PDA

View Full Version : أدلة إثباتُ أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وليسا في النار كما يقولون


محب الهاشميين
08-10-2004, 02:00 AM
هذا الموضوع اجتهد فيه العلماء الكرام من أئمة أهل السنة والجماعة، فمن قائلٍ بأنهما في النار، ومن قائل بأنهما في الجنة ، وحاصل الخلاف أنّ الفريق الأول أخذ بحديث صحيح مسلم (أبي وأباك في النار) دون التدقيق فيهِ لغويا، في حين أن الفريق الثاني أثبت من نصّ الحديث أن المراد بالأب كان (العمّ) خصوصا وأن "سيناريو" أو سياق الحديث يؤيد الرأي الثاني حيث إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الرجلَ السائلَ أن أباه في النار، فلما ولى دعاه النبي وقال له -من باب تطييب الخاطر- أن أباه أيضا في النار، والمراد -كما ذكر أنصار الفريق الثاني ومن وراءهم علماء اللغة- أنّ الأب هو العم كما في الكتاب العزيز (إذ قال لأبيه آزر) فقيل فيها أن الأب المراد به عمّه.
كذلك استشهد الفريق الثاني بآياتِ الكتاب الكريم، وخصوصا بقولِهِ تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) و "وَ مَا آتَينَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسونَهَا وَ مَا أَرْسَلْنَا إلَيهِمْ قَبْلَكَ منْ نَذيرٍ".

وقد نقلت نصّين اثنين لعالمين من المعاصرين، أولهما الشيخ محمد الغزالي، والثاني عبد الرحمن الجزيري، وإن كان الأخير ناقلا أكثر منه مؤلف لأنّ كتابه (الفقه على المذاهب الأربعة) كان الجزيري-ورفاقه في التأليف- ينقلون من أمهات الكتب في شتى مسائل الفقه.

وحتى لا نطول عليكم إليكم الإثبات الذي ينفي أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار:

أولا: نقلا عن كتاب (هموم داعية) للشيخ محمدٍ الغزاليّ رحمه الله، طبع دار نهضة مصر ، من ص21-ص22

رأيت نفرا يغشون المجامعَ مذكّرين بحديث أنّ أبا الرسولِ صلى الله عليه وسلم في النار! وشعرت بالاشمئزازِ من استطالتِهِم وسوء خلقِهِم! قالوا لي: كأنك تعترض ما نقول؟ قلتُ ساخرا: هناك حديث آخر يقول: { وما كنّا مُعَذّبِينَ حتّى نَبْعثَ رَسُولاً } فاختاروا أحدَ الحديثيْنِ ... قال أذكاهم بعد هنيهةٍ: هذه آية لا حديث! قلت: نعم جعلتها حديثا لتهتمّوا بها فأنتم قلّما تفقهونَ الكتابَ!!
قال: كانت هناك رسالات قبل البعثةِ والعربُ من قوم إبراهيم وهم متعبّدون بدينِهِ.
قلتُ: العرب لا من قومِ نوح ولا من قومِ إبراهيم، وقد قال الله تعالى في الذين بُـعِـثَ فيهم سيد المرسلين:
{ وَ مَا آتَينَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسونَهَا وَ مَا أَرْسَلْنَا إلَيهِمْ قَبْلَكَ منْ نَذيرٍ }وقالَ لنبيّهِ الخاتمِ:
{ وما كُنتَ بِجَانبِ الطّورِ إذْ نَادَينَا ولكِنْ رَّحمةً منْ ربّكَ لِتُنذِرَ قَومَاً ما أتَاهُم منْ نَذيرٍ من قبلِكَ لعَلّهُم يتذكّرونَ }
كلّ الرسالاتِ السابقةِ محلّية مؤقتة، وإبراهيم وموسى وعيسى كانوا لأقوامٍ خاصّة!!
وللفقهاءِ كلام في أنّ أبوي الرسول ليسا في النارِ يردّونَ بِهِ ما تروونَ، لقد أحرجتُم الضميرَ الإسلاميّ حتى جعلتموهُ ليستريحَ يروي أنّ الله أحيى الأبوينِ الكريمينِ فآمنا بابنِهِما وهي روايةٌ ينقصُها السندُ؛ كما أنّ روايَتَكم ينقصها الفقهُ ، ولا أدري ما تعشّقُكُم لتعذيبِ أبوينِ كريمينِ لأشرفِ الخلقِ؟ ولم تنطلقونَ بهذه الطبيعةِ المسعورةِ تسوءون الناسَ؟

