الطارق
03-05-2001, 03:26 AM
لم يوحي منظر هذا الشخص بذلك الرجل الذي كان ذكره على كل لسان والذ كان ولازال الرمز للطاغية المتجبر ، سافك الدماء ...
فقد كان قصير القامة أصيفر اللون ضيق العينين ..
قد طل من عينيه الحقد والكره ..
..
بدأت بحواري معه ..
الطارق : بداية الأمر أشكر لك قبولك الحوار معي ،، وأحببت أن اسأل عن مولدك ونشأتك !!؟؟
قال والتبرم بين عليه ( الحجاج بن يوسف ) : ولدت سنة 40 للهجرة في الطائف .. كان آبائي ينقلون الحجارة على ظهورهم ويحتفرون الآبار بأيديهم .. إلا أن والدي كان معلما بالطائف أسمه يوسف بن الحكم الثقفي .. وقد كنت معلما معه لفترة في الطائف حتى أنتقلنا للشام ومصر .. أما والدتي فهي الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي .. كان زوجها الحارث ابن كلدة الثقفي طبيب العرب .. طلقها وتزوجها والدي ...
الطارق : نعم .. وكان سبب تطليقها هذه القصة :
(أن الحارث ابن كلدة دخل على امرأته وهي تتخلل أي تخلل أسنانها لتخرج ما بينها من أذى وكان ذلك في أول النهار فقال والله لئن كنت باكرت الغذاء إنك لرعينه دنية وإن كان الذي تخللين منه شيء بقى في فيك من البارحة إنك لقذرة فطلقها فقالت والله ما كان شيء مما ذكرت ولكنني باكرت ماتباكره الحرة من السواك فبقيت شظية في فمي منه فحاولتها لأخرجها ) وتزوجها والدك ..
الحجاج : أحسنت ..
الطارق : رويت قصص وحكايات حول مولدك وقيل أن اسمك أولا هو كليب ثم سميت بالحجاج .. أحببت أن توضح هذا الأمر ..
الحجاج : هذا من سخافات القصاصين .. والله كنت أود أن أعزر جميع هؤلاء القصاصين لكذبهم ونقلهم الأخبار الكاذبة .. لقد قيل عني ومن سخفهم أني لم أرتضع أياما حتى سقوني دم جدي ثم دم سالح ولطخ وجهي بدمه فارتضعت أول الأمر من ذلك الدم..وقيل أنه امتنعت عن قبول ثدي والدتي وأنهم ذبحوا جدياً أسود لذلك وحسب نصيحة شيطان الحارث بن كلدة .. وكل هذا ليبرروا قتلي للخارجين عن السلطان .. وسفكي لدمائهم ..
الطارق : إذا فهي روايات غير صحيحة ..
الحجاج : وهل يؤمن بهذا إلا من لا عقل له ..
الطارق : حسناً .. فلنبدأ ونكمل قصتك .. ماذا فعلت بعد ذلك ..
الحجاج : بقيت أعلم الصبيان في الطائف .. لم يعجبني الحال هذا .. حتى انتقلنا إلى دمشق .. ومصر وعين والدي لفترة قاضي في مصر ..
أما أنا فقد انتقلت إلى دمشق ...
الطارق : عفوا .. عفواً رويت قصة لك وأنت في مصر تدل على رأيك منذ الشباب في الفتن الحاصلة في عصرك وموقفك منها .. وهي هذه :
(أن الحجاج كان مع أبيه بمصر في جامعها فاجتاز بهما سليم بن عنز هذا فنهض إليه أبو الحجاج فسلم عليه وقال له إني ذاهب إلى أمير المؤمنين فهل من حاجة لك عنده قال نعم تسأله أن يعزلني عن القضاء فقال سبحان الله والله لا أعلم قاضيا اليوم خيرا منك ثم رجع إلى ابنه الحجاج فقال له ابنه يا أبة أتقوم إلى رجل من تجيب وأنت ثقفي فقال له يا بني والله إني لأحسب أن الناس يرحمون بهذا وأمثاله فقال والله ما على أميرالمؤمنين أضر من هذا وأمثاله فقال ولم يابني قال لأن هذا وأمثاله يجتمع الناس إليهم فيحدثونهم عن سيرة أبي بكر وعمر فيحقر الناس سيرة أمير المؤمنين ولا يرونها شيئا عند سيرتهما فيخلعونه ويخرجون عليه ويبغضونه ولا يرون طاعته والله لو خلص لي من الأمر شيء لأضر بن عنق هذا وأمثاله فقال له أبوه يا بني والله إني لأظن أن الله عز وجل خلقك شقيا ) .
