Misrمصر
23-06-2004, 02:20 PM
المرأة العربية يتجاذبها في العصر الحديث تيار يتخذ من الدين رداء ودثارا لتمرير فتاوى وآراء تستند إلى العادات الاجتماعية والتقاليد البدوية أكثر مما تستند إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنّة، ولا يخفى على ذي عينين انتشار هذا التيار على امتداد الوطن العربي الذي تتجاوز نسبة الأمية فيه 50% من تعداد السكان.
لئن كان المروجون للانفلات الأخلاقي والإباحية والداعون لتقويض دعائم الاستقرار الأسري قد أعلنوا فشلهم مرارا وتكرارا في أن يصلوا إلى القاعدة العريضة من الشعوب العربية، فإنّ هذا جاء نتيجة حتمية لمصادمة بضاعتهم للفطرة الإنسانية والأخلاق الكريمة.
على الجانب الآخر، يعتبر المروجون –باسم الدين- لمفاهيم تخالف الشريعة الإسلامية السمحة هم الأكثر اضطهادا للمرأة لما للدين من تأثير لا ينكر على الشعوب ينعكس على سلوكياتها وتصرفاتها، فما بالنا بالشعب السعودي الذي يمتاز بكون الدين هو صاحب الكلمة العليا في تحديد مصير قضاياه الحاسمة.
إن أسلوب مؤيدي وأنصار هذا التيار يعتمد في أسلوبه وتحركه على الساحة على عدة محاور سأتناولها في ضوء مناقشة مواقف هذه الفئة إزاء الخلاف الشرعي الأزلي في مسألة كشف المرأة لوجهها وكفيها، وهو الخلاف الذي دأب على إنكاره قلة من متشددي القرن الخامس عشر الهجري لأسباب غير معلنة:
أولا: إقصاء ورفض كل الاجتهادات والآراء الفقهية الصادرة عن غير مدرستهم الفكرية – وأحيانا يصل الأمر لرفض ما يصدر خارج منطقتهم الجغرافية-، حتى ولو كانت تلك الآراء الأخرى صادرة عن علماء وأئمة من أهل السنة والجماعة. خذ مثلا على ما أقول الشيخ الدكتور محمد العريفي الذي تحفظ على استدلال أحد المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني بآراء علماء من خارج المملكة العربية السعودية، في تجاهل تام من العريفي –حفظه الله- لعالمية الإسلام الذي لم يكن فهمه يوما حكرا على السعوديّ فقط، ولو توافرت لدى العريفي يومئذ جرعة من حصافة وحكمة لكان الأولى به أن يدرس استدلالات واستنباطات هؤلاء العلماء –الغير سعوديين- فإن كانت صحيحة شرعا ولا غبار عليها فهنا لا مانع من الأخذ بها والعمل بمقتضاها والحق أحق أن يتبع، وإن كان فيها ما يخالف الإسلام ردّت على صاحبها لمخالفتها الصواب لا لكونها صادرة عن علماء غير سعوديين.
ثانيا: استخدام ورقة (النسخ) بكثرة، وهي القول بنسخ دليل لآخر بمجرد تعارضهما في الظاهر، رغم أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذَّر الجمع، ومنها حمل العام على الخاص، وقد قال العلماء: " لا يحل لأحد أن يقول في آية أو حديث: إنهما منسوخان لا يجوز العمل بهما، إلا بنص جلي أو إجماع" ذكره ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحجام" وأن إجماع العلماء عليه (3/130) وفصّل ذلك في " فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخاً" (4/83-92) فليراجَع.
ومثال هذا ما ذكره الشيخ محمد الهبدان في رسالته /التربية البدنية في المدارس النسائية/ بعد أن ذكر حديثا من مصنف أبي شيبة (فهذا الحديث يفيد أن المرأة لا تشارك حتى في سقاية الجرحى ومداواة المرضى)! هكذا بجرة قلم دون جمع بين الروايات الصحيحة المتواترة عن مشاركة النساء في السقاية للجرحى والمداواة للمرضى، ثم كيف جهل الصحابة هذا الأمر ليعلمه الهبدان دونا عمن سواه؟
1-عن مهاجر الأنصاري:" أن أسماء بنت يزيد الأنصارية شهدت اليرموك مع الناس، فقتلت سبعة من الروم بعمود فسطاط ظلتها".أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" (3/2/307/2787)، والطبراني في" المعجم الكبير" (24/157/403) بإسناد حسن.
2-عن خالد بن سيحان قال:شهدت تُستر مع أبي موسى ومعنا أربع نسوة يداوين الجرحى، فأسهم لهن".أخرجه ابن أبي شيبة (12/527) والبخاري في" التاريخ" (2/1/153) بسند يحتمل التحسين.
3- عن الله بن قرط الأزدي قال:" غزوت الروم مع خالد بم الوليد، فرأيت نساء خالد بن الوليد ونساء أصحابه مشمرات يحملن الماء للمهاجرين يرتجزن".أخرجه سعيد (3/2/307/2788) بإسناد صحيح،وله عنده (2785) طريق آخر ضعيف معضل.
