View Full Version : الأدلة من القرآن والسنة على تحريم الإستعانة بالكفار
بسم الله الرحمن الرحيم ،
ابتداءً نقول أننا لا نعلم أحدا من الأئمة المتبوعين أو الفقهاء المعتبرين أجاز الاستعانة بدول الكفر، وكيانات الكفر على المسلمين قط، وإنما كان بحثهم في جواز الاستعانة بالكفار على الكفار فحسب، أو في جواز الاستعانة بأفراد من الكفار من أهل الذمة أو المستأمنين على البغاة الخارجين على الإمام.
فقد رأى الإمام الشوكاني وبعض أهل العلم قديما عدم جواز الاستعانة بالكافر في القتال مطلقا. أما جمهور الفقهاء فقد أجازوا الاستعانة بالكافر على الكافر بشرط أن يكون فرداً وتحت راية المسلمين.
وبالعودة إلى سيرة رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، نجد أن هناك روايات، تكلم فيها بعض أهل العلم، تشير إلى جواز الاستعانة بأفراد مشركين في قتال الكفار. إلا أن الثابت أن الله حرم الاستعانة بالكفار حال كونهم طائفة مستقلة تحت راية الكفر.
وتفصيل ذلك أنه يجوز أن يستعان بالكفار بوصفهم أفراداً ، وبشرط أن يكونوا تحت الراية الإسلامية، بغض النظر عن كونهم ذميين أو غير ذميين، سواء أكانوا من رعايا الدولة الإسلامية أم لم يكونوا. أما الاستعانة بهم كطائفة معينة، لها كيان مستقيل عن الدولة الإسلامية، تحت رايتها المستقلة، فلا يجوز مطلقا، فيحرم أن يستعان بهم بوصفهم دولة مستقلة.
والدليل على جواز الاستعانة بالكافر في القتال أفراداً أن قزمان خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار، حملة لواء المشركين، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر » .
أما القول بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلم بمشاركة قزمان في القتال إلا لاحقاً ، فهو قول ضعيف ، لأنه علم بعد ذلك وأقره ، ولم ينكر على المسلمين تركهم لقزمان يشارك، ولم ينكر عليهم عدم إخباره بذلك، بل لم ينكر على المسلمين شيء على الإطلاق، ولم يروى عنه قط أنه أنكر ذلك، ولا قال لا تعودوا لمثلها، أو نحوه إطلاقاً. بل قال فقط: «إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر».
كما يستدل بأن قبيلة خزاعة خرجت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام الفتح لمحاربة قريش، وكانت حينئذ لا تزال مشركة، حتى قال لها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « يا معشر خزاعة ، ارفعوا أيديكم عن القتال، فقد كثر القتل ان نفع، لقد قتلتم قتلاً لأدينّه » فهذه الأحاديث كلها صحيحة، تدل دلالة صريحة على جواز الاستعانة بالكفار أفرادا، أي على جواز أن يكون الكافر في جيش المسلمين يقاتل العدو مع المسلمين.
إلا أنه لا يجبر الكافر على أن يكون في الجيش، ولا يجبر على القتال، لأن الجهاد ليس فرضاً عليه، و الصحيح أنه لا يعطى سهماً من الغنيمة، ولكن يرضخ له، أي يعطى له قدر من المال. فإذا طلب الكافر أن يحارب مع المسلمين أي يكون في جيش المسلمين يجوز ذلك في كل ناحية من نواحي الخدمة في الجيش حتى في استخبارات الجيش وجاسوسيته.
أما ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل، قد كان تذكر منه جرأة ونجدة، ففرح به أصحاب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رأوه فلما أدركه قال: جئت لأتبعك فأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تؤمن بالله ورسوله، قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قالت: ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال أول مرة، فقال :لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قال: فرجع فأدركه بالبيداء، قال له كما قال أول مرة تؤمن بالله ورسوله ؟ قال: نعم. فقال له: فانطلق (رواه مسلم). فإن هذا الحديث الصحيح لا يتعارض مع الثابت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم استعان بمشركين، وذلك لأن هذا الرجل اشترط أن يحارب ويأخذ الغنيمة فانه قال: (جئت لأتبعك فأصيب معك)، والغنيمة لا تعطى إلا للمسلمين، فيحمل رفض النبي الاستعانة به على ذلك، كما يحمل على أن الاستعانة بالكفار أفراداً موكولة لاجتهاد الخليفة إن شاء استعان، وإن شاء رفض. كما أن هذا تصرف، أي فعل من أفعاله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأفعاله على الائتساء بها، وليست على وجوب العمل بمثلها، إلا ما جاء إنفاذاً لحكم أو بياناً لأمر، ونحوه.
وأما ما ورد عن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: (أتيت النيى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يريد غزواً، أنا ورجل من قومى، ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم، فقال أسلمتما ؟ فقلنا: لا، فقال: إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، فأسلمنا وشهدنا معه). رواه أحمد والحاكم وصححه. فإن هذا الحديث الصحيح يحمل، كما هو واضح من ظاهره، على إن الاستعانة بالكفار موكولة لرأي الخليفة إن شاء استعان وان شاء رفض، وكل ما قاله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه لا يستعين بالمشركين على المشركين، أي أن هذا اختياره هو، ولم يصرح أن الله حرم ذلك عليه، أو على المؤمنين، وليس في الحديث مطلقاً ما يفيد ذلك التحريم.
والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سكت عن مشاركة الكفار بأحد، واستعان بهم في فتح مكة، ورفض الاستعانة في بدر، ورفض الاستعانة بخبيب والرجل الذي معه حتى أسلما، فكون الرسول ثبت عنه أنه استعان بأفراد من الكفار وهم على كفرهم، وثبت أنه رفض الاستعانة بأفراد حتى أسلموا، دليل على الاستعانة بأفراد في القتال جائزة وأنها موكولة لرأي الخليفة، إن شاء قبل الاستعانة وإن شاء رفضها، بل إن استعانته بأفراد من المشركين في فتح مكة متأخر على رفضه مشاركتهم في بدر فلو قال قائل أن عدم الاستعانة بأفراد الكفار كان في أول الأمر محرماً ثم نسخ بعد ذلك لما كان بعيداً عن الصواب.
وقد ذكر البيهقي عن الشافعي قوله: (إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم فردهم رجاء إسلامهم فصدق الله ظنه).
أما عدم جواز أن يستعان بالكفار في القتال بوصفهم دولة مستقلة، أو ما هو في حكم الدولة المستقلة، كالقبيلة، والجماعة الممتنعة، والمدينة ذات السيادة والمنعة، ونحو ذلك، فظاهر من أن ذلك يستلزم، ويقتضي، ضرورة، موالاة الكفار، بل توليهم، وهو محرم تحريماً أبدياً قاطعاً، كما سنفصله الآن:
والموالاة: مصدر من (وَالَى)، يوالي، موالاة. والولاء هو الدنو والقرب. و(الموالاة) أعم من (التَوَلِّي)، حيث أن الموالاة هي المحبة، بغض النظر عن مرتبة هذا الحب ودرجته، فكل من أحببته، وأعطيته، ابتداء من غير مكافأة، فقد أَوْلَيْتَه، ووَالَيْتَه. والمعنى: أحببته، وقربته، وأدنيته إلى نفسك! والموالاة ضد المعاداة. والولاء ضد العداء. والولاية ضد العداوة. والوَلِيّ ضد العدو. والموالاة تدور حول معاني: المودة، والمحبة، والمتابعة، والقرابة، والصداقة، والحلف، والنصرة.
و(التولِّي) أخص من الموالاة، وهي: «الانقطاع التام في نصرة المتبوع، وتقريبه وتأييده»، أو هي: «تقديم كامل النصرة والمحبة للمتولي، بحيث يكون المتولِّي مع المتولي كالظل مع الجسم»، أو هي: «الموالاة المطلقة العامة»، فالتولي هو أعلى مراتب الموالاة، ومعنى النصرة والحلف جوهري فيها.
