منى
18-08-2005, 11:30 PM
نحن فى عصر شوهت فيه العقائد وتطبيقاتها فضلا عن العبادات والمعاملات والأخلاق
حق الإلـه عبـادةٌ بالأمــــر لا *** بهوى النفوسِ فذاك للشيطــانِ
ورسولُه فهو المطاعُ وقوله الــ *** مقبولُ إذ هو صاحب البرهــانِ
وهو المقدم في محبتنا عـلى الــ *** أهلين والأزواجِ والولـــدانِ
و ما الذى يصبرنا على تلك التكاليف !
إنه جزاء أكبر مما نقدم من تعبد بكثير
إنه نور
روح وراح فى القلب ....ويصل لقمته برؤية الرب الجليل سبحانه ، ثم لقاء الأحبة ، ثم الدار الجميلة
أنهارها في غير أخدود جرت *** سبحان ممسكها عن الفيضان
عسل مصفى ثم ماء ثم خمــــر *** ثم أنهار من الألبان
وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم *** ولحومهم طير ناعم وسمان
وفواكه شتى بحسب مناهم *** يا شبعة كملت لذي الإيمان
وصحافهم ذهب تطوف عليهم *** بأكف خدام من الولدان
وشرابهم من سلسبيل مزجه *** الكافور ذاك شراب ذي الإيمان
والحُلْيُ أصفى لؤلؤ وزبرجد *** وكذاك أسورة من العقيان
هذا وخاتمة النعيم خلودهم أبداً *** بدار الخلد والرضوان
يا سلعة الرحمن لست رخيصة *** بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن أين المشتري *** فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب *** فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن كيف تصبر العشاق *** عنك وهم ذوو إيمان
والله لم تخرج إلى الدنيا للذة *** عيشها أو للحطام الفاني
لكن خرجت لكي تعدَّ الزاد للأخرى *** فجئت بأقبح الخسران
ويرسل ربنا ريحاً *** تهز ذوائب الأغصان
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع *** الإنسان كالنغمات بالأوزان
يا لذة الأسماع لا تتعوضي *** بلذاذة الأوتار والعيدان
وزماننا الوضع فيه أشد من ذى قبل ، من هنا ضوعف الثواب ، وحذرنا النبى صلى الله عليه وسلم من البدع التى تجعل المرء يتعب بلا نتيجة ولا يؤجر بل يؤزر وحثنا صلى الله عليه وسلم على السنة العصماء
هـذا ولـلـمـسـتـمـسـكـيـن بـسـنــة *** المـخـتـار عــنــد فــســاد ذي الأزمـــانِ
أجــرٌ عـظـيــمٌ لـيــس يَـقــدُرُ قَـــدرَهُ *** إلا الــــذي أعــطـــاهُ للإنــســـانِ
أهـلُ الـيـمـيـن ِفـثـلَّـةٌ مــع مـثـلـهــا *** والـسـابـقــون أقــلُّ فــي الـحُـسـبــانِ
مــــاذاك َإِلاّ أن تـابــعــهُــم هــــمُ *** الغـربــاء لـيـســت غُــربــة الأوطـــان ِ
لـكــنــهــا والله غُــربـــة قــائـــم *** بـالـديـن بـيـن عـسـاكــر الـشـيـطــانِ
طـوبــى لـهــم وإمـامـهــم دون الـــورى *** مـــن جـاءَ بـالإيــمــانِ والــفــرقــانِ
والله مـا ائـتــمــوا بـشــخــصٍ دونـــه *** إلا إذا مـــادلَّـــهـــم بـــبـــيـــانِ
وهنا نقل به نقاط هامة أيضا
* من خالف وأحدث فهماً أو اتبع فهماً محدثاً خلاف ما كان عليه الأوائل من الصحابة والتابعين في الفهم فما فهم أو اتبع مردود
عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ..." متفق عليه ، وجاء نحوه من حديث عمران بن حصين متفق عليه ، وفي صحيح مسلم نحوه من حديث عائشة وأبي هريرة .
عن العرباض بن سارية قال : صلى بنا رسول الله ذات يوم ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال :
" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم بعدي فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " أخرجه أبو داود واللفظ له والترمذي وصححه وصححه أبو نعيم والبزار وابن عبدالبر
* أى إسم لطائفة غير ما ورد تزكيته شرعا فهو مرفوض
قال ابن القيم :
ومنها- أي علامات أهل الحديث- أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها ، إذا انتسب سواهم إلى المقالات المحدثة وأربابها كما قال بعض أئمة أهل السنة، وقد سئل عنها فقال: السنة ما لا اسم له سوى السنة، وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة كالقدرية والمرجئة، وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية والضراوية، وإلى الفعل تارة كالخوارج والروافض ، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها ، وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة ا.هـ
*من كان على الحق فهو الجماعة الحقة الممدوحة شرعاً ، ولو كان وحده ومن خالف الحق فهو مخالف للجماعة، ولو كانوا ألوفاً ، فالعبرة بموافقة الجماعة الأولى لا بالكثرة لأن كل من خالف الجماعة الأولى فهو مبتدع ضال زائغ عن الحق
قال عمرو بن ميمون: فقيل لعبد الله بن مسعود: وكيف لنا بالجماعة ؟ فقال لي: يا عمرو بن ميمون إن جمهور الجماعة هي التي تفارق الجماعة؟! إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك ا.هـ
رواه بن عساكر
قال ابن القيم :
واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض، قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذاً باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت من بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ثم سمعته يوماً من الأيام وهو يقول: سيولي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها؛ فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة .
قال: قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثون، قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول لي: صل الصلاة وحدك وهي الفريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة قال: يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، أتدري ما الجماعة؟ قلت: لا ، قال: إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة! الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك.
وفي لفظ آخر: فضرب على فخذي وقال: ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى . وقال نعيم بن حماد: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ، ذكرهما البيهقي وغيره .
وقال بعض أئمة الحديث وقد ذكر له السواد الأعظم، فقال: أتدري ما السواد الأعظم ؟ هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه. فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد والحجة والجماعة هم الجمهور، وجعلوهم عياراً على السنة، وجعلوا السنة بدعة، والمعروف منكراً لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار، وقالوا: من شذ شذ الله به في النار، وما عرف المختلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان الناس كلهم عليه إلا واحداً منهم فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً، فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم يتحمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة: يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل وأحمد وحده هو على الحق؟ فلم يتسع علمه لذلك، فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل، فلا إله إلا الله، ما أشبه الليلة بالبارحة، وهي السبيل المَهْيَع لأهل السنة والجماعة حتى يلقوا ربهم، مضى عليها سلفهم، وينتظرها خلفهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ً) (الأحزاب:23). ا.هـ
* من لا تعجبه معتقدات أهل السنة ويصفها بأنها حنبلية أو وهابية أو أو
ناقد الحنابلة له حالتان :
1- أنه يريد المذهب الحنبلي الفقهي قسيم الحنفية والمالكية والشافعية، فما ذكر من أنهم لم يجمعوا الحق، وأن عند غيرهم من الشافعية حقاً ليس عندهم فهذا صحيح معروف، وهكذا بقية المذاهب الفقهية الإسلامية كالمالكية والحنفية والظاهرية . لكن ذم الحنابلة والقدح فيهم خطأ؛ لأن مجتهديهم في هذه المسائل الفقهية ما بين مصيب له أجران، أو مخطئ له أجر واحد، كما ثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " ثم لماذا يخصص الحنابلة من بين المذاهب الأخرى الفقهية.
2- أنه يريد الحنابلة في المعتقد، وهم المسمون بالسلفية وأهل الحديث، فهؤلاء جمعوا الحق كله فيما لم يختلف فيه السلف الصالح، فمخالفهم على الباطل يقيناً؛ لأن هؤلاء على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما سبق تقريره في الأساس الخامس. وليس هؤلاء قسيماً للشافعية والمالكية والحنفية والظاهرية، بل إن كل من كان سلفياً فهو حنبلي بهذا المعنى .
لذا لما أراد أبو الحسن الأشعري التوبة من عقيدته الاعتزالية إلى عقيدة السلفيين قال: فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته، قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفخم، وعلى جميع أئمة المسلمين ا.هـ
فأبو الحسن الأشعري انتسب إلى الحنابلة مذهباً عقدياً لا مذهباً فقهياً؛ لذا بين أنه مغاير للمعتزلة والقدرية والجهمية والرافضة، وهذه مذاهب عقدية لا فقهية . وأبان في ثنايا كلامه سبب الانتساب إلى معتقد أحمد بن حنبل مع أنه ذكر أنه على معتقد رسول الله صلى الله عليه سلم وأصحابه والتابعين وهؤلاء سابقون للإمام أحمد، والسبب هو أن الإمام أحمد نصر الله به السنة في وقت تقهقر كثير من أئمة المسلمين.
قال ابن تيمية:
وكلام الإمام أحمد في هذا الباب جار على كلام من تقدم من أئمة الهدى، ليس له قول ابتدعه ولكن أظهر السنة وبينها، وذب عنها وبين حال مخالفيها، وجاهد عليها، وصبر على الأذى فيها لما أظهرت الأهواء والبدع، وقد قال الله تعالى
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ (السجدة:24) ،
فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين، فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعاً لمن بعده، كما كان تابعاً لمن قبله. وإلا فالسنة هي ما تلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم إلى يوم القيامة وإن كان بعض الأئمة بها أعلم وعليها أصبر . والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ا.هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن ما تمر به الأمة اليوم من مصائب وشدائد وهزائم، إنما هو بسبب إبتعادها عن المنهل الصافي ، والمعين الكافي عن كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، لذا كان لا بد لكل مسلم من وقفة إيمانية نحاسب فيها أنفسنا ، ونتحسس نقاط الضعف لكي نحاول محاولة الجاد المتوكل على الله أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله حالنا .
وكانت من ثمار مثل هذه الوقفات الإيمانية هذه الرسالة الموجزة التي تحمل في طياتها وبين سطورها كثيراً من القضايا المهمة التي غفل عنها الكثير من أبناء المسلمين اليوم ، وآثرت في كتابتها أن أنقل عن كبار العلماء المشهود لهم بالنصح للأمة ، وجعلت جل إعتمادي بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كلام شيخ الإسلام تقي الدين احمد بن تيمية الحراني، وتلميذه الإمام ابن القيم ، والشيخ المجدد المجاهد محمد بن عبد الوهاب_رحمهم الله جميعاً _ وضمنت في هذه الرسالة الموجزة ما يهم للمسلم أن يعرفه في خضم هذا البحر المتلاطم حتي يحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة،وأسميتها { قضايا مهمة في حياة الأمة }
المبحث الأول
العبودية وواقعنا المعاصر
لا شك أيها الأحباب أن الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثاً وإنما خلقه لغاية نبيلة ، ومهمة عظيمة، فقال تعالى :{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} الذاريات آية56
إذن فالغاية من خلق الجن والإنسان العبادة، والعبادة اسم جامع شامل لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة منها والباطنة، وحتى تكون العبادة مقبولة ينبغي أن يتوافر فيها شرطان هما:
1_ إخلاص النية لله تعالى لقول جل جلاله :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } البينة آية 5، وتكون إخلاص النية لله تعالى بتوجيه العمل لله تعالى ونسب الفضل له في أن وفق العبد لهذا العمل وعدم إرادة المخلوقين بهذا العمل.
2_اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } آل عمران آية 31
فلا يجوز مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينفع اخلاص بغير اتباع، ولا ينفع اتباع بغير إخلاص.
ومعلوم أن العبودية لله توجب على العبد الإتصال الوثيق بالله تعالى، بحيث لا يرد العبد لله أمراً، بل تصبح نفسه نذراً لله تعالى، فهو يعيش لله ويمشي في الله ويذبح لله ويُقتل في سبيل الله مصداقاً لقوله تعالى : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}الأنعام آية162، حياة متصلة بالله تبارك وتعالى.
إنها العبودية التي تُلزم العبد أن يقول :{ سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} البقرة آية285.
لا معني حقيقي للعبودية من غير: عبادة واستسلام وانقياد للمعبود وهو الله جل جلاله لا معبود بحق في الكون إلا هو تعالى .
" اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضائك" رواه أحمد.
انظر رحمك الله إلى معاني العبودية والإنقياد والاستسلام والإيمان بقضاء الله والتسليم بحكم الله.
إن العبودية لله أيها الأحباب تعني التجرد من هوى النفس ، بل جعل هذا الهوى موافقاً وتبعاً للشرع كما قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :
"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجميعن "رواه مسلم
إن العبودية ليست كلمة تلكوها الألسن فقط، إنما هي تطبيق واقعي وعملي ، ما الفائدة أن أدعي العبودية لله تعالى_وهي شرف للعبد_ وحياتي مجردة من معاني الحب في الله ورجاء الله، وخشية الله والإستسلام لأمر الله.
إننا بحاجة اليوم إلى أن نجدد إيماننا، ليرضى ربنا عنا فيغير أحوالنا ، فإذا أردنا فعلاً لمنهج الله أن يقوم فلا بد ان نقيمه أولاً في أنفسنا، كما قال الشيخ الشهيد سيد قطب رحمه الله : (أقم دولة الإسلام في قلبك تقم على أرضك).
المبحث الثاني
الإسلام والكفر
قال تعالى : { قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} البقرة آية36
آية من كتاب الله تعالى تبين لنا حقيقة الصراع بين الإنسان والشيطان ، العدو الأول للإنسان الذي حدده الله لنا كعدو دائم، لنحذره ، لماذا؟ لأن تحديد العدو ضروري في الإنتصار عليه ، فمثله كمثل داء يصيب الإنسان ، فيسعى الإنسان إلى تشخيصه ومعرفة ماهيته، لتحديد الدواء الناجح ، وهكذا العدو لا بد من تشخيصه لاستخدام الإسلحة المناسبة لقهر هذا العدو.
ومن هذه البداية، بداية الصراع بين الشيطان والإنسان ظهرت بداية الصراع بين الحق والباطل ، حينما اختارت طائفة من البشر سبيل الشيطان ، فانقسم البشر إلى قسمين: أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، وفي ذلك يقول الحق تعالى :{ الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا اولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً } النساء آية76
ولكن هل يشترط في أعضاء الحزب الشيطاني أن يعلنوا ولائهم الكامل والصريح للشيطان؟
إن حزب الشيطان هو كل من خرج عن منهج الله ودينه، وليس شرطاً أن يعلن أعضاء المحفل الشيطاني ولائهم الكامل، بل تجد منهم من يلعن الشيطان، ولكن حياته تسير وفق المنهج الشيطاني لا المنهج الرباني، فهو من حزب الشيطان وإن كان لا يعلم ولا يشعر.
إن المسألة مفهومة، فكل مبدأ ومنهج وعقيدة وطريق مخالف لمنهج الإسلام فهو طريق الشيطان، فإنما هي إحدى الطريقين، طريق الإيمان أو الكفر ولا مرتبة بينهما.
نعم هنالك صنف من البشر قد يوافق المنهج الشيطاني في أشياء ولا يوافقه في أشياء أخرى، فهذا الصنف إن كان أصل العقيدة عنده صحيح فهو مسلم قد عميت بصيرته وتلزمه التوبة، فهو من حزب الشيطان منهجاً لا عقيدة، ويخشى عليه ان يصبح من حزب الشيطان منهجاً وعقيدةً .
أما إن كان أصل العقيدة عنده فاسداً فهو من حزب الشيطان عقيدة ومنهجاً.
وكثير من الأمور يمر عليها المسلمون فلا يلقون لها بالاً مع أنها بالأهمية بمكان، ويحسن بنا في معركتنا مع الشيطان وحزبه أن نعرفها، وهي التي عبر عنها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بقوله (نوافض الإسلام العشرة) والتي سنذكرها بإذن الله رابطين إياها بحال المسلمين اليوم.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الأول من نواقض الإسلام العشرة: الشرك بالله تعالى قال تعالى:
{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء آية 116 ) .
