USAMA LADEN
04-05-2005, 03:07 AM
: منذ عدة أشهر قبل وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا عن حقوق الإنسان في دولة أوزباكستان، وكان مليئًا بالفظائع. فقد كتب مسئولو الخارجية الأمريكية في تقريرهم الرسمي أن الشرطة الأوزبكية تمارس انتهاكات وعمليات تعذيب واسعة النطاق بحق السجناء، وأن من الأساليب الشائعة في التعذيب هي 'الضرب بأدوات غليظة والخنق بأقنعة الغازات'، كما أشارت جماعات حقوق الإنسان الدولية هي الأخرى إلى أن التعذيب في سجون أوزباكستان يشتمل على حرق الأعضاء الآدمية بالزيت المغلي، واستخدام الصدمات الكهربائية في المناطق الحساسة من جسم الإنسان واقتلاع أظافر أصابع الأيدي والأقدام بكماشات. وقد أكد التقرير أن اثنين من المعتقلين تم قتلهما بواسطة الإحراق في الزيت المغلي.
وفي فبراير عام 2001 أكد تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية بكل وضوح على أن 'أوزباكستان دولة شمولية مستبدة لا يكاد يوجد فيها حقوق للإنسان'.
ولكن عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 مباشرة تحولت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى أوزباكستان، واعتبرتها شريكًا في الحرب العالمية على الإرهاب. كما قامت أوزباكستان التي تعد من معاقل الاتحاد السوفيتي السابق في وسط آسيا بدورها بمنح الولايات المتحدة استخدام قواعد عسكرية على أراضيها من أجل قتال حركة طالبان بطول الحدود الأوزبكية الأفغانية. كما رحب الرئيس الأمريكي جورج بوش بالرئيس الأوزبكي إسلام كريموف في البيت الأبيض، ومنحت الولايات المتحدة أوزباكستان أكثر من 500 مليون دولار نظير مراقبتها للحدود وإجراءات ومهام أمنية أخرى.
والآن تكشفت حقائق كثيرة تؤكد على أن الولايات المتحدة قد أرسلت المشتبه في انتمائهم لمنظمات 'إرهابية' إلى أوزباكستان للاعتقال والتحقيقات، وذلك بالرغم من أن معاملة الحكومة الأوزبكية لسجنائها ظلت محل انتقادات واستهجان كبيرين من المنظمات حول العالم، بما في ذلك الخارجية الأمريكية ذاتها.
وقد استغلت الولايات المتحدة برنامج تبادل المجرمين الذين يخول للاستخبارات الأمريكية نقل المتهمين بالإرهاب وسجنهم واستجوابهم في بلدان أخرى، وقامت بإرسالهم إلى دول تتمتع بسجلات متردية في مجال حقوق الإنسان، ويصف التقرير التحول في العلاقات الأوزبكية الأمريكية بأنه 'تسارع للغاية' بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ فقبل أحداث 11 سبتمبر لم تكن هناك أية اتصالات على المستويات الرفيعة بين واشنطن والعاصمة الأوزبكية طشقند، فيما عدا انتقادات الولايات المتحدة لحكومة أوزباكستان.
وقد تأكد دور أوزباكستان كسجان بديل للولايات المتحدة من أكثر من مصدر من داخل الاستخبارات الأمريكية الحالية ومن عناصر سابقين بها، الذين يعملون في أوروبا والشرق الأوسط والولايات المتحدة، وقد رفض مسئولو الاستخبارات الأمريكية التعليق على برنامج نقل السجناء، ولكن صرح أحد مسئولي الاستخبارات أن عدد المتهمين بالإرهاب الذين أرسلتهم الولايات المتحدة إلى طشقند يصل إلى 150 شخصًا.
كما ظهرت أدلة أخرى تؤكد اعتماد الولايات المتحدة على أوزباكستان في ذلك البرنامج، ففي 21 سبتمبر 2001 حطت طائرتان أمريكيتان من طراز جولف ستريم وبوينج 737 في مطار طشقند الدولي، وذلك طبقًا لوثائق حركة الطيران في المطار، والتي حصلت جريدة النيويورك تايمز على نسخة منها.