الحجاج : نعم هذا حقيقة ... كنت غاضب من أولئك الذين يحرضون على السلطان ويثيرون الفتن بسردهم لقصص الخلفاء الراشدين ..
وكانت أتمنا ان يخلص لي الأمر لأجعلهم عبرة لمن يعتبر ..
الطارق : وتحقق ما أردت .. لكن كيف حدث هذا .. كيف بدأ بروز نجمك ..
الحجاج : نعم .. قدمت دمشق فلحقت بروح بن زنباع وزير عبد الملك
وكنت من عديد شرطته .. وأظهرت الكثير من قدراتي حتى رشحني روح بن زنباع عندما شكا أمير المؤمنين إلى روح أن الجيش لا ينزلون لنزوله ولا يرحلون لرحيله فقال روح لأمير المؤمنين عندي رجل توليه ذلك فولاني أمير المؤمنين أمر الجيش فكان لا يتأخر أحد في النزول والرحيل حتى اجتزت في يوما من الأيام إلى فسطاط روح بن زنباع وهم يأكلون فضربتهم وطوفت بهم وأحرقت الفسطاط فشكا .. روح ذلك إلى عبد الملك فقال لي لم صنعت هذا فقلت لم أفعله إنما فعله أنت فإن يدي يدك وسوطي سوطك وما ضرك إذا أعطيت روحا فسطاطين بدل فسطاطه وبدل الغلام غلامين ولا تكسرني في الذي وليتني عليه ففعل ذلك وتقدمت عند أمير المؤمنين ..
الطارق : ولكن إلا تدل هذه القصة على نكرانك الجميل لروح ..
الحجاج : أن هذا عملي وواجبي الذي أمرت به .. ولم أعمل هذا إلا لنشر النظام في الجيش .. كما أني لم أرتفع إلا من نفسي ولم يكن أحد له فضل علي ..
الطارق : حسنا وماذا حدث بعد ذلك ..
الحجاج : ترفعت يوما بعد يوم لإخلاصي وقدراتي .. حتى تغلب أمير المؤمنين على مصعب بن الزبير في العراق سنة 73 هجرية .. وأصبحت جميع الولايات بيد أمير المؤمنين ما عدا الحجاز والذي قد حكمه الخارج عن الخلافة عبد الله بن الزبير ..
الطارق : وكيف وليت على حرب إبن الزبير ..
الحجاج : حدثت أمير المؤمنين أني رأيت في المنام أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته ... فأرسلني أمير المؤمنين لذلك مع ما عرفه مني من قدرة وسطوه ..
الطارق : وكيف غلبت على أبن الزبير ..
الحجاج : بداية الأمر نزلت إلى الطائف وكنت أبعث الجيوش ويبعث أبن الزبير جيوشه وتنتصر جيوشي .. حتى ضعف موقفه وتفرق من حوله مناصريه .. فكتبت لأمير المؤمنين أن يسمح لي بدخول الحرم ومكة وحصر ابن الزبير .. فأرسل طارق بن عمرو الذي سيطر على المدينة .. وقمت آنا بمحاصرة مكة في ذي القعدة من سنة 72 هجرية ..
الطارق : ورميت المنجنيق على مكة والسجد الحرام..