واليوم نرى بعضاً ممن ينتسب إلى الإسلام يدعو غير الله، ويذبحون لغير الله ويستغيثون بغير الله، وكمثل أن يحب بعض الناس كحب الله يقول تعالى:{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله}البقرة آية165.
وكذلك الإعتقاد بأن الموتى ينفعون الأحياء، والإعتقاد بالأوتاد والأغواث وغيرها وأنهم يقومون على حاجات الخلق، وكذلك سب الذات الإلهية، وشتم النبي صلى الله عليه وسلم فهذه كلها من الشرك بالله.
وكثير من هذه الأمور واقعة اليوم في بلاد المسلمين، نرى منهم من ينادي حسيناً، أو فاطمةً ، ومنهم من يذبح للقبور وغيرها ، فإن الأمة بحاجة إلى تصحيح عقيدتها والله المستعان.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الثاني من نواقض الإسلام العشرة: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعونهم ويسألونهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعاً ).
فبعض الناس يدعي أنه لا سبيل للوصول إلى مرضاة الله إلا عبر هذه الوسائط، ونترك بيان هذا للإمام ابن تيمية الذي يقول في رسالته القيمة "الواسطة بين الحق والخلق" :
( إن أراد بذلك أن لابد من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأولياءه من كرامته، وما وعد به أعدائه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وامثال ذلك إلا بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى عباده)(1)
إذن فشيخ الإسلام يقرر أن الواسطة بهذا المعنى أمر شرعي لا بد منه، فإن الأنبياء هم المبلغون عن ربهم لشريعته، الداعين لوحدانيته وعبوديته.
بل يقول رحمه الله :( ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل )(2)
ثم يبين رحمه الله تعالى المعنى غير الشرعي لمعنى الواسطة والذي ينقل من الملة فيقول :
( فإن أراد بالواسطة أن لابد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم يسالونه ذلك ويرجعون إليه فيه فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين )(3).
فشيخ الإسلام رحمه الله يوضح أن الوسائط تنقسم إلى حق وباطل، فأما الحق فهم الرسل الذين يبلغون الدين للعباد قال تعالى:{ يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس}الحج آية 75، أما الباطل فهو إتخاذ الوسائط واعتقاد النفع والضر بهم فهذا كفر أكبر يخرج من الملة.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الثالث من نواقض الإسلام العشرة:من لم يكفر المشركين او شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فقد كفر)
وهذا أمر جسيم وقع فيه بعض المسلمين اليوم، إذ نراهم يوادون النصارى واليهود معتقدين أنهم ليسوا بكفرة، محتجين على ذلك بأنهم من أهل الكتاب، والرد عليهم من كتاب الله،
قال تعالى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد}المائدة آية 73،
وقال عز وجل :{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} البقرة آية 120
ونسمع أصواتاً تنادي بالتقريب بين الأديان، ومن وراء هذه الدعوات والأصوات الماسونية العالمية، التي تسعى من وراء ذلك أن تهدم عقيدة الولاء والبراء في نفوس شباب الأمة الإسلامية، حتى ينشأ ضائعاً بعيداً عن أمجاد أمته السابقة، ولا يسعى لإعادة هذه الأمجاد، فلا يخرج من الأمة مجاهد، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، فإن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، ولابد لنا أن نقف صفاً واحداً لإبطال هذه الدعوات والمؤامرات الخبيثة، والله المستعان، وعليه التكلان.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الرابع من نواقض الإسلام العشرة: من أعتقد ان هديه افضل من هديه صلى الله عليه وسلم، او أن حكمه أفضل من حكمه صلى الله عليه وسلم كالذي يفضل القوانين الوضعية عن قوانين رب العالمين كفر إجماعاً)
فبعض الناس يصف شرع الله بأنه غير صالح للتطبيق في عصر الذرة والتقدم، ويصفونه بأنه رجعي او أنه وحشي، لأنه يقضي بقتل الزاني المحصن وقطع يد السارق، او أعتقد ان الإسلام عبادة فقط لا أنه نظام حياة كامل شامل كفر إجماعاً .
ونترك الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبيناً موقف الشرع من أصحاب الإيمان الجزئي فيقول :
( ذم الله الذين أوتوا الكتاب لما آمنوا بما خرج عن الرسالة وتفضيل الخارجين عن الرسالة على المؤمنين بها، كما يفعل ذلك بعض من يفضل الصابئة من الفلاسفة والدول الجاهلية_جاهلية الترك والديلم والعرب والفرس وغيرهم_ على المؤمنين بالله وكتابه ورسوله، كما ذم المدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب و السنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله، كما يصيب ذلك كثيراً ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم،أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك وغيرهم، وإذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضا). (1)
(1) الواسطة بين الحق والخلق_الطبعة الثالثة_ص 8 طبعة المكتب الإسلامي.
(2) المصدر السابق صفحة 10
(3) المصدر السابق صفحة 11
{ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا يما انزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا ليكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} النساء آية 60 ، وهذه الطواغيت هي كل ما عبد من دون الله أو أُطيع في غير ما أحل الله
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الخامس من نواقض الإسلام العشرة: من أبغض شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر والدليل قوله تعالى: { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}محمد آية 9 )
فنرى بعض المنتسبين للإسلام يبغض بعض شرع الله كأن يكره أن يعطي بناته حقهن في الميراث، وكأن يكره أن يؤدي زكاة ماله فيعتبرها أتاوة أو ضريبة أو خراجاً، كما اعتقد بها مانعوها على عهد الصديق رضي الله عنه فقاتلهم على منعها، فالإسلام كل لا يتجزأ، فيجب على المسلم أن يقبل الإسلام كلاً متكاملاً، بجميع احكامه وجزيئاته، نسأل الله أن يجعلنا ممن يسمع ويطيع ويسلم أمره لله.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض السادس من نواقض الإسلام العشرة: من استهزأ بشيء من دين الله ثوابه أو عقابه، أو آياته أو رسله كفر والدليل قوله تعالى: { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }التوبة آية 66،65 )
فنرى أمة الإسلام إلا من رحم الله قد وقعت في الإستهزاء بالعلماء وطلبة العلم، ونرى بعض المنتسبين إلى الإسلام يصف الحجاب بأنه خيمة أو رجعية، ويصف شعائر الحج بأوصاف لا تليق، ونرى البعض يهزأ باللحى وأصحابها، وغير ذلك فليحذر هؤلاء أن تصيبهم نقمة من الله وعذاب أليم.
_قال الشيخ رحمه الله:
( الناقض السابع من نواقض الإسلام العشرة: السحر ومنه الصرف والعطف، والدليل قوله تعالى :{ وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر}البقرة آية 102 )
وكثير من المسلمين اليوم يذهب إلى السحرة والدجالين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه مسلم، هذا إن لم يصدقه،
فإن صدقه "فقد كفر بما أنزل على محمد" والواجب على العلماء أن يقفوا في وجه السحرة متوكلين على الله في حربهم والتحذير منهم .
_قال الشيخ رحمه الله :
(الناقض الثامن من نواقض الإسلام العشرة: مظاهرة المشركين ونصرهم على المسلمين فمن فعل ذلك أو رضي به فقد كفر قال تعالى :{ ومن يتولهم منكم فإنهم منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين }المائدة الآية51 )
كالموالاة لدول الكفر ونصرهم على المسلمين مادياً ومعنوياً ، وتفضيل هؤلاء الكفرة وهم أهل الزيغ والفساد على المؤمنين وهم أهل الحق والرشاد .
وهؤلاء الذين يظاهرون الكفار يصدق فيهم قوله تعالى :{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا،أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} النساء آية 51.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض التاسع من نواقض الإسلام العشرة : من أعتقد أن في وسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام كفر إجماعاً والدليل قوله تعالى :{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}آل عمران آية 85 ).
فبعض الناس يدعي أن وصل إلى مرحلة تسقط التكليفات عنه، زاعماً أنه وصل إلى مرحلة ما يسمى بالكشف ، وهذا مشاهد عند بعض الدجالين ، والجواب على هؤلاء : أن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الخلق وأكرمهم على الله لم تسقط عنه التكليفات ، أفهذا المدعي خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال أنه خير منه كفر بالإجماع لأنه بذلك خالف صريح القرآن وصريح السنة.
أما بخصوص عدم اتباع الخضر لشريعة موسى عليه السلام فالجواب على ذلك من وجهين:
1_أن موسى عليه السلام بعث إلى قومه خاصة والخضر لم يكن من بني إسرائيل.
2_أن الخضر عند بعض أهل العلم نبي مستدلين بقوله تعالى :{ وما فعلته عن أمري} الكهف آية82 .
قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض العاشر والأخير من نواقض الإسلام العشرة:من أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله تعالى :{ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون }السجدة آية22 ).
والمقصود بالعلم هنا علم ما لا يُعذر المسلم بجهله كعلم التوحيد، ولا يشترط في علم التوحيد معرفة العامة للرد على الخصوم ودحض حججهم فهذا علم لا يستطيعه الكل، إنما المقصود تثبيت العقيدة الصحيحة، وما هو معلوم بالدين بالضرورة كفرائض الإسلام وكأركان الإيمان.
ويدخل في هذا الناقض كل من حارب وصد عن درس العلم لقوله تعالى :{ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها } البقرة آية 114
ثم يقول الشيخ رحمه الله :
( ولا فرق في جميع هذه النواقض سواء الهازل منها والجاد إلا المكره)
وذلك لقوله تعالى :{ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان }النحل آية 106.
فيا أبناء الإسلام، الحذر الحذر من هذه النواقض، ابتعدوا عنها وبينوها لمجتمعاتكم حتى يحذروا منها، وأبدؤا بأهليكم لقوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } التحريم آية 6
هذا والله أعلم وأحكم وعليه التكلان وهو المستعان
المبحث الثالث
العواصم
إن ما تمر به الأمة اليوم من فتن أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :
" بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا " رواه مسلم .
ليحثنا أن نحصن أنفسنا من مداخل الشيطان، والكيس الفطن من تحصن بحصن الله المنيع، وجميل بنا أن نتذكر هذه العواصم ، { فإن الذكرى تنفع المؤمنين } الذاريان آية 55، وحتى ننتصر في معركتنا مع الشيطان نذكر طرفاً من هذه العواصم:
1_ الإعتصام بالكتاب والسنة علماً وعملاً :
فنحذر ونُحذر من كل صوت ومن كل مبدأ يناهض الإسلام، ونجاهد أتباعه جهاداً عظيماً ، مع إخلاص نية لله تعالى وقصده في جميع الأفعال والأقوال والأحوال، واضعين نصب أعيننا أنه لابد للعلم من عمل كما قال علي رضي الله عنه :( هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ).
2_مجاهدة أعداء الله :
فكراً وأشخاصاً واهدافاً ، ولو كان في ذلك إزهاق الروح وإهلاك النفس .
3_الصبر على الإبتلاء :
فبما أنك أخي الحبيب قبلت أن تكون من جند الرحمن فلا شك أن أولياء الشيطان سيناصبوك العداء، وقد يكتب الله تعالى لك السجن والتعذيب والتشريد والقتل، فيجب عليك أن تتحصن بالصبر، يقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم سيد الصابرين :
" عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم.
4_الدعاء :
ذلك السلاح الذي غفل عنه الكثير من المسلمين اليوم، والله تعالى يقول : { قال ربكم أدعوني استجب لكم }
ولله در القائل :
الله يغضب إن تركت سؤاله وبنو آدم حين يُسأل يغضب
فيجب علينا أن نتسلح بهذا السلاح الثمين، ونكثر منه في السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" رواه مسلم
وكذلك في الثلث الأخير من الليل كما يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :
" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" متفق عليه
المبحث الرابع
الصوفية
إذا كانت الصوفية تعني الزهد في الدنيا ، والإنصراف إلى الآخرة، وتهذيب النفس، فإن هذا المعنى جميل ومحبوب بشرط أن لا يفضي ذلك إلى تحريم حلال ورهبانية ما أنزل الله بها من سلطان.
نعم لقد دخل إلى الزهد في العصور المتأخرة ما ليس فيه من بدع ومنكرات وغيرها، واختلف الناس في الصوفية لكن شيخ الإسلام ابن القيم اوضح ذلك في كتابه القيم "مدارج السالكين" حيث قال رحمه الله :( وهذه الشطحات أوجبت فتنة على طائفتين من الناس :
إحداهما :
حجبت بها عن محاسن هذه الطائفة ولطف نفوسهم وصدق معاملاتهم، فأهدروها لأجل هذه الشطحات، وأنكروها غاية الإنكار،وأساءوا الظن بهم مطلقاً وهذا عدوان وإسراف فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها.
والطائفة الثانية :
حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائمهم وحسن معاملاتهم عن رؤية عيوب شطحاتهم ونقصانها فسحبوا عليها ذيل المحاسن وأجروا عليها حكم
القبول والإنتصار لها واستظهروا بها في سلوكهم وهؤلاء أيضاً معتدون مفرطون.
والطائفة الثالثة وهم أهل العدل والإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول ولا للمعلول بحكم الصحيح بل قبلوا ما يُقبل وردوا ما يُرد) (1)
وتأكيداً لهذا المنهج القويم الذي سلكه ابن القيم رحمه الله سنذكر طائفة من كبار الصوفية وقول العلماء فيهم حتى يتبين لنا أنه ليس كل من نُسب إلى الصوفية متروك وفاسد العقيدة كما يتوهم البعض وهؤلاء هم :
1_إبراهيم بن أدهم: الذي أطلق عليه "شيخ الصوفية" قال عنه يحيى ابن معين :( عابد ثقة)(2)
وقال عنه ابن تيمية :( أما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض وابراهيم بن أدهم.....)(3)
2_الفضيل بن عياض: قال عنه ابن تيمية رحمه الله :( سيد المسلمين في وقته )(4) وقد أكثر في مدحه في اكثر من موضع.
3_بشر بن الحارث الحافي الملقب "معلم الزهد" قال عنه أبو حاتم مع تشدده البالغ :( ثقة مرضي)(5)
كما أنه ورد عنه وقفته مع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله خلا محنة خلق القرآن ذكر ذلك ابن الجوزي في حديثه عن مناقب الإمام أحمد بن جنبل
4_الجنيد: قال عنه ابن تيمية رحمه الله : ( والجنيد وأمثاله أئمة هدى )(6) وأكثر ابن تيمية في مدحه في أكثر من موضع من كتبه
(1)مدراج السالكين 2\39\370
(2)تهذيب التهذيب 1\102
(3)مجموع فتاوى ابن تيمية 10\516
(4)سماع الصوفية مطبوع ضمن مجموعة رسائل بعنوان الجامع الفرية ص 677
(5) الجرح والتعديل لإبن أبي حاتم ج 1 ق 1 ص 356
(6)مجموع فتاوى ابن تيمية 5\4941
5_عبد القادر الكيلاني : قال عنه ابن تيمية رحمه الله :( من أعظم مشايخ زمانهم أمراً بالتزام الشرع والامر والنهي وتقديمه على الذوق،والقدر ومن أعظم المشايخ أمراً بترك الهوى والإرادة النفسية ) (1)
وقال عنه ابن القيم :( الشيخ العارف القدوة)(2)
أما الحلاج وابن عربي وابن الفارض فهم أئمة ضلالة وإن نُسبوا إلى الصوفية والزهد فالإسلام والزهد منهم براء ، فهاهم أئمة هدى نُسبوا إلى الصوفية وهاهم أئمة ضلالة قد نُسبوا إلى الصوفية فكيف السبيل لمعرفة من هو على خير من الصوفية ومن هو مبتدع ضال؟
خاصة أن لفظ الصوفية لا يستطاع اليوم محوه وإزالته.
لنا في تصنيف شيخ الإسلام ابن تيمية لهم إجابة شافية وقد قسمهم رحمه الله إلى ثلاثة أنواع:
الأولى ـ صوفية الحقائق : وهم ثلاثة أنواع:
1 ـ وهم قوم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم فمنهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ومنهم من هو دون ذلك _وهم صوفية أهل السنة والجماعة_.
