
(5) أي نقطة تذكر ينبغي لقائلها دعم أقواله عن طريق ذكر الدليل الصحيح عليها من المذهب المقابل ، وذلك بعزو الدليل إلى الكتاب ، ورقم الصفحة ، واسم المؤلف ، مع ذكر العبارة نصًا .
ولا نختلِف في ذلكَ.
(6) عند الاحتجاج بأن دليل المحاور المقابل ضعيف فيجب إثبات ضعفه من خلال نقل أقوال العلماء فيه ، والعكس صحيح .
وهذا بلا خلافٍ فيه يذكر.
(7) آلية الانتقال من نقطة إلى أخرى ، تتم حينما يخرج كل متحاور ما في جعبته ، ولا يكون هناك دليلٌ راجح ، حينئذٍ يتم الانتقال لنقطة أخرى وترك الحكم على النقطة السابقة للمتابعين .
وهذا أيضاً لا خلافَ فيهِ، لكِـن لو كانت النقطة نقطةً أصليّة أو كانَ الانتقال مِن باب التهرّب، فليسَ مِن الصحيح هذا الفِعْل.
(8) عدم الاتيان بالدليل ، أو الانسحاب من مناقشة نقطةٍ ما يعطي أحقية الغلبة للمحاور الآخر .
وهذا صحيحٌ بِلا خلافٍ فيهِ يُذكَر، لكِـن لو تأخَّر شخصٌ في الرَّد لا ينبغي الاتّهام بالهروب إلا بثبوت ذلكَ.
وأنا لديَّ شرطٌ آخر أضيفه هنا:
(9) عدم النَّسخ واللصقِ التامّ لأقوال علمائكم كما فعَل الإخوة، حيثُ أمطرونا بالروابِط التي لا تنصبُّ في محورٍ الجوابُ على السؤال، وهِيَ روابِط عامّة لا مختصّة بموضِـع البحث.
فهَل هناكَ أيّ اعتراضٍ على ذلكَ؟
محب الشيخ العثيمين
19-06-2006, 03:23 AM
أخي الحبيب المجاهد عمر !!
حياك الله يا أخي العزيز
والله لقد سررت بعودتك ورؤية مشاركاتك في منتداك
وأنا كنت أنوي أن أرد عليه ردا تفصيليا بعد عودتي من السفر ( لأنني طوال الفترة الماضية كنت مسافرا وكنت أعلق بسرعة بحسب ما يتيسر لي في الخارج )
ولكن .... بما أنني عدت ووجدت أخي الحبيب المجاهد عمر قد شاركنا هذا الحوار , فسأفسح له المجال للحوار ’ فهذا منتداه أصلا ’
سائلا المولى عز وجل أن يجري الحق على ما تسطره أنامله
=======
ويا الهاشمي أنا لم أمطرك ( كما تزعم ) بنصوص علمائنا التي لا تنصبُّ في محورٍ الجوابُ على السؤال، وهِيَ ( كما تزعم أيضا ) روابِط عامّة غير مختصّة بموضِـع البحث. !!
بل إن هذه النصوص منصبة على ما أوردته أنت من شبهات واهية ... وفيها تفنيد لتلك الشبهات . ولم تستطع أن ترد عليها ... ولم ترد كذلك على ما أوردته أنا على كلامك ( مثل كلامي عن الشفاعة وأنها غير مطلقة , وأن اجابة دعاء الرسول واستغفاره ليس بلازم )
فأنت ترد على ما تريد وتترك ما تريد !!
أتمنى أن تجيب على كل الاعتراضات والنقاط التي سيوردها أخونا الحبيب المجاهد عمر
............. إن استطعت !
ولا تفعل كما فعلت معي ( إذا كنت تريد الحق بصدق )
علما بأنني أظن بأن المجاهد عمر له طريقته في الحوار ( كما ذكر ) , ولن يتركك تحيد عن الجواب كما فعلت من قبل
بالإضافة إلى أنه لن يكون في عجلة من أمره , و ان شاء الله لن يسافر قبل أن يتم الحوار معك :D
Saleen S281
19-06-2006, 08:09 AM
عزيزي محبّ الشيخ العثيمين!
لَـم أتوقَّـع مِنكم هذا الكلام بعدَ أن بيَّنتُ لكُـم أكثَر مِـن مرة أينَ هِيَ نقطة البحث التي نرتكِـز عليها، فأسئلتي كانَـت عنِ التوسَّل وهَـل هُو شركٌ أساساً أم لا، وهَـل هُو دعاءٌ غيرُ مباشرٍ أم لا، سواءً كانَ المتوسَّل بِه حياً أو ميتاً، فلَـن يفرُقَ ذلكَ في شيءٍ، حتّى أوصلتموني إلى نقطةِ شبهتمونا بالوثنيين الذين كانوا يعبدونَ الأصنام، ويقولون إنها وسيلتُـنا إلى الله عزَّ وجلَّ، فبيَّنّا حقيقة العبادة حتّى نطبِّقَـه في الموردين.
على كلِّ حال، ننتظُـر الأخ المجاهِـد عُمـر لنبدأ على بركةِ الله، ولا أنسى أن أشكُرَ بقيّة الإخوة الأعزاء وخصوصاً محب الشيخ العثيمين على تحمّله عناءَ ما سبقَ، وإن شاءَ الله في ميزانِ حسناتكُم.
المجاهد عمر
19-06-2006, 10:14 AM
أخي محب الشيخ العثيمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
جزاك الله خيرًا على الترحيب ، وعودتي – مؤقتة – لغرض الذب عن دين الله ، وتصحيح بعض العقائد الذي لن يكون إلا بتوفيقٍ من الله ، وأعتقد بأن الغرض الذي تحدثت عنه ، هو غرضٌ نبيل ، أسمى من أي خلافات مع القائمين على الموقع ، لأنني كما قلت سابقًا توقفت بسبب قناعات لا أنوي التراجع عنها مطلقًا .
جزاك الله خيرًا على حسن الظن بنا ، وما نحنُ بأهل لذلك .
المجاهد عمر
المجاهد عمر
19-06-2006, 10:17 AM
الهاشمي
السلام عليكم...
لا عليك ، فكلنا نلعن أعداء آل البيت ، ونلعن من يكذب باسم أهل البيت كذلك ، فإن محبة أهل البيت عندنا من محبة الرسول صلى الله عليه وسلم .
بالنسبة لمن طلب المحاورة ، فلست أنا من طلبها ، وإن طلبها أحدٌ قبلي فلا أظن الأمر مرتبطٌ بي . ولكن لا بأس أن نحصر النقاش في مسألة التوسل عند الفريقين (سنة وشيعة) ، شرط ألا نتعداها (أنا وأنت) لنقطةٍ أخرى ، بل نركز النقاش حولها.
وهناك ملاحظة مني على قولك بأنك لا ترجع للمشايخ في العقيدة ، بل في الفقهيات فقط ، ولا أعلم من الذي يقول بهذا القول الغريب ؟؟
إجمالاً...
أوافق على ما ذكرت ، وكذلك الشرط الذي أضفته أنت ، عدا ما نوهت عنه في ردي هذا ، وصدقني يا الهاشمي إن كنا سنبدأ بحسن نية ، وتطلعٍ للحق ولا شيء غيره ، دون وجود أي رواسب نفسية خلفتها أحداثٌ سابقة فسيعيننا الله ، بإذنه سبحانه .
إن قبلت ما قلت ، فعلى بركة الله نبدأ .
المجاهد عمر
Saleen S281
19-06-2006, 12:08 PM
عزيزي الكريمِ المجاهِـد عُمَر!
بالنّسبةِ للعودةِ إلى المشايِـخ في الفقهِ وعدم العودةِ لهُم في العقيدةِ، لا بمعنى عدم الرّجوع إليهِم مطلقاً، بَل بمعنى عدم كفائيّة التقليد فيهِ، بَل يجِب الاعتقادُ الشَّخصيّ بالعقائِـد والاستدلال عليها إجمالاً لا تفصيلاً.
على العُمومُ، لا يهمُّ هذا الكلامُ كثيراً لأنَّه لن يؤثِّر، حيثُ لم ننفِ الاستدلال بكتب الأعلام.
وطبعاً تنويهُكَ في محلّه، فكلينا -إن شاءَ الله- سنبقى في نفسِ المِحورِ وهُو بحثُ التوسُّل، واللهُ الموفِّق للصواب مَن يشاءُ مِن عباده.
إن لَم يكُن لديكَ أيّ مانِـعٍ سأبدأُ بالسُّؤالِ التّالي:
هَل ترى أنَّ الذي يتوسَّلُ بالأمواتِ مشركٌ شركاً أكبرَ؟ وما الدَّليلُ على كونِ ذلكَ شركاً؟
...
المجاهد عمر
20-06-2006, 04:26 PM
إن لَم يكُن لديكَ أيّ مانِـعٍ سأبدأُ بالسُّؤالِ التّالي:
هَل ترى أنَّ الذي يتوسَّلُ بالأمواتِ مشركٌ شركاً أكبرَ؟ وما الدَّليلُ على كونِ ذلكَ شركاً؟
نعم عندي مانع... :)
أريد أن أبدأ أنا أولاً... :)
لأنني أريد أن أقتنع أن التوسل بالأموات من صالحي البشر ، والرسل جائز ....
عندي سؤالين لو تكرمت :
(1) هل هناك آية "صريحة" في كتاب الله تبيح هذا الأمر ؟ إذا كانت الإجابة بنعم فأرجو منك ذكرها ، مع الشرح من أحد أئمة التفسير لديكم .
(2) هل يوجد نص "صريح" عن الأئمة عليهم السلام يبيح هذا الأمر ؟ إن كانت الإجابة بنعم فالرجاء وضع نص واحد فقط لنناقشه ثم ننتقل للنصوص الأخرى إن كانت متوفرة لديك ، بشرط أن تضع لي
سند الرواية (رواه فلان عن فلان) ، مع ذكر نصها ، والمصدر كاملاً .
بانتظارك... :)
Saleen S281
20-06-2006, 09:28 PM
معَ أنَّ البحثَ بهذه الطَّريقةِ بلا جدوائيّة، فإنَّكَ لو شئتَ الرِّوايات مِن عندنا، والتفاسيرَ من عندنا فلَن تقبَل بها، وهُنا تعمَّدتُ أن أختارَ الصحيح من الروايات والأعلى سنداً، وأيضاً اخترتُ الأعظَم كلماتاً لأرى أينَ جدوائيّة هذه الأسئلة عندكم، فلا نتيجةَ من ذلكَ ترجى.
وكما ذكرتُ سابقاً، إنَّ الأولى أن ننفي الشركيّة، ونعلَم مصاديق الشرك، ومِن ثمَّ نشرَع في البحث هَل هُم ينفعونَ فعلاً أو لا ينفعون، وهذا هُو البحثُ العلميّ –حسبما أعلم-.
لكِـن من بابِ عدم الإطنابِ في اختيار نقطة البداية، تماشيتُ معكُم دونَ اقتناع، وهذه أجوبتكم:
(1) تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 1 ص 148 :
ذكَرَ السيد الطباطبائي في تفسير الميزان في ذيلِ تفسير الآية: "فتلقى آدمُ من ربِّه كلمات.." ما يلي:
وفي رواية اخرى –أي من الكليني- في قوله : فتلقى آدم من ربه كلمات قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. أقول: وروى هذا المعنى أيضا الصدوق والعياشي والقمي وغيرهم ، وروي ما يقرب من ذلك من طرق اهل السنة والجماعة ايضا كما رواه في الدر المنثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحق محمد الا غفرت لي فأوحى الله إليه ، ومن محمد ؟ قال : تبارك إسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس احد عندك اعظم قدرا ممن جعلت إسمه مع اسمك فأوحى الله إليه يا آدم انه آخر النبيين من ذريتك ولولاه ما خلقتك.
ويمكنكَ مراجعةُ تفسير آيةِ: (وابتغوا إليه الوسيلة) في نفسِ التَّفسيرِ، وهذا الأخيرُ هُو الأولى مِن ذاكَ، لكِـن من بابِ أنني لم أشأ البحثَ أكثَر حيثُ هذا الأمر مسلَّم عندنا لم أنقُل ذلكَ.
أمّا كلامكَ من حيثُ النص الصريح القرآني، فلَو كنتَ تقصِد فيهِ نصاً لا يحتمِل أيَّ احتمال آخَر مِن الأساس، فهذا أمرٌ لم أجدهُ في القرآن الكريم لحدِّ الآن، فحتى آية: (وما محمد إلا رسول) يمكن الطعنُ فيهِ مِـن أنه كيفَ عرفتم من هو محمد المقصود هنا؟! وكذا ماذا تعني الصلاة وما هي تفاصيلها؟ وكذلكَ بقية العبادات؟
واعلَم أنَّ كلامكَ وبحثكَ إن أردتَ الغور فيه بهذه الطريقة، فأنا أعلِن إنسحابي، لا لشيءٍ سوى أنَّكَ تريد أن تفسِّر القرآن برأيكَ، وتريدُ أن تتركَ السنَّة الواردة عندكُم، وهذه الطريقة أيها المجاهد عمر أصبحت قديمة، وهُو التوكيل على الطرف المخالِف والخوض في مسألة الأسناد وما شاكَـل، وهو إخفاءٌ لحقائق مذهبكَ من أنَّ أغلبَ علمائكم بَل قد أقول الإجماعُ عليهِ –دونَ ابن تيمية وعدة قليلة من متبعيه- تركوا التوسُّل بالرسول (ص) بعد موتِـه، وإلا فالبقية متفقون على جواز التوسُّل بالرسول (ص) بعد موتِـه، يظهَرُ جلياً في آداب الزيارة للنبي (ص)، واستشهادهم ببعض الآيات القرآنية.
(2) الزيارة الجامعة الموجودة في كتاب مفاتيح الجنان، وكذا دعاء التوسّل.
فالزيارة الجامعة الكبيرة :
فقد رواها الشيخ الصدوق في كتابه المشهور من لا يحضره الفقيه ج2 ص609:
3213 - روى محمد بن إسماعيل البرمكي قال : "حدثنا موسى بن عبد الله النخعي قال : قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام علمني يا ابن رسول الله قولا أقوله ، بليغا كاملا إذا زرت واحدا منكم ، فقال : إذا صرت إلى الباب فقف وأشهد الشهادتين وأنت على غسل ، فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل : " الله أكبر ، الله أكبر - ثلاثين مرة - ، ثم امش قليلا ، وعليك السكينة والوقار ، وقارب بين خطاك ، ثم قف وكبر الله عزوجل - ثلاثين مرة - ثم ادن من القبر وكبر الله - أربعين مرة - تمام مائة تكبيرة، ويذكُر الزيارة الجامعة، ومِن بينِ فقرات الزيارة الجامعة ما يلي: (مستجيرٌ بكم)، (ومقدمي أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كلِّ أحوالي وأموري)، (ومن قصده توجَّـه بكم)، (يا ولي الله إن بيني وبين الله عز وجلَّ ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم)
وأورده الشيخ الطوسي في كتابِـه المعتمد (التهذيب) بسند صحيح عن الصدوق.