ثانيا: نقلا عن حاشية كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) ج4 ص896-ص899، تأليف عبد الرحمن الجزيري، ط1423هـ/2002م

اختلف علماء المالكية في أنكحة أهل الكتاب التي تقع بينهم مستوفية للشرائط التي عند المسلمين فقال بعضهم إنها فاسدة؛ لأنه يشترط لصحتها الإسلام فمتى كان الزوجان كافرين كان عقد زواجهما فاسدا ولو استكمل شروط الصحة من شهود وولي، وصيغة وإيجاب وقبول، ومهر، وخلو من الموانع، وهذا هو المشهور، وقال بعضهم: إذا استكملت شرائط الصحة تكون صحيحة في نظر الشريعة الإسلامية أيضا، أما كون إسلام الزوج شرطا في صحة العقد فمحله إذا كانت الزوجة مسلمة، أما غير المسلمة فلا يشترط فيها إسلام الزوج، وهذا هو الظاهر وعلى هذا لا يكون في هذه المسألة خلاف بين الأئمة؛ لأن الحنفية والشافعية والحنابلة يحكمون بصحة عقودهم التي وافقت عقودنا.
ولكن الحنفية قد نقلوا عن المالكية القول الأول، واحتجوا عليهم بقوله تعالى {وامرأته حمالة الحطب} لأنه لو لم تكن الزوجية صحيحة بين أبي لهب وبين حمالة الحطب لما أخبر الله عنها بكونها امرأته، فإن امرأة الرجل في العرف واللغة زوجة، واستدلوا أيضا بحديث ((خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح)) أما الدليل الأول فإنه يكفي في إثبات هذا الفرع، وإذا كان القول الصحيح عند المالكية موافقا لما عليه الأئمة الآخرون، فلا خصومة تستدعي الرد عليها، وأما الدليل الثاني فهو منقوض؛ وذلك لأنك قد عرفت وجهه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن نكاح أجداده صحيح ليس بسفاح –مع كونهم مشركين- لأنه كان موافقا لقواعد الإسلام، وإلا كان من سفاح الجاهلية ووجه نقضه أنّ أجداد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مسلمين لا مشركين لأنهم كانوا يعبدون الله على شريعة إبراهيم وليس نقل هذا القول مقصورا على الرافضة فقط، كما نقله بعض الفقهاء عن أبي حيان في تفسير قوله تعالى {وتقلبك في الساجدين} وعلى فرض نقله عنهم وحدهم فإنه لا يضر في الموضوع، لأنهم نقلوا مسألة تاريخية يؤيدها العقل والمنطق السليم، على أنّ هذا القول منقول عن كثير من المؤرخين وشراح الحديث والمفسرين عند قوله تعالى {وإذ قال إبراهيم لأبيه} فإنهم قالوا: إنه عمّه لأن أجداد النبي جميعهم موحدون نعم نقل عن بعضهم أنه تأثر ببعض عادات قومه ولكن في غير التوحيد، وسبب ذلك ضياع شريعة إبراهيم من بينهم ولو أنها وجدت لاستمسكوا بها جميعا أصولا وفروعا.
