PDA

View Full Version : مسألة كشف الوجه جعلتني أطلق قذيفة صاروخية في وجه المتشددين


Misrمصر
23-06-2004, 02:20 PM
المرأة العربية يتجاذبها في العصر الحديث تيار يتخذ من الدين رداء ودثارا لتمرير فتاوى وآراء تستند إلى العادات الاجتماعية والتقاليد البدوية أكثر مما تستند إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنّة، ولا يخفى على ذي عينين انتشار هذا التيار على امتداد الوطن العربي الذي تتجاوز نسبة الأمية فيه 50% من تعداد السكان.
لئن كان المروجون للانفلات الأخلاقي والإباحية والداعون لتقويض دعائم الاستقرار الأسري قد أعلنوا فشلهم مرارا وتكرارا في أن يصلوا إلى القاعدة العريضة من الشعوب العربية، فإنّ هذا جاء نتيجة حتمية لمصادمة بضاعتهم للفطرة الإنسانية والأخلاق الكريمة.
على الجانب الآخر، يعتبر المروجون –باسم الدين- لمفاهيم تخالف الشريعة الإسلامية السمحة هم الأكثر اضطهادا للمرأة لما للدين من تأثير لا ينكر على الشعوب ينعكس على سلوكياتها وتصرفاتها، فما بالنا بالشعب السعودي الذي يمتاز بكون الدين هو صاحب الكلمة العليا في تحديد مصير قضاياه الحاسمة.
إن أسلوب مؤيدي وأنصار هذا التيار يعتمد في أسلوبه وتحركه على الساحة على عدة محاور سأتناولها في ضوء مناقشة مواقف هذه الفئة إزاء الخلاف الشرعي الأزلي في مسألة كشف المرأة لوجهها وكفيها، وهو الخلاف الذي دأب على إنكاره قلة من متشددي القرن الخامس عشر الهجري لأسباب غير معلنة:

أولا: إقصاء ورفض كل الاجتهادات والآراء الفقهية الصادرة عن غير مدرستهم الفكرية – وأحيانا يصل الأمر لرفض ما يصدر خارج منطقتهم الجغرافية-، حتى ولو كانت تلك الآراء الأخرى صادرة عن علماء وأئمة من أهل السنة والجماعة. خذ مثلا على ما أقول الشيخ الدكتور محمد العريفي الذي تحفظ على استدلال أحد المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني بآراء علماء من خارج المملكة العربية السعودية، في تجاهل تام من العريفي –حفظه الله- لعالمية الإسلام الذي لم يكن فهمه يوما حكرا على السعوديّ فقط، ولو توافرت لدى العريفي يومئذ جرعة من حصافة وحكمة لكان الأولى به أن يدرس استدلالات واستنباطات هؤلاء العلماء –الغير سعوديين- فإن كانت صحيحة شرعا ولا غبار عليها فهنا لا مانع من الأخذ بها والعمل بمقتضاها والحق أحق أن يتبع، وإن كان فيها ما يخالف الإسلام ردّت على صاحبها لمخالفتها الصواب لا لكونها صادرة عن علماء غير سعوديين.

ثانيا: استخدام ورقة (النسخ) بكثرة، وهي القول بنسخ دليل لآخر بمجرد تعارضهما في الظاهر، رغم أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذَّر الجمع، ومنها حمل العام على الخاص، وقد قال العلماء: " لا يحل لأحد أن يقول في آية أو حديث: إنهما منسوخان لا يجوز العمل بهما، إلا بنص جلي أو إجماع" ذكره ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحجام" وأن إجماع العلماء عليه (3/130) وفصّل ذلك في " فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخاً" (4/83-92) فليراجَع.
ومثال هذا ما ذكره الشيخ محمد الهبدان في رسالته /التربية البدنية في المدارس النسائية/ بعد أن ذكر حديثا من مصنف أبي شيبة (فهذا الحديث يفيد أن المرأة لا تشارك حتى في سقاية الجرحى ومداواة المرضى)! هكذا بجرة قلم دون جمع بين الروايات الصحيحة المتواترة عن مشاركة النساء في السقاية للجرحى والمداواة للمرضى، ثم كيف جهل الصحابة هذا الأمر ليعلمه الهبدان دونا عمن سواه؟
1-عن مهاجر الأنصاري:" أن أسماء بنت يزيد الأنصارية شهدت اليرموك مع الناس، فقتلت سبعة من الروم بعمود فسطاط ظلتها".أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" (3/2/307/2787)، والطبراني في" المعجم الكبير" (24/157/403) بإسناد حسن.
2-عن خالد بن سيحان قال:شهدت تُستر مع أبي موسى ومعنا أربع نسوة يداوين الجرحى، فأسهم لهن".أخرجه ابن أبي شيبة (12/527) والبخاري في" التاريخ" (2/1/153) بسند يحتمل التحسين.
3- عن الله بن قرط الأزدي قال:" غزوت الروم مع خالد بم الوليد، فرأيت نساء خالد بن الوليد ونساء أصحابه مشمرات يحملن الماء للمهاجرين يرتجزن".أخرجه سعيد (3/2/307/2788) بإسناد صحيح،وله عنده (2785) طريق آخر ضعيف معضل.