وكما ذكر في مفاتيح الجنان: (وهذه الزيارة كما صرح به العلامة المجلسي (رحمه الله)، إنما هي أرقى الزيارات الجامعة متنا وسندا وهي أفصحها وأبلغها).
واعلَم أنَّ في تصحيح الروايات وبيانُ هل هي متواترة أم لا، لا يرجع فيها إلا مجرَّدِ سندٍ واحدٍ أو عدة أسنادٍ، بَل يرجعْ فيها إلى أهل العلم، ويمكنك مراجعة أقوال أهل العلم في ذلكَ أمثال السيد علي الميلاني (حفظه الله) وكذا بعض المراجِـع الذين ذكروا هذه الزيارة وبحثوها سنداً ومتناً كالشيخ التبريزي والسيد الإمام الخميني –حسبما أذكُر
أما دعاء التوسل :
فقد أخرجه العلامة المجلسي عن بعض الكتب ، وقد وصفها بالمعتبرة ، وقد روى صاحب ذلك الكتاب الدعاء عن الصدوق قدس سره وقال : ما توسلت لأمر من الاُمور الا ووجدت أثر الاجابة سريعاً .
وأنا اختصرتُ على هاتين من بابِ أنها الأشهَر بينَ الأعلام في نقلِها والمواظبة عليها، وهُم ثقاتٌ عندنا، ولا يمكنكَ قياسُ ضوابطِ رجالكَ على ضوابطِ رجالنا لأنَّهم يختلفون عقيدةً، فستراهُم جميعاً كذابين وضاعين رافضة، لذا يستلزم البحثُ فيهم بالنهاية الدور، وهُو باطِل.
ويمكنكَ مراجعةُ كتاب (المزار) للشيخ المفيد في الأحاديث الوادرة في فضل زيارة الأئمة (ع) والأماكِـن المقدسة، وهُو كافٍ لبيانِ تواتر التوسُّل وإتيانهم عند قبورهم.
واعلَم أيّها المجاهِد عُمَـر، أنَّ هذه الروايات وهذه الزيارات، وقضيّة التوسُّل، تناقلتها الإمامية في كتبِ أعلامِها ومراجعِها جيلاً عن جيل، وعليهِ الإجماعُ من الطّائفة، وهذا هو الدَّليلُ الأعظمُ عندنا، فمِن هذا لَم أتعِب نفسي في استخراجِ الأحاديثِ من مصادرها الدَّقيقة، لأنَّ سؤالكَ أشبهُ عندي بأن تقولَ لي: اترُك الإجماع والتواتُر، وانتقِل إلى أسنادِ الآحاد أو الأخبار المستفيضة وما هي دونها، وهذا قبيحٌ مستقبحٌ عند أهلِ المذهب.
وأقولُ مرةً أخرى هُنا أيها المجاهد عمَر، مِن أنَّ المذهَب لا يبتني عقائده على بضعِ رواياتٍ، بَل العقائِـد دليلها الإجماع من الطائفة معَ العقلِ، ولا أجدُ منكَ سوى أن تنفي هذا الإجماع الموجود، وتنفي هذا التواتُر –وهُو دليلنا-.
الآنَ إن لم يكُن عندكَ إشكالٌ على ما أوردناهُ سابقاً، أعني دليل الإجماعِ والتواتِر وروايات فضائل الزيارة لأهل البيتِ (ع)، أنتقِلُ بكِ إلى آخِـر البحثِ باختصارٍ شديد، لأنني –كما استشممتُ منك- أنَّكَ تريد الجهاد في وسط المعركة أيها المجاهِـد، فلذا سآخذكَ هناكَ مباشِرة مِن قولِ أعلامكَ وأحاديثكَ التي صححها علمائكَ، بَل واتفقَ عليهِ إلا مِن ابن تيمية وبعض متبعيه، سواءً في تفسير الآياتِ أو السنَّة النبوية الشريفة أو سيرة الأعلام والمذاهب الأربعة.
Saleen S281
21-06-2006, 01:01 PM
معَ أنني لم أشأ أن أذكُـرُ تلكَ الروايات السابِـقة باقتناع، لكن ذكرتُـها من باب المداراة، وهُنا أيضاً بحثتُ في روايتين بصورة سريعة، وبحثت عن رجالهما، وإليكَ الروايتين:
الوسائل ج7 باب37 استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد
[ 8841 ] 1 ـ محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ( محمد بن عمر بن عبد العزيز ) (1) ، عن بعض أصحابنا ، عن داود الرقي قال : إني كنت أسمع أبا عبدالله ( عليه السلام ) أكثر ما يلح به في الدعاء على الله بحق الخمسة ، يعني رسول الله ، وأمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ( عليهم السلام ).
____________
(1) ذكِر في حاشية الوسئل ما يلي: في المصدر : عمر بن عبد العزيز .
هذا شرحُ رجال الحديث من كتاب جامع الرواة:
محمد بن يعقوب الكليني: شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم
محمد بن يحيى أبو جعفر العطار القمي: شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين.
أحمد بن محمد ين يحيى العطار القمي: وتصحيح بعض طرق الشيخ رحمه الله تعالى كطريقه إلى الحسين بن سعيد ونحوه يقتضي توثيقه.
محمد بن عمر بن عبد العزيز: بصير بالأخبار وبالرجال، حسن الاعتقاد، (الخلاصة والفهرست: من غلمان العياشي ثقة بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب)، أما لو كانَ (عمر بن عبد العزيز) فهُو يروي المناكير وليسَ بغال.
داود الرقي: مولى بني أسد ثقة من أصحاب أبي عبد الله.
====================
[ 8852 ] 12 ـ الحسن بن محمد الطوسي في ( المجالس ) عن أبيه ، عن المفيد ، عن محمد بن عمر الجعابي ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، ( عن أحمد بن محمد بن يحيى ) (1) ، عن الحسين بن سفيان ، عن أبيه ، عن محمد بن المشمعل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : من دعا الله بنا أفلح ، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك .
____________
(1) وردَ في الوسائل: في المصدر : يحيى بن زكريا بن شيبان.
محمد بن عمر الجعابي: كان من حفاظ الحديث وأجلاء أهل العلم.
أحمد بن محمد بن سعيد: جليل القدر عظيم المنزلة، أمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يذكر.
أحمد بن محمد ين يحيى العطار القمي: وتصحيح بعض طرق الشيخ رحمه الله تعالى كطريقه إلى الحسين بن سعيد ونحوه يقتضي توثيقه، وإن كان (يحيى بن زكريا بن شيبان) فهو أبو عبد الله الكندي العلاف الشيخ الثقة الصدوق لا يطعن عليه.
الحسين بن سفيان: وهو الحسين بن علي بن سفيان شيخٌ ثقة جليل القدر من أصحابنا.
سفيان بن خالد: من أصحاب الإمام الصادق كما يبدو، واللهُ العالِم.
محمد بن المشمعل: من أصحاب الإمام الصادق (ع).
ثابت ابن دينار (أبا حمزة الثمالي): من خيار الأصحاب وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وكما روي عن الصادق (ع) أنَّه قال: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه.
وقالَ صاحِب الوسائل بعدَ إيرادِ الباب:
أقول : والأحاديث في ذلك كثيرة جدا من طريق العامة والخاصة، وفي الأدعية المأثورة دلالة على ذلك لأنها مشحونة بالتوسل بهم ( عليهم السلام ).
==============
وأضيفُ هُنا نقطةً لكُم أيها الأخ الكريم:
أنتُـم تنكِرونَ عَلَيْنا التوسُّل، لذا نحنُ المطالبونَ بالدَّليلِ على ذلكَ، وبما أنَّ الفضلَ ما شهدت به الأعداءُ، فأذن لكَي أنتقِلَ إلى مصادركم، وأثبتَ لكَ التوسُّل من مصادركُم ومن أقوالِ علمائكم وأئمة مذاهبكم.
هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى: أنتُم تدَّعونَ الشِّركَ علينا، ونحنُ ننكِر ذلكَ، فأنتُم مطالبونَ بإيرادِ الدَّليلِ على ذلكَ سواءً منا، ليكونَ الفضلُ ما شهدت به الأعداء، أو بالاستدلال بالآيات القرآنيّة، والعقل.
وهُنا تجدُر الإشارة إلى نقطةٍ أنا تجاوزتُها معَ عدم قناعة -كما ذكرت-، وهو مسألة التوسُّل بين الشرك وعدمه، فهذا هُو الأساس قبلَ إثباتِ هَل هو حرامٌ أم مباحٌ، ولو كانَ حراماً فما الدَّليلُ على الحرمة حيثُ الأصلُ في الأشياءِ الإباحة؟ ولو كانَ مباحاً فهَل هُو مطلوبٌ أم لا؟ هذا هُو البحثُ العلمي -كما هُو واضح-، أمّا أن نعرِضَ عن التهمة الكبرى (الشرك)، ونتحوَّلَ إلى المتفرِّعات، فليسَ بمستساغٍ عند أهل العلم.
ثمَّ اعلَم -عزيزي الكريم- أنَّه لو سلمنا جدلاً أنَّه لا توجَـد ولا رواية في إثبات مشروعية التوسُّل، ولا يوجَـد أيُّ دليلٍ في مطلوبيّته، فكلُّ ما في الأمرِ أنَّك تنفي مطلوبيّتُـه لا أكثَر، فيبقى على إباحاته، وحينها سنعودُ إلى أدراجِنا في بحثِ هَل هُو شركٌ أم لا؟ فالتَّرتيب المبدوءُ بهِ ليسَ ترتيباً منظَّما، فهُو لف ونشرِ غير مرتَّب، لكِـن مِن باب المداراة معكم أواصِلُ، حتى لا يقولَ قائل: ليست لديهم روايات أو مثلَما أوردَ من سبقَ دعاءً أو دعائين وبضع كلمات من نهج البلاغة ليقولَ أنَّ الأئمة (ع) نهوا عن التوسُّل.
على كل حال، أنتظِركَ لأرى أينَ هيَ مسيرتُكَ التي تتوجَّـهُ لها.
المجاهد عمر
22-06-2006, 07:42 PM
معَ أنَّ البحثَ بهذه الطَّريقةِ بلا جدوائيّة، فإنَّكَ لو شئتَ الرِّوايات مِن عندنا، والتفاسيرَ من عندنا فلَن تقبَل بها، وهُنا تعمَّدتُ أن أختارَ الصحيح من الروايات والأعلى سنداً، وأيضاً اخترتُ الأعظَم كلماتاً لأرى أينَ جدوائيّة هذه الأسئلة عندكم، فلا نتيجةَ من ذلكَ ترجى.
وكما ذكرتُ سابقاً، إنَّ الأولى أن ننفي الشركيّة، ونعلَم مصاديق الشرك، ومِن ثمَّ نشرَع في البحث هَل هُم ينفعونَ فعلاً أو لا ينفعون، وهذا هُو البحثُ العلميّ –حسبما أعلم-.
لكِـن من بابِ عدم الإطنابِ في اختيار نقطة البداية، تماشيتُ معكُم دونَ اقتناع، وهذه أجوبتكم:
(1) تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 1 ص 148 :
:
ذكَرَ السيد الطباطبائي في تفسير الميزان في ذيلِ تفسير الآية: "فتلقى آدمُ من ربِّه كلمات.." ما يلي:
وفي رواية اخرى –أي من الكليني- في قوله : فتلقى آدم من ربه كلمات قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. أقول: وروى هذا المعنى أيضا الصدوق والعياشي والقمي وغيرهم ، وروي ما يقرب من ذلك من طرق اهل السنة والجماعة ايضا كما رواه في الدر المنثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحق محمد الا غفرت لي فأوحى الله إليه ، ومن محمد ؟ قال : تبارك إسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس احد عندك اعظم قدرا ممن جعلت إسمه مع اسمك فأوحى الله إليه يا آدم انه آخر النبيين من ذريتك ولولاه ما خلقتك.
ويمكنكَ مراجعةُ تفسير آيةِ: (وابتغوا إليه الوسيلة) في نفسِ التَّفسيرِ، وهذا الأخيرُ هُو الأولى مِن ذاكَ، لكِـن من بابِ أنني لم أشأ
البحثَ أكثَر حيثُ هذا الأمر مسلَّم عندنا لم أنقُل ذلكَ.
أمّا كلامكَ من حيثُ النص الصريح القرآني، فلَو كنتَ تقصِد فيهِ نصاً لا يحتمِل أيَّ احتمال آخَر مِن الأساس ، فهذا أمرٌ لم أجدهُ في القرآن الكريم لحدِّ الآن ، فحتى آية : (وما محمد إلا رسول) يمكن الطعنُ فيهِ مِـن أنه كيفَ عرفتم من هو محمد المقصود هنا؟!
وكذا ماذا تعني الصلاة وما هي تفاصيلها ؟ وكذلكَ بقية العبادات ؟
واعلَم أنَّ كلامكَ وبحثكَ إن أردتَ الغور فيه بهذه الطريقة ، فأنا أعلِن إنسحابي ، لا لشيءٍ سوى أنَّكَ تريد أن تفسِّر القرآن برأيكَ ، وتريدُ أن تتركَ السنَّة الواردة عندكُم ، وهذه الطريقة أيها المجاهد عمر أصبحت قديمة ، وهُو التوكيل على الطرف المخالِف والخوض في مسألة الأسناد وما شاكَـل ، وهو إخفاءٌ لحقائق مذهبكَ من أنَّ أغلبَ علمائكم بَل قد أقول الإجماعُ عليهِ –دونَ ابن تيمية وعدة قليلة من متبعيه- تركوا التوسُّل بالرسول (ص) بعد موتِـه ، وإلا فالبقية متفقون على جواز التوسُّل بالرسول (ص) بعد موتِـه ، يظهَرُ جلياً في آداب الزيارة للنبي (ص) ، واستشهادهم ببعض الآيات القرآنية.
الأستاذ/ الهاشمي...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله ، عليه وعلى آله وأصحابه أتم التسليم ، ومن سار على دربهم ، ثم أما بعد :-
بقدر ما كان لي من ملاحظات حول ردك الأول ، إلا أنني سعدت كثيرًا ، لأنني – ربما – وللمرة الأولى أناقش شيعيًا يجيب من أول وهلة ، ولا يحاول اللف أو الدوران ، هكذا بدا لي والله حسيبك .
الأستاذ / الهاشمي...
أتمنى أن نكون صادقين كلانا في البحث والتجرد للحق ، فانسى بأنك شيعي ، وسأنسى بأنني سني – مؤقتًا - ، وأحسن النية ، لأنني لمحت من ردك بعض الإتهامات لي بأنني أقصد ولا أقصد ، وبأنني أدخل معركة أو ما شابه ذلك ، مما جعلني أظن – وأسأل الله أن أكون مخطئًا – بأن الرواسب أو الحواجز النفسية لا تزال موجودة بيننا .
الأستاذ / الهاشمي...