وبالرغم من أن الهدف الحقيقي لتلك الرحلات غير معروف، إلا أنه على مر ثلاثة سنوات من أواخر 2001 وحتى أوائل هذا العام، فإن الاستخبارات الأمريكية قد استخدمت هاتين الطائرتين في نقل المتهمين بالإرهاب الذين في قبضة الولايات المتحدة إلى دول حول العالم من أجل الاستجواب، وذلك طبقًا لحوار صحفي مع مسئولين استخبارات قدماء وحاليين ولبيانات حركات الطائرات. وفي ذلك اليوم الذي هبطت فيه الطائرتان في مطار طشقند كانت الطائرة جولف ستريم قد أقلعت من مطار بغداد، في حين أقلعت البوينج الأخرى من جمهورية التشيك، طبقًا لبيانات رحلات الطائرات في تلك المطارات.
كما أظهرت بيانات حركة الطائرات أنه كانت هناك 7 رحلات على الأقل لأوزباكستان وحدها من هاتين الطائرتين، بدءًا من أوائل 2002 وحتى أواخر 2003، ولكن النيويورك تايمز لم تستطع الحصول على السجلات كاملة.
وقد خرجت بعض تفاصيل برنامج نقل السجناء التابع للاستخبارات الأمريكية إلى النور في الأشهر الأخيرة، وذلك على لسان عدد من السجناء السابقين الذين تم إطلاق سراحهم، وذلك من سجون دول عربية وأفغانستان، وقد أكدوا تعرضهم للضرب والتعذيب أثناء اعتقالهم واستجوابهم. وقد أنشئ هذا البرنامج في منتصف الثمانينيات كوسيلة للاستخبارات الأمريكية لنقل المجرمين الجنائيين المشتبه بهم إلى الخارج في بلدانهم، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر استخدمت الاستخبارات الأمريكية هذا البرنامج لإرسال السجناء المشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة إلى عدة دول للاعتقال. وقدر مسئولون بالاستخبارات أن الولايات المتحدة قد نقلت ما بين 100 إلى 150 شخصًا إلى دول عربية، [منها مصر والأردن وسوريا والمغرب والسعودية] إضافة إلى باكستان وأوزباكستان.
وقد صرح أحد كبار ضباط الاستخبارات الأمريكية رفض ذكر اسمه أنه لن يستطيع مناقشة قضية إرسال سجناء إلى أوزباكستان أو أي مكان آخر، وأضاف: 'ولكن الولايات المتحدة غير متورطة في عمليات تعذيب ولا تسمح بها، ولا ترسل سجناء إلى أي مكان في العالم للتعذيب، كما أنها لا تستقي معلوماتها عن طريق التعذيب' على حد وصفه.
وقد رفض إلهام زاكيروف المتحدث باسم الخارجية الأوزبكية في طشقند التعليق على أن أوزباكستان قد سمحت بقبول سجناء من الولايات المتحدة، كما رفض التحدث عن اتهامات جماعات حقوق الإنسان، ولكن نشطاء حقوق الإنسان يقولون أن سجل أوزباكستان في التعذيب معروف للجميع، والسؤال هو لماذا أقدمت الاستخبارات الأمريكية على إرسال سجنائها إلى دولة معروفة بانتهاكها لحقوق الإنسان.
تقول أليسون جيل الباحثة في منظمة مراقبة حقوق الإنسان والتي تعمل حاليًا من داخل أوزباكستان: 'إذا ما تحدثت إلى أي شخص في أوزباكستان فإنهم جميعًا يقرون بأن الدولة تستخدم التعذيب، فهذا أمر شائع وعادي بالنسبة للمواطنين' وأضافت أنه إذا كان هناك مسئولون في الولايات المتحدة أو أوروبا لا يعلمون حجم مشكلة التعذيب في أوزباكستان فذلك فقط 'لأنهم لا يهتمون بمعرفة ذلك'.