ويدل لذلك ما ورد من أن نور النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتقل في الأصلاب والأرحام الطاهرة حتى وصل إلى عبد الله وآمنة. وقد نص الله تعالى على أن المشرك نجس، قال تعالى {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} فكيف ينتقل نور النبوة في الأصلاب التي حكم الله بأنها نجسة كنجاسة الخنزير؟ أظن هذا بعيدا كل البعد.
ومما يوجب العجب العجاب قول بعضهم: إنّ أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر وفي الوقت نفسه يذكرون أن آمنة كانت تحوطها الملائكة الكرام، وكان يرى نور النبوة في جبهة عبد الله إلى آخر ما ذكروه، فهل المشرك النجس تزفه الملائكة وتخالطه الأرواح الطاهرة ويرى من إرهاصات النبوة ما يفيد أنه من أقرب المقربين إلى ربه؟ وأغرب من هذا قولهم: إنّ الله تعالى قد أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به وماتا بعد ذلك. ولعل قائل هذا نسي أن قدرة الله كانت صالحة أيضا لأن يهديهما إلى توحيد الإله في حال حياتهما، كما هدى زيد بن عمرو بن نفيل وغيره، بل يصونهما عن عبادة الأصنام إكراما لنور النبوة الذي أشرق على جميع العالم فأخرجه من الظلمات إلى النور، وأيهما أقرب إلى تعلق القدرة، هدايتهما قبل الموت أو إحياؤهما لمجرد الإيمان، وإماتتهما فورا على أن الإيمان بعد الموت والمعاينة لا معنى له، وإذا كان الإيمان في حالة الاحتضار غير مفيد بعد أن يرى الإنسان العذاب ويوقن بما بعد الموت؟ فإذا قالوا: إن المسألة معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم قلنا: إن المعجزة عند الضرورة. وأي ضرورة في هذا؟ إذ يكفي أن يغفر الله لهما بدون خرق للنظم، كل هذا كلام لا يصح ذكره في الكتب العلمية ولا المناقشة فيه، بل الحق أن أجداد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين جميعا.
وما نقل عن بعضهم أنه تأثر بعادات قومه لم يكن مشركا مطلقا انظر ما روي عن جده عبد المطلب وهو يضرع إلى الله ويستغيث به من أصحاب الفيل حيث يقول:
اللهم إن المرء يمنع رحاله فامنع رحلك * وانصر على آل الصليب وعابديه اليومَ آلَكَ
فهل هذا كلام وثني يعبد الصنم، أم كلام موحد مخلص لربه؟
والذي أثار مثل هذه الشبهات الفاسدة أمران:
أولهما: ما نقل عن أبي حنيفة أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر
ثانيهما: ما رواه مسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي سأله عن أبيه ((إن أبي وأباك في النار)).