ثالثا: كتم الحقيقة والتدليس على القارئ –بحسن نية أو بسوء نية- يقول الألباني رحمه الله في كتابه (الرد المفحم) "فأن جمهوركم كتم هذه الحقيقة، وأوهموا قراءهم أنني إنما استدللت بحديث عائشة وَحدهُ فقط، وأني ما بيّنت ضعف سنده وليس كذلك كما هو الكتاب مسطور، ويأتي بيانه الآن ومن أولئك الجمهور: الشيخ التويجري، وابن عُثيمين، والشنقيطي في " الأضواء" (6/ 197)، وغيرهم ولقد كان الواجب عليهم- لو أنصفوا- أن يبيِّنوا نقطة الخلاف بيني وبينهم وأن لا يوهمهم خلاف الواقع!".
وقد يصل الأمر لرد الحديث الصحيح والعياذ بالله، يرد الألباني على محمد بن إسماعيل –حفظه الله- من مشايخ السلفية بالإسكندرية في جمهورية مصر العربية فيقول "ومن ذلك تأويلهم لحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها- كما تقدم بيان ذلك (ص46-47) –فإنه يدل على جواز نظرها إلى الضيفان الأجانب، ونظرهم إليها، أي: إلى وجهها. ولذلك جعلها القرطبي في " تفسيره " مخصصاً لعموم قوله تعالى:{ وقل للمؤمنات يغْضُضْنَ من أبصارهن} (النور: 31)، وبه وبحديث عائشة استدل كبار علماء الحنابلة من المقادسة وغيرهم- كما تقدم (ص66) - على إباحة نظر المرأة إلى غير عورة الرجل، وقد يكون هذا من المتفق عليه بشرط انتفاء الشهوة، فقد رأيت الحافظ ابن القطان يقول في كتابه (ق64 /1):" لا خلاف أعلمه في جواز نظر المرأة إلى وجه الرجل ما كان، وإذا لم تقصد اللذة، ولم تخف الفتنة، كنظر الرجل إلى وجه الغلمان والمردان إذا لم يقصد ولا خوف… وكذلك أيضاً لا خلاف في جواز إبداء الرجال شعورهم، وأذرعهم، وسوقهم بحضرة الرجال وبحضرة النساء".
إذا عرفت هذا، فأنا أقول دون أي تردد: إن هؤلاء المتشددين على النساء مع مخالفتهم للنصوص الشرعية وأقوال الأئمة، فإنهم لا يفكرون فيما يخرج من أفواههم، أو على الأقل لا ينتبهون إلى أبعاد أقوالهم، وإلا فكيف يتصورون أن تغضّ المرأة بصرها عن الخطيب يوم الجمعة مثلاً وهو يخطب، أو عن المفتي وهي تستفتيه؟ ! بل كيف يمكن لهذا المفتي وأمثاله من الباعة أن لا ينظروا إلى وجهها ويديها وهم يتعاملون معها؟1 فالحق أقول: إن هؤلاء المتشددين يقولون ما لا يعقلون، ويعلمون بخلاف ما يقولون فأخشى أن يعُمَّهُم قول رب العالمين:{ يا أيها الذي آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} (الصف: 2).
وهذا الحديث الصحيح الذي نحن في صدد دفع الشبهات عنه يؤكد المعنى المذكور في الحديثين المذكورين، ويزيد عليهما أنه صرح بجواز نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها، كما ذكر الأخ الإسكندراني نفسه، ولكنه أساء- مع الأسف- مرتين:
الأولى: أنه فهم الأمر بغض البصر أنه مطلق، وليس كذلك كما تقدم عن أئمة التفسير.
والأخرى: أنه بدل أن يفسر آية الغض بهذا الحديث- كما هي القاعدة في تفسير القرآن بالسنّة- فإنه خالف القاعدة وضرب الحديث بها!
وضربه إياه كان على وجهين:
أولاً: افترض صحة الحديث، وهو صحيح في واقع الأمر عند أهل العلم الواقفين على طرقه وشواهده، كما تقدم تحقيقه في هذا البحث الثامن بما لا تجد له نظيراً في كتاب آخر. والفضل كله لله أولاً وآخراً.
ثانياً: تأويله إياه، وذلك أن التأويل لأي نص شرعي لا يُصار إليه إلا عند عدم إمكان الجمع، وليس الأمر كذلك في هذا الحديث، فقد وفق العلماء –على اختلاف اختصاصاتهم ومذاهبهم- بحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص-كما تقدم عن القرطبي- أو بقاعدة استثناء الأقل من الأكثر كما تقدم نقله عنه (ص27-28)" انتهى كلام الشيخ الألباني.
رابعا: التأويلات المضحكة المبكية، فحديث أسماء بنت أبي بكر الشهير عندما دخلت على النبي في ثياب رقاق فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفيها" هذا الحديث رده بعض المتشددين ببيان غيرة زوج أسماء- وهو الزبير ابن العوام- وحيائها هي من الرسول مما لا علاقة له بالموضوع أصلاً سوى المغالطة المقرونة بالمبالغة في رفع غير المعصوم إلى مرتبة العصمة! مع أنه ليس في الشرع- ولا في العقل- مما يمنع من وقوع ذلك من أسماء أو غيرها، لانتفاء العصمة كما ذكرت آنفاً، كيف وقد استجاز النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع من عائشة المطهرة أخت أسماء ما يهوِّن ذكر ما استبعده هؤلاء عن أسماء، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في قصة الإفك: " إن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه…" الحديث؟!رواه الشيخان. [راجع رسالة الألباني الشهيرة الرد المفحم].