وقد صرح كريج موراي السفير البريطاني الأسبق لدى أوزباكستان أنه علم عندما كان مبعوثًا في طشقند أن الاستخبارات الأمريكية كانت تستخدم سجون أوزباكستان لاحتجاز الأجانب المشتبه في انتمائهم لمنظمات 'إرهابية'. وأثناء عام 2003 وأوائل 2004 صرح موراي في مقابلة صحفية أن 'الطائرات الأمريكية التابعة للاستخبارات تطير من وإلى طشقند بصورة دورية، عادة ما تكون مرتين أسبوعيًا'.
وفي يوليو 2004 كتب موراي مذكرة سرية لوزارة الخارجية البريطانية يتهم فيها الاستخبارات الأمريكية بانتهاك معاهدة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، وحث فيها زملاءه بالخارجية البريطانية على وقف استخدام المعلومات الاستخباراتية التي يتم استخلاصها من معتقلات أوزباكستان من المشتبه بانتمائهم للإرهاب، وذلك لأنها معلومات مستقاة عن طريق التعذيب والإجراءات القسرية الأخرى. وصرح موراي أنه كان يعلم عن تلك الممارسات من خلال تحقيقاته الخاصة ومقابلاته مع عدد كبير من الأشخاص الذين أكدوا أنهم تم معاملتهم معاملة وحشية داخل سجون أوزباكستان.
وكتب موراي في مذكرته التي حصلت النيويورك تايمز على نسخة منها: 'يجب علينا وقف جميع التعاون مع الأنظمة الأمنية الأوزبكية، فسلوكهم وممارساتهم غير مقبولة على الإطلاق.
وكان موراي قد انتقد علانية نقل السجناء إلى أوزباكستان، وصرح أن رؤساءه في لندن شعروا بغضب شديد بسبب تساؤلاته، وأخبروه أن المعلومات الاستخباراتية التي يتم استخلاصها في أوزباكستان سوف يستخدمها المسئولون البريطانيون، حتى لو كان قد تم استخلاصها بواسطة التعذيب، طالما أن تلك الانتهاكات والتعاملات الوحشية لا تتم على أيدي المحققين البريطانيين. وصرح موراي في مقابلة أنه 'قد شعر بالصدمة، وكأن أهدافهم قد تغيرت وأن نظرتهم قد تحولت تمامًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر'.
وقد رفض متحدث باسم الخارجية البريطانية الرد على اتهامات موراي الذي استقال من وزارة الخارجية البريطانية العام الماضي، وذلك بعد أن حققت الخارجية البريطانية في مزاعم بإساءته لإدارة السفارة في طشقند، وقد قامت الخارجية البريطانية بشن تلك التحقيقات بعدما انتقد موراي حالات الإساءة والانتهاكات للسجناء في أوزباكستان، ولكن تم إغلاق التحقيق بدون اتخاذ أية إجراءات عقابية ضده.
وقد تم تطبيع العلاقات ما بين واشنطن وطشقند في مارس 2002 في لقاء في المكتب البيضاوي ما بين بوش والرئيس الأوزبكي إسلام كريموف. وقد صرح محمد صالح رئيس حزب 'إيرك' الديموقراطي الأوزبكي والذي يعيش في منفاه في ألمانيا أن العلاقة بين أمريكا وأوزباكستان قد تحسنت كثيرًا على أيدي كريموف.
وقد صرح صالح قائلاً: 'لقد كانت تلك فرصة كبيرة لكريموف، ولكن الرئيس بوش يجب عليه أيضًا أن يفكر في حقوق الإنسان والديموقراطية، فإذا ما أراد تعاونًا في مجال شئون مكافحة الإرهاب فيجب عليه ألا يغض الطرف عن الانتهاكات الأخرى التي ترتكبها أوزباكستان، مثل التعذيب'.
وفي مؤتمر صحفي عقد الشهر الماضي سئل بوش: ما الذي تستطيع أوزباكستان أن تفعله ولا تستطيع أمريكا في التحقيقات مع المشتبه فيهم؟ فكان رد بوش أن 'الولايات المتحدة تتخذ ضمانات بألا يتم تعذيب أحد عند تسليمه إلى بلاده ثانية'، وفي الوقت ذاته استمرت وزارة الخارجية الأمريكية وجماعات حقوق الإنسان في إصدار التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في سجون أوزباكستان.