أما قول أبي حنيفة رضي الله عنه فإن الذي حمله على ذلك هو تأييد مذهبه من أن أهل الفترة غير ناجين إذا أشركوا مع الله غيره، فهم ملزمون بتوحيد الله بعقولهم؛ لأن معرفة الله ثبتت بالعقل لا بالشرع، فغير الموحد من أهل الفترة مثل غيره من المشركين الذين جاءتهم الرسل، ولا يخفى أن البحث يدور حول هذه المسألة من جهتين:
أولاهما:هل أهل الفترة ناجون أم لا؟
ثانيتهما:هل ثبت كون آباء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا موحدين أم لا؟ وما طريق الإثبات؟

ولا يخفى أن الأولى اعتقادية، ومعلوم أن العقائد لا تثبت إلا بالقطعي من دليل عقلي أو نقليّ، والثانية تاريخية.
فأما الأدلة على أن أهل الفترة ناجون فهي قطعية في نظري، وذلك لأن الله تعالى قال {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وحمل الرسول على العقل خروجا على الظاهر المعقول بدون ضرورة، فإن الرسول إذا أطلق في لسان الشرع كان معناه -الإنسانُ الذي أُوحي إليه بشرع أمر تبليغه- والقرآن من أوله إلى آخره على هذا، قال تعالى {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} {أرسلنا رسلنا تترى} {جاءتهم رسلهم} {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}، وهكذا، فإذا استطاعوا أن يأتوا بكلمة رسول في القرآن على غير هذا المعنى كان لهم العذر، وهذا هو المعقول المطابق لسنن الله في خلقه، فإن الله سبحانه قد أرسل الرسل من بدء الخلق إلى أن استقرت وختمت بالشريعة الإسلامية التي لا تقبل الزوال، بل جعل الله في طبيعتها ما يجعلها تنمو وتزداد كلما تجدد الزمان، وليس من المعقول أن نقول: إن الله أرسل الرسل لتبليغ الشرائع الفرعية وتبليغ أحوال الآخرة فحسب، أما معرفة الله الواحد المنزه عن كل ما لا يليق به فواجبة على الناس بطبيعتهم. فعليهم أن يعرفوا ذلك من غير الرسل وإلا كانوا معذبين؛ لأن هذا القول ينقضه الواقع القطعي، فإن أول شيء اهتم به الرسل هو توحيد الإله، بل كان كل همهم منحصرا في توحيد الإله، ولولا ما أودعه الله في الرسل من أسرار وقوى مؤثرة فوق طبائع البشر، لما وجد على ظهر الأرض موحد، اللهم إلا شواذ العالم في الذكاء النادر والفطنة الباهرة، أمثال زيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة، وكبار فلاسفة العالم الذين لا يتجاوزون أصابع اليد، فهل يعقل أن الله العليم بطبائع عباده يلزمهم بالتوحيد بدون إرسال رسل؟ إن ذلك يكون قصرا لنعيمه على أفراد قلائل من خلقه وتعذيب الباقين، وأين هذا من كرم الله ورحمته بعباده؟ أين هذا من قوله {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقوله: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} أي دليل يخصص الآية الثانية بغير توحيد الإله؟!
فإن الله سبحانه جعل للناس الحجة عند عدم إرسال الرسل، سواء كان ذلك في العقائد أو في غيرها، ومن الغريب أن مقاومة الرسل ما كانت إلا في توحيد الإله، فإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ولوط وهود وصالح وشعيب وغيرهم، لم يضطهدهم قومهم إلا من أجل معرفة الإله وتوحيده ولم يظهر جهادهم إلا في توحيد الإله ومعرفته. ونظرة واحدة إلى كتاب الله تبين مقدار عنايته بمحاربة الوثنية، فقد ملئ بالأدلة الكونية وضرب الأمثال المحسة والحجج القطعية على وجود الإله ووحدانيته، ومع ذلك فقد كانوا من أشد الناس عنادا وإصرارا وغفلة عن الإله ووحدانيته، فهل مثل هؤلاء كانت عقولهم كافية في معرفة الإله؟