الحجاج : وما ذنبي أنا وأبن الزبير قد احتمى بها وأدعى أنه العائذ بها .. ألم يكن الأولى أن يخرج أبن الزبير من مكة .. ما باله قد أحتمي و تحصن بها .. ألم يكن الأولى أن يقبل بحكم السلطان فيه .. وهل ندع من من خرج عن السلطان أن يعيث فيها دون أن يخرج ولو بالقوة ..
ثم أني جمعت أهل مكة بعد نصري على أبن الزبير و أكبارهم ذلك وخطبتهم وقلت بعد حمد الله والثناء عليه :
(يا أهل مكة بلغني إكباركم قتل ابن الزبير ألا وإن ابن الزبير كان من خيار هذه الأمة حتى رغب في الخلافة ونازع فيها أهلها فنزع طاعة الله واستكن بحرم الله ولو كان شيء مانع العصاة لمنعت آدم حرمة الله إن الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له ملائكته واباح له كرامته واسكنه جنته فلما أخطأ أخرجه من الجنة بخطيئته وآدم أكرم على الله من ابن الزبير والجنة أعظم حرمة من الكعبة )
الطارق : حسنا .. وماذا حدث بعد ذلك ..
الحجاج : قتل ابن الزبير في جماد الآخر سنة 73 هجري .. ثم ولاني عبد الملك على مكة والمدينة والطائف ..بعد أن كنت واليا على مكة فقط .. في سنة 75 ولاني أمير المؤمنين على العراق أرض النفاق والشقاق و بعد أن توفي أخيه بشر بن مروان ...
الطارق : لا شك أن هذه ثقة كبيرة من عبد الملك بن مروان .. أن يوليك بعد أخيه .. مع ما عرفت به العراق من فتن وخارجين عن بني أمية ..
الحجاج : نعم .. كنت استحق ذلك .. وأعمالي في الحجاز تؤكد آني أفضل المرشحين لهذا المنصب الرفيع ..
الطارق : وكانت خطبتك الشهيرة في مسجد الكوفة ..
الحجاج : نعم .. لا أشك أني أرعبتهم وأخفتهم .. ولا أشك انهم جزعوا من ما ابتلوا به من مصيبة ..
الطارق : وقد أمرتهم بالخروج لنصرة المهلب ابن أبي صفرة لمحاربة الخوارج .. وكان قتلك عمير بن ضابئ وشريك بن عمرو قد زادهم رعبا وخوفاً ...
الحجاج : نعم .. حتى والله لقد تدافعوا على الجسر ليلحقوا ابن أبي صفرة ومات البعض منهم لآجل هذا التدافع ..
الطارق : ورغم هذا فقد خرج عبد الله بن الجارود عليك حتى كدت أن تفر إلى الشام لولا نصيحة البعض .. وكدت أن تهزم لولا مقتل ابن الجارود ..
الحجاج : نعم .. حدث هذا بالفعل .. ورغم هذا فقد انتصرت عليهم ورغم عددهم وعدتهم ..
الطارق : كان موقفك من أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وتهديدك إياه لولا تدخل الخليفة بذلك ورسالته الشديدة لك ..
الحجاج : ورغم هذا فقد اعتذرت منه .. وصفح عني ..
الطارق : ابتليت في تلك الفترة بالخوارج .. وأشهرهم شبيب وأمرأته غزالة ..
الحجاج : ورغم هذا فقد .. انتصرت عليهم جميعا وقضيت على الفتن ..
الطارق : لكن هزمت جيوشك من شبيب وزوجته حتى حصرت في الكوفة .. لو لم ينجدك عبد الملك بن مروان ...
الحجاج : كان جند العراق ليسوا من المخلصين للنظام .. وكانوا أقل تدريبا وأشد جبناً .. وعندما أرسل إلي أمير المؤمنين جند الشام هزمت بهم أولئك الخوارج حتى قتل شبيب ومن معه ..