كذلك من التأويلات والتفسيرات العجيبة ما ذكره الشيخ محمد الهبدان –رعاه الله- من مفاسد التربية البدنية للبنات " قد تصاب الطالبة بالعين ، فقد تكون رشيقة البدن ، جميلة المنظر ، فإذا رأتها غيرها قد تصيبها بالعين ، والعين حق ، وهذا أمر لا يقلل من شأنه ، ولا يستهان بأمره" فمثل هذا المنطق لا ينطلي إلا على العوام، وإلا فلو كان هذا المنطق سديدا لما جاز لأحد منا أن يظهر نعمة ربه عليه ولا أن يبذل خيرا للوطن، ولكان هذا القول سلاحا في يد الكسول ينادى إلى العمل فيقول: إذا نهضت الدولة كثر حاسدوها والعين حق! أيها الناس ماذا حصل لعقولكم حتى يستخفها البعض لهذه الدرجة؟! أنحجم عن العمل المفيد المثمر بدعوى الحسد، أم نعمل ونجتهد آخذين بالأسباب الشرعية من الرقية والأذكار النبوية؟ وعلى ذكر التربية الرياضية (ارجعوا لحديث سبق النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة عائشة أم المؤمنين) فقد شاهدت الشيخ د.سعيد بن مسفر القحطاني في برنامج صفحات من حياتي الذي تبثه قناة (المجد) وكان الشيخ –حفظه الله- يتحدث عن تجربته في مدارس تحفيظ القرآن الكريم إذ عرضت فكرة إضافة حصة للتربية الرياضية، فذكر الشيخ أنه وممثل الغربية وممثل الشرقية وافقوا على هذا الأمر في حين عارضه ممثل إحدى المناطق المحافظة وقال: (ما بقي إلا التربية الرياضية ندخلها مدارس تحفيظ القرآن) ولحسن الحظ فقد كانت الأغلبية في صف مؤيدي إضافة حصة التربية الرياضية.
خامسا: إخفاء الرأي الفقهي السليم المعتبر المتعارف عليه منذ القدم وإظهار من يأخذ به من العلماء المعاصرين في مظهر المتأول المخطئ والمستحدث في الدين ما ليس فيه، وهو ما تعرض ويتعرض له الإمام الألباني رحمه اللـه من بعض المشايخ هداهم الله، فيوحون لك في كتاباتهم (راجع مثلا كتابات أبي سارة وسليمان الخراشي) أنّ الألباني كان فلتة زمانه في القول بجواز كشف المرأة لوجهها ويديها، رغم أن ابن حزم في كتابه" مراتب الإجماع" (ص29) كتب ما نصه: " واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويدها عورة واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما عورة هي أم لا؟" وأقرَّه شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه عليه. وذكر ابن قدامة الحنبلي في المغني " ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما بالنقاب لأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء". ومن تدليسهم في هذا الباب رد الأدلة القاطعة بجريان العمل بكشف الوجه في القرون المشهود لها بالخيرية، وشهادة فضلاء الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين بجواز ذلك، وما قول الإمام مالك دار الهجرة ببعيد عن ذاكرة القارئ، وهو: أنه يجوز- أو لا بأس –أن تأكل المرأة مع غير ذي محرم، وغير ذلك من أقوالهم الصريحة بأن الوجه ليس بعورة كقول أبي جعفر الطحاوي (ت 321):" أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء، إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقول ابن القطان (ت628):" وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فالنظر إلى ذلك جائز، لكن بشرط أن لا يخاف الفتنة، وأن لا يقصد اللذة، وأما إذا قصد اللذة، فلا نزاع في التحريم" وقول ابن مفلح الحنبلي (ت 763):" قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: إن النظر إلى الأجنبية من غير شهوة ولا خلوة، فلا ينبغي الإنكار عليهن إذا كشفن عن وجوههن في الطريق" وقول ابن رسلان من شرح " سنن الترمذي" (ت805):يجوز نظر الأجنبية عند أمن الفتنة" وقول الشوكاني (ت1255): " إن الوجه والكفين مما استثني".
سادسا: اللجوء للحجج الممجوجة الباطلة التي لا طائل من وراءها، كقول البعض تعقيبا على حديث الفضل بن العباس مع الخثعمية الحسناء وتكرار نظره إليها وهو حاج ! وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتفي بصرف وجهه عنها، ولا يأمرها بأن تسدل على وجهها، وهذا هو وقت الفتنة بها، وسد الذريعة دونها بزعمهم، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، فدَّله فعله صلى الله عليه وسلم على بطلان ما ذهبوا إليه من إيجاب الستر كما هو ظاهر، لاتفاق العلماء على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولذلك، فقد أساء أحدهم حين قال- تخلِّصاً من هذه الحجة الظاهرة-:" لعل النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد ذلك"، أي: بتغطية وجهها!