ألسنا باحثين عن الحق نطلبه وندور معه حيث دار ؟ فلم التشكيك في النوايا إذن ؟ أسأل الله أن يهدينا وإياكم للحق بإذنه ومنه وكرمه ، وإعلم يا رعاك الله بأننا سنقف أمام ربنا جل وعلا ، وسوف يسألنا ، لذا...فلنؤد أمانة الحوار كما ينبغي ، وعلى الله التكلان ، وهو المستعان .
في حقيقة الأمر أريد تركيز الحديث حول الآية ، وعدم الانتقال منها لنقطة أخرى قبل الانتهاء منها ، ثم نناقش الأحاديث المروية من أهل السنة ومن الشيعة ، ولا تخف ، فسأناقش معك ما تريد من أدلة ، فبداية الحوار معك يبدو بأنها مشجعة جدًا .
الأستاذ / الهاشمي...
ذكرت آية : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:37)
وقبل أن أخوض معك في تفسيرها ، أريد أن أخبرك بأننا أهل السنة والجماعة نفسر القرآن بالتالي :
(1)تفسير القرآن بالقرآن ، فنرد الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة ، فالقرآن يفسر بعضه بعضا .
(2)ونفسر القرآن بالسنة أيضًا ، لأنها جاءت مفصلة ، ومبينة لأحكام القرآن المجملة .
(3)ونفسره بالمأثور من أقوال الصحابة والتابعين ، لأن القرآن نزل بلغتهم ، ثم هم تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة .
ولقد رجعت لتفسير الآية التي قلت بأن الكلمات التي دعا بها آدم ربه : (أسألك بحق محمد إلا غفرت لي) ، في تفسير القمي ، الجزء الأول ، ص 55 ، الطبعة الأولى عام 1412هـ ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، فوجدت ما نصه : "وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه ، وهي : سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، عملت سوءًا ، وظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي إنك خير الغافرين ، سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، عملت سوءًا ، وظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم" (انتهى) .
ولم يذكر فيها أنه توسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما نقلت لنا أنت بأن القمي قد ذكره في تفسيره .
ثم رجعت لتفسير العياشي ، الجزء الأول ، ص 54 ، الطبعة الأولى المحققة عام 1411هـ ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات فوجدت ما نصه من قول آدم : "يا رب ، الحجة لك علينا ، ظلمنا أنفسنا وعصينا ، وإلا تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين ، قال : فلما أقرا لربهما بذنبهما ، وأن الحجة من الله لهما ، تداركتهما رحمة الرحمن الرحيم ، فتاب عليهما ربهما إنه هو التواب الرحيم" (انتهى) .
إلا أنني – وللأمانة العلمية – وجدته قد ذكر سؤال آدم لله تعالى بحق محمد في روايةٍ واحدة فقط ، مروية عن محمد بن عيسى بن عبد الله العلوي عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ولم أتحقق من صحة الرواية .
وكذا وجدت الرواية في تفسير السيوطي ، ذكرها مرة واحدة ، وذكر معها رواياتٍ كثيرةٍ جدًا تنقضها ، ولقد ذكرها دون أن يذكر صحتها من عدمها ، فلا دليل لديك على صحتها ، وسأضع لك بعض المنقول عن أهل السنة في تفسير هذه الآية :
أخرج عبد بن حميد والمنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة في قوله : (فتلقى آدم من ربه كلمات)} قال: ذكر لنا أنه قال: يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت ؟ قال: فإني إذن أرجعك إلى الجنة) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فاستغفر آدم ربه وتاب إليه فتاب عليه. وأما عدو الله إبليس فوالله ما تنصل من ذنبه، ولا سأل التوبة حين وقع بما وقع به، ولكنه سأل النظرة إلى يوم الدين، فأعطى الله كل واحد مهما ما سأل.
وأخرج الثعلبي من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات) }قال : قوله : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (فتلقى آدم من ربه كلمات) }قال : هو قوله : (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) ، وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وعن الضحاك. مثله.
إذن ، وبغض النظر عن صحة الروايات من عدمها ، نستنتج بأن هناك قولان في تفسير الآية :-
(1) أن آدم سأل الله بحق محمد .
(2) أنه دعا ربه قائلاً : "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" أو فيما معناه من كلام .
وبالنظر إلى طريقة أهل السنة في رد الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة ، نجد بأن الله تعالى قد بين الكلمات التي دعا بها آدم عليه السلام ، في موضعٍ آخر من القرآن ، في سورة الأعراف ، فتأمل معي قوله تعالى :
(وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (الأعراف 19 : 24)
إذن فالقرآن يفسر بعضه بعضا ، ولا حاجة للقول على الله بغير علم ، فلقد ذكر سبحانه ما قاله آدم نصًا ، ولم يذكر توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فلا حجة لك في هذه الآية .
إن كان لديك أي تعليق على هذه الآية فلتذكره ، موافقًا أو مخالفًا لي ، لنناقشه أو ننتقل للأدلة الأخرى ، لأنني أظن بأن الأمر جليٌ وواضح لا يحتاج لبحث .
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحابته....
المجاهد عمر
Saleen S281
23-06-2006, 05:48 PM
الأخ الكريم المجاهد عمر!
السَّلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه،،،
الحمدُ للهِ الذي ليسَ لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، فلا إله غيره ولا شيءَ يعدله، ثمَّ الصلاة والسَّلامُ على خيرِ خلقِه وأشرفِ بريَّته أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطّاهرين المعصومين، واللعنُ الدّائمُ على أعدائهم أجمعين.
الأخ الكريم المجاهِـد عمر!
أعتذِر -قبلَ كلِّ شيء- على الرَّدِّ الأوَّل الذي ذكرتُـه، حيثُ رأيتُ أسلوبكَ فيهِ نوعٌ مِن التهجُّم، فَطلبتُم منّا الدَّليل وخصصتموهُ في موردِ كتبنا فقط، فتعجَّبتُ مِن طريقتكم لحكرِ الإنسـان في موردٍ بسيط معَ أنَّ الاستدلال الأسهَل هُو من كتبِ المقابِل -كما ذكرنا-، فالفضل ما شهدتُم به على أنفسكم.
وأرجو عدم مناداتي بـ (الأستاذ) -إن لم يكن هناكَ مانع- ليكونَ الحوارُ أخوي، فهُوَ أفضَل.
الأخ العزيز المجاهد عمر!
سعدتَ كثيراً بأخلاقيّاتِكَ في الحِوارِ وحسنِ ظنِّكَ، وإن شاءَ اللهُ تعالى منكُم نستفيدُ للوصولِ إلى الحقِّ والحقيقة.
على كلِّ حال -معَ أنَّ الآية عن قصة النبي آدم (ع) لم أطرحْها من باب الموضع الرئيسي؛ فذكرتُ أنَّ الأولى الخوضُ في آية الوسيلة (وابتغوا إليه الوسيلة)، لكِـن لا بأسَ بالخوضِ في هذه الآية-،،،
بالنِّسبةِ للكلمات التي تلقاها آدم (ع)، فتفصيلُ الكلامِ فيهِ يتمحور حولَ محورين:
(1) ما هيَ الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة؟
(2) هَل يمكِـن الجمعُ بينَ الروايات أم لا؟
أمّا الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة، فنذكُرُ منها:
ورد في المستدرك للحاكم ج2 ص672 كتاب تواريخ المتقدمين، كتاب آيات رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: "حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) و سلم : لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله : يا آدم و كيف عرفت محمدا و لم أخلقه ؟ قال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك و نفخت في من روحك و رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك و لولا محمد ما خلقتك.
هذا حديث صحيح الإسناد و هو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب" أمّا تعليق الذهبي قي التلخيص: بل موضوع.
وورد في الدر المنثور للسيوطي ج1 تفسير الآية: "قوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم
الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطاب قال " قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : لما أذنب آدم بالذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحق محمد إلا غفرت لي ؟ فأوحى الله إليه : ومن محمد ؟ فقال : تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب " لا إله إلا الله محمد رسول الله " فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله إليه : يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك ولولا هو ما خلقتك "
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه"
ورد في كتاب (الشفا) للقاضي عياض ج2 ص35:
"و قال –لمالكٍ-: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة و أدعوا أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : و لم تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة ؟ بل استقبله و استشفع به فيشفعك الله قال الله تعالى : { و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}"
هذا قسمٌ من الروايات والقِسمُ الآخر من الروايات هُو ما ذكرتموهُ في مشاركتكم، وكلا القسمين واردين في كتب الفريقين.
وبالنِّسبةِ للآية القرآنية التي ذكرتَـها -أخي الكريم- فإنَّ الآيةَ أقصى ما تثبتُـه أنَّ آدم نطقَ بتلكَ الكلمات، وإثباتُ شيءٍ لا يعني نفيُ ما عداه، والآية لم تحصُر أنَّ قولَ النبي آدم (ع) كانَ منحصراً في هذه الكلمات، وهُو واضحٌ جليٌ.
حيثُ نرى بعض الآيات تنقُل عن لسانِ أهلِ النَّارِ أقوالاً وكذا عن لسانِ أهل الجنَّةِ أقوالاً أخرى، ولَم أجِـد من يقولُ أنَّ الكلماتَ يجِب أن تكونَ هيَ بنفس اللفظ دونَ أي تغيير، بَل لا يستبعد أن تكونَ الكلمات نطقاً عن لسانِ حالهم، وهُو احتمالٌ واردٌ أيضاً.
ومِن جهةٍ أخرى، الحصرُ الذي ذكرتَـه ليسَ جامعاً في الأقوال -عزيزي الكريم-، والحصرُ الذي أقررهُ هنا هُو التالي:
(1) التوسُّلُ بمحمد (ص).
(2) عدمُ التوسُّل به (ص) بصورة عامّة، سواءً كانَ بدعاء (ربنا ظلمنا...) أو بغيره.
فقد راجعتُ تفسير السيوطي، ووجدتُ أنَّ من بينِ الأدعية التي دعا بها آدم (ع) -حسب ما روي- هو الدّعاء التالي: ( اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي وأرضني بما قسمت لي فأوحى الله إليه : يا آدم قد قبلت توبتك وغفرت ذنك ولن يدعوني أحد بهذا الدعاء إلا غفرت له ذنبه وكفيته المهم من أمره وزجرت عنه الشيطان واتجرت له من وراء كل تار وأقبلت إليه الدنيا راغمة وإن لم يردها).
وكذا وردت أقوالٌ أخرى، من قبيلِ: ( لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب عملت سوءا وظلمت نفسي فإغفر لي إنك أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنت أنت التواب الرحيم).
وغيرُ ذلكَ من الأقوالِ المذكورةِ التي يمكنكَ مراجعتها في كتبِ التفسير ضمنَ الآية المباركة، من قبيل أنَّ الكلمات كانت بشأن الحج وغيرُ ذلك.
على كلِّ حال،،،
برأيي القاصِر -بعدَ التأمُّل في الأحاديث المروية-، أؤيِّدَ أن تكونَ الآيةُ القرآنية حاكيةً عن لسانهما لأنَّهُما كانا بعيدين عن بعض، فقد ورد في المروي أنَّ آدمَ كانَ في الهندِ وحواء كانت في جدة، وغيرُ ذلكَ من الروايات، التي مفادُها أن التقاءهما كانَ بعدَ توبةِ اللهِ لهُما، فيستبعدُ أن يكونَ قولُهما من نفسِ صنفِ الكلمات بالدِّقةِ المروية، وبالتَّالي تكونُ الروايات كاشفةً عن تفصيلِ دعواتهما، كما سيأتيكَ بيانُـه في المحور الثاني بشيءٍ من التفصيل.
كلُّ ذلكَ فرضتُـه فرضاً أخي الكريمِ، وأستبعِدُ أيضاً أن تكونَ الكلماتُ التي تلقاها آدمُ –التي تابَ الله عليهِ بسببها- هيَ: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفِر لنا وترحمنا لنكوننَّ مِن الخاسرين) للسَّبَب التَّالي:
إنَّ الآيات التي ذكرتها من سورة الأعراف لو دققتَ فيها لعلمتَ أنَّ القولَ بهذا القولِ ضعيفٌ، حيثُ الآيات تحكي ما يلي: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ)، فالحادثةُ هنا ما زالتْ في الجنَّةِ كما هُو واضحٌ.
ثمَّ يقولُ تعالى مباشرةً بعدَ ذلك: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فقولهما هذا واضحٌ أنَّـه كانَ في الجنَّة قبلَ هبوطِهِما إلى الأرض، لذا ترى احتمال أنَّ كليهما نطقا بقولٍ واحد أو لسانِ حالٍ واحد.
ثمَّ يقولُ تعالى: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، فهبوطُهما كانَ بعدَ قولِهِما ذلكَ، ويظهَرُ ذلكَ بوضوحٍ هُنا.
أمّا لو رجعنا إلى سورة البقرة، فنَرى عكسَ ذلكَ –لو تأمَّلنا قليلاً-، حيثُ يقولُ تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، فأهبِطا من الجنَّة إلى الأرض.
ثمَّ قالَ تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، أي بعدَ هبوطِهِما تلقّى آدمُ الكلمات التي تابَ اللهُ بها عليه، وقولُهما: (ربنا ظلمنا..) كانَ قبلَ هبوطِهِما، وتلقّي آدمَ للكلماتِ كانَ بعدَ الهبوط.
فكيفَ نقولُ بأنَّ (ربَّنا ظلمنا...) كانَت هي الكلمات المتلقاة، والحالُ أنَّ النُّطقَ بها كانَ قبلَ التَّلقّي؟
لكِـن قد يستشكَلُ على هذا القولُ بأنَّ اللهَ تعالى قال بعدَ آية: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، قال تعالى بعد ذلك: (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، حيثُ أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ هبوطَهَما بعدَ التلقّي أيضاً، فاتَّحد زمانُ الآيتين، فكلاهما قبلَ الهبوط.
فأقولُ: الأظهَرُ أن تحمَل الآيات التي تلي (فتلقّى آدم..) على أنَّها بيانٌ لسببِ الهبوط السَّابِق، وبيانٌ لهدف الخلقة وبعثِ الأنبياء، حيثُ يقسِّمُ النَّاسَ إلى الهداة والضالين.
أمّا لو حمَلْنا (فتلقى آدم...) على هذا السِّياق الخاصِّ في سورة البقرة، فمعناهُ أنَّ التوبَةَ لآدمَ كانت في الجنَّة قبلَ هبوطِه، لكنَّ الروايات تذكُرُ أنَّ التوبةَ كانَت بعدَ الهبوط، حيثُ تابَ اللهُ عليهِما وأمرَهُما أن يلتقيا ببعضهما، ويبدو أنَّ الإجماعَ قد وقعَ على كونِ التوبةِ كانَت بعد الهبوطِ، لذا حملُ (فتلقى آدم... فتابَ عليه...) على كونِه يسبقُ ما يليهِ زمانياً يستلزِمُ كونُ التَّوبةِ سابقاً للهبوط، وهُو باطِلٌ، فإذا بطل اللازم بطلَ الملزوم.