وفي آخر تقرير أصدرته الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في أوزباكستان في فبراير الماضي صرحت أن 'التعذيب شائع بصورة كبيرة في سجون ومعتقلات وأماكن الاحتجاز ما قبل المحاكمات ونقاط الشرطة المحلية والمركزية بأوزباكستان'، كما أشار تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في عام 2003 إلى أن المقرر الخاص بعمليات التعذيب التابع للأمم المتحدة 'خلص إلى أن التعذيب والمعاملات الوحشية الأخرى تتم بصورة منهجية في البلاد'.
وقد تمكنت منظمة العفو الدولية وجماعات حقوق الإنسان الأخرى من توثيق حالات بعينها، ففي صيف عام 2002 أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا يفيد بأن فاطمة موخاديروفا 62 عامًا بائعة بأحد محال طشقند حكم عليها بالسجن 6 سنوات أشغال شاقة بعدما قامت بشجب الحكومة الأوزبكية علنًا بسبب وفاة ابنها مظفر أفوزوف في سجون طشقند، وقيامها بمطالبة السفارة البريطانية بالتحقيق في وفاة ابنها.
وأوردت جماعات حقوق إنسان أنه بعد فحص دقيق ومستقل لصور جثة الابن على يد متخصصين من جامعة جلاسجو، ثبت أن مظفر توفي نتيجة غمسه في مياه مغلية، كما أكد التقرير أن مظفر تلقى ضربات في رأسه وتم اقتلاع أظافره.
وقام نشطاء في مجال حقوق الإنسان بالضغط من أجل إطلاق سراح فاطمة الوالدة المكلومة، التي أطلق سراحها قبيل زيارة وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد في فبراير 2004.
وقد صرح نشطاء في مجال حقوق الإنسان أن الولايات المتحدة تجد صعوبة في الوصول إلى معاملة متوازنة مع أوزباكستان.
وقد صرحت أليسون جيل من منظمة حقوق الإنسان قائلة: 'إن العلاقة ما بين الولايات المتحدة وما بين أوزباكستان علاقة معقدة، فمن الممكن أن تستغل الولايات المتحدة قوتها وقدرتها على ممارسة ضغوطها على أوزباكستان في الحصول على تنازلات منها، وهو أن الولايات المتحدة يجب ألا تعتبر أن كريموف شريك أو حليف أو حتى صديق للولايات المتحدة، ويجب على أمريكا أن ترسل رسالة مفادها أن أوزباكستان لن تعتبر حليفًا جيدًا للولايات المتحدة إلا إذا احترمت حقوق الإنسان في الداخل'.
ويقول التقرير أن التوازن الدبلوماسي قد أتى أكله في أوائل ربيع 2004، بعدما وقعت سلسلة من التفجيرات 'الانتحارية' في طشقند، والتي أسفرت عن مصرع 47 شخصًا، معظمهم من ضباط الشرطة الأوزبك، ثم قامت الحكومة الأوزبكية بتصعيد مداهماتها وعملياتها على المسلمين المتدينين في البلاد، مما أثار موجة من الانتقادات العالمية للنظام الحاكم.
وبعد ثلاثة أشهر وبالرغم من توسلات وزير الخارجية الأوزبكي صديق سافوييف قامت الخارجية الأمريكية بقطع 18 مليون دولار من المعونات العسكرية والاقتصادية لأوزباكستان بسبب فشلها في تحسين سجلها في حقوق الإنسان.
ولكن في الشهر التالي في 12 أغسطس 2004 قام الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية بزيارة طشقند، والتقى مع كريموف ومسئولين آخرين، وأعلن أن البنتاجون سوف يقدم 21 مليون دولار إضافية لمساعدة أوزباكستان في حملتها على نزع مخزونها من الأسلحة البيولوجية.
