PDA

View Full Version : حوار الأديان.. تمثيلية سياسية برداء ديني


وميض
11-02-2002, 02:38 PM
09/02/2002م د. حمزة زوبع . إسلام أو لاين .

القيادات الدينية يتم استغلالها للتغطية على الواقع المتأزم
_________________________________________
يشكِّل الدين رقمًا لا يمكن إنكاره أو تحييده في معادلة الحياة. ويذهب بعض المحللين الغربيين إلى القول بأن الدين هو "رمانة الميزان" في معادلة السياسة والاقتصاد. فالاقتصاد القائم على تحقيق أرباح بغض النظر عن استغلال الإنسان وحاجاته وقدراته يشبه السياسة التي تقوم على المكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة)، التي عادة ما يكون ضحيتها الإنسان الذي قد تدوسه ميكنة العمل السياسي حين تخلو من الدين.

ورغم أن هناك هوة واسعة بين الإسلاميين -الذين يرون أن الدين هو منهاج حياة- والعلمانيين الذين يحصرونه في الشعائر والحياة الروحية الخاصة للأفراد، فإنهما -على أي حال- أفضل من الإلحاديين الذين لا يرون ضرورة لوجود الدين من أساسه. ومن هنا كان من المهم أن يتحاور أتباع الديانات المختلفة، على قاعدة من الإيمان المشترك بدور الدين في الحياة العامة.

حوار أم مناظرة
____________
عرفت الإنسانية نوعيات مختلفة من الحوار؛ لعل أبرزها الحوار من خلال المناظرة، وهو حوار لا بد أن ينتهي بغالب ومغلوب، أو فكرة سائدة وفكرة بائدة. وتطور هذا الحوار، وانطلق من مساحة المناظرات الفردية إلى المناظرات المؤسسية، ومن ضيق الأفق الذي يتناوله الحوار أو المناظرة إلى آفاق شملت السياسة والاقتصاد، لكنها اشتهرت فيما يتعلق بالدين.

وظلَّ أتباع كل دين يرون "علوية" دينهم، و"دونية" الأديان الأخرى. وانحصرت دائرة الحوار في دائرة المناظرات وتفنيد آراء الآخر. وزاد الطين بلة حين نال أتباع كل دين من دين الآخر، بدلاً من البحث عن النقاط المشتركة.

وقد صنع هذا النوع من المناظرات روح التصادم، وألغى فكرة التعايش؛ لذا فإنه من النادر أن نجد حوارات قائمة على فكرة الحوار والبحث عن النقاط المشتركة؛ لأن الاعتقاد السائد أن الحوار سيؤدي بالضرورة إلى تنازلات.

حوار حول ماذا؟
____________
حين تطرح عبارة "حوار الأديان"، فإن ردة الفعل الطبيعية هي التساؤل: حول ماذا؟ والجواب المنطقي هو حول دعم القيم والسلوكيات الإيجابية في المجتمعات -على اختلافها- بعد أن شهد العالم تراجعًا ملحوظًا في هذا المجال، وبعد أن أصبحت المادية هي سمة العصر، وانتشرت ظواهر الشذوذ الجنسي، وإدمان المخدرات، والفساد، والظلم، وبعد أن فشلت الحكومات في تقديم معالجات إصلاحية؛ لأن معظمها لا يؤمن بالجانب الأخلاقي، ولا يعتقد بجدواه.

ولكن الواقع يقول بأن لقاءً من هذا النوع -ولهذه الغاية النبيلة- لم ير النور. ربما تتفق آراء رجال الدين المسيحي مع آراء الفقهاء المسلمين في قضية مثل الإجهاض بدون ضرورة، ولكن لم يكن هناك حوار بينهما حول آلية التحرك لإقناع الحكومات بحرمة قتل النفس.

قراءة مفصلة في الملف
________________
لا يمكن قراءة ملف "حوار الأديان" بعيدًا عن الغايات والأهداف التي وضعت له، ولا بعيدًا عن الجهات التي دعت له وروَّجت لنشاطه، كذلك لا يمكننا قراءته بعيدًا عن التوقيت الذي يحدث فيه.

وكما أشرنا، فإن الهدف لن يكون بالطبع هو إفساح المجال أمام دين معين لكي يطرح رؤيته في الحياة، ولا دوره الإنساني، وإلا تحولت الجلسات إلى لقاءات تبشيرية يدعو أنصار كل دين إلى دينهم. وعليه فالهدف ليس دعويًّا أو روحانيًّا صرفًا -وإن أعلن عن ذلك- بل إن هذا الهدف المعلن هو غطاء لهدف آخر غير معلن: وهو استخدام الدين من أجل الوصول إلى هدف سياسي أو اقتصادي.