و«التولي»، أو بلفظ آخر «الموالاة المطلقة العامة»، للكفار يستلزم الدفاع عنهم، وإعانتهم بالمال، والنفس، والرأي. وهذا يقتضي بالضرورة الشك في صدق الإسلام، أو جحوده، أو بغضه، أو احتقاره والسخرية منه، أو نبذه والإعراض عنه إعراضاً كلياً. وكل ذلك كفر صريح يخرج من الملة الإسلامية، لا محالة.
أما موالاة الكفار لغرض دنيوي، وغلبة شهوة، مع سلامة أصل الاعتقاد، وعدم إضمار الكفر، أو انشراح الصدر به، فجريمة نكراء، وكبيرة من كبائر الذنوب، بالأدلة التالية:
* وقال:
لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان
(التوبة؛ 9:23).
* وقال:
لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم، أو أبناءهم، أو إخوانهم، أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ..
(المجادلة؛ 58:22).
* وقال:
لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء، إلا أن تتقوا منهم تقاة ، ويحذركم الله نفسه، وإلى الله المصير
(آل عمران؛ 3:28).
* وجعل تباركت أسماؤه، اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين الصفة الرئيسية المميزة للمنافقين نفاقاً اعتقادياً مخرجاً من الملة، أهل الدرك الأسفل من النار، فقال:
بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أيبتغون عندهم العزة؟! فإن العزة لله جميعاً، إلى قوله، جل من قائل: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين! أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً ؟! * إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ولن تجد لهم نصيراً
(النساء؛ 4:138-145).
* وقال، جل من قائل، مثنياً على إبراهيم وصحبه:
قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، إذ قالوا لقومهم: إنا برءاء منكم، ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده
(الممتحنة؛ 60:4).
* وقوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا، لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء
(المائدة؛ 5:51).
* وقال تعالى:
ولو كانوا يؤمنون بالله، والنبي، وما أنزل إليه، ما اتخذوهم أولياء
(المائدة؛ 5:81).
* وقوله:
لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء
(الممتحنة؛ 60:1).
* وقال:
وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين
(الجاثية؛ 45:19)
* وأخرج الإمام أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة، بإسناد حسن عن رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: «أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله». وأخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن مسعود، كما رواه أحمد في مسنده.
* كما روى الطبراني في الكبير، بإسناد حسن، عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: «أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله».
* أخرج الإمام ابن جرير الطبري، والإمام محمد بن نصر المروزي بأسانيدهم من كلام ابن عباس: (من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك! ولن يجد عبد طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصومه، حتى يكون كذلك! وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً).
لاحظ أن الأثر السابق من كلام ابن عباس، لله دره، ليس إلا إتباعاً للحديث قبله وعملاً بالفهم الصحيح له، ولغيره من نصوص الكتاب والسنة المتضافرة، لم يكتف بذكر «الحب»، و«البغض»، بل أكد على «الموالاة»، و«المعاداة». فلا يكفي مجرد «الحب»، و«البغض» القلبيين المجردين، بل لا بد من «الموالاة» وهي الإكرام، والاحترام، والانتماء، والإعانة، والتحالف، والنصرة، والكينونة مع المحبوبين ظاهراً، وباطناً، ولا بد من ضدها وهو «المعاداة»: الشاملة للمقت، والتحقير، والمفاصلة، والهجر، والخذلان، والمنبذة، والمقاتلة بالسلاح، والبراءة من المبغوضين، والكفر بهم، ونبذهم، والبعد عنهم ظاهراً، وباطناً!
* والموالاة لا تنقطع بما يقع بين المؤمنين من تظالم ،وقتال، وشر، قال تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا! إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة، فأصلحوا بين أخويكم! واتقوا الله لعلكم ترحمون، (الحجرات؛ 49:9).
* يقول الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية شارحاً: (على المؤمن أن يعادي في الله ، ويوالي في الله. فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه ــ وإن ظلمه ــ فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية، قال تعالى:
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما
...، فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي، وأمر بالإصلاح بينهم. فليتدبر المؤمن: أن المؤمن تجب موالاته، وإن ظلمك واعتدى عليك؛ والكافر تجب معاداته، وإن أعطاك وأحسن إليك.
فإن الله سبحانه بعث الرسل، وأنزل الكتب، ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه، والإكرام والثواب لأوليائه، والإهانة والعقاب لأعدائه)، (مجموع الفتاوى: ج 28/208).
هل سمعتم وتدبرتم يا أعداء الله، فقهاء السلاطين، الذين أفتيتم باستقدام القوات الكافرة، والقتال تحت رايتها لدفع «ظلم» العراق المزعوم للكويت، بدعوى الضرورة، بل وسميتم جريمتكم النكراء جهاداً ؟! فانتهى الأمر باستعمار بلادكم، ووقوعكم تحت هيمنة الكفار: يقتلون المسلمين ويحاصرونهم، وينهبون خيرات بلادكم، ويمكنون صهاينة اليهود من رقابكم، ويؤبِّدون اغتصابهم لفلسطين، وتسلطهم على بيت الله المقدس، وينشرون الربا، والزنا، واللواط، وسائر الفواحش والفتن في بلادكم ! وأنتم ساكتون، سكوت الشياطين الخرس، فبعداً لكم !
* وقال اللّه تعالى :
لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة و يحذركم اللّه نفسه و إلى الله المصير
وقرأ يعقوب وسهل (تُقْيَة) وهو قراءة الحسن ومجاهد، والباقون (تقاة). قال في القاموس المحيط: (والتقية الكلاءة والحفظ، واتقيت الشيء وتقيته اتقيته واتقيه تقى وتَقِيّة وتِقَاء، ككِسَاء: حذرته) فهذا النص في الآية يعين موضوعها وهذا المعنى اللغوي لكملة (تُقْيَة) يعين ما تعينه هذه الكلمة في هذه الآية من معني لأنه لم يثبت لها معنى شرعي فيتعين تفسيرها بالمعنى اللغوي، وعلى هذا الأساس وحده تفهم الآية جملة وتفصيلاً.
أما ورد في أسباب نزولها من أحاديث فإنها، إن صحت، ترشد إلى تفصيلات ما ورد في الآية، ولكنها لا تغير موضوعها، ولا معاني جملها حسب مدلولات اللغة والشرع.
وموضوع الآية الواضح في جملها هو موالاة المؤمنين للكافرين أي مصادقتهم.، ونصرتهم، ومحالفتهم، ونحو ذلك كما أسلفنا، فالنص هو لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين وإذا وردت آية أو أحاديث في موضوع معين تكون خاصة في هذا الموضوع، ولا تشمل غيره، فالقضية قضية موالاة المؤمنين للكافرين التي قد جاءت الآية تنهى عنها نهيًا جازمًا، وهذه ليست الآية الوحيدة في هذا الموضوع، فقد وردت فيه آيات عديدة تغَلِّظ الوعيد، وتشدد النكير على من اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين كقوله تعالى:
بشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين
وقوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين
وقوله تعالى:
لا تجد قومًا يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادون من حادَّ اللّه ورسوله
وقوله:
لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء
وقوله:
لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء
إلى غير ذلك من الآيات.
فالموضوع موضوع موالاة المؤمنين للكافرين، فقط لا غير، وباقي الآية تفصيل للموضوع.
وذلك لأن اللّه تعالى نهى المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء لهم، وقرن هذا النهي بالجزم القاطع بأن من يفعل ذلك فيتخذ الكافرين أولياء فإن اللّه بريء منه، وقد انقطعت صلته بالله. وهذا تحريم بات، مطلق، أبدي، لكل موالاة للكفار، أي لكل معنى من معاني الموالاة في اللغة العربية، ثم استثنى من هذا النهي الجازم حالة واحدة: وهي أن يحذر المؤمن من الكافر أذىً فإنه يجوز له موالاة الكافر دفعًا لهذا الأذى، وهذا لا يتصور إلا إذا كان المسلم تحت سلطان الكافر مغلوبًا على أمره، أي أن الحذر من الكافر يجيز موالاته، فإذا ذهب الحذر حَرُمت الموالاة بجميع أشكالها ومظاهرها مطلقاً.