ثالثا: كتم الحقيقة والتدليس على القارئ –بحسن نية أو بسوء نية- يقول الألباني رحمه الله في كتابه (الرد المفحم) "فأن جمهوركم كتم هذه الحقيقة، وأوهموا قراءهم أنني إنما استدللت بحديث عائشة وَحدهُ فقط، وأني ما بيّنت ضعف سنده وليس كذلك كما هو الكتاب مسطور، ويأتي بيانه الآن ومن أولئك الجمهور: الشيخ التويجري، وابن عُثيمين، والشنقيطي في " الأضواء" (6/ 197)، وغيرهم ولقد كان الواجب عليهم- لو أنصفوا- أن يبيِّنوا نقطة الخلاف بيني وبينهم وأن لا يوهمهم خلاف الواقع!".
وقد يصل الأمر لرد الحديث الصحيح والعياذ بالله، يرد الألباني على محمد بن إسماعيل –حفظه الله- من مشايخ السلفية بالإسكندرية في جمهورية مصر العربية فيقول "ومن ذلك تأويلهم لحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها- كما تقدم بيان ذلك (ص46-47) –فإنه يدل على جواز نظرها إلى الضيفان الأجانب، ونظرهم إليها، أي: إلى وجهها. ولذلك جعلها القرطبي في " تفسيره " مخصصاً لعموم قوله تعالى:{ وقل للمؤمنات يغْضُضْنَ من أبصارهن} (النور: 31)، وبه وبحديث عائشة استدل كبار علماء الحنابلة من المقادسة وغيرهم- كما تقدم (ص66) - على إباحة نظر المرأة إلى غير عورة الرجل، وقد يكون هذا من المتفق عليه بشرط انتفاء الشهوة، فقد رأيت الحافظ ابن القطان يقول في كتابه (ق64 /1):" لا خلاف أعلمه في جواز نظر المرأة إلى وجه الرجل ما كان، وإذا لم تقصد اللذة، ولم تخف الفتنة، كنظر الرجل إلى وجه الغلمان والمردان إذا لم يقصد ولا خوف… وكذلك أيضاً لا خلاف في جواز إبداء الرجال شعورهم، وأذرعهم، وسوقهم بحضرة الرجال وبحضرة النساء".
إذا عرفت هذا، فأنا أقول دون أي تردد: إن هؤلاء المتشددين على النساء مع مخالفتهم للنصوص الشرعية وأقوال الأئمة، فإنهم لا يفكرون فيما يخرج من أفواههم، أو على الأقل لا ينتبهون إلى أبعاد أقوالهم، وإلا فكيف يتصورون أن تغضّ المرأة بصرها عن الخطيب يوم الجمعة مثلاً وهو يخطب، أو عن المفتي وهي تستفتيه؟ ! بل كيف يمكن لهذا المفتي وأمثاله من الباعة أن لا ينظروا إلى وجهها ويديها وهم يتعاملون معها؟1 فالحق أقول: إن هؤلاء المتشددين يقولون ما لا يعقلون، ويعلمون بخلاف ما يقولون فأخشى أن يعُمَّهُم قول رب العالمين:{ يا أيها الذي آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} (الصف: 2).
وهذا الحديث الصحيح الذي نحن في صدد دفع الشبهات عنه يؤكد المعنى المذكور في الحديثين المذكورين، ويزيد عليهما أنه صرح بجواز نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها، كما ذكر الأخ الإسكندراني نفسه، ولكنه أساء- مع الأسف- مرتين:
الأولى: أنه فهم الأمر بغض البصر أنه مطلق، وليس كذلك كما تقدم عن أئمة التفسير.
والأخرى: أنه بدل أن يفسر آية الغض بهذا الحديث- كما هي القاعدة في تفسير القرآن بالسنّة- فإنه خالف القاعدة وضرب الحديث بها!
وضربه إياه كان على وجهين:
أولاً: افترض صحة الحديث، وهو صحيح في واقع الأمر عند أهل العلم الواقفين على طرقه وشواهده، كما تقدم تحقيقه في هذا البحث الثامن بما لا تجد له نظيراً في كتاب آخر. والفضل كله لله أولاً وآخراً.
ثانياً: تأويله إياه، وذلك أن التأويل لأي نص شرعي لا يُصار إليه إلا عند عدم إمكان الجمع، وليس الأمر كذلك في هذا الحديث، فقد وفق العلماء –على اختلاف اختصاصاتهم ومذاهبهم- بحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص-كما تقدم عن القرطبي- أو بقاعدة استثناء الأقل من الأكثر كما تقدم نقله عنه (ص27-28)" انتهى كلام الشيخ الألباني.

