PDA

View Full Version : صفة الحج


فلاح
30-01-2003, 10:36 PM
إذا كان الإنسان متمتعاً فإنه يحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة من مكانه ويفعل كما فعل عند الميقات من غسل وتنظيف وتطيب ، ثم يلبس الإحرام وينوي الدخول في الحج ويقول لبيك حجاً ، لبيك اللهم لبيك إلخ .
وإذا كان نائباً أو متبرعاً نوى بقلبه ثم قال : لبيك حجاً عن فلان .
ويكثر من التلبية حتى يرمي جمرة العقبة .
ثم يخرج إلى منى إن لم يكن فيها ويصلي الظهر والعصر والعشاء قصراً ( ركعتين )، ولا فرق في ذلك بين مكي وغيره . ويبيت بها ليلة التاسع تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم . فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار إلى عرفة ملبياً مكبراً لحديث محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك – وهما غاديان من منى إلى عرفة – : كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كان يهل منا المُهل فلا يُنكرُ عليه ويكبر منا المكبر فلا يُنكرُ عليه )[ أخرجه البخاري ] . وينزل بنمرة إلى الزوال إن تيسر له وإلا نزل بعرفة . فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر قصراً وجمعاً في وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين .
وعليه أن يتأكد من دخول حدود عرفة وكلها موقف إلا بطن عرنة لأنها ليست من عرفة . فمن وقف فيها لم يصح حجه ولا يشرع صعود الجبل ولا أفضلية فيه .
وعليه أن يتفرغ للذكر والدعاء والاستغفار متضرعاً مقبلاً مظهراً الضعف والافتقار في هذا اليوم العظيم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الدعاء يوم عرفة وخير ما قلت أن والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) [ أخرجه مالك في الموطأ والترمذي والبيهقي ] .
ويحذر من إضاعة الوقت فيما لا نفع فيه ، وعليه أن يحفظ سمعه وبصره ولسانه عما لا يحل ، بل ينبغي أن يحترز عن الكلام المباح ما أمكنه فإنه مضيعة لوقت لا يمكن تداركه ، ويبقى على هذا الحال حتى تغرب الشمس تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم . فإذا غربت سار إلى مزدلفة ملبياً بسكينة ووقار ولا يؤذي الناس ولا يزاحمهم ويجتنب اللغو والمخاصمة . وإن وجد خلوة أسرع . ويكثر من التلبية . فإذا وصل مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً حال وصوله إلا إذا خشي خروج وقت العشاء بمنتصف الليل فإنه يصلي في أي مكان كان . ولا يتنفل بينهما . ولا يحيي الليل بصلاة ولا غيرها لقول جابر –رضي الله عنه –( ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر) [أخرجه مسلم] . ويحرص أن ينام مبكراً ليكون نشيطاً لأداء مناسك يوم النحر ، فإذا أصبح صلى الفجر في أول وقتها ثم استقبل القبلة يذكر الله تعالى ويدعو حتى يسفر جداً ، ثم يدفع إلى منى قبل طلوع الشمس ملبياً وعليه السكينة . والمبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج لا يجوز تركه أو التساهل فيه وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الأعذار من المرضى والعجزة والنساء والصبيان أن يسيروا إلى منى بعد مغيب القمر وكذا من كان برفقتهم من الأقوياء لقول ابن عباس – رضي الله عنهما – ( كنت ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة على منى ) [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
فإذا وصلوا إلى منى رموا جمرة العقبة وهي أقرب الجمرات إلى مكة لحديث عائشة وأم سلمة وغيرهما .
أما الأقوياء فلا يرمون إلا بعد طلوع الشمس كغيرهم ممن بقي في مزدلفة حتى الاسفار كما تقدم .
فإذا وصل منى رمى الجمرة بسبع حصيات واحدة بعد الأخرى ، كل حصاة أكبر من حبة الحمص قليلاً . يأخذ الحصيات من أي مكان ، واستحب بعض العلماء لقطها من مزدلفة . يكبر مع كل حصاة . ولم يثبت دعاء في هذا الموطن .
ويشترط علم الحصول بالمرمى . فلو وقعت الحصاة في المرمى ثم خرجت منه أجزأت. وموضع الرمي مجتمع الحصا لا ما سال منه ولا الشاخص .
وعليه أن يكون حال الرمي خاشعاً معظماً لله تعالى مجتنباً العنف والشدة وأذية المسلمين ، متذكراً أنه يؤدي عبادة شرعت لحكم وأسرار منها التأسي بأبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وإقامة ذكر الله تعالى .
