بو عبدالرحمن
08-01-2004, 08:59 AM
وهبه الله مسحة من الجمال ملحوظة ، على وجه تتلألأ فيه ابتسامة دائمة مشرقة ، تسر الناظر إليه ، فيتفتح لها قلبه ولابد ،
وأجمل ما في هذا الفتى أنه كان لطيف المعشر ، واسع الصدر ، يصغي إليك أكثر مما يتكلم ، وتسأله عن سر ذلك فيجيبك مبتسماً ليلقنك درساً في الصميم : إنما جعل الله لي أذنين اثنين ، وفماً واحداً لأسمع أكثر مما أقول !
ويضيف : ثم إن في الصمت غنيمة باردة لاسيما إذا أحسنت الإصغاء ، وأكثر كلامي لا يكون إلا غرماً ..
يقول ذلك وهو المعروف بعذوبة حديثه وحسن اختيار مواضيعه .
فإذا حدث أن أسرع لسانك الكلام في حقه في ساعة غضب ، قابلك بلسان كأنه عيي لا يجيد الحركة داخل سقفه ، ويبطئ في الجواب ، كأنما يخشى أن يزيد الطين بلة ، ويدعك وما تهوى في تلك اللحظة التي تسلّط فيها عليك شيطان الغضب ، فسرى في أعصابك كلها فأثارها وذهب بك وعاد ، ورفعك وحط ، وشرّق بك وغرّب .. !!
فإذا سكت سلطان الغضب ، وعادت إليك نفسك الجامحة ، ورجع عقلك من إجازته الطارئة ، فما أسرع ما تجده قد نسي ما كان منك معه ، وإذا هو هو قبل أن يظهر شيطان غضبك فجأة ثم يختفي ..!!
هذه الميزات فيه كان لها أثرها الكبير في مجمل حياته فيما بعد ، بل كان لها أثرها الملحوظ في أكثر المحيطين به القريبين منه ، ولاسيما والده ، ذلك لأن هذا الوالد كان قد أسرف على نفسه ، وعقد صداقة حميمة مع أم الخبائث الخمر ، يعاقرها بين الوقت والوقت ، غير أنه لم يصل معها إلى حد الإدمان الميئوس منه ..
وبالطبع كان يجره ذلك إلى اختيار (شلة أنس) يصطفيها ويسامرها ويزورها وتزوره ..
فكان ولابد أن يلاقي ذلك الفتى على يد أبيه صنوفاً من طيشان الفكرة في لحظةٍ آثرَ والده فيها الاستغناء الكامل عن عقله !!
أما سيل الأقذار الذي يخرج على لسانه ليصبه فوق رأس ولده فحدّث عن البحر ولا حرج ، ولكنه لا يكتفي بذلك بل ما أكثر ما كان يمد يده ليضربه ، في لحظة لم تعد أعصابه معه ، ولا عقله في رأسه ، ولا إيمانه في قلبه ..
لحظة أمست فيها أعصاب الرجل الكبير بين أصابع الشيطان يحركها فيه ويتلاعب بها كما يشاء ، والعجيب أنه يطن لحظتها أنه يتمتع ويلتذ ..!!
ولكن لا عجب فالطفل الصغير غير المميز يأكل الطين القذر ، وهو يحسب أنه حلوى !! وهذه مثل هذه أو هي قريب من قريب !
وبقي الفتى الشاب يصبر ويصابر ويتجلد ، لاسيما وهو يرى أمه تذوق مرارة الهوان في ساعات مماثلة وهي تكظم غيظها ، ودموعها تسح ، ومع هذا لا تزال تواصل عطاءها وهي تضرس الصبر ، وتطحن الوجع ، وتتفنن في خدمتها لصغارها ، ولزوجها المخمور أيضاً ،
خلال ذلك يبقى لسانها رطباً بذكر الله وبالدعاء المتواصل أن يحفظ الله لها بيتها قبل أن يهدمه ذلك الفرعون في لحظة طيش وعربدة ..