رابعا: التأويلات المضحكة المبكية، فحديث أسماء بنت أبي بكر الشهير عندما دخلت على النبي في ثياب رقاق فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفيها" هذا الحديث رده بعض المتشددين ببيان غيرة زوج أسماء- وهو الزبير ابن العوام- وحيائها هي من الرسول مما لا علاقة له بالموضوع أصلاً سوى المغالطة المقرونة بالمبالغة في رفع غير المعصوم إلى مرتبة العصمة! مع أنه ليس في الشرع- ولا في العقل- مما يمنع من وقوع ذلك من أسماء أو غيرها، لانتفاء العصمة كما ذكرت آنفاً، كيف وقد استجاز النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع من عائشة المطهرة أخت أسماء ما يهوِّن ذكر ما استبعده هؤلاء عن أسماء، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في قصة الإفك: " إن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه…" الحديث؟!رواه الشيخان. [راجع رسالة الألباني الشهيرة الرد المفحم].
كذلك من التأويلات والتفسيرات العجيبة ما ذكره الشيخ محمد الهبدان –رعاه الله- من مفاسد التربية البدنية للبنات " قد تصاب الطالبة بالعين ، فقد تكون رشيقة البدن ، جميلة المنظر ، فإذا رأتها غيرها قد تصيبها بالعين ، والعين حق ، وهذا أمر لا يقلل من شأنه ، ولا يستهان بأمره" فمثل هذا المنطق لا ينطلي إلا على العوام، وإلا فلو كان هذا المنطق سديدا لما جاز لأحد منا أن يظهر نعمة ربه عليه ولا أن يبذل خيرا للوطن، ولكان هذا القول سلاحا في يد الكسول ينادى إلى العمل فيقول: إذا نهضت الدولة كثر حاسدوها والعين حق! أيها الناس ماذا حصل لعقولكم حتى يستخفها البعض لهذه الدرجة؟! أنحجم عن العمل المفيد المثمر بدعوى الحسد، أم نعمل ونجتهد آخذين بالأسباب الشرعية من الرقية والأذكار النبوية؟ وعلى ذكر التربية الرياضية (ارجعوا لحديث سبق النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة عائشة أم المؤمنين) فقد شاهدت الشيخ د.سعيد بن مسفر القحطاني في برنامج صفحات من حياتي الذي تبثه قناة (المجد) وكان الشيخ –حفظه الله- يتحدث عن تجربته في مدارس تحفيظ القرآن الكريم إذ عرضت فكرة إضافة حصة للتربية الرياضية، فذكر الشيخ أنه وممثل الغربية وممثل الشرقية وافقوا على هذا الأمر في حين عارضه ممثل إحدى المناطق المحافظة وقال: (ما بقي إلا التربية الرياضية ندخلها مدارس تحفيظ القرآن) ولحسن الحظ فقد كانت الأغلبية في صف مؤيدي إضافة حصة التربية الرياضية.

خامسا: إخفاء الرأي الفقهي السليم المعتبر المتعارف عليه منذ القدم وإظهار من يأخذ به من العلماء المعاصرين في مظهر المتأول المخطئ والمستحدث في الدين ما ليس فيه، وهو ما تعرض ويتعرض له الإمام الألباني رحمه اللـه من بعض المشايخ هداهم الله، فيوحون لك في كتاباتهم (راجع مثلا كتابات أبي سارة وسليمان الخراشي) أنّ الألباني كان فلتة زمانه في القول بجواز كشف المرأة لوجهها ويديها، رغم أن ابن حزم في كتابه" مراتب الإجماع" (ص29) كتب ما نصه: " واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويدها عورة واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما عورة هي أم لا؟" وأقرَّه شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه عليه. وذكر ابن قدامة الحنبلي في المغني " ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما بالنقاب لأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء". ومن تدليسهم في هذا الباب رد الأدلة القاطعة بجريان العمل بكشف الوجه في القرون المشهود لها بالخيرية، وشهادة فضلاء الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين بجواز ذلك، وما قول الإمام مالك دار الهجرة ببعيد عن ذاكرة القارئ، وهو: أنه يجوز- أو لا بأس –أن تأكل المرأة مع غير ذي محرم، وغير ذلك من أقوالهم الصريحة بأن الوجه ليس بعورة كقول أبي جعفر الطحاوي (ت 321):" أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء، إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقول ابن القطان (ت628):" وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فالنظر إلى ذلك جائز، لكن بشرط أن لا يخاف الفتنة، وأن لا يقصد اللذة، وأما إذا قصد اللذة، فلا نزاع في التحريم" وقول ابن مفلح الحنبلي (ت 763):" قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: إن النظر إلى الأجنبية من غير شهوة ولا خلوة، فلا ينبغي الإنكار عليهن إذا كشفن عن وجوههن في الطريق" وقول ابن رسلان من شرح " سنن الترمذي" (ت805):يجوز نظر الأجنبية عند أمن الفتنة" وقول الشوكاني (ت1255): " إن الوجه والكفين مما استثني".


سادسا: اللجوء للحجج الممجوجة الباطلة التي لا طائل من وراءها، كقول البعض تعقيبا على حديث الفضل بن العباس مع الخثعمية الحسناء وتكرار نظره إليها وهو حاج ! وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتفي بصرف وجهه عنها، ولا يأمرها بأن تسدل على وجهها، وهذا هو وقت الفتنة بها، وسد الذريعة دونها بزعمهم، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، فدَّله فعله صلى الله عليه وسلم على بطلان ما ذهبوا إليه من إيجاب الستر كما هو ظاهر، لاتفاق العلماء على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولذلك، فقد أساء أحدهم حين قال- تخلِّصاً من هذه الحجة الظاهرة-:" لعل النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد ذلك"، أي: بتغطية وجهها!
ومن هذه الحجج الغريبة العجيبة قولهم في مسألة قيادة المرأة للسيارة أنهم لا يأمنون أن تتعرض لحادث فتنكشف عورتها! حسنا، ألا يتعرض الرجال لحوادث سير تنكشف بسببه عوراتهم؟ فهل يكون تعامل المسعف أو الطبيب محرما أو منكرا إذا طبب عورة الرجل المصابة؟ هب أن امرأة في منزلها أصيبت في موضع من جسدها ولم تقو على إسعاف نفسها، فوسع رجلا من الجيران تطبيبها أننكر على هذا الجار مساعدته للمرأة الملهوفة؟