وقد أجمع العلماء على أن من رمى جمرة العقبة من طلوع الشمس إلى الزوال يوم النحر فقد أصاب سنتها ووقتها المختار ، ومن رماها يوم النحر قبل مغيب الشمس فقد رماها في وقت لها ، وأما من غربت عليه الشمس ولم يرم فإنه يرمي من الغد بعد الزوال [انظر أضواء البيان وحجة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني ] وله أن يرميها ليلاً كما سيأتي إن شاء الله .
وبعد الرمي ينحر هديه إن كان متمتعاً أو قارناً إن تيسر في يوم العيد وإلا جاز تأخيره في أيام التشريق ، والحرم كله منحر حيث نحر منه أجزأه . ومن ذبح هديه خارج حدود الحرم في عرفة أو غيرها من الحل لم يجزئه على المشهور [انظر شرح المهذب ومناسك الحج والعمرة ]، ثم يحلق رأسه وهو أفضل من التقصير . والمرأة تقصر من رأسها قدر أنملة كما تقدم .
وبذلك يحل من إحرامه التحلل الأول فيلبس ثيابه ويتطيب ويقص ظفره وشعره المأذون فيه ، ويحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء . [انظر فتح الباري] .
ثم يتوجه إلى البيت إن تيسر ويطوف طواف الحج ، وإن أخره إلى الليل أو إلى أيام التشريق فلا بأس ؛ لكن الأولى أن لا يتجاوز به أيام التشريق إلا من عذر كمرض وحيض ونفاس ، ويسعى بعده إن كان متمتعاً أو لم يسع مع طواف القدوم إن كان قارناً أو مفرداً . فإذا طاف وسعى حل له كل شيء حتى النساء .
والسنة أن يرتب الحاج أعمال يوم النحر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيبدأ بالرمي ثم النحر ثم الطواف والسعي إن كان عليه سعي فإن قدم بعضها على بعض فلا بأس . لكن الأفضل أن يبدأ برمي جمرة العقبة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بها، ولأنها تحية منى فلم يتقدمها شيء كالطواف .
ثم يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر ، ويتحقق ذلك بمعظم الليل ، وهو من مناسك الحج لا يجوز تركه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص للسقاة والرعاة في عدم المبيت ، والتعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة ، فإن تركه لعذر كمريض رقد في المستشفى أو من له مريض يخاف عليه إذا تخلف عنه لكونه مرافقاً له أو مشتغلاً بنقله فلا شيء عليه ، وكذا من عمله يتعلق بمصلحة الحج أو الحجاج كالمطوف والطبيب ونحوهما ممن يقتضي عملهم وجودهم خارج منى فلا شيء عليه قياساً على ما ورد من الأذان في ترك المبيت للسقاة والرعاة .
ويرمي الجمرات الثلاث في هذين اليومين بعد الزوال والأفضل أن يمشي إليها لفعله صلى الله عليه وسلم [انظر السلسلة الصحيحة للألباني] يبدأ بالجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات ، كل واحدة بعد الأخرى ، ويقول مع كل حصاة (الله أكبر ) فإذا فرغ منها تقدم عنها قليلاً ووقف يدعو طويلاً رافعاً يديه مستقبل القبلة . وأكثر الحجاج تركوا ذلك إما جهلاً أو تهاوناً فليحص المسلم على الوقوف للدعاء ولو قل . لأن السنة كلما ضيعت كان فعلها أو كد ليجمع العامل بها بين فضيلة العمل وإحياء السنة { مناسك الحج والعمرة لا بن عثيمين }ثم يرمي الجمرة الوسطى ويقف بعدها للدعاء كالأولى . ثم يرمي الثالثة وهي جمرة العقبة ولا يقف عندها لأنه صلى الله عليه وسلم رماها ولم يقف عندها ولا يجوز التهاون في هذا النسك وهو الرمي فيوكل غيره وهو قادر على المشي والرمي . وأعظم من ذلك السفر والتوكيل في رمي الجمار لقوله تعالى : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) {البقرة : 202} . وهذا تعجل قبل يومين . ومن فعل ذلك فهو على خطر عظيم لأنه ترك المبيت وترك رمي الجمار وودع قبل أن يكمل المناسك .
ويجوز تأخير الرمي إلى اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي ، فيرمي عن الحادي عشر ثم يرجع ويبدأ برمي الثاني عشر ، وهذا أولى من التوكيل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما {مناسك الحج للألباني } ولو كان التوكيل مشروعاً في مثل ذلك لأرشدهم إليه لأنه أسهل .
ومن عجز عن الرمي لكبر أو مرض جاز أن يوكل غيره من الحجاج من رجل أو امرأة ، ويجوز للوكيل أن يرمي عن نفسه وعن موكله في موقف واحد لعدم الدليل على المنع .