وعلى سبيل المثال، فإن ممثلي الأديان قد يجتمعون في قطر ما من أجل التصدي للتطرف، تمامًا كما اجتمع ممثلو الأديان في "جبل الطور" في "سيناء" من أجل الترويج للسلام بين العرب والصهاينة في فلسطين، بعد أن فشلت الوسائل السياسية، والاقتصادية، والإعلامية في الترويج لهذا الهدف.

وما يحدث هذه الأيام من اجتماعات وحوارات ليست مرتبطة بتشجيع الحكومات على تبني وسائل تربوية روحية، أو تقوية وترسيخ القيم في الدول المعنية، بل هي من أجل ترويج قضية سياسية لخدمة الاحتلال الصهيوني لفلسطين؛ وهي قضية تجريم العمليات الاستشهادية، تحت مسمَّى "حماية المدنيين"! لقد غاب الدين فترة طويلة، وحين عاد عاد ليكون وسيلة في يد الساسة، وليس طريقًا لإصلاح السياسة.

الجهات الداعية
____________
من الخطأ، التشكيك في نوايا الجهات الداعية؛ لكنه من المفيد في مثل هذه الظروف العالمية التي تجمع فيها السياسات الغربية على محاربة الأديان أن نعرف من الداعي لهذا الحوار، وهل له علاقة بالغرب أم أن القضية برمتها منفصلة؟ وهل الداعي هو مؤسسة دينية، أم شخصية دينية، أم جهة رسمية، أم جهة مجهولة، أم مؤسسة إعلامية، أم شركة علاقات عامة؟

وفي إطار قراءة للموقف العالمي برمته، نجد أن العالم يتحرك الآن وفق رؤية أمريكية بحتة، لا تقبل الشريك أو المنافس، وتستثمر في ذلك قدراتها الاتصالية والإعلامية، بما في ذلك الاستعانة بكتاب الأفلام والسيناريوهات وأبطال المسلسلات في هوليود.

وهذا ما يدفعنا إلى اليقين بأن "حوار الأديان" القائم إنما مبعثه ما يلي:

محاولة تطويق المد الإعلامي المعاكس للإعلام الأمريكي في محاولته لكسب الرأي العام العربي والإسلامي.

استغلال الدين، والرموز الدينية، والمؤسسات الدينية واستقطابها إلى جانب الطرف الأمريكي.

تجريد الرأي المعاكس للفكرة الأمريكية من سلاح الدين.

هذه الأهداف ليست دينية وليست أخلاقية بقدر ما هي سياسية إعلامية، لا يقدر على ترتيب أجندتها سوى مؤسسات محترفة في مجال العلاقات العامة والإعلام وفنون الدعاية والإعلان والاتصال عامة. وقد يقول قائل: إن الداعي إلى مثل هذه اللقاءات أو الحوارات هو مؤسسات دينية محترمة (مسيحية كانت أم إسلامية)، وهذا القول لا يغني من الواقع شيئًا؛ إذ إن المؤسسات الدينية في العالمين العربي والإسلامي ليست حرة، بل تقع تحت السيطرة المباشرة للدولة. كما أنه في حال وجود مؤسسات دينية حرة، فمن الصعب عليها أن تقوم بإجراء حوار عالمي بمثل هذا المستوى من التنظيم، والإدارة، والميزانيات، دون تدخل أو دعم من الدولة أو من مؤسسات خارجية غربية لها مصالح سياسية واقتصادية.

وحتى المؤسسات الدينية في الغرب -وهذا موضوع آخر- ليست منعزلة ولا مستقلة عن النسق السياسي الذي تعيش فيه. وعلى سبيل المثال، فإن أوروبا -التي تفصل الدين عن الدولة- هي نفسها التي تسمح للبابا بأن يلعب دورًا سياسيًّا في مواعظه يوم الأحد؛ ونجده يتدخل في الأزمات العالمية، وله آراء في العولمة، وفي الإيدز، وفي "الصراع اليهودي – المسيحي"، وتبرئة اليهود من دم المسيح، تمامًا كما أيَّد اتهامات ألمانيا النازية في ادعاءات اليهود فيما يعرف بالهولوكوست.. ورغم أنه شخصية دينية، فهو ما زال يتدخل في الصراع العربي - الإسرائيلي، وبعض الساسة يستجير به ويستصرخه كما فعل عرفات مؤخرًا.