سابعا: ممارسة نوع خبيث من الإرهاب الفكري بتصوير من يقول بجواز كشف الوجه والكفين بأنه (البوابة الأولى للتغريب) و (ذريعة للفتنة والتبرج) كما زعم سليمان الخراشي وأبو سارة في أكثر من موضع في كتاباتهما التي تنشرها لهما مواقع عدة، في تجاهل غريب مريب لأحاديث المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم الصحيحة، كحديث ((لما عرَّس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قدمه إليهم إلا امرأته أم أسيد… فكانت امرأته يومئذ خادمهم، وهي العروس")) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وكحديث أنس قال: " لما كان يوم أحد… رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سُليم، وإنهما لمشمِّرتان أرى خدم سوقهما (يعني: الخلاخيل)، تنفران (أي: تحملان) القِرَب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم "أخرجه الشيخان. فهل كان نبينا الكريم داعية للتغريب ومفتاحا للفتنة؟ وهل كان صحابته الكرام جاهلين بالدين ومروجين للفتنة؟
بل يفترضون أن من يتبع الألباني –ومن سبقه من الأئمة الأربعة وعلماء السلف- إنما هو تجده لا يتبع الألباني في تحريمه لحلق اللحية وللأغاني، فيا سبحان الله على استخفاف للعقول، ثم لنفترض أن متبنيا لرأي فقهي يرتكب معصية، هل نهاجم معصية الشخص أم نهاجم الرأي الفكري الذي يعتنقه الشخص لا سيما أنه لا علاقة بتاتا بين الرأي الفقهي وبين المعصية التي يرتكبها ذلك الشخص.

سابعا: الجهل المركب، فالبعض يفسرون (الخمار) بأنه غطاء الوجه والرأس، ولم يردوا على من ردهم بحديث المصطفى الصحيح (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) فهل يقول أحد بأنه يجب على المرأة البالغة أن تستر وجهها في الصلاة؟
كذلك من دلائل الجهل –عافانا الله وإياكم- ما ذكره الألباني في كتابه (الرد المفحم):
"كقول أحدهم مؤولا حديث الخثعمية وفيه أنها كانت حسناء وضيئة وفيه:" فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها".
فأقول:اضرب الشيخ وقلدوه أو موافقوه في الانفصال من دلالة الحديث الصريحة على وجوه:
فتارة يقول (ص208):" ليس فيه امرأة كانت سافرة بوجهها فيحتمل أن ابن عباس أراد حسن قوامها وقدّها و وضاءة ما ظهر من أطرافها"!
وهذا كلام ينقض أوله آخره وآخره أوله فإن " أطرافها" هي اليدان والرجلان والرأس- كما هو معلوم في اللغة- وعليه فما نفاه في أوله أثبته في آخره ولكن بطريقة اللف والدوران- مع الأسف- فإن " أطرافها" تشمل الوجه لغة ففي"القاموس": " الأطراف من البدن: اليدان والرجلان والرأس".
فهل جَهلَ الشيخ هذه الحقيقة اللغوية- كما هو شأنه في تفسيره ل (الجلباب) و (الخمار) و (الاعتجار) –أم تناساها تمويهاً وتضليلاً؟! فإن كان الأول فهل جهل قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف: وجهه وكفاه…" الحديث، أم تناساه أيضاً؟ وسواء كان هذا أو ذاك فإنه قال هناك:" أطراف يديها"!"ا.هـ. من كلام الألباني.
كذلك من الجهل ما ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في نفس الكتاب المشار إليه "قيِّض لي أن أزور المنطقة الشرقية من السعودية، وألقيت فيها، بعض المحاضرات، وأجبت عن أسئلة السائلين والسائلات أيضاً كتابة وهاتفياً، فبلغني عن بعض الملتزمات منهن لما بلغهن حديث:" لا تنتقب المرأة…": قلن: تنتقب ولا نكشف عن وجوهنا، ونفدي! فقلت: سبحان الله! ما يفعل الجهل بأهله! فقد جعل الله لهن مخرجاً: أن يسترن وجوههن بالسدل، ولكن ذلك من آثار تشديد بعض المشايخ في تلك البلاد، مع إهمال التنبيه على الجوانب الأخرى المتعلقة بالمسألة والتيسير فيها"ا.هـ.

نختم بالنص الآتي من كتاب الألباني رحمه الله (الرد المفحم):
" ولذلك تكاثرت الأحاديث، وتنوعت عباراتها في التحذير من الشدة، فقال صلى الله عليه وسلم:
أولاً:" إن الدين يسير، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا…" رواه البخاري (رقم 39).
ثانياً:" إياكم والغلو في الدين ! فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين". رواه أصحاب الصحاح: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء وغيرهم، وهو مخرج في " الصحيحة" (11283).
ثالثاً: " لا تشددوا على أنفسكم، فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والدرايات". أخرجه البخاري في "التاريخ" وغيره، وقد خرجته في "الصحيحة" (3124)"

والله من وراء القصد.


الرد المفحم، على من خالف العلماء و تشدد و تعصب، و ألزم المرأة بستر وجهها و كفيها وأوجب، ((و لم يقتنع بقولهم: إنه سنة و مستحب))
http://arabic.islamicweb.com/sunni/rad_muf7im.htm

Misrمصر
23-06-2004, 03:17 PM
البحث العاشر: هل يجب على النساء أن يسترن وجوههن لفساد الزمان وسداً للذريعة؟