وقد صرح مايرز أن أمريكا 'قد استفادت بصورة كبيرة من شراكة الولايات المتحدة وعلاقتها الاستراتيجية مع أوزباكستان'. وبينما أشار أن الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق من سجل أوزباكستان في حقوق الإنسان، إلا أن مايرز صرح قائلاً: 'من وجهة نظري فلا ينبغي علينا أن ندع قضية واحدة تهيمن على العلاقة مع دولة ما، فلا تبدو تلك سياسة جيدة بالنسبة لي'.
وفي فبراير عام 2001 أكد تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية بكل وضوح على أن 'أوزباكستان دولة شمولية مستبدة لا يكاد يوجد فيها حقوق للإنسان'.
ولكن عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 مباشرة تحولت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى أوزباكستان، واعتبرتها شريكًا في الحرب العالمية على الإرهاب. كما قامت أوزباكستان التي تعد من معاقل الاتحاد السوفيتي السابق في وسط آسيا بدورها بمنح الولايات المتحدة استخدام قواعد عسكرية على أراضيها من أجل قتال حركة طالبان بطول الحدود الأوزبكية الأفغانية. كما رحب الرئيس الأمريكي جورج بوش بالرئيس الأوزبكي إسلام كريموف في البيت الأبيض، ومنحت الولايات المتحدة أوزباكستان أكثر من 500 مليون دولار نظير مراقبتها للحدود وإجراءات ومهام أمنية أخرى.
والآن تكشفت حقائق كثيرة تؤكد على أن الولايات المتحدة قد أرسلت المشتبه في انتمائهم لمنظمات 'إرهابية' إلى أوزباكستان للاعتقال والتحقيقات، وذلك بالرغم من أن معاملة الحكومة الأوزبكية لسجنائها ظلت محل انتقادات واستهجان كبيرين من المنظمات حول العالم، بما في ذلك الخارجية الأمريكية ذاتها.
وقد استغلت الولايات المتحدة برنامج تبادل المجرمين الذين يخول للاستخبارات الأمريكية نقل المتهمين بالإرهاب وسجنهم واستجوابهم في بلدان أخرى، وقامت بإرسالهم إلى دول تتمتع بسجلات متردية في مجال حقوق الإنسان، ويصف التقرير التحول في العلاقات الأوزبكية الأمريكية بأنه 'تسارع للغاية' بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ فقبل أحداث 11 سبتمبر لم تكن هناك أية اتصالات على المستويات الرفيعة بين واشنطن والعاصمة الأوزبكية طشقند، فيما عدا انتقادات الولايات المتحدة لحكومة أوزباكستان.
وقد تأكد دور أوزباكستان كسجان بديل للولايات المتحدة من أكثر من مصدر من داخل الاستخبارات الأمريكية الحالية ومن عناصر سابقين بها، الذين يعملون في أوروبا والشرق الأوسط والولايات المتحدة، وقد رفض مسئولو الاستخبارات الأمريكية التعليق على برنامج نقل السجناء، ولكن صرح أحد مسئولي الاستخبارات أن عدد المتهمين بالإرهاب الذين أرسلتهم الولايات المتحدة إلى طشقند يصل إلى 150 شخصًا.
كما ظهرت أدلة أخرى تؤكد اعتماد الولايات المتحدة على أوزباكستان في ذلك البرنامج، ففي 21 سبتمبر 2001 حطت طائرتان أمريكيتان من طراز جولف ستريم وبوينج 737 في مطار طشقند الدولي، وذلك طبقًا لوثائق حركة الطيران في المطار، والتي حصلت جريدة النيويورك تايمز على نسخة منها.