ولم توجد أمة من الأمم في زمن من الأزمنة على غير هذا المنوال فنظرية أن العقل كاف في معرفة الإله بدون رسل تتصادم مع طبيعة المخلوقات بدون استثناء، اللهم إلا إذا قلنا: إن الله خلق الناس أجمعين ليعذبهم ويقصر نعمته على أفراد قلائل لا تتجاوز الأصابع عدا، كلا إن الله أرحم من أن يعذب عباده من غير أن يبين لهم طريق الهداية والرشاد.فالحق أن أهل الفترة ناجون وإن غيروا وعبدوا الأصنام، كما يقول الأشاعرة والمالكية وبعض محققي الحنفية، كالكمال بن همام، والماتريدية قد اخلتفوا أيضا، فمنهم من قال: إنهم ناجون، ومنهم من اشترط لنجاتهم أن يمضي زمن يمكنهم النظر فيه، وأن لا يموتوا وهم مشركون بعد النظر، ولما كان الماتريدية والحنفية شيئا واحدا، فقد أوّل بعضهم ما ذهب إليه بعض الماتريدية من نجاتهم بأنه محمول على ما إذا لم يموتوا وهم مشركون، ولا أدري لهذا الحمل معنى؛ لأن المفروض أنهم ناجون بعد موتهم مشركين، أما إذا ماتوا موحدين فلا خلاف فيه لأحد فالذي قال من الماتريدية: إنهم ناجون لا يريد به إلا نجاتهم بعد موتهم مشركين، وإلا كان هازلا؛ لأن من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنّة، وإن قضى طول عمره مشركا باتفاق المسلمين.
هذا وقد أوّل بعض علماء الحنفية قوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} بوجه آخر، فقال: إن المراد بالعذاب عذاب الاستئصال في الدنيا فالله تعالى لا يهلك الأمم في الدنيا إلا بعد أن يرسل لهم الرسل فلم يصدقوهم، ويضطهدونهم، وعند ذلك يهلكهم الله في الدنيا، أما عذاب الآخرة فإنه يقع على من مات مشركا، ولو لم يرسل الله لهم رسولا.ولكن الواقع أن الآية تدل على عكس ذلك على خط مستقيم، وإليك البيان:
قال تعالى {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} فالله سبحانه قد قصر هداية الشخص وضلاله على نفسه وظاهر أن المراد قصر ما يترتب عليها من نفع وضرر، فكل ما يترتب على هداية المرء من منفعة، وكل ما يترتب على ضلاله من ضرر مقصور عليه وحده. وإذا كان كذلك فهل يتحقق هذا المعنى في الدنيا فقط أو في الآخرة فقط أو فيهما معا؟ أما أنا فلا أفهم إلا أنه يتحقق في الآخرة فقط؛ وذلك لأن منافع هداية الناس واستقامتهم ليست مقصورة عليهم وحدهم في الدنيا، بل تتعداهم إلى أبنائهم وأهليهم وعشيرتهم، بل وتتعداهم إلى المجتمع، وهذا واضح، وكذلك مضار الضلال ليست مقصورة على الضالين فقط. فكم صرع المضلون غيرهم وأوردوهم موارد الهلاك والفناء، وشر الضلال في تربية الأهل والأبناء والأهل، وآثاره ظاهرة في المجتمع، وكذلك إذا قصرنا المنافع على ما يسوقه الله تعالى من خير وشر، فإن الخير الذي يجيء بسبب الصالحين لا يقتصر عليهم بل يعم غيرهم، والسنة الصحيحة مملوءة بهذا، والشر الذي ينزل بسبب الضالين لا يقتصر عليهم ولهذا قال تعالى {اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.
وحينئذ لا يفهم من الآية إلا أنّ المراد بالمنافع الثواب الأخروي وبالمضار العذاب الأخروي ولذا قال تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} بيانا لمعنى القصر المذكور، فهو سبحانه يقول: كل واحد ينال جزاء عمله من خير أو شر، قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} فلا يعطى أحد ثواب عمل الآخرة، ولا يحمل أحد عقاب وزر صاحبه، وكل هذا في الآخرة بدون نزاع، أما في الدنيا فإن صلاحها من أجل الصالحين يفيد غيرهم من الفاسقين والكافرين، وفسادها بالخراب يؤذي أهلها، سواء كانوا صالحين أو فاسدين.
وبعد أن قرر الله ذلك أراد أن يظهر منته على عباده فقال عز وجل {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} فلا يؤاخذ الله الناس بضلالهم ولا يعذبهم في الآخرة على عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم التي لا يرضاها إلا بعد أن يرسل رسلا {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} فإن لهم أن يقولوا: إننا لا نعلم أن هذه العقائد، أو هذه الأقوال والأعمال لا ترضيك، فتكون لهم المعذرة، ولا يكون لله عليهم حجة البالغة، ولا يمكن أيضا قصر رفع العذاب عنهم على الأقوال والأعمال بحيث لا يعذبون عليها هي، أما معرفة الله تعالى وتوحيده فإنهم يعذبون عليها وذلك لأن هذا لا دليل عليه مطلقا، بل الدليل قائم على خلافه، وهو كلمة الضلال، فإن الله دائما يصف