ومن هذه الحجج الغريبة العجيبة قولهم في مسألة قيادة المرأة للسيارة أنهم لا يأمنون أن تتعرض لحادث فتنكشف عورتها! حسنا، ألا يتعرض الرجال لحوادث سير تنكشف بسببه عوراتهم؟ فهل يكون تعامل المسعف أو الطبيب محرما أو منكرا إذا طبب عورة الرجل المصابة؟ هب أن امرأة في منزلها أصيبت في موضع من جسدها ولم تقو على إسعاف نفسها، فوسع رجلا من الجيران تطبيبها أننكر على هذا الجار مساعدته للمرأة الملهوفة؟
سابعا: ممارسة نوع خبيث من الإرهاب الفكري بتصوير من يقول بجواز كشف الوجه والكفين بأنه (البوابة الأولى للتغريب) و (ذريعة للفتنة والتبرج) كما زعم سليمان الخراشي وأبو سارة في أكثر من موضع في كتاباتهما التي تنشرها لهما مواقع عدة، في تجاهل غريب مريب لأحاديث المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم الصحيحة، كحديث ((لما عرَّس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قدمه إليهم إلا امرأته أم أسيد… فكانت امرأته يومئذ خادمهم، وهي العروس")) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وكحديث أنس قال: " لما كان يوم أحد… رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سُليم، وإنهما لمشمِّرتان أرى خدم سوقهما (يعني: الخلاخيل)، تنفران (أي: تحملان) القِرَب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم "أخرجه الشيخان. فهل كان نبينا الكريم داعية للتغريب ومفتاحا للفتنة؟ وهل كان صحابته الكرام جاهلين بالدين ومروجين للفتنة؟
بل يفترضون أن من يتبع الألباني –ومن سبقه من الأئمة الأربعة وعلماء السلف- إنما هو تجده لا يتبع الألباني في تحريمه لحلق اللحية وللأغاني، فيا سبحان الله على استخفاف للعقول، ثم لنفترض أن متبنيا لرأي فقهي يرتكب معصية، هل نهاجم معصية الشخص أم نهاجم الرأي الفكري الذي يعتنقه الشخص لا سيما أنه لا علاقة بتاتا بين الرأي الفقهي وبين المعصية التي يرتكبها ذلك الشخص.
سابعا: الجهل المركب، فالبعض يفسرون (الخمار) بأنه غطاء الوجه والرأس، ولم يردوا على من ردهم بحديث المصطفى الصحيح (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) فهل يقول أحد بأنه يجب على المرأة البالغة أن تستر وجهها في الصلاة؟
كذلك من دلائل الجهل –عافانا الله وإياكم- ما ذكره الألباني في كتابه (الرد المفحم):
"كقول أحدهم مؤولا حديث الخثعمية وفيه أنها كانت حسناء وضيئة وفيه:" فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها".
فأقول:اضرب الشيخ وقلدوه أو موافقوه في الانفصال من دلالة الحديث الصريحة على وجوه:
فتارة يقول (ص208):" ليس فيه امرأة كانت سافرة بوجهها فيحتمل أن ابن عباس أراد حسن قوامها وقدّها و وضاءة ما ظهر من أطرافها"!
وهذا كلام ينقض أوله آخره وآخره أوله فإن " أطرافها" هي اليدان والرجلان والرأس- كما هو معلوم في اللغة- وعليه فما نفاه في أوله أثبته في آخره ولكن بطريقة اللف والدوران- مع الأسف- فإن " أطرافها" تشمل الوجه لغة ففي"القاموس": " الأطراف من البدن: اليدان والرجلان والرأس".
فهل جَهلَ الشيخ هذه الحقيقة اللغوية- كما هو شأنه في تفسيره ل (الجلباب) و (الخمار) و (الاعتجار) –أم تناساها تمويهاً وتضليلاً؟! فإن كان الأول فهل جهل قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف: وجهه وكفاه…" الحديث، أم تناساه أيضاً؟ وسواء كان هذا أو ذاك فإنه قال هناك:" أطراف يديها"!"ا.هـ. من كلام الألباني.
كذلك من الجهل ما ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في نفس الكتاب المشار إليه "قيِّض لي أن أزور المنطقة الشرقية من السعودية، وألقيت فيها، بعض المحاضرات، وأجبت عن أسئلة السائلين والسائلات أيضاً كتابة وهاتفياً، فبلغني عن بعض الملتزمات منهن لما بلغهن حديث:" لا تنتقب المرأة…": قلن: تنتقب ولا نكشف عن وجوهنا، ونفدي! فقلت: سبحان الله! ما يفعل الجهل بأهله! فقد جعل الله لهن مخرجاً: أن يسترن وجوههن بالسدل، ولكن ذلك من آثار تشديد بعض المشايخ في تلك البلاد، مع إهمال التنبيه على الجوانب الأخرى المتعلقة بالمسألة والتيسير فيها"ا.هـ.
نختم بالنص الآتي من كتاب الألباني رحمه الله (الرد المفحم):
" ولذلك تكاثرت الأحاديث، وتنوعت عباراتها في التحذير من الشدة، فقال صلى الله عليه وسلم:
أولاً:" إن الدين يسير، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا…" رواه البخاري (رقم 39).
ثانياً:" إياكم والغلو في الدين ! فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين". رواه أصحاب الصحاح: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء وغيرهم، وهو مخرج في " الصحيحة" (11283).
ثالثاً: " لا تشددوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والدرايات". أخرجه البخاري في "التاريخ" وغيره، وقد خرجته في "الصحيحة" (3124)"
والله من وراء القصد.