وبالرغم من أن الهدف الحقيقي لتلك الرحلات غير معروف، إلا أنه على مر ثلاثة سنوات من أواخر 2001 وحتى أوائل هذا العام، فإن الاستخبارات الأمريكية قد استخدمت هاتين الطائرتين في نقل المتهمين بالإرهاب الذين في قبضة الولايات المتحدة إلى دول حول العالم من أجل الاستجواب، وذلك طبقًا لحوار صحفي مع مسئولين استخبارات قدماء وحاليين ولبيانات حركات الطائرات. وفي ذلك اليوم الذي هبطت فيه الطائرتان في مطار طشقند كانت الطائرة جولف ستريم قد أقلعت من مطار بغداد، في حين أقلعت البوينج الأخرى من جمهورية التشيك، طبقًا لبيانات رحلات الطائرات في تلك المطارات.
كما أظهرت بيانات حركة الطائرات أنه كانت هناك 7 رحلات على الأقل لأوزباكستان وحدها من هاتين الطائرتين، بدءًا من أوائل 2002 وحتى أواخر 2003، ولكن النيويورك تايمز لم تستطع الحصول على السجلات كاملة.
وقد خرجت بعض تفاصيل برنامج نقل السجناء التابع للاستخبارات الأمريكية إلى النور في الأشهر الأخيرة، وذلك على لسان عدد من السجناء السابقين الذين تم إطلاق سراحهم، وذلك من سجون دول عربية وأفغانستان، وقد أكدوا تعرضهم للضرب والتعذيب أثناء اعتقالهم واستجوابهم. وقد أنشئ هذا البرنامج في منتصف الثمانينيات كوسيلة للاستخبارات الأمريكية لنقل المجرمين الجنائيين المشتبه بهم إلى الخارج في بلدانهم، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر استخدمت الاستخبارات الأمريكية هذا البرنامج لإرسال السجناء المشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة إلى عدة دول للاعتقال. وقدر مسئولون بالاستخبارات أن الولايات المتحدة قد نقلت ما بين 100 إلى 150 شخصًا إلى دول عربية، [منها مصر والأردن وسوريا والمغرب والسعودية] إضافة إلى باكستان وأوزباكستان.
وقد صرح أحد كبار ضباط الاستخبارات الأمريكية رفض ذكر اسمه أنه لن يستطيع مناقشة قضية إرسال سجناء إلى أوزباكستان أو أي مكان آخر، وأضاف: 'ولكن الولايات المتحدة غير متورطة في عمليات تعذيب ولا تسمح بها، ولا ترسل سجناء إلى أي مكان في العالم للتعذيب، كما أنها لا تستقي معلوماتها عن طريق التعذيب' على حد وصفه.
وقد رفض إلهام زاكيروف المتحدث باسم الخارجية الأوزبكية في طشقند التعليق على أن أوزباكستان قد سمحت بقبول سجناء من الولايات المتحدة، كما رفض التحدث عن اتهامات جماعات حقوق الإنسان، ولكن نشطاء حقوق الإنسان يقولون أن سجل أوزباكستان في التعذيب معروف للجميع، والسؤال هو لماذا أقدمت الاستخبارات الأمريكية على إرسال سجنائها إلى دولة معروفة بانتهاكها لحقوق الإنسان.
تقول أليسون جيل الباحثة في منظمة مراقبة حقوق الإنسان والتي تعمل حاليًا من داخل أوزباكستان: 'إذا ما تحدثت إلى أي شخص في أوزباكستان فإنهم جميعًا يقرون بأن الدولة تستخدم التعذيب، فهذا أمر شائع وعادي بالنسبة للمواطنين' وأضافت أنه إذا كان هناك مسئولون في الولايات المتحدة أو أوروبا لا يعلمون حجم مشكلة التعذيب في أوزباكستان فذلك فقط 'لأنهم لا يهتمون بمعرفة ذلك'.
وقد صرح كريج موراي السفير البريطاني الأسبق لدى أوزباكستان أنه علم عندما كان مبعوثًا في طشقند أن الاستخبارات الأمريكية كانت تستخدم سجون أوزباكستان لاحتجاز الأجانب المشتبه في انتمائهم لمنظمات 'إرهابية'. وأثناء عام 2003 وأوائل 2004 صرح موراي في مقابلة صحفية أن 'الطائرات الأمريكية التابعة للاستخبارات تطير من وإلى طشقند بصورة دورية، عادة ما تكون مرتين أسبوعيًا'.