ومعنى الآية هو نهي مغلظ جازم للمؤمنين عن أن يتخذوا الكافرين أولياء لهم، وأن يدخلوا معهم في حلف عسكري، أو يؤجروهم قواعد عسكرية، وأن يستعينوا بهم، ويلتجئوا إليهم، وأن يصادقوهم، وأن ينصروهم، وأن تكون بينهم وبينهم محبة أو مودة ظاهرة. فحرّم على المؤمنين موالاة الكافرين من دون المؤمنين ثم استثنى من ذلك حالة واحدة فقط: وهي أنه في حالة وجود خوف منهم عندما يكون المسلمون مقهورين من الكفار وتحت سلطانهم فإنه يجوز إظهار المحبة لهم ومصادقتهم لدفع شرهم وأذاهم. أي يجوز أن يُتَّخَذوا أولياء، أي أصدقاء، وحلفاء، في حالة وجود خوف منهم عندما يكون المسلمون تحت حكمهم، وما عدا ذلك فلا يجوز مطلقًا. وهذا بالنسبة للكفار فقط مع المؤمنين، فإن الآية نزلت في شأن المؤمنين الذين كانت لهم صلات بالمشركين في مكة فهي تنهى الذين في المدينة عن موالاة المشركين في مكة، وتنهى جميع المؤمنين، وتستثني من ذلك المؤمنين الذين كانوا في مكة فإنهم كانوا مغلوبين على أمرهم، فاستثنتهم لوجود حالة خوف لديهم من أذى الكافرين.
هذا هو موضوع الآية وهذا هو معناها وهذا هو الحكم الشرعى الذي يُستنبط منها، وهو تحريم موالاة المؤمنين للكفار بجميع أنواع الموالاة من تحالف، ونصرة، وصداقة، واستعانة، وغير ذلك، لأن كلمة أولياء في الآية جاءت عامة فتشمل جميع معانيها في لغة العرب، وجواز موالاتهم في حالة حذرهم، أي خوف بطشهم وأذاهم، عندما يكون الكفار غالبين على المسلمين، ويكون المسلمون مغلوبين على أمرهم، تمامًا كحالة المسلمين في مكة مع المشركين، ولا يوجد للآية معنى آخر، ولا يستنبط منها أي حكم سوى هذا الحكم.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى في تفسيره: (القول في تأويل قوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء، إلى قوله: إلا أن تتقوا منهم تقاة، قال أبو جعفر: وهذا نهي من اللّه عز وجل للمؤمنين عن أن يتخذوا الكفار أعوانًا وأنصارًا وظهورًا، ولذلك كسر يتخذ لأنه في موضع جزم بالنهي، ولكنه كسر الذال معه للساكن الذي لقيه ساكن.
ومعنى ذلك: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء، يعني بذلك فقد برئ من اللّه، و اللّه برئ منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر. إلاّ أن تتقوا منهم تقاة إلاّ أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم علي ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل.
كما: حدثني المثني قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي عن ابن عباس قوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين إلاّ أن يكون الكفار ظاهرين فيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم في الدين وذلك قوله: إلاّ أن تتقوا منهم تقاة).
إلى أن يقول، رحمه الله: (حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة فى قوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء. قال لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافرًا وليًا في دينه، وقوله: إلاّ أن تتقوا منهم تقاة، أن تكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك! قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله قتادة في تأويل له وحده، وليس بالوجه الذي يدل عليه ظاهر الآية، إلاّ أن تتقوا من الكافرين تقاة فالأغلب من معاني هذا الكلام إلاّ أن تخافوا منهم مخافة، فالتقية التى ذكرها اللّه في هذه الآية إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم، ووَجَّهه قتادة: إلاّ أن تتقوا اللّه من أجل القرابة التي بينكم وبينهم تقاة فتصلون رحمها، وليس بذلك الغالب على معنى الكلام. والتأويل في القرآن على الأغلب الظاهر من معروف كلام العرب المستعمل فيهم) إنتهى كلام الطبري، وهو يدل على أن إجماع المفسرين قبله، ما عدا قتادة ، هو على الرأي الذي بينا.
انظر قول الطبري: (إلاّ أن تتقوا منهم تقاة، إلاّ أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بالسنتكم).
لذلك كله لا يجوز أن تبقى أدنى شبهة في التحريم المغلظ لموالاة الكفار، بكل أنواعها، وألوانها، وأحوالها، بإجماع أهل القبلة المتيقن على معنى النص القرآني القاطع، إلا ما ثبت، يقيناً، استثناؤه من الله ورسوله بالنص، ولا نعلم من ذلك إلا «التقاة»، كما فصلنا بعضه أعلاه!
وقد نص القرآن على أن: من يتولهم منكم، فإنه منهم، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء وهذا يفيد انقطاع الصلة بالله مطلقا (ليس من الله في شيء)، ولا يكون ذلك إلا بالكفر، أما الفاسق فله بالله بقية صلة، لوجود أصل الإيمان، واسم الإسلام. كما تفيد أن من يتولهم (فإنه منهم)، أي كافر من جملة الكفار. قال ابن جرير رحمه الله: (من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم ويظاهرهم على المسلمين فليس من الله في شيء، أي قد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر)، ثم قال: (ومن تولى اليهود والنصارى من دون المؤمنين فإنه منهم، أي من أهل دينهم وملتهم. فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه). وقال ابن حزم رحمه الله: (صح أن قوله: ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إنما هو على ظاهره، بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين).
وقال الإمام ابن حزم، رضي الله عنه، في «المحلَّى»: (من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين: فهو بهذا الفعل مرتد، له أحكام المرتد كلها: من وجوب القتل عليه متى قدر عليه، ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه، وغير ذلك.
وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين، ولا أعان عليهم، ولم يجد من المسلمين من يجيره، فهذا لا شيء عليه، لأنه مضطر مكره.
أما من كان محارباً للمسلمين، معيناً للكفار بخدمة أو كتابة فهو كافر.
وإن كان إنما يقيم هنالك لدنيا يصيبها، وهو كالذمي لهم، وهو قادر على اللحاق بجمهرة المسلمين وأرضهم، فما يبعد عن الكفر، وما نرى له عذراً، ونسأل الله العافية.) ثم يقول: (ولو أن كافراً مجاهداً ] يعني: مقاتلاً [ غلب على دار من دور الإسلام، وأقر المسلمين بها على حالهم، إلا أنه هو المالك لها، المنفرد بنفسه في ضبطها، وهو معلن بغير دين الإسلام: لكفر معه كل من عاونه، وأقام معه، وإن ادعى أنه مسلم ــ لما ذكرنا).
وقال ابن تيمية رحمه الله: (أخبر الله في هذه الآية أن متوليهم هو منهم، فقوله سبحانه: ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء، يدل على أن الإيمان المذكور ينافي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً).
وقال ابن القيم رحمه الله: (إن الله قد حكم، ولا أحسن من حكمه، أنه من تولى اليهود والنصارى فهو منهم: ومن يتولهم منكم فإنه منهم، فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن، كان له حكمهم، وهذا عام).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ: (وأخبر سبحانه وتعالى أن من تولاهم فهو منهم) (أوثق عرى الإيمان: 26-27).
وقال الشيخ حمد بن عتيق: (قد دلّ القرآن والسنة على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك والانقياد لهم ارتد بذلك عن دينه) (الرسائل والمسائل النجدية 1/745).
قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ: (إن كل من استسلم للكفار، ودخل بطاعتهم، وأظهر موالاتهم، فقد حارب الله ورسوله، وارتد عن الإسلام، ووجب جهاده، ولزمت معاداته) (الدرر السنية ج7 ص11).