الطارق : قيل أنك كنت تخاف غزالة زوجة شبيب حتى قال الشاعر :
أسد علي وفى الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغا * بل كان قلبك فى جناحى طائر
الحجاج : كلام فاضي .. ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) وكيف يخاف مثلي امرأة ..
الطارق : وليت على العراق عشرون سنة أثناء حكم عبد الملك وأبنه الوليد .. ولكن كان أكبر خطر كان ثورة أبن الأشعث ..
الحجاج : نعم .. لقد أمرته بمحاربة رتبيل ملك الترك ولم يأخذ بأمري بل قام بتلك الفتنة ..
الطارق : وقد ناصره الكثير من من يبغضونك ويكرهون بني أمية وهزمت في سنة 82 هجري .. وانهزم من معك .. حتى دخل ابن الأشعث الكوفة واجتمع عليه الناس ..
الحجاج : نعم كدت والله أن أعزل من أمير المؤمنين ليرضي أهل العراق .. لولا أن قام هؤلاء بخلع الخليفة فجعلت الصلاحيات كلها بيدي ..حتى هزمناهم في دير الجماجم بعد أن كدنا أن ننهزم وأخرجنهم بعد ذلك من البصرة .. وفر ابن الأشعث إلى رتبيل ملك الترك ..
الطارق : وقتل بعد ذلك بإتفاقك مع ملك الترك ..
الحجاج : نعم ..
الطارق : وبنيت واسط بعدها .. ومنذ ذلك اليوم وقد استتب الأمر لك ..
الحجاج : نعم .. ولم يخرج أي خارج بعدها .. بل وفتحت بسببي بلاد الهند والسند وبخارى وغيرها من البلاد ..
الطارق : ورغم هذا فسيرتك سيئة لمن أتى بعدك وقد لعنك الكثير من الخلق .. وأصبحت رمزاً للطغيان ..
الحجاج : أنما يذكر هؤلاء المساوئ أو ما تعلم أني أول من ضرب درهما عليه ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام .. وأن امرأة من المسلمين سبيت في الهند فنادت يا حجاجاه ، فصل لي خبرها فقلت : لبيك لبيك وأنفقت سبعة آلاف ألف درهم حتى أنقذ المرأة !!
الطارق : اتهمك البعض في دينك !؟
الحجاج : وكيف هذا وأنا عندما أذكر القبر فما ازال أقول إنه بيت الوحدة وبيت الغربة حتى أبكى وأبكى من حولي ..
الطارق : كانت وفاتك سنة سنة 94هجرية لك من العمر أربعة خمسين سنة أو ما يقاربها ..
الحجاج : نعم وفي خلافة الوليد بن عبد الملك ..
الطارق : وكان أخر من قتلت سعيد بن جبير الفقيه العالم .. وكنت إذا نمت رأيته في حلمك وهو يتهددك..
وأطرق الحجاج ولم يعلق
الطارق : لم يبقى إلا شيء نختم به اسألننا .. جرت العادة أن يختم أي مقابلة وحديت بذكر موقف طريف حدث لك .. فلو ذكرت لنا ذلك كنا ممتنين لك ..
الحجاج : ولما لا ... لما فرغت من ابن الزبير وقدمت المدينة لقيت شيخا خارجا من المدينة فسألته عن حال أهل المدينة فقال بشر حال قتل ابن حواري رسول الله صلى الله عليه سلم فقالت ومن قتله فقال الفاجر اللعين الحجاج عليه لعائن الله وتهلكته من قليل المراقبة لله فغضبت غضبا شديدا ثم قلت له : أيها الشيخ أتعرف الحجاج إذا رأيته قال نعم فلا عرفه الله خيرا ولا وقاه ضرا فكشفت عن لثامي وقلت ستعلم أيها الشيخ الآن إذا سال دمك الساعة فلما تحقق الشيخ الجد قال والله إن هذا لهو العجب يا حجاج لو كنت تعرفني ما قلت هذه المقالة أنا العباس بن أبي داود أصرع وأجن كل يوم خمس مرات وهذه ساعة صرعتي وجنوني فقال الحجاج انطلق فلا شفى الله الأبعد من جنونه ولا عافاه ...