فلو قلتَ: لمَ لا تحمِلُ آيةَ سورة الأعراف: (قالا ربنا ظلمنا...) على ما حملته في سورة البقرة، فتقولَ أنَّ الآية التالية: (قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌ...) هيَ للبيان؟
فنقولُ: إنَّ آيةَ: (قالا ربنا ظلمنا...) لا توجَـد فيها أنَّ اللهَ تابَ عليهِما، فلا دليلَ لحملِه على خلاف الظاهر.
ثمَّ إنَّ الآيات بعدَ ذلكَ –أي بعدَ آية: (قلنا اهبطوا بعضكم...)- تبيِّنُ أسبابَ الهداية والضَّلال، مما يكشِفُ عن الترتيب، وأنَّ البيانَ عائدٌ لسبب الهبوطِ، وبما أنَّ الهبوطَ ذكرَ قبل الآيات مباشرة، فحملُها على التوالي المباشِر أولى مِن الفصلِ، خصوصاً أنَّنا لو حملنا تكرار الهبوط على أنَّ المرادَ منه البيان، فلم تذكُرِ الآيات هبوطاً قبلَ ذلكَ لنرجِـعَ البيانَ لذلك.
وشخصياً –بعدَ التأمُّل أكثَر- أرى أنَّ قولَهما (ربَّنا ظلمنا...) تكرَّرَ مرَّتين، مرةً في الجنَّةِ فأخرجا منها ولم تقبَل توبتهما، ومرةً بعدَ هبوطِهِما، وما ذكِرَ في القرآنِ إشارةٌ إلى قولِهِما قبلِ هبوطِهما، ولَم أقُم بذكرِ ذلكَ من نسجِ خيالي، فأمّا الدليلُ على أنَّ المرة الأولى قبلَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في كتاب (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق ص108، حيثُ يذكُر في حديثٍ طويلٍ عن أبي عبد الله (ع) –اقتصرتُ منهُ على موضع الشاهد-:
(فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناديهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو مبين؟ فقالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش ، فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما : ... فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل إلى أرضه فسلا ربكما بحق الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما، فقالا، اللهم إنا نسألك بحق الاكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام إلا تبت علينا ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم).
أمّا الدَّليلُ على المرَّةَ الثانيةَ بعدَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في الرِّوايات الأخرى التي تبيِّن أنَّ اللهَ تابَ عليهما بسبب قولِهِما: (ربنا ظلمنا...).
وأضيفُ هنا نقطتين لمزيدٍ من التَّوضيح:
(1) قالَ تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، حيثُ الآيةُ تثبتُ (التلقّي)، فهناكَ من ألقى هذه الكلمات إلى النَّبيّ آدم (ع)، والظّاهِر أنَّ آيةَ: (قالا ربنا ظلمنا...) تبيِّن قولهما الصادِر عنهما، ولو أردنا حملَ التلقّي في الآية الأولى على أنَّ اللهَ ألقى في قلبهما أن يقولا (ربنا ظلمنا...) فهُو يحتاجُ إلى دليلٍ لصرفِ اللفظ عن ظاهِر معنى التلقّي عن الوحي.
(2) الرّوايات التي وردت في تفسير السيوطي التي تبيّن أنَّ كلمات آدم (ع) كانت (قالا ربنا ظلمنا...) –حسبَ النظرة الأولية بصورة سريعة- تعودُ إلى الصحابة كابن عباس وقتادة وغيرِهِم، ممّا يبيِّن أنَّها استنتاجُهُم لا قولَ الرَّسول (ص)، فلو كانَ ذلكَ ما سمعوهُ من الرَّسول (ص) لذكروا ذلكَ، والأحاديث التي ذكرت عن الرسول (ص) تبيِّنُ أنَّ الكلمات كانت أدعية أخرى غير (قالا ربنا ظلمنا...)، ولا نريدُ طرحَ أقوالِ ابن عباس وغيرِه، فنحملُه على المرَّة الثانية.
أمّا بالنِّسبةِ لجمعِ الأخبار:
فواضحٌ أنَّه يمكِن لنا جمعُ الأخبارِ بلا معارضة بينَها، فتكونُ جميعُ الأدعية واردة على لسان النبي آدم (ع) في مواضع مختلفة حين استغفاره، والجمعُ أولى من الطَّرح في حال الإمكان –كما هو مسلَّم-، خصوصاً أنَّ العرفَ يحكم بأنَّ النبي آدم (ع) استغفَر مراتٍ ومراتٍ، فما المانع من أن تكونَ كلُّ رواية ناظرة إلى مرةٍ من المرات؟ فنقولُ أنَّ النبي آدم (ع) استغفرَ بعدّة أدعية، مِن بينها (ربنا ظلمنا..) ومِن بينها التوسُّل بحق محمد وآل محمد (ص)، ومِن بينها (سبحانك لا إله إلا أنت..).
بهذا يتَّضِح لكُم أنَّه لا يمكِن طرحُ رواية توسُّل النبي آدم (ع) حتّى لو كانَ ضعيفاً سنداً، وأقصى ما نراهُ أنَّ هناكَ احتمالين يقَعَ بينَهُما التَّرجيح، والتَّرجيحُ بلا مرجِّحٍ باطلٌ، والجمعُ أولى من الطَّرحِ أيضاً، فلا سبيلَ لطرحِ هذه الرِّوايةَ بمجرَّدِ وجودِ رواياتٍ أخرى تختلِفُ مضموناً دونَ تعارضٌ، واللهُ العالِم.
وقَد نجدُ جمعَ بعضٍ منها في بعضِ الرِّوايات التي وجدتُها أثناءَ البحث، فقد وردَ في كتاب (مناقب أهل البيت عليهم السلام) للمولى حيدر الشرواني ص89 روايةً نقلَها عنِ السّيوطي في تفسيره الدُّر المنثور –ومنهُ يعلَم أنَّ السيوطي ذكرَ روايةَ التوسُّل مرتين بصيغتين مختلفتين، بَل ثلاثُ مراتٍ كما وجدت لا مرةً واحدة كما ذكرتم أخي الكريم-، وأنا أنقُلُ الرواية مِن الدُّر المنثور، وكذا أنقُل الرواية الثالثة التي تليها، لتكتملِ الثلاث روايات التي وجدتها في الدُّر المنثور للتوسّل بمحمد وآلِ محمد (ص):
(وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه عن علي قال " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال : إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم البعير ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي ؟ ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك حواء أمتي ؟ قال : بلى، قال : فما هذا البكاء ؟ قال : وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن ! قال : فعليك بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم".
وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال : سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ألا تبت علي فتاب عليه".)
فهذه روايتان إضافة إلى الرواية الأولى التي ذكرت قبلَ هذه الروايتين بصفحات في ذيل الآية نفسها من سورة البقرة، ورأيتُم في الرواية الثانية كيفَ تمَّ جمعُ السؤال بحقِّ محمد وآل محمد معَ الدّعاء (لا إله إلا أنت..)، وهُو كدليلٍ على إمكانِ الجمع، بَل وجودِه فعلاً.
-------------------------------------------------
أمّا بالنِّسبةِ للتَّفاسير التي ذكرتَها أخي الكريم فإليكَ تفصيلها بصورةٍ موجزة:
الفقرةُ التي نقلتُها كانَت كاملة للسيد الطباطبائي من تفسير الميزان، أي فقرة: (أقول: وروى هذا المعنى أيضاً الصدوق والعياشي والقمي وغيرهم...) كلُّه للسيد الطباطبائي، فلَم أذكُر أنا المصادِر، ولكِـن راجعتُ ورأيتُ أنَّ كلامكم بالنِّسبةِ لتفسير القمي صحيح –لحد بحثي-، فلم أجِـد أنَّ السيد القمي ذكر ذلكَ في تفسيره، واللهُ العالِم.
لكِن صاحب الحاشية على التفسير (السيد طيب الموسوي الجزائري) ذكَرَ ذلكَ في ذيلِ آية: (وإذ ابتلى إبراهيم ربَّه بكلمات..)، فذكَر ما معناهُ أنَّه لا يبعد أن تكونُ الكلمات هي التوسُّل بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وذكر رواية النبي آدم (ع) في التوسُّل بهم (ع)، فقد يكونُ السيّد الطباطبائي لم يدقِّق في ذلك، أو حصلَ تصحيفٌ في البينِ، وعلى كلٍ، لم ينقُل ذلكَ السيد القمي في تفسيره –لحدّ بحثنا-.
أما تفسير العياشي فتوجَد فيه روايتان -لا رواية واحدة كما ذكرتم أخي الكريم-، وهذا هُو نصُّ الروايتين المتتاليتين:
(27) عن عبد الرحمن بن كثير عن ابى عبد الله عليه السلام قال : ان الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته . فمر به النبي صلى الله عليه وآله وهو متكى ، على على عليه السلام وفاطمة صلوات الله عليهما تتلوهما والحسن والحسين ( ع ) يتلوان فاطمة ، فقال الله : يا آدم اياك ان تنظر إليهم بحسد اهبطك من جواري ، فلما اسكنه الله الجنة مثل له النبي وعلى وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، فنظر إليهم بحسد ثم عرضت عليه الولاية فانكرها فرمته الجنة بأوراقها ، فلما تاب إلى الله من حسده وأقر بالولاية و دعا بحق الخمسة محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين ( ع ) غفر الله له ، وذلك قوله " فتلقى آدم من ربه كلمات " الآية.
(28) عن محمد بن عيسى بن عبد الله العلوى عن أبيه عن جده عن على عليه السلام قال : الكلمات التى تلقيها آدم من ربه قال : يا رب اسئلك بحق محمد لما تبت على ، قال : وما علمك بمحمد ؟ قال : رأيته في سرادقك الاعظم مكتوبا وأنا في الجنة.
وهناكَ روايات أخرى بنفس المضمونِ في كتبٍ أخرى لم أبحث عنها لاقتصاري على السَّابِقِ ذكرُه.
أعتذِرُ على الإطنابِ في الكلامِ، وإن شاءَ الله نتوصَّل وإيّاكُم إلى الحقِّ الخالِص،،،
الهاشمي
المجاهد عمر
01-07-2006, 08:39 PM
الهاشمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتذر كثيرًا لغيابي "القسري" وتأخري بسبب انشغالي الشديد ، خلال يوم أو يومين على الأكثر سأضع ردي .
المجاهد عمر
dbooor
11-08-2006, 02:32 PM
يرفع لتكملة الحوار :-)
المجاهد عمر
29-08-2006, 02:24 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، ثم أما بعد : -
(قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) .
اللهم اهدنا إلى سواء الصراط ، واجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .
أعتذر عن غيابي وتأخري ، وأسأل الله أن لا يشغلنا إلا بطاعته....
تقول يا أخي الفاضل :
بالنِّسبةِ للكلمات التي تلقاها آدم (ع) ، فتفصيلُ الكلامِ فيهِ يتمحور حولَ محورين :
(1) ما هيَ الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة ؟
(2) هَل يمكِـن الجمعُ بينَ الروايات أم لا ؟
أما ما ذكرت في النقطة الأولى فلا أوافقك عليه لعدم دقته ، فأقول - بارك الله فيك – مصححًا للنقطة الأولى :
(1) ما مدى (صحة) الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة ؟
ولا أختلف معك حول النقطة الثانية ، الخاصة بإمكانية الجمع بين الروايات .
والآن سأناقش الروايات التي وضعتها :
الرواية الأولى ، والثانية :
عن عمر بن الخطاب مرفوعا : (لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال : يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه ؟ قال يا رب لما خلقتني بيدك ونخفت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال : غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) .
تعليقي على الرواية :
أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري : حدثنا إسماعيل بن مسلمة : أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر . وقال : "صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب"
فتعقبه الذهبي بقوله : قلت : بل موضوع ، وعبد الرحمن واهٍ ، وعبد الله بن أسلم الفهري لا أدري من ذا .
قال الإمام الألباني رحمه الله :
ومن تناقض الحاكم في (المستدرك) نفسه ، أنه أورد فيه حديثًا آخر لعبد الرحمن هذا ولم يصححه ، بل قال : (والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد) .
قلت : والفهري هذا أورده الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث وقال : (خبر باطل) ، وكذا قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (3/360) ، وزاد عليه قوله في الفهري هذا : (لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) ، قلت : والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رُشيد ، قال الحافظ : ذكره ابن حبان ، متهم بوضع الحديث ، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة ، لا يحل كتب حديثه ، وهو الذي روى عن ابن هدية نسخة كأنها معمولة .
قلت : والحديث رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص207) : ثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري : ثنا أحمد ابن سعيد المدني الفهري : ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به . وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون ، وقد أشار إلى ذلك الحافظ الهيثمي حيث قال في "مجمع الزوائد" (8/253): (رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم).
قلت : وهذا إعلال قاصر ، يوهم من لا علم عنده أن ليس فيهم من هو معروف بالطعن فيه ، وليس كذلك فإن مداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال البيهقي : (إنه تفرد به) وهو متهم بالوضع ، رماه بذلك الحاكم نفسه ، ولذلك أنكر العلماء عليه تصحيحه لحديثه ، ونسبوه إلى الخطأ والتناقض ، فقال (وراث علم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين شيخ الإسلام ابن تيمية) رحمه الله في "القاعدة الجليلة" (ص89) : (ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم" : (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة ، لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه) ، قلت : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً ، ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني ، وغيرهم . وقال ابن حبان : (كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف، فاستحق الترك).
وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث ، وقالوا : (إن الحاكم يصحح أحاديث موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم).
قلت : وقد أورد الحاكم نفسه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه "الضعفاء" كما سماه العلامة ابن عبد الهادي ، وقال في آخره : (فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم ، لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة ، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به ، فإن الجرح لا أستحله تقليداً ، والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : (من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْن) .
قلت: فمن تأمل في كلام الحاكم هذا والذي قبله يتبن له بوضوح أن حديث عبد الرحمن بن زيد هذا موضوع عند الحاكم نفسه ، وأن من يرويه بعد العلم بحاله فهو أحد الكاذبَيْن . وقد اتفق عند التحقيق كلام الحفاظ ابن تيمية والذهبي والعسقلاني على بطلان هذا الحديث ، وتبعهم على ذلك غير واحد من المحققين كالحافظ ابن عبد الهادي ، فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصحح الحديث بعد اتفاق هؤلاء على وضعه تقليداً للحاكم في أحد قوليه ، مع اختياره في قوله الآخر لطالب العلم أن لا يكتب حديث عبد الرحمن هذا ، وأنه إن فعل كان أحد الكاذبين كما سبق .
لقد تبين للقراء الكرام مما سلف أن للحديث علتين :
الأولى : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وأنه ضعيف جداً.
الثانية : جهالة الإسناد إلى عبد الرحمن .