نعم، هذا هو الأصل القطعي، وهو الصحيح يقيناً: أن من يتولى الكفار فهو كافر مثلهم، عدو لله ورسوله، خارج عن الإسلام، ولا يجوز صرف الآيات عن ظاهرها، وعمومها إلا ببرهان من الله !
ولكن المسلم قد تزل به القدم، وتغلبه الشهوة، أو الضعف أمام علاقات القربى، أو مصالح الدنيا فيقدم على جريمة موالاة الكفار في حادثة جزئية، أو واقعة معينة كما حدث لحاطب بن أبي بلتعة، رضي الله عنه، وهو مهاجر بدري، من السابقين الأولين، عندما كاتب قريشاً مخبراً إياها بمقدم رسول الله، صلوات الله عليه وعلى آله، بجيشه، وذلك لضمان سلامة بعض قراباته المقيمين في مكة من انتقام قريش وغضبتها! وعندما انكشف الأمر طالب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بضرب عنقه: «لأنه نافق، وارتد عن دينه»، فسأل رسول الله، صلوات الله عليه وعلى آله، حاطباً عن دوافعه لارتكاب تلك الجريمة الشنعاء، فأجاب حاطب بعذره، وأكَّد أنه لم يكفر، ولم يرتد! فصدقه رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فكرر عمر المطالبة بقتله وألح، فقال له النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم؟!». ففي هذه القصة، الثابتة بالتواتر، أمران:
الأول: أنه قد تحصل واقعة من وقائع موالاة الكفار من المسلم، لغلبة ضعف وشهوة، وفي قلبه أصل الإيمان، فلا يكون كافراً !
الثاني: أن علة منع قتل حاطب بن أبي بلتعة، تعزيراً، على تلك الجريمة الشنعاء، إنما هو كونه بدرياً، له سابقة وخصوصية. فدل على جواز إيقاع عقوبة الإعدام على مرتكب مثل تلك الجريمة، جوازاً، لا وجوباً (أي أنها ليست حداً لازماً، بل هي تعزير، يترك لاجتهاد الإمام والقاضي في الأحوال العينية)، وجواز تخفيفها لأهل السابقة والفضل العظيم، كسائر التعزيرات، وفق ما صح من قوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم!»، وفي راوية: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم! ما خلا الحدود»!
مما سبق يظهر بيقين التحريم القاطع لاتخاذ الكفار أولياء، بكل معنى من معاني الولاية، ومنها النصرة والتحالف العسكري! ولقد كان الإمام الطبري دقيقاً عندما قال: (إلاّ أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم علي ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل)، كما يلاحظ ما رواه الطبري من كلام ابن عباس، رضي الله عنهما: (إلاّ أن يكون الكفار ظاهرين فيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم في الدين) فالموالاة المرخص بها، تقاةً، تقتصر على ما تقتضيه الضروره، أو على قدر الحاجة، من إظهار الصداقة والمودة، والمزاورة، والتلطف في المعشر، والتهنئة في المناسبات، والتعزية في الأحزان، ونحوه، وكذلك الاستفادة من النظام العام، في دار الكفر، وما يكفله من لجوء وجوار، وحقوق، وحماية، وأعطيات مالية من بيت مالهم، وكذلك حمل تابعية بلدهم. أما إظهار الكفر، من غير إكراه ملجيء، لمن عجز عن الهجرة فلا، وأما إعانتهم على مسلم برأي أو مشورة فلا، ثم لا، وأفظع من ذلك التجسس لهم على المسلمين، أو مقاتلة المسلمين تحت رايتهم.
نعم يتصور الإكراه الملجيء بسجن إنسان وتعذيبه، مثلاً، وتهديده بالقتل حتى يسجد للصنم، أو يتلفظ بكلمة الكفر، لا يجد عنها محيصاً، ولكن لا يتصور الإكراه الملجيء في من يقاتل المسلمين مع الكفار، أو يتجسس علي المسلمين لمصلحة الكفار، أو يعينهم برأي أو مشورة ملحقاً الضرر بالمسلمين. هذا لا يوجد قط في العالم ولا يكون، ولا يفعل ذلك إلا مرتد ممن شرح بالكفر صدراً، أو فاسق مجرم خبيث ممن آثر الدنيا، ومصالحها، وعلاقاتها، على الله ورسوله، وجهاد في سبيله !
وعلى كل حال فإن الأحكام السابقة المتعلقة بالموالاة، والإكراه إنما هي أحكام شرعية تخص الفرد المسلم الواقع تحت هيمنة الكفار في دار الكفر، أو المأسور في أيديهم والمعرض لتعذيبهم ونكالهم، وليست هي أحكاماً للدولة، أي للجماعة، بوصفها جماعة، أو للإمام، بوصفه إماماً ورئيساً للدولة.
أما الدولة الإسلامية فلا يتصور وقوعها تحت هيمنة الكفار وقهرهم، كما هو الشأن في أحوال الوقوع فريسة الاستعمار، أو تحت الحماية والانتداب، أو الاحتلال العسكري، أو الوصاية، أو الانضمام، طوعاً أو كرهاً، إلى كيان كافر، أو غير ذلك من أحوال فقدان الاستقلال والسيادة، لأن ذلك يعني تحول الدار إلى دار كفر، وزوال الدولة وسقوطها، فتصبح في حكم المعدومة شرعاً. فلا يقال: كيف تتصرف الدولة في مثل هذه الأحوال، لأنها معدومة شرعاً، ويعود السلطان إلى أهله، وهم المسلمين، بوصفهم أمة، وإلى كل فرد مسلم، بوصفه مكلفاً، فيكون السؤال: ماذا يفعل المسلمون، وكيف يتصرفون ؟!
فالدولة الإسلامية ما هي إلا كيان تنفيذي لتطبيق الإسلام في الداخل وحمل دعوته إلى الخارج، كيان تنفيذي للأمة أنشأته الأحكام الشرعية، فليس لها وجود طبيعي وراء ذلك، بخلاف الفرد المسلم الذي له وجود طبيعي يتكون من لحم ودم، وله خواص ذاتية منها العقل وحرية الاختيار، كل ذلك موجود فعلاً، وهو غير كونه مسلماً، ووراء كونه مسلماً !
والواجب على المسلمين، أفراداً وجماعات، في مثل تلك الأحوال العمل على تحويل الدار إلى دار إسلام، بإعادة سيادة الشرع، وسلطان المسلمين. كما أن الجهاد يصبح فرض عين لإخراج الكافر مما احتله من بلاد المسلمين، وإنهاء تسلطه، ومحق ما قد يكون أدخله من أنظمة الكفر، وإبطال جميع تصرفاته المخالفة للشرع، كل ذلك وفق الأحكام الشرعية، وبالكيفية المفصلة في غير هذا الموضع.
أما إذا كانت الدولة الإسلامية موجودة، وذلك يقتضي ضرورة أنها تطبق الشرع، في الداخل، وفي العلاقات الدولية على حد سواء، وتتمتع بالسيادة والاستقلال التامَّين، فإنه لا يجوز لها بتاتاً أن تكون في «حلف» عسكري مع الكفار، لأنها كيان تنفيذي ينوب عن الأمة في تنفيذ الشرع، وحمل دعوته إلى العالم، فهي نائبة عن الأمة الإسلامية (أو عن شعب من شعوبها في حالة الأمارة الشرعية الخاصة، حالة الضرورة). والأمة الإسلامية، وكل شعب من شعوبها، شعباً شعباً، وكل فرد من أفرادها، فرداً فرداً، قد حرم الله علية موالاة الكفار تحريماً مغلظاً قاطعاً، إلا ما استثني على مستوى الدولة من أحكام أهل الذمة، الذين هم أمة «مع» المؤمنين، خاضعين تماماً لأحكام الإسلام، مقرين بالسيادة الإسلامية، ونحوها من الأحكام، وما استثني على مستوي الفرد من أحكام «الإكراه» وأحكام «التقاة» ، ونحوها، لا غير!