والكنيسة الكاثوليكية الأمريكية تدخلت في عام 1986م وقدمت خطابًا رعويًّا عُرف بـ"العدالة الاقتصادية للجميع"، تضمن ما عرف بالمبادئ الأخلاقية الأربعة، وهي: التأكيد على دعوة المحبة المسيحية، والعدالة، وحقوق الإنسان، وحماية الفقراء.

والكنيسة الكاثوليكية -والبابا من ورائها- هي التي نجحت في الوصول بالزعيم العمالي "ليخ فاونسا" إلى سدة الحكم، بعد أن عبأت الشارع ضد الحكم الشيوعي في بولندا. وقد استخدم الغرب الدين المسيحي ومؤسساته في التصدي للشيوعيين بعد أن عجز الساسة، تمامًا كما استثمرت العداء الإسلامي للإلحاد الشيوعي في طرد الروس من أفغانستان.

وإذا أضفنا إلى ذلك، أنه في مرحلة ما بعد أوسلو قد نشطت الدوائر السياسية في الغرب، وقامت بتصنيع كيانات أهلية تحمل فكرًا سياسيًّا تارة (بذور السلام – إعلان كوبنهاجن) أو برامج اقتصادية (الشراكة بين الدول النامية وأمريكا، أو الشراكة اليورو - أوسطية) تارة أخرى، وشكلاً دينيًّا تارة ثالثة، فإن الشكوك قد تتحول إلى يقين بأن هذه الحوارات أو اللقاءات هي مجرد عمل دعائي يتم على خلفية سياسية.

النتائج التي تحققت
_______________
وبعد كل ذلك -وحتى على فرضية أن هذه الحوارات هي حوارات بريئة تجري وفق أجندة روحية وأخلاقية محضة- يثور سؤال آخر، وهو: ما الذي تحقق؟
المؤكد هو نجاح الجهات المختلفة الداعية إلى هذا الحوار في جمع رموز دينية محترمة في ظرف زمني عصيب، يستحيل على الساسة مواجهته بمعزل عن الدعم الروحي ورموزه ومؤسساته. أما النتائج على المستوى الديني، فهي مجرد حفلات من أجل تبادل بطاقات التعارف. ولم يتم أدنى اتفاق على أي جزئية بالمسلمين؛ فالفقهاء المسلمون لا يمكنهم تغيير رأيهم بما يخص الجهاد وحق الشعوب في الدفاع عن النفس والعيش في كرامة دون ظلم أو جور، بينما الحاخامات اليهود يرون أن قتل الإسرائيليين يتم عبر تصعيد الخطاب الديني؛ وهم يسعون إلى سحب هذه الورقة من يد خصومهم في الميدان. ورجال الدين المسيحيون يريدون أن يظهروا أمام العالم على أنهم دعاة السلام الذين ينبذون عنف هؤلاء واحتلال أولئك، دون أن يؤكدوا حق الشعوب في الدفاع عن النفس!.

لقد عقدت في أعقاب أحداث سبتمبر عدة حوارات دينية داخل أوروبا وفي بعض الدول العربية، أسفرت جميعها عن انصراف المجتمعين أو المتحاورين دونما الوصول إلى نتيجة؛ لأن الهدف من الاجتماعات أو الحوارات كان هو التوقيع على قرارات سابقة الصنع تخدم في النهاية صانع القرار السياسي الغربي، وعلى وجه التحديد الأمريكي.

وفي المحصلة
____________
فالحوار الذي يدور حاليًا ليس حوارًا دينيًّا أخلاقيًّا، بل هو حوار سياسي برداء ديني. أما الحوار الديني الحقيقي فهو الذي يسعى إلى تخفيف حدة تأثيرات السياسة والاقتصاد -وكما قال البروفيسور "مايكل أمالادوس" أستاذ الأديان بجامعة فيدياجيوتى بدلهي (الهند)، في مقال نشر له (موقع أمريكا برس 10-12-2001م) بعنوان "أديان السلام"-: "ليس المطلوب إقامة دولة دينية، ولكن السياسة والاقتصاد لا يمكنهما السير ذاتيًّا، فهما بحاجة إلى قيم ومبادئ أخلاقية وحوار بين الأديان، فالأديان تقر بأن الناس يُذنبون؛ لذا فهم في حاجة إلى العفو والتسامح. وهذا ينعكس على شكل تعاطف ومحبة نحو الآخر. والدين وحده يستطيع فعل ذلك، ولا يمكن للمصالح البشرية المجردة أن تقود إلى ذلك".