المشركين بالضالين من أجل الشرك وعبادة الأوثان، أما أعمالهم الفرعية من معاملات ونحوها فقلّ أن يعرض لها إلا على طريق التهذيب والتأنيب، انظر مثلا إلى ما كانوا عليه من فساد في مسألة الأنكحة وغيرها، فلما أراد الله أن يهذبهم شرع لهم بعد إسلامهم ما فيه سعادتهم، فاقرأ قوله تعالى: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا} وقوله {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}، وآية الدين، وآية المواريث، والوصية والعدة، وإباحة النساء الأربع دون سواها، والصيام، والصلاة، والحج، فإن كل هذا جاء بعد الإسلام، ولم يكن محل نزاع بين المشركين وبين الرسول، بل كل النزاع كان مقصورا على التوحيد، فالضلال المذكور في الآية من ضلال الشرك وعدم معرفة الإله، فهؤلاء الضالون لا يعذبهم الله إلا إذا أرسل لهم رسولا بلا نزاع.
وبعد فلم يثبت أن آباء النبي كانوا مشركين، بل ثبت أنّهم كانوا موحدين، فهم أطهار مقربون، ولا يجوز أن يقال: إن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم كافران على أي حال، بل هما في أعلى فراديس الجنات.
أما الكلام في حديث مسلم فقد عرفت أن المالكية والأشاعرة قد احتجوا بقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وظواهر اللغة والعرف والسياق تفيد أن الرسول هو الإنسان الذي يوحى إليه من عند الله تعالى ويؤمر بالتبليغ، فتأويله بالعقل تعسف واضح، ومتى نطق كتاب الله بأمر يؤيده العقل وجب تأويل الأحاديث التي تخالفه إذا أمكن تأويلها، وإلا وجب العمل بما يقتضيه كتاب الله تعالى.
وحديث مسلم هذا يمكن تأويله، وهو أن المراد بأب النبي صلى الله عليه وسلم أبو لهب، فإن الله تعالى قد أخبر أنه في النار قطعا، والأب يطلق في اللغة على العمّ ويؤيد هذا التأويل نص الحديث وهو: ((أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفا دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار)) فظاهر هذا يفيد أنّ أحد المسلمين سأل عن مقر أبيه الذي مات مشركا ولم يجب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه في النار)) فظهر على وجه الرجل طبعا أمارة الحزن والأسف، فولى آسفا فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيل ما علق بنفس الرجل من أسى فاستدعاه ثانيا وقال له ((إن أبي وأباك في النار)) ومعنى هذا أنه إذا كان أبوك في النار لأنه لم يؤمن بي، فلا تجزع لأنّ أبي أنا –وأنا رسول الله- في النار لأنه لم يؤمن بي، وهو أبو لهب طبعا، فإن الله تعالى قد أخبر نبيه بأنه لم يؤمن، فهو من أهل النار حتما.
وأظن أن هذا المعنى لا تكلف فيه ولا تعسف، بل هو الظاهر المعقول لأن كون النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأن أبويه في النار وهما لم يعارضاه في دعوته ولم يرفضا ما جاء به لا فائدة فيه للناس، إذ لا زجر فيه لأحد، وإنما الذي يصح أن يزجر الناسَ كونُ أبي لهب المعارض للدعوة في النار.
والحاصل، أن الأحاديث الواردة في مثل هذا المقام يجب أن تحمل على نحو ما ذكرنا، ومن لم يستطع تأويلها وقف معها موقف المفوض الذي عجز عن التأويل، وعمل بما يقتضيه ظاهر كتاب الله تعالى المؤيد بالعقل والله يهدي إلى سواء السبيل.
هذا وقد ذكرنا هذا الكلام في مذهب المالكية مع أن الحنفية تعرضوا له في مذهبهم، لأن رأينا في هذا المقام أنّ أهل الفترة ناجون جميعا، وإن غيروا أو بدلوا كما يقول المالكية، على أن المالكية ليسوا في حاجة إلى إيراد هذا في المقام؛ لأنك قد عرفت أن الصحيح عندهم هو أن عقود غير المسلمين تكون صحيحة متى وافقت قواعد الإسلام، وإن كانوا كافرين فلا خلاف بينهم على الصحيح.

أخيرا أهديكم جميعا هذا الموضوع المتميز عن شهر رمضان، والله العظيم موضوع رائع يناسب كل أفراد الأسرة الكريمة

إجعل من رمضان هذه السنة شيئا مختلفا .. مهم
http://www.swalif.net/sforum1/showthread.php?s=&threadid=198303