وللحديث عندي علة أخرى . وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده ، فتارة كان يرفعه كما مضى ، وتارة كان يرويه موقوفاً على عمر ، لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" (ص427) من طريق عبد الله ابن اسماعيل بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد به ، وعبد الله هذا لم أعرفه أيضاً ، فلا يصح عن عمر مرفوعاً ولا موقوفاً ، ثم رواه الآجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال : من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال : (اللهم أسألك بحق محمد عليك..الحديث) نحوه مختصراً ، وهذا مع إرساله ووقفه ، فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جدًا ً، وفيه عثمان بن خالد والد أبي مروان العثماني ، قال النسائي : (ليس بثقة).
وعلى هذا فلا يبعد أن يكون أصل هذا الحديث من الإسرائليات التي تسربت إلى المسلمين من بعض مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم . أو عن كتبهم التي لا يوثق بها ، لما طرأ عليها من التحريف والتبديل كما بينه شيخ الإسلام في كتبه ، ثم رفعه بعض هؤلاء الضعفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمداً.
مخالفة هذا الحديث للقرآن الكريم :
ومما يؤيد ما ذهب إليه العلماء من وضع هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في موضعين منه :
الأول : أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل يقول : (فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) . وقد جاء تفسير هذه الكلمات عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مما يخالف هذا الحديث ، فأخرج الحاكم (3/545) عنه : (فتلقى آدم من ربه كلمات) قال : أي رب ! ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى . قال : ألم تنفخ فيَّ من روحك ؟ قال : بلى . قال : أي رب ! ألم تسكنّي جنتك؟ قال : بلى . قال : ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : بلى . قال : أرأيت إن تبتُ وأصلحت ، أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : بلى . قال : فهو قوله : (فتلقى آدم من ربه كلمات) وقال الحاكم : (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا .
قلت : وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين :
الأول : أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي .
الثاني : أنه ورد في تفسير الآية ، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع كما تقرر في محله ، ولا سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) .
وقد قيل في تفسير هذه الكلمات : إنها ما في الآية الاخرى : (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) . وبهذا جزم السيد رشيد رضا في "تفسيره" (1/279). لكن أشار ابن كثير (1/81) إلى تضعيفه ، ولا منافاة عندي بين القولين ، بل أحدهم يتمم الآخر ، فحديث ابن عباس لم يتعرض لبيان ما قاله آدم عليه السلام بعد أن تلقى من ربه تلك الكلمات وهذا القول يبين ذلك ، فلا منافاة والحمد لله ، وثبت مخالفة الحديث للقرآن ، فكان باطلا ً.
الموضع الثاني : قوله في آخره : (ولولا محمد ما خلقتك) فإن هذا أمر عظيم يتعلق بالعقائد التي لا تثبت إلا بنص متواتر اتفاقاً ، أو صحيح عند آخرين ، ولو كان ذلك صحيحاً لورد في الكتاب والسنة الصحيحة ، وافتراض صحته في الواقع مع ضياع النص الذي تقوم به الحجة ينافي قوله تبارك وتعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) . والذكر هنا يشمل الشريعة كلها قرآناً وسنة ، كما قرره ابن حزم في "الإحكام" وأيضاً فإن الله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الحكمة التي من أجلها خلق آدم وذريته ، فقال عز وجل : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، فكل ما خالف هذه الحكمة أو زاد عليها لا يقبل إلا بنص صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم كمخالفة هذا الحديث الباطل .
ثم على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط كما يزعم بعض المخالفين خلافاً لمن سبق ذكرهم من العلماء والحفاظ ، فلا يجوز الاستدلال به على مشروعية التوسل المختلف فيه ، لأن – على قولهم –عبادة مشروعة ، وأقل أحوال العبادة أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة ، فإذا كان الحديث عندهم ضعيف ، فلا حجة فيه البتة ، وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى .
وأقول أخي الهاشمي – بارك الله فيك – بأن الحديث يخالف نصًا صريحًا من الله تعالى في كتابه الكريم ، فقد قال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الاحقاف :5)
بالنسبة للرواية التي ذكرتها من كتاب (الشفا) للقاضي عياض ، فأرجو منك وضع سند الرواية كاملاً حتى نرد عليها بالطرق العلمية المعروفة في الجرح والتعديل عند أهل الحديث .
تقول أخي الفاضل :
وبالنِّسبةِ للآية القرآنية التي ذكرتَـها -أخي الكريم- فإنَّ الآيةَ أقصى ما تثبتُـه أنَّ آدم نطقَ بتلكَ الكلمات، وإثباتُ شيءٍ لا يعني نفيُ ما عداه، والآية لم تحصُر أنَّ قولَ النبي آدم (ع) كانَ منحصراً في هذه الكلمات، وهُو واضحٌ جليٌ .
حيثُ نرى بعض الآيات تنقُل عن لسانِ أهلِ النَّارِ أقوالاً وكذا عن لسانِ أهل الجنَّةِ أقوالاً أخرى ، ولَم أجِـد من يقولُ أنَّ الكلماتَ يجِب أن تكونَ هيَ بنفس اللفظ دونَ أي تغيير، بَل لا يستبعد أن تكونَ الكلمات نطقاً عن لسانِ حالهم، وهُو احتمالٌ واردٌ أيضاً.
أقول بارك الله فيك :
أولاً :
كم مرة ذكر الله قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم؟
ذكرها أكثر من خمس مرات في سور مختلفة ، فلماذا لم يذكر توسل سيدنا آدم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولو لمرةًٍ واحدة ؟ لماذا لم يذكره في موضعٍ واحدٍ على الأقل ليعلمنا التوسل بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؟ فهل يعقل بأن يذكر الكلمات الأقل درجة من الكلمات الأخرى ؟ هذا لا يعقل أخي الكريم .
ثانيًا :
أنواع التوسل كما قررها أهل السنة والجماعة ، أتباع السلف الصالح هي ثلاثة ، ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
(1) التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائـــه الحسنى ، أو صفـة من صفـــاته العليا : كـأن يقول المسلم في دعائه : اللهـم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم ، اللطيف الخبير أن تعافيني . أو يقول : أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي .
ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) .
والمعنى : ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى . ولا شك أن صفاته العليا عز وجل داخلة في هذا الطلب ، لأن أسماءه الحسنى سبحانه صفات له ، خصت به تبارك وتعالى .
ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من دعاء سليمان عليه السلام حيث قال : (قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين).
(2) التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي : كأن يقول المسلم : اللهم بإيماني بك ، ومحبتي لك ، واتباعي لرسولك اغفر لي..أو يقول : اللهم إني أسألك بحبي لمحمد صلى الله عليه وسلم وإيماني به أن تفرج عني..ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ ، فيه خوفه من الله سبحانه ، وتقواه إياه ، وإيثاره رضاه على كل شيء ، وطاعته له جل شأنه ، ثم يتوسل به إلى ربه في دعائه ، ليكون أرجى لقبوله وإجابته .
وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله تعالى وارتضاه ، ويدل على مشروعيته قوله تعالى : (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) ، وكذلك قوله تعالى : (ربنا آمنا بما أنزلت وتبعت الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) ، وكذلك قوله تعالى : (إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) .
(3) التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح : كأن يقول المسلم في ضيق شديد ، أو تحل به مصيبة كبيرة ، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى ، فيجب أن يأخذ بسبب قوي إلى الله، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى ، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة ، فيطلب منه أن يدعوا له ربه ، ليفرج عنه كربه ، ويزيل عنه همه . فهذا نوع آخر من التوسل المشروع ، دلت عليه الشريعة المطهرة ، وأرشدت إليه ، يدل عليه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) .
فهذه الأنواع الثلاثة قد ذكرها الله تعالى في أكثر من موضع ، فلو كان التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بمن دونه من الأولياء والصالحين مشروعًا لذكر الله هذا النوع في كتابه كما ذكر غيره ممن هو أقل أهمية منه .
بل إن المتأمل في كتاب الله يجد ما يضاد هذا التوسل بالبشر والصالحين ، ولو كانوا أنبياءً ، كما ذكر الله تعالى في سورة نوح على سبيل الذم لفعلهم : (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالاً * مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً) .
ثم تقول أخي الفاضل...
على كلِّ حال،،،
برأيي القاصِر -بعدَ التأمُّل في الأحاديث المروية-، أؤيِّدَ أن تكونَ الآيةُ القرآنية حاكيةً عن لسانهما لأنَّهُما كانا بعيدين عن بعض، فقد ورد في المروي أنَّ آدمَ كانَ في الهندِ وحواء كانت في جدة، وغيرُ ذلكَ من الروايات، التي مفادُها أن التقاءهما كانَ بعدَ توبةِ اللهِ لهُما، فيستبعدُ أن يكونَ قولُهما من نفسِ صنفِ الكلمات بالدِّقةِ المروية، وبالتَّالي تكونُ الروايات كاشفةً عن تفصيلِ دعواتهما، كما سيأتيكَ بيانُـه في المحور الثاني بشيءٍ من التفصيل.
كلُّ ذلكَ فرضتُـه فرضاً أخي الكريمِ، وأستبعِدُ أيضاً أن تكونَ الكلماتُ التي تلقاها آدمُ –التي تابَ الله عليهِ بسببها- هيَ: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفِر لنا وترحمنا لنكوننَّ مِن الخاسرين) للسَّبَب التَّالي:
إنَّ الآيات التي ذكرتها من سورة الأعراف لو دققتَ فيها لعلمتَ أنَّ القولَ بهذا القولِ ضعيفٌ، حيثُ الآيات تحكي ما يلي: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ)، فالحادثةُ هنا ما زالتْ في الجنَّةِ كما هُو واضحٌ.
ثمَّ يقولُ تعالى مباشرةً بعدَ ذلك: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فقولهما هذا واضحٌ أنَّـه كانَ في الجنَّة قبلَ هبوطِهِما إلى الأرض، لذا ترى احتمال أنَّ كليهما نطقا بقولٍ واحد أو لسانِ حالٍ واحد.
ثمَّ يقولُ تعالى (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين)، فهبوطُهما كانَ بعدَ قولِهِما ذلكَ، ويظهَرُ ذلكَ بوضوحٍ هُنا.
أمّا لو رجعنا إلى سورة البقرة، فنَرى عكسَ ذلكَ –لو تأمَّلنا قليلاً-، حيثُ يقولُ تعالى(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) ، فأهبِطا من الجنَّة إلى الأرض.
ثمَّ قالَ تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، أي بعدَ هبوطِهِما تلقّى آدمُ الكلمات التي تابَ اللهُ بها عليه، وقولُهما: (ربنا ظلمنا..) كانَ قبلَ هبوطِهِما، وتلقّي آدمَ للكلماتِ كانَ بعدَ الهبوط.
فكيفَ نقولُ بأنَّ (ربَّنا ظلمنا...) كانَت هي الكلمات المتلقاة، والحالُ أنَّ النُّطقَ بها كانَ قبلَ التَّلقّي؟
لكِـن قد يستشكَلُ على هذا القولُ بأنَّ اللهَ تعالى قال بعدَ آية (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، قال تعالى بعد ذلك : (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) حيثُ أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ هبوطَهَما بعدَ التلقّي أيضاً، فاتَّحد زمانُ الآيتين، فكلاهما قبلَ الهبوط.
فأقولُ: الأظهَرُ أن تحمَل الآيات التي تلي (فتلقّى آدم..) على أنَّها بيانٌ لسببِ الهبوط السَّابِق، وبيانٌ لهدف الخلقة وبعثِ الأنبياء، حيثُ يقسِّمُ النَّاسَ إلى الهداة والضالين.
أمّا لو حمَلْنا (فتلقى آدم...) على هذا السِّياق الخاصِّ في سورة البقرة، فمعناهُ أنَّ التوبَةَ لآدمَ كانت في الجنَّة قبلَ هبوطِه، لكنَّ الروايات تذكُرُ أنَّ التوبةَ كانَت بعدَ الهبوط، حيثُ تابَ اللهُ عليهِما وأمرَهُما أن يلتقيا ببعضهما، ويبدو أنَّ الإجماعَ قد وقعَ على كونِ التوبةِ كانَت بعد الهبوطِ، لذا حملُ (فتلقى آدم... فتابَ عليه...) على كونِه يسبقُ ما يليهِ زمانياً يستلزِمُ كونُ التَّوبةِ سابقاً للهبوط، وهُو باطِلٌ، فإذا بطل اللازم بطلَ الملزوم.
فلو قلتَ: لمَ لا تحمِلُ آيةَ سورة الأعراف: (قالا ربنا ظلمنا...) على ما حملته في سورة البقرة، فتقولَ أنَّ الآية التالية: (قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌ...) هيَ للبيان؟
فنقولُ: إنَّ آيةَ: (قالا ربنا ظلمنا...) لا توجَـد فيها أنَّ اللهَ تابَ عليهِما، فلا دليلَ لحملِه على خلاف الظاهر.
ثمَّ إنَّ الآيات بعدَ ذلكَ –أي بعدَ آية: (قلنا اهبطوا بعضكم...)- تبيِّنُ أسبابَ الهداية والضَّلال، مما يكشِفُ عن الترتيب، وأنَّ البيانَ عائدٌ لسبب الهبوطِ، وبما أنَّ الهبوطَ ذكرَ قبل الآيات مباشرة، فحملُها على التوالي المباشِر أولى مِن الفصلِ، خصوصاً أنَّنا لو حملنا تكرار الهبوط على أنَّ المرادَ منه البيان، فلم تذكُرِ الآيات هبوطاً قبلَ ذلكَ لنرجِـعَ البيانَ لذلك.
وشخصياً –بعدَ التأمُّل أكثَر- أرى أنَّ قولَهما (ربَّنا ظلمنا...) تكرَّرَ مرَّتين، مرةً في الجنَّةِ فأخرجا منها ولم تقبَل توبتهما، ومرةً بعدَ هبوطِهِما، وما ذكِرَ في القرآنِ إشارةٌ إلى قولِهِما قبلِ هبوطِهما، ولَم أقُم بذكرِ ذلكَ من نسجِ خيالي، فأمّا الدليلُ على أنَّ المرة الأولى قبلَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في كتاب (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق ص108، حيثُ يذكُر في حديثٍ طويلٍ عن أبي عبد الله (ع) –اقتصرتُ منهُ على موضع الشاهد-:
(فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناديهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو مبين؟ فقالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش ، فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما : ... فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل إلى أرضه فسلا ربكما بحق الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما، فقالا، اللهم إنا نسألك بحق الاكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام إلا تبت علينا ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم).
أمّا الدَّليلُ على المرَّةَ الثانيةَ بعدَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في الرِّوايات الأخرى التي تبيِّن أنَّ اللهَ تابَ عليهما بسبب قولِهِما: (ربنا ظلمنا...).
أقول بارك الله فيك أن كل ما ذكرته بالأعلى بغرض إثبات أمرين :
(1) أن هناك توبتين : الأولى لم يتقبلها الله ، وهي التي كانت في الجنة ، والثانية : قبلها الله
تعالى وهي التي كانت على الأرض .
(2) أن قبول الله لتوبة آدم عليه السلام كانت بعد نزوله مع حواء للأرض .