فأقول: هذا السؤال يطرحه اليوم كثير من المقلدة الذين لا ينظرون إلى المسائل الشرعية بمنظار الشرع وأدلته ولا يتحاكمون عند الاختلاف إلى الكتاب والسنة وإنما إلى ما قام في نفوسهم من الآراء والأفكار، ولو أنهم استجابوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم لا استراحوا وراحوا! ولكنهم أرضوا عن ذلك وعن أقوال أئمتهم، بأن عليهم جميعاً- رجالاً ونساءً- أن يغضوا من أبصارهم على التفصيل المتقدم بيانه ولجؤوا إلى تقليد بعض المقلدين الذين جاؤوا من بعد الأئمة بعلة إبتدعوها وهي قولهم:" بشرط أمن الفتنة " – أي: الافتتان بها- وإلا وإلا وجب عليها سترهما، وغلا أحدهم – ممن لا فقه عنده ولا نظر- فنسب ذلك إلى اتفاق الأئمة رضي الله عنهم! فإن المتبادل من لفظة: "الأئمة " إنما هم الأئمة الأربعة المجتهدون ولا يعلم عن أحد منهم أنهم اشترطوا الشرط المذكور ولا يليق ذلك بعلمهم لما يأتي، بل إن ظاهر ما تقدم ذكره – ص119 –121- من قولهم بإباحة النظر إلى ذلك منهن ينافيه ولذلك لم يعرِّج على الشرط المذكور أحد كبار أتباع أبي حنيفة من المتأخرين، وهو محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر شمس الأئمة السرخسي المتوفى في حدود الخمسمئة الذي وصفه العلّامة اللكنوي في " الفوائد " (158) بـ:



" كان إماماً علّامة حجة متكلماً مناظراً أصولياً مجتهداً، عدّه ابن كمال باشا من المجتهدين في المسائل"



أقول: فالسرخسي هذا – مع إمامته – صرّح -تبعاً لأبي حنيفة وصاحبيه والطحاوي كما تقدم– بإباحة النظر إلى الأجنبيات مع أنه ذكر أن حرمة النظر لخوف الفتنة وأن الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه إلى سائر أعضائها فقال في كتابه " المبسوط " (10/152-دار المعرفة، بيروت):



"ولكنا نأخذ بقول علي (!) وابن عباس رضي الله عنهم فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفيها إذا لم يكن النظر عن شهوة فإن كان يعلم أنه إن نظر إشتهى لم يحلل له النظر إلى شيء منها".



قلت:" وقوله: " علي" لعله سبق قلم أو خطأ من الناسخ أو الطابع، فإنا لم نجد في الأخبار التي أشار إليها السرخسي شيئاً عن علي، وهي عن ستة من الصحابة وقد ذكرت أسماءهم فيما تقدم (ص103-104)، ومنهم عائشة وابن عمر، فأخشى أن يكون محرفاً من "عائشة"، و لفظ حديثها عن البيهقي (2/226):



"{ ما ظهر منها}: الوجه والكفان ".



وإسناده ضعيف لكن له طريق أخرى عن ابن أبي شيبة وغيره، ويشهد له أثر ابن عمر بلفظ:



" الزينة الظاهرة: الوجه والكفان ".



أخرجه ابن شيبة (4/ 284) بسند صحيح عنه



ثم روى مثله عن ابن عباس وسنده صحيح أيضاً.



وأما تعليق الأخ الإسكندراني على قول السرخسي: "علي وابن عباس" بقوله (3/420):



"يشير إلى ما روي عنهما رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى:{إلا ما ظهر منها }: بأنه الكحل والخاتم وقد بين الإيمان أكمل الدين البابرتي الحنفي في "شرح العناية على الهداية" أن دلالة قولهما على الوجه والكفين غير واضح قال:



"إذ الظاهر أن موضع الكحل هو العين لا الوجه كله وكذا موضع الخاتم هو الإصبع لا الكف كله والمدعى جواز النظر إلى وجه الأجنبية كله والى كفيها بالكلية ".اهـ. (10/24) ".



فأقول: هذا التعليق والاستظهار الذي فيه خطأ من وجوه:



أولاً: أنه قائم على أن الزينة المذكورة في الآية هي الزينة نفسها وليس موضعها وهذا خطأ مخالف لما عليه المحققون من المفسرين وغيرهم – كما تقدم (صفحة 27-32) -ولا أدل على ذلك من أنه لا قائل بأنه لا يجوز للمرأة أن تظهر حليها للأجنبي وهي ليست على بدنها كما لا قائل بالعكس أي أن تظهر مواضعها من بدنها والزينة ليست عليها !



ثانياً: مما يؤكد الخطأ أنه لا يمكن رؤية الخاتم في الإصبع إلا برؤية الكف فثبت أن المقصود في الأثر هو الموضع وليس الزينة نفسها



ثالثاُ:أن ذلك قائم على اللفظ الذي ذكره المعلق: " الكحل والخاتم"



وذلك خطأ منه لأمرين اثنين:



الأول: أنه ضعيف لا يصح حكى ذلك المعلق نفسه في مكان آخر (3/ 431) ! والصحيح الثابت عن ابن عباس وغيره إنما هو بلفظ:" الوجه والكفين" كما تقدم قريباً، فالدلالة واضحة جداً.



والآخر: أن المقرون مع ابن عباس في عبارة السرخسي إنما هو ابن عمر أو عائشة- كما رجحته آنفاً -ولفظهما وهو عين اللفظ الصحيح عن ابن عباس كما رأيت وعليه فلا يجوز حمل لفظهما- أو لفظ أحدهما- على لفظ ابن عباس الضعيف عنه كما هو ظاهر لا يخفى على أهل العلم.



وبهذا يسقط الاستظهار المذكور من أصله، ويظهر أن التعليق المذكور لا قيمة له من الناحية العلمية، لأنه قائم على التحويش دون التحقيق والتفتيش! وتمييز الصحيح من الضعيف من الروايات!



وهنا سؤال يطرح نفسه –كما يقولون اليوم -: لماذا آثر الأخ محمد بن إسماعيل اللفظ الضعيف على اللفظ الصحيح؟!