الطارق : شكرا ....
فقد كان قصير القامة أصيفر اللون ضيق العينين ..
قد طل من عينيه الحقد والكره ..
..
بدأت بحواري معه ..
الطارق : بداية الأمر أشكر لك قبولك الحوار معي ،، وأحببت أن اسأل عن مولدك ونشأتك !!؟؟
قال والتبرم بين عليه ( الحجاج بن يوسف ) : ولدت سنة 40 للهجرة في الطائف .. كان آبائي ينقلون الحجارة على ظهورهم ويحتفرون الآبار بأيديهم .. إلا أن والدي كان معلما بالطائف أسمه يوسف بن الحكم الثقفي .. وقد كنت معلما معه لفترة في الطائف حتى أنتقلنا للشام ومصر .. أما والدتي فهي الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي .. كان زوجها الحارث ابن كلدة الثقفي طبيب العرب .. طلقها وتزوجها والدي ...
الطارق : نعم .. وكان سبب تطليقها هذه القصة :
(أن الحارث ابن كلدة دخل على امرأته وهي تتخلل أي تخلل أسنانها لتخرج ما بينها من أذى وكان ذلك في أول النهار فقال والله لئن كنت باكرت الغذاء إنك لرعينه دنية وإن كان الذي تخللين منه شيء بقى في فيك من البارحة إنك لقذرة فطلقها فقالت والله ما كان شيء مما ذكرت ولكنني باكرت ماتباكره الحرة من السواك فبقيت شظية في فمي منه فحاولتها لأخرجها ) وتزوجها والدك ..
الحجاج : أحسنت ..
الطارق : رويت قصص وحكايات حول مولدك وقيل أن اسمك أولا هو كليب ثم سميت بالحجاج .. أحببت أن توضح هذا الأمر ..
الحجاج : هذا من سخافات القصاصين .. والله كنت أود أن أعزر جميع هؤلاء القصاصين لكذبهم ونقلهم الأخبار الكاذبة .. لقد قيل عني ومن سخفهم أني لم أرتضع أياما حتى سقوني دم جدي ثم دم سالح ولطخ وجهي بدمه فارتضعت أول الأمر من ذلك الدم..وقيل أنه امتنعت عن قبول ثدي والدتي وأنهم ذبحوا جدياً أسود لذلك وحسب نصيحة شيطان الحارث بن كلدة .. وكل هذا ليبرروا قتلي للخارجين عن السلطان .. وسفكي لدمائهم ..
الطارق : إذا فهي روايات غير صحيحة ..
الحجاج : وهل يؤمن بهذا إلا من لا عقل له ..
الطارق : حسناً .. فلنبدأ ونكمل قصتك .. ماذا فعلت بعد ذلك ..
الحجاج : بقيت أعلم الصبيان في الطائف .. لم يعجبني الحال هذا .. حتى انتقلنا إلى دمشق .. ومصر وعين والدي لفترة قاضي في مصر ..
أما أنا فقد انتقلت إلى دمشق ...
الطارق : عفوا .. عفواً رويت قصة لك وأنت في مصر تدل على رأيك منذ الشباب في الفتن الحاصلة في عصرك وموقفك منها .. وهي هذه :
(أن الحجاج كان مع أبيه بمصر في جامعها فاجتاز بهما سليم بن عنز هذا فنهض إليه أبو الحجاج فسلم عليه وقال له إني ذاهب إلى أمير المؤمنين فهل من حاجة لك عنده قال نعم تسأله أن يعزلني عن القضاء فقال سبحان الله والله لا أعلم قاضيا اليوم خيرا منك ثم رجع إلى ابنه الحجاج فقال له ابنه يا أبة أتقوم إلى رجل من تجيب وأنت ثقفي فقال له يا بني والله إني لأحسب أن الناس يرحمون بهذا وأمثاله فقال والله ما على أميرالمؤمنين أضر من هذا وأمثاله فقال ولم يابني قال لأن هذا وأمثاله يجتمع الناس إليهم فيحدثونهم عن سيرة أبي بكر وعمر فيحقر الناس سيرة أمير المؤمنين ولا يرونها شيئا عند سيرتهما فيخلعونه ويخرجون عليه ويبغضونه ولا يرون طاعته والله لو خلص لي من الأمر شيء لأضر بن عنق هذا وأمثاله فقال له أبوه يا بني والله إني لأظن أن الله عز وجل خلقك شقيا ) .