الرد المفحم، على من خالف العلماء و تشدد و تعصب، و ألزم المرأة بستر وجهها و كفيها وأوجب، ((و لم يقتنع بقولهم: إنه سنة و مستحب))
http://arabic.islamicweb.com/sunni/rad_muf7im.htm
لئن كان المروجون للانفلات الأخلاقي والإباحية والداعون لتقويض دعائم الاستقرار الأسري قد أعلنوا فشلهم مرارا وتكرارا في أن يصلوا إلى القاعدة العريضة من الشعوب العربية، فإنّ هذا جاء نتيجة حتمية لمصادمة بضاعتهم للفطرة الإنسانية والأخلاق الكريمة.
على الجانب الآخر، يعتبر المروجون –باسم الدين- لمفاهيم تخالف الشريعة الإسلامية السمحة هم الأكثر اضطهادا للمرأة لما للدين من تأثير لا ينكر على الشعوب ينعكس على سلوكياتها وتصرفاتها، فما بالنا بالشعب السعودي الذي يمتاز بكون الدين هو صاحب الكلمة العليا في تحديد مصير قضاياه الحاسمة.
إن أسلوب مؤيدي وأنصار هذا التيار يعتمد في أسلوبه وتحركه على الساحة على عدة محاور سأتناولها في ضوء مناقشة مواقف هذه الفئة إزاء الخلاف الشرعي الأزلي في مسألة كشف المرأة لوجهها وكفيها، وهو الخلاف الذي دأب على إنكاره قلة من متشددي القرن الخامس عشر الهجري لأسباب غير معلنة:
أولا: إقصاء ورفض كل الاجتهادات والآراء الفقهية الصادرة عن غير مدرستهم الفكرية – وأحيانا يصل الأمر لرفض ما يصدر خارج منطقتهم الجغرافية-، حتى ولو كانت تلك الآراء الأخرى صادرة عن علماء وأئمة من أهل السنة والجماعة. خذ مثلا على ما أقول الشيخ الدكتور محمد العريفي الذي تحفظ على استدلال أحد المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني بآراء علماء من خارج المملكة العربية السعودية، في تجاهل تام من العريفي –حفظه الله- لعالمية الإسلام الذي لم يكن فهمه يوما حكرا على السعوديّ فقط، ولو توافرت لدى العريفي يومئذ جرعة من حصافة وحكمة لكان الأولى به أن يدرس استدلالات واستنباطات هؤلاء العلماء –الغير سعوديين- فإن كانت صحيحة شرعا ولا غبار عليها فهنا لا مانع من الأخذ بها والعمل بمقتضاها والحق أحق أن يتبع، وإن كان فيها ما يخالف الإسلام ردّت على صاحبها لمخالفتها الصواب لا لكونها صادرة عن علماء غير سعوديين.
ثانيا: استخدام ورقة (النسخ) بكثرة، وهي القول بنسخ دليل لآخر بمجرد تعارضهما في الظاهر، رغم أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذَّر الجمع، ومنها حمل العام على الخاص، وقد قال العلماء: " لا يحل لأحد أن يقول في آية أو حديث: إنهما منسوخان لا يجوز العمل بهما، إلا بنص جلي أو إجماع" ذكره ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحجام" وأن إجماع العلماء عليه (3/130) وفصّل ذلك في " فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخاً" (4/83-92) فليراجَع.
ومثال هذا ما ذكره الشيخ محمد الهبدان في رسالته /التربية البدنية في المدارس النسائية/ بعد أن ذكر حديثا من مصنف أبي شيبة (فهذا الحديث يفيد أن المرأة لا تشارك حتى في سقاية الجرحى ومداواة المرضى)! هكذا بجرة قلم دون جمع بين الروايات الصحيحة المتواترة عن مشاركة النساء في السقاية للجرحى والمداواة للمرضى، ثم كيف جهل الصحابة هذا الأمر ليعلمه الهبدان دونا عمن سواه؟
1-عن مهاجر الأنصاري:" أن أسماء بنت يزيد الأنصارية شهدت اليرموك مع الناس، فقتلت سبعة من الروم بعمود فسطاط ظلتها".أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" (3/2/307/2787)، والطبراني في" المعجم الكبير" (24/157/403) بإسناد حسن.
2-عن خالد بن سيحان قال:شهدت تُستر مع أبي موسى ومعنا أربع نسوة يداوين الجرحى، فأسهم لهن".أخرجه ابن أبي شيبة (12/527) والبخاري في" التاريخ" (2/1/153) بسند يحتمل التحسين.
3- عن الله بن قرط الأزدي قال:" غزوت الروم مع خالد بم الوليد، فرأيت نساء خالد بن الوليد ونساء أصحابه مشمرات يحملن الماء للمهاجرين يرتجزن".أخرجه سعيد (3/2/307/2788) بإسناد صحيح،وله عنده (2785) طريق آخر ضعيف معضل.
ثالثا: كتم الحقيقة والتدليس على القارئ –بحسن نية أو بسوء نية- يقول الألباني رحمه الله في كتابه (الرد المفحم) "فأن جمهوركم كتم هذه الحقيقة، وأوهموا قراءهم أنني إنما استدللت بحديث عائشة وَحدهُ فقط، وأني ما بيّنت ضعف سنده وليس كذلك كما هو الكتاب مسطور، ويأتي بيانه الآن ومن أولئك الجمهور: الشيخ التويجري، وابن عُثيمين، والشنقيطي في " الأضواء" (6/ 197)، وغيرهم ولقد كان الواجب عليهم- لو أنصفوا- أن يبيِّنوا نقطة الخلاف بيني وبينهم وأن لا يوهمهم خلاف الواقع!".
