بو عبدالرحمن
19-02-2001, 08:08 PM
-
بسم الله الرحمن الرحيم ..
وهذه طائفة أخرى من الأمثلة .. نواصل ما ذكرناه من أمثلة الدرس السابق :
http://www.qal3ah.com/vb/showthread.php3?threadid=29012
(1) هناك المواضع التي يتناسق فيها التعبير ، مع الحالة المراد تصويرها ، فيساعد على إكمال معالم الصورة ــــــ الحسية أو المعنوية __…. مثال ذلك :
( إن شرَ الدواب عند اللـه الصم البكم الذين لا يعقلون )
كلمة ( الدواب ) تطلق عادة على الحيوان __ وأن كانت تشمل الإنسان ، لأنه يدب على الأرض _ ….. لكن اختيار الكلمة هنا ( الدواب ) ، ثم تجسيم الحالة التي تمنعهم من الانتفاع بالهدى بوصفهم ( الصم البكم ) .. كلاهما يكمل الصورة ويقررها :
صورة الغفلة والحيوانية ، التي يريد أن يرسمها لهؤلاء الذين لا يؤمنون ولا يعقلون ..
ومثلها : ( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم )
فقد رسم لهم بهذا التشبيه صورة دقيقة عجيبة :
إنهم يأكلون ويتمتعون .. غافلين عن الجزاء الذي ينتظرهم .. كما تأكل الأنعام وتمرح ، غافلة عن شفرة القصاب ، أو غافلة عما سوى الطعام والشراب ….!!
(2) وقد يستقل لفظ واحد _ لا عبارة كاملة _ برسم صورة شاخصة … وهذه خطوة أخرى في تناسق التصوير … خطوة يزيد من قيمتها أن لفظا مفردا هو الذي يرسم الصورة ، تارة بجرسه الذي يلقيه في الأذن ، وتارة بظله الذي يلقيه في الخيال ، وتارة بالجرس والظل جميعاً ..
تسمع الأذن كلمة ( اثاقلتم ) في قوله :
( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم : انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض . ) فيتصور الخيال ذلك الجسم المُثّاقل ، يرفعه الرافعون في جهد ، فيسقط من أيديهم في ثقل .!.. إن في هذه الكلمة ( طناً ) على الأقل من الأثقال !!
ولو أنك قلت ( تثاقلتم ) لخف الجرس ، ولضاع الأثر المنشود ، ولتوارت الصورة المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ المختار ، واستقل برسمها ..
(3) وتقرأ قوله تعالى : ( وإن منكم لمن ليبطئنّ )
فترتسم صورة التبطئة في جرس العبارة كلها .. وفي جرس ( ليبطئنّ ) خاصة .. وإن اللسان ليكاد يتعثر ، وهو يتخبط فيها ، حتى يصل ببطء إلى نهايتها ..!!
(4) وتتلو حكاية قول هود عليه السلام :
( أرأيتم إن كنت على بينةٍ من ربي وآتاني رحمة من عنده فعُميّـت عليكم أنُـلْزِمُـكموها وأنتم لها كارهون ؟ )
فتحس أن كلمة : (أنُـلْزِمُـكموها ) تصور جو الإكراه ، بإدماج كل هذه الضمائر في النطق ، وشد بعضها إلى بعض ، كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون ، ويشدون إليه وهم منه نافرون ..!!
وهكذا يبدو لون من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية ، وأرفع من الفصاحة اللفظية اللتين يحسبهما بعض الباحثين في القرآن الكريم أعظم مزايا القرآن !
وكما نقول في أعقاب كل درس :
متى يمكن أن نتعلم من كتاب ربنا سبحانه ، كيف نكتب إذا كتبنا ، وكيف نتحدث إذا نطقنا ؟؟
متى سنحسب للكلمة حسابها ، فنختارها بدقة ، لتأتي في المكان المناسب ، حتى تعطي أثرا أبقى ، ووقعا أقوى … ؟
متى سيستفيد مبدعونا من أسلوب القرآن في تناول القضايا ، وطريقة طرحها ، وأسلوب عرضها ، ليكونوا عامل دفع بالقارئ إلى السماء ، لا عامل من عوامل شد القارئ إلى أوهاق الأرض ..؟؟ متى .. متى .. متى ….؟؟؟
...... وإلى لقاء آخر قريب _ إن شاء الله _
.................أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ..
