PDA

View Full Version : صدام اسيرًا: الحدث...الدلالات والتبعات


USAMA LADEN
26-12-2003, 04:00 PM
صدام اسيرًا: الحدث...الدلالات والتبعات
باسلوب استعراضي وبكلمات تشبه عبارات الافلام الامريكية اعلن بريمر عن اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين
وسط انفعالات مفتعلة وردود فعل متكلفة داخل القاعة لتكتمل صورة المشهد الفلوكلوري مع عرض شريط فيديو يظهر الرئيس العراقي وهو يعامل بطريقة غير آدمية حسب مسؤول كبير في الفاتيكان. الادارة الامريكية حاولت الاستفادة من اعلان القبض على صدام واظهاره بصورة منكسرة لتحقيق عدة اهداف منها:

- تخفيف الضغط عن حلفاء الحرب الرئيسيين الادارة الامريكية وبلير واثنار مع انكشاف اكاذيب تبرير الحرب وارتفاع وتيرة المقاومة وازدياد اعداد القتلى والجرحى في صفوف التحالف.
- رفع الروح المعنوية لدى جنود التحالف والتي شهدت تدهورا كبيرا وذلك لازدياد الخسائر وانهيار المبررات الاخلاقية للحرب فحسب موقع سي ان ان فقد رفعت مجموعة من عائلات الجنود الامريكيين بعد زيارة للعراق رسالة الى الرئيس بوش تطالب بسحب القوات الامريكية وقال احدهم ويدعى فيرناند سولار امام حشد في منهاتن آن الوقت لانهاء الاحتلال العسكري للعراق, فمعنويات القوات الامريكية متدنية للغاية والشعب العراقي غير راض البتة.
- تعبيد الطريق امام الهيمنة الامريكية المطلقة في المنطقة , فاذا كانت معسكرات جوانتامو نموذج مستمر لمصير الافراد الذين يفكرون بمجابهة امريكا فان اعتقال صدام واذلاله رسالة لحكام المنطقة بان امريكا لا ترضى بديلا عن الهيمنة الكاملة عليهم وعلى قراراتهم.
- استخدام الحدث لرفع اسهم بوش الانتخابية بعد تدهور شعبيته وتوجيه ضربة معنوية يُتأمل ان تكون قاصمة للمقاومة العراقية والتي كانت سلطات الاحتلال غالبا ما تنسبها لفلول النظام.
ا
فهل تنجح الادارة الامريكية باهدافها من عملية الاعتقال والطريقة المحبوكة التي اخرجتها بها؟ ام تكون عملية الاعتقال وبالا على الادارة الامريكية وام الكبائر ضمن سلسلة اخطائها المستمرة في التخطيط والتسويق والاداء. ولعل عملية الاعتقال ستثير مزيدا من مشاعر العداء المتزايدة للسياسة الامريكية في العالم الثالث عموما وفي العالميين العربي والاسلامي. وتوفر ذخيرة فكرية ونفسية هائلة لخصومها من التيارات العريضة هناك. فمقارنة بسيطة مع الطريقة التي تعاملت فيها الولايات المتحدة مع سيلوفيتش وصدام تعيد للواجهة مسألة المعايير المزدوجة والتي يتعامل بها الغرب عموما والولايات المتحدة الامريكية خصوصا فيما يتعلق بقضايا العرب والمسلمين. الامثلة كثيرة من التعامل مع الشأن الفلسطيني الى موقف الادارة الامريكية عشية الحرب وغضبها العارم من عرض التلفزيون العراقي لصور الاسرى الامريكيين واعتبارها ذلك مخالفة لميثاق جنيف فيما يتعلق باسرى الحرب ومن بعد عرضت قوات الاحتلال الامريكي رئيس دولة – بغض النظر عن شخصه وتجاوزاته – على شاشات التلفزيون وبشكل مهين. واذا ما تصاعدت المقاومة بعد اعتقال صدام وهو ما يرجحه كثير من المراقبين نظرا لان هناك تيارا يعادي صدام والامريكين ولا يريد لمقاومته ان تجيّر لصالح النظام السابق اصبح الان اكثر قدرة على الحركة والتحرك. ان عملية نوعية واحدة للمقاومة من قبيل اسقاط طائرة ينتج عنها خسائر امريكية كبيرة سيؤدي لنتائج بالغة السوء على الادارة الامريكية والرأي العام ومعنويات الجنود الامريكيين, فاذا كان اعتقال صدام لم يوقف او يضعف المقاومة وقد كان هدف كبير وتحقق , فما عساها ان تفعل قوات الاحتلاف وهي تقاتل مقاومة غامضة وكأنها تقاتل اشباح.