والحلف في اللغة العهد والصداقة والنصرة، يقال حالفه أي عاهده على الصداقة والنصرة. إلا أنها أصبحت تطلق في العصر الحديث أكثر ما تطلق على المعاهدات العسكرية خاصة. والأحلاف العسكرية هي اتفاقات تعقد بين دولتين أو أكثر تجعل جيوشها تقاتل مع بعضها عدواً مشتركاً. وهذا الأحلاف قد تكون معاهدة ثنائية تعقد بين دولتين، أو متعددة الأطراف تعقد بين عدة دول. وفي حالة وقوع اعتداء على إحدى الدول المتعاهدة تتشاور هذه مع حليفاتها، ثم بناء على ما تمليه المصلحة تعلن الحرب على المعتدي. وقد يكون الحلف معاهدة جماعية يعتبر فيها الاعتداء على أي واحدة من الدول المتعاهدة اعتداء عليها جميعاً، وإذا وقعت الحرب بين إحداها ودولة أخرى أصبحت جميع الدول المتحالفة في حالة حرب مع تلك الدولة الأخرى فوراً، وبصفة آلية.
وهذه الأحلاف كلها، سواء كانت ثنائية، أو متعددة الأطراف، أو جماعية تحتم أن يحارب الجيش مع الحليف ليدفع عنه، ويحمي كيانه، سواء كانت لها قيادة واحدة مشتركة، أم قيادات متعددة.
وهذه الأحلاف مع الكفار كلها باطلة من أساسها، ولا تنعقد شرعا، والإقدام عليه، والمشاركة فيها إثم كبير في حق الله، وجناية عظيمة على الأمة، وذلك للأدلة التالية :
أولا: لأنها يقيناً من الموالاة، بل هي أخص وأعلى لون من ألوان الموالاة: ألا وهي النصرة بالقوة المسلحة. وقد حرم الله موالاة الكفار تحريماً قطعياً، إلا ما اسثني منها كما أسلفنا أعلاه (على المستوي الفردي وعلى المستوى الجماعي على حد سواء). وليست الأحلاف العسكرية مما استثني بكتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس منضبط !
ثانيا: لأنها يترتب عليها القتال بما فيه من سفك الدماء، وإتلاف الأموال دفاعاً عن واحد أو أكثر من أنظمة الكفر. وأنظمة الكفر غير محترمة، وواجبة الإزالة شرعاً. بل لم يشرع الجهاد إلا لتحطيمها ومحقها، وإزالة هيمنتها عن رقاب الناس، وفتح الأبواب أمام دعوة الحق ليحيي من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة! والدماء المسلمة المعصومة الزكية إنما تراق لإزالتها، فكيف تنقلب الآية فتراق لحمايتها؟! فالقتال لم يشرع أصلا ولم يؤذن به إلا لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى يسود الإسلام: حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فكيف يسمح لراية الكفر أن ترتفع بجانب راية الإسلام ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!
والفرد المسلم لا يقاتل أحداً، ولا يسفك دماً، إلا عدواً صائلاً للدفاع عن الدين، بما في ذلك الوطن الإسلامي، والنفس، والأهل، والكرامة، والعرض، والمال؛ ولا يبتديئ بقتال الناس إلا لإدخالهم تحت سلطان الإسلام، أي ليدخل الناس في الإسلام من الكفر. أما أن يقاتل الكفار لينتقلوا من كفر لكفر، ويسفك دمه في ذلك، فلا، وألف لا! بل هو حرام قطعاً. وهو قتال «عصبية»، وقتال تحت راية « عمية » !
نعم، لقد أذن الشرع للدولة الإسلامية، بشروط شرعية معينة لكل حالة بحسبها، في موادعة بعض الكيانات الكافرة، ومهادنة بعضها، ومصالحة الأخرى، وفق ما تقتضيه ظروف الحال، ومصلحة الدولة الإسلامية، ومصلحة الدعوة الإسلامية، ولكن أين هذا من الدفاع عنها، والقتال في سبيلها؟! شتان بين هذا وهذا !
ثالثاً: ولأن التحالف يحتم على المسلمين القتال مع الكفار حال احتفاظ هؤلاء بكيانهم كدول لها رايتها، وليس بصفتهم أفراداً تحت الراية الإسلامية، ويترتب على ذلك أن يقاتلوا تحت رايتهم، وبشخصيتهم المستقلة، فتصبح راية الكفر، وكلمة الكفر، حينئد ظـاهرة عليا، وهو حرام قطعاً لمصادمته لقوله تعالى: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، ولقوله:
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
ولقوله:
إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين
وهو حرام كذلك لأن القتال لم يشرع أصلا، ولم يؤذن به، إلا لتكون كلمة الله هي العليا وحتى يسود الإسلام: حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، فكيف يسمح لراية الكفر أن ترتفع تجانب راية الإسلام ؟!
ولأن الثابت أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عن الإستعانة بالكفار حال كونهم طائفة مستقلة تحت راية الكفر، ولم يأذن حتى لأفراد الكفار بالقتال تحت رايته إلا في أحوال نادرة، مع شدة الحاجة، وتكالب الأعداء، كما أسلفنا. وكذلك لما ورد عن عائشة قالت: خرج النبى صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة ادركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما ادركه قال: (جئت لاتبعك فأصيب معك) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تؤمن بالله ورسوله» قال: لا، قال: «فارجع فلن استعين بمشرك»، قالت ثم مضى حتى اذا كان بالشجرة ادركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، فقال :لا، قال: «فارجع فلن استعين بمشرك»، قال : فرجع فأدركه بالبيداء، قال له كما قال أول مرة: «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: (نعم). فقال له: «فانطلق». (حديث صحيح رواه مسلم).
وما ورد عن خبيب بن عبد الرحمن عن ابيه عن جده قال: (أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزواً أنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: (إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهداً لانشهده معهم)،
فقال: « أسلمتما ؟»
فقلنا: (لا)،
فقال: « إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين » ، فأسلمنا وشهدنا معه). رواه أحمد، والحاكم وصححه.
كما روي من حديث الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد فإذا كتيبة حسناء (أو قال: خشناء)، فقال: «من هؤلاء؟!»
قالوا: (يهود كذا، وكذا). فقال: «لا نستعين بالكفار».
رابعاً: لأنها يترتب عليها، لا محالة، ما هو أفظع من ذلك بأن تكون لهم الأمرة والقيادة ! وذلك في جميع الأحوال، سواء كانت القيادة العسكرية للحلف موحدة، أم كانت له قيادات عسكرية متعددة، لأنها كلها تخضع بداهة للقيادة العليا، وسلطة الأمر والنهي، التي تمارسها القيادة السياسية، وهي في الحلف بين الدول إجماعية بالضرورة، يشترك فيها الكفار بصوت ملزم.
وقتال المسلم تحت إمرة كافر، وتحت راية كفر محرم تحريماً أبدياً لأن في ذلك فوق ماسبق من التحريم القاطع لظهور الكفر واستعلاءه، تمكينا للكفار من رقاب المسلمين واذلالاً لراية الإسلام، وهو من أعظم السبيل الذي نهي الله عنه و حرمه تحريماً أبدياً في قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وقوله: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وقوله: إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين، وقوله: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكذلك لما رواه أحمد والنسائي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تستضيئوا بنار المشركين»، أي لا تجعلوا المشركين ضوءاً لكم، وهي كناية عن الحرب مع المشركين، وأخذ رأيهم، لأن النار كناية عن الحرب، و«نار التهويل» كانت العرب في الجاهلية توقدها عند التحالف. وربما كان المقصود لا تكونوا تحت راية المشركين، ولا تتحلوا بشعارهم، لأن النار هي الشعار أو الوسم، فتقول العرب لمن نشد ضالة الإبل: (ما نارها، يا أخا العرب!)، أي ما شعارها أو وسمها الذي تتميز به! وكلا المعنيين مقصود لأنهما متلازمان.