ويبقى الفتى الشاب يتلألأ في كل سلوكياته مع والده ، في حال صحوه وفي حال سفوله ، وما أكثر ما كان يسنده على كتفه ليمضي به إلى داخل السيارة ، أو ليلج به إلى البيت ، وما أكثر ما مسح وجه أبيه بعد أن تلطخ بزبد فمه أو بقيئه ..!!
وشيئاً فشيئاً ينثال عطر روح الفتى لينضح على قلب أبيه ،
وثمة لحظات مباركة تمر بالمسلم مهما شطت به السبل ، وتلاعب به الشيطان ، فإذا بقلبه يتفتح ، فيشتاق للاتصال بالسماء ، وقد تدمع عيناه بحرقة ، وهو يستعرض رعوانات نفسه ، ولحظات تمرده على ربه عز وجل ، وكيف أن الله لا يزال يرعاه ، ويحفظه ويكرمه ، وهو ما زال مصراً على عصيانه ..
وقد تمر به _سماعاً أو قراءة_ آية تهزه من الأعماق كقوله تعالى :
(( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ))
هذه اللحظات إذا اهتبلها مثل هذا الإنسان وعرف كيف يستثمرها فإنه بلا شك يكون قد عرف كيف يأتي البيوت من أبوابها ..
وهذا بالضبط ما حدث مع هذا الأب ..تغيرت نظرته لولده ، فأصبح يتابعه بعين فاحصة ، ويراقبه عن كثب ، وكأنه يراه جديداً على غير ما كان يراه من قبل ، أصبح الآن يطرب في سره لأن الله أكرمه بمثل هذا الفتى الوضّـاء ، ومع مرور الأيام يكون الأب قد عقد العزم أن يتعلم من ابنه ، وأن يجعله استاذاً له ..!!
نعم لقد استحياء في البداية أن يعلن ذلك ، لكنه كان يفضي بمثل هذه المعاني والخواطر إلى زوجه ، ويلح عليها أن لا تخبر ولدها ، حتى لا يصيبه العجب والغرور !!!
اكتفى في البداية بالمراقبة ومسارقة النظر ، والإصغاء والتحايل ، والاستفادة من بعيد ، والسؤال غير المباشر ، والمناقشة السريعة ونحو هذا ..
وخلال هذا كله كان قد أعلن حرباً ضروساً على أم الخبائث ، وقام بتطليقها ثلاث طلقات لا رجعة فيها أبداً ..
ثم ارتبط بابنه في الإصدار والإيراد والدخول والخروج ، والمشاركة في أشياء كثيرة جداً ، ولم يستغرق الأمر طويلاً حتى أحس أن شرارة نور واضحة قد انقدحت في قلبه يحسها إحساساً مباشراً ، توصله بالسماء بمباشرة ..!!
ثم كان ما كان .. حيث أصبح يعلن أنه قد وُلِدَ من جديد ، بعد أن تخطّى الخمسين من عمره !!
بل كان يفاخر أن ولادته كانت على يد ولده !!
حيث استطاع أن يلج به إلى أعتاب الله عز وجل وهو يهمس في أذنه :
هذا هو الطريق يا أبي !
وتركه هناك يرتشف النور صرفاً غير ممزوج بشيء ... ومن يومها لم يغادر ذلك الأب تلك الأعتاب السماوية ..
وما أكثر ما سمعه زوّاره بعد ذلك يردد في انتشاء :
من لم يتصل بالسماء ، وينهل من معينها ، ويرتبط بها ، عملاً وحباً وطاعة ،
فلا تصدقوه إذا زعم لكم أنه يذوق نعيماً وسعادة ، ولو ملك الأرض وما عليها ..!
إن مكمن السعادة :القلب ، وقلب لا يعرف ربه ، قلب ميت لا حياة فيه .. وهيهات أن يذوق ميت لذة من لذات الدنيا ..!!
ثم يذهب شوطاً بعيدا في الدعاء لولده وعيناه تترقرقان بالدموع ..!
يا إلهي ..! ..
ايهما له الفضل الأكبر على الآخر :
الهذا الأب لأنه كان سببا في أنجاب هذا الفتى المتألق يطأ بقدمه الأرض مفاخرا أنه من تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم ..