2 ـ قوم تكلموا في خصائص الإيمان والدين خلطوا بعض الحق بشركيات وبدع وروايات باطلة وسلوك مخالف للسنة¬_ وهم صوفية المبتدعة_.
3 ـ أصحاب الحلول والاتحاد على شاكلة الحلاج وابن عربي وابن الفارض وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى._وهم الخارجين عن الملة_
الثانية ـ صوفية الأرزاق :
وهم الذين يستفدون من دخل الأوقاف الموقوفة على الصوفية فحسب فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق_وهم التاركون للسعي على الرزق وقد يقعوا في بعض المبتدعات.
الثالثة ـ صوفية الرسم :
وهم المقتصرون على النسبة إلى الصوفية فاهتمامهم منحصر في اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك.أ.هـ بقليل من الإيضاح
فلا حرج من الزهد والتقرب إلى الله تعالى والعمل على تهذيب النفس وتنقيتها من شوائبها، وإنما أوردت هذه الكلمات حتى نستبين سبيل الرشاد ولا نقع فيما وقع به بعض أهل الضلال والفساد، ونجعل زهدنا وفق كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 10\488
(2) مدارج السالكين 1\197
المبحث الخامس
كتب نافعة
وهذه كتب نافعة قد إخترتها وارتضيتها لنفسي ولك إليك بعضها:
1_ كتب ابن تيمية: العقيدة الواسطية، الوصية الكبرى في العقيدة والدعوة للمسلمين جماعات وأفرادا، الواسطة بين الحق والخلق ، العبودية ، مجموع فتاوى ابن تيمية ، وغيرها من كتبه النافعة
2_الطحاوية وشرحها لأبن أبي العز الحنفي
3_كتب ابن القيم: مدارج السالكين ، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين وغيرها من كتبه القيمة.
4_كتب محمد بن عبد الوهاب : التوحيد، مسائل الجاهلية ، وغيرها
5_فتح الباري شرح صحيح البخاري لإبن حجر العسقلاني
6_شرح النووي لمسلم
7_ كتاب أداب النفوس للحارث المحاسبي
8_ تفسير ابن كثير
9_ في ظلال القرآن لسيد قطب ومعالم في الطريق لسيد قطب
مراجع الرسالة الموجزة
1_القرآن الكريم
2_كتب الحديث(البخاري، مسلم ، سنن الترمذي، مسند الإمام أحمد)
3_ العبودية لابن تيمية
4_الواسطة بين الحق والخلق لابن تيمية
5_مدارج السالكين لابن القيم
6_ مجموع فتاوى ابن تيمية
7_مسائل الجاهلية لمحمد بن عبد الوهاب
{ فاعلم أنَّه لا إله إلا الله}
نزلت هذه الآية الكريمة على نبينا محمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بعد ثلاث عشرة سنة من دعوته إلى التوحيد ، واستفراغ وسعه في التبليغ والإنذار لكفَّار قريش ومن لفَّ لفَّهم .
ويحقٌّ للمتأمل في كتاب الله ، أن يرجع الفكر كرَّتين بل كرَّات في تدبُّر هذه الآية ، إذ إنها تأمره ـ عليه الصلاة والسلام ـ بتعلُّم التوحيد ، ومعرفة الله ـ عزَّ وجلَّ ـ حق المعرفة، مع أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـأفضل الأنبياء والمرسلين ، وأعرفهم بربِّ العالمين ، بل دعا بهذه الكلمة الكفَّار والمشركين ، كما روى ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه وكان جاهلياً فأسلم ، قال:
(( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ويدخل في فجاجها والناس متقصفون عليه، فما رأيت أحداً يقول شيئاً، وهو لا يسكت، يقول: أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (15448) وأخرجه ابن حبان في صحيحه .
ولعل الفوائد المستنبطة من إنزال هذه الآية على نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ بعد ثلاثة عشر عاماً في دعوته إلى التوحيد، ونزولها على عموم البشر من بعده ، لعلَّها تضبط في عدَّة نقاط محورية ، يجدر التنبه لها ، ويحسن تسليط الضوء عليها ، فمنها :
1ـ أنَّ فيها دلالة واضحة في التأكيد على وجوب توحيد الله ومعرفته ، ولو كان الداعية إلى ذلك من كبار الموحدين ؛ لأنَّ النفس لا يقوى إيمانها بالله ، ولا تنبعث فيها روح الدعوة إلى الله ، ولا ينقدح بين جوانبها التبيلغ والنذارة لهذا الدين ، ولا يقوى ولاؤها لله ، ولا براؤها من أعدائه ، ولا تهفو للجهاد في سبيل الله ، إلَّا إذا كانت دعائم التوحيد فيها راسخة ، وصلابة الإيمان في جذورها متعمقة .
فينتج من ذلك ، قوَّة العمل لهذا الدين ، وعلو الهمة في بثِّه بين أنحاء المعمورة ، وصلابة الإرادة في ذلك ، وقوَّة الصبر على ما تواجهه من مصاعب وعراقيل ، إثر قيامها بالتعليم ، وتبليغ دين رب العالمين (أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره).
ولهذا فإنَّ الجهاد في سبيل الله ، لم يشرع عبثاً، بل شرع لأجل حماية ونشر راية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله) لتكون كلمة الله هي العليا ، ولتحطيم جميع المكابرين الذين يحولون بين دعوة التوحيد وبين الناس ، حتى تصل إليهم بنقائها وصفائها ، وتخلصهم من أدران الوثنية ، وشوائب الشرك والعبودية لغير الله ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلَّم :
( بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبَد الله وحده لا يشرك به شيئاً ) والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده(7/123ـ125) وجوَّد إسناده ابن تيمية في الاقتضاء ، وحسَّنه ابن حجر .
فالغاية من الجهاد تعبيد الناس لربِّ العالمين ، والإبقاء على ملَّة إبراهيم حنيفاً مسلماً ، وما كان من المشركين.
2ـ أنَّ العبد المؤمن يحتاج للمزيد من تدبر هذه القضية الكبرى ، والحقيقة العظمى في الكون والحياة مطلقاً ؛ إذ إنَّ الشيطان أقسم بإضلال الناس وغوايتهم ، بحيله الماكرة ، فقال : (ولأضلنَّهم ولأمنِّينَّهم ولآمرنهم فليبتكنَّ آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرنَّ خلق الله)
فلا رادَّ لذلك ، ولا عاصم إلَّا الاستمساك والاعتصام بتوحيد الله ، وتصفية النفس من درن الباطل ، والرَّان المنطبع على القلب ، وذلك لا يتمُّ إلَّا بقوَّة التوحيد في القلب ؛
فالتوحيد كما أنَّه صلب ، ولا يحتمل التموُّج والمساومة في مبادئه ، فهو كذلك شفَّاف يقدح فيه أدنى شيء يخلُّ بلوازمه ومقتضياته ، وقد عبَّر عن ذلك الإمام ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ بقوله :
(التوحيد أشفُّ شيء وأنزهه ، وأنصعه وأصفاه وأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثِّر فيه ، فهو كأبيض ثوب يكون ، يؤثِّر فيه أدنى أثر ، وكالمرآة الصافية جدَّاً ، أدنى شيء يؤثِّر فيها ، ولهذا تشوهه اللحظة واللفظة والشهوة الخفيِّة) (الفوائد لابن القيم/42)
ويقصد ـ رحمه الله ـ باللحظة : النظر إلى ما حرَّم الله . واللفظة : الكلام الذي يتكلم به الإنسان سواء من شرك بالله ، أو الكلام الذي لا يلقي له بالاً يقذف به في النار سبعين خريفاً . والشهوة الخفية : إمَّا أنَّها حب الرئاسة والإمارة ، أو أنَّها الرياء وعدم الإخلاص لله.
ولهذا فإنَّه ـ تعالى ـ يوصي الصحابة ، ومن بعدهم من أهل الإيمان ، بالإيمان بالله ورسوله ، وإن كانوا مؤمنين ، ليؤكد عليهم هذا المبدأ الثمين ، حتى يقوى إيمانهم بالله ، وتشتد قلوبهم على تحمُّل ما يرضيه سبحانه فيقول تعالى : (يا أيَّها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذين نزَّل على رسوله)
فهنا يدعو جلَّ جلاله أهل الإيمان إلى زيادة الإيمان بالله ، وقوَّة الإصرار على ذلك ، لأنَّه ليس كلَّ من قال لا إله إلَّا الله، وأظهر إيمانه باليوم الآخر يكون مسلماً ؛ ويدلُّ لذلك قوله تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنَّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ).
3ـ لا شكَّ أن الأمر بهذه الآية ليس خاصاً بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فحسب ؛ وعليه فإنَّ علاج الخلل في التوحيد ، وكما أنَّه يتمُّ بدرء الخلل عنه، وتخلية القلب منه ، إلَّا أنه يحتاج إلى تمكين عرى الإيمان ، وعُقَدِ التوحيد في القلب ، وتحليته به ، ليخالط بشاشة الإيمان القلوب ، فيتم بذلك تخلية وتحلية .
وكما يقول الأصوليون : التخلية قبل التحلية، فيخلِّي الإنسان عن قلبه شوائب الانحراف العقدي ، ويحليه ببلسم الإيمان ، وصفاء الاعتقاد ، ونقاوة التوحيد .
والحقيقة أنَّ أيَّ خلل طارئ على من وحَّد الله ، لا يكون ذلك إلَّا بعدة أشياء ، ومن ألزمها ذكراً :
أ ـ ضعف مراقبة الله ، وقلَّة الوازع الديني الذي ينبغي أن يتنامى في القلب ، حتى لا يكون القلب كالكوز مجخياً ، لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً.
ب ـ ضعف ارتباط العبد بربه من نواحي العبادة كالرجاء والخوف والمحبة والاستعانة والاستغاثة ، وقلة الانطراح بين يديه ، والانكباب على عتبة بابه ، مع أنَّ هذا الأمر من أشدِّ الأمور ، التي لزمها الأنبياء والأولياء الصالحون ، ومنهم إبراهيم ـ عليه السلام ـ حيث كان داعية للتوحيد ، ومحطماً لأوثان المشركين ، ومع هذا فقد خاف على نفسه من أن تشاب بلوثات شركية، فقال لربه داعياً : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) (سورة إبراهيم /35)
ومكمن المسألة في ذلك ؛ دعاء إبراهيم ربَّه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام . ثمَّ يبين إبراهيم ـ عليه السلام ـ سبب دعائه ، فيقول : ( ربِّ إنَّهنَّ أضللن كثيراً من الناس)
ولهذا علَّق الإمام إبراهيم التيمي على قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام قائلاً : ومن يأمن البلاء بعد أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ؟ ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ، للشيخ : عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ/ صـ 74)
ومما يستنتج من دعائه ـ عليه السلام ـ أن الأشياء التي تعبد من دون الله ، قد يكون لها حجم واسع من التأثير على الناس ، بإضلالهم عن الصراط المستقيم ، ويمثِّل أهل العلم عليه بأمثلة ، أقتصر على أحدها : وهو أن يأتي شخص يدعو أحد الطواغيت التي يقصدها بالدعاء من دون الله ، ويرجوها بأن يمنَّ الله على زوجته العقيم ، بأن تنجب طفلاً ، بعد عشر سنوات ، ثمَّ يفاجأ بمن يبشِّره بعد أشهر قليلة بطفل يتكوَّر في بطن زوجته ، فيطير فرحاً ، ويذهب لذلك الطاغوت ، ويشكره ، ويزداد تعلقه به ، وهكذا مع العلم بأنَّ هذا الرجل الذي دعا غير الله ، أراد الله أن يرزقه الولد وقت دعائه ، فيرزق الولد بمشيئة الله وإرادته الكونية القدرية،وليس بإرادة الذي لا يسمع ولا يبصر ، فيفتن الرجل بذلك الطاغوت ، ويلتجئ إليه في سرِّه وعلانيته ، وفي شدَّته ورخائه ـ عياذاً بالله ـ ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ً).
4 ـ في هذه الآية تنبيه لبعض الدعاة القائلين بأنَّ قضية التوحيد سهلة ، ولا تحتاج إلى ذلك التكثيف العلمي والتعليمي ، أو أنَّ لدينا من هموم الأمة ما يحوجنا بالكلام عنها أكثر من قضية باتت معروفة في أذهان المسلمين ، والجواب عن ذلك :
أ ـ أنَّه تعالى ما خلقنا إلا لعبوديته وتوحيده ، وإرساء تلك المعالم العقدية في قلوبنا ، فقال : ( وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون )
ولو كانت دعوة التوحيد يسيرة لما جلس ـ عليه الصلاة و السلام ـ ثلاثة عشر سنة يدعو لذلك الناس مسلمهم وكافرهم.
مسلمهم: لكي يتأكد ذلك في قلوبهم وليكوِّن ـ عليه الصلاة والسلام ـ من قلوبهم قاعدة صلبة للبناء الإيماني ، لتتحمل الواجبات والفرائض المفروضة من قِبَلِهِ تعالى.
وأمَّا كافرهم : فلتقوم الحجَّة عليهم ، بالبلاغ المبين ، والبيان الواضح ، ولهذا بقي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو لذلك جميع الناس حتى قبضت روحه الشريفه ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ليبقى التوحيد في قلوب المسلمين صلباً ، لا تزعزعه أعاصير الشرك العاتية ، ولا رياح التغيير المنحرفة عن المنهج الإسلامي.
ب ـ أنَّ التوحيد ليس قضية سهلة ، بل إنَّ هذه القضية على شفافيتها ، فإنَّ تطبيقها والعمل بها من أصعب ما يكون ، ولهذا قال سبحانه : ( إنَّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)
قال الإمام مالك: ليس في دين الإسلام شيء سهل ، واستدلَّ بهذه الآية .
والمقصود أنَّ التوحيد والإيمان يحتاج سنوات عديدة في العمل لأجله، ومجاهدة النفس على تنقيتها مما يخل بذلك ، لتتأصل النفس على الإبقاء عليه ، والاستمساك بحبله ،
وقد قال جندب بن عبدالله : تعلمنا الإيمان ثمَّ تعلمنا القرآن ، فازددنا به إيماناً.
ج ـ إنَّ مآسي الأمة ونكباتها لاريب أنَّها تبعث الأسى في القلب ، ولكنها راجعة لعدة أسباب أولها ذكراً : ضعف إيماننا بالله وتعلقنا به وعبوديته الخالصة ، فكم يوجد في عصرنا من المنتسبين إلى الإسلام ، يشركون بالله ، ويقصدون القبور للطواف حولها ، والتعلق بأصحابها ، والاستغاثة بهم .
وكم من منافق يدسُّ سمَّه في الظلام ، ويطعن المسلمين خلف ظهورهم ، وكم من خائن يدلُّ أهل الكفر على المسلمين المستضعفين ، ويبيع دينه بثمن بخس.
وكم يُعْرَض في وسائل الإعلام من الأمور المنحرفة عن التوحيد الخالص بتعظيم الكفار ، والتشبه بهم ، والتمنطق بأقوالهم ، والتهنئة بأعيادهم ، وربط صلات التآخي معهم.
وكم هو منتشر في بلاد المسلمين السحر والسحرة والشعوذة والتعلق بالرقى والتمائم والتعاويذ الشركية. وكم انتشرت البدع والانحرافات الفكرية ما بين مقلٍّ ومكثرٍ في عقول الكثير من المسلمين.
وبعد...ألا تحتاج هذه كلها إلى وقفة محاسبة ، ترجعنا إلى أهمية الإعادة والتكرار لمبادئ التوحيد ، وقضاياه الكلية ، من قِبَلِ دعاة الإسلام ، ومن ثمَّ تنبيه الناس لذلك ، وعقد الندوات المتتابعة لأجله ، في جميع أنحاء الأرض ، ليكون المسلمون في حصن حصين ، وحرز مكين ، من كلِّ داعية سوء ، أو صاحب ضلالة مردية ، تجنح بهم إلى الكفر والفسوق والعصيان ، وقد أحسن محمد إقبال حين قال:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان *** ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دينٍ *** فقد جعل الفناء لها قريناً
وفي التوحيد للهمم اتحاد *** ولن تبنوا العلا متفرقينا
فهل نعاود قراءة القرآن ، وكتب أهل العلم ونستفيد منها دروساً في التوحيد والإيمان ، ونطبقها في أرض الواقع ، ودنيا الناس ، مقتفين أثر سلفنا الصالح ، حين اهتموا بهذه القضية وأولوها عناية تامَّة ، وقدَّموها على جميع العلوم والمعارف .