وقد يصل الأمر لرد الحديث الصحيح والعياذ بالله، يرد الألباني على محمد بن إسماعيل –حفظه الله- من مشايخ السلفية بالإسكندرية في جمهورية مصر العربية فيقول "ومن ذلك تأويلهم لحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها- كما تقدم بيان ذلك (ص46-47) –فإنه يدل على جواز نظرها إلى الضيفان الأجانب، ونظرهم إليها، أي: إلى وجهها. ولذلك جعلها القرطبي في " تفسيره " مخصصاً لعموم قوله تعالى:{ وقل للمؤمنات يغْضُضْنَ من أبصارهن} (النور: 31)، وبه وبحديث عائشة استدل كبار علماء الحنابلة من المقادسة وغيرهم- كما تقدم (ص66) - على إباحة نظر المرأة إلى غير عورة الرجل، وقد يكون هذا من المتفق عليه بشرط انتفاء الشهوة، فقد رأيت الحافظ ابن القطان يقول في كتابه (ق64 /1):" لا خلاف أعلمه في جواز نظر المرأة إلى وجه الرجل ما كان، وإذا لم تقصد اللذة، ولم تخف الفتنة، كنظر الرجل إلى وجه الغلمان والمردان إذا لم يقصد ولا خوف… وكذلك أيضاً لا خلاف في جواز إبداء الرجال شعورهم، وأذرعهم، وسوقهم بحضرة الرجال وبحضرة النساء".
إذا عرفت هذا، فأنا أقول دون أي تردد: إن هؤلاء المتشددين على النساء مع مخالفتهم للنصوص الشرعية وأقوال الأئمة، فإنهم لا يفكرون فيما يخرج من أفواههم، أو على الأقل لا ينتبهون إلى أبعاد أقوالهم، وإلا فكيف يتصورون أن تغضّ المرأة بصرها عن الخطيب يوم الجمعة مثلاً وهو يخطب، أو عن المفتي وهي تستفتيه؟ ! بل كيف يمكن لهذا المفتي وأمثاله من الباعة أن لا ينظروا إلى وجهها ويديها وهم يتعاملون معها؟1 فالحق أقول: إن هؤلاء المتشددين يقولون ما لا يعقلون، ويعلمون بخلاف ما يقولون فأخشى أن يعُمَّهُم قول رب العالمين:{ يا أيها الذي آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} (الصف: 2).
وهذا الحديث الصحيح الذي نحن في صدد دفع الشبهات عنه يؤكد المعنى المذكور في الحديثين المذكورين، ويزيد عليهما أنه صرح بجواز نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها، كما ذكر الأخ الإسكندراني نفسه، ولكنه أساء- مع الأسف- مرتين:
الأولى: أنه فهم الأمر بغض البصر أنه مطلق، وليس كذلك كما تقدم عن أئمة التفسير.
والأخرى: أنه بدل أن يفسر آية الغض بهذا الحديث- كما هي القاعدة في تفسير القرآن بالسنّة- فإنه خالف القاعدة وضرب الحديث بها!
وضربه إياه كان على وجهين:
أولاً: افترض صحة الحديث، وهو صحيح في واقع الأمر عند أهل العلم الواقفين على طرقه وشواهده، كما تقدم تحقيقه في هذا البحث الثامن بما لا تجد له نظيراً في كتاب آخر. والفضل كله لله أولاً وآخراً.
ثانياً: تأويله إياه، وذلك أن التأويل لأي نص شرعي لا يُصار إليه إلا عند عدم إمكان الجمع، وليس الأمر كذلك في هذا الحديث، فقد وفق العلماء –على اختلاف اختصاصاتهم ومذاهبهم- بحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص-كما تقدم عن القرطبي- أو بقاعدة استثناء الأقل من الأكثر كما تقدم نقله عنه (ص27-28)" انتهى كلام الشيخ الألباني.
رابعا: التأويلات المضحكة المبكية، فحديث أسماء بنت أبي بكر الشهير عندما دخلت على النبي في ثياب رقاق فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفيها" هذا الحديث رده بعض المتشددين ببيان غيرة زوج أسماء- وهو الزبير ابن العوام- وحيائها هي من الرسول مما لا علاقة له بالموضوع أصلاً سوى المغالطة المقرونة بالمبالغة في رفع غير المعصوم إلى مرتبة العصمة! مع أنه ليس في الشرع- ولا في العقل- مما يمنع من وقوع ذلك من أسماء أو غيرها، لانتفاء العصمة كما ذكرت آنفاً، كيف وقد استجاز النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع من عائشة المطهرة أخت أسماء ما يهوِّن ذكر ما استبعده هؤلاء عن أسماء، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في قصة الإفك: " إن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه…" الحديث؟!رواه الشيخان. [راجع رسالة الألباني الشهيرة الرد المفحم].