الحجاج : نعم هذا حقيقة ... كنت غاضب من أولئك الذين يحرضون على السلطان ويثيرون الفتن بسردهم لقصص الخلفاء الراشدين ..
وكانت أتمنا ان يخلص لي الأمر لأجعلهم عبرة لمن يعتبر ..
الطارق : وتحقق ما أردت .. لكن كيف حدث هذا .. كيف بدأ بروز نجمك ..
الحجاج : نعم .. قدمت دمشق فلحقت بروح بن زنباع وزير عبد الملك
وكنت من عديد شرطته .. وأظهرت الكثير من قدراتي حتى رشحني روح بن زنباع عندما شكا أمير المؤمنين إلى روح أن الجيش لا ينزلون لنزوله ولا يرحلون لرحيله فقال روح لأمير المؤمنين عندي رجل توليه ذلك فولاني أمير المؤمنين أمر الجيش فكان لا يتأخر أحد في النزول والرحيل حتى اجتزت في يوما من الأيام إلى فسطاط روح بن زنباع وهم يأكلون فضربتهم وطوفت بهم وأحرقت الفسطاط فشكا .. روح ذلك إلى عبد الملك فقال لي لم صنعت هذا فقلت لم أفعله إنما فعله أنت فإن يدي يدك وسوطي سوطك وما ضرك إذا أعطيت روحا فسطاطين بدل فسطاطه وبدل الغلام غلامين ولا تكسرني في الذي وليتني عليه ففعل ذلك وتقدمت عند أمير المؤمنين ..
الطارق : ولكن إلا تدل هذه القصة على نكرانك الجميل لروح ..
الحجاج : أن هذا عملي وواجبي الذي أمرت به .. ولم أعمل هذا إلا لنشر النظام في الجيش .. كما أني لم أرتفع إلا من نفسي ولم يكن أحد له فضل علي ..
الطارق : حسنا وماذا حدث بعد ذلك ..
الحجاج : ترفعت يوما بعد يوم لإخلاصي وقدراتي .. حتى تغلب أمير المؤمنين على مصعب بن الزبير في العراق سنة 73 هجرية .. وأصبحت جميع الولايات بيد أمير المؤمنين ما عدا الحجاز والذي قد حكمه الخارج عن الخلافة عبد الله بن الزبير ..
الطارق : وكيف وليت على حرب إبن الزبير ..
الحجاج : حدثت أمير المؤمنين أني رأيت في المنام أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته ... فأرسلني أمير المؤمنين لذلك مع ما عرفه مني من قدرة وسطوه ..
الطارق : وكيف غلبت على أبن الزبير ..
الحجاج : بداية الأمر نزلت إلى الطائف وكنت أبعث الجيوش ويبعث أبن الزبير جيوشه وتنتصر جيوشي .. حتى ضعف موقفه وتفرق من حوله مناصريه .. فكتبت لأمير المؤمنين أن يسمح لي بدخول الحرم ومكة وحصر ابن الزبير .. فأرسل طارق بن عمرو الذي سيطر على المدينة .. وقمت آنا بمحاصرة مكة في ذي القعدة من سنة 72 هجرية ..
الطارق : ورميت المنجنيق على مكة والسجد الحرام..