والجواب: من وجوه:



أولاً: لأنه المناسب لكلام البابرتي الحنفي!



ثانياً: لأنه لا يعرف الفرق بين اللفظين رواية، ويعرف الفرق بينهما دراية!



ثالثاً: أنه لا يعلم صحة أي لأنه كان تورط ببحث طويل للشيخ عبد القادر السندي – أصله الله – حول أثر ابن عباس، دندن فيه حول هذا اللفظ الضعيف وأفاض في بيان ضعفه، مع المبالغة في تضعيف راويه –مع التكرار الممل والإضطراب المخل في الحكم – بما لا مجال لبيان ذلك هنا، وكتم هذا اللفظ الصحيح، ولم يتعرض ذكر إسناده ولكنه أشار إليه (ص18) بقوله:



" وهنا أسانيد أخرى لا تقل درجتها في الضعف والنكارة"!



كذا قال هداه الله ! وهو في ذلك كاذب، وانطلى كذبه على أخينا الطيب ! فنقل كلامه في كتابه (3/263-265) وأقره عليه لجهله كغيره بهذا العلم، بل وعنْوَن له بقوله:" تحقيق الآثار المنسوبة إلى ابن عباس رضي الله عنها! " وأتبع ذلك ببحث عنون له بـ" الجواب عن قول ابن عباس على فرض نسبته إليه " (3/267):



ولذلك أراني مضطراً في أن أسوق إسناده الصحيح ليكون القراء على بينة منه أولاً وليعرفوا الصادق من الكاذب والعالم من الجاهل ثانياً، ولكي لا يغتروا بكل ناعق يهرف بما لا يعرف ثالثاً، والله المستعان.



قال ابن أبي شيبة رحمه الله في " المصنف في (4/283): حدثنا زياد ابن الربيع عن صالح الدهان عن جابر بن زيد عن ابن عباس:



"{ ولا يبدين زينتهن }: قال: الكف ورقعة الوجه".



قلت: وهذا إسناد صحيح، لا يضعفه إلا جاهل أو مُغرض، فإن رجاله ثقات، فأبدأ بشيخ ابن أبي شيبة زياد بن الربيع، فهو ثقة دون أي خلاف يذكر، وقد احتج به البخاري في "صحيحه".



وصالح الدهان ثقة أيضاً، كما قال ابن معين. وقال احمد في "العلل" (2/33):



" ليس به بأس ".



وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/457).



وأما جابر بن زيد –وهو أبو الشعثاء الأزدي-فهو أشهر من أن يذكر، ومن ثقات التابعين المشهورين بالأخذ عن ابن عباس، وخرَّج له الشيخان، وشهد له ابن عباس بأنه من العلماء بكتاب الله – كما تقدم (ص50) - وهو الذي تلقى عن ابن عباس تفسير (الإدناء) بقوله:" تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به"- كما تقدم (ص50) - وهو الذي كان يأمر هند بنت المهلب أن تضع الخمار على الجبهة، أي: وليس على الوجه، كما يزعم التويجري ومقلّده.



وقد تابعه سعيد بن جبير عن ابن عباس. عند ابن أبي شيبة أيضاً، وفي سنده ضعيف.



وتابع ابن عباس عبد الله بن عمر بسند صحيح، وتقدم لفظه المطابق للفظ ابن عباس الصحيح آنفاً، فلا يغير يعد هذا بقول مؤلف" كشاف القناع" (1/243) – بعد أن عزاه لابن عباس وعائشة –:



" رواه البيهقي، وفيه ضعف".



وأقرّه الإسكندراني (3/431) 1 فإن إسناده عند البيهقي غير إسناده عند ابن أبي شيبة، على الإفراد يوهم أن البيهقي رواه عنهما بإسناد واحد، وهذا خلاف الواقع، فإنه رواه (2/225) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، ثم من طريق عكرمة عنه، فهذان طريقان، ثم رواه من طريق عطاء بن أبي رباح عن عائشة، فهذا الأخ الإسكندراني -وغيره ممن خاضوا فيما لا يحسنون- من جنف وظلم على هذا العلم الشريف؟؟!



لقد ابتعدنا بقرائنا قليلاً أو كثيراً عن موضوع البحث، فمعذرة إليهم، وإن كان في ذلك بعض الفوائد التي قد لا يجدونها في غير هذا المكان، فلنعد إلى ما كنا في صدده من مناقشة الشرط الذي وضعه أولئك المقلدة، مخالفين في ذلك من كان مجتهداً في المذهب، وهو العلامة السرخسي، فضلاً عن غيره من العلماء المتقدمين والمتأخرين إلى عصرنا هذا، الذين استمروا على القول بجواز النظر إلى وجه المرأة وكفيها إذا أمن الناظر الفتنة، وقد ذكرت أقوالهم في ذلك قريباً (ص119-121)، فليراجعها من شاء أن يتذكر، وهي كلها تلتقي على أنه يجب على الرجال أن لا ينظروا إلى وجوه النساء عند خشيتهم الفتنة، فما أجهل ذلك أن تستر وجهها حتى لا يفتن الرجال بها! وفيهم من كان في القرن السادس وما بعده- كالقاضي عياض والنووي وابن مفلح والشوكاني-وقالوا كما تقدم:



" لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها"، وأنه لا ينبغي الإنكار عليهن إذا كشفن عن وجوههن في الطريق!