وكلامك واستنتاجك يا أخي الفاضل – مع المعذرة – باطل ، والأدلة والاستنتاجات التي أوردتها يعتريها التفكك .
وأقول ردًا على كلامك : بأن التوبة كانت في الجنة قبل الهبوط ، فإن الله قد تاب عليهما ثم أنزلهما للأرض ، وأما الآيات التي تتحدث عن أدعيةٍ وكلماتٍ لهما تفيد ظلم النفس والتوبة ، فلا تنافي ما سأذكره ، بل هي امتداد لتوبتهما في الجنة ، وتوبة الله عليهما...
وقولك واستنتاجك ينافي صريح القرآن الكريم ، فتأمل معي هذه الآيات من سورة طه...
قال الله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)
فهذه الآيات الكريمة تثبت أن التوبة والهداية لآدم عليه السلام كانت في الجنة قبل الأمر بالهبوط ، وأن استنتاجاتك ليست في محلها .
والجمع يكون بين هذه الآية وآية التلقي : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، فيكون تلقي الكلمات ، والتوبة في الجنة ، قبل الهبوط للأرض .
وقد ذُكِرت الكلمات التي نطقا بها ولم يُذكر غيرها في القرآن الكريم : (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، لذا فإضافة أي كلمات على لسانهما لم يذكرها القرآن تحتاج لدليل من الكتاب وهو منتفٍ بالطبع ، أو دليلٍ صحيح من السنة وهو أيضًا منتفٍ .
فما الذي يجعل الله تعالى يذكر دعائهما وكلماتهما عن ظلم النفس ، ويعرض عن الأهم وهو التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟
الأمر واضح أخي الكريم بعيدًا عن التكلف الواضح في تفسير الآيات تفسيرًا باطنيًا بغير ما أريدت به .
وقد استغربت أخي الكريم بأنك تضع الروايات دون معرفة صحتها من عدمها ، فها أنت تضع رواية للاستدلال :
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه عن علي قال : "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال : إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم البعير ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي ؟ ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك حواء أمتي ؟ قال : بلى، قال : فما هذا البكاء ؟ قال : وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن ! قال : فعليك بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم".
ألم تقرأ بداية السند ؟
سأنقله لك :
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسندٍ واهٍ عن علي قال :.............
فالسند إذن (واهٍ) لا يصح .
والله تعالى أعلم وأحكم .
Saleen S281
29-08-2006, 04:53 PM
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
وعليكُم السَّلام ورحمة الله وبركاته أخي الفاضِل المجاهِد عُمَر –وفَّقكُم الله للخير والصَّلاح-
قبلَ كلِّ شيءٍ، أهنِّئكَ على تدقيقاتكَ الجميلة التي استفدتُ مِنْها كثيراً، وكثَّر اللهُ تعالى أمثالكَ الذين يتناقشون للحقِّ وبالحقِّ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
ثمَّ أبدأ مستعيناً باللهِ عزَّ وجلَّ لأناقِشَكُم في بعض الذي ذكرتموهُ لا كلِّه، لأسبابٍ ستعلمونَها حينَ نصِل إلى مواردها، وأعتذِرُ أخي الكريم –هدانا الله وإياكم- مسبَقاً عن أيِّ انقطاعٍ يحدُثُ بيننا لأنَّني الآن في سفر، لكِن سأحاوِل المواصلة بقدرِ المستطاع.
أما ما ذكرت في النقطة الأولى فلا أوافقك عليه لعدم دقته ، فأقول - بارك الله فيك – مصححًا للنقطة الأولى :
(1) ما مدى (صحة) الروايات الواردة في تفسير الآية والحادثة ؟
عزيزي الفاضِل!
تصحيحكُم الذي ذكرتمُوهُ لا يؤثِّر على استدلالي للأسَف، حيثُ تمسَّكتُ في استدلالي على ما ذكَرْتموهُ مِن أنَّكُم تريدون البحث في الرِّوايات فقط، وفي تفسير هذه الآية، خِلافاً لما ذكرتُه في أوَّل البحث، وهُو هَل التوسُّل في أساسِه شركٌ أم لا؟ وهَل يخالِف الآيات القرآنيَّة الأخرى أم لا؟!
وأنا متفقٌ معكَ في أغلبِ ما قلته مِن أنَّ الأحاديث التي تثبِتُ توسُّل آدم (ع) بالنَّبي (ص) كلُّها ضعيفةٌ سنداً عندكُم، فأنا ذكرتُ لكَ متونَها وتعليقات بعضها، كَما استدلَّيتَ عليَّ في آخر حديثكَ بأنَّه قد كتب (بسندٍ واهٍ)، فكيفَ استدلَّيتُ بالأسانيد الواهية؟! وجُلُّ كلامكَ كانَ في تضعيف الأحاديث التي تثبِتُ التوسُّل بالنَّبي (ص)، وهذا مما لا أخفيه أنا، بَل ذكرتُه، وذكرتُ تعليق الذَّهبيّ على حديث عبد الرَّحمن بأنَّه موضوع.
لكِن،،،
ما أردتُ الوُصولَ إليهِ مِن النُّقاط المذكورة أنَّهُ لا يمكِنُنا البحثُ بهذه الطَّريقة أبداً لأنَّنا نحتاجُ إلى استدلالات خارجيَّة، وهِي الأولى بالبحث قبلَ الخوض في الرِّوايات.
قبلَ أن أبيِّنَ ما أردتُ الوصول إليه في ردّي السَّابِق، وددتُ أن أشيرَ إليكُم بنقطة مهمَّة، ألا وهِي:
ذكرتُم في بداية الحِوار أنَّكُم تريدون المصادِر مِن كتبنا في تفسير الآيات، ولكِن أراكُم استدللتُم بمصادركُم علينا، فإذَن ما فائدةُ ذكري المصادِر من كتبي، معَ أنَّ أغلبَ حديثكُم كانَ عن مصادركم وعن أقوالِ علمائكُم، فلِمَ طلبتَ مصدراً مِن مصادري إذا لم تشأ الاستدلال بهِ عليّ؟!
على كلِّ حال، لا يهمُّ ذلكَ كثيراً، بَل المهمُّ عندي أن أبيِّنَ لكُم وجهتي التي كنتُ أتوجَّهُ إليها في الرَّدّ السّابق، وإليكَ تفصيله أخي الفاضِل –باركَ اللهُ فيكُم-.
بعدَ أن حصرتَ الحِوارَ في الرِّوايات عملياً –وليسَ نقاشنا الآن في الآيات بَل هِي في الرِّوايات، فنحنُ الآن في السُّؤال الثاني الذي طرحته عليَّ أولا، وليسَ السُّؤال الأوَّل-، ونفيتَ السُّؤال الأوَّل الذي طرحتُه، والذي كانَ سؤالاً عقائدياً، ظهَر جلياً أنَّ الحوار سينحصِرُ في دائرة الرِّوايات والأسانيد وما شاكَل، وبعبارة أخرى: سيكون الحِوار أشبه بمسألة فقهية لا عقائديَّة إذا أخَذَ هذا المجرى، لأنَّه بالنِّهاية حتّى لو فرضنا أنَّ كلامكُم صحيح في أنََّ النَّبي آدم (ع) لم يتوسَّل بالرَّسول الأكرم (ص) أبداً، بَل لم توجَد آية قرآنيّة على مشروعيَّة التوسُّل، فإنَّ أقصى ما يمكِن استنتاجه أنَّ التوسُّل مباحٌ، لأنَّ الأصل في الأشياء الإباحة، وبهذا لم نتحرَّك إلى أي مكانٍ، وما زِلنا نطلبُ الدَّليل على حرمته أو شركيته –الذي هُو ادعائكم الحقيقي-، فأنتُم تريدون إلزامنا بالحرمة أو الشِّركيّة، وما تناقشونه –كما ذكرتُم بنفسكُم- ينفي الاستحباب لا أكثَر، فأنتَ لا تسيرُ إلى مدَّعاك الحقيقي لحدّ الآن.
أمّا ما ذكرتُه أنا لكُم، وأردتُ الوصول إليه في الرّدّ السابق، فيبدو أنَّكم لم تتوجَّهوا له دقيقاً لِذا صحَّحتُم لي النُّقطة الأولى، وقلتُم: (ما مدى "صحة"..).
فكما سبق، قد قسمت الحديث إلى محورين: (ما هِي الرِّوايات؟) و (هَل يمكِن جمعها؟)، ومعلومٌ عندكُم أنَّ الأحاديث الضعيفة في حال إمكان جمعِها بالأحاديث الصَّحيحة لا نسقطها أبداً، بَل نجمعها لأنَّ الجمع أولى مِن الطَّرح كما هُو مسلَّم.
أخي الفاضِل!
ذكرتُم أنَّ الأحاديث موضوعة –وأنتُم تعلمون الفرق بينَ الضَّعيف والموضوع-، ومعلومٌ عندكُم أن الحديث الموضوع هُو الذي يخالِف صريح الأحاديث الأخرى أو يخالف صريح النَّصّ القرآني وما شابههما، وبهذا نعلَم أنَّكُم محتاجون ضرورة إلى الخروج عن مسار الأسانيد وما شاكَل إلى أمور خارجيَّة وتذكرونَها حتّى تثبتوا الوضع في الأحاديث، فمجرَّد الضَّعف لا يكفي في إسقاط حجيَّة الحديث أبداً.
وهذا ما أردتُ الوصول إليه –أخي الفاضِل-، فنحنُ لا نستطيع السَّير في هذا المسار الرِّوائي إلا أن نتحرَّك إلى الأمور الاعتقاديّة الأساسية وتفسير الآيات القرآنيَّة الكريمة، وبيان التَّوسُّل الجائز والغير جائز، وهُو متعلِّقٌ بسؤالي الأوَّل الذي طرحتُه عليك ورفضته أخي الكريم، وانتقلت إلى مذهبي وكأنَّكَ تريدُ إثبات بطلان مذهبي مِن مذهبي.
والدَّليل على خروجكَ عن هذا المسار، ودخولك في المسارات الاعتقاديَّة والآيات القرآنيَّة الأخرى لبيان ضعف الحديث موجودٌ، سنذكُرُه حينَ نصِل إلى اقتباسه.
ولا أختلف معك حول النقطة الثانية ، الخاصة بإمكانية الجمع بين الروايات .
وهُو الأساس، فإذا أمكننا الجمع، فلِمَ الطَّرح؟!
وإن قلتَ: لا يوجَد حديثين حتّى نجمع بينهُما، فباقي الأحاديث موضوعة.
قلتُ: أنتَ أثبتَّ الوضع بدليل خارجي، وهُو ما لم نحسبُ حسابَه، حيثُ اقتصرنا على مجرَّد السَّند لا أكثَر، ومجرّد السَّند يثبت الضَّعف لا الوضع.
والآن سأناقش الروايات التي وضعتها :
الرواية الأولى ، والثانية :
عن عمر بن الخطاب مرفوعا : (لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال : يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه ؟ قال يا رب لما خلقتني بيدك ونخفت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال : غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) .
تعليقي على الرواية :
أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري : حدثنا إسماعيل بن مسلمة : أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر . وقال : "صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب"
فتعقبه الذهبي بقوله : قلت : بل موضوع ، وعبد الرحمن واهٍ ، وعبد الله بن أسلم الفهري لا أدري من ذا .
قال الإمام الألباني رحمه الله :
ومن تناقض الحاكم في (المستدرك) نفسه ، أنه أورد فيه حديثًا آخر لعبد الرحمن هذا ولم يصححه ، بل قال : (والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد) .
قلت : والفهري هذا أورده الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث وقال : (خبر باطل) ، وكذا قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (3/360) ، وزاد عليه قوله في الفهري هذا : (لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) ، قلت : والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رُشيد ، قال الحافظ : ذكره ابن حبان ، متهم بوضع الحديث ، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة ، لا يحل كتب حديثه ، وهو الذي روى عن ابن هدية نسخة كأنها معمولة .
قلت : والحديث رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص207) : ثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري : ثنا أحمد ابن سعيد المدني الفهري : ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به . وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون ، وقد أشار إلى ذلك الحافظ الهيثمي حيث قال في "مجمع الزوائد" (8/253): (رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم).
قلت : وهذا إعلال قاصر ، يوهم من لا علم عنده أن ليس فيهم من هو معروف بالطعن فيه ، وليس كذلك فإن مداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال البيهقي : (إنه تفرد به) وهو متهم بالوضع ، رماه بذلك الحاكم نفسه ، ولذلك أنكر العلماء عليه تصحيحه لحديثه ، ونسبوه إلى الخطأ والتناقض ، فقال (وراث علم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين شيخ الإسلام ابن تيمية) رحمه الله في "القاعدة الجليلة" (ص89) : (ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم" : (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة ، لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه) ، قلت : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً ، ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني ، وغيرهم . وقال ابن حبان : (كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف، فاستحق الترك).
وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث ، وقالوا : (إن الحاكم يصحح أحاديث موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم).
قلت : وقد أورد الحاكم نفسه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه "الضعفاء" كما سماه العلامة ابن عبد الهادي ، وقال في آخره : (فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم ، لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة ، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به ، فإن الجرح لا أستحله تقليداً ، والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : (من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْن) .
قلت: فمن تأمل في كلام الحاكم هذا والذي قبله يتبن له بوضوح أن حديث عبد الرحمن بن زيد هذا موضوع عند الحاكم نفسه ، وأن من يرويه بعد العلم بحاله فهو أحد الكاذبَيْن . وقد اتفق عند التحقيق كلام الحفاظ ابن تيمية والذهبي والعسقلاني على بطلان هذا الحديث ، وتبعهم على ذلك غير واحد من المحققين كالحافظ ابن عبد الهادي ، فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصحح الحديث بعد اتفاق هؤلاء على وضعه تقليداً للحاكم في أحد قوليه ، مع اختياره في قوله الآخر لطالب العلم أن لا يكتب حديث عبد الرحمن هذا ، وأنه إن فعل كان أحد الكاذبين كما سبق .
لقد تبين للقراء الكرام مما سلف أن للحديث علتين :
الأولى : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وأنه ضعيف جداً.
الثانية : جهالة الإسناد إلى عبد الرحمن .
وللحديث عندي علة أخرى . وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده ، فتارة كان يرفعه كما مضى ، وتارة كان يرويه موقوفاً على عمر ، لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" (ص427) من طريق عبد الله ابن اسماعيل بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد به ، وعبد الله هذا لم أعرفه أيضاً ، فلا يصح عن عمر مرفوعاً ولا موقوفاً ، ثم رواه الآجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال : من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال : (اللهم أسألك بحق محمد عليك..الحديث) نحوه مختصراً ، وهذا مع إرساله ووقفه ، فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جدًا ً، وفيه عثمان بن خالد والد أبي مروان العثماني ، قال النسائي : (ليس بثقة).
وعلى هذا فلا يبعد أن يكون أصل هذا الحديث من الإسرائليات التي تسربت إلى المسلمين من بعض مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم . أو عن كتبهم التي لا يوثق بها ، لما طرأ عليها من التحريف والتبديل كما بينه شيخ الإسلام في كتبه ، ثم رفعه بعض هؤلاء الضعفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمداً.