والأفضل أن يكون الرمي نهاراً كما رمى النبي صلى الله عليه وسلم أما الرمي ليلاً فقد أجازه بعض أهل العلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقت ابتداء الرمي وأنه بعد الزوال ولم يوقت انتهاءه . وكذلك حديث ابن عباس : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فيقول : لا حرج . فسأله رجل فقال : حلقت قبل أن أذبح . قال : اذبح ولا حرج . وقال : رميت بعدما أمسيت فقال : ارم ولا حرج ) [أخرجه البخاري] .
والمساء يراد به ما بعد الزوال والليل داخل فيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل السائل هل رمى قبل الغروب أو بعده . فدل بعمومه على جواز الرمي ليلاً. قال النووي في شرح المهذب : ( الرمي بالليل فيه وجهان أصحهما الجواز ) . ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يرموا ليلاً .
ثم أن هذا القول يتمشى مع يسر الإسلام وسهولته ولا سيما في زماننا هذا نظراً لكثرة الحجاج وما يجدون من المشقة وما يحصل من الزحام الشديد الذي يموت فيه بعض الناس . والوقت من زوال الشمس إلى الغروب لا يكفي لرمي الأعداد الكثيرة من الحجاج . وإن كنا لا نرى الزحام وحده سبباً لهذا الحكم . لأن الواجب على الحجاج أن يتقيدوا بآداب الإسلام وأن يحافظوا على أرواحهم وأرواح إخوانهم ولو فعلوا ذلك ما حدث موت في الزحام . لكن ما ذكرناه أولاً يفيد جواز الرمي ليلاً لأهل الأعذار دون الأقوياء . فمثل الرعاة والسقاة وكبير السن ونضو الخلقة وكذلك النساء ونحو هؤلاء ممن له عذر يجوز له الرمي ليلاً إن شاء الله .
وعلى المسلم أن يتذكر أن رمي الجمار عبادة شرعت لذكر الله تعالى وتكبيره ، فإن المسلم عندما يرمي الجمرة يقول : الله أكبر . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله ) [أخرجه أحمد و الترمذي وأبو داود] .
فليحذر المسلم من الغفلة عن الذكر في هذه المواضع المباركة . وليحرص على التكبير والدعاء ، ولا يؤذي غيره أو يتكلم بما لا يليق .
قال قدامة بن عبد الله –رضي الله عنه - : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار على ناقته ليس ضرب ولا طرد ولا إليك إليك ) [أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح] .
فإذا أتم الحاج رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تأخر في منى لليوم الثالث عشر ورمى فيه بعد الزوال ، وإن شاء تعجل وخرج من منى قبل الغروب ، لا فرق بين مكي وغيره ، والتأخر أفضل لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه زيادة عمل صالح في هذه الأماكن الفاضلة .
ولكن لو أراد التعجل ثم أدركه الغروب وهو بمنى ، لكونه مشتغلاً بنقل أثاثه أو لزحمة السيارات لم يلزمه البقاء والمبيت لأنه قد أخذ في التعجل .
فإذا أتم أعمال الحج وأراد الرجوع إلى بلده وجب عليه أن يطوف للوداع . ومن أخر طواف الإفاضة وهو طواف الحج فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع ، لكن ينوي طواف الحج لأنه ركن ، والأصغر يدخل في الأكبر . وإنما أجزأ طواف الإفاضة عن طواف الوداع لأن المأمور به أن يكون آخر عهده بالبيت وقد فعل لأنهما عبادتان من جنس واحد فأجزأت أحدهما عن الأخرى .
ولا يجوز تقديم طواف الوداع على رمي الجمار في اليوم الثاني عشر كما يفعله بعض الناس ، حيث يطوفون ضحى ذلك اليوم ثم يرمون الجمرة بعد الزوال . وهذا مخالف لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما - : ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض ) [أخرجه البخاري ومسلم] . وهؤلاء جعلوا آخر عهدهم بالجمار . ولا يجوز البقاء بعد طواف الوداع ولا التشاغل بشيء إلا ما يتعلق بشئون السفر كشد الرحال وانتظار الرفقة ونحو ذلك مما لا يدل على البقاء اختياراً .
وليس على الحائض والنفساء طواف وداع إذا كانتا قد طافتا طواف الحج لحديث عائشة رضي الله عنهما - ( أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت . فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : أحابستنا هي ؟ قالوا : إنها قد أفاضت ، قال فلا إذاً ) [أخرجه البخاري] . أي فلا حبس علينا حينئذ ما دام أنها أفاضت ويسقط عنها الوداع
..........
منقول