أم لهذا الفتى الذي ولد أبوه على يديه ، بعد أن تعدى الخمسين من عمره !!
وأجمل ما في هذا الفتى أنه كان لطيف المعشر ، واسع الصدر ، يصغي إليك أكثر مما يتكلم ، وتسأله عن سر ذلك فيجيبك مبتسماً ليلقنك درساً في الصميم : إنما جعل الله لي أذنين اثنين ، وفماً واحداً لأسمع أكثر مما أقول !
ويضيف : ثم إن في الصمت غنيمة باردة لاسيما إذا أحسنت الإصغاء ، وأكثر كلامي لا يكون إلا غرماً ..
يقول ذلك وهو المعروف بعذوبة حديثه وحسن اختيار مواضيعه .
فإذا حدث أن أسرع لسانك الكلام في حقه في ساعة غضب ، قابلك بلسان كأنه عيي لا يجيد الحركة داخل سقفه ، ويبطئ في الجواب ، كأنما يخشى أن يزيد الطين بلة ، ويدعك وما تهوى في تلك اللحظة التي تسلّط فيها عليك شيطان الغضب ، فسرى في أعصابك كلها فأثارها وذهب بك وعاد ، ورفعك وحط ، وشرّق بك وغرّب .. !!
فإذا سكت سلطان الغضب ، وعادت إليك نفسك الجامحة ، ورجع عقلك من إجازته الطارئة ، فما أسرع ما تجده قد نسي ما كان منك معه ، وإذا هو هو قبل أن يظهر شيطان غضبك فجأة ثم يختفي ..!!
هذه الميزات فيه كان لها أثرها الكبير في مجمل حياته فيما بعد ، بل كان لها أثرها الملحوظ في أكثر المحيطين به القريبين منه ، ولاسيما والده ، ذلك لأن هذا الوالد كان قد أسرف على نفسه ، وعقد صداقة حميمة مع أم الخبائث الخمر ، يعاقرها بين الوقت والوقت ، غير أنه لم يصل معها إلى حد الإدمان الميئوس منه ..
وبالطبع كان يجره ذلك إلى اختيار (شلة أنس) يصطفيها ويسامرها ويزورها وتزوره ..
فكان ولابد أن يلاقي ذلك الفتى على يد أبيه صنوفاً من طيشان الفكرة في لحظةٍ آثرَ والده فيها الاستغناء الكامل عن عقله !!
أما سيل الأقذار الذي يخرج على لسانه ليصبه فوق رأس ولده فحدّث عن البحر ولا حرج ، ولكنه لا يكتفي بذلك بل ما أكثر ما كان يمد يده ليضربه ، في لحظة لم تعد أعصابه معه ، ولا عقله في رأسه ، ولا إيمانه في قلبه ..
لحظة أمست فيها أعصاب الرجل الكبير بين أصابع الشيطان يحركها فيه ويتلاعب بها كما يشاء ، والعجيب أنه يطن لحظتها أنه يتمتع ويلتذ ..!!
ولكن لا عجب فالطفل الصغير غير المميز يأكل الطين القذر ، وهو يحسب أنه حلوى !! وهذه مثل هذه أو هي قريب من قريب !
وبقي الفتى الشاب يصبر ويصابر ويتجلد ، لاسيما وهو يرى أمه تذوق مرارة الهوان في ساعات مماثلة وهي تكظم غيظها ، ودموعها تسح ، ومع هذا لا تزال تواصل عطاءها وهي تضرس الصبر ، وتطحن الوجع ، وتتفنن في خدمتها لصغارها ، ولزوجها المخمور أيضاً ،
خلال ذلك يبقى لسانها رطباً بذكر الله وبالدعاء المتواصل أن يحفظ الله لها بيتها قبل أن يهدمه ذلك الفرعون في لحظة طيش وعربدة ..
ويبقى الفتى الشاب يتلألأ في كل سلوكياته مع والده ، في حال صحوه وفي حال سفوله ، وما أكثر ما كان يسنده على كتفه ليمضي به إلى داخل السيارة ، أو ليلج به إلى البيت ، وما أكثر ما مسح وجه أبيه بعد أن تلطخ بزبد فمه أو بقيئه ..!!