كلًّ ما ذكرتَه هُنا، إمّا هُو تضعيفٌ للحديث أو إثبات كونِه موضوعاً، أمَّا تضعيف الحديث فنحنُ نؤمِن بكونه ضعيفاً عندكُم، وأمّا إثبات كونِه موضوعاً فقد استدلَّيت بقولِ علمائكم، وهُو ليسَ بحجَّةٍ علينا، لأنَّ الحكم بوضعه كانَ بسبب أمرٍ خارجيٍ، وهُو أنَّ التوسُّل عندهُم بغير الحي والقادِر لا يجوز، وهذه الرّواية تثبتُ الجواز، فهِي موضوعة حتّى لو كانَ سندُها أقوى مِن ذلكَ.
مخالفة هذا الحديث للقرآن الكريم :
ومما يؤيد ما ذهب إليه العلماء من وضع هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في موضعين منه :
الأول : أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل يقول : (فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) . وقد جاء تفسير هذه الكلمات عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مما يخالف هذا الحديث ، فأخرج الحاكم (3/545) عنه : (فتلقى آدم من ربه كلمات) قال : أي رب ! ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى . قال : ألم تنفخ فيَّ من روحك ؟ قال : بلى . قال : أي رب ! ألم تسكنّي جنتك؟ قال : بلى . قال : ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : بلى . قال : أرأيت إن تبتُ وأصلحت ، أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : بلى . قال : فهو قوله : (فتلقى آدم من ربه كلمات) وقال الحاكم : (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا .
قلت : وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين :
الأول : أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي .
الثاني : أنه ورد في تفسير الآية ، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع كما تقرر في محله ، ولا سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) .
عنونتَ هذا البحث بمخالفة القرآن الكريم، ولحدِّ هُنا لم تظهَر مخالفة الحديث لنصِّ القرآن، بَل المخالفة لتفسيره أو تأويله، أو ظاهره، وكلُّ ذلكَ خلاف نصُّ القرآن وصريحه.
أمّا الموضع الأوَّل الذي ذكرتَه، فإنَّ قول ابن عبّاس ليسَ (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) بَل هُو كلامٌ آخَر، أخذتُم بهِ سريعاً، لأنَّه لا يخالِف تلكَ الأمور الخارجيَّة، ونحنُ نأخُذُ بهِ هُنا، لأنَّه لا ينافي القول بالتوسُّل، فكلُّ ما أثبتناه إمكان الجمع –كما ذكرنا ذلكَ سابقاً-، ويمكِن الجمع بينَ هذا القول والتوسُّل، فهذه ليست الكلمات التي نطق بها آدم، بَل هذه جزءٌ مِن كلمات التَّلقّي، كما ذكرتَ ذلكَ بنفسكَ في الفقرة التَّالية:
وقد قيل في تفسير هذه الكلمات : إنها ما في الآية الاخرى : (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) . وبهذا جزم السيد رشيد رضا في "تفسيره" (1/279). لكن أشار ابن كثير (1/81) إلى تضعيفه ، ولا منافاة عندي بين القولين ، بل أحدهم يتمم الآخر ، فحديث ابن عباس لم يتعرض لبيان ما قاله آدم عليه السلام بعد أن تلقى من ربه تلك الكلمات وهذا القول يبين ذلك ، فلا منافاة والحمد لله ، وثبت مخالفة الحديث للقرآن ، فكان باطلا ً.
لَم يثبت مخالفة الحديث للقرآن، بَل كلُّ ما ثبت مخالفة الحديث لتفسير السيد رشيد رضا وقول ابن عبّاس، وهذان القولان ليسا قرآناً.
الموضع الثاني : قوله في آخره : (ولولا محمد ما خلقتك) فإن هذا أمر عظيم يتعلق بالعقائد التي لا تثبت إلا بنص متواتر اتفاقاً ، أو صحيح عند آخرين ، ولو كان ذلك صحيحاً لورد في الكتاب والسنة الصحيحة ، وافتراض صحته في الواقع مع ضياع النص الذي تقوم به الحجة ينافي قوله تبارك وتعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) . والذكر هنا يشمل الشريعة كلها قرآناً وسنة ، كما قرره ابن حزم في "الإحكام" وأيضاً فإن الله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الحكمة التي من أجلها خلق آدم وذريته ، فقال عز وجل : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، فكل ما خالف هذه الحكمة أو زاد عليها لا يقبل إلا بنص صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم كمخالفة هذا الحديث الباطل .
أخي الكريم المجاهد عمر!
هذا الموضع الثاني هُو ما لم تتوجَّهوا إلى المقصود منه، فهذا الحديث سهلٌ دركُ معناه، حيثُ تعلمون أنَّه لولا الأنبياء (ع) لما كانَ هُناكَ عبادةٌ، فالهدف مِن بعث الأنبياء والرُّسل (ع) هُو إيصال النّاس إلى الهدف المنشود، وإذا لم يوجَد الأنبياء والرُّسل ما وجدت العبادة، وبالتَّالي لا توجَد حكمة الخلق بدون وجود الأنبياء (ع)، فلولا الأنبياء لما وجدت العبادة، ولولا العبادة لما وجِد الخلق.
ثمَّ معلومٌ أنَّ خاتَم الرِّسالات وأعظمُها وأكملها، بَل وأتمُّها لبيان مصاديق العبادة وتفصيلاتها مِن الحلال والحرام هُو الإسلام، وإنَّ جميع الأديان السَّماوية السابقة أتت لزمان معيَّن وانتهت مدَّتُها فنسخت بالنِّهاية بالدّين الخاتم، ولولا الدّين الخاتم وهُو دين الإسلام لما وجِدت الرِّسالة التامّة الكاملة، والعبادة التّامّة الكاملة التي توصِل بالإنسان إلى أعلى المراتب العباديّة، فإذا لم يوجَد الإسلام لم توجَد العبادة ولم تصِل تلكَ الكتب السماويَّة إلى هدفها مِنها التَّبشير بقدوم الرَّسول الأكرم (ص) والرِّسالة الخالدة والقرآن الكريم.
إذن، وجود النَّبي (ص) ليسَ فقط لا يخالف هذه الحكمة، بَل هِي عينُها والمتممة لها.
ثم على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط كما يزعم بعض المخالفين خلافاً لمن سبق ذكرهم من العلماء والحفاظ ، فلا يجوز الاستدلال به على مشروعية التوسل المختلف فيه ، لأن – على قولهم –عبادة مشروعة ، وأقل أحوال العبادة أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة ، فإذا كان الحديث عندهم ضعيف ، فلا حجة فيه البتة ، وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى .
حتّى بفرض كونِه ضعيفاً، فهُو لا يثبتُ الحرمة التي تريدونها، بَل أقصى ما يمكِن إثباته أنَّها مباحة، ولا أدري هَل عندكُم هذه القاعِدة أم لا، وهِي قاعدة: (التَّسامح في أدلَّة السنن)، فمثلا لو وصلنا حديث ضعيف لكِن لا يخالِف الصَّحيح ويمكن الجمع بينه وبينَ الصَّحيح، يثبتُ استحباب أمرٍ معيِّن نأخُذُ به، مِن باب عدم وجود المخالف وإمكان جمعه معَ بقيَّة الأحاديث الصَّحيحة.
لكِن سبب عدم قبولكُم لقول المضعِّفين هُو أنَّ القضيَّة اعتقاديَّة عندكُم، ترتبط بأمورٍ أخرى خارجيّة، لِذا ترونَها مخالفة لبقيَّة الأحاديث خلافاً للذين يرونَها موافقة لأحاديث أخرى صحيحة أو لآيات قرآنيَّة فسَّروها بتفسيرٍ معيَّن، وليسَ البحث في ذلك الآن.
وأقول أخي الهاشمي – بارك الله فيك – بأن الحديث يخالف نصًا صريحًا من الله تعالى في كتابه الكريم ، فقد قال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الاحقاف :5)
قلتُ لكُم: لا يمكنُكُم فعل شيءٍ مِن حيث السَّند إلا إذا خرجنا عنه إلى قضايا أخرى مقدماتيَّة أخي الفاضِل -وفقكم الله للخير-.
هذه الآية ممّا يربتط بسؤالي الأوَّل عن شركيّة التوسُّل بالأموات، وإن شئتُم أن نبحث في هذا المورِد –أي هل التوسُّل شركٌ باللهِ أم لا، فأنا أراهُ الصَّحيح مِن البحث لأنَّ القضيَّة اعتقادية.
بالنسبة للرواية التي ذكرتها من كتاب (الشفا) للقاضي عياض ، فأرجو منك وضع سند الرواية كاملاً حتى نرد عليها بالطرق العلمية المعروفة في الجرح والتعديل عند أهل الحديث .
حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري و أبو القاسم أحمد ابن بقي الحاكم و غير واحد فيما أجازونيه قالوا : أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر ابن دلهاث قال : حدثنا أبو الحسن علي بن فهر حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ابن الفرج حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب حدثنا يعقوب بن إسحاق ابن أبي إسرائيل حدثنا ابن حميد قال ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له مالك : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال : (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم و أنتم لا تشعرون)، و مدح قوما فقال : (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة و أجر عظيم).
و ذم قوما فقال: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) وإن حرمته كحرمته حيا
فاستكان لها أبو جعفر و قال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة و أدعوا أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال: و لم تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة ؟ بل استقبله و استشفع به فيشفعك الله قال الله تعالى: (و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما).
تقول أخي الفاضل :
وبالنِّسبةِ للآية القرآنية التي ذكرتَـها -أخي الكريم- فإنَّ الآيةَ أقصى ما تثبتُـه أنَّ آدم نطقَ بتلكَ الكلمات، وإثباتُ شيءٍ لا يعني نفيُ ما عداه، والآية لم تحصُر أنَّ قولَ النبي آدم (ع) كانَ منحصراً في هذه الكلمات، وهُو واضحٌ جليٌ .
حيثُ نرى بعض الآيات تنقُل عن لسانِ أهلِ النَّارِ أقوالاً وكذا عن لسانِ أهل الجنَّةِ أقوالاً أخرى ، ولَم أجِـد من يقولُ أنَّ الكلماتَ يجِب أن تكونَ هيَ بنفس اللفظ دونَ أي تغيير، بَل لا يستبعد أن تكونَ الكلمات نطقاً عن لسانِ حالهم، وهُو احتمالٌ واردٌ أيضاً.
أقول بارك الله فيك :
أولاً :
كم مرة ذكر الله قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم؟
ذكرها أكثر من خمس مرات في سور مختلفة ، فلماذا لم يذكر توسل سيدنا آدم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولو لمرةًٍ واحدة ؟ لماذا لم يذكره في موضعٍ واحدٍ على الأقل ليعلمنا التوسل بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؟ فهل يعقل بأن يذكر الكلمات الأقل درجة من الكلمات الأخرى ؟ هذا لا يعقل أخي الكريم .
إنَّ القرآن الكريم لَم يذكُر هذا التوسُّل، بَل لم يذكُر تفاصيل كثيرة في قصص الأنبياء (ع) واقتصَر على النُّقاط الأهمّ مِن كلِّ قصة، فإنَّ قصة النَّبي آدم (ع) تبرز أهميّتها في جوانب أخرى لبدء الخلقة هِي التي ركَّزَ القرآن عليها، أمّا قضيَّة التوبة، فأساسه مذكور، وتفصيلاته مذكور في الأحاديث التي تبيِّن كيفيّة الاستغفار، والآيات التي تثبتُ التوسُّل، فالقرآن قد ذكَر مراراً وتكرارا إقامة الصَّلاة وأهميَّتها، ولكِن لم نرَ أيَّ تفصيلٌ يذكَر في أحكام الصَّلاة، حتَّى لَم يذكُر لنا أساسيّته مِن عدد الرَّكعات والصورة العامَّة، ولا شيءَ مِن ذلك، فهَل هذا يعني أنَّ هذه الأمور ليست موجودة؟ أم أنَّها ليست مهمَّة؟!
إنَّ القرآن الكريم ركَّزَ على المستفاد مِن كل قصة بصورة أساسية، فليسَ المهم في قصة النَّبي آدم (ع) توسّله برسول الله (ص)، بَل المهم منه أموراً هِي التي ركَّز عليها القرآن الكريم، كما أنَّ المهم في حادثة مجيئهم عند الرَّسول (ص) كان توسُّلهم به، فذكر آية: (ولو أنَّهُم إذ ظلموا أنفسهم..).
ومَن قالَ بأنَّ أهمّ الأشياء يجِب أن تكون في القرآن، بَل هُناك أشياء مهمَّة جدا لم تذكر في القرآن، وهذا مما لا يخفى على أدنى متأمِّل.
ثانيًا :
أنواع التوسل كما قررها أهل السنة والجماعة ، أتباع السلف الصالح هي ثلاثة ، ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
(1) التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائـــه الحسنى ، أو صفـة من صفـــاته العليا : كـأن يقول المسلم في دعائه : اللهـم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم ، اللطيف الخبير أن تعافيني . أو يقول : أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي .
ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) .
والمعنى : ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى . ولا شك أن صفاته العليا عز وجل داخلة في هذا الطلب ، لأن أسماءه الحسنى سبحانه صفات له ، خصت به تبارك وتعالى .
ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من دعاء سليمان عليه السلام حيث قال : (قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين).
(2) التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي : كأن يقول المسلم : اللهم بإيماني بك ، ومحبتي لك ، واتباعي لرسولك اغفر لي..أو يقول : اللهم إني أسألك بحبي لمحمد صلى الله عليه وسلم وإيماني به أن تفرج عني..ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ ، فيه خوفه من الله سبحانه ، وتقواه إياه ، وإيثاره رضاه على كل شيء ، وطاعته له جل شأنه ، ثم يتوسل به إلى ربه في دعائه ، ليكون أرجى لقبوله وإجابته .
وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله تعالى وارتضاه ، ويدل على مشروعيته قوله تعالى : (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) ، وكذلك قوله تعالى : (ربنا آمنا بما أنزلت وتبعت الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) ، وكذلك قوله تعالى : (إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) .
(3) التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح : كأن يقول المسلم في ضيق شديد ، أو تحل به مصيبة كبيرة ، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى ، فيجب أن يأخذ بسبب قوي إلى الله، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى ، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة ، فيطلب منه أن يدعوا له ربه ، ليفرج عنه كربه ، ويزيل عنه همه . فهذا نوع آخر من التوسل المشروع ، دلت عليه الشريعة المطهرة ، وأرشدت إليه ، يدل عليه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) .
فهذه الأنواع الثلاثة قد ذكرها الله تعالى في أكثر من موضع ، فلو كان التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بمن دونه من الأولياء والصالحين مشروعًا لذكر الله هذا النوع في كتابه كما ذكر غيره ممن هو أقل أهمية منه .