وكأن ذلك المؤلف ومن على شاكلته-من المقلدة كالصابوني والغاووجي وأمثالهم- يتوهمون أن الفتنة كانت مأمونة في تلك القرون، وان الله تبارك وتعالى لم يضع الذرائع والسدود أمامها بما فرض على النساء من الحجاب، وبما أمر به الجنسين من غض البصر، وقال في ذلك:{ ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن} (الأحزاب: 53)، ويتناسون أن طبيعة البشر واحدة في كل زمان، كما جاء في القرآن:{ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين..} (آل عمران: 14) الآية. وأنهم إنما يتفاوتون بالتقوى واتباع أحكام الله تعالى، ومن ذلك قصة الفضل بن العباس رضي الله عنهما مع الخثعمية الحسناء، وتكرار نظره إليها وهو حاج ! وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتفي بصرف وجهه عنها، ولا يأمرها بأن تسدل على وجهها، وهذا هو وقت الفتنة بها، وسد الذريعة دونها بزعمهم، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، فدَّله فعله صلى الله عليه وسلم على بطلان ما ذهبوا إليه من إيجاب الستر كما هو ظاهر، لاتفاق العلماء على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولذلك، فقد أساء أحدهم حين قال- تخلِّصاً من هذه الحجة الظاهرة-:



" لعل النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد ذلك"، أي: بتغطية وجهها!



فأقول تبعاً لابن عمر-أو غيره من السلف-: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب، لأن فيه تعطيلاً للسنة التي منها إقراره صلى الله عليه وسلم، ذلك لأنه ما من شيء سكت عنه صلى الله عليه وسلم وأقره إلا ومن الممكن لكل مجادل أن يُبطله بمثل ذلك القول! كمثل حديث ذلك الرجل الذي أحرم بعمرة في جبته بعدما تضمخ بطيب، فأمره صلى الله عليه وسلم بنزع الجبة وغسل الطيب، وهو في " الصحيحين"، فاستدل به العلماء- ومنهم الحنابلة- على أنه لا فدية عليه، قال ابن قدامة في " المغني" (3/262):



" لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الرجل بفدية".



فهل يقول المشار إليه هنا كما قال هناك:



" لعل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بعد ذلك"؟!



أم هو الكيل بمكيالين، والوزن بميزان؟! والله المستعان.



واعلم أيها القارئ! لأن الأحاديث التي أخذ منها العلماء-على اختلاف مذاهبهم-كثيراً من الأحكام من إقراره صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، ولو أن باحثاً توجه لجمعها في كتاب، تكلم عليها رواية ودراية، لكان من ذلك مجلد أو أكثر.



ومن هنا تظهر خطورة هذا الترجي الذي لا يحمل عليه إلا التقليد والدفاع عن المذاهب والرأي، ومن ذلك قصة الصحابي الجليل معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه الذي حفظ لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: " أين الله؟ وجوابها:" في السماء"، وشهادته صلى الله عليه وسلم فيها:" إنها مؤمنة "، فقد كان رضي الله عنه يصلي وراءه صلى الله عليه وسلم يوماً-وهو حديث عهد الإسلام – فنادى:" واثكل أمّياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟!". إلى آخر قصة في " صحيح مسلم" وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" (2/111/390)، واستدل به العلماء ومنهم الشافعية:" إن كلام الجاهل في الصلاة لا يبطلها"، على تفصيل في ذلك عندهم، قال النووي في "شرح مسلم":



" لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة الصلاة".



ونحوه قال ابن تيمية في "الفتاوى" (20/366و22/624).



وإنما قلت آنفاً:" وهذا هو وقت الفتنة…"، لقول العباس رضي الله عنه –كما في حديث علي في الكتاب (ص28-الطبعة السابعة) -:



"يا رسول الله ! لِمَ لويت عنق ابن عمك؟". فقال صلى الله عليه وسلم:



"رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما".



فهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك مخالفة الفتنة، كما قال الشوكاني في " نيل الأوطار" (6/97)، فمن فعل في مثل هذه الحالة خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد خالف هديه صلى الله عليه وسلم، وتعرض لوعيد قوله تعالى:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور:63)، وقوله صلى الله عليه وسلم:" …ومن رغب عن سنتي فليس مني" متفق عليه. فكيف به إذا جعل مخالفته قاعدة مستمرة إلى ما شاء الله؟!



ثم قال الشوكاني رحمه الله:



" وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة، حيث لم يأمرها بتغطية وجهها، فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل، ولو لم يكن ما فهمه جائزاً ما أقره عليه ".



وقد أجاب بعض من لا فقه عنده عن عدم أمره صلى الله عليه وسلم إياها بالتغطية بقوله:



" لو أمرها لأصبح واجباً أن تغطي وجهها، ولم ندَّع هذا"!



انظر " حجاب العدوي" (ص99).



فأقول: من رأيك الذي ألّفت " حجابك " من أجل تأييده والرد على مخالفك، أن الواجب على المرأة ستره، فهل تعني بقولك المذكور انه لا يجب الستر على المحرمة؟! لئن قلت ذلك- بل قد صرحت بذلك (ص79) - فقد جئت ببدع من القول خالفت به سبيل المؤمنين، فإننا لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بوجوب الستر كأصل، مع عدم الوجوب على المحرمة ولو عند الفتنة! وإلا لما احتاج متبوعوك إلى بطلان قولهم بالوجوب، وقد سبق بيان بطلان تلك الوجوه في الصفحة (41-43و135-136).



وعم هذه المخالفة للعلماء جميعاً،فقد تناقض مع نفسه مرة أخرى، فإنه مع ذلك جزم (81) بأنه يلزم الأمة أن تستر وجهها إن خشيت الفتنة سداً للذريعة، والأصل عنده أنه ليس ذلك بلازم عليها، وهنا لم يقل بلزوم ذلك على الحرة مع تحقق الخشية، والأصل أن ذلك واجب عليها عنده! أليس هذا من التلون في دين الله الذي نهى عنه أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه؟! تخلصاً من دلالة الحديث الظاهرة التي نص كبار العلماء، وجروا على ذلك حنى اليوم كما تقدم تحقيقه! والله المستعان.