لهذا كله لا يجوز أن تكون هناك أدنى شبهة في حرمة الأحلاف العسكرية مع الكفار، تحريماً مغلظاً أبدياً. كما أن كل ماقيل عن الأحلاف مع الكفار، يقال عن تأجير القواعد العسكرية، أو منحها، لهم، بل هذا أقبح وأنكر، لأنه يمكنهم، بالإضافة إلى ما سلف، وفوقه في الإثم، من السيطرة على أرض إسلامية، ورفع راية الكفر عليها.
وتتضاعف الجريمة، ويتأكد الإثم، إذا كانت القواعد العسكرية الكافرة في جزيرة العرب، التي حكم الله، ولا أحسن من حكمه، على لسان رسول الله، بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو على فراش الموت، في السياق الأخير: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب!»، وكذلك، في أيامه الأخيرة: «أن لا يجتمع فيها دينان»، و«أن يخرج منها اليهود، والنصارى، حتى لا يبقى فيها إلا مسلماً»، و«أن يُخْرَج منها المشركون»!
لكن آل سعود أبوا إلا أن يضربوا بذلك عرض الحائط، فتصادقوا وتحالفوا مع دول الكفر، وقاتلوا تحت رايتها، وأقروا بمواثيق منظمة الأمم المتحدة الكفرية، ثم «توَّجوا» جرائمهم بتمكين الكفار الحربيين من احتلال جزيرة العرب، ورفع راياتهم، رايات الكفر، عليها. وها هم هناك: يحاصرون العراق، ويدمرون بنيته التحتية، ويقتلون أهله، ويذلونهم، ويبيضون ويفرخون، ويلاوطون، ويزنون، ويساحقون، ويتسافدون تسافد الحُمُر، وما من حسيب أو رقيب!
كل ذلك فعله آل سعود من أجل شهوات البطون والفروج، وحب التسلط، والملك: وإن ملكهم لزائل!!
فتحريم الاستعانة بالكفار في القتال بوصفهم دولة مستقلة ذات سيادة وراية، أو حتى للقتال تحت قياداتهم ورايتهم أمر واضح، لا نعلم فيه خلافا بين الفقهاء، بالأدلة اليقينية السابق ذكرها، والتي يشهد لها كذلك مارواه أحمد والنسائى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تستضيئوا بنار المشركين»، ونار القوم كناية عن كيانهم في الحرب كقبيلة مستقلة أو كدولة. ولحديث الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد فإذا كتيبة حسناء (أو قال: خشناء)، فقال: «من هؤلاء؟!» قالوا: (يهود كذا، وكذا). فقال: «لا نستعين بالكفار»، وقال البيهقي: والصحيح ما اخبرنا الحافظ ابوعبد الله، فساق بسنده الى أبي حميد الساعدي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا خلف ثنية الوداع، اذا كتيبة قال: «من هؤلاء؟ قالوا بنو قينقاع، رهط عبد الله بن سلام، قال: أو تسلموا؟ قالوا لا، فامرهم أن يرجعوا، وقال: انا لا نستعين بالمشركين، فأسلموا»، كما أخرجه الحاكم في المستدرك، واسحاق بين راهوية في مسنده، والطحاوي في مشكل الآثار، والواقدى في المغازى. فان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم رد رهط عبد الله بن سلام من بني قينقاع لانهم جاءوا طائفة مجتمعة في كتيبة كافرة، وجاءوا تحت رايتهم، باعتبارهم من بني قينقاع، التي بينها وبين الرسول معاهدات، وكانت كدولة، ومن أجل ذلك رفضهم. فرفضهم كان لكونهم جاءوا تحت رايتهم وفي دولتهم، بدليل قبوله صلى الله عليه وسلم الاستعانة باليهود في خيبر حين جاءوا افراداً. وحديث ابي حميد هذا يتضمن علة شرعية اذا وجدت وجد الحكم واذا عدمت عدم الحكم، والعلة في الحديث ظاهرة في نص الحديث فإنه يقول: «.... إذا كتيبة، قال من هؤلاء! قال رهط عبد الله بن سلام...» فإن معنى أنه كونه كتيبة أي جيش مستقل، وراية مستقلة، لأن لكل كتيبة راية. فصار كونهم كتيبة كافرة، لها راية مستقلة، ومن بني قينقاع اليهود الذين هم بمقام دولة، بينهم وبين الرسول معاهدات، هو علة ردهم، لا كونهم كفاراً فقط، بدليل أنه أمرهم أن يرجعوا بناء على ذلك وعلى رفضهم الإسلام، لا على رفضهم فقط، هذا على فرض ثبوت الحديث، وهو ثابت إلا فيما يتعلق بلفظة: «فأسلموا»، لأن فيها نكارة واضحة، من حيث أنه لم يحفظ قط أن كتيبة بأكملها من بني قينقاع قد أسلمت، ولو حدث ذلك لتداعت الهمم إلى نقله، بل لنقل بالتواتر، فالأرجح، إن كان أصل القصة محفوظاً، أن يكون أحد الرواة وهم فقال: «أسلموا» بدلاً من «لم يسلموا»، ومهما يكن فهذا لا يؤثر على الاستدلال بالحديث، والله أعلم على كل حال!
ويؤيد ما أسلفناه ما رُوِيَ من حديث أنس، مرفوعاً: «لا تستضيئوا بنار المشركين»، فانه مسلط علـى الكيان، كما يؤيده قبول الرسول الاستعانة بقزمان في نفس موقعة أحد مع انه مشرك، فان معنى ذلك هو رفض الاستعانة بالكافر بوصفه كياناً وقبول الاستعانة به بوصفه فرداً. وعلى هذا تكون الاستعانة بالكفار كطائفة كافرة، أوقبيلة كافرة، أو دولة كافرة، وتحت رايتهم، وكجزء من دولتهم لاتجوز، ولا بوجه من الوجوه.
واما كون خزاعة خرجت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قريش عام الفتح وهي قبيلة مستقلة، فانه لا يدل على جواز الاستعانة بطائفة لها كيان مستقل، وذلك ان خزاعة في عام الحديبية كانت حاضرة حين كتبت معاهدة الصلح بين قريش وبين المسلمين، فحين ورد في المعاهدة نص: (انه من احب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن احب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه)، وبناء على هذا النص تواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر بن كنانة فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم. فصارت خزاعة مع المسلمين في هذه المعاهدة التي بين قريش والمسلمين، وادخلها الرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في حمايته وتحت رايته كجماعة من دولته بحسب المعاهدة، ولذلك تكون حاربت كقبيلة تحت راية المسلمين وكجزء من الدولة الإسلامية، لا كطائفة مستقلة لها راية مستقلة فيكونون كالافراد في حكمهم لا كالكيان.
واما ما يتوهم من ان خزاعة كان بينها وبين الرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حلف او معاهدة فغير صحيح. فان المعاهدة كانت بين الرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبين قريش لا بين الرسول، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبين خزاعة. وبناء على هذه المعاهدة دخلت قبيلة بني بكر بن كنانة مع قريش كجزء منها. ودخلت قبيلة خزاعة مع المسلمين كجزء من كيانهم. وعليه لا تكون حرب خزاعة مع الرسول، صلوات الله عليه وعلى آله، حرب طائفة كافرة مع المسلمين، بل حرب افراد كفار في قبيلة كافرة مع المسلمين تحت راية المسلمين وهذا جائز لاشىئ فيه، هذا على فرضية التسليم بأن خزاعة كانت في جملتها كافرة، وهو أمر غير مسلّم عند كثير من الباحثين ويستدلون بأدلة جيدة على أن جمهور خزاعة دخلت الإسلام بعد الحديبية، وقبل فتح مكة، فلم تعد من ثم قبيلة كافرة مستقلة، ذات راية مستقلة (زاد المعاد، الجزء الثالث ص392).