وفي يوليو 2004 كتب موراي مذكرة سرية لوزارة الخارجية البريطانية يتهم فيها الاستخبارات الأمريكية بانتهاك معاهدة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، وحث فيها زملاءه بالخارجية البريطانية على وقف استخدام المعلومات الاستخباراتية التي يتم استخلاصها من معتقلات أوزباكستان من المشتبه بانتمائهم للإرهاب، وذلك لأنها معلومات مستقاة عن طريق التعذيب والإجراءات القسرية الأخرى. وصرح موراي أنه كان يعلم عن تلك الممارسات من خلال تحقيقاته الخاصة ومقابلاته مع عدد كبير من الأشخاص الذين أكدوا أنهم تم معاملتهم معاملة وحشية داخل سجون أوزباكستان.
وكتب موراي في مذكرته التي حصلت النيويورك تايمز على نسخة منها: 'يجب علينا وقف جميع التعاون مع الأنظمة الأمنية الأوزبكية، فسلوكهم وممارساتهم غير مقبولة على الإطلاق.
وكان موراي قد انتقد علانية نقل السجناء إلى أوزباكستان، وصرح أن رؤساءه في لندن شعروا بغضب شديد بسبب تساؤلاته، وأخبروه أن المعلومات الاستخباراتية التي يتم استخلاصها في أوزباكستان سوف يستخدمها المسئولون البريطانيون، حتى لو كان قد تم استخلاصها بواسطة التعذيب، طالما أن تلك الانتهاكات والتعاملات الوحشية لا تتم على أيدي المحققين البريطانيين. وصرح موراي في مقابلة أنه 'قد شعر بالصدمة، وكأن أهدافهم قد تغيرت وأن نظرتهم قد تحولت تمامًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر'.
وقد رفض متحدث باسم الخارجية البريطانية الرد على اتهامات موراي الذي استقال من وزارة الخارجية البريطانية العام الماضي، وذلك بعد أن حققت الخارجية البريطانية في مزاعم بإساءته لإدارة السفارة في طشقند، وقد قامت الخارجية البريطانية بشن تلك التحقيقات بعدما انتقد موراي حالات الإساءة والانتهاكات للسجناء في أوزباكستان، ولكن تم إغلاق التحقيق بدون اتخاذ أية إجراءات عقابية ضده.
وقد تم تطبيع العلاقات ما بين واشنطن وطشقند في مارس 2002 في لقاء في المكتب البيضاوي ما بين بوش والرئيس الأوزبكي إسلام كريموف. وقد صرح محمد صالح رئيس حزب 'إيرك' الديموقراطي الأوزبكي والذي يعيش في منفاه في ألمانيا أن العلاقة بين أمريكا وأوزباكستان قد تحسنت كثيرًا على أيدي كريموف.
وقد صرح صالح قائلاً: 'لقد كانت تلك فرصة كبيرة لكريموف، ولكن الرئيس بوش يجب عليه أيضًا أن يفكر في حقوق الإنسان والديموقراطية، فإذا ما أراد تعاونًا في مجال شئون مكافحة الإرهاب فيجب عليه ألا يغض الطرف عن الانتهاكات الأخرى التي ترتكبها أوزباكستان، مثل التعذيب'.
وفي مؤتمر صحفي عقد الشهر الماضي سئل بوش: ما الذي تستطيع أوزباكستان أن تفعله ولا تستطيع أمريكا في التحقيقات مع المشتبه فيهم؟ فكان رد بوش أن 'الولايات المتحدة تتخذ ضمانات بألا يتم تعذيب أحد عند تسليمه إلى بلاده ثانية'، وفي الوقت ذاته استمرت وزارة الخارجية الأمريكية وجماعات حقوق الإنسان في إصدار التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في سجون أوزباكستان.