بسم الله الرحمن الرحيم ..
وهذه طائفة أخرى من الأمثلة .. نواصل ما ذكرناه من أمثلة الدرس السابق :
http://www.qal3ah.com/vb/showthread.php3?threadid=29012
(1) هناك المواضع التي يتناسق فيها التعبير ، مع الحالة المراد تصويرها ، فيساعد على إكمال معالم الصورة ــــــ الحسية أو المعنوية __…. مثال ذلك :
( إن شرَ الدواب عند اللـه الصم البكم الذين لا يعقلون )
كلمة ( الدواب ) تطلق عادة على الحيوان __ وأن كانت تشمل الإنسان ، لأنه يدب على الأرض _ ….. لكن اختيار الكلمة هنا ( الدواب ) ، ثم تجسيم الحالة التي تمنعهم من الانتفاع بالهدى بوصفهم ( الصم البكم ) .. كلاهما يكمل الصورة ويقررها :
صورة الغفلة والحيوانية ، التي يريد أن يرسمها لهؤلاء الذين لا يؤمنون ولا يعقلون ..
ومثلها : ( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم )
فقد رسم لهم بهذا التشبيه صورة دقيقة عجيبة :
إنهم يأكلون ويتمتعون .. غافلين عن الجزاء الذي ينتظرهم .. كما تأكل الأنعام وتمرح ، غافلة عن شفرة القصاب ، أو غافلة عما سوى الطعام والشراب ….!!
(2) وقد يستقل لفظ واحد _ لا عبارة كاملة _ برسم صورة شاخصة … وهذه خطوة أخرى في تناسق التصوير … خطوة يزيد من قيمتها أن لفظا مفردا هو الذي يرسم الصورة ، تارة بجرسه الذي يلقيه في الأذن ، وتارة بظله الذي يلقيه في الخيال ، وتارة بالجرس والظل جميعاً ..
تسمع الأذن كلمة ( اثاقلتم ) في قوله :
( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم : انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض . ) فيتصور الخيال ذلك الجسم المُثّاقل ، يرفعه الرافعون في جهد ، فيسقط من أيديهم في ثقل .!.. إن في هذه الكلمة ( طناً ) على الأقل من الأثقال !!
ولو أنك قلت ( تثاقلتم ) لخف الجرس ، ولضاع الأثر المنشود ، ولتوارت الصورة المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ المختار ، واستقل برسمها ..
(3) وتقرأ قوله تعالى : ( وإن منكم لمن ليبطئنّ )
فترتسم صورة التبطئة في جرس العبارة كلها .. وفي جرس ( ليبطئنّ ) خاصة .. وإن اللسان ليكاد يتعثر ، وهو يتخبط فيها ، حتى يصل ببطء إلى نهايتها ..!!
(4) وتتلو حكاية قول هود عليه السلام :
( أرأيتم إن كنت على بينةٍ من ربي وآتاني رحمة من عنده فعُميّـت عليكم أنُـلْزِمُـكموها وأنتم لها كارهون ؟ )
فتحس أن كلمة : (أنُـلْزِمُـكموها ) تصور جو الإكراه ، بإدماج كل هذه الضمائر في النطق ، وشد بعضها إلى بعض ، كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون ، ويشدون إليه وهم منه نافرون ..!!
وهكذا يبدو لون من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية ، وأرفع من الفصاحة اللفظية اللتين يحسبهما بعض الباحثين في القرآن الكريم أعظم مزايا القرآن !
وكما نقول في أعقاب كل درس :
متى يمكن أن نتعلم من كتاب ربنا سبحانه ، كيف نكتب إذا كتبنا ، وكيف نتحدث إذا نطقنا ؟؟
متى سنحسب للكلمة حسابها ، فنختارها بدقة ، لتأتي في المكان المناسب ، حتى تعطي أثرا أبقى ، ووقعا أقوى … ؟
متى سيستفيد مبدعونا من أسلوب القرآن في تناول القضايا ، وطريقة طرحها ، وأسلوب عرضها ، ليكونوا عامل دفع بالقارئ إلى السماء ، لا عامل من عوامل شد القارئ إلى أوهاق الأرض ..؟؟ متى .. متى .. متى ….؟؟؟
...... وإلى لقاء آخر قريب _ إن شاء الله _
.................أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ..