تسجيل الدخول

View Full Version : المقامة الشبابية


ملاك الثلج
01-07-2003, 05:46 AM
{ إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدى }

بكيت على الشباب بدمع عيني
فما نفع البكاء و لا النـحيـــــــب
فيا أسفاً أسفت على شـبـابٍ
نعاه الشيب و الرأس الخضيـب
عريت من الشباب و كان غضاً
كما يعرى من الورق القضيـــب
ألا ليت الشباب يعود يومـــــــاً
فأخبره بما فعل المشـــــــيب

قال الراوي: دخلنا على جماعة من الشباب ، و قد اسدلوا الشعر و أسبلوا الثياب ، ووقعا في جدال و سباب ، فقام خطيبنا فقال و أصاب ، و أقسم بمن أنزل الكتاب ، و أجرى السحاب ، و هزم الأحزاب : أن الشباب أمل الأمة المنشود، و علمهاالمعقود ، و سجلها المحمود ، ثم التفت إلى الشباب فقال ، و قد فاض دمعه و سال : ما لكم خالفتم السنة و هجرتم طريق الجنة ، و تركتم هدي النبي _صلى الله عليه و سلم_ ، و تشبهتم بالأجنبي ، قال أوسطهم طريقة ، و أعرفهم حقيقة : لماذا و جهت الكلام إلينا ، و ماذا تنقم علينا ؟؟؟
قال الخطيب : سبحان الملك القدوس ، ما اغبى هذه النفوس !!!، أليست أوقاتكم في القيل و القال ، و إضاعة المال ، و هدر الساعات الطوال ، قصرتم في الطاعة و بالغتم في الإضاعة ، و فرطتم في صلاة الجماعة ، و هجرتم القرآن ، و أطعتم الشيطان ، و غركم الشباب الفتان ، ألستم احفاد المهاجرين و الأنصار ....!!!؟؟؟؟ ، و أبناء الأبرار ..؟؟؟ ، و عليكم تعلق الآمال الكبار . فقام أصغرهم و هو في العين أحقرهم ، فقال : أيها الخطيب ، و يكفي هذا التأنيب ،فإنهم قالوا : لا ينفع التهذيب في هذا الذيب ، و اعلم أنا في عصر الصبا ، كنبت الربى ، و كم من سيف نبا ، و ضوء خبا ، و جواد كبا ،فلا تشمت بنا العدا ، و لا تكثر المرا ، قال الخطيب : عجب ، أيها الخب (هو الغشاش و المخادع ) ابن الخب ، أتيت بعذر أقبح من ذنب ، اتعتذر بالشبيبة ، لعمل كل خيبة ، فهذه مصيبة ، هؤلاء الصحابة ، كل حفظ شبابه ، وحمل كتابه ،و خاف حسابة ، و هل عندكم عهد و أمان ، من طروق الحدثان ، أم أنكم في لهوكم تلعبون ، و لهواكم تركبون ؟؟؟؟!!
قال قائل منهم ، و قد ناب عنهم : يا عم ، ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، و ما نزع الرفق من شيء إلا شانه . و نحن في مقتبل العمر ، و في غفلة من الدهر ، فدعنا نبهج ابتهاج الزهر ، و نقبل على الدنيا إقبال القطر ، كما قال الشاعر :

أقبل على اللذات ويحك إنه
تطوى بك الأيام و الساعات
و اترك مواعظ من يخوف بالردى
قبل الردى يا صاحبي أوقات

قال الخطيب و الذي قرت بحبه العيون ، و أزال بالعلم الظنون : إنكم في غيكم تلعبون ، و من حتفكم تطربون ، أين العقول هل ذهبت ؟؟؟ أين البصائر هل سلبت ؟؟؟ أما ترون أنه يساق بكم إلى القبور ؟؟؟؟ و كل واحد منكم مغرور ، تغترون بالمهلة ، و تظنون أن الأمور سهلة :

فلا تقل الصبا فيه امتهــال
و فكر كم صــبي قد دفنتا
تفر من الهجير و تتـــقيه
فهلا من جهــنم قد فررتا