وفي آخر تقرير أصدرته الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في أوزباكستان في فبراير الماضي صرحت أن 'التعذيب شائع بصورة كبيرة في سجون ومعتقلات وأماكن الاحتجاز ما قبل المحاكمات ونقاط الشرطة المحلية والمركزية بأوزباكستان'، كما أشار تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في عام 2003 إلى أن المقرر الخاص بعمليات التعذيب التابع للأمم المتحدة 'خلص إلى أن التعذيب والمعاملات الوحشية الأخرى تتم بصورة منهجية في البلاد'.
وقد تمكنت منظمة العفو الدولية وجماعات حقوق الإنسان الأخرى من توثيق حالات بعينها، ففي صيف عام 2002 أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا يفيد بأن فاطمة موخاديروفا 62 عامًا بائعة بأحد محال طشقند حكم عليها بالسجن 6 سنوات أشغال شاقة بعدما قامت بشجب الحكومة الأوزبكية علنًا بسبب وفاة ابنها مظفر أفوزوف في سجون طشقند، وقيامها بمطالبة السفارة البريطانية بالتحقيق في وفاة ابنها.
وأوردت جماعات حقوق إنسان أنه بعد فحص دقيق ومستقل لصور جثة الابن على يد متخصصين من جامعة جلاسجو، ثبت أن مظفر توفي نتيجة غمسه في مياه مغلية، كما أكد التقرير أن مظفر تلقى ضربات في رأسه وتم اقتلاع أظافره.
وقام نشطاء في مجال حقوق الإنسان بالضغط من أجل إطلاق سراح فاطمة الوالدة المكلومة، التي أطلق سراحها قبيل زيارة وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد في فبراير 2004.
وقد صرح نشطاء في مجال حقوق الإنسان أن الولايات المتحدة تجد صعوبة في الوصول إلى معاملة متوازنة مع أوزباكستان.
وقد صرحت أليسون جيل من منظمة حقوق الإنسان قائلة: 'إن العلاقة ما بين الولايات المتحدة وما بين أوزباكستان علاقة معقدة، فمن الممكن أن تستغل الولايات المتحدة قوتها وقدرتها على ممارسة ضغوطها على أوزباكستان في الحصول على تنازلات منها، وهو أن الولايات المتحدة يجب ألا تعتبر أن كريموف شريك أو حليف أو حتى صديق للولايات المتحدة، ويجب على أمريكا أن ترسل رسالة مفادها أن أوزباكستان لن تعتبر حليفًا جيدًا للولايات المتحدة إلا إذا احترمت حقوق الإنسان في الداخل'.
ويقول التقرير أن التوازن الدبلوماسي قد أتى أكله في أوائل ربيع 2004، بعدما وقعت سلسلة من التفجيرات 'الانتحارية' في طشقند، والتي أسفرت عن مصرع 47 شخصًا، معظمهم من ضباط الشرطة الأوزبك، ثم قامت الحكومة الأوزبكية بتصعيد مداهماتها وعملياتها على المسلمين المتدينين في البلاد، مما أثار موجة من الانتقادات العالمية للنظام الحاكم.
وبعد ثلاثة أشهر وبالرغم من توسلات وزير الخارجية الأوزبكي صديق سافوييف قامت الخارجية الأمريكية بقطع 18 مليون دولار من المعونات العسكرية والاقتصادية لأوزباكستان بسبب فشلها في تحسين سجلها في حقوق الإنسان.
ولكن في الشهر التالي في 12 أغسطس 2004 قام الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية بزيارة طشقند، والتقى مع كريموف ومسئولين آخرين، وأعلن أن البنتاجون سوف يقدم 21 مليون دولار إضافية لمساعدة أوزباكستان في حملتها على نزع مخزونها من الأسلحة البيولوجية.
وقد صرح مايرز أن أمريكا 'قد استفادت بصورة كبيرة من شراكة الولايات المتحدة وعلاقتها الاستراتيجية مع أوزباكستان'. وبينما أشار أن الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق من سجل أوزباكستان في حقوق الإنسان، إلا أن مايرز صرح قائلاً: 'من وجهة نظري فلا ينبغي علينا أن ندع قضية واحدة تهيمن على العلاقة مع دولة ما، فلا تبدو تلك سياسة جيدة بالنسبة لي'.