كذلك من التأويلات والتفسيرات العجيبة ما ذكره الشيخ محمد الهبدان –رعاه الله- من مفاسد التربية البدنية للبنات " قد تصاب الطالبة بالعين ، فقد تكون رشيقة البدن ، جميلة المنظر ، فإذا رأتها غيرها قد تصيبها بالعين ، والعين حق ، وهذا أمر لا يقلل من شأنه ، ولا يستهان بأمره" فمثل هذا المنطق لا ينطلي إلا على العوام، وإلا فلو كان هذا المنطق سديدا لما جاز لأحد منا أن يظهر نعمة ربه عليه ولا أن يبذل خيرا للوطن، ولكان هذا القول سلاحا في يد الكسول ينادى إلى العمل فيقول: إذا نهضت الدولة كثر حاسدوها والعين حق! أيها الناس ماذا حصل لعقولكم حتى يستخفها البعض لهذه الدرجة؟! أنحجم عن العمل المفيد المثمر بدعوى الحسد، أم نعمل ونجتهد آخذين بالأسباب الشرعية من الرقية والأذكار النبوية؟ وعلى ذكر التربية الرياضية (ارجعوا لحديث سبق النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة عائشة أم المؤمنين) فقد شاهدت الشيخ د.سعيد بن مسفر القحطاني في برنامج صفحات من حياتي الذي تبثه قناة (المجد) وكان الشيخ –حفظه الله- يتحدث عن تجربته في مدارس تحفيظ القرآن الكريم إذ عرضت فكرة إضافة حصة للتربية الرياضية، فذكر الشيخ أنه وممثل الغربية وممثل الشرقية وافقوا على هذا الأمر في حين عارضه ممثل إحدى المناطق المحافظة وقال: (ما بقي إلا التربية الرياضية ندخلها مدارس تحفيظ القرآن) ولحسن الحظ فقد كانت الأغلبية في صف مؤيدي إضافة حصة التربية الرياضية.
خامسا: إخفاء الرأي الفقهي السليم المعتبر المتعارف عليه منذ القدم وإظهار من يأخذ به من العلماء المعاصرين في مظهر المتأول المخطئ والمستحدث في الدين ما ليس فيه، وهو ما تعرض ويتعرض له الإمام الألباني رحمه اللـه من بعض المشايخ هداهم الله، فيوحون لك في كتاباتهم (راجع مثلا كتابات أبي سارة وسليمان الخراشي) أنّ الألباني كان فلتة زمانه في القول بجواز كشف المرأة لوجهها ويديها، رغم أن ابن حزم في كتابه" مراتب الإجماع" (ص29) كتب ما نصه: " واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويدها عورة واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما عورة هي أم لا؟" وأقرَّه شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه عليه. وذكر ابن قدامة الحنبلي في المغني " ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما بالنقاب لأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء". ومن تدليسهم في هذا الباب رد الأدلة القاطعة بجريان العمل بكشف الوجه في القرون المشهود لها بالخيرية، وشهادة فضلاء الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين بجواز ذلك، وما قول الإمام مالك دار الهجرة ببعيد عن ذاكرة القارئ، وهو: أنه يجوز- أو لا بأس –أن تأكل المرأة مع غير ذي محرم، وغير ذلك من أقوالهم الصريحة بأن الوجه ليس بعورة كقول أبي جعفر الطحاوي (ت 321):" أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء، إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقول ابن القطان (ت628):" وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فالنظر إلى ذلك جائز، لكن بشرط أن لا يخاف الفتنة، وأن لا يقصد اللذة، وأما إذا قصد اللذة، فلا نزاع في التحريم" وقول ابن مفلح الحنبلي (ت 763):" قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: إن النظر إلى الأجنبية من غير شهوة ولا خلوة، فلا ينبغي الإنكار عليهن إذا كشفن عن وجوههن في الطريق" وقول ابن رسلان من شرح " سنن الترمذي" (ت805):يجوز نظر الأجنبية عند أمن الفتنة" وقول الشوكاني (ت1255): " إن الوجه والكفين مما استثني".
سادسا: اللجوء للحجج الممجوجة الباطلة التي لا طائل من وراءها، كقول البعض تعقيبا على حديث الفضل بن العباس مع الخثعمية الحسناء وتكرار نظره إليها وهو حاج ! وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتفي بصرف وجهه عنها، ولا يأمرها بأن تسدل على وجهها، وهذا هو وقت الفتنة بها، وسد الذريعة دونها بزعمهم، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، فدَّله فعله صلى الله عليه وسلم على بطلان ما ذهبوا إليه من إيجاب الستر كما هو ظاهر، لاتفاق العلماء على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولذلك، فقد أساء أحدهم حين قال- تخلِّصاً من هذه الحجة الظاهرة-:" لعل النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد ذلك"، أي: بتغطية وجهها!