يا قوم ، الأنفاس تكتب عليكم ، و المنايا تزف إليكم ، فقال أحدهم : فماذا نفعل أيها الواعظ؟؟؟
فإني أراك تنتقد و تلوم و تلاحظ ، هل ترانا في حياتنا أخطأنا ، و عن منادي الصلاح أبطأنا؟؟
قال الخطيب : أين نور الهداية ، و حسن البداية ،و الاستعداد للنهاية؟؟؟؟؟؟ ؛ المساجد منكم مهجورة ، و المقاهي بكم معمورة ، و كل منكم ركب لهوه و طيشه ، و أقبل على الدخان و الشيشة ، تسبلون الإزار ، و تطيلون الأظفار ، و تقلدون الكفار ،و تضيعون الصلوات ، و تقعون في الشهوات ، و تسهرون الساعات ، و تزجون الأوقات ، لم تفلحوا في دنيا و لا دين ، و أراكم في غيكم قاعدين ، لستم في صلاح ولا طاعة ، و لا سنة و لا جماعة ، و لا صناعة و الزراعة ، و لا جلب بضاعة .
شباب الغرب في المصانع عاكفون ، و إلى العمل منصرفون ، و في التجارة محترفون ، و بالجد و المثابرة متصفون ، المهندس منهم في صناعته ، و الفلاح في زراعته ، و التاجر في متابعة بضاعته ، و الطبيب في عيادته . و أنتم ماذا فعلتم ؟؟؟ ، و أروني ماذا عملتم ؟؟
أحدكم في الليل جيفة ، و في النهار ريشة خفيفة ، فصلتم من الجامعة ، و هجلاتم القراءة و المطالعة ، و جلستم على القارعة ، كل منكم قد أزعج شارعه ، شغلتكم الأغاني و الأماني عن المثاني ( المثاني من القرآن ما ثني مرة بعد مرة ) ، للرياضة تشجعون ، و للمتخب تتابعون ، و للملاعب تسارعون ، و في اللهو و الغو بارعون ، حياتكم فوضى ، تتابعون آخر موضة ، كأنكم أطفال الروضة . متى عهدكم بالقرآن ؟؟؟ ، هل حفظتم شيئاً من سنة ولد عدنان ؟؟؟ لا تعرفون المؤلفين و المكتشفين ، و المخترعين و البارعين ، ولا تذكرون أحداً من العلماء و الحكماء ، و الأدباء ، و الأولياء ، حفظتم عن ظهر قلب أسماء المغنين ، و اللاعبين ، و اللاهين ، و المسرحين ، و الممثلين ، عققتم الأوطان ، و أطعتم الشيطان . هم أحدكم حذاء و ساعة ، و ميدالية لماعة ، كأنه شماعة .
ما لكم أهداف سامية !!!! ، و لا همم عالية !!! ، و لا أخلاق غالية !!! ، ما عندكم عزائم ، أصبتم بإحباطات و هزائم ، مقصد أحدكم الأفراح و الولائم !!!!!
ألستم أحفاد الراشدين ، و أبناء المجاهدين ، و سلالة العابدين .
صار هم أحدكم ثياباً فاخرة ، و جلساتٍ ساخرة ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ؟؟!!!!. كأنكم أطفال يفرح أحدكم بركوب السيارة ، و مشاهدو الطيارة ، و معايشة السيجارة ، تحفظون أسماء االلاعبين ، و تغفلون أسماء العلماء العاملين ، اتركوا الشوارع ، و اخرجوا إلى الجوامع ، اذهبوا إلى المصانع ، هبوا إلى المزارع ، هيا إلى الحدادة و النجارة ، هيا إلى الصناعة و العمارة ، هيا إلى البيع و التجارة ، هيا إلى الورشة و النشارة .
نريد منكم علماء ، و حكماء ، و أطباء ، و أدباء .

شباب الحق للإسلام عـودوا
فأنتم مجده و بكم يسـود
ٍو أنتم سر نهضته قديــماً
و أنتم فجره الباهي الجديد