وخلاصة القول:إن الفتنة بالنساء كانت في زمن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك شرع الله عز وجل من الأحكام للجنسين-سداً للذريعة-ما سبقت الإشارة إليه، فلو شاء الله تعالى أن يوجب على النساء أن يسترن وجوههن أمام الأجانب، لفعل سداً للذريعة أيضاً، { وما كان ربك نسيبا} (مريم: 64)، ولأوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر المرأة الخثعمية أن تستر وجهها فإن هذا هو وقت البيان كما تقدم، ولكنه على خلاف ذلك أراد صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس في ذلك المشهد العظيم، أن سد الذريعة هنا لا يكون بتحريم ما أحل الله للنساء أن يُسفرن عن وجوههن إن شئن، وإنما بتطبيق قاعدة:{… يغضّوا من أبصارهم}، وذلك بصرفه نظر الفضل عن المرأة.



وفي نقدي أنه لا فرق بين هؤلاء المقلدة الموجبين على النساء ستر وجوههن –سدّاً للذريعة كما زعموا-وبين ما لو قال قائل: يجب على الرجال أن يستروا وجوههم- كما هو شأن الملثمين في بعض البلاد- كي لا تفتتن النساء بالنظر إليهم سداً للذريعة أيضاً ! فهذا كهذا، ومن فرَّق، فقد تناقض وتعصّب للرجال على النساء، إذ إنهم مشتركون جميعاً في وجوب غضِّ النظر، فمن زاد على الآخر حكماً جديداً بغير برهان من الله ورسوله، فقد تعدَّى وظلم، { والله لا يحب الظالمين} (آل عمران: 57).



وهنا أستحضر بيتاً من الشعر كأن المرأة فقيهة تتمثل به فتقول:



غيري جنى وأنا المعذّب فيكم * فكأنني سبَّابة المتندم!



ولعل من نافعة القول أن الذكر: أن جلَّ هذا البحث إنما هو مع أولئك المقلدة الذين خالفوا أئمتهم في هذه المسألة –والكتاب والسنة معهم- والذين يرى المقلدون وجوب تقليدهم، لأن أقوالهم بالنسبة إلى المقلدين كأدلة الكتاب والسنة بالنسبة للمجتهدين، فكما لا يجوز لهؤلاء إلا اتباع الكتاب والسنة، فكذلك أولئك لا يجوز لهم إلا تقليدهم، هكذا يقولون، وهذا مبلغ علمهم، وأما هنا فقد أجمعوا على مخالفة الكتاب والسنة من جهة، وأقوال أئمتهم من جهة أخرى! وزادوا على ذلك –ضِغثاً على إبّالة – فقلدوا من لا يجوز عندهم تقليدهم، لأنهم مقلدون مثلهم، ومن متأخريهم كما تقدم ن والتقليد ليس بعلم باتفاق أهل العلم، كما قال ابن القيم في " إعلام الموقعين" (1/51و2/293)، وحكى أبو الحسن السندي في أول " حاشيته المرغيناني ابن ماجه" عن السيوطي: إن المقلد لا يسمى عالماً. ولذلك سماه المرغيناني الحنفي في " شرح الهداية" (6/359) بـ "الجاهل"، وحكى الخلاف في جواز توليته القضاء، ونقل ابن الهمام في "فتح التقدير" عن الإمام محمد: إن المقلد لا يجوز أن يكون قاضياً! وما أحسن المثال الذي ضربه الإمام الشافعي للمقلِّد حين قال:



"مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه افعى تلدغه وهو لا يدري". رواه البيهقي في "المدخل" (210-211) بسند صحيح عنه. ومن الحجة لهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:



" إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم (وفي رواية: برأيهم)، فضلوا وأضلوا". متفق عليه، واللفظ والرواية الأخرى للبخاري (رقم 68-مختصر البخاري)، وراجع له " فتح الباري" (13/282-290) إن شئت، فقد أفاض في شرحه وبيان فوائده، وأن المراد بقوله:" رؤوساً جهالاً": إنما هم المقلدة، والواقع في أكثر البلاد الإسلامية مصداق هذا الحديث الصحيح، ومنه ما نحن فيه. والله المستعان.



ثم إنني أقول:



لو أن أولئك المقلدة كانوا على شيء من العلم، لما أوجبوا على النساء أن يسترن وجوههن خشية أن يفتتن الرجال بهن، ومع قولهم: إن الأصل جواز الإسفار. ولقالوا: إذا خشيت المرأة أن يصيبها مكروه من بعض الرجال الأشرار بسبب إسفارها، فعليها أن لا تسفر على سداً للذريعة. ولو أنهم قالوا هذا لكان فقهاً مقبولاً، وأما أن يفرض ذلك على النساء عامة في كل زمان ومكان، فهو تشريع ما أنزل الله به من سلطان، فلا جرم أنه لم يقل به أحد من علماء الإسلام، بل قالوا نقيض ذلك، كما قدمنا عن القاضي عياض والنووي وابن مفلح وغيرهم من الأعلام.

مسدد
26-06-2004, 04:56 PM
عن نفسي أميل لرأي جواز كشف الوجه ، ولكني لا أقاتل من أوجب تغطية الوجه ، ولا افتعل الفتنة كما تقدمها أخي الكريم.