الحجاج : وما ذنبي أنا وأبن الزبير قد احتمى بها وأدعى أنه العائذ بها .. ألم يكن الأولى أن يخرج أبن الزبير من مكة .. ما باله قد أحتمي و تحصن بها .. ألم يكن الأولى أن يقبل بحكم السلطان فيه .. وهل ندع من من خرج عن السلطان أن يعيث فيها دون أن يخرج ولو بالقوة ..
ثم أني جمعت أهل مكة بعد نصري على أبن الزبير و أكبارهم ذلك وخطبتهم وقلت بعد حمد الله والثناء عليه :
(يا أهل مكة بلغني إكباركم قتل ابن الزبير ألا وإن ابن الزبير كان من خيار هذه الأمة حتى رغب في الخلافة ونازع فيها أهلها فنزع طاعة الله واستكن بحرم الله ولو كان شيء مانع العصاة لمنعت آدم حرمة الله إن الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له ملائكته واباح له كرامته واسكنه جنته فلما أخطأ أخرجه من الجنة بخطيئته وآدم أكرم على الله من ابن الزبير والجنة أعظم حرمة من الكعبة )
الطارق : حسنا .. وماذا حدث بعد ذلك ..
الحجاج : قتل ابن الزبير في جماد الآخر سنة 73 هجري .. ثم ولاني عبد الملك على مكة والمدينة والطائف ..بعد أن كنت واليا على مكة فقط .. في سنة 75 ولاني أمير المؤمنين على العراق أرض النفاق والشقاق و بعد أن توفي أخيه بشر بن مروان ...
الطارق : لا شك أن هذه ثقة كبيرة من عبد الملك بن مروان .. أن يوليك بعد أخيه .. مع ما عرفت به العراق من فتن وخارجين عن بني أمية ..
الحجاج : نعم .. كنت استحق ذلك .. وأعمالي في الحجاز تؤكد آني أفضل المرشحين لهذا المنصب الرفيع ..
الطارق : وكانت خطبتك الشهيرة في مسجد الكوفة ..
الحجاج : نعم .. لا أشك أني أرعبتهم وأخفتهم .. ولا أشك انهم جزعوا من ما ابتلوا به من مصيبة ..
الطارق : وقد أمرتهم بالخروج لنصرة المهلب ابن أبي صفرة لمحاربة الخوارج .. وكان قتلك عمير بن ضابئ وشريك بن عمرو قد زادهم رعبا وخوفاً ...
الحجاج : نعم .. حتى والله لقد تدافعوا على الجسر ليلحقوا ابن أبي صفرة ومات البعض منهم لآجل هذا التدافع ..
الطارق : ورغم هذا فقد خرج عبد الله بن الجارود عليك حتى كدت أن تفر إلى الشام لولا نصيحة البعض .. وكدت أن تهزم لولا مقتل ابن الجارود ..
الحجاج : نعم .. حدث هذا بالفعل .. ورغم هذا فقد انتصرت عليهم ورغم عددهم وعدتهم ..
الطارق : كان موقفك من أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وتهديدك إياه لولا تدخل الخليفة بذلك ورسالته الشديدة لك ..
الحجاج : ورغم هذا فقد اعتذرت منه .. وصفح عني ..
الطارق : ابتليت في تلك الفترة بالخوارج .. وأشهرهم شبيب وأمرأته غزالة ..
الحجاج : ورغم هذا فقد .. انتصرت عليهم جميعا وقضيت على الفتن ..
الطارق : لكن هزمت جيوشك من شبيب وزوجته حتى حصرت في الكوفة .. لو لم ينجدك عبد الملك بن مروان ...
الحجاج : كان جند العراق ليسوا من المخلصين للنظام .. وكانوا أقل تدريبا وأشد جبناً .. وعندما أرسل إلي أمير المؤمنين جند الشام هزمت بهم أولئك الخوارج حتى قتل شبيب ومن معه ..
الطارق : قيل أنك كنت تخاف غزالة زوجة شبيب حتى قال الشاعر :
أسد علي وفى الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغا * بل كان قلبك فى جناحى طائر
الحجاج : كلام فاضي .. ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) وكيف يخاف مثلي امرأة ..