وشيئاً فشيئاً ينثال عطر روح الفتى لينضح على قلب أبيه ،
وثمة لحظات مباركة تمر بالمسلم مهما شطت به السبل ، وتلاعب به الشيطان ، فإذا بقلبه يتفتح ، فيشتاق للاتصال بالسماء ، وقد تدمع عيناه بحرقة ، وهو يستعرض رعوانات نفسه ، ولحظات تمرده على ربه عز وجل ، وكيف أن الله لا يزال يرعاه ، ويحفظه ويكرمه ، وهو ما زال مصراً على عصيانه ..
وقد تمر به _سماعاً أو قراءة_ آية تهزه من الأعماق كقوله تعالى :
(( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ))
هذه اللحظات إذا اهتبلها مثل هذا الإنسان وعرف كيف يستثمرها فإنه بلا شك يكون قد عرف كيف يأتي البيوت من أبوابها ..
وهذا بالضبط ما حدث مع هذا الأب ..تغيرت نظرته لولده ، فأصبح يتابعه بعين فاحصة ، ويراقبه عن كثب ، وكأنه يراه جديداً على غير ما كان يراه من قبل ، أصبح الآن يطرب في سره لأن الله أكرمه بمثل هذا الفتى الوضّـاء ، ومع مرور الأيام يكون الأب قد عقد العزم أن يتعلم من ابنه ، وأن يجعله استاذاً له ..!!
نعم لقد استحياء في البداية أن يعلن ذلك ، لكنه كان يفضي بمثل هذه المعاني والخواطر إلى زوجه ، ويلح عليها أن لا تخبر ولدها ، حتى لا يصيبه العجب والغرور !!!
اكتفى في البداية بالمراقبة ومسارقة النظر ، والإصغاء والتحايل ، والاستفادة من بعيد ، والسؤال غير المباشر ، والمناقشة السريعة ونحو هذا ..
وخلال هذا كله كان قد أعلن حرباً ضروساً على أم الخبائث ، وقام بتطليقها ثلاث طلقات لا رجعة فيها أبداً ..
ثم ارتبط بابنه في الإصدار والإيراد والدخول والخروج ، والمشاركة في أشياء كثيرة جداً ، ولم يستغرق الأمر طويلاً حتى أحس أن شرارة نور واضحة قد انقدحت في قلبه يحسها إحساساً مباشراً ، توصله بالسماء بمباشرة ..!!
ثم كان ما كان .. حيث أصبح يعلن أنه قد وُلِدَ من جديد ، بعد أن تخطّى الخمسين من عمره !!
بل كان يفاخر أن ولادته كانت على يد ولده !!
حيث استطاع أن يلج به إلى أعتاب الله عز وجل وهو يهمس في أذنه :
هذا هو الطريق يا أبي !
وتركه هناك يرتشف النور صرفاً غير ممزوج بشيء ... ومن يومها لم يغادر ذلك الأب تلك الأعتاب السماوية ..
وما أكثر ما سمعه زوّاره بعد ذلك يردد في انتشاء :
من لم يتصل بالسماء ، وينهل من معينها ، ويرتبط بها ، عملاً وحباً وطاعة ،
فلا تصدقوه إذا زعم لكم أنه يذوق نعيماً وسعادة ، ولو ملك الأرض وما عليها ..!
إن مكمن السعادة :القلب ، وقلب لا يعرف ربه ، قلب ميت لا حياة فيه .. وهيهات أن يذوق ميت لذة من لذات الدنيا ..!!
ثم يذهب شوطاً بعيدا في الدعاء لولده وعيناه تترقرقان بالدموع ..!
يا إلهي ..! ..
ايهما له الفضل الأكبر على الآخر :
الهذا الأب لأنه كان سببا في أنجاب هذا الفتى المتألق يطأ بقدمه الأرض مفاخرا أنه من تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم ..
أم لهذا الفتى الذي ولد أبوه على يديه ، بعد أن تعدى الخمسين من عمره !!