ومن هذه الحجج الغريبة العجيبة قولهم في مسألة قيادة المرأة للسيارة أنهم لا يأمنون أن تتعرض لحادث فتنكشف عورتها! حسنا، ألا يتعرض الرجال لحوادث سير تنكشف بسببه عوراتهم؟ فهل يكون تعامل المسعف أو الطبيب محرما أو منكرا إذا طبب عورة الرجل المصابة؟ هب أن امرأة في منزلها أصيبت في موضع من جسدها ولم تقو على إسعاف نفسها، فوسع رجلا من الجيران تطبيبها أننكر على هذا الجار مساعدته للمرأة الملهوفة؟
سابعا: ممارسة نوع خبيث من الإرهاب الفكري بتصوير من يقول بجواز كشف الوجه والكفين بأنه (البوابة الأولى للتغريب) و (ذريعة للفتنة والتبرج) كما زعم سليمان الخراشي وأبو سارة في أكثر من موضع في كتاباتهما التي تنشرها لهما مواقع عدة، في تجاهل غريب مريب لأحاديث المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم الصحيحة، كحديث ((لما عرَّس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قدمه إليهم إلا امرأته أم أسيد… فكانت امرأته يومئذ خادمهم، وهي العروس")) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وكحديث أنس قال: " لما كان يوم أحد… رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سُليم، وإنهما لمشمِّرتان أرى خدم سوقهما (يعني: الخلاخيل)، تنفران (أي: تحملان) القِرَب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم "أخرجه الشيخان. فهل كان نبينا الكريم داعية للتغريب ومفتاحا للفتنة؟ وهل كان صحابته الكرام جاهلين بالدين ومروجين للفتنة؟
بل يفترضون أن من يتبع الألباني –ومن سبقه من الأئمة الأربعة وعلماء السلف- إنما هو تجده لا يتبع الألباني في تحريمه لحلق اللحية وللأغاني، فيا سبحان الله على استخفاف للعقول، ثم لنفترض أن متبنيا لرأي فقهي يرتكب معصية، هل نهاجم معصية الشخص أم نهاجم الرأي الفكري الذي يعتنقه الشخص لا سيما أنه لا علاقة بتاتا بين الرأي الفقهي وبين المعصية التي يرتكبها ذلك الشخص.
سابعا: الجهل المركب، فالبعض يفسرون (الخمار) بأنه غطاء الوجه والرأس، ولم يردوا على من ردهم بحديث المصطفى الصحيح (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) فهل يقول أحد بأنه يجب على المرأة البالغة أن تستر وجهها في الصلاة؟
كذلك من دلائل الجهل –عافانا الله وإياكم- ما ذكره الألباني في كتابه (الرد المفحم):
"كقول أحدهم مؤولا حديث الخثعمية وفيه أنها كانت حسناء وضيئة وفيه:" فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها".
فأقول:اضرب الشيخ وقلدوه أو موافقوه في الانفصال من دلالة الحديث الصريحة على وجوه:
فتارة يقول (ص208):" ليس فيه امرأة كانت سافرة بوجهها فيحتمل أن ابن عباس أراد حسن قوامها وقدّها و وضاءة ما ظهر من أطرافها"!
وهذا كلام ينقض أوله آخره وآخره أوله فإن " أطرافها" هي اليدان والرجلان والرأس- كما هو معلوم في اللغة- وعليه فما نفاه في أوله أثبته في آخره ولكن بطريقة اللف والدوران- مع الأسف- فإن " أطرافها" تشمل الوجه لغة ففي"القاموس": " الأطراف من البدن: اليدان والرجلان والرأس".
فهل جَهلَ الشيخ هذه الحقيقة اللغوية- كما هو شأنه في تفسيره ل (الجلباب) و (الخمار) و (الاعتجار) –أم تناساها تمويهاً وتضليلاً؟! فإن كان الأول فهل جهل قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف: وجهه وكفاه…" الحديث، أم تناساه أيضاً؟ وسواء كان هذا أو ذاك فإنه قال هناك:" أطراف يديها"!"ا.هـ. من كلام الألباني.
كذلك من الجهل ما ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في نفس الكتاب المشار إليه "قيِّض لي أن أزور المنطقة الشرقية من السعودية، وألقيت فيها، بعض المحاضرات، وأجبت عن أسئلة السائلين والسائلات أيضاً كتابة وهاتفياً، فبلغني عن بعض الملتزمات منهن لما بلغهن حديث:" لا تنتقب المرأة…": قلن: تنتقب ولا نكشف عن وجوهنا، ونفدي! فقلت: سبحان الله! ما يفعل الجهل بأهله! فقد جعل الله لهن مخرجاً: أن يسترن وجوههن بالسدل، ولكن ذلك من آثار تشديد بعض المشايخ في تلك البلاد، مع إهمال التنبيه على الجوانب الأخرى المتعلقة بالمسألة والتيسير فيها"ا.هـ.
نختم بالنص الآتي من كتاب الألباني رحمه الله (الرد المفحم):
" ولذلك تكاثرت الأحاديث، وتنوعت عباراتها في التحذير من الشدة، فقال صلى الله عليه وسلم:
أولاً:" إن الدين يسير، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا…" رواه البخاري (رقم 39).
ثانياً:" إياكم والغلو في الدين ! فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين". رواه أصحاب الصحاح: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء وغيرهم، وهو مخرج في " الصحيحة" (11283).
ثالثاً: " لا تشددوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والدرايات". أخرجه البخاري في "التاريخ" وغيره، وقد خرجته في "الصحيحة" (3124)"
والله من وراء القصد.
الرد المفحم، على من خالف العلماء و تشدد و تعصب، و ألزم المرأة بستر وجهها و كفيها وأوجب، ((و لم يقتنع بقولهم: إنه سنة و مستحب))
http://arabic.islamicweb.com/sunni/rad_muf7im.htm