الطارق : وليت على العراق عشرون سنة أثناء حكم عبد الملك وأبنه الوليد .. ولكن كان أكبر خطر كان ثورة أبن الأشعث ..
الحجاج : نعم .. لقد أمرته بمحاربة رتبيل ملك الترك ولم يأخذ بأمري بل قام بتلك الفتنة ..
الطارق : وقد ناصره الكثير من من يبغضونك ويكرهون بني أمية وهزمت في سنة 82 هجري .. وانهزم من معك .. حتى دخل ابن الأشعث الكوفة واجتمع عليه الناس ..
الحجاج : نعم كدت والله أن أعزل من أمير المؤمنين ليرضي أهل العراق .. لولا أن قام هؤلاء بخلع الخليفة فجعلت الصلاحيات كلها بيدي ..حتى هزمناهم في دير الجماجم بعد أن كدنا أن ننهزم وأخرجنهم بعد ذلك من البصرة .. وفر ابن الأشعث إلى رتبيل ملك الترك ..
الطارق : وقتل بعد ذلك بإتفاقك مع ملك الترك ..
الحجاج : نعم ..
الطارق : وبنيت واسط بعدها .. ومنذ ذلك اليوم وقد استتب الأمر لك ..
الحجاج : نعم .. ولم يخرج أي خارج بعدها .. بل وفتحت بسببي بلاد الهند والسند وبخارى وغيرها من البلاد ..
الطارق : ورغم هذا فسيرتك سيئة لمن أتى بعدك وقد لعنك الكثير من الخلق .. وأصبحت رمزاً للطغيان ..
الحجاج : أنما يذكر هؤلاء المساوئ أو ما تعلم أني أول من ضرب درهما عليه ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام .. وأن امرأة من المسلمين سبيت في الهند فنادت يا حجاجاه ، فصل لي خبرها فقلت : لبيك لبيك وأنفقت سبعة آلاف ألف درهم حتى أنقذ المرأة !!
الطارق : اتهمك البعض في دينك !؟
الحجاج : وكيف هذا وأنا عندما أذكر القبر فما ازال أقول إنه بيت الوحدة وبيت الغربة حتى أبكى وأبكى من حولي ..
الطارق : كانت وفاتك سنة سنة 94هجرية لك من العمر أربعة خمسين سنة أو ما يقاربها ..
الحجاج : نعم وفي خلافة الوليد بن عبد الملك ..
الطارق : وكان أخر من قتلت سعيد بن جبير الفقيه العالم .. وكنت إذا نمت رأيته في حلمك وهو يتهددك..
وأطرق الحجاج ولم يعلق
الطارق : لم يبقى إلا شيء نختم به اسألننا .. جرت العادة أن يختم أي مقابلة وحديت بذكر موقف طريف حدث لك .. فلو ذكرت لنا ذلك كنا ممتنين لك ..
الحجاج : ولما لا ... لما فرغت من ابن الزبير وقدمت المدينة لقيت شيخا خارجا من المدينة فسألته عن حال أهل المدينة فقال بشر حال قتل ابن حواري رسول الله صلى الله عليه سلم فقالت ومن قتله فقال الفاجر اللعين الحجاج عليه لعائن الله وتهلكته من قليل المراقبة لله فغضبت غضبا شديدا ثم قلت له : أيها الشيخ أتعرف الحجاج إذا رأيته قال نعم فلا عرفه الله خيرا ولا وقاه ضرا فكشفت عن لثامي وقلت ستعلم أيها الشيخ الآن إذا سال دمك الساعة فلما تحقق الشيخ الجد قال والله إن هذا لهو العجب يا حجاج لو كنت تعرفني ما قلت هذه المقالة أنا العباس بن أبي داود أصرع وأجن كل يوم خمس مرات وهذه ساعة صرعتي وجنوني فقال الحجاج انطلق فلا شفى الله الأبعد من جنونه ولا عافاه ...
الطارق : شكرا ....