لا خِلاف بيننا في هذه الموارد الثَّلاثة أبداً، وإنَّما توسُّلُنا بالأموات قد –أقولُ قد- يدخُل ضمنَ البند الثّالث، ولكِن أؤجِّل تفصيلَ الكلام إلى محلِّه، حتّى نعلَم حقيقة التوسُّل وهَل هِي شركٌ أم لا، فالتوسُّل الذي نحنُ نتمسَّك به هُو التوجُّه إلى الله عزَّ وجلَّ والطَّلب مِن الشَّفيع (النَّبي أو الإمام أو الولي الصالح) أن يدعوَ لنا أيضاً، ويطلبَ مِن الله المغفرة لنا أيضاً، وإنَّ بعض الذي ترونَه من الطَّلب مِن الولي الصالح نفسه، ليسَ إلا شيئاً لفظياً، وإنَّما الحقيقة أنَّنا نطلبُ مِن الشَّفيع –على أنَّه مجرى مِن قنوات رحمة الله تعالى- أن يساعدنا في استغفارنا ويستغفر لنا بجانب استغفارنا نحنُ أيضاً، لا أكثَر ولا أقلّ، وتفصيله نذكره في محلِّه إن شئتُم، وهُو في التّرتيب الذي أردتُ البدء به.
بل إن المتأمل في كتاب الله يجد ما يضاد هذا التوسل بالبشر والصالحين ، ولو كانوا أنبياءً ، كما ذكر الله تعالى في سورة نوح على سبيل الذم لفعلهم : (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالاً * مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً) .
توسُّل هؤلاء كانَ باطِلاً لعدّة أسباب، مِنها أنَّهُم كانوا يعتقدون باستقلالية هؤلاء، كما يذكر في آخر الآيات (مِن دون الله أنصارا)، فذاك كان اعتقادهُم، ومِنها أنَّ توسُّلهُم لم يبدأ مِن الله عزَّ وجلَّ، بَل بدأ مِن عند أنفسِهِم، وكما يصطلح عليه كانَ أساس توسُّلهُم تصاعديا، بخلافنا نحنُ الذين أساسُ توسُّلنا كانَ تنازليا.
وعلى كلِّ حال، البحثُ في هذا الموضوع هُو بحثٌ خارج عن الرِّوايات والأسانيد.
ثم تقول أخي الفاضل...
على كلِّ حال،،،
برأيي القاصِر -بعدَ التأمُّل في الأحاديث المروية-، أؤيِّدَ أن تكونَ الآيةُ القرآنية حاكيةً عن لسانهما لأنَّهُما كانا بعيدين عن بعض، فقد ورد في المروي أنَّ آدمَ كانَ في الهندِ وحواء كانت في جدة، وغيرُ ذلكَ من الروايات، التي مفادُها أن التقاءهما كانَ بعدَ توبةِ اللهِ لهُما، فيستبعدُ أن يكونَ قولُهما من نفسِ صنفِ الكلمات بالدِّقةِ المروية، وبالتَّالي تكونُ الروايات كاشفةً عن تفصيلِ دعواتهما، كما سيأتيكَ بيانُـه في المحور الثاني بشيءٍ من التفصيل.
كلُّ ذلكَ فرضتُـه فرضاً أخي الكريمِ، وأستبعِدُ أيضاً أن تكونَ الكلماتُ التي تلقاها آدمُ –التي تابَ الله عليهِ بسببها- هيَ: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفِر لنا وترحمنا لنكوننَّ مِن الخاسرين) للسَّبَب التَّالي:
إنَّ الآيات التي ذكرتها من سورة الأعراف لو دققتَ فيها لعلمتَ أنَّ القولَ بهذا القولِ ضعيفٌ، حيثُ الآيات تحكي ما يلي: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ)، فالحادثةُ هنا ما زالتْ في الجنَّةِ كما هُو واضحٌ.
ثمَّ يقولُ تعالى مباشرةً بعدَ ذلك: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فقولهما هذا واضحٌ أنَّـه كانَ في الجنَّة قبلَ هبوطِهِما إلى الأرض، لذا ترى احتمال أنَّ كليهما نطقا بقولٍ واحد أو لسانِ حالٍ واحد.
ثمَّ يقولُ تعالى (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين)، فهبوطُهما كانَ بعدَ قولِهِما ذلكَ، ويظهَرُ ذلكَ بوضوحٍ هُنا.
أمّا لو رجعنا إلى سورة البقرة، فنَرى عكسَ ذلكَ –لو تأمَّلنا قليلاً-، حيثُ يقولُ تعالى(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) ، فأهبِطا من الجنَّة إلى الأرض.
ثمَّ قالَ تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، أي بعدَ هبوطِهِما تلقّى آدمُ الكلمات التي تابَ اللهُ بها عليه، وقولُهما: (ربنا ظلمنا..) كانَ قبلَ هبوطِهِما، وتلقّي آدمَ للكلماتِ كانَ بعدَ الهبوط.
فكيفَ نقولُ بأنَّ (ربَّنا ظلمنا...) كانَت هي الكلمات المتلقاة، والحالُ أنَّ النُّطقَ بها كانَ قبلَ التَّلقّي؟
لكِـن قد يستشكَلُ على هذا القولُ بأنَّ اللهَ تعالى قال بعدَ آية (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، قال تعالى بعد ذلك : (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) حيثُ أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ هبوطَهَما بعدَ التلقّي أيضاً، فاتَّحد زمانُ الآيتين، فكلاهما قبلَ الهبوط.
فأقولُ: الأظهَرُ أن تحمَل الآيات التي تلي (فتلقّى آدم..) على أنَّها بيانٌ لسببِ الهبوط السَّابِق، وبيانٌ لهدف الخلقة وبعثِ الأنبياء، حيثُ يقسِّمُ النَّاسَ إلى الهداة والضالين.
أمّا لو حمَلْنا (فتلقى آدم...) على هذا السِّياق الخاصِّ في سورة البقرة، فمعناهُ أنَّ التوبَةَ لآدمَ كانت في الجنَّة قبلَ هبوطِه، لكنَّ الروايات تذكُرُ أنَّ التوبةَ كانَت بعدَ الهبوط، حيثُ تابَ اللهُ عليهِما وأمرَهُما أن يلتقيا ببعضهما، ويبدو أنَّ الإجماعَ قد وقعَ على كونِ التوبةِ كانَت بعد الهبوطِ، لذا حملُ (فتلقى آدم... فتابَ عليه...) على كونِه يسبقُ ما يليهِ زمانياً يستلزِمُ كونُ التَّوبةِ سابقاً للهبوط، وهُو باطِلٌ، فإذا بطل اللازم بطلَ الملزوم.
فلو قلتَ: لمَ لا تحمِلُ آيةَ سورة الأعراف: (قالا ربنا ظلمنا...) على ما حملته في سورة البقرة، فتقولَ أنَّ الآية التالية: (قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌ...) هيَ للبيان؟
فنقولُ: إنَّ آيةَ: (قالا ربنا ظلمنا...) لا توجَـد فيها أنَّ اللهَ تابَ عليهِما، فلا دليلَ لحملِه على خلاف الظاهر.
ثمَّ إنَّ الآيات بعدَ ذلكَ –أي بعدَ آية: (قلنا اهبطوا بعضكم...)- تبيِّنُ أسبابَ الهداية والضَّلال، مما يكشِفُ عن الترتيب، وأنَّ البيانَ عائدٌ لسبب الهبوطِ، وبما أنَّ الهبوطَ ذكرَ قبل الآيات مباشرة، فحملُها على التوالي المباشِر أولى مِن الفصلِ، خصوصاً أنَّنا لو حملنا تكرار الهبوط على أنَّ المرادَ منه البيان، فلم تذكُرِ الآيات هبوطاً قبلَ ذلكَ لنرجِـعَ البيانَ لذلك.
وشخصياً –بعدَ التأمُّل أكثَر- أرى أنَّ قولَهما (ربَّنا ظلمنا...) تكرَّرَ مرَّتين، مرةً في الجنَّةِ فأخرجا منها ولم تقبَل توبتهما، ومرةً بعدَ هبوطِهِما، وما ذكِرَ في القرآنِ إشارةٌ إلى قولِهِما قبلِ هبوطِهما، ولَم أقُم بذكرِ ذلكَ من نسجِ خيالي، فأمّا الدليلُ على أنَّ المرة الأولى قبلَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في كتاب (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق ص108، حيثُ يذكُر في حديثٍ طويلٍ عن أبي عبد الله (ع) –اقتصرتُ منهُ على موضع الشاهد-:
(فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناديهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو مبين؟ فقالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش ، فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما : ... فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل إلى أرضه فسلا ربكما بحق الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما، فقالا، اللهم إنا نسألك بحق الاكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام إلا تبت علينا ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم).
أمّا الدَّليلُ على المرَّةَ الثانيةَ بعدَ هبوطِهِما، فهُو ما وردَ في الرِّوايات الأخرى التي تبيِّن أنَّ اللهَ تابَ عليهما بسبب قولِهِما: (ربنا ظلمنا...).
أقول بارك الله فيك أن كل ما ذكرته بالأعلى بغرض إثبات أمرين :
(1) أن هناك توبتين : الأولى لم يتقبلها الله ، وهي التي كانت في الجنة ، والثانية : قبلها الله
تعالى وهي التي كانت على الأرض .
(2) أن قبول الله لتوبة آدم عليه السلام كانت بعد نزوله مع حواء للأرض .
وكلامك واستنتاجك يا أخي الفاضل – مع المعذرة – باطل ، والأدلة والاستنتاجات التي أوردتها يعتريها التفكك .
وأقول ردًا على كلامك : بأن التوبة كانت في الجنة قبل الهبوط ، فإن الله قد تاب عليهما ثم أنزلهما للأرض ، وأما الآيات التي تتحدث عن أدعيةٍ وكلماتٍ لهما تفيد ظلم النفس والتوبة ، فلا تنافي ما سأذكره ، بل هي امتداد لتوبتهما في الجنة ، وتوبة الله عليهما...
وقولك واستنتاجك ينافي صريح القرآن الكريم ، فتأمل معي هذه الآيات من سورة طه...
قال الله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)
فهذه الآيات الكريمة تثبت أن التوبة والهداية لآدم عليه السلام كانت في الجنة قبل الأمر بالهبوط ، وأن استنتاجاتك ليست في محلها .
والجمع يكون بين هذه الآية وآية التلقي : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، فيكون تلقي الكلمات ، والتوبة في الجنة ، قبل الهبوط للأرض .
وقد ذُكِرت الكلمات التي نطقا بها ولم يُذكر غيرها في القرآن الكريم : (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، لذا فإضافة أي كلمات على لسانهما لم يذكرها القرآن تحتاج لدليل من الكتاب وهو منتفٍ بالطبع ، أو دليلٍ صحيح من السنة وهو أيضًا منتفٍ .
فما الذي يجعل الله تعالى يذكر دعائهما وكلماتهما عن ظلم النفس ، ويعرض عن الأهم وهو التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟
الأمر واضح أخي الكريم بعيدًا عن التكلف الواضح في تفسير الآيات تفسيرًا باطنيًا بغير ما أريدت به .
أظنُّ أنََّ إشكالكَ هذا في محلِّه، فيبدو أنَّ اللهَ تابَ عليهِما في الجَنَّة، ثمَّ نزلا إلى الأرض وكانا يستغفران في الأرض أيضاً حتّى يغفِر الله لهُما، لكِن ما هُو مبهمٌ عندي هُو التّالي:
لِمَ استغفار النَّبي آدم (ع) حينَ يكون على الأرض بعدَ أن تاب الله عليه؟ ولِم الفصل بينهُما –أي بينَ آدم وحواء- حينما نزلوا إلى الأرض، وبعدَ قبول استغفارهما كما تذكر الرِّوايات عادا إلى بعضهما البعض، فيبدو أنَّ استغفارهُم مرَّ بعدَّة مراحِل، في إحدى المراحِل وهِي التي كانت في الجنَّة كان قولهما (ربَّنا ظلمنا أنفسنا..) وفي مراحِل أخرى كانَ قولهُما غير ذلك، وهُو ما ذكرناهُ لكِن حدَّدنا أنَّ الأساس الذي تاب عليه كانَ في الأرض، ويبدو أنَّه أيضاً الصَّحيح، حيثُ أنَّه على فرض مرور توبتهما بمراحل، فالمرحلة النِّهائية الامتدادية كانت بعد هبوطهم إلى الأرض.
فأنتُم أخي الفاضِل قد ضعَّفتُم حديث التوسُّل بالنبي (ص)، ولكن ذكرتُ أنَّ هناك أدعية أخرى وردت، مِنها: (لا إله إلا أنت سبحانك...)، ومِنها: (اللهم إنَّكَ تعلم سري وعلانيتي..)، فهَل كلُّ هذه الأدعية ستضعِّفُها، معَ أنَّك ذكرتَ أنَّ ابن كثير ضعَّف أن يكونَ قولهما (ربَّنا ظلمنا أنفسنا...)، وذكرتُ لكُم أنَّ الآية الموجودة في القرآن ليسَ بالضرورة أن نحمله على نفس هذه الألفاظ في كلِّ مرة، خصوصاً بهذا الكمّ مِن الأدعية الواردة غير التوسُّل وغير (ربنا ظلمنا...)؟ ولا أظنُّ أنَّ ابن كثير كانَ بسيطاً لهذه الدرجة لكي يترك النَّص الصَّريح للقرآن ويضعِّفَه!
وقد استغربت أخي الكريم بأنك تضع الروايات دون معرفة صحتها من عدمها ، فها أنت تضع رواية للاستدلال :
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه عن علي قال : "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال : إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم البعير ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي ؟ ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك حواء أمتي ؟ قال : بلى، قال : فما هذا البكاء ؟ قال : وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن ! قال : فعليك بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم".
ألم تقرأ بداية السند ؟
سأنقله لك :
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسندٍ واهٍ عن علي قال :.............
فالسند إذن (واهٍ) لا يصح .
كما ذكرتُ في البداية، لستُ أقولُ أنَّ هذه الأسناد صحيحة، بَل أعلمُ أنَّها ضعيفة، لكِنَّها لا تؤثِّر في المقام، خصوصاً أنَّنا نريد الجمع أوَّلا، وثانِياً هذه الرِّواية ليست أصل الرِّوايات التي توجَد في كتبكم لإثبات المرام، ولكن بما أنَّكُم طلبتُم التَّفسير من عندنا ذكرت لكَ ذلكَ، وأردتَ البحث سنداً فبحثتُ سندا، أمّا المتن فهُو بحثٌ متفرِّع على بحوث أخرى نستخرج منها القواعِد الأساسيّة، وهذا أعرضتُم عنه سابِقاً أخي الفاضِل.
واللهُ الموفّق للصَّواب مَن يشاء، وأعتذِر على طول الحديث أعلاه، ولكُم متَّسع من الوقت حتّى تجيبوا عليه، فأنتُم كما ذكرتُم قد لا تسمح ظروفكم بالمتابعة الدّائمة، خلافاً لشخصٍ متفرِّغٍ مثلي.