فقام أحدهم و قد تسربل بالخجل ، و تكنفه الوجل ، فتكلم على عجل ، فقال : لسنا سبب الضياع ، و إنما آباؤنا الرعاع (من الناس الغوغاء الواحد : رعاعة ، يقال رعاعة من الرعاع) ، أهملونا من زمن الرضاع ، ما أعطونا من ماء التربة و لو قطرة ، و في الحديث كل مولود يولد على الفطرة .ما كانوا يسألون عنا ، كأنا لسنا منهم و ليسوا منا ، ربونا تربية الدواب ، و علمونا تعليم الأعراب ، فنفوسنا من الآداب خراب . أشغلونا بالتلفزيون ، و التليفون ، و سيبونا في السكس مع شباب يهمزون و يغمزون ، ما أخذونا إلى المساجد ،
ما عرفونا على عالم واحد ، ما حفظونا الآيات البينات ، ما علمونا الأحاديث النبويات ، أهملونا للمجلات الخليعات ، و الأفلام المائعات ، و السهرات الضائعات . غرسوا فينا حب الرذيلة ، و كراهية الفضيلة ، علمونا سوء الأدب ، و كثرة الضحك من غير سبب ، و سرة الغضب ، و إضاعة الطلب .
فقال الخطيب : قد سمعت ما قلت ، و أنت بالحق نطقت ، و بررت فيما قلت و صدقت ، و لكن ما عذركم الآن ، و قد وضح لكم الربح من الخسران ، و التوفيق من الخذلان ، و قد قال شاعر أصفهان :
هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها
ما بال أشيب يستهويه شيطان
فليس لكم عذر في الآباء ، و لا تزر وازرة وزر أخرى ، أيها الأبناء ، جددوا التوبة ، و أصلحوا الأوبة ، و ارقعوا بيد الصلاح ما تمزق من ثوب الأعمار ، و اغسلوا بدمع الندم ما تركته الذنوب من غبار ، و اتركوا مصاحبة الفجار ، و مصادقة الأشرار ، و مرافقة الشطار ، و التشبه بالكفار ، أقبلوا على الحياة السعيدة ، و اعكفوا على الكتب المفيدة ، و تخلقوا بالأخلاق الحميدة ، و احملوا الآداب الرشيدة ، و حافظوا على تكبيرة الإحرام ، واجتنبوا الحرام ، و توبوا من العشق و الغرام ، و ارتفعوا إلى منازل الكرام ، تذكروا الموت و سكرته ،و القبر و ظلمته ، و الحساب و دقته ، و الصراط و مزلته ، و تفكروا في البعث و النشور ، يوم يبعثر ما في القبور ، و يحصل ما في الصدور ، و ينفخ في الصور ، و يعض على كفه المثبور ، و تقصم الظهور .

و الله لو عاش الفتى في عمره
ألفاً من الأعوالم مالـك أمره
متنعماً فيها بكـل لــذيــذة
متشرفاً فيها بسكنى قصـره
مـا كان ذلك كله في أن يفـي
فيــها بأول ليلة في قـبره

فلما سمعوا كلامه ، و شاهدوا مقامه ، غلبتهم الحسرة و الندامة ، ووضع كل منهم على و جهه أكمامه ، و بكوا بكاء من عاين القيامة ، و تذكر لياليه و أيامه .
فرفع الخطيب يديه ، و اجتمعوا عليه ، و دنوا إليه ، فقال : اللهم يا قوي الأسباب ، يا كريم الجناب ، افتح لعبادك الأبواب ، و تب على من تاب ، و ارحم هؤلاء الشباب ، فإنك تقيل العثرات ، و تغفر الزلات ، و تعفو عن السيئات ، و تتجاوزعن الخطيئات ، اللهم اصلح قلوبهم ، و استر عيوبهم ، و احفظ غيوبهم ، و اغفر ذنوبهم .

(( اللهم آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمييييييييييييييييييييييييييي
ييييييييييييييييييين ))

ثم قال الخطيب : هيا بنا إلى المسجد ؛ لنركع و نسجد ، و نصلي و نتعبد ، و نعود إلى الله فالعود احمد ، و نقتدي بالرسول محمد .
فسمعوا نداءه ، و أجابوا دعاءه ، و ذهبوا وراءه ؛ فأصلح الله لهم البال ، و وفقهم لأحسن الأعمال ، و أزكى الأقوال ، و أشرف الأحوال ، فصاروا كالنجوم الزاهرة ، و البدور الباهرة ، بقلوب طاهرة ، و أعمال بالخير ظاهرة .


من كتاب (( مقامات القرني )) للشيخ عائض بن عبدالله القرني

تحياتي لكم

أختكم :

ملاك الثلج

أسير الليل
01-07-2003, 05:28 PM
السلام عليكم

الأخت الفاضله .. ملاك الثلج

خطبه رائعه ومعبرة .. شاملة لم تترك جانب الا وتطرقت له ..

جزاك الله خير .. والله يزيدك من فضله ..

تحيااتي لك

ملاك الثلج
02-07-2003, 01:51 AM
وإياكم أخي أسير الليل
و شكرا لحضورك الطيب

تحياتي لك

أختك

ملاك