وأما ما رواه احمد وأبو داود وابن حبان وابن ماجة، بأسانيد ظاهرها الصحة، عن ذي مخبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستصالحون الروم صلحاً تغزون انتم وهم عدواً من ورائكم»، وهو حديث كثر الاستشهاد به هذه الأيام على ألسنة بعض المفتونين من أدعياء العلم، فتمام الحديث هو: «... فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب! فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فيغدر به القوم ويكون الملاحم، فيجتمعون لكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف»، بطرق متعددة اضطرب فيه الألباني فحسنه في موضع وصححه في غيره. ويلاحظ على هذا الحديث مايلي:
(1) ـــ لم يخرجه أهل الصحاح ــ البخاري ومسلم ــ وإنما أخرجوا حديث عوف بن مالك الاشجعي، رضي الله عنه، وأحد ألفاظ البخاري هو: «اعدد ستًا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس. موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً»، والهدنة إنما تكون بين الأطراف المتحاربة لإيقاف القتال، لا بين الأحلاف! وأخرج مثله عن عوف بن مالك الاشجعي، رضي الله عنه، بألفاظ متقاربة كذلك ابن ماجة والحاكم والطبراني ونعيم بن حماد في الفتن، كما أخرج أحمد والطبراني في الكبير عن معاذ رضي الله عنه مثله حيث يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «... موت يـأخذ في الناس كقعاص الغنم، وأن يغدر الروم فيسيرون بثمانين بنداً تحت كل بند اثنا عشر ألفا»، وهذا الغدر إنما هو نقض العهد بالهدنة، كما هو مشار إليه في حديث معاذ، رضي الله عنه، ومصرح به في حديث عوف بن مالك الاشجعي، رضي الله عنه، السابق، ومصرح به كذلك في الحديث الآتي الذي أخرجه الحاكم عن أبي هريرة: «... وفتنة تكون بينكم لا يبقى بيت مسلم إلا دخلها، ثم يكون بينكم وبين بني الأصفر هدنة فيغدرون فيسيرون في ثمانيين غاية تحت كل غاية إثنا عشرة ألف»، كما أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص: «.. وموت كقعاص الغنم ــ أربع، وهدنة تكون بينكم بين الأصفر يجمعون لكم تسعة أشهر كقدر حمل المرأة ثم يكونون أولي بالغدر منكم ــ خمس، وفتح مدينة..».
فحديث عوف بن مالك هو الأصح، سنداً ومتناً، و يعضده حديث أبي هريرة وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص، لا يذكر مشاركة للروم في الغزو والقتال، فالأرجح أن تكون قصة المشاركة في القتال الواردة في حديث ذي مخبر غير محفوظة لمعارضتها لما هوأصح من الأحاديث، فالحادثة واحدة ولا شك، وهي تلك الأحداث والملابسات الجسام المؤدية إلى الملحمة الكبرى، ويتعذر الجمع بين تلك الروايات المتناقضة.
(2) ـــ على فرض صحة الحديث فهو لا يحتوى حكما شرعيا مناقضاً لما اسلفناه، لأنه اخبار عن عمل يقوم به المسلمون في آخر الزمان، وذكر غدر الروم قرينة على ذم هذا العمل وأنه سيجر على الأمة أوخم العواقب من الفتن والملاحم العظيمة.
(3) ـــ على فرض صحة الحديث فإنه يحمل قوله: «تغزون انتم وهم عدواً من ورائكم»، على افراد الروم لا على دولتهم، وذلك لأنه قال: «ستصالحون الروم صلحا تغزون»، والصلح بين المسلمين والكفار إنما يكون، عادة عند جمهور الفقهاء، عند قبولهم الجزية ودخولهم تحت حكم المسلمين، لان الإسلام قد امر المسلمين ان يخيروا الكفار الذين يحاربونهم بين ثلاث: الإسلام أو الجزية أو الحرب، فإذا حصل الصلح وهم كفار لايكون الا في حال دفع الجزية ودخولهم تحت الراية الإسلامية. فقوله «ستصالحونهم»، قرينة على أنهم تحت راية المسلمين فهم حينئد افراد، أو على أقل تقدير جماعات وكيانات في حكم الأفراد، كما يشهد لهذا ويقويه ان الحديث ينص على رفع أحدهم للصليب، مما يدل على أن الصليب لم يكن قبل ذلك مرفوعاً وهذه قرينة قوية على أنهم كانوا حتى ذلك الغدر تحت راية المسلمين وقيادتهم، لا يرفعون الصليب ولا يظهرونه، اما بالنسبة للقوات الامريكية التي احتلت دول الخليج مؤخراً فالصليب مرفوع ظاهر صراحاً في رايات عدد من الدول، مثل: بريطانيا، وهو على كتف كل جندى امريكى ومعلق في عنق كل مجندة.
كل ذلك يؤكد أن المراد بالحديث الروم افرادا، لا كدولة، أو على أقصى تقدير جماعات وكيانات في حكم الأفراد، ويوجب حمله على هذا، وذلك على فرض صحة متن حديث ذي مخبر، وبذلك يتبين أنه لا يوجد دليل صحيح، يسلم من المعارضة، يدل على جواز الاستعانة بالمشركين كدولة، بل الادلة صريحة قاطعة في عدم جواز ذلك مطلقاً.
هذا كله بالنسبة للاستعانة بالكافر أن يقاتل بنفسه مع المسلمين، أما الإستعانة بالكافر بأخذ السلاح منه، فانه يجوز سواء أكان السلاح من فرد أو من دولة، على أن يكون ذلك إعارة مضمونة، لما روي أنه لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير الى هوازن ليلقاهم ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً وسلاحاً فارسل إليه وهو يومئد مشرك فقال: (يا أمية! أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً، فقال صفوان: أغصبًا يامحمد؟ قال: بل إعارة مضمونة حتى نؤديها لك، فقال: ليس بهذا بأس، فأعطاه مائة درع بما يكفيهامن السلاح، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفيهم حملها ففعل) فهذا واضح فيه أن الرسول استعان بكافر بأخذ السلاح منه، وهو وإن كان فرداً الا أنه رئيس قبيلة. على ان مجرد اخذ السلاح من كافر دليل على جواز اخذه من الكافر مطلقاً مالم يرد دليل يخصص عدم الإستعانة بهم كدولة كماهي الإستعانة في القتال. لكنه لم يرد دليل يمنع اخد السلاح من دولة فيظل على إطلاقه من جواز أخذه من الكافر مطلقاً إعارة مضمونة، اوشراء بالثمن، أو حتى قبولاً لهدية غير مشروطة. على ان أخذ الدولة السلاح إنما يحصل غالباً من دولة. وعليه يجوز الاستعانة بأخذ السلاح من دولة كافرة.
أما دخول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة في جوار المطعم بن عدي، فلا محل له ها هنا لأنه يدل على جواز دخول الفرد المسلم في جوار وحماية أهل المنعة من الكفار، ولا علاقة لهذا بالأحكام المنظمة لعلاقة الدولة الإسلامية بدول الكفر وأفراد الكفار.
وكذلك دخول أبي بكر رضى الله عنه في جوار ابن الدغنّة أيام اشتداد البلاء بالمسلمين في مكة قبل الهجرة إلى المدينة ــ كما أخرجه البخارى ــ فهو من هذا الباب كسابقه، لا علاقة له بموضوعنا هذا.
وكذلك دخول المسلمين أفراداً بعد هجرتهم إلى الحبشة تحت سلطان النجاشي لا علاقة له بموضوعنا هذا، وهو دليل على جواز دخول المسلم تحت سلطان الكفر واقامته في دار الكفر إذا أمن على دينه ونفسه. كما أنه دليل على جواز طلب الجوار والحماية (اللجوء السياسي) لأفراد المسلمين من دولة كافرة، ولا علاقة لهذا بموضوع الإستعانة بدول الكفر في قتال المسلمين. ويشبه ذلك حماية أبي طالب طوال حياته لرسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بدافع من العصبية والنخوة بالرغم من كونه مشركاً، وكذلك مناصرة بني هاشم وبني المطلب مسلمهم وكافرهم للنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأصحابه في مواجهة حصار قريش لهم في شعب بني عامر بناءاً على صحيفتهم الظالمة، فذلك كله جائز ولا علاقة لهذا بالإستعانة بدول الكفر في القتال ضد المسلمين.