ورحم الله الإمام أبا حنيفة حين قال مؤكداً على أهمية التفقه في التوحيد : الفقه في الدين أفضل من التفقه في العلم .
وصدق من قال :
أيُّها المغتذي ليطلب علماً *** كل علم عبد لعلم الرسول
تطلب الفرع كي تصحح أصلاً *** كيف أغفلت علمَ أصلِ الأصولِ
(انظر البيتين/شرح ابن أبي العز للطحاوية / صـ76)
أسأله تعالى أن يميتنا على الإسلام ، والتوحيد الخالص غير مبدلين ولا مغيرين ، ومن الله العون والسداد ، وهو الموفق للرشاد.
التعارض بين النظام الديمقراطي ونظام الحكم في الإسلام
مقال مجمع ومنقح
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
النظام الديمقراطي يتناقض مع النظام الإسلامي في الأساس والأصول والفروع . وإذا كان هناك تشابه في بعض الفروع فهذا ليس مبرراً للخلط بينهما . لقد استمرت الدولة الإسلامية تطبق نظام الإسلام ما يزيد على ثلاثة عشر قرناً ولم تستعمل كلمة الديمقراطية ، ولم تستعمل معانيها.
ومع غياب نظام الإسلام صار الناس يرون نظاماً ديمقراطياً تقابله أنظمة استبدادية بوليسية مخابراتية ، ومن الطبيعي أن يفضل الناس الديمقراطية على الاستبدادية البوليسية. وهذه كلها أنظمة كفر. ونحن حين نرفض الديمقراطية لا يعني أننا نختار الاستبدادية البوليسية الظالمة ، بل نختار الإسلام الذي هو رحمة للعالمين من الرحمن الرحيم.
ومن الفروع التي اشتبهت على الناس كون الإسلام يقول باختيار الخليفة عن طريق الانتخاب والبيعة ، والديمقراطية تقول باختيار الحاكم عن طريق الانتخاب.
وكذلك ممثلو الشعب يجري اختيارهم عن طريق صناديق الإقتراع في الإسلام والديمقراطية.
وفي الإسلام يوجد شورى وفي الديمقراطية يوجد شورى.
وفي الإسلام الأمة تحاسب الحاكم وفي الديمقراطية كذلك.
مما جعل قصيري النظر يتوهمون أن الديمقراطية من الإسلام ، أو أن الإسلام ديمقراطي.
وفيما يلي إيجاز لكل من النظامين، يوضح التعارض بينهما :
النظام الديمقراطي نظام الحكم في الإسلام
1- أساس النظام الديمقراطي من وضع البشر ، فيعطي البشر صلاحية التشريع من دون الله
أساس نظام الحكم في الإسلام من الوحي الإلهي. فهو يجعل التشريع من حق الخالق وحده.
2- نظام الحكم جمهوري أو ملكي. ويجوز التحول من الملكي إلى الجمهوري أو العكس.
بينما في الإسلام نظام الحكم خلافة وهو نظام ليس فيه وراثة. ولا يجوز التحول من الخلافة إلى النظام الجمهوري أو الملكي.
3- الحكم الديمقراطي يقوم على فكرتي:
أ- السيادة للشعب. ب- والشعب مصدر السلطات.
وجهاز الحكم في الديمقراطية يتكون من سلطات ثلاث هي التي تسن القوانين وتنفذها، وهي: أ- السلطة التنفيذية ( الوزارة ). ب- السلطة التشريعية (البرلمان ). ج- السلطة القضائية (القضاء ).
ويساند هذه السلطات مؤسسات أخرى كالجيش والأمن العام والأمن الداخلي ، وأجهزة أخرى.
بينما الحكم في الإسلام يقوم على :
أ- السيادة للشرع وليست للشعب. ب- السلطان للأمة ، وهي تُنيب عنها من يطبق الشرع وينفذه.
أما جهاز الحكم في الإسلام فهو:
أ- الخليفة. ب- معاون التفويض. ج- معاون التنفيذ. د- أمارة الجهاد ( وتشرف على شؤون: الجيش، والداخلية والخارجية والصناعة). هـ-الولاة. و- القضاء. ز- مصالح الدولة. ح- مجلس الأمة.
4- بما أن السيادة للشعب فالشعب هو الذي يسن القوانين.
في حين الوحي هو المصدر الوحيد للقوانين في النظام الإسلامي . والشعب ينتخب من يطبق عليه الشرع.
5- في النظام الديمقراطي القضاء يكون مدنياً.
في الإسلام يكون القضاء شرعياً.
6- في النظام الديمقراطي السياسة الخارجية تقوم على احترام الحدود الدولية ، والمياه الإقليمية لأنها تكريس لاحترام حرية الشعوب في اختيار أنظمتها وقوانينها وحكامها.
في ظل نظام الحكم الإسلامي تكون السياسة الخارجية مرتبطة بالجهاد لنشر الإسلام, فهي تحطم الحدود والحواجز المادية لتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
7- النظام الديمقراطي يكرس التمزيق وتعدد الدويلات أو ما يسمى احترام الاستقلال لتلك الدويلات.
بينما نظام الخلافة لا يعترف بالحدود المادية. ولا بالاستقلال لبلد إسلامي عن بلد أخر ، فالأمة واحدة والجيش واحد ، والراية واحدة ، والمالية واحدة .....الخ.
8- الأنظمة الديمقراطية تحترم القوميات ، والعرقيات ، والنعرات الجاهلية وتحييها وتحافظ عليها.
نظام الحكم في الإسلام يذيب جميع القوميات والقبليات والأعراق ويصهرها بالإسلام.
9- يختار الحاكم لمدة حكم مؤقتة من 4- 6 سنوات.
الخليفة مدى الحياة مادام قادراً مستقيماً.
10- في الديمقراطية يجوز التمرد على الحاكم والتظاهر ورفض طاعته وإعلان العصيان عليه.
في النظام الإسلامي لا يجوز التمرد والعصيان إلا في حالة واحدة هي حين يأمر الخليفة بمعصية.
11- يجوز تشكيل أحزاب معارضة على غير أساس الإسلام أي: أحزاب علمانية أو قومية أو إلحادية.
في النظام الإسلامي لا يجوز تشكيل أحزاب غير الأحزاب الإسلامية الملتزمة بالإسلام عقيدة ونظام حياة.
12- ينقسم المجتمع في ظل الديمقراطية إلى موالاة ومعارضة.
في ظل الحكم الإسلامي لا ينقسم المجتمع إلى قسمين ، بل يقوم الشعب أو مجلس الأمة بمحاسبة الحاكم ، وان استحق العزل شرعاً تتولى محكمة المظالم عزله. فإما الطاعة لولي الأمر مع محاسبته، وإما العزل.
13- الديمقراطية تجيز لجميع أفراد الشعب التسابق والتنافس للوصول لمنصب الحاكم ، بغض النظر عن مؤهلاته أو صفاته الشخصية أو التزامه الديني حتى لو كان ممثلاً.
الإسلام يشترط فيمن يتقدم لهذا المنصب أن يكون رجلا ًوليس امرأة، مسلماً وليس كافراً، بالغاً وليس صبياً، عاقلاً وليس مجنوناً، حراً وليس عبداً أو مسيطراً عليه بما يشبه العبودية، عدلاً وليس فاسقاً، وهناك شروط أفضلية كأن يكون مجتهداً وغير ذلك.
14- الديمقراطية ليست الشورى، فالديمقراطية طريقة حكم لها كليات وجزئيات، وهي تسير شؤون الحياة كلها حسب وجهة نظر معينة, وهي ليست نابعة من الشرع فهي ليست حكماً شرعياً كالشورى.
الشورى ليست طريقة حكم لها كليات وجزئيات، وهي ليست أصلاً من أصول الحكم, بل هي مجرد أخذ الرأي, وأخذ الرأي لايكون ملزماً في حالات, ويكون ملزماً في حالات أخرى. والشورى حكم شرعي وليست من وضع البشر كالديمقراطية.
15- الديمقراطية لا تهتم بالمصدر الذي يجب أن تؤخذ منه الأفكار المتعلقة بالعقيدة, ولا الأفكار المتعلقة بالحضارة ولا الأحكام الشرعية.
الإسلام يُلزم معتنقيه بان يأخذوا كل ما جاء به الرسول " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "
قال تعالى: [ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ]
وقال [ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ]
وقال صلى الله عليه وسلم : (( كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد )) ، لذلك يحرم أخذ أفكار الغرب أو عقيدته الرأسمالية أو حضارته ووجهة نظره.
والديمقراطية نظام غربي نابع من العقيدة الرأسمالية التي تفصل الدين عن الحياة.
16- الديمقراطية نابعة من العقيدة الرأسمالية التي تفصل الدين عن الدولة, بل تفصل الدين عن كل شؤون الحياة كلها، لذا يقولون: " ما لقيصر لقيصر وما لله لله ".
الدولة الإسلامية تقوم على العقيدة الإسلامية التي لاتفصل بين الدين والدولة ولا بين الدين والحياة، أي وجوب تسيير الحياة والدولة بأوامر الله ونواهيه أي بالإحكام الشرعية.
17- في النظام الديمقراطي تسود العلمانية.
في نظام الحكم الإسلامي يسود الشرع.
18- الحياة الديمقراطية هي ابنة حضارة تقوم على النفعية البحتة, ولا تقيم وزناً لغير القيم المادية النفعية.
الحضارة الإسلامية تقوم على أساس روحي هو الأيمان بالله تعالى, وجعل الحلال والحرام مقياسا لجميع الأعمال في الحياة.
19- عند أهل الديمقراطية السعادة هي الحصول على اكبر قدر ممكن من المتع الجسدية الزائلة.
عند المسلمين وفي الحضارة الإسلامية ينظر إلى السعادة بأنها الفوز برضوان الله
20- في الديمقراطية الحكم للأكثرية، حتى ولو كانت الأكثرية على باطل. والأكثرية قد تكون :
أ- أكثرية الشعب باستفتاء عام.
ب- أكثرية النواب في التصويت على مشروع قانون.
ج- أكثرية الوزراء في وضع مشروع قانون أو تنفيذ سياسة معينة.
د- أكثرية نقابية أو جمعية.
هـ- أكثرية لمنح الثقة للوزارة أو حجبها عنها.
و- جميع قرارات المجالس النيابية والوزارية يلزمها أكثرية لتنفذ.
في الإسلام الحكم للشرع، حتى ولو وقف معه الأقلية مهما صغر حجم الأقلية. وعلى الشكل الآتي:
أ- تنفيذ وتطبيق الحكم الشرعي لايرجع فيه لرأي الأكثرية.
ب- الرأي الفني, أو رأي أهل الاختصاص والخبرة لا يلزمه أكثرية.
ج- هناك حالة واحدة يؤخذ فيها برأي الأكثرية وهي معرفة الرأي في الإقدام على عمل مباح أو عدم الإقدام عليه, مثل نزول سيدنا محمد عند رأي الأكثرية للخروج من المدينة لملاقاة الكفار في معركة أُحد.
21- الديمقراطية تقدس الحريات.
الحرية في المفهوم الغربي ليست تحرير الإنسان من الرق. فالرقيق لم يعد لهم وجود. وهي ليست التحرر من الاستعمار. بل هي التي تستعمر الشعوب، فلا يظن أحد أن الحريات الغربية هي معارضة الاستعمار، بل الحريات عندهم أربع:
أولاً : حرية المعتقد أو العقيدة: فيحق للإنسان عندهم أن يعتقد العقيدة التي يريدها دون ضغط أو إكراه كما يحق له أن يترك عقيدته ودينه للتحول إلى عقيدة جديدة أو دين جديد, وفي نظرهم يحق للمسلم التحول إلى النصرانية أو اليهودية أو البوذية أو الشيوعية بمنتهى الحرية.
ثانياً: حرية الرأي: ويجوز في ظل الديمقراطية للفرد أن يحمل أي رأي أو فكر وان يقول أي رأي أو فكر وان يدعو لأي رأي أو فكر. وان يعبر عن ذلك بأي أسلوب وليس للدولة أو للإفراد حق منع أي إنسان من ذلك, بل إن القوانين تسن عندهم لحماية حرية الرأي, وتحمي الآراء التي تخالف الدين أو تتهجم عليه وعلى الأنبياء والرسل كما حصل مع سلمان رشدي ( السيئ الذكر ).
ثالثاً: حرية التملك: وهي الحرية التي أفرزت النظام الرأسمالي في الاقتصاد, فأوجدت فكرة استعمار الشعوب ونهب خيراتها, وهي تبيح للإنسان أن يمتلك المال بواسطة السرقة المقنّعة وبواسطة الربا والاحتكار والغش, والقمار والغبن الفاحش, والزنا، واللواط واستخدام جمال المرأة وأنوثتها للكسب المادي, وبواسطة صناعة الخمر وبيعها.
رابعاً: الحرية الشخصية: وهي في النظام الديمقراطي حرية الانفلات من كل قيد, وحرية التحلل من كل القيم الروحية والخلقية والإنسانية وهذه الحرية تبيح للشاب والفتاة ممارسة أي سلوك لا أخلاقي على مرأى من الجميع, سراً وعلانية, وحرية ممارسة الشذوذ الجنسي, وشرب الخمر, وتمرد الشاب أو الفتاة على أولياء أمورهم بحجة الحرية الشخصية. تلك الحرية التي أثمرت مرض الإيدز..
الإسلام يعتبر الحريات بالمفهوم الغربي حراماً ومخالفاً للشرع.
والحرية في المفهوم الإسلامي لا وجود لها إلا في الإنعتاق من العبودية للبشر ومنها ترك الرِّق (بالمفهوم الغربي ) الذي لم يعد موجوداً لذلك فحيثما ذكرت الآن فإنها لا تعني سوى الحريات الغربية.
ولكن الرق بالمفهوم الإسلامي ليس حراما وللعبد فيه حريات كثيرة متاحة
والمسلم يفخر بعبوديته لله صفة يتصف بها المسلم , ومن كمال العبودية أن يطيع العبد أوامر المعبود.
وموقف الإسلام من حرياتهم هو:
أولاً حرية المعتقد :
لايجوز للمسلم أن يتحول إلى دين أخر قال صلى الله عليه وسلم ( من بدل دينه فاقتلوه ), سواء كان المرتد فردا أم جماعة.
ثانياً حرية الرأي :
الرأي في الإسلام مقيد بالإحكام الشرعية وليس حراً فهو إما:
أ- رأيٌ حرام قوله: كالغيبة والنميمة, وقذف المحصنات ومهاجمة الإسلام والطعن فيه.
ب- أو رأيُ فرض قوله: مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ومحاسبة الحكام.
ج- أو رأيٌ مباح: أن تقول خيراً أو أن تصمت.
ثالثاً حرية التملك :
التملك في الإسلام مقيد بالشرع فلا يجوز للإنسان أن يتملك كما يشاء. وأسباب التملك الشرعية كالعمل ( بكل فروعه كالتجارة والصناعة والزراعة والخدمات ), والإرث, والهبة, والوصية.
رابعاً الحرية الشخصية:
الإسلام حرم الإنفلات من العقال الذي يسمى الحرية الشخصية, فالشخص ليس حراً في أن يؤذي نفسه أو ينهي حياته بالانتحار، أو أن يقترف الزنا واللواط تحت ذريعة الحرية الشخصية, أو أن يتهرب من الإنفاق على والديه العاجزين تحت ذريعة الحرية الشخصية, أو أن يخرج الفتى والفتاة مع عشيقته أو عشيقها بحجة الحرية الشخصية, والإسلام لايجيز للشاب أن يتحرش بالفتاة في الشارع أو أن يسمعها كلاماً منافياً للحشمة والوقار, ولا أن يقبل زوجته على مرأى من جمهور الناس.
حق الإلـه عبـادةٌ بالأمــــر لا *** بهوى النفوسِ فذاك للشيطــانِ
ورسولُه فهو المطاعُ وقوله الــ *** مقبولُ إذ هو صاحب البرهــانِ
وهو المقدم في محبتنا عـلى الــ *** أهلين والأزواجِ والولـــدانِ
و ما الذى يصبرنا على تلك التكاليف !
إنه جزاء أكبر مما نقدم من تعبد بكثير
إنه نور
روح وراح فى القلب ....ويصل لقمته برؤية الرب الجليل سبحانه ، ثم لقاء الأحبة ، ثم الدار الجميلة
أنهارها في غير أخدود جرت *** سبحان ممسكها عن الفيضان
عسل مصفى ثم ماء ثم خمــــر *** ثم أنهار من الألبان
وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم *** ولحومهم طير ناعم وسمان
وفواكه شتى بحسب مناهم *** يا شبعة كملت لذي الإيمان
وصحافهم ذهب تطوف عليهم *** بأكف خدام من الولدان
وشرابهم من سلسبيل مزجه *** الكافور ذاك شراب ذي الإيمان
والحُلْيُ أصفى لؤلؤ وزبرجد *** وكذاك أسورة من العقيان
هذا وخاتمة النعيم خلودهم أبداً *** بدار الخلد والرضوان
يا سلعة الرحمن لست رخيصة *** بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن أين المشتري *** فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب *** فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن كيف تصبر العشاق *** عنك وهم ذوو إيمان
والله لم تخرج إلى الدنيا للذة *** عيشها أو للحطام الفاني
لكن خرجت لكي تعدَّ الزاد للأخرى *** فجئت بأقبح الخسران
ويرسل ربنا ريحاً *** تهز ذوائب الأغصان
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع *** الإنسان كالنغمات بالأوزان
يا لذة الأسماع لا تتعوضي *** بلذاذة الأوتار والعيدان
وزماننا الوضع فيه أشد من ذى قبل ، من هنا ضوعف الثواب ، وحذرنا النبى صلى الله عليه وسلم من البدع التى تجعل المرء يتعب بلا نتيجة ولا يؤجر بل يؤزر وحثنا صلى الله عليه وسلم على السنة العصماء
هـذا ولـلـمـسـتـمـسـكـيـن بـسـنــة *** المـخـتـار عــنــد فــســاد ذي الأزمـــانِ
أجــرٌ عـظـيــمٌ لـيــس يَـقــدُرُ قَـــدرَهُ *** إلا الــــذي أعــطـــاهُ للإنــســـانِ
أهـلُ الـيـمـيـن ِفـثـلَّـةٌ مــع مـثـلـهــا *** والـسـابـقــون أقــلُّ فــي الـحُـسـبــانِ
مــــاذاك َإِلاّ أن تـابــعــهُــم هــــمُ *** الغـربــاء لـيـســت غُــربــة الأوطـــان ِ
لـكــنــهــا والله غُــربـــة قــائـــم *** بـالـديـن بـيـن عـسـاكــر الـشـيـطــانِ
طـوبــى لـهــم وإمـامـهــم دون الـــورى *** مـــن جـاءَ بـالإيــمــانِ والــفــرقــانِ
والله مـا ائـتــمــوا بـشــخــصٍ دونـــه *** إلا إذا مـــادلَّـــهـــم بـــبـــيـــانِ
وهنا نقل به نقاط هامة أيضا
* من خالف وأحدث فهماً أو اتبع فهماً محدثاً خلاف ما كان عليه الأوائل من الصحابة والتابعين في الفهم فما فهم أو اتبع مردود
عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ..." متفق عليه ، وجاء نحوه من حديث عمران بن حصين متفق عليه ، وفي صحيح مسلم نحوه من حديث عائشة وأبي هريرة .
عن العرباض بن سارية قال : صلى بنا رسول الله ذات يوم ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال :
" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم بعدي فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " أخرجه أبو داود واللفظ له والترمذي وصححه وصححه أبو نعيم والبزار وابن عبدالبر
* أى إسم لطائفة غير ما ورد تزكيته شرعا فهو مرفوض
قال ابن القيم :
ومنها- أي علامات أهل الحديث- أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها ، إذا انتسب سواهم إلى المقالات المحدثة وأربابها كما قال بعض أئمة أهل السنة، وقد سئل عنها فقال: السنة ما لا اسم له سوى السنة، وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة كالقدرية والمرجئة، وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية والضراوية، وإلى الفعل تارة كالخوارج والروافض ، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها ، وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة ا.هـ
*من كان على الحق فهو الجماعة الحقة الممدوحة شرعاً ، ولو كان وحده ومن خالف الحق فهو مخالف للجماعة، ولو كانوا ألوفاً ، فالعبرة بموافقة الجماعة الأولى لا بالكثرة لأن كل من خالف الجماعة الأولى فهو مبتدع ضال زائغ عن الحق
قال عمرو بن ميمون: فقيل لعبد الله بن مسعود: وكيف لنا بالجماعة ؟ فقال لي: يا عمرو بن ميمون إن جمهور الجماعة هي التي تفارق الجماعة؟! إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك ا.هـ
رواه بن عساكر
قال ابن القيم :
واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض، قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذاً باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت من بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ثم سمعته يوماً من الأيام وهو يقول: سيولي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها؛ فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة .
قال: قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثون، قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول لي: صل الصلاة وحدك وهي الفريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة قال: يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، أتدري ما الجماعة؟ قلت: لا ، قال: إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة! الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك.
وفي لفظ آخر: فضرب على فخذي وقال: ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى . وقال نعيم بن حماد: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ، ذكرهما البيهقي وغيره .
وقال بعض أئمة الحديث وقد ذكر له السواد الأعظم، فقال: أتدري ما السواد الأعظم ؟ هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه. فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد والحجة والجماعة هم الجمهور، وجعلوهم عياراً على السنة، وجعلوا السنة بدعة، والمعروف منكراً لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار، وقالوا: من شذ شذ الله به في النار، وما عرف المختلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان الناس كلهم عليه إلا واحداً منهم فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً، فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم يتحمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة: يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل وأحمد وحده هو على الحق؟ فلم يتسع علمه لذلك، فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل، فلا إله إلا الله، ما أشبه الليلة بالبارحة، وهي السبيل المَهْيَع لأهل السنة والجماعة حتى يلقوا ربهم، مضى عليها سلفهم، وينتظرها خلفهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ً) (الأحزاب:23). ا.هـ
* من لا تعجبه معتقدات أهل السنة ويصفها بأنها حنبلية أو وهابية أو أو
ناقد الحنابلة له حالتان :
1- أنه يريد المذهب الحنبلي الفقهي قسيم الحنفية والمالكية والشافعية، فما ذكر من أنهم لم يجمعوا الحق، وأن عند غيرهم من الشافعية حقاً ليس عندهم فهذا صحيح معروف، وهكذا بقية المذاهب الفقهية الإسلامية كالمالكية والحنفية والظاهرية . لكن ذم الحنابلة والقدح فيهم خطأ؛ لأن مجتهديهم في هذه المسائل الفقهية ما بين مصيب له أجران، أو مخطئ له أجر واحد، كما ثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " ثم لماذا يخصص الحنابلة من بين المذاهب الأخرى الفقهية.
2- أنه يريد الحنابلة في المعتقد، وهم المسمون بالسلفية وأهل الحديث، فهؤلاء جمعوا الحق كله فيما لم يختلف فيه السلف الصالح، فمخالفهم على الباطل يقيناً؛ لأن هؤلاء على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما سبق تقريره في الأساس الخامس. وليس هؤلاء قسيماً للشافعية والمالكية والحنفية والظاهرية، بل إن كل من كان سلفياً فهو حنبلي بهذا المعنى .
لذا لما أراد أبو الحسن الأشعري التوبة من عقيدته الاعتزالية إلى عقيدة السلفيين قال: فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته، قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفخم، وعلى جميع أئمة المسلمين ا.هـ
فأبو الحسن الأشعري انتسب إلى الحنابلة مذهباً عقدياً لا مذهباً فقهياً؛ لذا بين أنه مغاير للمعتزلة والقدرية والجهمية والرافضة، وهذه مذاهب عقدية لا فقهية . وأبان في ثنايا كلامه سبب الانتساب إلى معتقد أحمد بن حنبل مع أنه ذكر أنه على معتقد رسول الله صلى الله عليه سلم وأصحابه والتابعين وهؤلاء سابقون للإمام أحمد، والسبب هو أن الإمام أحمد نصر الله به السنة في وقت تقهقر كثير من أئمة المسلمين.
قال ابن تيمية:
وكلام الإمام أحمد في هذا الباب جار على كلام من تقدم من أئمة الهدى، ليس له قول ابتدعه ولكن أظهر السنة وبينها، وذب عنها وبين حال مخالفيها، وجاهد عليها، وصبر على الأذى فيها لما أظهرت الأهواء والبدع، وقد قال الله تعالى
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ (السجدة:24) ،
فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين، فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعاً لمن بعده، كما كان تابعاً لمن قبله. وإلا فالسنة هي ما تلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم إلى يوم القيامة وإن كان بعض الأئمة بها أعلم وعليها أصبر . والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ا.هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن ما تمر به الأمة اليوم من مصائب وشدائد وهزائم، إنما هو بسبب إبتعادها عن المنهل الصافي ، والمعين الكافي عن كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، لذا كان لا بد لكل مسلم من وقفة إيمانية نحاسب فيها أنفسنا ، ونتحسس نقاط الضعف لكي نحاول محاولة الجاد المتوكل على الله أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله حالنا .
وكانت من ثمار مثل هذه الوقفات الإيمانية هذه الرسالة الموجزة التي تحمل في طياتها وبين سطورها كثيراً من القضايا المهمة التي غفل عنها الكثير من أبناء المسلمين اليوم ، وآثرت في كتابتها أن أنقل عن كبار العلماء المشهود لهم بالنصح للأمة ، وجعلت جل إعتمادي بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كلام شيخ الإسلام تقي الدين احمد بن تيمية الحراني، وتلميذه الإمام ابن القيم ، والشيخ المجدد المجاهد محمد بن عبد الوهاب_رحمهم الله جميعاً _ وضمنت في هذه الرسالة الموجزة ما يهم للمسلم أن يعرفه في خضم هذا البحر المتلاطم حتي يحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة،وأسميتها { قضايا مهمة في حياة الأمة }
المبحث الأول
العبودية وواقعنا المعاصر
لا شك أيها الأحباب أن الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثاً وإنما خلقه لغاية نبيلة ، ومهمة عظيمة، فقال تعالى :{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} الذاريات آية56
إذن فالغاية من خلق الجن والإنسان العبادة، والعبادة اسم جامع شامل لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة منها والباطنة، وحتى تكون العبادة مقبولة ينبغي أن يتوافر فيها شرطان هما:
1_ إخلاص النية لله تعالى لقول جل جلاله :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } البينة آية 5، وتكون إخلاص النية لله تعالى بتوجيه العمل لله تعالى ونسب الفضل له في أن وفق العبد لهذا العمل وعدم إرادة المخلوقين بهذا العمل.
2_اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } آل عمران آية 31
فلا يجوز مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينفع اخلاص بغير اتباع، ولا ينفع اتباع بغير إخلاص.
ومعلوم أن العبودية لله توجب على العبد الإتصال الوثيق بالله تعالى، بحيث لا يرد العبد لله أمراً، بل تصبح نفسه نذراً لله تعالى، فهو يعيش لله ويمشي في الله ويذبح لله ويُقتل في سبيل الله مصداقاً لقوله تعالى : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}الأنعام آية162، حياة متصلة بالله تبارك وتعالى.
إنها العبودية التي تُلزم العبد أن يقول :{ سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} البقرة آية285.
لا معني حقيقي للعبودية من غير: عبادة واستسلام وانقياد للمعبود وهو الله جل جلاله لا معبود بحق في الكون إلا هو تعالى .
" اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضائك" رواه أحمد.
انظر رحمك الله إلى معاني العبودية والإنقياد والاستسلام والإيمان بقضاء الله والتسليم بحكم الله.
إن العبودية لله أيها الأحباب تعني التجرد من هوى النفس ، بل جعل هذا الهوى موافقاً وتبعاً للشرع كما قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :
"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجميعن "رواه مسلم
إن العبودية ليست كلمة تلكوها الألسن فقط، إنما هي تطبيق واقعي وعملي ، ما الفائدة أن أدعي العبودية لله تعالى_وهي شرف للعبد_ وحياتي مجردة من معاني الحب في الله ورجاء الله، وخشية الله والإستسلام لأمر الله.
إننا بحاجة اليوم إلى أن نجدد إيماننا، ليرضى ربنا عنا فيغير أحوالنا ، فإذا أردنا فعلاً لمنهج الله أن يقوم فلا بد ان نقيمه أولاً في أنفسنا، كما قال الشيخ الشهيد سيد قطب رحمه الله : (أقم دولة الإسلام في قلبك تقم على أرضك).
المبحث الثاني
الإسلام والكفر
قال تعالى : { قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} البقرة آية36
آية من كتاب الله تعالى تبين لنا حقيقة الصراع بين الإنسان والشيطان ، العدو الأول للإنسان الذي حدده الله لنا كعدو دائم، لنحذره ، لماذا؟ لأن تحديد العدو ضروري في الإنتصار عليه ، فمثله كمثل داء يصيب الإنسان ، فيسعى الإنسان إلى تشخيصه ومعرفة ماهيته، لتحديد الدواء الناجح ، وهكذا العدو لا بد من تشخيصه لاستخدام الإسلحة المناسبة لقهر هذا العدو.
ومن هذه البداية، بداية الصراع بين الشيطان والإنسان ظهرت بداية الصراع بين الحق والباطل ، حينما اختارت طائفة من البشر سبيل الشيطان ، فانقسم البشر إلى قسمين: أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، وفي ذلك يقول الحق تعالى :{ الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا اولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً } النساء آية76
ولكن هل يشترط في أعضاء الحزب الشيطاني أن يعلنوا ولائهم الكامل والصريح للشيطان؟
إن حزب الشيطان هو كل من خرج عن منهج الله ودينه، وليس شرطاً أن يعلن أعضاء المحفل الشيطاني ولائهم الكامل، بل تجد منهم من يلعن الشيطان، ولكن حياته تسير وفق المنهج الشيطاني لا المنهج الرباني، فهو من حزب الشيطان وإن كان لا يعلم ولا يشعر.
إن المسألة مفهومة، فكل مبدأ ومنهج وعقيدة وطريق مخالف لمنهج الإسلام فهو طريق الشيطان، فإنما هي إحدى الطريقين، طريق الإيمان أو الكفر ولا مرتبة بينهما.
نعم هنالك صنف من البشر قد يوافق المنهج الشيطاني في أشياء ولا يوافقه في أشياء أخرى، فهذا الصنف إن كان أصل العقيدة عنده صحيح فهو مسلم قد عميت بصيرته وتلزمه التوبة، فهو من حزب الشيطان منهجاً لا عقيدة، ويخشى عليه ان يصبح من حزب الشيطان منهجاً وعقيدةً .
أما إن كان أصل العقيدة عنده فاسداً فهو من حزب الشيطان عقيدة ومنهجاً.
وكثير من الأمور يمر عليها المسلمون فلا يلقون لها بالاً مع أنها بالأهمية بمكان، ويحسن بنا في معركتنا مع الشيطان وحزبه أن نعرفها، وهي التي عبر عنها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بقوله (نوافض الإسلام العشرة) والتي سنذكرها بإذن الله رابطين إياها بحال المسلمين اليوم.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الأول من نواقض الإسلام العشرة: الشرك بالله تعالى قال تعالى:
{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء آية 116 ) .
واليوم نرى بعضاً ممن ينتسب إلى الإسلام يدعو غير الله، ويذبحون لغير الله ويستغيثون بغير الله، وكمثل أن يحب بعض الناس كحب الله يقول تعالى:{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله}البقرة آية165.
وكذلك الإعتقاد بأن الموتى ينفعون الأحياء، والإعتقاد بالأوتاد والأغواث وغيرها وأنهم يقومون على حاجات الخلق، وكذلك سب الذات الإلهية، وشتم النبي صلى الله عليه وسلم فهذه كلها من الشرك بالله.
وكثير من هذه الأمور واقعة اليوم في بلاد المسلمين، نرى منهم من ينادي حسيناً، أو فاطمةً ، ومنهم من يذبح للقبور وغيرها ، فإن الأمة بحاجة إلى تصحيح عقيدتها والله المستعان.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الثاني من نواقض الإسلام العشرة: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعونهم ويسألونهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعاً ).
فبعض الناس يدعي أنه لا سبيل للوصول إلى مرضاة الله إلا عبر هذه الوسائط، ونترك بيان هذا للإمام ابن تيمية الذي يقول في رسالته القيمة "الواسطة بين الحق والخلق" :
( إن أراد بذلك أن لابد من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأولياءه من كرامته، وما وعد به أعدائه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وامثال ذلك إلا بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى عباده)(1)
إذن فشيخ الإسلام يقرر أن الواسطة بهذا المعنى أمر شرعي لا بد منه، فإن الأنبياء هم المبلغون عن ربهم لشريعته، الداعين لوحدانيته وعبوديته.
بل يقول رحمه الله :( ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل )(2)
ثم يبين رحمه الله تعالى المعنى غير الشرعي لمعنى الواسطة والذي ينقل من الملة فيقول :
( فإن أراد بالواسطة أن لابد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم يسالونه ذلك ويرجعون إليه فيه فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين )(3).
فشيخ الإسلام رحمه الله يوضح أن الوسائط تنقسم إلى حق وباطل، فأما الحق فهم الرسل الذين يبلغون الدين للعباد قال تعالى:{ يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس}الحج آية 75، أما الباطل فهو إتخاذ الوسائط واعتقاد النفع والضر بهم فهذا كفر أكبر يخرج من الملة.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الثالث من نواقض الإسلام العشرة:من لم يكفر المشركين او شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فقد كفر)
وهذا أمر جسيم وقع فيه بعض المسلمين اليوم، إذ نراهم يوادون النصارى واليهود معتقدين أنهم ليسوا بكفرة، محتجين على ذلك بأنهم من أهل الكتاب، والرد عليهم من كتاب الله،
قال تعالى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد}المائدة آية 73،
وقال عز وجل :{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} البقرة آية 120
ونسمع أصواتاً تنادي بالتقريب بين الأديان، ومن وراء هذه الدعوات والأصوات الماسونية العالمية، التي تسعى من وراء ذلك أن تهدم عقيدة الولاء والبراء في نفوس شباب الأمة الإسلامية، حتى ينشأ ضائعاً بعيداً عن أمجاد أمته السابقة، ولا يسعى لإعادة هذه الأمجاد، فلا يخرج من الأمة مجاهد، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، فإن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، ولابد لنا أن نقف صفاً واحداً لإبطال هذه الدعوات والمؤامرات الخبيثة، والله المستعان، وعليه التكلان.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الرابع من نواقض الإسلام العشرة: من أعتقد ان هديه افضل من هديه صلى الله عليه وسلم، او أن حكمه أفضل من حكمه صلى الله عليه وسلم كالذي يفضل القوانين الوضعية عن قوانين رب العالمين كفر إجماعاً)
فبعض الناس يصف شرع الله بأنه غير صالح للتطبيق في عصر الذرة والتقدم، ويصفونه بأنه رجعي او أنه وحشي، لأنه يقضي بقتل الزاني المحصن وقطع يد السارق، او أعتقد ان الإسلام عبادة فقط لا أنه نظام حياة كامل شامل كفر إجماعاً .
ونترك الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبيناً موقف الشرع من أصحاب الإيمان الجزئي فيقول :
( ذم الله الذين أوتوا الكتاب لما آمنوا بما خرج عن الرسالة وتفضيل الخارجين عن الرسالة على المؤمنين بها، كما يفعل ذلك بعض من يفضل الصابئة من الفلاسفة والدول الجاهلية_جاهلية الترك والديلم والعرب والفرس وغيرهم_ على المؤمنين بالله وكتابه ورسوله، كما ذم المدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب و السنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله، كما يصيب ذلك كثيراً ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم،أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك وغيرهم، وإذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضا). (1)
(1) الواسطة بين الحق والخلق_الطبعة الثالثة_ص 8 طبعة المكتب الإسلامي.
(2) المصدر السابق صفحة 10
(3) المصدر السابق صفحة 11
{ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا يما انزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا ليكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} النساء آية 60 ، وهذه الطواغيت هي كل ما عبد من دون الله أو أُطيع في غير ما أحل الله
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض الخامس من نواقض الإسلام العشرة: من أبغض شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر والدليل قوله تعالى: { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}محمد آية 9 )
فنرى بعض المنتسبين للإسلام يبغض بعض شرع الله كأن يكره أن يعطي بناته حقهن في الميراث، وكأن يكره أن يؤدي زكاة ماله فيعتبرها أتاوة أو ضريبة أو خراجاً، كما اعتقد بها مانعوها على عهد الصديق رضي الله عنه فقاتلهم على منعها، فالإسلام كل لا يتجزأ، فيجب على المسلم أن يقبل الإسلام كلاً متكاملاً، بجميع احكامه وجزيئاته، نسأل الله أن يجعلنا ممن يسمع ويطيع ويسلم أمره لله.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض السادس من نواقض الإسلام العشرة: من استهزأ بشيء من دين الله ثوابه أو عقابه، أو آياته أو رسله كفر والدليل قوله تعالى: { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }التوبة آية 66،65 )
فنرى أمة الإسلام إلا من رحم الله قد وقعت في الإستهزاء بالعلماء وطلبة العلم، ونرى بعض المنتسبين إلى الإسلام يصف الحجاب بأنه خيمة أو رجعية، ويصف شعائر الحج بأوصاف لا تليق، ونرى البعض يهزأ باللحى وأصحابها، وغير ذلك فليحذر هؤلاء أن تصيبهم نقمة من الله وعذاب أليم.
_قال الشيخ رحمه الله:
( الناقض السابع من نواقض الإسلام العشرة: السحر ومنه الصرف والعطف، والدليل قوله تعالى :{ وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر}البقرة آية 102 )
وكثير من المسلمين اليوم يذهب إلى السحرة والدجالين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه مسلم، هذا إن لم يصدقه،
فإن صدقه "فقد كفر بما أنزل على محمد" والواجب على العلماء أن يقفوا في وجه السحرة متوكلين على الله في حربهم والتحذير منهم .
_قال الشيخ رحمه الله :
(الناقض الثامن من نواقض الإسلام العشرة: مظاهرة المشركين ونصرهم على المسلمين فمن فعل ذلك أو رضي به فقد كفر قال تعالى :{ ومن يتولهم منكم فإنهم منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين }المائدة الآية51 )
كالموالاة لدول الكفر ونصرهم على المسلمين مادياً ومعنوياً ، وتفضيل هؤلاء الكفرة وهم أهل الزيغ والفساد على المؤمنين وهم أهل الحق والرشاد .
وهؤلاء الذين يظاهرون الكفار يصدق فيهم قوله تعالى :{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا،أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} النساء آية 51.
_قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض التاسع من نواقض الإسلام العشرة : من أعتقد أن في وسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام كفر إجماعاً والدليل قوله تعالى :{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}آل عمران آية 85 ).
فبعض الناس يدعي أن وصل إلى مرحلة تسقط التكليفات عنه، زاعماً أنه وصل إلى مرحلة ما يسمى بالكشف ، وهذا مشاهد عند بعض الدجالين ، والجواب على هؤلاء : أن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الخلق وأكرمهم على الله لم تسقط عنه التكليفات ، أفهذا المدعي خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال أنه خير منه كفر بالإجماع لأنه بذلك خالف صريح القرآن وصريح السنة.
أما بخصوص عدم اتباع الخضر لشريعة موسى عليه السلام فالجواب على ذلك من وجهين:
1_أن موسى عليه السلام بعث إلى قومه خاصة والخضر لم يكن من بني إسرائيل.
2_أن الخضر عند بعض أهل العلم نبي مستدلين بقوله تعالى :{ وما فعلته عن أمري} الكهف آية82 .
قال الشيخ رحمه الله :
( الناقض العاشر والأخير من نواقض الإسلام العشرة:من أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله تعالى :{ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون }السجدة آية22 ).
والمقصود بالعلم هنا علم ما لا يُعذر المسلم بجهله كعلم التوحيد، ولا يشترط في علم التوحيد معرفة العامة للرد على الخصوم ودحض حججهم فهذا علم لا يستطيعه الكل، إنما المقصود تثبيت العقيدة الصحيحة، وما هو معلوم بالدين بالضرورة كفرائض الإسلام وكأركان الإيمان.
ويدخل في هذا الناقض كل من حارب وصد عن درس العلم لقوله تعالى :{ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها } البقرة آية 114
ثم يقول الشيخ رحمه الله :
( ولا فرق في جميع هذه النواقض سواء الهازل منها والجاد إلا المكره)
وذلك لقوله تعالى :{ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان }النحل آية 106.
فيا أبناء الإسلام، الحذر الحذر من هذه النواقض، ابتعدوا عنها وبينوها لمجتمعاتكم حتى يحذروا منها، وأبدؤا بأهليكم لقوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } التحريم آية 6
هذا والله أعلم وأحكم وعليه التكلان وهو المستعان
المبحث الثالث
العواصم
إن ما تمر به الأمة اليوم من فتن أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :
" بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا " رواه مسلم .
ليحثنا أن نحصن أنفسنا من مداخل الشيطان، والكيس الفطن من تحصن بحصن الله المنيع، وجميل بنا أن نتذكر هذه العواصم ، { فإن الذكرى تنفع المؤمنين } الذاريان آية 55، وحتى ننتصر في معركتنا مع الشيطان نذكر طرفاً من هذه العواصم:
1_ الإعتصام بالكتاب والسنة علماً وعملاً :
فنحذر ونُحذر من كل صوت ومن كل مبدأ يناهض الإسلام، ونجاهد أتباعه جهاداً عظيماً ، مع إخلاص نية لله تعالى وقصده في جميع الأفعال والأقوال والأحوال، واضعين نصب أعيننا أنه لابد للعلم من عمل كما قال علي رضي الله عنه :( هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ).
2_مجاهدة أعداء الله :
فكراً وأشخاصاً واهدافاً ، ولو كان في ذلك إزهاق الروح وإهلاك النفس .
3_الصبر على الإبتلاء :
فبما أنك أخي الحبيب قبلت أن تكون من جند الرحمن فلا شك أن أولياء الشيطان سيناصبوك العداء، وقد يكتب الله تعالى لك السجن والتعذيب والتشريد والقتل، فيجب عليك أن تتحصن بالصبر، يقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم سيد الصابرين :
" عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم.
4_الدعاء :
ذلك السلاح الذي غفل عنه الكثير من المسلمين اليوم، والله تعالى يقول : { قال ربكم أدعوني استجب لكم }
ولله در القائل :
الله يغضب إن تركت سؤاله وبنو آدم حين يُسأل يغضب
فيجب علينا أن نتسلح بهذا السلاح الثمين، ونكثر منه في السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" رواه مسلم
وكذلك في الثلث الأخير من الليل كما يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :
" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" متفق عليه
المبحث الرابع
الصوفية
إذا كانت الصوفية تعني الزهد في الدنيا ، والإنصراف إلى الآخرة، وتهذيب النفس، فإن هذا المعنى جميل ومحبوب بشرط أن لا يفضي ذلك إلى تحريم حلال ورهبانية ما أنزل الله بها من سلطان.
نعم لقد دخل إلى الزهد في العصور المتأخرة ما ليس فيه من بدع ومنكرات وغيرها، واختلف الناس في الصوفية لكن شيخ الإسلام ابن القيم اوضح ذلك في كتابه القيم "مدارج السالكين" حيث قال رحمه الله :( وهذه الشطحات أوجبت فتنة على طائفتين من الناس :
إحداهما :
حجبت بها عن محاسن هذه الطائفة ولطف نفوسهم وصدق معاملاتهم، فأهدروها لأجل هذه الشطحات، وأنكروها غاية الإنكار،وأساءوا الظن بهم مطلقاً وهذا عدوان وإسراف فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها.
والطائفة الثانية :
حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائمهم وحسن معاملاتهم عن رؤية عيوب شطحاتهم ونقصانها فسحبوا عليها ذيل المحاسن وأجروا عليها حكم
القبول والإنتصار لها واستظهروا بها في سلوكهم وهؤلاء أيضاً معتدون مفرطون.
والطائفة الثالثة وهم أهل العدل والإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول ولا للمعلول بحكم الصحيح بل قبلوا ما يُقبل وردوا ما يُرد) (1)
وتأكيداً لهذا المنهج القويم الذي سلكه ابن القيم رحمه الله سنذكر طائفة من كبار الصوفية وقول العلماء فيهم حتى يتبين لنا أنه ليس كل من نُسب إلى الصوفية متروك وفاسد العقيدة كما يتوهم البعض وهؤلاء هم :
1_إبراهيم بن أدهم: الذي أطلق عليه "شيخ الصوفية" قال عنه يحيى ابن معين :( عابد ثقة)(2)
وقال عنه ابن تيمية :( أما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض وابراهيم بن أدهم.....)(3)
2_الفضيل بن عياض: قال عنه ابن تيمية رحمه الله :( سيد المسلمين في وقته )(4) وقد أكثر في مدحه في اكثر من موضع.
3_بشر بن الحارث الحافي الملقب "معلم الزهد" قال عنه أبو حاتم مع تشدده البالغ :( ثقة مرضي)(5)
كما أنه ورد عنه وقفته مع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله خلا محنة خلق القرآن ذكر ذلك ابن الجوزي في حديثه عن مناقب الإمام أحمد بن جنبل
4_الجنيد: قال عنه ابن تيمية رحمه الله : ( والجنيد وأمثاله أئمة هدى )(6) وأكثر ابن تيمية في مدحه في أكثر من موضع من كتبه
(1)مدراج السالكين 2\39\370
(2)تهذيب التهذيب 1\102
(3)مجموع فتاوى ابن تيمية 10\516
(4)سماع الصوفية مطبوع ضمن مجموعة رسائل بعنوان الجامع الفرية ص 677
(5) الجرح والتعديل لإبن أبي حاتم ج 1 ق 1 ص 356
(6)مجموع فتاوى ابن تيمية 5\4941
5_عبد القادر الكيلاني : قال عنه ابن تيمية رحمه الله :( من أعظم مشايخ زمانهم أمراً بالتزام الشرع والامر والنهي وتقديمه على الذوق،والقدر ومن أعظم المشايخ أمراً بترك الهوى والإرادة النفسية ) (1)
وقال عنه ابن القيم :( الشيخ العارف القدوة)(2)
أما الحلاج وابن عربي وابن الفارض فهم أئمة ضلالة وإن نُسبوا إلى الصوفية والزهد فالإسلام والزهد منهم براء ، فهاهم أئمة هدى نُسبوا إلى الصوفية وهاهم أئمة ضلالة قد نُسبوا إلى الصوفية فكيف السبيل لمعرفة من هو على خير من الصوفية ومن هو مبتدع ضال؟
خاصة أن لفظ الصوفية لا يستطاع اليوم محوه وإزالته.
لنا في تصنيف شيخ الإسلام ابن تيمية لهم إجابة شافية وقد قسمهم رحمه الله إلى ثلاثة أنواع:
الأولى ـ صوفية الحقائق : وهم ثلاثة أنواع:
1 ـ وهم قوم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم فمنهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ومنهم من هو دون ذلك _وهم صوفية أهل السنة والجماعة_.
2 ـ قوم تكلموا في خصائص الإيمان والدين خلطوا بعض الحق بشركيات وبدع وروايات باطلة وسلوك مخالف للسنة¬_ وهم صوفية المبتدعة_.
3 ـ أصحاب الحلول والاتحاد على شاكلة الحلاج وابن عربي وابن الفارض وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى._وهم الخارجين عن الملة_
الثانية ـ صوفية الأرزاق :
وهم الذين يستفدون من دخل الأوقاف الموقوفة على الصوفية فحسب فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق_وهم التاركون للسعي على الرزق وقد يقعوا في بعض المبتدعات.
الثالثة ـ صوفية الرسم :
وهم المقتصرون على النسبة إلى الصوفية فاهتمامهم منحصر في اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك.أ.هـ بقليل من الإيضاح
فلا حرج من الزهد والتقرب إلى الله تعالى والعمل على تهذيب النفس وتنقيتها من شوائبها، وإنما أوردت هذه الكلمات حتى نستبين سبيل الرشاد ولا نقع فيما وقع به بعض أهل الضلال والفساد، ونجعل زهدنا وفق كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 10\488
(2) مدارج السالكين 1\197
المبحث الخامس
كتب نافعة
وهذه كتب نافعة قد إخترتها وارتضيتها لنفسي ولك إليك بعضها:
1_ كتب ابن تيمية: العقيدة الواسطية، الوصية الكبرى في العقيدة والدعوة للمسلمين جماعات وأفرادا، الواسطة بين الحق والخلق ، العبودية ، مجموع فتاوى ابن تيمية ، وغيرها من كتبه النافعة
2_الطحاوية وشرحها لأبن أبي العز الحنفي
3_كتب ابن القيم: مدارج السالكين ، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين وغيرها من كتبه القيمة.
4_كتب محمد بن عبد الوهاب : التوحيد، مسائل الجاهلية ، وغيرها
5_فتح الباري شرح صحيح البخاري لإبن حجر العسقلاني
6_شرح النووي لمسلم
7_ كتاب أداب النفوس للحارث المحاسبي
8_ تفسير ابن كثير
9_ في ظلال القرآن لسيد قطب ومعالم في الطريق لسيد قطب
مراجع الرسالة الموجزة
1_القرآن الكريم
2_كتب الحديث(البخاري، مسلم ، سنن الترمذي، مسند الإمام أحمد)
3_ العبودية لابن تيمية
4_الواسطة بين الحق والخلق لابن تيمية
5_مدارج السالكين لابن القيم
6_ مجموع فتاوى ابن تيمية
7_مسائل الجاهلية لمحمد بن عبد الوهاب
{ فاعلم أنَّه لا إله إلا الله}
نزلت هذه الآية الكريمة على نبينا محمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بعد ثلاث عشرة سنة من دعوته إلى التوحيد ، واستفراغ وسعه في التبليغ والإنذار لكفَّار قريش ومن لفَّ لفَّهم .
ويحقٌّ للمتأمل في كتاب الله ، أن يرجع الفكر كرَّتين بل كرَّات في تدبُّر هذه الآية ، إذ إنها تأمره ـ عليه الصلاة والسلام ـ بتعلُّم التوحيد ، ومعرفة الله ـ عزَّ وجلَّ ـ حق المعرفة، مع أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـأفضل الأنبياء والمرسلين ، وأعرفهم بربِّ العالمين ، بل دعا بهذه الكلمة الكفَّار والمشركين ، كما روى ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه وكان جاهلياً فأسلم ، قال:
(( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ويدخل في فجاجها والناس متقصفون عليه، فما رأيت أحداً يقول شيئاً، وهو لا يسكت، يقول: أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (15448) وأخرجه ابن حبان في صحيحه .
ولعل الفوائد المستنبطة من إنزال هذه الآية على نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ بعد ثلاثة عشر عاماً في دعوته إلى التوحيد، ونزولها على عموم البشر من بعده ، لعلَّها تضبط في عدَّة نقاط محورية ، يجدر التنبه لها ، ويحسن تسليط الضوء عليها ، فمنها :
1ـ أنَّ فيها دلالة واضحة في التأكيد على وجوب توحيد الله ومعرفته ، ولو كان الداعية إلى ذلك من كبار الموحدين ؛ لأنَّ النفس لا يقوى إيمانها بالله ، ولا تنبعث فيها روح الدعوة إلى الله ، ولا ينقدح بين جوانبها التبيلغ والنذارة لهذا الدين ، ولا يقوى ولاؤها لله ، ولا براؤها من أعدائه ، ولا تهفو للجهاد في سبيل الله ، إلَّا إذا كانت دعائم التوحيد فيها راسخة ، وصلابة الإيمان في جذورها متعمقة .
فينتج من ذلك ، قوَّة العمل لهذا الدين ، وعلو الهمة في بثِّه بين أنحاء المعمورة ، وصلابة الإرادة في ذلك ، وقوَّة الصبر على ما تواجهه من مصاعب وعراقيل ، إثر قيامها بالتعليم ، وتبليغ دين رب العالمين (أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره).
ولهذا فإنَّ الجهاد في سبيل الله ، لم يشرع عبثاً، بل شرع لأجل حماية ونشر راية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله) لتكون كلمة الله هي العليا ، ولتحطيم جميع المكابرين الذين يحولون بين دعوة التوحيد وبين الناس ، حتى تصل إليهم بنقائها وصفائها ، وتخلصهم من أدران الوثنية ، وشوائب الشرك والعبودية لغير الله ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلَّم :
( بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبَد الله وحده لا يشرك به شيئاً ) والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده(7/123ـ125) وجوَّد إسناده ابن تيمية في الاقتضاء ، وحسَّنه ابن حجر .
فالغاية من الجهاد تعبيد الناس لربِّ العالمين ، والإبقاء على ملَّة إبراهيم حنيفاً مسلماً ، وما كان من المشركين.
2ـ أنَّ العبد المؤمن يحتاج للمزيد من تدبر هذه القضية الكبرى ، والحقيقة العظمى في الكون والحياة مطلقاً ؛ إذ إنَّ الشيطان أقسم بإضلال الناس وغوايتهم ، بحيله الماكرة ، فقال : (ولأضلنَّهم ولأمنِّينَّهم ولآمرنهم فليبتكنَّ آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرنَّ خلق الله)
فلا رادَّ لذلك ، ولا عاصم إلَّا الاستمساك والاعتصام بتوحيد الله ، وتصفية النفس من درن الباطل ، والرَّان المنطبع على القلب ، وذلك لا يتمُّ إلَّا بقوَّة التوحيد في القلب ؛
فالتوحيد كما أنَّه صلب ، ولا يحتمل التموُّج والمساومة في مبادئه ، فهو كذلك شفَّاف يقدح فيه أدنى شيء يخلُّ بلوازمه ومقتضياته ، وقد عبَّر عن ذلك الإمام ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ بقوله :
(التوحيد أشفُّ شيء وأنزهه ، وأنصعه وأصفاه وأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثِّر فيه ، فهو كأبيض ثوب يكون ، يؤثِّر فيه أدنى أثر ، وكالمرآة الصافية جدَّاً ، أدنى شيء يؤثِّر فيها ، ولهذا تشوهه اللحظة واللفظة والشهوة الخفيِّة) (الفوائد لابن القيم/42)
ويقصد ـ رحمه الله ـ باللحظة : النظر إلى ما حرَّم الله . واللفظة : الكلام الذي يتكلم به الإنسان سواء من شرك بالله ، أو الكلام الذي لا يلقي له بالاً يقذف به في النار سبعين خريفاً . والشهوة الخفية : إمَّا أنَّها حب الرئاسة والإمارة ، أو أنَّها الرياء وعدم الإخلاص لله.
ولهذا فإنَّه ـ تعالى ـ يوصي الصحابة ، ومن بعدهم من أهل الإيمان ، بالإيمان بالله ورسوله ، وإن كانوا مؤمنين ، ليؤكد عليهم هذا المبدأ الثمين ، حتى يقوى إيمانهم بالله ، وتشتد قلوبهم على تحمُّل ما يرضيه سبحانه فيقول تعالى : (يا أيَّها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذين نزَّل على رسوله)
فهنا يدعو جلَّ جلاله أهل الإيمان إلى زيادة الإيمان بالله ، وقوَّة الإصرار على ذلك ، لأنَّه ليس كلَّ من قال لا إله إلَّا الله، وأظهر إيمانه باليوم الآخر يكون مسلماً ؛ ويدلُّ لذلك قوله تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنَّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ).
3ـ لا شكَّ أن الأمر بهذه الآية ليس خاصاً بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فحسب ؛ وعليه فإنَّ علاج الخلل في التوحيد ، وكما أنَّه يتمُّ بدرء الخلل عنه، وتخلية القلب منه ، إلَّا أنه يحتاج إلى تمكين عرى الإيمان ، وعُقَدِ التوحيد في القلب ، وتحليته به ، ليخالط بشاشة الإيمان القلوب ، فيتم بذلك تخلية وتحلية .
وكما يقول الأصوليون : التخلية قبل التحلية، فيخلِّي الإنسان عن قلبه شوائب الانحراف العقدي ، ويحليه ببلسم الإيمان ، وصفاء الاعتقاد ، ونقاوة التوحيد .
والحقيقة أنَّ أيَّ خلل طارئ على من وحَّد الله ، لا يكون ذلك إلَّا بعدة أشياء ، ومن ألزمها ذكراً :
أ ـ ضعف مراقبة الله ، وقلَّة الوازع الديني الذي ينبغي أن يتنامى في القلب ، حتى لا يكون القلب كالكوز مجخياً ، لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً.
ب ـ ضعف ارتباط العبد بربه من نواحي العبادة كالرجاء والخوف والمحبة والاستعانة والاستغاثة ، وقلة الانطراح بين يديه ، والانكباب على عتبة بابه ، مع أنَّ هذا الأمر من أشدِّ الأمور ، التي لزمها الأنبياء والأولياء الصالحون ، ومنهم إبراهيم ـ عليه السلام ـ حيث كان داعية للتوحيد ، ومحطماً لأوثان المشركين ، ومع هذا فقد خاف على نفسه من أن تشاب بلوثات شركية، فقال لربه داعياً : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) (سورة إبراهيم /35)
ومكمن المسألة في ذلك ؛ دعاء إبراهيم ربَّه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام . ثمَّ يبين إبراهيم ـ عليه السلام ـ سبب دعائه ، فيقول : ( ربِّ إنَّهنَّ أضللن كثيراً من الناس)
ولهذا علَّق الإمام إبراهيم التيمي على قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام قائلاً : ومن يأمن البلاء بعد أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ؟ ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ، للشيخ : عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ/ صـ 74)
ومما يستنتج من دعائه ـ عليه السلام ـ أن الأشياء التي تعبد من دون الله ، قد يكون لها حجم واسع من التأثير على الناس ، بإضلالهم عن الصراط المستقيم ، ويمثِّل أهل العلم عليه بأمثلة ، أقتصر على أحدها : وهو أن يأتي شخص يدعو أحد الطواغيت التي يقصدها بالدعاء من دون الله ، ويرجوها بأن يمنَّ الله على زوجته العقيم ، بأن تنجب طفلاً ، بعد عشر سنوات ، ثمَّ يفاجأ بمن يبشِّره بعد أشهر قليلة بطفل يتكوَّر في بطن زوجته ، فيطير فرحاً ، ويذهب لذلك الطاغوت ، ويشكره ، ويزداد تعلقه به ، وهكذا مع العلم بأنَّ هذا الرجل الذي دعا غير الله ، أراد الله أن يرزقه الولد وقت دعائه ، فيرزق الولد بمشيئة الله وإرادته الكونية القدرية،وليس بإرادة الذي لا يسمع ولا يبصر ، فيفتن الرجل بذلك الطاغوت ، ويلتجئ إليه في سرِّه وعلانيته ، وفي شدَّته ورخائه ـ عياذاً بالله ـ ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ً).
4 ـ في هذه الآية تنبيه لبعض الدعاة القائلين بأنَّ قضية التوحيد سهلة ، ولا تحتاج إلى ذلك التكثيف العلمي والتعليمي ، أو أنَّ لدينا من هموم الأمة ما يحوجنا بالكلام عنها أكثر من قضية باتت معروفة في أذهان المسلمين ، والجواب عن ذلك :
أ ـ أنَّه تعالى ما خلقنا إلا لعبوديته وتوحيده ، وإرساء تلك المعالم العقدية في قلوبنا ، فقال : ( وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون )
ولو كانت دعوة التوحيد يسيرة لما جلس ـ عليه الصلاة و السلام ـ ثلاثة عشر سنة يدعو لذلك الناس مسلمهم وكافرهم.
مسلمهم: لكي يتأكد ذلك في قلوبهم وليكوِّن ـ عليه الصلاة والسلام ـ من قلوبهم قاعدة صلبة للبناء الإيماني ، لتتحمل الواجبات والفرائض المفروضة من قِبَلِهِ تعالى.
وأمَّا كافرهم : فلتقوم الحجَّة عليهم ، بالبلاغ المبين ، والبيان الواضح ، ولهذا بقي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو لذلك جميع الناس حتى قبضت روحه الشريفه ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ليبقى التوحيد في قلوب المسلمين صلباً ، لا تزعزعه أعاصير الشرك العاتية ، ولا رياح التغيير المنحرفة عن المنهج الإسلامي.
ب ـ أنَّ التوحيد ليس قضية سهلة ، بل إنَّ هذه القضية على شفافيتها ، فإنَّ تطبيقها والعمل بها من أصعب ما يكون ، ولهذا قال سبحانه : ( إنَّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)
قال الإمام مالك: ليس في دين الإسلام شيء سهل ، واستدلَّ بهذه الآية .
والمقصود أنَّ التوحيد والإيمان يحتاج سنوات عديدة في العمل لأجله، ومجاهدة النفس على تنقيتها مما يخل بذلك ، لتتأصل النفس على الإبقاء عليه ، والاستمساك بحبله ،
وقد قال جندب بن عبدالله : تعلمنا الإيمان ثمَّ تعلمنا القرآن ، فازددنا به إيماناً.
ج ـ إنَّ مآسي الأمة ونكباتها لاريب أنَّها تبعث الأسى في القلب ، ولكنها راجعة لعدة أسباب أولها ذكراً : ضعف إيماننا بالله وتعلقنا به وعبوديته الخالصة ، فكم يوجد في عصرنا من المنتسبين إلى الإسلام ، يشركون بالله ، ويقصدون القبور للطواف حولها ، والتعلق بأصحابها ، والاستغاثة بهم .
وكم من منافق يدسُّ سمَّه في الظلام ، ويطعن المسلمين خلف ظهورهم ، وكم من خائن يدلُّ أهل الكفر على المسلمين المستضعفين ، ويبيع دينه بثمن بخس.
وكم يُعْرَض في وسائل الإعلام من الأمور المنحرفة عن التوحيد الخالص بتعظيم الكفار ، والتشبه بهم ، والتمنطق بأقوالهم ، والتهنئة بأعيادهم ، وربط صلات التآخي معهم.
وكم هو منتشر في بلاد المسلمين السحر والسحرة والشعوذة والتعلق بالرقى والتمائم والتعاويذ الشركية. وكم انتشرت البدع والانحرافات الفكرية ما بين مقلٍّ ومكثرٍ في عقول الكثير من المسلمين.
وبعد...ألا تحتاج هذه كلها إلى وقفة محاسبة ، ترجعنا إلى أهمية الإعادة والتكرار لمبادئ التوحيد ، وقضاياه الكلية ، من قِبَلِ دعاة الإسلام ، ومن ثمَّ تنبيه الناس لذلك ، وعقد الندوات المتتابعة لأجله ، في جميع أنحاء الأرض ، ليكون المسلمون في حصن حصين ، وحرز مكين ، من كلِّ داعية سوء ، أو صاحب ضلالة مردية ، تجنح بهم إلى الكفر والفسوق والعصيان ، وقد أحسن محمد إقبال حين قال:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان *** ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دينٍ *** فقد جعل الفناء لها قريناً
وفي التوحيد للهمم اتحاد *** ولن تبنوا العلا متفرقينا
فهل نعاود قراءة القرآن ، وكتب أهل العلم ونستفيد منها دروساً في التوحيد والإيمان ، ونطبقها في أرض الواقع ، ودنيا الناس ، مقتفين أثر سلفنا الصالح ، حين اهتموا بهذه القضية وأولوها عناية تامَّة ، وقدَّموها على جميع العلوم والمعارف .
ورحم الله الإمام أبا حنيفة حين قال مؤكداً على أهمية التفقه في التوحيد : الفقه في الدين أفضل من التفقه في العلم .
وصدق من قال :
أيُّها المغتذي ليطلب علماً *** كل علم عبد لعلم الرسول
تطلب الفرع كي تصحح أصلاً *** كيف أغفلت علمَ أصلِ الأصولِ
(انظر البيتين/شرح ابن أبي العز للطحاوية / صـ76)
أسأله تعالى أن يميتنا على الإسلام ، والتوحيد الخالص غير مبدلين ولا مغيرين ، ومن الله العون والسداد ، وهو الموفق للرشاد.
التعارض بين النظام الديمقراطي ونظام الحكم في الإسلام
مقال مجمع ومنقح
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
النظام الديمقراطي يتناقض مع النظام الإسلامي في الأساس والأصول والفروع . وإذا كان هناك تشابه في بعض الفروع فهذا ليس مبرراً للخلط بينهما . لقد استمرت الدولة الإسلامية تطبق نظام الإسلام ما يزيد على ثلاثة عشر قرناً ولم تستعمل كلمة الديمقراطية ، ولم تستعمل معانيها.
ومع غياب نظام الإسلام صار الناس يرون نظاماً ديمقراطياً تقابله أنظمة استبدادية بوليسية مخابراتية ، ومن الطبيعي أن يفضل الناس الديمقراطية على الاستبدادية البوليسية. وهذه كلها أنظمة كفر. ونحن حين نرفض الديمقراطية لا يعني أننا نختار الاستبدادية البوليسية الظالمة ، بل نختار الإسلام الذي هو رحمة للعالمين من الرحمن الرحيم.
ومن الفروع التي اشتبهت على الناس كون الإسلام يقول باختيار الخليفة عن طريق الانتخاب والبيعة ، والديمقراطية تقول باختيار الحاكم عن طريق الانتخاب.
وكذلك ممثلو الشعب يجري اختيارهم عن طريق صناديق الإقتراع في الإسلام والديمقراطية.
وفي الإسلام يوجد شورى وفي الديمقراطية يوجد شورى.
وفي الإسلام الأمة تحاسب الحاكم وفي الديمقراطية كذلك.
مما جعل قصيري النظر يتوهمون أن الديمقراطية من الإسلام ، أو أن الإسلام ديمقراطي.
وفيما يلي إيجاز لكل من النظامين، يوضح التعارض بينهما :
النظام الديمقراطي نظام الحكم في الإسلام
1- أساس النظام الديمقراطي من وضع البشر ، فيعطي البشر صلاحية التشريع من دون الله
أساس نظام الحكم في الإسلام من الوحي الإلهي. فهو يجعل التشريع من حق الخالق وحده.
2- نظام الحكم جمهوري أو ملكي. ويجوز التحول من الملكي إلى الجمهوري أو العكس.
بينما في الإسلام نظام الحكم خلافة وهو نظام ليس فيه وراثة. ولا يجوز التحول من الخلافة إلى النظام الجمهوري أو الملكي.
3- الحكم الديمقراطي يقوم على فكرتي:
أ- السيادة للشعب. ب- والشعب مصدر السلطات.
وجهاز الحكم في الديمقراطية يتكون من سلطات ثلاث هي التي تسن القوانين وتنفذها، وهي: أ- السلطة التنفيذية ( الوزارة ). ب- السلطة التشريعية (البرلمان ). ج- السلطة القضائية (القضاء ).
ويساند هذه السلطات مؤسسات أخرى كالجيش والأمن العام والأمن الداخلي ، وأجهزة أخرى.
بينما الحكم في الإسلام يقوم على :
أ- السيادة للشرع وليست للشعب. ب- السلطان للأمة ، وهي تُنيب عنها من يطبق الشرع وينفذه.
أما جهاز الحكم في الإسلام فهو:
أ- الخليفة. ب- معاون التفويض. ج- معاون التنفيذ. د- أمارة الجهاد ( وتشرف على شؤون: الجيش، والداخلية والخارجية والصناعة). هـ-الولاة. و- القضاء. ز- مصالح الدولة. ح- مجلس الأمة.
4- بما أن السيادة للشعب فالشعب هو الذي يسن القوانين.
في حين الوحي هو المصدر الوحيد للقوانين في النظام الإسلامي . والشعب ينتخب من يطبق عليه الشرع.
5- في النظام الديمقراطي القضاء يكون مدنياً.
في الإسلام يكون القضاء شرعياً.
6- في النظام الديمقراطي السياسة الخارجية تقوم على احترام الحدود الدولية ، والمياه الإقليمية لأنها تكريس لاحترام حرية الشعوب في اختيار أنظمتها وقوانينها وحكامها.
في ظل نظام الحكم الإسلامي تكون السياسة الخارجية مرتبطة بالجهاد لنشر الإسلام, فهي تحطم الحدود والحواجز المادية لتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
7- النظام الديمقراطي يكرس التمزيق وتعدد الدويلات أو ما يسمى احترام الاستقلال لتلك الدويلات.
بينما نظام الخلافة لا يعترف بالحدود المادية. ولا بالاستقلال لبلد إسلامي عن بلد أخر ، فالأمة واحدة والجيش واحد ، والراية واحدة ، والمالية واحدة .....الخ.
8- الأنظمة الديمقراطية تحترم القوميات ، والعرقيات ، والنعرات الجاهلية وتحييها وتحافظ عليها.
نظام الحكم في الإسلام يذيب جميع القوميات والقبليات والأعراق ويصهرها بالإسلام.
9- يختار الحاكم لمدة حكم مؤقتة من 4- 6 سنوات.
الخليفة مدى الحياة مادام قادراً مستقيماً.
10- في الديمقراطية يجوز التمرد على الحاكم والتظاهر ورفض طاعته وإعلان العصيان عليه.
في النظام الإسلامي لا يجوز التمرد والعصيان إلا في حالة واحدة هي حين يأمر الخليفة بمعصية.
11- يجوز تشكيل أحزاب معارضة على غير أساس الإسلام أي: أحزاب علمانية أو قومية أو إلحادية.
في النظام الإسلامي لا يجوز تشكيل أحزاب غير الأحزاب الإسلامية الملتزمة بالإسلام عقيدة ونظام حياة.
12- ينقسم المجتمع في ظل الديمقراطية إلى موالاة ومعارضة.
في ظل الحكم الإسلامي لا ينقسم المجتمع إلى قسمين ، بل يقوم الشعب أو مجلس الأمة بمحاسبة الحاكم ، وان استحق العزل شرعاً تتولى محكمة المظالم عزله. فإما الطاعة لولي الأمر مع محاسبته، وإما العزل.
13- الديمقراطية تجيز لجميع أفراد الشعب التسابق والتنافس للوصول لمنصب الحاكم ، بغض النظر عن مؤهلاته أو صفاته الشخصية أو التزامه الديني حتى لو كان ممثلاً.
الإسلام يشترط فيمن يتقدم لهذا المنصب أن يكون رجلا ًوليس امرأة، مسلماً وليس كافراً، بالغاً وليس صبياً، عاقلاً وليس مجنوناً، حراً وليس عبداً أو مسيطراً عليه بما يشبه العبودية، عدلاً وليس فاسقاً، وهناك شروط أفضلية كأن يكون مجتهداً وغير ذلك.
14- الديمقراطية ليست الشورى، فالديمقراطية طريقة حكم لها كليات وجزئيات، وهي تسير شؤون الحياة كلها حسب وجهة نظر معينة, وهي ليست نابعة من الشرع فهي ليست حكماً شرعياً كالشورى.
الشورى ليست طريقة حكم لها كليات وجزئيات، وهي ليست أصلاً من أصول الحكم, بل هي مجرد أخذ الرأي, وأخذ الرأي لايكون ملزماً في حالات, ويكون ملزماً في حالات أخرى. والشورى حكم شرعي وليست من وضع البشر كالديمقراطية.
15- الديمقراطية لا تهتم بالمصدر الذي يجب أن تؤخذ منه الأفكار المتعلقة بالعقيدة, ولا الأفكار المتعلقة بالحضارة ولا الأحكام الشرعية.
الإسلام يُلزم معتنقيه بان يأخذوا كل ما جاء به الرسول " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "
قال تعالى: [ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ]
وقال [ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ]
وقال صلى الله عليه وسلم : (( كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد )) ، لذلك يحرم أخذ أفكار الغرب أو عقيدته الرأسمالية أو حضارته ووجهة نظره.
والديمقراطية نظام غربي نابع من العقيدة الرأسمالية التي تفصل الدين عن الحياة.
16- الديمقراطية نابعة من العقيدة الرأسمالية التي تفصل الدين عن الدولة, بل تفصل الدين عن كل شؤون الحياة كلها، لذا يقولون: " ما لقيصر لقيصر وما لله لله ".
الدولة الإسلامية تقوم على العقيدة الإسلامية التي لاتفصل بين الدين والدولة ولا بين الدين والحياة، أي وجوب تسيير الحياة والدولة بأوامر الله ونواهيه أي بالإحكام الشرعية.
17- في النظام الديمقراطي تسود العلمانية.
في نظام الحكم الإسلامي يسود الشرع.
18- الحياة الديمقراطية هي ابنة حضارة تقوم على النفعية البحتة, ولا تقيم وزناً لغير القيم المادية النفعية.
الحضارة الإسلامية تقوم على أساس روحي هو الأيمان بالله تعالى, وجعل الحلال والحرام مقياسا لجميع الأعمال في الحياة.
19- عند أهل الديمقراطية السعادة هي الحصول على اكبر قدر ممكن من المتع الجسدية الزائلة.
عند المسلمين وفي الحضارة الإسلامية ينظر إلى السعادة بأنها الفوز برضوان الله
20- في الديمقراطية الحكم للأكثرية، حتى ولو كانت الأكثرية على باطل. والأكثرية قد تكون :
أ- أكثرية الشعب باستفتاء عام.
ب- أكثرية النواب في التصويت على مشروع قانون.
ج- أكثرية الوزراء في وضع مشروع قانون أو تنفيذ سياسة معينة.
د- أكثرية نقابية أو جمعية.
هـ- أكثرية لمنح الثقة للوزارة أو حجبها عنها.
و- جميع قرارات المجالس النيابية والوزارية يلزمها أكثرية لتنفذ.
في الإسلام الحكم للشرع، حتى ولو وقف معه الأقلية مهما صغر حجم الأقلية. وعلى الشكل الآتي:
أ- تنفيذ وتطبيق الحكم الشرعي لايرجع فيه لرأي الأكثرية.
ب- الرأي الفني, أو رأي أهل الاختصاص والخبرة لا يلزمه أكثرية.
ج- هناك حالة واحدة يؤخذ فيها برأي الأكثرية وهي معرفة الرأي في الإقدام على عمل مباح أو عدم الإقدام عليه, مثل نزول سيدنا محمد عند رأي الأكثرية للخروج من المدينة لملاقاة الكفار في معركة أُحد.
21- الديمقراطية تقدس الحريات.
الحرية في المفهوم الغربي ليست تحرير الإنسان من الرق. فالرقيق لم يعد لهم وجود. وهي ليست التحرر من الاستعمار. بل هي التي تستعمر الشعوب، فلا يظن أحد أن الحريات الغربية هي معارضة الاستعمار، بل الحريات عندهم أربع:
أولاً : حرية المعتقد أو العقيدة: فيحق للإنسان عندهم أن يعتقد العقيدة التي يريدها دون ضغط أو إكراه كما يحق له أن يترك عقيدته ودينه للتحول إلى عقيدة جديدة أو دين جديد, وفي نظرهم يحق للمسلم التحول إلى النصرانية أو اليهودية أو البوذية أو الشيوعية بمنتهى الحرية.
ثانياً: حرية الرأي: ويجوز في ظل الديمقراطية للفرد أن يحمل أي رأي أو فكر وان يقول أي رأي أو فكر وان يدعو لأي رأي أو فكر. وان يعبر عن ذلك بأي أسلوب وليس للدولة أو للإفراد حق منع أي إنسان من ذلك, بل إن القوانين تسن عندهم لحماية حرية الرأي, وتحمي الآراء التي تخالف الدين أو تتهجم عليه وعلى الأنبياء والرسل كما حصل مع سلمان رشدي ( السيئ الذكر ).
ثالثاً: حرية التملك: وهي الحرية التي أفرزت النظام الرأسمالي في الاقتصاد, فأوجدت فكرة استعمار الشعوب ونهب خيراتها, وهي تبيح للإنسان أن يمتلك المال بواسطة السرقة المقنّعة وبواسطة الربا والاحتكار والغش, والقمار والغبن الفاحش, والزنا، واللواط واستخدام جمال المرأة وأنوثتها للكسب المادي, وبواسطة صناعة الخمر وبيعها.
رابعاً: الحرية الشخصية: وهي في النظام الديمقراطي حرية الانفلات من كل قيد, وحرية التحلل من كل القيم الروحية والخلقية والإنسانية وهذه الحرية تبيح للشاب والفتاة ممارسة أي سلوك لا أخلاقي على مرأى من الجميع, سراً وعلانية, وحرية ممارسة الشذوذ الجنسي, وشرب الخمر, وتمرد الشاب أو الفتاة على أولياء أمورهم بحجة الحرية الشخصية. تلك الحرية التي أثمرت مرض الإيدز..
الإسلام يعتبر الحريات بالمفهوم الغربي حراماً ومخالفاً للشرع.
والحرية في المفهوم الإسلامي لا وجود لها إلا في الإنعتاق من العبودية للبشر ومنها ترك الرِّق (بالمفهوم الغربي ) الذي لم يعد موجوداً لذلك فحيثما ذكرت الآن فإنها لا تعني سوى الحريات الغربية.
ولكن الرق بالمفهوم الإسلامي ليس حراما وللعبد فيه حريات كثيرة متاحة
والمسلم يفخر بعبوديته لله صفة يتصف بها المسلم , ومن كمال العبودية أن يطيع العبد أوامر المعبود.
وموقف الإسلام من حرياتهم هو:
أولاً حرية المعتقد :
لايجوز للمسلم أن يتحول إلى دين أخر قال صلى الله عليه وسلم ( من بدل دينه فاقتلوه ), سواء كان المرتد فردا أم جماعة.
ثانياً حرية الرأي :
الرأي في الإسلام مقيد بالإحكام الشرعية وليس حراً فهو إما:
أ- رأيٌ حرام قوله: كالغيبة والنميمة, وقذف المحصنات ومهاجمة الإسلام والطعن فيه.
ب- أو رأيُ فرض قوله: مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ومحاسبة الحكام.
ج- أو رأيٌ مباح: أن تقول خيراً أو أن تصمت.
ثالثاً حرية التملك :
التملك في الإسلام مقيد بالشرع فلا يجوز للإنسان أن يتملك كما يشاء. وأسباب التملك الشرعية كالعمل ( بكل فروعه كالتجارة والصناعة والزراعة والخدمات ), والإرث, والهبة, والوصية.
رابعاً الحرية الشخصية:
الإسلام حرم الإنفلات من العقال الذي يسمى الحرية الشخصية, فالشخص ليس حراً في أن يؤذي نفسه أو ينهي حياته بالانتحار، أو أن يقترف الزنا واللواط تحت ذريعة الحرية الشخصية, أو أن يتهرب من الإنفاق على والديه العاجزين تحت ذريعة الحرية الشخصية, أو أن يخرج الفتى والفتاة مع عشيقته أو عشيقها بحجة الحرية الشخصية, والإسلام لايجيز للشاب أن يتحرش بالفتاة في الشارع أو أن يسمعها كلاماً منافياً للحشمة والوقار, ولا أن يقبل زوجته على مرأى من جمهور الناس.