المواقف الغربية التي اعقبت اعتقال صدام كانت مثيرة للاستغراب ومجسدة وبشكل فاقع حقيقة ان السياسة العالمية تنبني على المصالح ولو على حساب المبادئ المعلنة فالدول التي عارضت الحرب لعدم مشروعيتها اسرع قادتها لتهنئة الادارة الامريكية على انجازها باعتقال صدام كنتيجة هامة لحرب غير قانونية وكأن تلك الدول تحاول ان تلتحق بركب الدول المستفيدة اقتصاديا مما يسمى اعادة اعمار العراق. الغريب ان اصوات تلك الدول ارتفعت عالية تحتج قبل ايام على استبعادها من العقود الاقتصادية فيما لم نسمع ولا همسا احتجاجات على انتهاكات قوات الاحتلال لحقوق الانسان او لسقوط الضحايا الابرياء برصاص الاحتلال بمظاهرات الفلوجة ومدينة الصدر وغيرها او المطالبة باجراء تحقيقات دولية باحداث غامضة ذهب ضحيتها الابرياء كاحداث سامراء.

ولعله من نافلة القول ان نذكر بان بوش عشية الحرب اعطى صدام وولديه 48 ساعة لمغادرة العراق وتسليمه البلاد دون قتال, فلماذا يسمح بوش لصدام بمغادرة العراق بامان قبل العدوان والان يطالب بمحاكمته وايقاع حكم الاعدام اذا كانت جرائم صدام مقلقة جدا لبوش وانسانيته المرهفة, الغريب ان الادارة الامريكية والتي تتحكم بكل مفاصل الحياة العراقية و تقول انه من المبكر نقل السيادة للعراقيين لانهم غير مؤهلين لذلك ويصرح باول بان العراق يفتقد لشخصية تمتلك قدرات كرازي يتحول بين عشية وضحاها مؤهلا –اي العراق- لمحاكمة الرئيس السابق فيردد بوش وبلير ان محاكمة ومصير صدام تعود للعراقيين انفسهم. لن تجرؤ امريكا ولا بريطانيا ان تحاكم صدام في محكمة دولية ذلك لان تلك المحاكمة ستكون محاكمة للسياسة الامريكية والغربية بشكل عام وستفضح الكثير من الخبايا والاسرار المحرجة والتي يراد لها ان تدفن في غياهب النسيان. فالكثير من التجاوزات التي يتم الحديث عنها الان وقعت عندما كانت علاقات صدام بالغرب جيدة ووثيقة ولم يتم الاحتجاج عليها او الحديث عنها الاّ الان ولاستخدامها لاغراض واهداف معروفة. ان استخدام مسألة حقوق الانسان لتحقيق مآرب سياسية وبشكل انتقائي هو انتهاك صارخ واستهتارفاضح بقيم حقوق الانسان.

بسقوط صدام يسقط الطرح العلماني القومي من بعد تراجعه لصالح التوجه الاسلامي وبشكل اختياري وفكري من خلال تبنيه لشعارات اسلامية من قبيل الجهاد والحملات الايمانية, الفراغ الكبير الناشئ عن تراجعات الطروحات القومية سيؤدي بالضرورة الى ارتفاع منسوب التوجه الاسلامي وازدياد قوته وشعبيته. فاذا كانت نتائج حرب 1967 غير المباشرة قد انتجت تيارات اسلامية عريضة, فان حرب 2003 والامعان في اذلال وامتهان العرب سيؤدي بتقديري الى اجتياح التيار الجهادي في التوجه العام عما سواه وانتشار ثقافة الاستشهاد ولغة العنف وبشكل كبير. ففي المقال الافتتاحي لصحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية الصادرة يوم الاثنين –15 ديسمبر- اعتبر ايتان هابر مديرمكتب رابين السابق ان اعتقال صدام لا يبشر بنهاية الحرب في العراق بل ببداية حرب اخرى ويرى الكاتب ان اعتقال حسين سيثير موجة جديدة من رفض الغرب وهيمنته على العالم العربي والاسلامي وان الحرب اضحت برأيه حربا بين الاسلام والغرب. ويقول هابر اعداء امريكا كثر ولكن الاعدء الجدد هم اعداء فقط من يوم امس ممن رأوا الصور المذلة على التلفزيون, ورأوا ويرون في صدام حسين ليس فقط الرجل الطاغية بل العربي المسلم الذي اذله الرجل الامريكي الابيض.
\