وكذلك توجه، النبـى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في السنة العاشرة من البعثة بعد اشتداد أذى قريش له بعد وفاة عمه أبى طالب وخديجة رضى الله عنها إلى الطائف طالبا النصرة، قبل التوجه إلى الطائف، وبعده، إلى القبائل المختلفة في موسم الحج طالبا للنصرة لا علاقة له بموضوعنا هذا، لأن طلب النصرة من الطريقة الثابتة في حمل الدعوة لاقامة الدولة الإسلامية فهو من أعمال حامل الدعوة قبل وصوله إلى إقامة الدولة.
مما سبق يتبين، كذلك، بطلان ما استدل به البعض من استئجار رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأبن أبي أريقط دليلا في هجرته إلى المدينة، فهذا يدخل تحت حكم الاجارة، وهذا جائز من المؤمن للكافر ومن الكافر للمؤمن، فضلاً عن ان عقد الاجارة وقع على فرد كان خاضعاًَ لأوامر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتوجيهاته، وليس على دولة ذات سيادة وراية مستقلة، ولم يكن موضوع الإجارة هو القتال، وإنما كان الإعانة في السفر، والدلالة على الطريق. والعجيب أن «الدكتور» ربيع بن هادي المدخلي استشهد بهذه القصة ثم ختم قائلاً: (... ثم أرأيت لو أن عدواً اعترض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طريق الهجرة وشرع في قتاله وأراد عبد الله بن أريقط أن يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعاً عنه، أكان يمنعه من مشاركته في هذه المعركة ؟) ولا ندري هل أصبح الدكتور ممن يعلم (مالم يكن لو كان كيف يكون)؟؟ ولو أراد الله أن يشرع ذلك، لأذن لمثل هذه الواقعة أن تحدث حتى يشرع ما يناسبها. ولكن هذا شأن المفتونين الهلكى من أمثال المدخلي: يقوِّلون ربهم ما لم يقله، أو يتخيلون وقائع لم تقع، كأنه فات على الرب، جل جلاله، أن يأذن بوقوعها ليشرع ما يلزم لمثل أحوالها، فيستدركون عليه ما فاته بزعمهم، سبحان الله وتعالى عن قول الظالمين علواً كبيراً.
ثم لو وقعت، كما تصوره المدخلي بخياله المريض، لكانت دليلاً على جواز اشتراك أفراد من المسلمين المطاردين الذين ليس لهم دولة تحميهم أو كيان يأويهم، مع أفراد من المشركين، في دفع عدو صائل، بل في دفع أخبث أنواع العدو الصائل ألا وهو: قوة قبيلة أو دولة أو كيان مشرك يريد فتنة أفراد عن دينهم وقتلهم إن لم يرتدوا، فإي علاقة لهذا المناط مع قتال دولة قائمة، تزعم أنها «مسلمة»، لها راية، تحت راية الكفار ضد مسلمين لتدميرهم وإذلالهم؟ ثم المشاركة بعد ذلك على مدى سنوات طوال في حصارهم وتجويعهم والإمعان في تدميرهم وإذلالهم؟؟
أما بالنسبة لقصة سراقة بن مالك الذي كان أول النهار كما قال أنس: (.... جاهداً على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخر النهار مسلحة له) أي حارساً، وقال الدكتور ربيع بن هادي المدخلي نفسه: (لقد علمت كيف بذل ماله للرسول صلى الله عليه وسلم ثم تحول وهو على شركه إلى جندي، قام بما لم يقم به الجيش في الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شهد له أبو بكر بهذا العمل العظيم، وشهد له بالوفاء). فهل في وضع سراقة بن مالك وهو فرد واحد تحول من طالب لجائزة قريش إلى جندي وحارس للنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو فرد جند نفسه لحراسة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يأتمر بأمره ويخضع لتوجيهه، هل في هذا الوضع أدنى مشابهة لجحافل قوات دول الغرب الكافرة التي جاءت تحت راياتها الكفرية، ورايتها مرفوعة خفاقة، واستعمرت جزيرة العرب، ودمرت العراق، ومازالت تحاصره؟؟؟
إن استشهاد الدكتور المدخلي ــ وأمثاله من المفتونين وفقهاء السلاطين ــ بمثل ذلك لهذا مصداق لقوله تعالى: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور!!! وهو كذلك تأكيد أن هذه الأمة ليست بمنجى مما ابتلي به بنوا اسرائيل، في أحبارها، من تحريف الكلم عن مواضعه، وإبراز ما يعجبهم من كتاب الله وإخفاء ما لا يناسب أهواءهم ومقاصدهم.
أما ما نصت عليه صحيفة المدينة فان واقعها لا ينطبق على واقع الحال فيما جري في الاحداث الأخيرة أثناء أزمة الكويت من استقدام لدول الكفر، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل إلى المدينة وكان اليهود والأنصار أهل الدار من قبله، وإنما كان دخيلاً عليهم، ومع ذلك فقد خضع اليهود بموجب هذه الصحيفة لسيادة الإسلام، تحت حكم الله ورسوله، فكان من الخطأ الفادح مقارنة هذا المناط مع مجريات الأحداث الآخيرة والتي بموجبها استدعى الكفار من وراء البحار وصارت لهم الهيمنة والسيطرة على المسلمين وبلادهم، بل أصبحوا يشكلون جيش احتلال اجنبي كافر. ثم إن كيان الإسلام في صدر الهجرة كان وليداً حدثا، وقد أثبتت روايات السيرة لاحقا النهي عن الإستعانة بالكفار حال كونهم طائفة مستقلة كما أسلفنا القول.
ونكرر القول أنه لم يحدث ابداً في عهد رسول الله أن إستعان بكافر على مسلم أو أنه أجاز ذلك، وإنما كانت الإستعانة إن وجدت على كل حال على الكافرين والمشركين ولم تكن على مسلم قط، ويشهد لذلك امتناع أبي بكر رضي الله عنه عن محاربة بعض المرتدين ببعض، لا بل أنه رفض الاستعانة ببعض من ارتد سابقاً، حتى بعد عودتهم إلى الإسلام، في حربه الفارس والروم رغم حاجته الماسة الى الرجال!
ومن أراد الاستزادة من فقه هذا الباب فعليه بالرجوع إلى الكتب المختصة ومنها:
(1)ــ (الإستعانة بغير المسلم) للدكتور عبد الله الطريقى (رسالة دكتوراه).
(2)ــ (احكام أهل الذمة) للأمام ابن القيم.
(3)ــ (المغنى) للأمام ابن قدامة في أبواب قتال أهل البغى، وأبواب الجهاد، والغنيمة.
(4)ــ (نيل الأوطار) للأمام الشوكاني الجزء الثامن ــ باب الإستعانة بالمشركين.
(5)ــ (نقد القومية العربية) للشيخ عبد العزيز بن باز ، ص 29 وما بعدها، نشر المكتب الإسلامي - الطبعة السادسة 1408هــ. لاحظ أن الشيخ هنا قد غلا غلواً شديداً فحرم استخدام أفراد المشركين أوالإستعانة بهم في أعمال الهندسة والطب وغير ذلك، ولم يأذن بذلك، ولا حتى في حالة الضرورة، وهو مذهب باطل على التحقيق. كل ذلك كان «حقاً» عندما كان المقصود هو إحراج جمال عبد الناصر، ولكن عندما احتاج «أسياده» من آل سعود لأسيادهم الأمريكان نكص الشيخ على عقبيه وأصدر هو، وغيره من مشايخ آل سعود، فتواهم الشنيعة التي استند عليها آل سعود في تنفيذ جريمتهم النكراء، نعوذ بالله من الخذلان!
(6)ــ (الإستعانة بغير المسلمين في الجهاد الإسلامي) دكتور عثمان محمد شبير، مقالة في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ــ السنة الرابعة العدد السابع ــ شعبان 1407هـ