PDA

View Full Version : إتحاف المؤمنات بما لهن في الحج من ذكريات


أبو لـُجين ابراهيم
25-02-2001, 08:15 AM
إتحاف المؤمنات بما لهن في الحج من ذكريات

يا أمة الرحمن ، ويا ربيبة التقى والإيمان ، ويا فيض الرحمة وينبوع الحنان ، أرجو أن تسرحي بخيالك الخصيب ، وفكرك اللبيب ، لتتأملي روائع من تاريخك العجيب ، في الحج تبدو ذكرياتك واضحة جلية ، مضيئة بهية برّاقة سنية محترمة مرضية ، رائعة نقية فواحة زكية ، إذا حج المؤمنون تراءت أمام أعينهم تلك المواقف الرائعة للمرأة المسلمة فكم من موقف لها فيه ذكرى ، وكم من مقام لها منه معنى .

هل السعي بين الصفا والمروة بعد فضل الله تعالى إلا حسنة من حسنات أمّتنا هاجر عليها السلام ؟!!

وهل ماء زمزم إلاّ بفيض من إيمان هاجر ودعاء هاجر ونداء هاجر ، لتروي عطشها وعطش الغلام ؟!!

يا من قصدت هذا البيت الحرام ، لأداء ركن من أركان الإسلام ، وأنت تطئين بقدميك المتوضيء ثرى مكة الطاهر تتجولين في جنباتها ، أما طاف بخيالك صورة مشرقة وأنت تتأملين شريط ذكريات الإسلام الخالد ، أما تذكرت أمّك هاجر المؤمنة الواثقة بربها ، المطيعة لزوجها ، هاجر التي جاء بها إبراهيم عليه السلام وبإبنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء فوضعهما هناك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم ففَّي إبراهيم منطلقاً ، وتركهما ، فتبعته هاجر فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به إنسُ ولا شيء ، وأعادت عليه ذلك مراراً وهو لا يلتفت إليها ، فقالت : يا إبراهيم آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، فقالت هاجر كلمتها الرائعة الناصعة المدوّية : إذا لا يُضيّعنا ، أرأيت أختي المؤمنة قوة الإيمان أرأيت قوة الثقة بالله والاعتصام به والتوكل عليه .

أما طاف بخيالك صورة مشرقة لأمك خديجة وهي تتابع في لهفة وشوق مسيرة الدعوة وثمرات الرسالة ؟ أما تراءت أمام ناظريك لمحة ممتعة لأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، أسماء ذات النطاقين التي كانت تقطع المسافات الطويلة في وهج الظهيرة وتحت لهيب الشمس المحرقة حاملة الزاد من بطن مكة إلى غار ثور حيث يختبيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوها ، والتي أرادت أن تربط الزاد لهما فلم تجد ما تربطه به ، فشقّت نطاقها نصفين لتربط الزاد بنصف وتنطق بالنصف الآخر فسميت ذات النطاقين ، تلك المرأة التي أسهمت في نصرة الحق وفي إتمام خطة الهجرة ، رضي الله عنها وأرضاها .

أما تذكرت وأنت في خيمة الحج أمك عائشة رضي الله عنها وأرضاها حينما قدمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهي تروي بعض مواقف الحج وتخبر أنها مع أخواتها من المؤمنات المُحرِمات يكشفن عن وجوههن فإذا مرّ بهن الركبان والرجال الأجانب أسدلن الأغطية على وجوههن ، أما تذكّرتِ ذلك ، فسرت على نهجها وفعلت فعلها ، لأنك ترضي لنفسك أن تأتي للحج وللبحث عن المغفرة فتكوني عوناً لإبليس على فتنة المؤمنين وإغواء المحرمين ، وتظهري محاسنك ومفاتنك أمام المسلمين فتبوئي بالإثم والخسران العظيم ، ويعود الناس بذنوب مغفورة ، وأعمال مشكورة ، وترجعي خاسرة آثمة مأزورة ، معاذ الله أنت لا ترضين هذا لنفسك أنت أبعد وأعقل من هذه التصرفات أنت إن شاء الله المتحجبة المحتشمة الحيية العفيفة .

وبعد هذا الاستطراد الموجز الذي جذبني إليه القلم ، لما نرى من مناظر الألم ، جَنَبكِ الله مواطن الندم .

تعالي أيتها الأخت لنستكمل حديثنا مع عائشة وكأني بها وهي تبكي وتنحدر الدموع على خدّها كاللآلي حزناً على فوات العمرة عليها ، لأنها لم تحرم بعمرة بسبب الحيض الذي عاقها عن الطواف بالبيت ، فيأبى صلى الله عليه وسلم إن أن يجبر خاطرها ويُطيّب قلبها ، حتى ترجع من الحج وهي سالية مسرورة ، فيأمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب بها إلى التنعيم ، فتهلّ من هنالك بعمرة وهذا من حرصها وحبها للطاعة ، فقد شقّ عليها أن يرجع الناس بحج وعمرة ، وترجع هي بحج فقط ـ رضي الله عنها وأرضاها .

وهكذا أيتها المؤمنات الطائعات تتراءى أمام الأعين هذه الذكريات الخالدات ، ونكتفي بهذا القدر اليسير منها التي أرجو الله تعالى بأن يكون في تذكرها وتأملها ما ينفعنا ويقوي إيماننا وّصِلَتنا بديننا ونبينا وتأريخنا .

المرجع : إبهاج الحاج .